أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ماهر اختيار - التصوف الاجتماعي... وجه من وجوه انتقاد الاستبداد السياسي















المزيد.....

التصوف الاجتماعي... وجه من وجوه انتقاد الاستبداد السياسي


ماهر اختيار

الحوار المتمدن-العدد: 3384 - 2011 / 6 / 2 - 01:12
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


وقف بجانب الرئيس السابق حسني مبارك قائلاً: " وأنا يا سيادة الرئيس...لن أختم حياتي بنفاق. إن المُلك كله بيد الله، يُؤتيه من يشاء، فلا تآمر لأخذه ولا كيّد للوصول إليه... لن يحكم أحد في ملك الله إلا بمراد الله، فأنا أنصح كل من يجول في رأسه أن يكون حاكماً، أنصحه بأن لا تطلبه، بل يجب أن تُطلب إليه. [ثم ختم مخاطباً الرئيس] إذا كنت قدّرنا فليوفقك الله، وإذا كنا قدّرك فليُعِنك الله على أن تتحملنا"1. هذه مقتطفات مما قاله رجل الدين محمد متولي الشعراوي عقب محاولة اغتيال الرئيس مبارك في عام 1995. يبدو للوهلة الأولى أن ما يقوله مقارباً للحياديّة، إذ لا تتضمن مفرداته ذماً أو مدحاً لحاكم مصر السابق والمخلوع لاحقاً من قبل الشعب. لكن إذا ما توقفنا مليّاً أمام الدلالة الضمنيّة لما قاله عالم الدين هذا ووزير أوقاف مصر سابقاً يدفعنا لاستنتج العناصر التالية: 1- مركزية الإرادة الإلهية في مسألة اختيار رئيس الهرم السياسي، 2- الرئيس بوصفه قدّر لا يجوز الاعتراض عليه، 3- تغييّب الشعب. حقيقةً، ينحو الشعراوي منحيين في كلامه هذا، منحى استسلامي في قضية اختيار رئيس الدولة، والأخر تكفيري متصل بالوعيد لكل من تُخول له نفسه التفكير بمجرد معارضة أو منافسة الرئيس.
في الواقع لسنا هنا في معرض الحديث عن شخصية الشيخ محمد متولي الشعراوي ولا نريد تقييم مؤلفاته وأشعاره أو اجتهاداته في تفسير القرآن، وإنما نحاول مناقشة دور عالم الدين (بوزن الشعراوي) ومدى تأثيره على جموع الشعب بوصفه ناطقاً، حسب اعتقادهم، بالحق. ومن ينطق بالحق لا يقع بالخطأ سواءً تكلم بقضايا فقهية عقائدية أو بقدريّة مسألة اختيار الحاكم. إذاً حسب اعتقاده فإن بقاء مبارك في الحكم لمدة تقارب الثلاثين عاماً هي مسألة خارجة عن إرادة الشعب وذلك لأنه لن يحكم أحد في مُلك الله إلا بمُراد الله، وينتج عن هذه القضية أن ثورة الشعب المصري على حاكمه هي خطوة مُقدّرة من قبل الله، والله هو الذي رسم الأسباب لسقوط مبارك وخروجه من السلطة. ونفهم أيضاً مما سبق أن علاقة العبد مع ربه هي علاقة غير شخصية والدليل أنه تمت معاقبة الشعب المصري من خلال بقاء مبارك والعمل على تكريس سياسته الاستبدادية على مدار ثلاثة عقود وذلك يعود ربما بسبب نقص ما في العبادة أو كنتيجة من نتائج وراثة خطيئة آدم الأصلية. إذاً عندما أراد الشعب التغيير، فهو لم يُرده إلا بعد أن أراد الله، ومن هنا نفهم مركزية الإرادة الإلهية في اختيار رئيس الدولة وفي أن الشعب ما هو إلا وسيلة للتعبير عن هذه الإرادة.
لماذا تؤدي قراءة ما قاله الشعراوي إلى هذه الاستنتاجات المناقضة لإنسانية الإنسان والتي تتضمن الخنوع وضرورة إذلال الذات أمام القدر الإلهي؟ ببساطة لأن قاموس عالم الدين هذا وبنيته العقائدية ومنهجه في تفهم الأمور قد تجاوز ميدانه وأدّلى بدلوه فبدا وكأنه أداة من أدوات الرئيس مبارك يوظفها هذا الأخير بغية الاستمرار في حكمه. لا بل إن فهم رجل الدين لخطيئة أدم الأصلية وجدت ترجمتُها في جملته الأخيرة عندما قال "إذا كنت قدّرنا فليوفقك الله، وإذا كنا قدّرك فليُعِنك الله على أن تتحملنا". وكأننا أمام عالم دين يقول لرئيسه إن وظيفتك هي قدّرٌ إلهي فليُعنك الله عليها وعلى هذا الشعب الذي لا يصدر عنه سوى المتاعب. إضافة إلى ذلك فإن حديث هذا الشيخ لا يتضمن إلا الله والرئيس في حين يتم تحجيم الشعب بوصفه سيزيف العربي المُنهك من حمل صخرة الخطيئة عبر الأجيال، فالشعب مُدان ديناً ودنيا، عقيدةً وسلوكاً. إن موقفنا في هذا المقام لا يختزل في تقبيح أراء رجال الدين، ولكن اعتراضنا يتلخص في توظيف مفردات دينية وعقائدية في قضايا السياسة وموضوعاتها الشائكة، وفي انصهار دور رجل الدين، الفاعل والمؤثر في العقلية والسلوك الجماعي، في غايات شخصية تتصل بمأرب وأطماع الحاكم.
