أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ماهر اختيار - علاقة الحاكم العربي بشعبه...استمرار لماضٍ قاتم!















المزيد.....

علاقة الحاكم العربي بشعبه...استمرار لماضٍ قاتم!


ماهر اختيار

الحوار المتمدن-العدد: 3375 - 2011 / 5 / 24 - 12:48
المحور: المجتمع المدني
    



قدّم بعض الباحثين دراسات متعددة في ميدان التاريخ تهدف إلى إيضاح مكانة الملك ودوره في بناء حضارة ما عبر العصور. ورغم الخلفيّة المنهجيّة والابستمولوجيّة لهذه الدراسات إلا أنها ساهمت بشكلٍ أو بأخر في تحجيم دور الحاكم معيدةً الاعتبار للشعب الذي يُمثل العامل الأهم في تسطير تاريخه وفي بناء دولته. فمثلاً، في سعيه لبلورة أبحاث تاريخية تتساوق مع موضوعيّة علوم عصره، دعا فرانسوا سيميند 1873-1935، إلى ضرورة تحطيم بعض أصنام التاريخ التقليدية ومنها صنم الفرد؛ إذ رأى بأن النصوص التاريخية تبالغ غالباً في تعظيم دور الحاكم لدرجة أن هذا الأخير بدا وكأنه الإله الأرضي القادر، بفضل جلالة قدراته ورجاحة عقله لا بل وبفضل فرادة شخصه، على رسم ركائز ومصير دولة بعيّنها. لذلك وجد سيميند أنه من الأهمية بمكان تجاوز هذا الصنم وتحطيم عادة تمجيد الفرد السياسي في سبيل إلقاء الضوء على البنى الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي تُمثل قواعد صلبة نحو بناء حضارة الإنسان1.
من جانبه، ذهب فرناند بروديل 1902-1985 إلى أبعد من ذلك، إذ عمل على تهميش دور الحاكم وربطه بالحدث الثانويّ العاجز عن صناعة التاريخ، وبيَن في أطروحة بحث الدكتوراه أن جغرافية البحر المتوسط ومناخه والسلوك الجمعي لقاطني المدن المتوسطيّة تُجسد العناصر الأكثر أهمية وفاعلية في صناعة تاريخها إذا ما قيست بقرارات فيليب الثاني ملك إسبانيا خلال القرن السادس عشر. لذلك أعتبر بروديل أن البحر، بوصفه وسطاً جغرافيّ يسمح للإنسان بالقيام بنشاطات اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ وسياسيةٍ، أصدق وثيقة تنقل لنا أخبار الماضي 2. موقف بروديل هذا يشير صراحة إلى ضرورة تجاوز الكثير من الوثائق المكتوبة من قبل المؤرخين وبشكل خاص تلك التي تعمل على تعظيم الحاكم، لأنها وثائق مكتوبة تحت إشراف السلطة السياسية وأيدولوجيتها المعظمة لما يقوم به الراعي، في حين أنها تضع في الظل الشروط المادية والعقلية، ممثلةَ بالطبيعة والسلوك الجمعي، والتي لولاها لما قامت حضارة على حوض المتوسط. إن تحقيق هذه القطيعة الابستمولوجيّة في ميدان التاريخ ساهم ويساهم في النظر للحاكم على أنه من طبيعةٍ إنسانيةٍ تصيب وتخطئ وأنه مساو للمواطن الذي يحكمه، وبالتالي لا يسمح للحاكم تجاوز سقف القانون المصاغ والمتواضع عليه في دستور الدولة.
في الواقع، إن إحداث هذه القطيعة النظرية مع تلك النصوص التاريخيّة التقليديّة، تلك التي كانت تقدّس شخصية الحاكم، انعكست على أرض الواقع ويعايشها بشكل يومي المواطن في أوربا، فالرئيس جاك شيراك 78 عاماً يخضع لمحاكمة قضائية جراء اتهامه بدفع أموال بطريقة غير شرعية لعدة أشخاص في أوائل التسعينات، وكان ذلك للعمل لصالح حزبه السياسي سعياً للترشيح لمنصب الرئيس. وها هو بدوره رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني يحاول إثبات براءته بعد اتهامه بعدة تجاوزات للقانون الإيطالي تبدأ بالتهرب الضرائبي وتنتهي بممارسة الجنس مع مومس قاصر.
لعل هذه الصورة بصدد المجتمع الغربي المعاصر بعيد التطبيق في مجتمعاتنا العربيّة، و ذلك بسبب التصاقنا بتقليد يغالي في كثير من الأحيان في الإعلاء من المنزلة العقلية للحاكم والتي تبدو أحياناً مفارقة للخصائص البشريّة. فعلى الرغم من محاكمة الرئيس مبارك وعائلته، ورغم محاولة محاكمة قرينه في المصير الرئيس بن علي، إلا أنه يبدو أن ما يجري وراء الكواليس يجسد قذارة زواريب السياسة ولا أخلاقيتها، إذ يسعى بعض حكام الدول العربية لتحصين هؤلاء من محاكمة علنية عادلة أمام الشعب. وهذا السعي ليس مردّه المحبة والولاء لشخص مبارك أو بن علي، وإنما حفاظاً على قدسية وحصانة وظيفة رئاسة الدولة وعلو شأن صاحبها وتميزه عن شعبه الذي ينطوي تحت رعيته. إن مأساة هذا الواقع العربي المتمثلة بقدرة حُكامه على تجاوز القوانين وتجاهل مضمونها تدعونا لمحاولة البدء بإحداث قطيعة مع صورة الماضي، تلك الصورة التي ما زالت تجد تجسيداً لها واستمراراً لحضورها العفن في واقع البلدان العربية ومنها على سبيل المثال لا الحصر :
