أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - سيرة ظل














المزيد.....

سيرة ظل


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 3334 - 2011 / 4 / 12 - 00:32
المحور: الادب والفن
    


تبني نضال القاضي روايتها ( سيرة ظل/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2009 ) بطريقة ما وراء السرد، أي تأسيس رواية حول رواية أخرى تكون بمثابة النواة للأولى، حيث الإطار الخارجي العام للسرد يتضمن إطاراً آخر في الداخل يتمثل، هنا، بالمخطوطة التي تعثر عليها الراوية في المنزل القديم.. تلك المخطوطة التي تحكي عن تاريخ العائلة، وعلاقاتها، عبر مئتي سنة. وهي تذكِّرنا بمخطوطات في روايات أُخر، في سبيل المثال؛ ( مائة عام من العزلة، الراووق.. ). بيد أن الرواية تظهر لنا، فنياً، في شكل لوحات.. تتفاوت ضربات ريشة الراوية، أو الرواة، في كل لوحة من حيث الشدة والرقة، مع غلبة واضحة للمسة الأنثوية الرهيفة والهادئة. ولا أقصد أن نضال القاضي تكتب رواية نسوية بالمعنى الإيديولوجي الضيق، غير أن من يقرأ الرواية لابد أن يشعر بأن هذا الإيقاع في السرد لا يمكن إلا أن يصدر عن منظور امرأة إلى العالم. وحتى المخطوطة تبدو وكأنها كتبت من قبل امرأة أو مجموعة نساء، على الرغم من أننا لن نتعرف على نصها الأصلي.. وفي هذه الرواية تتفاوت مناطق النور والعتمة/ الضوء والظل، لكن منطقة الظل تغطي المساحة الأوسع في كل لوحة سردية؛ "عين ماء وضربة ريشة خاطفة، لطخة سوداء تمتد فوق رؤوسنا يسمّونها الليل، العين محددة بباب خشبي ومجدولة حافاتها بأسلاك وطحالب.." هكذا تستهل نضال القاضي روايتها موحية منذ البدء بأنها إزاء تاريخ مملوء بالثقوب السود، ومحاصر من جهات عديدة، وعليها أن تقوم بمغامرة فتح الباب، وإدخالنا إلى موطن الأسرار، تلك التي تعدنا به الفنون السردية دوماً لترضي فضولنا. فثمة راوية تستعيد تاريخاً متقلباً لأناس عاشوا وغادروا من غير أن يتركوا آثاراً كبيرة وعلينا أن نثق بما تقول، بوجهة نظرها التي تستدعي الأحداث كما لو أنها شذرات من حلم مجلل بالأسود والأبيض، وربما ببعض الألوان الدكناء أيضاً. حتى أنها تتمادى أحياناً عابرة إلى وجهة نظر الراوي، كلي العلم، السارد بضمير الغائب، وعذرها أنها تتكئ على مخطوطة.
سيرة ظل رواية أجيال مختزلة، بحبكة متشظية، لكنها في النهاية تعطينا صورة عن تاريخ عائلة، ثم عائلات تتفرع وتعيش وتندثر؛ عائلات تعكس الفسيفساء العراقية أسماءً وتقاليد ومذاهب وأقداراً. وتاريخ بفراغات غير قليلة تستفز مخيلة القارئ. والكاتبة غالباً ما تختار التفاصيل الصغيرة التي قد تبدو، للوهلة الأولى، بلا أهمية كبيرة لكنها تعبّر عن جوهر النوع الإنساني في تحوّلاته بين الخير والشر، بين السمو والانحطاط، بين الإيثار والأنانية، بين الأمل واليأس، الخ.. وقد يُصاب القارئ غير الصبور، الباحث عن الإثارة والحبكة الواضحة والمتماسكة، بالملل أحياناً.
