أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - يعقوب ابراهامي - عودة الى خرافة الأشتراكية العلمية















المزيد.....


عودة الى خرافة الأشتراكية العلمية


يعقوب ابراهامي

الحوار المتمدن-العدد: 3397 - 2011 / 6 / 15 - 17:50
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


المفاجأة كالعادة جاءت من فؤاد النمري.
"لنا أن نفاخر بأن يكون لدينا ماركسي بهذه القامة، قامة حسين علوان حسين" - كتب فؤاد النمري في تقييمه للمقال الذي نشره السيد حسين علوان حسين في "الحوار المتمدن" بتاريخ 2011 / 6 / 5 تحت عنوان "خرافة دحض الماركسية العلمية".
فؤاد النمري لا يكتفي بالثناء بل يقدم لحسين علوان النصيحة التالية: "حبذا لو كتبت هذا لغير الرد على صهيوني يفاخر بصهيونيته ويشتم الماركسية لقاء حبات فستق فاسدة".

نترك حبات الفستق (هي بالتأكيد لم تكن فاسدة). اما تشتيم الماركسية فهذا يقرره القراء.
سؤالي هو: كيف نفسر المديح الذي يغدقه فؤاد النمري على حسين علوان حسين؟

كيف يتفق "الديالكتيك هو الحقيقة المطلقة" (النمري) مع الأدعاء "إن طبيعة معرفتنا بالحقائق العلمية هي نسبية وليست مطلقة" (حسين علوان)؟

وإذا كان فؤاد النمري يعتقد "إن الإنسانية لم تعرف نمطاً من الإشتراكية سوى ذلك الذي بناه ستالين وهو يقود حزباً منتهجاً نهج اللينينية الأصيلة"، كيف يسكت نفس النمري على كلمات الكفر التالية التي يتفوه بها "ماركسي بقامة حسين علوان حسين": ان ادعاء الحزب الشيوعي "في روسيا" بأنه حزب ماركسي هو ادعاء خاطئ?

وماذا تقولون عن "الاستبداد السلطوي للبوليس السياسي (في عهد ستالين، إذا كنت قد فهمت جيداً - ي. أ.) ضد الشيوعيين أو أعداء الشيوعيين" الذي يشجبه حسين علوان، في حين "إن ما يوصف بالتطهير" - في نظر النمري - "لم يكن أكثر من تعليمات أعطاها ستالين للنائب العام للدولة أندريه فيشنسكي تقضي بألا تتهاون النيابة العامة للدولة مع الخونة والمتعاونين مع الهتلرية والعصابات التروتسكية كخطوة ضرورية من أجل تحصين الدولة السوفياتية في وجه المؤامرة الإمبريالية الفاشيه على أمنها ووجودها"؟

كيف "يفاخر" فؤاد النمري بماركسي هذه آراؤه؟ على أقل من هذا اصبح كاتب هذا السطور خائناً وعميلاً ويقتات "حبات فستق فاسدة".
هناك احتمالان: إما ان فؤاد النمري لم يقرأ مقال السيد حسين علوان حسين أو انه قرأه ولم يفهم ما قرأ.
أنا اميل الى الأحتمال الأول رغم انني كنت أفضل الأحتمال الثاني لأنه يسلط الضوء على الكثير من نقاط الخلاف بيني وبين فؤاد النمري.
هناك طبعاً احتمال ثالث: هو الأسم المذكور في العنوان الفرعي.

أما عبد الرضا حمد جاسم فهو قصة اخرى. عليه يصدق المثل القائل: "ضربني وبكى، سبقني واشتكى".
فبعد ان قرأ عبد الرضا مقال السيد حسين علوان حسين ولم يفهم منه كلمة واحدة (هذا مؤكد) كتب يقول:
"ويعذرني يعقوب اتمنى عليه ان يترك كلمة لا افهم التي يكررها دائما وفي كل رد".

