سليم مهدي قاسم
الحوار المتمدن-العدد: 3367 - 2011 / 5 / 16 - 14:06
المحور:
الادب والفن
كنتُ في غرفةٍ الى جوارِ البحر ، وفي وسط الغرفة كنتُ ارى مصباحاً من الرمل، معلقاً من رقبته بسلك لا مرئي ، وكان المصباح ما أنّ انظر اليه حتى ينطفئ وما أنّ اشِيحُ بِبَصَرِي عنه حتى ينير البحر كله ، كان البحر في الافق مثل قبر هادئ ، ثم رأيتُ من يتقدم ،في البدأ الظلال ثم بعدها مباشرة قامات ممشوقة مثل اغصان حركتها الريح ، كان هناك مجموعة من البحارة عرفتُ فيما بعد انهم قد فقدوا سفينتهم في عاصفة قديمة ، ولذلك فقد فضلوا عبور البحر بواسطة المشي ، الاقدام فكرة قديمة ترفض ان تنقرض ، كنتُ اراهم كما لو انهم مجموعة من الرعاة يطاردون ابقاراً ، ولعلي كنتُ محقاً بتصوري هذا فقد كانتْ مجموعة من حيوانات الماء تسبح امامهم ، وهم يطاردونها بعصيهم الطويلة والمعقوفة من اطرافها ، فجأة ظهرتْ شجرة في وسط البحر ، شجرة عملاقة ، كانت تنزلق من الماء مثل سمكة شبوط وهي تصعد الى اعلى وكانت تصل بكل بساطة الى الغيوم ، وهكذا بدأ البحر بالهيجان ، في البداية تشكلتْ موجة صغيرة ، ثم تبعتها اخرى واخرى ، وكانت الموجة التي بعدها تعلو اكثر دائما ، البحارة والاسماك اختفوا من المشهد ، وكان الموج هو الوحيد الذي يتسلق الى اعلى الهواء ، اردتُ ان اهرب ، في الحقيقة كنت اخاف من الزجاج ، زجاج النافذة الذي يفصلني عن البحر ( كان زجاجاً سميكاً مثل نظرات طبية )، لكنني اكتشفت انني ليست لدي القدرة على الحركة وعندما اغمضت عيني شاهدت المصباح ينير الغرفة كلها ، وعندما حدقت الى جزئي الاسفل ، اكتشفت انني اجلس على كرسي متحرك ، من اين جاء الكرسي ؟ هكذا سألتُ ، ولكنني لم اعثر على الجابة ، وبأصابع رخوة دفعت اطارات الكرسي المتحرك تماماً باتجاه النافذة ، فرأيتُ الغرفة تعوم كما لو انها سفينة والبحر يحيط بها من جميع الجهات ، لكن الغرفة لا تتحرك والجدران لا تتذمر والصور المعلقة ـ صور الاسماك ـ هي الاخرى لا تتحرك ، الوحيد الذي يهتز مثل بندول هو المصباح .
قلت : لقد عرفتُ السر ،لقد عرفتُ السر ، وكدّتُ اهتف ( الطلسم هو المصباح ) لكنني تجمدت في مكاني عندما نظرتُ الى الافق والى هدوء البحر ، فرأيتُ البحارة والاسماك مرة اخرى ، كانوا يتقدمون باتجاه الغرفة تماماً ، ورائيتهم تخترقون الزجاج السميك مثل الضوء ويدخلون واحداً واحداً ، كانوا يلقون اليّ نظرة اخيرة ، نظرة حزينة ، نظرة من سيدخل الى الابد ، يدخلون في المصباح يدخلون واحداً واحداً ومن دون ان يشعروا بالندم ، انهم يدخلون في المصباح ويختفون .
#سليم_مهدي_قاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