مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 3384 - 2011 / 6 / 2 - 13:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
- حقيقة أن بعضكم يخجل مما يفعله شبيحة النظام و هم علويون و حقيقة أنني ( و الكثيرون ) نخجل من التطييف الذي يستخدمه بعض السنة رجال دين و سياسيين , يعني أننا نسبيا بخير , أننا ما نزال وسط محاولة إطلاق الغرائز الطائفية دفاعا عن إمارة بشار الأسد القراقوشية و عن مليارات رامي مخلوف و دفاعا عن سجن كبير سجانه و جلادوه هم آصف شوكت و ماهر الأسد , يعني أننا قادرين على أن نحتفظ بشيء من عقولنا , و يعني أننا نستحق أفضل من الطوائف التي ننتسب إليها اليوم , لا أدري إن كانت توجد هناك طائفة من دون محرمات , أو مقدسات , أو إكليروس أو لاهوت و خاصة دون أن تعتبر نفسها الفرقة الناجية و دون أن تكفر كل من سواها , إن وجدتم هذه الطائفة خبروني عنها , و إلا تعالوا نحاول أن نكون لا طائفيين
- غريب ألا يمل بشار الأسد و عسكره من القتل , غريب أن يكونوا بهذا الانسجام مع جرائمهم و مع همجية ما يفعلون , أي نوع من البشر هذا الذي يمكنه أن يمارس القتل و التعذيب و السحل و الضرب و كل أشكال امتهان الإنسان بأقصى وحشية ممكنة لعشرة أسابيع دون أن يمل منظر الدماء و دون أن يمل صرخات الضحايا , كيف ينامون أو يأكلون , أي مرض هذا الذي حولهم مسوخا بهذا الشكل , كيف يستطيع بشار أن يحضن زوجته أو أن ينظر في عيني ابنه , كيف يستطيع أي واحد من الشبيحة و ضباط و عناصر المخابرات أن يمارس الجنس مع أي فتاة أو أن يقبل خد والدته , بعد أن يكون قد انتهى للتو من تعذيب طفل مثل حمزة الخطيب حتى الموت , أي شيء يستحق كل هذا الدم و كل هذا الجنون , أي مجانين هم من يحكم سوريا اليوم , و أين يمكن أن يتوقفوا , و هل هناك نهاية لجنونهم , و كيف يستطيعون و هم ما هم , أن يجعلوا من أعداد لا يستهان بها من البشر قانعين بأن يكونوا رعايا لإمارة مخلوف – الأسد – شوكت , هل سنتغلب على نواقصنا و ضعفنا الجدير بالعبيد في نهاية المطاف ؟ هل سنكون جديرين بالحرية , جميعنا , فإسقاط النظام ليس نهاية المطاف , سيكون علينا بعدها أن نبقى قادرين على النظر في عيون بعضنا البعض و أن نتألم لما يؤلم أي إنسان , هل سيمكننا أن نصافح بعضنا البعض من جديد , إن من يراهن مثل النظام على زيادة جرعة الهمجية في القمع و القتل و التعذيب إنه في حقيقة الأمر يكتب شهادة موت إنسانيته هو شخصيا , تماما كما الضحايا الذين ينوي دفنهم أو إخفاء جثثهم بعيدا عن الأنظار أو عن أحبابهم , تحضرني اعترافات مقاتلي الحرب الأهلية اللبنانية التي سمعتها أو شاهدتها مرارا , كم كان غريبا علي أذني أن أسمع مقاتلا مارونيا كتائبيا يوشك أن يبكي و هو يذكر ضحاياه من الفلسطينيين ( يحزنني أن اقول أن البعض اليوم خاصة من "المثقفين" الذين لديهم أسباب أكثر من غيرهم للإحساس بالتفوق على الآخرين و خاصة من طوائف الأقليات و المسيحيين يشعر تجاه كل سوري آخر خاصة فقراء السنة بنفس طريقة شعور هذا المقاتل الكتائبي يومها تجاه الفلسطينيين , لا أدري إن كانت هذه حالة تماهي مع شخصية الضابط الصارمة الفاجرة الأثيرة أم مع شخصية الكاهن أو