بودي، عبد الرضا، أن أكشف لك سراً (وبالمناسبة احببت نكتتك حول الكم والكيف، ولكن هذا يتعلق ب"خرافة" أخرى): عندما نشر حسين علوان مقاله أرسلت الى صديق لي (لا ابوح باسمه) رسالة كتبت فيها: "المقال على درجة عالية. حسين علوان يفهم ما يقول". (عندما كتبت ذلك لم اكن اعرف ان حسين علوان يحمل وساماً هو في نظري واحد من أرفع الأوسمة. "لقد تعلمت من ابي - أحد عمال كاورباغي" - إفتخر حسين علوان (وبصدقٍ افتخر) إثناء النقاش الذي دار حول مقاله في "الحوار المتمدن".)

ليس واضحاً تماماً لماذا أضاف حسين علوان حسين إلى عنوان مقاله عنواناً فرعياً هو: "رد على الأخ يعقوب إيراهامي".
المقال الذي كتبته انا، والذي يرد عليه حسين علوان، كان بعنوان "خرافة الأشتراكية العلمية"، في حين ان عنوان المقال الذي كتبه حسين علوان هو: "خرافة دحض الماركسية العلمية".
انا لم اكتب عن خرافة "الماركسية العلمية". كتبت عن خرافة "الأشتراكية العلمية". لو أردت ان اكتب عن "خرافة الماركسية" لكتبت عن "خرافة الماركسية". (انا لا اتحدث هنا عن التعليقات المتبادلة بيني وبين حسين علوان والتي تم التفاهم بشأنها على أفضل وجه).

انا لم أسأل إذا كانت "النظرية الماركسية" نظرية علمية أم لا. سألت فقط إذا كانت "النظرية الماركسية في التطور التاريخي" علمية أم لا. لو كنت أريد (ولو كنت استطيع) ان أعالج علمية أو عدم علمية كل نظريات كارل ماركس لفعلت ذلك.

أنا لم أحاول، كما قد يفهم من يقرأ ال"رد على الأخ يعقوب إيراهامي"، أن "أثبت خطل المئات من مقولات كارل ماركس المبثوثة في كتابه "رأس المال" و غيره من مؤلفاته حول الصراع الطبقي ، وعلاقات الإنتاج الرأسمالية ، و فائض القيمة ، و صنمية البضاعة ، والتنبؤ بالأزمات الدورية للنظام الرأسمالي كمرض ملازم لهذا النمط من الإنتاج".
أنا لم أفعل ذلك لسبب بسيط واحد هو انني لم أرد ان أثبت خطل هذه النظريات الماركسية، ولأنني اعتقد ان كارل ماركس هو خير من حلل المجتمع الرأسمالي وكشف تناقضاته (وهو أول من تنبأ بالعولمة) ولا أحتاج الى حسين علوان أو إلى كارل بوبر لكي يخبروني ان كارل ماركس كان "مفكراً أصيلاً و مناصراً للإنسانية وأحد محرري البشرية".
أغلب ما كتبه حسين علوان بهذا الخصوص قد يكون ممتعاً ومهماً وذا قيمة ثقافية وتاريخية (وهو حقاً ممتع وذو قيمة عالية) ولكن علاقته ب ال"رد على الأخ يعقوب إيراهامي" مشكوك فيها.

