أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميثم سلمان - جدار رملي














المزيد.....

جدار رملي


ميثم سلمان
كاتب

(Maitham Salman)


الحوار المتمدن-العدد: 3335 - 2011 / 4 / 13 - 01:59
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة

أي هدية أقدمها لزوجي لا تنال رضاه، ولا حتى تجعله يمط شفتيه راسما معنى الجذل على ملامحه المعدنية، أو تضفي طلاوة على لسانه ليقذف كلمة لينة، لذيذة، لا تعكر صفو احتفالنا بالمناسبة الوحيدة التي يسمح بإقامتها.
يعتبر ذكرى زواجنا يوما مميزا، رغم مقته لكل ما يبعث على البهجة والفرح، حتى إقامة أعياد الميلاد محرم لبناتنا: سيناء، عروبة، حرية. رغم احترامه للأعياد الدينية إلا أنه يمارسها كفرض، بلا سرور حقيقي. هناك مناسبات سياسية معينة تفرحه أكثر كذكرى تحرير قناة السويس أو ثورة يوليو عام 1952.
كل من يرفع راية العداء لأمريكا يستحق حبه بل عشقه، فصرت أبالغ بكرهي لهذا البلد لنيل رضاه. لا يحب أي شيء غير مصري عدا الأفلام الهندية.
استسلمت لقدر أن أكون عنده مجرد طباخة ومربية إذعانا لحكمة أمي (ظل راجل ولا ظل حيطة). فما عساي فعله مع ثلاث بنات في بلاد الجليد الغريبة؟
أجاهد لتليين طبعه وتحريك عواطفه كي يتفوه بكلمة حب. أنتهزُ فرصة عيد زواجنا لتقديم هدية له، ربما ترطب رأسه الصلد وتدفعه لمنحي نزرا من مشاعر تؤكد حقيقة كوني امرأة. كل مرة تمضي سفني بما لا تشتهي رياح مزاجه. حينها يجبرني على إرجاع الهدية وشراء شيئا يؤكل بدل منها.
أهديته مرة عطرا فاخرا. قال لي بعد إخراجه من الصندوق المغلف: "وهل أنا نتن إلى هذا الحد حتى تأتينني بعطر غال الثمن كهذا!؟". أخذه بتردد. قلب الزجاجة باحثا عن المنشأ، فوجد أنه أميركي. فز ممتعضا، رماه بوجهي صارخا: "هل تريدني تعاطي المنتوجات الأمريكية؟".
قلت له بأننا نعيش في كندا ومعظم ما متوفر في السوق هو أمريكي الصنع. ذكرته بسيارته الأمريكية.
- إلا العطر!
إحدى السنين أهديته (iPod) لسماع الموسيقى الكلاسيكية، عساها ترخي أعصابه قليلا. خزنت في الجهاز العديد من السيمفونيات العالمية الجميلة.
قلب الجهاز بيديه الضخمتين تحت وابل من نظرات بناتنا المراقبة لتعابير وجهه الحجرية. كن يتوقعن سماع كلام شكر منه، لكنه ضحك متمتما بسخرية: "هل أنا مراهق يا امرأة!؟". كاد أن ينفجر بوجهي لو لا إننا كنا في مطعمٍ احتفالا بعيد زواجنا.
توسلت إليه أن يقتطع وقتا من مشاهدة القنوات الفضائية العربية لسماع بعض الموسيقى الهادئة كي تمنحه بعض الهدوء والسكينة. وافق على مضض. صار يجلس أمام التلفزيون وهو يقلب القنوات وجهاز ال(آي بود) مربوط إلى أذنيه لكن ذهنه مشدودا إلى الشاشة.
مذ جئنا إلى كندا ونحن نعتاش على المعونات الحكومية. هو لا يعمل، ويقضي معظم اليوم بمتابعة الإخبار. لا يستمر طويلا في أي مهنة، لأنه يجد أصحاب العمل وزملائه من الكنديين يكرهونه لكونه مهاجرا. فضلا عن استنكافه منهم لظنه القاطع بأنه يتفوق عليهم.
مغتاظ وعكر المزاج على الدوام. وحينما لا يجد ما يغضبه يغط في بحيرة أفكاره ملتقطا مشكلة قديمة. أحيانا يختار موضوعا سياسيا للحديث. عليَّ طبعا ترك كل شيء والإصغاء لمحاضراته ثم الإدلاء بدلوي. لا أنجو من صراخه وزجره لي حتى لو وافقته الرأي.
ترك سماع الموسيقى في اليوم التالي شاكيا تكرارها الذي يسبب الصداع. اقترحت عليه تحميل أي مقاطع موسيقية تعجبه من "الإنترنيت". فوجئ. سألني إن كان بالإمكان تحميل ما يريد على هذا الجهاز. بالتأكيد، قلت. فرح كمن وجد ضالته. وراح يحمل على جهاز ال(آي بود) حلقات قديمة من تلك البرامج المتوفرة على المواقع الالكترونية للقنوات.
