أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - الكتابة عن المكان العراقي















المزيد.....

الكتابة عن المكان العراقي


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 3013 - 2010 / 5 / 23 - 21:56
المحور: الادب والفن
    


تنشط اليوم، عند بعضنا، كتابة مغايرة عن المكان العراقي.. يقدم كتّاب عراقيون عديدون على ولوج هذا المجال الخصب الذي ظل مهملاً لزمن طويل؛ وهو مجال حافل بوعود الاكتشاف ومُتعه.
ليس المقصود بالكتابة عن المكان الكتابة عن تاريخ المكان، أو تاريخ الحدث الإنساني، السياسي والاجتماعي، في المكان؛ ( تاريخ بغداد، تاريخ البصرة، تاريخ الموصل، في سبيل المثال ). ولا حتى عن جغرافية المكان؛ ( معالمه وتضاريسه ومناخه وعمرانه ). فهذا النوع من الكتابة شاع منذ زمن بعيد. وله كتّابه وقراؤه، وله أهميته المعرفية والأدبية قطعاً. لكن ما يعنينا، ها هنا، هو الكتابة عن روح المكان ونبضه وسحره.. المكان وهو يؤسس بيت الذاكرة ويؤثثه.. المكان المسكون بالإنسان؛ ما تركه الإنسان من ذاته بين تضاعيف وزوايا المكان مما لا يراه أو يحس به سواه. وإلى أن تنعكس العلاقة/ المعادلة فنقول؛ الإنسان المسكون بالمكان. وطالما اعتقدت أن هذا يمثل شرطاً ضرورياً أول لأية كتابة جيدة.
تعرّض المكان العراقي ، في غضون عقود قليلة، إلى تخريب دراماتيكي نتيجة قصر النظر والغباء أحياناً، وبدوافع مقصودة أحياناً أخرى. وكانت كل حالة تخريب تخلِّف ألماً في الروح التي تسكنها، وضغطاً جارحاً على الذاكرة. وقد حاول المبدع العراقي استعادة ملامح وإيقاع وروح الأمكنة الزائلة في اللوحة التشكيلية والقطعة الموسيقية والنص الشعري والسردي كرد فعل بنّاء على عمليات التخريب تلك.
بعد انعطافة عام 2003 انتعشت الكتابة عن المكان العراقي. وهي في معظمها كتابات ذات صبغة ذاتية شاعرية تستحضر أسرار علاقات حميمة بين المبدعين والأمكنة. وقد أنشأت لطفية الدليمي مجلة مميزة بهذا الصدد أسمتها ( هلا ) توقف صدورها بعد بضعة أعداد لأسباب منها الضائقة المالية وتدهور الوضع الأمني في العام 2007. وأصدر سليم مطر ونصرت مردان مجلة ( موزوبوتاميا ) في هولندا ارتأيا أن تقتصر موضوعاتها على كل ما يخص البيئة العراقية وهويتها ومن ضمنها المكان العراقي. وفيما بعد ( 2009 ) حرر لؤي حمزة عباس كتاباً عنونه بـ ( المكان العراقي؛ جدل الكتابة والتجربة ) جمع فيه نصوصاً لكتّاب عراقيين يعيدون فيها إنتاج هوامش من تاريخهم الاجتماعي والشخصي وتجربتهم مع أمكنتهم الراحلة. ولا تكتمل قراءة النصوص تلك من غير قراءة المقدمة الطويلة نسبياً التي طرح فيها لؤي، بفطنة وعمق، رؤيته عن المكان العراقي في جدله مع رؤى وانطباعات وتجارب الحياة فيه والكتابة عنه.