1. "العالم كارل ماركس":
كتبت ان حسقيل قوجمان هو الأنسان الوحيد في العالم الذي يطلق على كارل ماركس اسم "العالم كارل ماركس". ولكي أبرز "طرافة" هذا اللقب ترجمته الى الأنجليزية: The Scientist Karl Marx.
راح حسين علوان ونقب في كل الكتب، قديمها وحديثها، جرب كل انواع التركيبات اللغوية للحروف (ع ل م) مع "كارل ماركس"، قرأ كل رسالة أرسلت وكل كلمة قيلت في رثائه، حتى الى مقبرة HIGHGATE في لندن وصل، وبعد ان أدخل، دون سابق إنذار، جملة لا أساس لها من الصحة ("إن إنجلز لم يكن وحده هو الذي سمى ماركس بالعالم")، خرج، دون ان يقول ذلك صراحة، بالنتيجة التالية: لا تستخدموا لقب "العالم كارل ماركس" (أي: The Scientist Karl Marx) إذا كنتم لا تريدون ان تكونوا موضع ضحك وسخرية.
يكفي كارل ماركس فخراً ان يكون مفكراً وفيلسوفاً. هو لا يحتاج ألقاباً زائفة.

2. "الأشبراكية العلمية":
مصيراً مغايراً لمصير "العالم كارل ماركس" اصاب ادعائي ان كارل ماركس لم يستخدم تعبير "الأشتراكية العلمية" مرة واحدة في كل حياته.
كتبت: تعبير "الأشتراكية العلمية" لن تجده في أي كتاب أو مقالة أو رسالة كتبها كارل ماركس، لا كارل ماركس الشاب ولا كارل ماركس المتقدم في السن. فريدريك أنجلز هو الذي أوجد هذا التعبير.
في مقاله الأخير ("علمية الماركسية و الآيديولوجيا و أشياء أخرى")، الذي فيه يرد على "ملاحظات الأخ الأستاذ جاسم الزيرجاوي المحترم"، يقتبس حسين علوان جملة لكارل ماركس يستخدم فيها ماركس تعبير "الأشتراكية العلمية". هذه الجملة هي: "في الكراس الحالي نعيد انتاج أبرز ما يميز القسم النظري من الكتاب والذي يمكن ان يسمى مقدمة للأشتراكية العلمية." (النص هنا يختلف قليلاً عن النص الذي يورده حسين علوان لأنني في كل ما يتعلق بترجمة النصوص الماركسية لا أعتمد إلا على نفسي).

على هذا اريد ان أقول ما يلي:
كان هذا خطأً من جانبي، دون شك، ان أؤكد على ان ماركس لم يستخدم تعبير "الأستراكية العلمية" مرة واحدة في كل حياته، في حين أنني أعرف انني لم أقرأ كل (بل وحتى أغلب) ما كتبه كارل ماركس. من يطلب الدقة من الآخرين يجب ان يلتزم الدقة في كتابته. كان يجب ان أؤكد فقط على الفكرة المركزية وهي: ان فريدريك أنجلز، لا كارل ماركس، هو الذي أوجد مصطلح "الأشتراكية العلمية".

الى هذا اريد ان أضيف:
الجملة السابقة المنسوبة الى كارل ماركس مقتبسة من مقدمة للطبعة الفرنسية لكراس لأنجلز باسم "الاشتراكية : الطوباوية و العلمية" (الكراس هو في الواقع جزء من كتاب آخر يعرف باسم "الرد على دهرينغ"). هذه المقدمة غير موقعة باسم كارل ماركس. أكثر من ذلك: كاتب المقدمة يتحدث فيها عن كارل ماركس لا بصيغة المتكلم (أنا) بل بصيغة الغائب (هو). اليكم بعض الجمل على سبيل المثال لا الحصر:
"مجلةDeutsch-Französische Jahrbücher التي كان يصدرها ماركس في باريس"
"ماركس أشار في كتابه رأس المال الى أهمية كتاب أنجلز عن وضع الطبقة العاملة في انجلترا"
"عند أقامته في باريس أسس أنجلز مع ماركس النادي الشيوعي للعمال في المانيا"
"بعد ثورة شباط اصبح أنجلز أحد المحررين في جريدة Neue Rheinische Zeitung التي أسسها ماركس عام 1848".