تنفتح الرواية في مكان ما على إشارات ورموز وصور وأخبار مخطوطة، أو لعل الراوية، وهي تشرع بالسرد تحاول إيهامنا بأنها تفعل ذلك في كل فصل/ لوحة سردية، لنقلل من ارتيابنا بما تخبرنا به. تختلط ما تقول به المخطوطة مع ذكرياتها وانطباعاتها وخيالاتها، وربما بما تحفظ من تاريخ العائلة كما تناقلتها الألسن والشائعات.
إن تاريخ العائلة/ العائلات هو تاريخ العراق نفسه، وهو تاريخ كما تقول الراوية غير سعيد بالمرة. تنعكس التحولات والمآسي السياسية التي تعصف بالبلاد على حيوات الشخصيات وتحدد مصائرهم، حتى وإنْ لم يكن لهم في تلكم الأحداث دور ما.
نلمس في الرواية مسحة من الغموض يتركها أسلوب الراوية في السرد، كما لو أنها تحدِّثنا عن أحلام، أو أطياف خيالات، أو تعرض صوراً فوتوغرافية قديمة بهتت ألوانها. وهي حريصة على تذكيرنا دوماً بأنها إنما تعتمد المخطوطة مرجعاً رئيساً في إخبار القصة، فنبقى، في مهب ذلك الفيض الشعري بين الارتياب واليقين؛ الارتياب اللذيذ ونحن عند الفالق بين الحقيقة والوهم، واليقين بأن ما نقرأ رواية تمتلك قوة الفن.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورة الشباب العربي: حول أدوار المثقفين
- الثقافة التحتية ومثقفو الهوامش
- ما بعد ماركس.. ما بعد الماركسية 9 وجهتا نظر عربيتان
- ما بعد ماركس.. ما بعد الماركسية 8 غودولييه.. جوناثان ري.. وآ ...
- ثورة الشباب العربي: الدخول في عصر ما بعد الحداثة
- موسم سقوط الثقافة السياسية الفاشية عربياً
- ما بعد ماركس.. ما بعد الماركسية 7 كاسترياديس.. جون مولينو
- ما بعد ماركس.. ما بعد الماركسية 6 ألتوسير.. ريجيس دوبريه
- ما بعد ماركس.. ما بعد الماركسية 5 سارتر والماركسية
- ما بعد ماركس.. ما بعد الماركسية 4 مدرسة فرانكفورت ونقد أسس ا ...
- ما بعد ماركس.. ما بعد الماركسية 3 غرامشي.. لوكاش
- ما بعد ماركس.. ما بعد الماركسية 2 من كاوتسكي ولينين إلى الست ...
- ما بعد ماركس.. ما بعد الماركسية: 1 مدخل
- مأزق النقد
- بين الرواية والفلم
- امرأتان وثلاثة رجال ( قصة قصيرة )
- في مديح القصة القصيرة
- كتب قديمة مستعملة
- الغموض في القصص
- مع محيي الدين زنكنة.. خواطر وذكريات


المزيد.....




- غزة التي لا تعرفونها.. مدينة الحضارة والثقافة وقصور المماليك ...
- رغم الحرب والدمار.. رسائل أمل في ختام مهرجان غزة السينمائي ل ...
- سمية الألفي: من -رحلة المليون- إلى ذاكرة الشاشة، وفاة الفنان ...
- جنازة الفنانة المصرية سمية الألفي.. حضور فني وإعلامي ورسائل ...
- من بينها السعودية ومصر.. فيلم -صوت هند رجب- يُعرض في عدة دول ...
- وفاة الفنان وليد العلايلي.. لبنان يفقد أحد أبرز وجوهه الدرام ...
- وفاق الممثلة سمية الألفي عن عمر ناهز 72 عاما
- 7مقاطع هايكو للفنان والكاتب (محمدعقدة) مصر
- 4مقاطع هايكو للفنان والكاتب (محمدعقدة) مصر
- تحقيقات أميركية تكشف زيف الرواية الإسرائيلية بشأن مقتل أستاذ ...


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - سيرة ظل