أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - في مديح القصة القصيرة














المزيد.....

في مديح القصة القصيرة


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 3243 - 2011 / 1 / 11 - 18:15
المحور: الادب والفن
    


شرعت بقراءة الروايات قبل أن أتعرّف على العالم الساحر للقصة القصيرة. كان ذلك في مطلع سبعينيات القرن الماضي. وكنت قد قرأت عدداً لا بأس به من قصص المغامرات ( شرلوك هولمز وأرسين لوبين ) أولاً، ومن ثم بعض روايات نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وإحسان عبد القدوس حتى وقعت، بناءً على نصيحة صديق، على مجموعة ( بيت سيء السمعة ) لنجيب محفوظ.. هنا اكتشفت منبعاً للمتعة والجمال لا يُضاهى. ومنذ ذلك الوقت صرت أنظر إلى القصة القصيرة بعدِّها واحدة من أرقى الفنون على الإطلاق. وكان ذلك مبتدأ حلمي في أن أصبح، يوماً ما، قاصاً.
أن تخوض في حقل السرد هو أن تقتنص.. أن تجيد فن الاقتناص.. يتفكك العالم إلى عدد هائل من الشذرات، وكل شذرة هي طريدة تتحدى مهارة ذلك القنّاص السارد.. هذه الشذرات هي أشياء العالم؛ أمكنته وأزمنته وموجوداته وكائناته الحيّة وغير الحيّة، وحركته الدائبة التي لا تستكين. وأن تكتب القصة القصيرة هو أن تتقن فن اقتناص شذرة من تكوين العالم.. شذرة عليك أن تصقلها، تعيد صياغتها وإنتاجها.. أن تحوِّلها من حالتها الخام إلى تحفة فنية.
العالم ليس متماسكاً كفاية، إنه مجموعة لا نهائية من الأجزاء والوقائع التي تترابط وتتنافر، تتوازى وتتناظر، تتآزر وتتصارع لتشكِّل، في النهاية، حكاية الوجود الإنساني، والتي هي، في حقيقة الأمر، حكايات. فليست الحياة الإنسانية رواية واحدة ذات حبكة كثيفة وصلبة، بل مجموعة لا عدَّ لها من القصص. وكل قصة يمكن أن تُحكى، وأكثر ما يتوارثه البشر هو القصص كما لو أنها السر في بقائهم واستمرارهم. والأفراد كلهم بدرجات متفاوتة قادرون على سرد القصص؛ أن يحكي بعضهم لبعض قصصاً. لكن ما يعنينا هو كيف نخلق من حكاية ما قصة، أي أن نحوِّلها إلى فن قصصي. كيف نطوِّع اللغة من أجل أن نجعل من قصة ما قطعة جمالية.
القصة تشكيل، فهي إذن فن. والقصة رؤية فهي إذن موقف من الحياة والوجود. وكل قصة محاولة لإعادة صياغة شيء عابر وبلورته في صورة حيّة، تدوم أبداً. والقصة صنيعة خيال، لكنه الخيال الخلاّق المتعاشق مع الواقع، والمتجاوز له. ففي القصص نمنح معنى لوجودنا في العالم، ونعيد الاعتبار للإنسان جاعلين منه قيمة عليا. كان السرد القصصي هو الابتكار الأذكى والأنجع لمواجهة أسئلة الإنسان الكبرى ورعب الوجود. وبدا أن الحياة لا تُطاق ما لم نمتلك القدرة على أن نسرد القصص لبعضنا بعضاً. وأظن أنه ما كان بالإمكان أن تقوم للحضارة قائمة لولا هذه القدرة على سرد القصص.
قد أكون أتحدث عن القصص عموماً، غير أن ما يضغط على ذهني في هذه اللحظة هو الغيرة على ( القصة القصيرة ). فهناك من يدّعي بأن فن القصة القصيرة قد مات أو يكاد، وأن العصر هو عصر الرواية، وطبعاً مع وجود من ينعي هذا العصر الأخير أيضاً. كيف يمكننا الإقرار بمثل هذه النهاية التراجيدية للقصة القصيرة؟ ومن يستطيع أن يأتي بالمسوِّغات لمثل هذا الإدعاء الفج. فما دام هناك من يكتبون القصص الجيدة، وما دام هناك متلقين، في أنحاء العالم كله، يقرأونها بشغف وانبهار فإن القصة القصيرة ستبقى من فنون هذا العصر والعصور التالية.
إن قصصاً من طراز عنبر رقم 6 لتشيخوف والكلب لفوكنر وثلوج كليمنجارو لهمنغواي وأحلام الناي لهرمان هيسه والنداهة ليوسف إدريس ومنزل النساء لمحمد خضير وحيرة سيدة عجوز لمهدي عيسى الصقر وسدوم لفرج ياسين ودنيا الله لنجيب محفوظ، وغيرها آلاف، ستبقى مقروءة لمدة طويلة قادمة بعدِّها من روائع التراث الأدبي الإنساني.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتب قديمة مستعملة
- الغموض في القصص
- مع محيي الدين زنكنة.. خواطر وذكريات
- القابض على الجمر.. يوميات قاسم عبد الأمير عجام
- أنْ نأسر المكان داخل النص: قراءة في -خرائط منتصف الليل- لعلي ...
- إدوارد سعيد: المنفى والهوية.. الأنا والآخر
- تمثلات النهضة: 4 معوقات النهضة في العراق، ونقد مشروعها
- تمثلات النهضة: طبيعة ثقافة النهضة في العراق ومعضلة الهوية
- تمثلات النهضة 2 ثقافة النهضة والمثقفون والدولة
- تمثلات النهضة 1 المنهج والمفاهيم وحدود البحث
- أفق النهضة وأسئلة الحداثة: قراءة في كتاب ( نحو وعي ثقافي جدي ...
- عن أدب اليوميات
- رواية -فيكتوريا-: أشكال السرد وتحيّزات السارد
- عن -أمكنة تدعى نحن-
- الأستاذ محمد خضير
- الجابري في مكتبة مؤيد
- محنة اللغة واضطراب البناء في رواية ( سرير الأستاذ )
- الكتابة عن المكان العراقي
- قصة قصيرة؛ ( غداً ربما )
- قراءة في ( ذاكرة الكتابة )؛ خفة المهمل وثقل التاريخ


المزيد.....




- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...
- على طريقة رونالدو.. احتفال كوميدي في ملعب -أولد ترافورد- يثي ...
- الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟
- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - في مديح القصة القصيرة