(كلمة حول العلاقات بين ماركس وانجلز: النقاش حول وجود خلافات في وجهات النظر بين ماركس وأنجلز عمره كعمر الفكر الماركسي نفسه. أولئك الذين يقولون بوجود هذه الخلافات (وأنا منهم) يجابهون مشكلة حقيقية في إثبات ذلك. هذه المشكلة هي الصداقة الحميمة والعمل المشترك بين هذين المفكرين الكبيرين، صداقة وتعاون داما اكثر من اربعين عاماً. ليست هناك اية وثيقة مكتوبة تشير الى ان ماركس كان على خلاف مع أنجلز في أفكاره الفلسفية (وعلى الأخص في كل ما يتعلق بتطبيق "قوانين" الديالكتيك على الطبيعة الجامدة). وهناك دلائل تشير الى ان ماركس قرأ مسودة الكتاب الذي كتبه أنجلز، "الرد على دهرينغ"، قبل نشره ولا يعقل ان ماركس كان يوافق على نشر كتاب يعارض وجهة نظره الفلسفية.
هناك طبعاً ردود على هذه الحجج من جانب من يؤكدون على وجود خلافات في وجهات النظر الفلسفية بين ماركس وأنجلز. لا ندخل في ذلك الآن. انا من ناحيتي اكتفي بدراسة افكار ماركس وانجلز كما أفهمها من كتاباتهم وأحاول ان اقارن بينهما. حجتي هي (وقد يبدو في ذلك نوع من التهرب): ان عدم وجود وثائق مكتوبة تشير الى وجود خلافات في وجهات النظر بين ماركس وانجلز ليس معناه عدم وجود خلافات كهذه).

3. كارل بوبر:
في أمر واحد على الأقل نجح حسين علوان نجاحاً لا ينكر. حسين علوان نجح ان يقنع نفسه، وان يقنع القراء، ان الخلاف بيننا يدور حول نظريات كارل بوبر في فلسفة العلوم لا عن امور اخرى.
لم تفد كل محاولاتي لأقتاعه انني لست خبيراً بنظريات كارل بوبر، لست من اتباع بوبر، وانا اعرف ان هناك انتقادات جدية لنظريات بوبر. كتبت ذلك ويمكن ان يقرأها كل من يرجع الى مقالي.
لكنني قلت ايضاً ان الأنتقادات الفلسفية الموجهة الى بوبر، بصرف النظر عما إذا كانت صحيحة أو غير صحيحة، لا علاقة لها بالموضوع الذي نبحثه.
المسألة التي اردت ان أبحثها في مقالي هي كما يلي: هل يمكن اعتبار "النظرية الماركسية في التطور التاريخي" نظرية علمية إذا كانت كل تنبؤاتها قد فشلت، وإذا كانت الأحداث على الأرض هي العكس من تنبؤات النظرية؟
هل يمكن اعتبار "النظرية الماركسية في التطور التاريخي" نظرية علمية إذا كان انصارها بدل ان يختبروا صحتها على ضوء ما يحدث في الواقع، وبدل ان يسألوا أنفسهم، كلما تبين فشل النظرية، سؤالاً بسيطاً: "أين أخطأنا؟" يخترعون كل مرة تبريرات جديدة تفسر الفشل على انه دليل على صحة النظرية؟
للأجابة على هذا السؤال يمكننا بالتأكيد الأعتماد على افكار بوبر وعلى معيار التكذيب (falsification) بالذات. هذا سلاح فكري فعال جداً في هذا الصدد. أو كما كتب آكو كركوكي ( في واحد من الردود اللانهائية المتبادلة بينه وبين أمير غندور صاحب نظرية "ومع الشعرية يأتي الأبهام"): " إن معيار التكذيب ببساطة يعني القابلية للتجريب ومواجهة الواقع فلا أدري إننا لو أسقطنا التجربة والواقعية من النظريات فماذا يتبقى من (علمية) تلك النظريات؟".
ان النظرية التي تفسر الشيء ونقيضه وترى في فشل النظرية دليلاً على صحة النظرية (قيام الأتحاد السوفييتي وانهيار الأتحاد السوفييتي كلاهما يبرهنان على صحة النظرية الماركسية) ليست نظرية علمية مهما تكن الأنتقادات الموجهة الى أفكار بوبر في نواحٍ اخرى من نظرياته.
هنا (فقط هنا ومن أجل هذا فقط) أدخلنا بوبر الى حلبة السباق. لكنه دخل ولم يخرج.