وكانت تجربة كتابة ( بصرياثا/ صدرت في 1993 ) لمحمد خضير تدشيناً إبداعياً لنمط كتابي فريد سرعان ما أغرى آخرين لمحاكاته. فقد استطاع الكاتب نسج فسيفساء حكائية مبهرة عناصرها وقائع تاريخ وأساطير وأحداث معاصرة وأحلام ومرويات مثلومة وأخرى مرممة وصور متخيلة. وعبر رؤية مشحونة بإيحاءات ورموز ودلالات لا يحدّها حد. وأنا شخصياً قرأت الكتاب بعدّه سرداً فنياً متقناً، وعملاً من أعمال الفكر الخلاّق.
إن الحضارة في أجلى معانيها هي صناعة أمكنة مؤنسنة. والأمكنة هي أمكنتنا نحن..هي الأرحام والحاضنات التي ابتكرتنا وأنشأتنا ومنحتنا هويتنا.. فنحن من غيرها ذوات هائمة على حافة العدم. وهي ما كان لها أن توجد قط من غيرنا.. نحن الذين أعطيناها صبغتها وحضورها في مقابل أن تعطينا الشيء الكثير من معنى وجودنا.. وكان خضير الزيدي مصيباً ولمّاحاً وهو يقدم لنا كتابه الأخير عن أمكنته الأثيرة في الناصرية بعنوان؛ ( أمكنة تدعى نحن ).
أنظر إلى مكانك ( أو أقرأ ما كتبته عنه ) فأقول لك من أنت. وإذا كانت أمكنتنا آيلة إلى الاندثار، فجزء من ذواتنا وتاريخنا ماضٍ، إذن، نحو التبدد.. فلنكتب عن أمكنتنا قبل أن تتخطفها نوازل الزمان وتغيراته. وقبل أن يلفّها ويلفّنا النسيان.
* * *
إذا كان العمود الفقري لأي نص سردي منذ آلاف السنين هو عنصر الزمن فإن أصحاب الرواية الجديدة في فرنسا قلبوا المعادلة جاعلين المكان هو ذلك العمود. وإذا كنا، ودوماً، لا نستطيع أن نغفل عنصر الزمن في أي مشهد سردي/ درامي لأن لا سرد ( أو دراما ) يقوم من غير فعل الزمن وحركته. ولأن الزمن هو الذي يحدد نسق السرد ( إن كان تتابعياً أو تزامنياً أو دائرياً، الخ ) فإن الرواية الجديدة جعلت من المكان ناظماً أساسياً لنسق السرد. وعلى الرغم من خفوت الهالة حول أقطاب الرواية الفرنسية الجديدة ونتاجاتهم، إلاّ أن المكان، بفضل شغفهم برسمه على وفق منظورات ورؤى مبتكرة، صار في دائرة اهتمام كتّاب السرد المعاصرين ونقادّه. وهذا ما انعكس لاحقاً، كما هو شأننا بالتأثر بتخريجات الغربيين وصرعاتهم، على أدبنا السردي العراقي والعربي. وكذلك كان الأمر مع الدراسات والأبحاث النقدية. مع تأكيدنا على حقيقة أن الالتفات إلى عنصر المكان هو شيء أكبر من أن يعد محض صرعة، أو موضة عابرة. واعتقد أن الأستاذ ياسين النصير هو أول ناقد عراقي اهتم بشكل منهجي بالمكان عنصراً مركزياً في النص الشعري والسردي العراقي.
اُتهمت القصة العراقية بإغفال المكان الواقعي/ التاريخي. وللروائي الأردني الراحل غالب هلسا إشارة من هذا القبيل في سبعينيات القرن الماضي. وربما كان الستينيون المهووسون بالحداثة ( إلاّ باستثناءات نادرة ) هم المعنيين بتلك الإشارة أكثر من سابقيهم. وبطبيعة الحال فإن الجيل التالي لم يبرأ من تلك التهمة، وباستثناءات نادرة أيضاً. وبمقارنة بسيطة بين طريقتي القصة العراقية والقصة المصرية ( مثالاً ) في استثمار المكان الواقعي/ التاريخي واستلهامه نجد الشيء الكثير من المصداقية في تلك التهمة. ففي نسبة عالية من القص العراقي المعاصر يرد ذكر الأمكنة ( أزقة، شوارع، مقاهي، أسواق، أرياف، مدن، الخ ) من غير أسماء، كتلك التي يعرفها جمهور القراء على الأرض. أي أن المجال الجغرافي لفعل السرد القصصي، هنا، يبدو سائباً، غير متعين، من منظور واقعي/ تاريخي.