في المرحلة الخيرة شخصية الرب نفسه الذي يحب و يثيب من يؤمن به و يتوعد من يكفر به بالجحيم و بأصناف استثنائية من التعذيب ) , بالنسبة لهذا المقاتل السابق الذي كان يؤمن لدرجة الجنون , لدرجة قتل الآخر و سحله , بتفوقه و جدارته بقتل الآخر , بأن دينه و مارونيته و كاهنه و قائده الحزبي و العسكري أي ما كان يبدو عظيما و هائلا بالنسبة له في تلك الأيام , أصبح اليوم فجأة فارغا , عبثيا , لقد اكتشف القاتل السابق أنه كان مجرد مجرم فقط و أنه ضحاياه ليسوا فقط بشر جديرون بالحياة , أن هؤلاء البشر المختلفين الذي لا يخفي مظهرهم و لا لباسهم و لا كلامهم فقرهم الذي فسره أنهم أدنى منه , أنهم كانوا هم المسيح الحقيقي في زمان الحرب مسيح خلقه هو أولا عندما كرهه و مرة أخيرة عندما قتله أو صلبه و هو يمضي أيامه اليوم في رثائه و طلب الغفران منه و هو يبكي اليوم على شهداء كربلاء بينما كان هناك هو القاتل , لقد فقد "أبطال" تلك الحرب اليوم , بعد أن مارسوا أو تورطوا في كراهية الآخر و قتله , فقدوا اليوم كل إيمان خاصة بما كان يبرر لهم قتل الآخر و أصبح الشعور الإنساني الوحيد الذي ينتباهم هو الشعور بالذنب
- أنا متعب روحيا , فما يفعله بنا النظام فظيع , عندما أسمع ما يقوله البعض أستغرب و كأني لم أعرفهم أبدا من قبل , لكن هذه هي حقيقتنا بكل أسف , الآن غلب الطبع التطبع , إن كم الهراء و الكراهية و القبح الذي كشفته الثورة هائل بدرجة مرعبة , تصوروا هؤلاء "المثقفين" "العلمانيين" الذين يعتبرون الجماهير من كل الطوائف الأخرى مجرد رعاع , بل حثالة , و يصفقون لقتلها و سحلها و تدمير حياتها بكل الهمجية التي تمارسها أجهزة النظام , أنهم يعتبرون المدخل إلى "علمانيتهم" , بل الشرط الأساسي لمنح صفة "إنسان" لأي شخص , يبدأ بانتسابه لطائفتهم , أو لدينهم , أما إذا كان من الطوائف الأخرى , فهذا يمكن أيضا أن يكون "إنسانا" فقط إذا كان عبدا مطيعا , إذا خضع دون قيد أو شرط للنظام لربهم لسيدهم "سيد" الوطن , كم هي مقرفة كلمة سيد هذه الأيام , أستغرب في الحقيقة كم الاحتقار الهائل غير الإنساني الذي يحملونه للناس العاديين , و الذي يتضاعف فورا عندما يكونوا من طوائف أخرى , كم التعالي و الفوقية , كم الإحساس بتفاهة الآخر عند البعض ( أو الكثيرين ) تجاه بشر عاديين من طوائف أخرى , لدرجة أن هؤلاء يستطيعون احتمال مشاهد الفظاعة الهمجية لشبيحة و عسكر و مخابرات النظام , بل أكثر من مجرد الاحتمال , إنهم يصفقون لهذا المشهد و للجلاد مطالبين بالمزيد من القتل – الدم – المتعة , كما كان الرومان يفعلون بينما كان العبيد يقتلون بعضهم البعض كنوع من أنواع التسلية , و بالمقابل كم الإحساس المازوخي عند هؤلاء بالدونية تجاه النظام , تجاه المخابرات و الشبيحة و العسكر حتى أنهم يتحدثون عنهم بتعظيم تقديسي إيماني مروع , لا شك أن كل الآلهة مرعبة و متعطشة للدماء و القرابين البشرية لكن الأكثر فظاعة هو أن يكون هولاكو أو ستالين أو جنكيز خان هو ربك أن تقبل أن تكون عبدا لرب كهذا , ما أجمل الأصنام و أقل خطرها على بني البشر مقارنة بآلهة السماء و الأرض و ما أجمل الإنسان البدائي و أروعه مقارنة بعلمانية و حداثة