عماد مسعد محمد السبع
الحوار المتمدن-العدد: 3338 - 2011 / 4 / 16 - 06:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
دخل قانون حظر ارتداء النقاب بالأماكن العامة حيز التطبيق فى فرنسا بعد جدل طويل بشأن تأثيره السلبى على الحقوق والحريات المتصلة بوضعية الأقلية المسلمة المقيمة على الأراضى الفرنسية . ويعد هذا القانون الحلقة الأحدث فى الصراع المحتدم بين السلطة ممثلة فى حكومة اليمين و ساركوزى و بين المهاجرين المسلمين عامة والمغاربة على وجه الخصوص .
فعقب توليه الحكم حرص ساركوزى على استحداث " وزاة / مؤسسة " جديدة لم تعهد فرنسا مثيلآ لها أطلق عليها وزارة : ( الهجرة و الإندماج والهوية الوطنية و التطور المشترك ) عهد بها إلى صديقه " بريس هورتفو " وبهدف تطبيق رؤيته المتعلقة بأهداف الهجرة وقوانينها الجديدة .
وكان أنشاء تلك الوزارة وأختيار " هورتفو " قد صادف نقدآ وأستياءآ واسعآ فى قطاعات سياسية وأعلامية وبين أوساط المنظمات المعنية بالهجرة التى ذهبت إلى حد وصف تلك الوزارة بأنها وزارة : " التطهير العرقى " الجديد فى حكومة اليمين الفرنسى .
وخلال فترة قصيرة جدآ تقدمت الوزارة الجديدة للبرلمان الفرنسى بمجموعة أقتراحات تحولت فى أكتوبر عام 2007 إلى قانون يستند إلى محورين أساسيين هما : حفض الهجرة العائلية ورفع مستوى هجرة العمل من 7% حاليآ إلى نحو 50 % فى المائة .
ثم كانت الهجمة الأخيرة على " النقاب " رغم فتوى الهيئة الإدارية ( مجلس الدولة ) التى أعلنت فيها أن هذا الحظر ربما يكون "غير دستوري "وأنه يعد انتهاكا للحريات التى كفلها دستور الفرنسي وللمعاهدة الاوروبية لحماية حقوق الانسان .
ولكن بدعم من أغلبية تصويتة يمينية – ورغم انسحاب 30 نائب شيوعى – صادقت الجمعية الوطنية في فرنسا ( البرلمان الفرنسي ) على أدانة " ارتداء البرقع والنقاب الاسلاميين فى الأماكن العامة "، قائلة إنهما يشكلان : " أساءة لقيم الأمة الفرنسية واحترامها، و لمبدأ المساواة " .
ما يستوجب النظرهنا هو " ركن المشروعية " التى أسبغ اليمين بها أجراءات هذا الحظر وأستطاع من خلالها تمرير القانون داخل المجتمع الفرنسى وباعتباره صونآ للصالح العام والقيم العلمانية للدولة .
وحيث برز دور " الأداة القانونية " وأهميتها ضمن ترسانة هجوم اليمين ضد الأقليات الوافدة للمجتمع الفرنسى , وبهدف النيل من ملبس نحو 1900 أمرأة مسلمة ( فقط ) هن من يرتدين النقاب بين نحو خمسة ملايين مسلم فرنسى .
ثمة تساؤل يفرض نفسه هنا : عن فكرة " المصلحة العامة "التى يستمد هذا القانون منها مبررات وجوده و تطبيقه , وهوأمر يرتبط بنقاش مدى تمثيل اليمين وحكومة ساركوزى لإرادة الشعب الفرنسى وفق المبدأ الديمقراطى وضمن ميدان الصراع الحقوقى والإجتماعى القائم .
فالثابت أن الدور الذى تلعبه " الأيديولوجيا " فى الحركة الملموسة لميدان متميز داخل الدولة الرأسمالية هو ( المسرح السياسى ) أى : ميدان التمثيل فى الدولة النيابية الليبرالية الحديثة .
ويتمثل هذا الدور فى تصوير " البرلمان = الجمعية الوطنية الفرنسية " باعتباره ترجمةلإرادة الشعب والجمهور , وتصوير الأحزاب السياسية كممثلين للرأى العام , وهنا تتداخل الأيديولوجية فى نشاط الدولة لإلباس هؤلاء الممثلين الطبقيين ( les acteurs de classe ) ثوبآ نيابيآ حتى يمكنهم الإنخراط فى مؤسسات ( الدولة الشعبية الطبقية ) , وهو قناع لا مفر عنه بين الدور الذى يمثلونه فى أطار الدولة الرأسمالية والطبقات التى يمثلونها .