غدا يومه عبارة عن سماع ومشاهدة تلك البرامج الحوارية السياسية المليئة بالصراخ والزعيق والشتائم. يحرك يديه كالمعتوه محدقا بالخواء عندما يستمع لحوار ساخن، بل أحيانا يتفوه بشتائم وسباب بذيء على أحد المشاركين في الحوار. زاد توتره وحدة طبعه.
اقترحت عليَّ صديقتي المغربية إهداءه قاربا في عيد زواجنا لهذا العام. تقول أنه سيساعده على أرخاء أعصابه، والتأمل عندما يراقب جريان الماء. وافقتها الرأي. اشتريت قاربا مطاطيا صغيرا بمجدافين بلاستكيين.
ذهبنا إلى بحيرة قريبة بعد إقناعه بالاحتفال بعيد زواجنا هذه المرة في البحيرة. وافق بعد توسلات وإلحاح. بدا خجلا أول وهلة عندما وضع قاربه في الماء. شجعته وقلت له: "راقب الآخرين لبعض الوقت وقلد طريقة تجديفهم. العملية جد سهلة، ادفع كلا المجدافين بنفس الحركة والقوة إلى الأمام، بعد قليل ستجد نفسك وسط هذه البحيرة الخلابة لتغرف من جمالها".
أبتسم بطريقة الهازئ وجلس مستسلما لتوسلاتي وسط القارب. ترنح قليلا بكرشه وكاد أن ينقلب. غرس أحد المجدافين في الرمل ليدفع القارب إلى مسافة بعيدة. أستقر على مبعدة مترين من الشاطئ.
لم يضبط حركة التجديف، يدفع اليد اليسرى ويسحب اليمنى، فظل القارب يدور حول نفسه. هذا متوقع لمبتدأ مثله. لم أشأ مساعدته، فقد يزجرني أمام الناس.
كنت ألعب بالرمل مع البنات. نبني قصرا كبيرا تتوسطه بحيرة صغيرة. حرية تجلب الماء بسطل صغير. سيناء تحفر. عروبة تصنع قوالب مربعة ومستطيلة من الرمل. وأنا أصف القوالب جنب بعض لصنع جدار طويل وعالي.
انتبهتُ إلى عبد المعطي بعد ساعة تقريبا ورأيتهُ باق في مكانه يدور بالقارب بحركة دائرية، يجاهد للسير به قدما. يتصبب عرقا ويرسم ابتسامة كاذبة على وجهه. حبست ضحكي.
أشد ما يزعجه هو ظنه، مجرد ظنه، أن الكنديين يسخرون منه. وهاهو الآن قد فتح مسرحا لهم للضحك عليه. عطفت عليه. منظره مخز للغاية، خصوصا وأن بعض الشبان الصغار مضوا بقواربهم بعيدا وكانوا قد بدءوا الإبحار بعده بوقت طويل.
جاءني وشرر العالم يتطاير من عينيه، رمى المجدافين فوق القصر وهشم جدران الرمل. صرخ بصوت صم أذني: "ألم تجدي غير هذا الزفت لتهديه لي؟ هل هناك من يلومني لو طلقتك الآن؟".
http://maithamsalman.blogspot.com/



#ميثم_سلمان (هاشتاغ)       Maitham_Salman#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألبوم بلاد
- No More War
- ملحمة الفيسبوك
- مجرد لعبة
- مدينة العكازات
- مخاوف
- جلد الوقت
- أسئلة الغاز
- قشور بحجم الوطن (رواية 8)
- قشور بحجم الوطن (رواية 7)
- قشور بحجم الوطن ( رواية 4-5-6)
- قشور بحجم الوطن (رواية 3)
- قشور بحجم الوطن (رواية 2)
- قشور بحجم الوطن (رواية1)
- غرائبية معقولة
- نصوص
- نص
- قنينة صور
- القراصنة مازالوا هناك
- قصص قصيرة جدا


المزيد.....




- -أسرار خزنة- لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولو ...
- بمناسبة أربعينيّته.. “صوت الشعب” تستذكر سيرة الفنان الراحل أ ...
- خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية بالاسم فقط “هنــــ ...
- في ذكرى رحيل فلاح إبراهيم فنان وهب حياته للتمثيل
- الفنان صبيح كلش .. حوار الرسم والتاريخ
- مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا ...
- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميثم سلمان - جدار رملي