4. هل اكتشفت الماركسية "أسرار" التطور التاريخي:
"دعنا من بوبر ودوخة الراس" - توسل جاسم الزيرجاوي الى حسين علوان في محاولة يائسة لأرجاع النقاش الى سياقه الطبيعي.

"هل تؤمن أنتَ شخصياً بوجود "قوانين للتطوّر البشري" ثابتة ومحدّدة تسير عليها المجتمعات والأمم وفق مسطرة مُحدّدة مُعترَف بها?" - سأل رعد الحافظ "سؤالاً محدداً" - "هل انتَ تقول (مثل ماركس وعكس بوبر وإبراهامي) بأنّ قوانين التطوّر البشري مثلها مثل قانون الجاذبية مثلاً؟ أم توافق على فكرة ( أمثالنا ) بأنّهُ لايوجد قانون محدّد ينطبق على جميع الأمم والشعوب , كون الإنسان (نفسه) حالة متغيّرة على الدوام؟".
حسين علوان "طلب بعض الوقت للأجابة" لأن "أسئلتكم تحتاج بعض التأمل لكونها غير سهلة ".
ولكن "أسئلتكم" هذه هي بالضبط نقاط الخلاف الحقيقية التي غطى عليها النقاش حول بوبر. صياغات غير دقيقة، وعرض غير ناجح للموضوع ، من جانب كاتب هذه السطور، ساهمت هي الأخرى في التغطية على نقاط الخلاف الرئيسية.

الموضوع الرئيسي الذي أردت ان أطرحه على بساط البحث هو التالي:
هل الماركسية (وعندما نقول الماركسية فنحن نعني هنا بالدرجة الأولى "النظرية الماركسية في التطور التاريخي") هي علم كسائر العلوم الطبيعية (مثل الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا) ام انها مجموعة من الأفكار والنظريات والفرضيات، في الأقتصاد والأجتماع والتاريخ، حول الأنسان ومن أجل الأنسان، هدفها فهم المجتمع الإنساني وتغييره؟
هل هناك "قوانين للتطور البشري" يمكن "اكتشافها" تماماً مثلما يمكن اكتشاف القوانين الطبيعية؟
هل هذه "القوانين" تسير التاريخ البشري وتحكم تطوره تماماًً مثل القوانين التي تحكم الطبيعة؟
هل تمكننا هذه "القوانين" من التنبؤ بالمسار المستقبلي للتاريخ البشري تماماً كما ان معرفتنا بالقوانين الطبيعة تمكننا من التنبؤ بأحداث مستقبلية في الطبيعة؟
هل هذه "القوانين" هي "قوانين" حتمية، مفروضة على الأنسان، تعمل رغم ارادته وفوق ارادته، تماماً كما تعمل القوانين الطبيعية على الطبيعة الجامدة رغم "ارادة" الطبيعة وفوق "إرادة" الطبيعة ؟
هل اكتشفت الماركسية هذه "القوانين" ("الحقيقة المطلقة" - فؤاد النمري) تماماً كما اكتشفت، وتكتشف، الفيزياء قوانين الطبيعة ("علم الماركسية لا يقل دقة عن علم الفيزياء" - حسقيل قوجمان)؟

بدل محاولة الأجابة على هذه الأسئلة تحول النقاش (بسبب عرض غير ناجح من جانبي كما قلت) الى نقاش (ممتع للغاية) حول تعريف "العلم" وطرق البحث العلمي، حول "الاستقراء" و"التعزيز" و"الاستشراف"، وحول (2 تفاحة + 2 تفاحة = 4 تفاحة) لكن (إذا وضعت أرنبين + أرنبين في سلة واحدة فقد تجد حالاً 7 أو 8 أرانب).