هذا غيض من فيض، فغالباً ما يقع رجال الدين في فخ التحدث في أمور السياسة مستغلين دورهم الديني للتأثير على الناس في الخنوع للسلطة المستبدة. هذا السلوك يؤدي بهم إلى الابتعاد عما يسمى بالتصوف الاجتماعي والذي يجب أن لا ينفصل، بوصفه سلوك عملي، عن اجتهاداتهم في مسائل الفقه والعقيدة. إن اكتساب رجل الدين لإحدى خصائص التصوف الاجتماعي تعني ابتعاده عن النخبة الحاكمة وعن أهواء رجال المال، لأن هؤلاء يصنفون في دائرة الأغيار والتي يجب مقاطعتها وعدم التعامل معها. وقد شرح هادي العلوي، في كتابه مدارات صوفية، موقف بعض رجال الدين من الدولة بالقول " تتألف الدولة من جملة الأغيار المقيمين في دار الضد والحس والشهوة. وهم عماد الظلم ومنشأ الظلمة والخلق منهم في بوار"2، ثم يّعرف من يتبع التصوف الاجتماعي بأنه "هو من لا يملك شيئاً. وهو أيضاً من لا يملكه شيء"3.
إذاً هذه ليست دعوة لإتباع نمط التصوف المتمثل بحياة التقشف والعزلة والاغتراب عن المجتمع سعياً وراء تواصل باطني شخصي مع الإله، وإنما على العكس تماماً هي دعوة للوقوف إلى جانب الشعب ضد السلطة السياسية، هي دعوة لامتهان لغة النقد تجاه الدولة التي تملك كل وسائل القمع من مال وسلطة ووسائل بوليسية، وأخيراً هي دعوة لتجنب عبودية المال وذلك في سبيل النضال من أجل مشاعيته بين عامة الناس ومحاربة احتكاره من قبل عينة نخبوية من الأشخاص. يسعى هادي العلوي إذاً لشرح الدور الاجتماعي المناط برجل الدين وأهمية تكاتفه مع عامة الشعب في سبيل رد الظلم عنهم وفي محاولة منه أيضاً لمساعدة الفقراء في نيل بعض من السعادة في دنياهم تاركاً السعادة الأخرويّة للعلاقة الشخصية بين العبد وربه. لذلك يسرد لنا الكاتب مثالاً حول عبد القادر (الجيلي) الذي" عاش في بغداد أيام الخلفاء الأواخر بعد تحرر بغداد من التسلط السلجوقي. وكان محاطاً بالعوام الذين شكلوا من حوله ما يشبه السور. ويبدو أنه كان يتقوى بهم في تحدي الخليفة. وكان قد نظم بعض الفعاليات الاجتماعية لإغاثة فقراء المدينة معتبراً إطعام الجياع أفضل أعمال الإنسان [...] ولما حاول الخليفة استغلال فعالياته هذه للمساهمة في تمويله رد عليه عطاياه مع توبيخ يقول إنه لا يقبل أموالاً مأخوذة من دماء الناس"4.
يقدم لنا هذا المثال الفكرة التالية: إن من مقومات التصوف الاجتماعي عدم سعي رجل الدين وراء محاباة السلطة السياسية ورجال المال من أجل إطعام الفقراء، لأن الابتعاد عن هذه السلطة والخروج من الملكية هو السبيل لنقدهما ولنزعهما من الأغيار. فتواطؤ رجل الدين مع الحاكم، لكي يدعم هذا الأخير مشروع اجتماعي ما، يؤدي إلى العجز عن نقد هذا الحاكم وإلى تثبيط الهمم في الإشارة إلى مواطن الفساد والظلم. في حين أن التقرب والتزلف للأغنياء يدفع رجل الدين لتجاهل أهواءهم ونزواتهم المريضة والتي تُدرج ضمن الترف القابع في قمة الهرم المجتمعيّ. إن التصوف الاجتماعي يقوم إذاً على نقد السلطة السياسة والابتعاد عن مجالسة الأغنياء، والسبب وراء هذا الموقف الناقد هو أن من يملك السلطة والمال يُقصر غالباً في قضية إحقاق المساواة الاجتماعية وتنظيم علاقات الأفراد وفقاً لقوانين وضعية مناسبة للظروف الراهنة، وليست مرتهنة بنص ديني متمحور في أغلبه حول علاقة العبد بربه.
