|
مخاضات الثورة المصرية : إمبابة وعُمر أفندي
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 3360 - 2011 / 5 / 9 - 11:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أنا من المؤمنين ، بأن الثورة المصرية ، سوف تنجح في إجتياز هذهِ المرحلة الإنتقالية الصعبة التي تَمُرُ بها اليوم ، رغم كُل المطبات والظروف العصيبة التي تواجهها الآن وفي المُستقبل المنظور . ولَعّلَ من أهم التحديات الراهنة ، بعد ثورة 25 يناير ، هو إنهيار الأجهزة الامنية ، من شرطة ومباحث وأمن ومرور ، نتيجة إنعدام ثقة المواطن ، بهذهِ المؤسسة التي طالما مارستْ دَوراً قمعياً ، لكن من إفرازات هذه المرحلة .. هو الإنفلات الأمني وغياب القانون ، وإنتشار البلطجية والخارجين على القانون ... وهذا يستدعي ، الضرورة القصوى ، لعودة الشرطة الى الشارع لفرض القانون على الجميع ، بشروط ومواصفات " الثورة " المُراعية لحقوق الانسان والتعامل الراقي ، ولكن ينبغي ان " يحترم " المواطن أيضاً الشرطي في الشارع ، ويُساندهُ . سأورد مَثَلَين على المخاضات التي تمُرُ بها الثورة المصرية اليوم : - ينبغي عدم الركون الى المصطلحات الجاهزة ، ونظريات المؤامَرة ، حين التطرُق الى مسألة " الفتنة الطائفية " في مصر .. صحيح ان " الخارج " له دَور مؤكَد ، في كُل ما يحدث ، ليسَ في مصر وحدها ، بل في أي مكانٍ في العالَم ، حيث ان التأثيرات مُتبادلة مع المحيط الخارجي الأقليمي والدولي ... ولكن ، العامل الداخلي ، هو الأهم وهو الحاسمُ هنا . ان التجاذبات التي حصلتْ في الايام الاخيرة ، بين بعض المسلمين وبعض الاقباط .. هي ليستْ " فجائية " أو غير مُتوّقعة ، بل هي نتيجة [ تراكُمات ] تأريخية كثيرة ... وما مسألة " كاميليا " إلا حجة أو ذريعة ، لتفجير الضغط الكامن . قضية كاميليا تتلخص : هي إمرأة مسيحية متزوجة من رجل دين مسيحي ولها أطفال ، ومنذ أكثر من سنتين ، حدثتْ خلافات بين الزوجين " كما يحدث بين اي زوجين " ، وتصاعدتْ هذه المشاكل لتصل الى طريقٍ مسدود ، وفشلتْ كل المحاولات للإصلاح بينهما .. فرأتْ الزوجة ان تلجأ الى طريقة تنتصر بها على الزوج .. أن تسلم أي تتحول الى مُسلمة ! . وفعلتْ ذلك قبل أكثر من سنة .. فحدثتْ ضجة داخل اوساط المسيحيين والكنيسة ، كان من نتائجها ، عودة كاميليا عن قرارها ، ورجعتْ الى دينها الأصلي ! . هذه هي القصة بإختصار .. غير ان بعض السلفيين المتعصبين ، قالوا ان كاميليا " المُسلمة " قد اُختطفتْ وهي محجوزة في الكنيسة ، وأعلنوا الجهاد والمُطالبة بتسليمها لهم ، وقاموا قبل يومين بمحاصرة الكنيسة والتهديد بحرقها وهم متسلحين بالمولوتوف والهراوات والسكاكين وحتى الاسلحة النارية ، وإصطدموا بالمسيحيين المتواجدين ، فحدثتْ معركة ، قُتل خلالها عشرة اشخاص وجرح الكثيرون ، واُحرقتْ كنيستا " مارمينا " و " العذراء " في إمبابة ، ونُهبتْ واُحرِقتْ الكثير من المحلات التجارية والدور المحيطة بالكنيستين ... كُل هذا حدث ، وتأخرت الشرطة والجيش عدة ساعات ، حتى وصلتْ الى المكان !... عموماً ، المسألة صغيرة وعادية وقديمة ، ولا تستحق كُل هذا التركيز والإحتقان ... وهي قضية " مدنية " تُحَل من خلال المحاكم والقانون فقط . لكن بالعودة الى الجذور ، والتعامل بإنتقائية ليسَ في مصر وحدها ، بل في كافة أرجاء الدول الاسلامية : لماذا مسموح للمسيحي أن يتحول الى الإسلام ، شرعاً وقانوناً .. ولا يُسمَح للمُسلم ان يتحول الى مسيحي ؟ رُبما في بعض الدول يسمح " القانون الوضعي " بذلك ، لكن " الشرع " لايوافق ، ويعتبر ذلك إرتداداً ، ويعاقب على ذلك بأشد العقوبات التي قد تصل للموت . من ضمن الحريات الاساسية للإنسان : حرية الإعتقاد .. وحرية الاديان مكفولة في كل الدول الديمقراطية ، وهي حق شخصي يكفله القانون . أعتقد ، ان المجلس العسكري في مصر ، مدعو للتعامل ، بكل صرامة وجدية ، ضد السلفيين والوهابيين ، الذين يعملون على إثارة المشاكل ونشر الكراهية والتعصب والتزمت .. نعم اُلقِيَ القبض على حوالي المئتين من المُشتبه بهم ، لكن المطلوب هو سرعة التحقيق معهم