|
الأمل ْ .. أوّل ُ من يموت
عماد عبد اللطيف سالم
الحوار المتمدن-العدد: 3351 - 2011 / 4 / 30 - 13:40
المحور:
الادب والفن
الأمل ْ .. أوّلُ من يموت
في الألفِ الخامس ِ قبلَ الميلادْ ذهبتُ إلى " ميسوبوتيميا " ممتطيا ً حصان َ الأمل ْ كعصفور ٍ غض ْ وكانت الفراشاتُ المقدّسة ُ كالشمسْ تجوبُ المملكة َ السعيدة ْ .
..... .......
كان ثمّة َ مسلا ّتْ وعربات ْ وثيران ٌ مجنحّة ٌ وقيثارات ْ وأوغاد ْ وعقائدُ لاتعّدُ ولا تحصى وحروب ٌ مديدة ْ .
..... .......
بعد َ قرون ٍ قليلة ٍ من الضوء ِ داهمتني السخافات ُ الفجّة ُ والأحقاد ُ الصفيقة ُ وأحلام ُ الملوك ِ المعتوهين َ الشغوفين بالطين ِ المفخور ِ وكان الكهنة ُ شبقين َ كالهستيريا .
..... .......
غادرْت ُ مابين َ النهرين ِ كسيرا ً صوب َ ممالك َ أخرى لاوحشة َ فيها ولارمل ْ وتركت ُ الحصان َ هناك ْ فمات َ الحصان ُ من الخيبة ْ .
..... .......
مر ّ العمر ُ كالضوء ِ ومر ّ أهلي كصوت ٍ خافت ٍ في المرايا وأختبأت ْ نسائي في العباءات ِ الغليظة ِ كالعار ِ فغادرْت ُ العراق َ صوب َ ممالك َ أخرى ومات َ الحصان ُ من الوحشة ْ .
..... .......
هي البارحة ْ كأنها البارحة ْ وفيها كنت ُ أحبو وكان " نوح ٌ " صديق ُ الطفولة ْ وحفيدات ُ حوّاءَ يُرضِعْنني عنبا ً ودهشة ُ الوجه ِ الأوّل ِ بعد َ حبل ِ المشيمة / يُبحلق ُ بي / كأنها اليوم . فكيف َ بلغت ُ من العمر ِ عتيّا وأستوطن َ العّث ُمساماتي وغادرتني العصافير ُ الجاحدة ُ إلى أعشاش ٍ أخرى ؟ .
..... .......
ها أنذا .. كأنني " زكريّا " ولي أحفاد ٌ كثيرونَ وإبن ٌ وحيد ٌ مات َ منتحرا ً إسمه ُ " يحيى " .
..... .......
لمْ تمّرُ السنين ُ سراعا ً فقد عشنا أكثرَ مما ينبغي أن نعيش ْ ومُتنا مرارا ً وتذوقنا جميع َ المرارات ِ لكنها البارحة ْ وقبلها كنت ُ أحبو فلماذا كبرْتُ قبل َ الأوان ْ وأحببت ُ قبل َ الأوان ْ وأفردْت ُ قبل َ الأوان ِ كبعير ٍ مُعبّد ْ ؟ .
..... .......
أنا كالنبيّ ْ يُحاصرُني سبابُ الرعاع ْ وأشم ّ ُمن بعيد ْ رائحة َ المطر ِ القادم ِ كالخيانة ْ .
أنا .. مثل ُ سيرة ِ السلحفاة ْ مرّ َ بي تاريخ ُ الرمل ِ بطيئا ً أبطأ مما ينبغي أن يمُر ْ وكانت ْ أجمل ُ قامات ِ النساء ِ تمُرّ ُ أمامي كالرمل ِ بين َ الأصابع ِ دون َ أن ْ أنتبهْ ومرّتْ ومرّتْ ولم ْ أنتبه ْ وحين َ إنتبهْت ُ كان َ البحر ُ يغمُرني والملح ُ يلعَق ُ جرح َ العذابات ِ ببطء ٍ أبطأ ُ مما ينبغي بكثير ْ .
..... .......
أنا كالعشب ِ اليابس ِ أعوي طويلا ً من حسرة ِ الروح ِ على الماء ِ ومن قهر ِ الكلاب ِ المبجّلة ِ للرجال ِ المرميين َ صُدفة ً على حافاّت ِ الليل ْ .
..... .......