يتابع هادي العلوي شرحه لأحد أهم خصائص التصوف الاجتماعي، الواجب توفرها من وجهة نظرنا لدى رجل الدين في الوقت الحاضر، ألا وهي التكلم بلسان الوعي الجمعي. فعلى عالم الدين العمل من أجل الناس وليس العمل من أجل أفراد، عليه بذل جهوده في سبيل الصالح العام وليس العمل من أجل توطيد سلطة سلطان أو تبرير ثروة فلان. عليه الكفاح من أجل راحة الناس بحيث يمتلكون ما يغنيهم عن التعب والكدّ ويوفر لهم الطعام والمأوى مع العزة والكرامة؛ إذ لا مذلة في طلب المساواة، ولا إهانة في نقد مفاسد الحكام وبذخ كانزي الأموال. ينقل هادي العلوي لنا القصة التالية: " لما وقف الخليفة الأموي بإزاء أمرآة يسألها عن حاجتها عرضت عليه حاجة الحي كله، فقال لها سألتك عن حاجتك وتسأليني عن حاجة أهل الحي؟ قالت "إني لأكره للوادي أن يرف أوله ويُقف آخره" [ ويشرح العلوي متابعاً] فقولها يرف يعني يزدهر ويقف أي ييبس ويُجدب. لقد نطقت هذه الأمية بلسان الوعي الجمعي"5.
إن خصوصية مجتمعاتنا العربية تفترض ربما هذا الحضور الفاعل لرجال الدين في معظم ميادين الحياة بما فيها الحياة السياسية، ولكن حبذا لو أن رجال الدين يتوقفون عن الاصطفاف مع القوي متناسين الضعفاء من الشعب، حبذا لو أن اجتهاداتهم العقائدية التي تخص القدر والتسليم بمشيئة الله تبقى في ميدان العقيدة وأن لا تتجاوزها لتكريس سلطة الحاكم والعمل على كبت من يحاول نقده والإشارة لأخطائه. حبذا لو أنهم يحصرون قصة الخطيئة الأولى في دائرة العقيدة الدينية وذلك في سبيل النظر للشعب على أنه صاحب حق وأن حقوقه المسلوبة، وحريته الممنوعة، وكرامته المهدورة هي نتيجة احتكار السلطة من قبل الحاكم وليس لأنه حامل للخطيئة عقيدةً وسلوكاً. إن التكلم بلسان الوعي الجمعي هو في مؤازرة السواد الأعظم من الناس في نضالهم ضد استبداد حكامهم وليس في مساندة هذه السلطة أو في تأييد ظلمها بدعوى قدر الله ما شاء فعل. فهل يستجيب رجال الدين لبعض من محاور التصوف الاجتماعي واضعين أيديهم بيد عامة الشعب ومبتعدين عن دهاليز الحياة السياسية وعن عالمها البعيد عن ميدانهم.
ماهر اختيار
المراجع المعتمدة :
1-http://www.youtube.com/watch?v=OJPEaKsLA6E
2-هادي العلوي، مدارات صوفية، تراث الثورة المشاعية في الشرق، دار المدى، دمشق ط.1، 1997، ص.33.
3-م/ن.، ص. 37.
4-م/ن.، ص. 35.
5-م/ن.، ص. 44.



#ماهر_اختيار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علاقة الحاكم العربي بشعبه...استمرار لماضٍ قاتم!
- الثورات العربية وضرورة التأسيس لدولة القانون...إسقاط الطبقة ...
- غياب القانون بوصفه أزمة في بنية البلدان العربية


المزيد.....




- قناة أمريكية: إسرائيل لن توجه ضربتها الانتقامية لإيران قبل ع ...
- وفاة السوري مُطعم زوار المسجد النبوي بالمجان لـ40 عاما
- نزلها على جهازك.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...
- سلي أولادك وعلمهم دينهم.. تردد قناة طيور الجنة على نايل سات ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- نزلها الآن بنقرة واحدة من الريموت “تردد قناة طيور الجنة 2024 ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- كاتب يهودي: المجتمع اليهودي بأمريكا منقسم بسبب حرب الإبادة ا ...
- بايدن: ايران تريد تدمير إسرائيل ولن نسمح بمحو الدولة اليهودي ...
- أستراليا: الشرطة تعتبر عملية طعن أسقف الكنيسة الأشورية -عملا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ماهر اختيار - التصوف الاجتماعي... وجه من وجوه انتقاد الاستبداد السياسي