هذا القناع يضفى سمة فريدة على " الدولة البرجوازية المعاصرة " وهى قدرتها على أخفاء أى أثر لفسادها وسيطرتهاوأستغلالها الطبقى , حيث تدفع نحو تماسك و تلاحم علاقتها الإجتماعية داخل التكوين الرأسمالى وبهدف أظهار وحدتها وتجانسها وتمثيلها لمجموع الشعب .
ويبرزما أطلق عليه المفكر الإيطالى الماركسى / " أنطونيو جرامشى " بالوظيفة الأخلاقية للدولة البرجوازية " فتذهب تلك الدولة لإخضاع ميدان التعليم والثقافة ( تحديدآ ) لنسق واحد عبرالمشاركة والمساواة الشكلية فى شئون الجماعة الطبقية وبهدف أنتاج طريق حياة موحد لمواطنيها وتحت مسمى " المصلحة العامة للمواطنيين " .
ويكون " التشريع " ميدانآ لترجمة هذه الوحدة الصورية , وحيث ينظر الناس - المتساوون شكليآ فى السياق القانونى والحقوقى - إلى هذه الدولة الطبقية باعتبارها الممثلة للصالح العام للمجتمع – وتنطلق تلك الفاعلية بين صفوف الجمهور وداخل جهازالدولة وأدارة عمليات النظام .
وهنا تشيع مقولات أن النائب ممثل عن الأمة بكاملها وأن البرلمان وقوانينه تجسيد للإرادة الشعبية العامة , مع استبعاد تام وأخير لحقيقة " المصالح السياسية والطبقية القائمةوالمسيطرة فى الواقع " .
فى الحالة الفرنسية - أستخدم " ساركوزى" آلية التشريع لإنجازالحظر, ودافع عن القانون باستماتة و باعتباره أعلانآ عن " المصلحة العامة " و حشد ممثلى اليمين بالجمعية الوطنية من أجل أقرار , الإ أن ذلك كله لن يشفع له أذ تظل دوافعه الحقيقة حاضرة فى ميدان الصراع السياسى والإجتماعى .
فعبر نقاش و جدل " القانون " جرت تغذية المخاوف " بوضعية المنقبات و المحجبات " اللاتى لا يمثلن الإ نحو ألفي أمرأة مسلمة وباعتبارهن " خطرآ داهمآ على الأمة الفرنسية و قيمها العلمانية " , وتم ترحيل المطالب الإجتماعية والسياسية العاجلة من أجندة المواطن الفرنسى وجلبه إلى سجال هذه القضية الهامشية .
وتحت لافتة " الحفاظ على هوية الدولة الفرنسية ونسقها المدنى العلمانى " تقدمت فرص حصد أصوات الناخبين و أنقاذ حظوظ ساركوزى الممثل و الحريص على ( المصلحة العليا الفرنسية ) وقبل أقل من عامين على السابق الإنتخابى نحو قصر الأليزيه .
كما يتم تغيب الوعى بسلسلة قضايا الفساد الكبرى التى طالت حكمه ( بيتنكور – و كليراستريم – التجسس على بعض الصحف ) والتى عصفت بشعبيته لأقل من 30% بحسب آخر نتائح أستطلاعات الرأى .
وقبل ذلك فأن ( نقاش حظر النقاب ) سيساهم فى التمويه على المعطيات الحقيقة لتدهور الإقتصاد الفرنسى والذى سيخرج عن السيطرة قريبآ بعد أن وصل عجزالموازنة العامة لمستويات قياسية تحت وطأت أنكماش وصل نحو 2% فى العام 2010 ومعدل بطالة 9% وفقدان أكثر من 400 لألف وظيفة بعد الأزمة المالية العالمية الأخيرة .
ممثلو الشعب من اليمين فى الجمعية الوطنية يتجاوزن حديث الهيبة المفقودة لإقتصادهم وفساد النظام وفقدان النفوذ والحضور السياسى فى العالم الفرنكوفونى ويهتمون ( بنقاب المسلمات ) الذى سينال من " المصالح العليا للأمة الفرنسية " ! .
وتبقى حقيقة أن ( ساركوزى وحكومته ) يؤرقهم هاجس الصعود اليسارى وعودة الحقبة الإشتراكية ولذلك يعمدون لتوظيف التناقضات الإجتماعية عبر ممثليهم الطبقيين بالجمعية الوطنية , وتحت راية الحفاظ على " المصلحة العامة " ومن خلال بوابة المهاجرين والأقليات والنقاب .. وغيرها , وبما يضمن تحوير أهتمامات الرأى العام الفرنسى , وتزكية مصالحهم السياسية والطبقية فى الأساس .
#عماد_مسعد_محمد_السبع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