أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاتف بشبوش - علياء...............















المزيد.....

علياء...............


هاتف بشبوش

الحوار المتمدن-العدد: 3407 - 2011 / 6 / 25 - 00:03
المحور: الادب والفن
    


علياء , فتاة ُّ حسناء , فرّاشة ُّمن جنوب العراق ,حلّت في الدنمارك قبل أعوام , كانت تتمتع برقة المشاعر وأبهة المنظر, وكل التفاصيل الخرافية التي تتناهى الى الفتيان, عاشت برفق ولين وإسترخاء, ولاتجهد رأسها في أصول الدين والتقاليد , التي كانت في نظرها مندثرة لامحال, ولم تكن تنصت الى المراثي والطقوس الصلواتية المفعمة بالكآبة والحزن والخوف والرعب من العالم الاخر , وهي الخرافات التي تدعي بأن الانسان سيعذب مليارات السنين حيث يُصلى فوق السنة اللهب جزاءا على مااقترفه من سيئات في طيلة حياته التي لاتتجاوز ربما الستين او اكثر بقليل او اقل, فكل هذه الترهات كانت أصداءها تتردد بين السرمدية والسماء حتى تدخل في أذنيها لتخرج من الاخرى, ولذلك كانت تبحث دائما عن العاطفة الحسية لانها أساس الوجود,أنها الملاك بأجنحته الذهبية, بلا حزن في الفؤاد, بلا سأم في الحياة.
علياء إبتعدتْ عن تلقين أبواها اليها من أزجاء النصائح والتبجيل والتعظيم الى اللاهوت والرموزالمقدسة , فكانت تحرص كل الحرص أن لاتستذكر مفاهيم الدين والطائفة , وعن كل شئ يؤدي الى سجن الجسد, أوالتحكم به وإخضاعه للعنان, لكنها سرعان ما تحررت من هذا العنان, الذي أراد بها أن تكون في معمعة النشاط الديني, لكنها ركلته بدماغها وما عادت تكن الاحترام لتلك الطقوس الظلامية البائسة. إلا أنّ البؤس والشقاء والاضطهاد الاجتماعي والنفسي خلف وراءه إغتراب داخلي كرسه الجهل وتعاليم الدين الزائفة في أعماقها والتي جعلتها تستسلم لطغيان التقاليد فترة من الزمن وانصاعت لما يتردد في مسمعها من الامر الالهي الذي ينهاها عن المنكر وإطاعة ممثلي الله على الارض, وعند وصولها الدنمارك ارض الحرية واحترام الذات البشرية مما جعل منها فتاة مرتبكة في البداية غير مصدقة انها في غاية من الكرامة تجعلها ان تكون في دوامة من الذهول والانبهار واللذين تحولا بشكل سريع الى ادراك وفهم عاليين لمعنى الحياة وكيفية استغلالها قبل فوات الاوان.
علياء تجولت كثيرا على اقدامها, , بزيها الذي يعطي إنطباعا سكسيا , خصوصا في هز المؤخرة, تغيّر من وجودها في أغلب الاحيان ,شعرها محررا ً بدلال على كتفيها الا قليلاً منه يسقط على جبهتها مع لمعة مساحيق ٍ برّاقة تعطيه الرونق المتميز, علياء كانت دائما تبحث عن العاطفة , وألفت نفسها منزلقة الى عالم التأمل والى صوت الحرية الذي يتردد في سماء المدن الدنماركية, دائما تتقافز نبضات قلبها على همسات الامل والتمني, تتيح لمشاعرها فرصة الانطلاق لتبدع , لترى , لتتجاسر, رقصت مع الكثيرين,سافرت وارتحلت كثيرا , ذهبت للبارات كي تشرب السيمينوف, الكحول الروسي النسائي المطعم بالليمون,او التفاح. مارست الحب مع بيتر ولارسن وغيرهم .مارسته في المراقص, والفنادق, والبواخر , والحدائق, مارسته في اماكن طالما هناك رغبة وحرية تحيطان بالسماء والمحيطات.
علياء, حسناء , تنظر الى البعيد بحلم بسيط , صورة الحرية لاتزال تتوهج في عينيها, صلبة كالتماثيل, وتثير اعجاب الرجال , وكل حركة فيها تثير البهجة في نفوس الاخرين , وكأن لها نشيد اممي رائع بلحن لم يدخل عالم الموسيقى بعد . كانت تغدو وتروح في الـــ walking street( شارع المشاة) بجلال مهيب وتألق غير مألوف, فتاة يجري في عروقها دم الحب والحرية , مرحة , عذبة , عروسة اسكندافية , ً وفي الصيف الدنماركي البخيل في حرارته ,غالبا ماكانت ترتدي فستانا قصيرا بحمالة سباغيتي رفيعة , لكنها كالثمار الناضجة , التي توجد في أعالي الشجر.
أنها دائما توجز حياتها في ذلك اليوم الذي وصلت به الى الدنمارك وتتخذه يوم ميلادها الجديد , ذلك اليوم الذي ودعت به زقاقها الجنوبي بسبعة أحجار. ومن ثم شقت طريقها ,بين الجموع الغفيرة , ووجدت حبها الاوحد في ذلك الوسيم الدنماركي الذي منحها طفلين, كنهرين عظيمين في حياتها , وأحست بصدى هديرها يترامى فوق الشوارع, والازقة والاسفلت , وينتشر مثل البخار نحو السماء, بل يغطي الكواكب والليل الداجي المداري سعادتها.