هؤلاء , الغريب أن الوحيدين الذين يأخذهم هؤلاء المثقفون العلمانيون جدا على محمل الجد هم التكفيريون , و التكفيريون أيضا ضروريون بالنسبة لعلمانيينا هؤلاء لأنهم مصدر وهمي أشبه بإهلاس بصري سمعي يصرون على واقعيته لراحة ضميرهم و هم يصفقون للقتلة حتى أن ناديا خوست في مشاركة لها في "ندوة" في دمشق مؤخرا قسمت الدماء بين من يجب إراقتها , هكذا حرفيا باللفظ , و ما لا يجب إراقتها , أي جنون عليك ان تتقمص , أي إله أو نيرون عليك أن تتقمص , لتقول مثل هذا الكلام , لقد أصبحت الثورة اليوم ضرورية جدا لإعادة تشكيلنا كبشر حقيقيين , لخلقنا و ولادتنا من جديد , الحرية هي خلاصنا أو تطهيرنا الوحيد , استمرار النظام أكثر سيعني تشويهنا أكثر , و ربما سيعني بالفعل حربا أهلية يغذيها نظام معتوه مهووس بدمائنا و نخبة تمارس تطييفا مخفيا ساديا ضد الآخر مازوخيا تجاه النظام و نخبة دينية مهووسة بحقائقها و مقدساتها , إنهم يدقون طبول الحرب الأهلية بالفعل , يجب هنا مرة أخرى أن أمتدح هؤلاء الشباب الثائر , رغم أن مديحي لهم لا معنى له , إن سلمية الثورة حتى هذه اللحظة و التي يدفع هؤلاء الشباب ثمنها باهظا جدا هي الشيء الوحيد الذي يمنع انفلات الجنون الطائفي في سوريا اليوم , هذا لأنها الحرية هي ما يريدون و يموتون من أجله
- الثورة السورية تشبه ابنتي , أراها تكبر أمام عيني كل يوم , أراقبها تصبح أذكى مع كل صباح و تفاجئني كل يوم بأشياء و متع جديدة , و لا تتوقف عن إثارة إعجابي أبدا بحبها للحياة و استمتاعها بها , و عندما أعتقد أنه من حقي أن ألقنها و أعلمها , تفاجئني مرة أخرى بفهمها البسيط الساذج العفوي , و العميق , لما تريد , للحياة كما تمارسها , و لتتملكني الرغبة أخيرا بأن أعود مثلها طفلا يحبو من جديد
- اليوم أتخلى علنا عن كوني سني و مسلم و شركسي أو كردي أو عربي أو تركي و حتى عن سوريتي و عن أي شيء آخر غير هوية واحدة فقط أصر عليها و أصر على أن أموت و أنا أقبض عليها هي هويتي كإنسان , أنا فقط إنسان و لست أي شيء آخر , و أرفض أن أموت لأي سبب آخر , و لهذا بالذات , لأني إنسان فقط , فإني لا أملك الحق في قتل أي إنسان و لا الحق في تعذيب أي إنسان و لا الحق في تكفير أي إنسان و لا في السماح لأي إنسان بأن يعيش أو يكتب أو يقرأ أو يمارس الجنس , ما يمكنني فقط هو أن أبحث مع كل البشر , مثل كل البشر , عن حقنا في أن نفكر و نكتب و نقرأ و نمارس الجنس كما يريد كل منا دون قهر أو ظلم , أي أن أبحث عن حريتي و حريتهم فقط
- يوم جمعة جديد , ما أسرع ما تمر الأيام , رائحة الجو تعبق بالفعل بالبارود و الدم و الصراخ , شبيحة النظام ذخروا بنادقهم و قناصاتهم و دباباتهم , اللافتات و الحناجر و القبضات و الصدور العارية جاهزة أيضا ليوم جمعة جديد , لمجزرة جديدة , لخطوة نحو حرية باهظة الثمن جدا , سنقول لأطفالنا في الغد أو بعد غد , عندما يموت الخوف من الجلاد , و عندما تريد ان تعيش أو تموت حرا , سيصبح الجلاد هو الذي يرتعد خوفا , يخاف الجلاد من الحرية , و من مشهد الثوار , و من كل يوم جمعة , حتى يفهم أنه قد آن أوان الرحيل
مازن كم الماز
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