وفي الأماكن الوحيدة التي حاول فيها حسين علوان الأجابة على هذه الأسئلة فإن اجاباته كانت:
إما متهربة : "إن استهداف الماركسية للأفكار وللمفاهيم العلمية يستحق الإهتمام و التقدير".
هل وجد حسين علوان بيننا من لا يعير الماركسية الأهتمام والتقدير، ومن لا يعتقد ان كارل ماركس هو واحد من أكبر المفكرين في تاريخ البشرية؟

أو غامضة : "العلمية هنا تعني الموضوعية".
هل هذا تعريف جديد للعلمية؟ هل نفينا موضوعية "النظرية الماركسية في التطور التاريخي" عندما نفينا علميتها؟ ماالعلاقة بين الموضوعية والعلمية؟

أو تخالف الواقع : "إن فشل مختلف الأحزاب الشيوعية و الاشتراكية التي امتلكت السلطة في الوصول بشعوبها إلى الهدف الأعلى المنشود (بناء الاشتراكية) يعود لأسباب ذاتية و موضوعية لا علاقة لها البتة بصواب النظرية الماركسية".
هنا بالضبط نحن بحاجة الى كارل بوبر. هذا بالضبط ما عناه بوبر عندما قال: "لقد صُدِمتُ من حقيقة أن الماركسيين ... كانوا قادرين عل تفسير كل حدث باعتباره برهاناً على صحة نظرياتهم".
تعجبني بصورة خاصة كلمة "البتة" في هذه الجملة: "لا علاقة لها البتة بصواب النظرية الماركسية".
لماذا كان حسين علوان بحاجة الى هذه الكلمة الحاسمة: "البتة"؟
هل يريد حسين علوان ان يقول لنا ان فشل الأحزاب الشيوعية والأشتراكية لا علاقة له أبداً، لا من قريب ولا من بعيد، بالنظرية؟ هل هو نفسه يصدق ذلك؟
ومن يحتاج الى نظرية لا علاقة لها بما يجري على ارض الواقع؟
وما هي هذه الأسباب الذاتية والموضوعية التي لا علاقة لها البتة بصواب النظرية الماركسية؟
وأية قيمة هناك لنظرية لم تستطع ان تساعد الأحزاب الشيوعية والاشتراكية التي امتلكت السلطة في الوصول بشعوبها إلى الهدف الأعلى المنشود (بناء الاشتراكية) في حين ان هذا بالضبط هو ما يجب ان تفعله النظرية؟ .
ولماذا لم تحذرنا النظرية قبل فوات الأوان من هذه "الأسباب الذاتية والموضوعية"؟

5. ليس هناك "قوانين" للتطور البشري:
ليس صحيحاً ما جاء في "البيان الشيوعي": "إن تاريخ أي مجتمع حتى الآن ما هو إلا تاريخ صراعات طبقية".
التاريخ البشري هو تاريخ صراعات طبقية وقومية ودينية ومذهبية وعنصرية وفكرية. ولا يمكن اختزال كل التاريخ البشري في"الصراع الطبقي" فقط أو في"الصراع الطبقي" بصورة أساسية. ولست متأكداً على الأطلاق فيما إذا كان "العامل الطبقي" هو دائماً وفي كل مكان العامل الحاسم.
ليس هناك "قانون" واحد أو مجموعة "قوانين" تحكم كل هذه الصراعات، وبالتأكيد لا يمكن "اكتشاف" هذا "القانون" أو "القوانين". ليس معنى هذا طبعاً التخلي عن دراسة التاريخ دراسة "علمية" وليس معناه ان التاريخ البشري هو مجموعة من الصدف والأحداث التي لا علاقة لبعضها مع البعض الآخر.

