أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميثم سلمان - تمرين في العمى














المزيد.....

تمرين في العمى


ميثم سلمان
كاتب

(Maitham Salman)


الحوار المتمدن-العدد: 3405 - 2011 / 6 / 23 - 02:54
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة

أرغب بتعلم الكتابة وأنا مغمض العينين، فربما أصبح ضريرا يوما ما. علينا التهيؤ لأسوأ الاحتمالات، ليس المتوقع منها فحسب بل النادرة الوقوع أيضا. مارست هذا التمرين مرارا، أطفئ النور في غرفتي عند الكتابة وأحيانا أعصب عينيّ.
أشد ما يزعجني هو عدم وضع النقاط في مكانها الصحيح، وخط كلمة فوق سابقتها. أكره الانشغال برسم الكلمات ووضعها بشكل مستقيم على السطور، أكثر من طبخ الفكرة. انشغال يشتت تفكيري، ويخرج الفكرة بلا طعم ولا رائحة، هذا إن ولدت الفكرة صالحة للتناول أصلا!
عندما أنوي كتابة عبارة (أنا لست مختلا)، مثلا، تراني أظل حريصا على تدوين كلمة (لست) بعيدة عن كلمة (مختلا)، وهكذا. إن لم أدونها كما ينبغي سيظن القارئ بأني مصاب بمس فعلا؛ فقد أموت مباشرة بعد الانتهاء من كتابتها.
ما أنا بمجنون. على العكس، أنا الأكثر حكمة منكم جميعا. ما يميزني عنكم هو أنني دائما أتحسب وأتهيأ للأسوأ. فقدان البصر حالة متوقعة. قد يستيقظ شخص ثاقب البصر ليجد عينيه منطفئتين لمجرد إصابته بحمى مثلا، أو يتلاشى النور في نهاية النفق ليرفل في ظلام اليأس، أو ربما هو يقرر رفض رؤية العالم على ما هو عليه.
ليس الكتابة فقط ما يتحتم عليَّ تعلمها عندما أكون كفيفا، بل كل ممارسات الحياة: غسل الأواني، الطبخ، فرم البصل، رمي النفايات خلف العمارة التي أقطنها، التعرف على فئة النقود، الخ.
ما يساعدني في المضي قدما في تمرين العمى هو تسهيل المهمة للمكفوفين حيث وجدت أن أبجدية نظام )بريل( في أماكن كثيرة وعلى جميع العملات الورقية.
هذه التمارين أكسبت باقي الحواس طاقة غير متوقعة. كقابلية أذني باكتشاف رنين خاص لكل شيء، فصرت أخاطب الأشياء بصوت معين ثم أنتظر رجوع صدى منها ليخبرني عن ماهيتها. استغرقتُ عدة أيام لتجريب الصوت المناسب الذي يتحتم عليَّ إطلاقه لإحداث صدى على الأجسام المختلفة. وجدت أن التصفيق هو الأنسب. صرت أصفق دوما فتأتيني أصداء الأجسام المحيطة بي ثم أتلمسها لمعرفة ماهيتها وأسجلها في ذاكرتي. قد يهزأ مني بعض المارة، أحيانا يطلقون قهقهات سمجة، لكني لا آبه لهم.
كل مادة صلدة لها صوتها الخاص. أما التي لا أدركها فتكون أقل من مستوى سمعي أو أعلى. هذه المواد تكون لها رائحة مميزة، بل أن لبعضها رائحة نفاثة لم أكن لأعرفها لولا تمارين تعطيل النظر.
الناس في هذه المدينة تتعاطف معي لظنهم أني أعمى فعلا، فيحاولون مساعدتي. استسلم فقط لرغبة من يود خدمتي عندما تكون امرأة. أمسكُ يدها الملساء الحانية لتقودني إلى الرصيف الآخر. على عكس الرجل، حيث أعتذر منه مؤكدا أنني أتمرن فقط.
تطبعت على التنظيم. فالذي لا يبصر الأشياء عليه وضع حاجياته في مكان معلوم يحفظه في ذاكرته كي يسهل العودة إليها. كذلك تعلمت الصبر بسماع الآخرين بدل متابعة حركة أفواههم وهي تدعك الكلمات، أو مراقبة رونق الأعين إن حدثتني امرأة جميلة. عندما أصغي فقط، أكون أكثر حكمة بالرد. محقا من قال إننا نتعلم الكلام بسنتين ونتعلم الإصغاء بخمسين سنة.
الأعمى يرى ما لا يُرى، هذا ما تيقن لي. التأمل يستدعي تعطيل الإحساس بما حولنا والخضوع كليا لشعورنا الباطني، فصرت أبصر في قلبي وهجا يتسع كلما أمعنت في السكون الأسود. العصابة التي تلف عيني تتيح لي الغوص في داخلي على الدوام، مراجعة ذاتي وأخطائي، اجترار ذكريات لم أستطع استردادها في السابق.
السواد الدائم يريني صورا مركونة في صندوق ذاكرتي، ألتقطتهما عيناي سابقا. أغرفُ صورا مهملة في قاع رأسي وكأنني خاضع للتنويم المغناطيسي.
تعلمت كل ذلك طوال فترة عصب عيني بقطعة شاش بيضاء. عندما ألفتُ الظلمة متقنا فيها ممارسة حياتي اليومية، طلبتُ من الممرضين إزاحة الضمادة، حيث صار يمكنني مشاهدة العالم بأصابعي، وأدراك المسافة الفاصلة، في رأسي، بين كلمة (لست) وكلمة (مختلا).


http://maithamsalman.blogspot.com/



#ميثم_سلمان (هاشتاغ)       Maitham_Salman#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قمم مزيفة
- حكمة الأقدام
- جدار رملي
- ألبوم بلاد
- No More War
- ملحمة الفيسبوك
- مجرد لعبة
- مدينة العكازات
- مخاوف
- جلد الوقت
- أسئلة الغاز
- قشور بحجم الوطن (رواية 8)
- قشور بحجم الوطن (رواية 7)
- قشور بحجم الوطن ( رواية 4-5-6)
- قشور بحجم الوطن (رواية 3)
- قشور بحجم الوطن (رواية 2)
- قشور بحجم الوطن (رواية1)
- غرائبية معقولة
- نصوص
- نص


المزيد.....




- فنانة لبنانية ترقص وتغني على المسرح في أشهر متقدمة من الحمل ...
- “فرحة للعيال كلها في العيد!” أقوى أفلام الكرتون على تردد قنا ...
- موسيقيون جزائريون يشاركون في مهرجان الجاز بالأورال الروسية
- الشاعر إبراهيم داوود: أطفال غزة سيكونون إما مقاومين أو أدباء ...
- شاهد بالفيديو.. كيف يقلب غزو للحشرات رحلة سياحية إلى فيلم رع ...
- بالفيديو.. غزو للحشرات يقلب رحلة سياحية إلى فيلم رعب
- توقعات ليلى عبد اللطيف “كارثة طبيعية ستحدث” .. “أنفصال مؤكد ...
- قلب بغداد النابض.. العراق يجدد منطقة تاريخية بالعاصمة تعود ل ...
- أبرزهم أصالة وأنغام والمهندس.. فنانون يستعدون لطرح ألبومات ج ...
- -أولُ الكلماتِ في لغةِ الهوى- قصيدة جديدة للشاعرة عزة عيسى


المزيد.....

- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميثم سلمان - تمرين في العمى