ومحاكمة الجُناة علناً وإنزال أقسى العقوبات بهم وتنفيذ هذه العقوبات.. ليكونوا عبرة لكل مَن تُسّول له نفسه ، العبث بأمن المواطنين ... يجب الإستفادة من التجارب العراقية والأخطاء الناتجة ، عن الإهمال والتقاعس ، في التعامل مع الخارجين عن القانون .. لأن إفساح المجال لهؤلاء المجرمين ، لايزيدهم إلا إصراراً على نهجهم المُعادي للمجتمع والدولة . - من أروع إنجازات الثورة المصرية ، هي تكريس إستقلالية القضاء ، ولقد إستطاع القضاء المصري ، من خلال إحدى محاكمه المُختصة ، ان يصدر حُكما تأريخياً قيل يومين ، في قضية رفعها مُواطن ضد الجهات الحكومية وأحد المستثمرين السعوديين ، في ما يُعرَف بقضية " عُمر أفندي " . والتي تتلخص بما يلي " [ عُمَر أفندي ] هي أكبر سلسلة مولات ومحلات تجارية حكومية عائدة للقطاع العام ، منتشرة في ارجاء مصر . يُمكن تشبيهها الى حدٍ ما ب " الاورزدي باك أو الشركة الافريقية الاسيوية في العراق خلال السبعينيات والثمانينيات " . قامت الحكومة المصرية ، وضمن سياسة الخصخصة سيئة الصيت ، ببيع " عمر أفندي " قبل اربع سنوات الى سعودي اسمه " جميل القنبيط " . وكالعادة فأن الفساد والشُبهات تلف هذه الصفقة . سلسلة محلات عمر افندي تضُم 82 فرعاً في مصر ، وكُلها في أماكن مرموقة وممتازة في المدن .. يكفي ان الفرع الرئيسي في القاهرة وحدها ، بمساحته وموقعه ، أرضه فقط تُساوي ما يُعادل 700 مليون جنيه مصري . قامت الحكومة ببيع 82 فرعاً كلها ، ب 590 مليون جنيه ! ، علماً ان كُل التقديرات كانت تتراوح بين ثلاثة ونصف الى اربعة مليارات جنيه !. والأنكى ان المُشتري لم يلتزم بما وَردَ في العقد ، بخصوص الإرتقاء بعمل المجموعة بما يخدم المواطن المصري من ناحية سعر ونوعية البضاعة ، وكذلك تسريحه لكثير من العاملين خلافاً للقوانين . ان الحُكم بعودة المجموعة الى ماكانت عليه ، الى القطاع العام ، وتسوية الحسابات مع المشتري ، وعودة العمال والموظفين الى اعمالهم .. هو حقاً ثمرة من ثمرات الثورة . وهو مدخلٌ جيد ، لإعادة التفكير في مُجمل عملية الخصخصة الفوضوية ، التي جرتْ في مصر خلال السنوات الثلاثين السابقة ، وجدواها الاقتصادية ، وتأثيراتها السلبية على الصناعة والزراعة المصرية . ..................................................... على الاُم " الثورة " المصرية ، أن تتحمل آلام المَخاض الصعبة ... فالوليد الجديد يستحق هذه التضحية بالتأكيد .
#امين_يونس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بغداد والأقليم .. ترابُط السلبيات
-
مِنْ أينَ لكُمْ هذا ؟
-
في العراق .. كُل شيء طبيعي
-
إبداعٌ وإجتهادْ .. في النهبِ والفسادْ
-
- هند النعيمي - قائدة المُستقبَل
-
المالكي وتحالفاته الشيعية
-
أمريكا صنعتْ بن لادن .. أمريكا قتلتْ بن لادن
-
الثورة في مصر والتغيير في العراق
-
هل يستقبل العراق لاجئين من سوريا ؟
-
حكومتنا .. وعُقدة مصطفى الشكرجي !
-
المسؤولون .. بأي دينٍ يدينون ؟
-
إختلاف الآراء
-
الحدود
-
لَمْ أرى بِعيني . لكني سمعتُ بأذني !
-
الأمطار الغزيرة .. فضحَتْنا
-
أثيل النُجيفي واللعب الخطر
-
حكومتنا .. و - المَلا سيسو - !
-
ماذا ينقص - ديمقراطيتنا - ؟
-
مبروك .. عيد رأس السنة الإيزيدية
-
حكومتنا .. والحَرُ والبَرد
المزيد.....
-
هل يثير اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران زخما لوقف ح
...
-
أول اعتراف رسمي.. وزير الخارجية الإيراني: أضرار كبيرة طالت ا
...
-
مصادر إسرائيلية تتحدث عن قتال صعب وإجلاء جنود جرحى بخان يونس
...
-
هل تجبر عمليات المقاومة نتنياهو على إبرام صفقة شاملة في غزة؟
...
-
تزايد اختطاف الأطفال على يد جماعات مسلحة بموزمبيق
-
فتح الحدود بين إريتريا وإثيوبيا دون إعلان رسمي.. ما القصة؟
-
دينيس فيلنوف يقود أولى مغامرات جيمس بوند تحت راية أمازون
-
لماذا فشلت إسرائيل في كسر إيران؟
-
انقسام في الكونغرس بعد أول إفادة بشأن ضرب إيران
-
البيت الأبيض لخامنئي: -عليك أن تحفظ ماء وجهك-
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|