حين َ تمرّ ُ الوجوه ُ النبيّة ُ بي أتساءل ُ أين َ كانت ْ هذي الوجوه ُ النبيّة ُ كالحلم ِ حين َ غادرْتُ قماط َ البهجة ِ صوبَ الحزن ِ الآتي لرحاب ِ الروح ْ ؟ .
..... .......
لماذا مضى العمر ُ ولم ْ أتحرَِش ْ حتى بنملة ْ ؟ لماذا راح َ عمري ولم ْ أنفق ْ من الفرح ِ المقننّ ِ في داخلي إلا ّ حصّتي من هذا الحزن ِ المديد ِ كقلبي لماذا ؟ .
..... .......
لم ْ تبق َ سوى الروح ْ وظلال ُ الصبيّات ِ وجسدٌ بتفاصيل ٍ هرمَة ٍ لا ينتمي لي .
....
لم ْ يبْق َ من ْ أحَد ٍ عداك ْ لم ْ يبْق َ من ْ أحَدٍ سواك ْ حتّى " مُنى " جَفلتْ . حتّى " مُنى " خافت ْ من الليل ِ البهيم ِ وأنتبذت ْ قنديل َ وحدتها . حتّى " مُنى " فرّت ْ منَ الطاعون ِ وأنكفأت ْ . حتّى " مُنى " حتّى " مُنى " لم ْ يبق َ من أحد ٍ عداك ْ .
..... .......
في أصقاع ٍ أخرى ... الأمل ُ آخرُ من يموت ْ وأنا .. أوّل ُ من يموت ْ مُفعما ً بالأمل ْ .
في العراق ْ ... الأمل ُ أوّل ُ من يموت ْ وأنا .. آخر ُ من يموت منقوعا ً بنقيع ِ اليأس ِ ومُترَعا ً بالفجائع ِ المدهشة ْ .
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تفاحة ُ الأسى
-
القطاع الخاص وأنماط التشغيل في العراق ( أبعاد المشكلة وإشكال
...
-
الحزن هنا .. فوق قلبي
-
- فوضى هوبس - : الفرد الخائف .. والدولة التنين .
-
أحزان مستلة .. من الفرح القديم
-
همرات .. ورعاة .. ومسالخ
-
الفساد والمناصب : ريع الفساد .. وريع الراتب
-
الشرق الأوسط الجديد : من مملكة المغرب .. الى سلطنة عمان
-
مختارات من الكتاب الأخضر , للرجل الأخضر , القادم من - جهنم -
-
ذل ٌ بارد ٌ .. ذل ٌ حار ْ
-
حمّى الوديان المتصدّعة
-
عندما لاتنخفض السماوات .. في الوقت المناسب
-
لماذا راحتْ .. ولم تلتفتْ ؟
-
وطن من صفيح .. وطن من ابل
-
الرفاهية والأمثلية في الدولة الريعية الديموقراطية ( أعادة تو
...
-
الأقتصاد السياسي للفصل السابع ( صندوق التعويضات , وصندوق تنم
...
-
مواسم الهجرة من النهار الى الليل
-
دفاتر الحرب ( مقاطع من هذيان جندي مسن من بقايا الحرب العراقي
...
-
صحراء الربع الخالي
-
الحوار الممكن .. بين الظلمة والنور
المزيد.....
-
“الإعلان الثاني “مسلسل المؤسس عثمان الحلقه 164 مترجمة كاملة
...
-
اختتام أعمال منتدى -الساحة الحمراء- للكتاب في موسكو
-
عثمان 164 الاعلان 3 مترجم.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 164 الم
...
-
فيلم مغربي -ممنوع على أقل من 16 سنة-.. ونجمته تؤكد: -المشاهد
...
-
نمو كبير في الطلب على دراسة اللغة الروسية في إفريقيا
-
الحرب والغرب، والثقافة
-
-الإله والمعنى في زمن الحداثة-.. رفيق عبد السلام: هزيمتنا سي
...
-
مصر.. قرار من جهات التحقيق بخصوص صاحب واقعة الصفع من عمرو دي
...
-
والد الشاب صاحب واقعة الصفع من عمرو دياب يكشف عن حالة نجله ب
...
-
تابع الحلقة الجديدة 28 .. مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 28
...
المزيد.....
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
-
صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس
...
/ شاهر أحمد نصر
-
حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا
/ السيد حافظ
-
غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا
...
/ مروة محمد أبواليزيد
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
المزيد.....
|