علياء أصيبت بمرض عضال , فعرفت اليوم والساعة التي سوف يتوقف فيهما نبضها الدافق, علياء أوصت وصيتها الغريبة والتي اصبحت مثارا للجدل بين الاخرين, فراح فلان ينعتها بالنعوت التي تقلل من شرف البنت في أوساطنا, وراح الاخرون ينعتوها بالمرتدة والزنديقة ولذلك قالوا عنها بأنها تستحق هذا المرض العضال جزاء أفعالها, وراح البعض يصفها بأنها الملاك الطائر الذي أنشد الحرية, فحصل عليها بمطلقها.
علياء أوصت أن لاتقرأ الفاتحة على روحها ولاتقام عليها مراسيم العائلة التقليدية الجنوبية, ولاتذرف عليها الدموع, ولاتريد لطما على الصدور من قبل النساء, وكما أنها أوصت أن تدفن بطريقة أخرى, ولايحق لعائلتها الحضور في مدفنها, أنها أرادت بوصيتها هذه أن تبعد شبح تقاليد العائلة والمجتمع المخيف عنها حتى في مماتها , إنها كرهت أن تموت على تلك التقاليد التي تركت في قلبها ندوبا عميقة من الالم . أنها أحتقرت كل شئ له صلة بالنظام الاصولي الراديكالي, والقيم والمفاهيم التي نخرت ولاتزال تنخر في الجسد العراقي , إنها رفعت صرختها عالية بلا خوف في حياتها ومماتها , أنها بصقت بصقتها الاخيرة على كل التفاهات وكل الرؤوس التي تتخذ أفواهها دكاكينا لبيع الكذب والنفاق والدجل.
لقد كانت تتوق الى أحلامها ولاتريد ان تشعر بالخواء , تريد أن تجعل من قلبها متورما دوما بالحب ومتحررا ً كي يمنحها احساسا بالامان. في أيامها الاخيرة بدا عليها الوهن الذي أراد بها الانتقال الى العالم الاخر , لكنها كانت تطلق لعينيها اتساع الرؤيا في كل مكان.
لقد أوصت أنْ لاتدفنوني في أرض موحشة كارض بلادي , أو أرض يتصارع فيها الانسان على لقمة عيشه,او اختلاف في الدين , أو أرض يقطنها إله الحرب والنفاق والرذيلة والجوع,إدفنوني بين الازاهير الملونة ,القريبة من صراخ الموسيقيين كي أغني أغنيتي الاخيرة الابدية معهم.
لقد تمرّدت علياء على محتوى الايمان والرهبنة وعلى النظام الشمولي , كانت دائما تزداد رخاءا وهناءة, حتى قبل مماتها بيومين كانت في مسبح المدينة بكامل أناقتها وحيويتها , وحينما نقلوها الى المشفى كانت مفعمة بالحيوية والامل , بالرغم من أنّ المداد الخبيث قد دب في جسدها ولاغبار أنه سيقضي عليها , وفي ساعات الليل المتأخرة بدأ النبض يخفت بشكل محسوس وعيناها تغوران, ولم تفارقها البسمة المعتادة الا القليل, حيث كانت تتهدج وتختلج بأنفاسها, حتى مضت مع الرحيل التراجيدي الحقيقي, مستلقية على ظهرها , مستخفة ً بالموت مع ابتسامتها الاخيرة.
علياء أصرّت ان لاتأخذ الموروث السماوي والوضعي المتخلّف معها الى الموت , لقد كرهته واحتقرته في حياتها فأرادت في وصيتها هذه أن تبعده عنها حتى في مماتها , الموروث الذي أثقل عليها حياتها ,هكذا كانت تفكر, حيث انها تركت نوعا من الذهول بهذا الاصرار والتحدي لجميع القيم والعـُقــَد اللاهوتية, والبكائيات واللطميات التي كانت تتصف بها طائفتها ,واللتي طالما وقفت في طريق سعادتها , ولقد نفذت الجهات الدنماركية المختصة وصيتها هذه بحذافيرها ومثلما أرادت , بلا زيادة ولانقصان.
في العاشرة من مساء الرحيل الابدي طارت علياء بأجنحتها الملائكية كي تعانق الحرية, لقد كان مساءُّهادئاً ، بلا ضجيج, مساءُّ ترفُّ ، وأترف من مناديل مهر عرسها.
علياء ماتت ورحلت الى العميق , بعيدة عن كل العيون, لكن بقي وجهها المضئ وعيناها الجوّالتان, اللتان تسبحان في أروقة مدينة أودنســـا ( Odense )......................................


هــاتـف بشبـوش/عــراق/دنمـارك



#هاتف_بشبوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منجلُّ نهديها الكاعبين
- طائرُ الجوع
- مدونات عبد الستار نور علي تنفض غبار الرجع القديم بنصائح سيدو ...
- صلاة ُ البحر
- ذاتَ كلامُّ قليل
- شيوعيون يدخلونَ الحفلةَ
- هواء ُالكون ِ كلّه
- أياد احمد هاشم( ليس كالامس)
- نوروز يتكلّمُ
- الشيوعيون أيّها السادة
- فتيانُّ ولوياثان
- صهباءُ ليل ِالبارحةُ
- نساء........5
- كنيسة ُ النجاة
- نساء........4
- لماركسَ رحمة ُ الطبيعة
- الفاني
- نساء......3
- صيفُ البصرةِ
- نساء.....2


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاتف بشبوش - علياء...............