"التاريخ" - يقول المؤرخ الشهير من القرن الثامن عشر إدوارد جيبون (1794-1737) - "هو سجل لجرائم الإنسان، حماقاته ومآسيه". لكن التاريخ هو أيضاً سجل كفاح الإنسان ضد الجرائم و ضد الظلم والمآسي. وقبل أكثر من مائة عام قال كارل ماركس: "السعادة في النضال والتعاسة في الخضوع".


6. خرافة "الأشتراكية العلمية":
لماذا فشلت كل تنبؤات "الأشتراكية العلمية" حتى اليوم؟
لكي يستطيع حسين علوان ان ينكر ان النظرية الماركسية فشلت في تنبؤاتها فإنه بحاجة الى مقولة غريبةهي: ان الماركسية لم تننبأ في يوم من الأيام ، ولم تدع انها تتنبأ، بما قد يحدث (ربما توقع انصارها بعض الأحداث الطفيفة كانفجار ثورات بروليتارية أو قيام انظمة اشتراكية ولكن شتان بين التوقع والتنبؤ).
استمعوا الى حسين علوان نفسه: " أن نظرية ماركس في التطور البشري لا تدعي بكونها تتنبأ بالمسار المستقبلي للتاريخ البشري و إنما هي الدليل للحاضر".
هذا طبعاً غير صحيح. نظرية ماركس في التطور البشري تنبأت بحلول ثورات اشتراكية في الدول الصناعية المتقدمة. وهي تنبأت ان هذه الثورات، والتحول الى الأشتراكية، ستحدث في عصرنا هذا لا في آخر الأيام.

بعد ذلك يعترف حسين علوان فجأة ان بعض التوقعات (لا التنبؤات. هناك فرق كما تعلمون بين التنبؤات والتوقعات) لم تتحقق: " بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية ، إستقرت الرأسمالية في أمريكا و أوربا واليابان و تطورت . و رغم الأزمات الإقتصادية المتكررة فأن الرأسمالية المتطورة لا تظهر أياً من أعراض السقوط من تلقاء نفسها ، كما لا توجد لحد الآن دول بروليتارية ".
لكن هذا لا يدهش حسين علوان (أين انت يا بوبر؟): "الماركسية لا تستطيع إلا أن تتوقع النضال و ليس نتيجة النضال".
لماذا؟ "لأن الصراعات التاريخية محكومة بعشرات العوامل الذاتية و الموضوعية المتغيرة زمكانياً". (ولمن لا يعرف: زمكانياً = زماناً ومكاناً).
لماذا، حسين علوان، لا تقول باختصار: ليس هناك "قوانين" حتمية مفروضة على المجتمع رغم ارادته وخارج ارادته وليس بإمكاننا اكتشاف هذه "القوانين". ليس هناك "قوانين للتطور البشري" تمكننا من التنبؤ بالمسار المستقبلي للتاريخ البشري.

7. وشهد شاهد من أهلها:
ولكي يؤكد لنا حسين علوان ان الماركسية لا تستطيع ان تتنباً بما قد يحدث (وكأنه وجد في مقالي كلمة واحدة تعارض هذه الفكرة) يقتبس حسين علوان عن أنجلز ما يلي:
"إن أنواع القوانين و النظريات السياسية و العرفية و الفلسفية و المعتقدات الدينية كلها تمثل قوى مؤثرة في مسار الصراعات التاريخية ، و في العديد من الحالات ، فإن هذه كلها تشكل العوامل الأقوى في تحديد أشكال تلك الصراعات . إذن فإن هناك قوى لا حصر لها تحبط الواحدة منها الأخرى ، مع مجاميع لا حصر لها من متوازيات المستطيلات للقوى و التي تخرج منها نتيجة واحدة هي الحدث التاريخي . . . . إن التطور السياسي و القانوني و الفلسفي و الديني و الأدبي و الفني يستند على التطور الإقتصادي ، و لكن كل هذه العوامل تؤثر في بقية العوامل وفي التطور الإقتصادي ".
كتب أنجلز هذا عام 1895. كم هو يختلف عما جاء في "البيان الشيوعي" عام 1872 (أي: قبل عشرين عاماً):
" إن تاريخ أي مجتمع حتى الآن ما هو إلا تاريخ صراعات طبقية".