في قصص وروايات نجيب محفوظ تعرّفنا على القاهرة بشوارعها وحاراتها وأزقتها ومقاهيها عن كثب كما لو أننا عشنا فيها طويلاً. وقيل أن تصوير جيمس جويس لدبلن بخريطتها المعروفة في رواياته وقصصه حافظت على معالمها، حتى تلك الآيلة إلى الاندثار. وإن أي مهندس معماري حاذق، إذا ما فنيت المدينة لأي سبب، ( هكذا قال أحد النقاد )، بمقدوره إعادة بنائها ثانية بالاستناد إلى وصف جويس لها. ويا ترى لماذا لم يحدث الشيء ذاته مع معظم النصوص السردية العراقية حتى بدايات الألفية الثالثة؟.
لعل التقيّة تقف وراء الهرب من الإشارة إلى الأمكنة الواقعية/ التاريخية لدى القاصين العراقيين.. فالخشية من التحديد، وجعل حدود كل شيء ( مكاني ) مائعة في النص لها علّة سياسية واجتماعية تشي عن مدى تردد الكتّاب في مواجهة واقعهم بجرأة. وهكذا كان الرمز والتورية والإيحاء والتعمية ملاذات آمنة في مجتمع لا يقبل النظر إلى نفسه في المرآة، وفي إطار سياسي / اجتماعي قوامه الاستبداد، والقمع، وعدم الاستقرار.
واليوم، في دوامة الأحداث والتغيرات الدراماتيكية، عراقياً، يشغل الشريحة المثقفة سؤال الهوية، والذي بات يخرق الإنتاج الثقافي عمودياً، مانحاً إياه صبغته من حيث ( اللون والتوجه ). ولست أغالي إذ أقول؛ إن الإحالة إلى المكان العراقي، وكيفية التعاطي معه فنياً، في ذلك الإنتاج، ولاسيما السردي منه، يحسم، أو يكاد، مساحة واسعة من الإجابة على ذلك السؤال ليتحكم، من ثم، وبقدر كبير، في اللون والوجهة والأسلوب، كذلك، للإنتاج نفسه. أي أن سؤال الهوية سياسياً بحاجة أكيدة إلى هوية المكان ليُحدد أخيراً الهوية الفنية والإيديولوجية للنص السردي العراقي.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة؛ ( غداً ربما )
- قراءة في ( ذاكرة الكتابة )؛ خفة المهمل وثقل التاريخ
- مذكرات تنيسي ويليامز: بين الانشداد للحياة والانجذاب نحو المو ...
- الكاتب والمكان: قراءة في تجربة أورهان باموق
- -اسطنبول- أورهان باموق: سيرة حياة ومدينة
- ماركس وأنجلس: صداقة في نور الفكر والحياة
- ماركس صديقاً
- مصادر ماركس
- مكنسة الجنة رواية ضد سياسية في سريالية عراقية خالصة
- يوميات القراءة لألبرتو مانغويل: انطباعات قارئ
- أطلقوا سراح المعلومات
- قيامة العنف
- -خيال ساخن- في خريطة السرد المصري
- في -ثغرها على منديل- تحسين كرمياني يحتفي بالحب
- أسماؤنا
- نحو استشراف مستقبل ثقافتنا
- بعقوبة التسعينيات: ثقافة تعاند حصاراً مركّباً
- حس الواقع
- الولع بالقراءة: مع آلبرتو مانغويل في -تاريخ القراءة-
- في استهلاك المصطلحات السياسية


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - الكتابة عن المكان العراقي