عرض د. إمام عبد الفتاح إمام في كتابة الطاغية قول للوليد بن عبد الملك يخطب فيه رعيته قائلاً " أيها الناس، عليكم بالطاعة ولزوم الجماعة، فإن الشيطان مع الفرد، أيها الناس من أبدى ذات نفسه ضربنا الذي فيه عيناه. ومن سكت مات بدائه" 3. هل تلاحظون الروابط القوية بين القرن الثامن الميلادي و حاضرنا، أليس الاختلاف عن الجماعة وقول كلمة (لا) للحاكم في وقتنا الراهن هي من قبيل الكفر لدرجة أن علماء في المملكة العربية السعودية أفتوا بتحريم التظاهر والاعتراض على لما يراه ملكهم مناسباً؟ ، أليس القذافي من أتهم من حاول تجاوز أسوار مزرعة خواريفه بالجنون وتناول حبوب الهلوسة؟ أليس خطوة معارضة الحاكم في أيامنا هذه هي خطوة فدائية، إذ التلفظ ب (لا) قد يكون الخروج الأول والأخير عن السرب؟ ما أقربنا من هذا الماضي الذي يكرر تقليداً بعيداً عن كل عقل واحترام لإنسانيّة الإنسان.
لعلنا نستطيع الإضافة أنه وللأسف ما زال يدور معظم الحكام العرب في فلك الحكم الثيوقراطي، وذلك لأنهم يعتمدون في استمرارية شرعيتهم على رجال الدين الإسلامي والمسيحي، وبالتالي تجد غالبية الشعب المتدينة في هؤلاء الفقهاء وعلماء الدين والعارفون بأمور النص والواقع خيرُ ناصح في التأييد المطلق لبقاء الحاكم على رأس سلطته. بالنتيجة تبدو هذه السلطة، من جهة أولى، وكأنها مستمدة من مصدر إلهي لا يجب التفكير في معارضته، ومن جهة أخرى فإن الحكام العرب لا يتوانوا في مطالبة شعوبهم بتقديم الطاعة التامة والقبول بقراراتهم بوصفها قرارات لا تصدر عن شخص اعتاد ارتكاب الأخطاء، بشهادة رجالات الدين، وإنما شخص اعتاد تصحيح أخطاء الآخرين بالطريقة التي يراها مناسبة. من هنا فإن الطاعة تعني الأمن والاستقرار، وأن الانصياع لرأس الهرم والانقياد انقياداً خاروفياً وراء سياساته يؤدي بالشعب إلى بر الأمان وضمان الخبز في الدنيا والجنة في الآخرة.
حقيقة، لن تستطيع الشعوب العربية التحرر من تسلط وحضور ماضيها في حاضرها إلا عندما تستطيع إعادة قراءة هذا الماضي ونقده وتبيان الخيط الأبيض من الأسود؛ ولعل هناك الكثير من الخطوات الواجب اتخاذها في هذا الميدان ولكن دعونا نبدأ بإعادة رسم علاقة الحاكم بالمحكوم، وقد يكون النجاح من نصيبنا إذا ما بدأنا بفصل الدين عن السياسة وبمنع رجال الدين التدخل في أمور التأييد والتصفيق للحاكم. ومن الضرورة بمكان عدم تجاهل خطوة التأسيس نظرياً لقراءة تدلل على أن من يكتب التاريخ هو الشعب الذي هو الضامن الأساسي لتوازن مجتمعه ولاستمراره وليس شخص الرئيس. دعونا نتوقف عن انتظار المخلص المتّجسد في شخص الحاكم، ولنعمل على أساس أن المخلص هو إرادة الشعب ووعيه بضرورة تحقيق إنسانيته من خلال احترام القانون الذي وجد لأجل خير الجماعة، وأن احترام شخص الرئيس نابع من كونه إنسان وليس لأنه المخلص الأوحد الذي لا يكرر التاريخ شخصه إلا مرة واحدة في كل جيل.
ماهر اختيار
المراجع المعتمدة :
Cf., F. Simiand, « Méthode historique et science sociale » in Méthode historique et sciences sociales, op. cit, p. 166.
Cf., F. Braudel, La Méditerranée et le monde méditerranéen à l’époque de Philippe II, t. 1, La part du milieu, éd. Armand Colin, Paris, 1966, p. 10.
انظر عالم المعرفة، الطاغية، ص. 214



#ماهر_اختيار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورات العربية وضرورة التأسيس لدولة القانون...إسقاط الطبقة ...
- غياب القانون بوصفه أزمة في بنية البلدان العربية


المزيد.....




- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ماهر اختيار - علاقة الحاكم العربي بشعبه...استمرار لماضٍ قاتم!