8. الطريق إلى الجحيم معبّد بالنوايا الحسنة والطريق الى مجتمع الخوف والكذب والنفاق الستاليني معبّد ب"الأشتراكية العلمية":
يتهمني حسين علوان بما يلي: "يهيب أستاذنا يعقوب إبراهامي بالقرّاء التخلي عن الماركسية لكونها علم موهوم حيث أنها تنبأت بانتقال البلدان الصناعية المتطورة في الغرب إلى الاشتراكية ، و لم يتحقق شيء من ذلك حتى الآن".
هذا اتهام باطل.

انا لا أدعو الى التخلي عن الماركسية بل أدعو الى ارجاع المحتوى الأنساني لنظرية قال صاحبها بلا تردد عندما سئل عن أحب شعار لديه: "التشكيك في كل شيء" (بعد ذلك بأكثر من مائة عام يأتي احد اتباع هذا المفكر، الذي "يشكك في كل شيء"، ويدعو الى "ترسيخ" الماركسية في أدمغة البشر. ألا تصدقون؟ اقرأوا مقال حسقيل قوجمان في "الحوار المتمدن" بتاريخ 2011 / 6 / 14).

عندما يتحول النداء الى مستقبل افضل الى "قانون علمي" (مثل قانون الجاذبية)، وعندما تمسك بيديك بسر "التطور التاريخي" وتعرف انك تسير وفقاً لـ"قوانين" حتمية لا مفر منها، فإن التضحية ببضعة ملايين من البشر هو ثمن زهيد مقابل "المستقبل السعيد".
وإذا اقترن ذلك بذهنية اجرامية فإن الطريق الى جحيم "الأشتراكية العلمية" يصبح مفتوحاً.

"أية ثورة هذه بدون مشانق" - قال لينين قبل ان يشنق ستالين باشا الجزار كل زملاء لينين ورفاقه (وعذراً من الأخ سيمون خوري على السرقة الأدبية).

"ان المؤرخ ليقف خاشعاً وهو يرى كيف انقلب الحلم بالخلاص الى واقع من العبودية المطلقة، وبدل الجنة قام الجحيم" - كتب المؤرخ يعقوب تالمون في كتابه "عصر العنف" (The Age of Violence).



#يعقوب_ابراهامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وطن لشعبين - يعقوب ابراهامي يرد على عماد عامل
- الرجل الذي يحارب بمدافع القرن ال-19
- أنا، أميل حبيبي وجورج حزبون
- خرافة الأشتراكية العلمية
- فهد والقضية الفلسطينية : ملاحظات نقدية
- فيتوريو بعد جوليانو
- يوم انحرفت الثورة المصرية عن مسارها
- وردتان على قبره
- من قتل جوليانو مير؟
- الصهيونية ليست ما تظنون
- نمريات
- الشاعر الذي يتكلم لغة قديمة
- ملاحظات ليبية
- المقياس الأساسي لدى محمد نفاع
- شعب اسرائيل صديق لشعب مصر
- نريد يساراً جريئاً لا يساراً خائفاً
- تحية لشعب تونس
- اليسار الصهيوني يوك!
- من اجل مصالحة تاريخية كبرى
- أحماقة أم نفاق سياسي؟


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة
- فريدريك إنجلس . باحثا وثوريا / دلير زنكنة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - يعقوب ابراهامي - عودة الى خرافة الأشتراكية العلمية