أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - قصة قصيرة؛ ( غداً ربما )














المزيد.....

قصة قصيرة؛ ( غداً ربما )


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 2957 - 2010 / 3 / 27 - 19:07
المحور: الادب والفن
    


ـ آسفة، ليس اليوم..
ـ ............
ضغطتْ بإبهامها على صدغها.
ـ أنا مريضة.
ـ ...........
ـ ليس أمراً مهماًً.. صداع ثقيل.
ـ ...........
ـ يمكن غداً..
أغلقت الموبايل.. عصرت كتلته الصلبة بكفِّها.. رفعته وطلبت رقماً ما وانتظرت.. الرقم الذي كررت طلبه منذ ساعتين مراراً. ودائماً يجيئها الصوت الحيادي، البارد، ذاته؛ "الرقم المطلوب مغلق، أو.....".
دارت في الغرفة على غير هدى.. جلست واضعة ساقاً على ساق.. شبكت أصابعها وأراحتها على تكويرة فخذها.. جعلت سبابة يدها اليمنى تتحرك بإيقاع غير منتظم.
فكّت تشابك أصابعها لتبدأ بضرب أرضية الغرفة بمشط رجلها اليسرى. وفي هذه المرة بإيقاع أكثر انتظاماً.
وقفت على حين فجأة، ومشت نحو النافذة.. أجالت بصرها في السماء البعيدة.. في الزرقة المخرّمة بسرب من الطيور.. طيور كانت تلوح مثل نقاط سود متحركة بنسق مثلث.. فركت عينيها كما لو أن ذرات من الغبار دخلت فيهما.. عادت وفتحت التلفزيون فظهر حشد من البطّات الملونة في فيلم للرسوم المتحركة.. التقطت جهاز الريموت كونترول وغيّرت القناة.. كانت نانسي عجرم بثوب داخلي أبيض قصير، وشفاف، قاعدة، تغني في حمّام.
جلست وضغطت على زر تبديل القنوات.. تمهلت قليلاً عند قناة تبث برامج وثائقية.. كان ثمة تقرير عن قاتل متسلسل في ولاية أمريكية ما.. أطفأت التلفزيون وأغمضت عينيها.. إذ ذاك رنّ جرس الموبايل. انفرج فمها.. تلفتت للحظة لتعرف من أين مصدر الصوت.. كان الموبايل على الكوميدينو أسفل التلفزيون.. قفزت باتجاهه.. نظرت إلى الشاشة الصغيرة فانكمشت ملامحها.. كادت تعيده وتترك الجرس يرن حتى النفس الأخير، لكنها بعد عشر ثوان من الانتظار فتحت الاتصال.. بصوت مشروخ خافت قالت:
ـ نعم..
ـ ...........
ـ أنا مريضة اليوم، احسبه إجازة.
ـ ..........
ـ آسفة.. أشكرك.
ـ ..........
ـ طيب غداً.
تأوهت.. رمت الموبايل جانباً على الأريكة.. نطت خارجة من الغرفة كأنها تذكرت أمراً ما. وبعد بضع دقائق رجعت وبيدها فنجان قهوة.. شربت قهوتها على عجل وهي واقفة.
حاولت، مرّة أخرى، الاتصال بالرقم الذي ترغب. ومرة أخرى ترامى إليها الصوت الحيادي البارد؛ "الرقم المطلوب مغلق، أو...".
ألقت بالموبايل من يدها اليمنى نحو راحة يدها اليسرى. وفي هذه اللحظة رنّ الجرس.. لبثت ترمق ظهر الموبايل كأنها إزاء شيء مقلق ومريب، وقبل أن ينقطع الخط قلبته لتكتشف هوية المتصل.
ـ نعم.
ـ ..........
ـ آسفة.. اليوم أنا مريضة.
ـ ...........
ـ أرجوك لمياء، أنا مريضة حقاً.
ـ .........
ـ لا مشاكل، لا لا، قلت لك... صداع.
ـ ..........
ـ في البيت.. لست في الدائرة.
فتحت درجاً في الكوميدينو وأخرجت علبة سجائر وقداحة بنفسجية ومنفضة محززة، من الزجاج السميك.. أشعلت سيجارة.. مع النفس الأول خنقها السعال.. أطفأت السيجارة في المنفضة.. استلقت على الأريكة وظلت محدِّقة في السقف، في ريشات المروحة السقفية الساكنة.. دقيقة، دقيقتان، ثلاث دقائق. سبع، أو ربما عشر أخرى.. ذهنها واهن وروحها خامدة...
تتسلق تلاً زلقاً وهي بردانة.. الرعب يملؤها.. إنها طريدة وحش لا تبصره، لكنه وراءها، يلاحقها.. وهي تحاول التسلق غير أن قوة ما تعيقها.. تريد أن تصرخ فتخذلها حنجرتها.. هي في مهب ريح ثلجية..
أيقظها من غفوتها الصوت الحاد لجرس الموبايل، وكانت ترتعد.. قعدت لاهثة.. تناولت الموبايل.. صاحت بنبرة مرتجفة؛
ـ انتظر اتصالك منذ ساعات. لماذا هاتفك مقفل؟
ـ ...........
ـ كذّاب، أين أنت؟.
ـ ............
ـ أنت تتهرب مني.
ـ ............
ـ لا يمكنك الهرب بعد كل الذي حصل.
ـ ...........
ـ أرجوك ماهر.
ـ ...........
ـ كذّاب والله.
ـ ...........
ـ دائماً غداً، وهذا الغد لن يأتي أبداً.
ـ ..........
ـ ليس من غد. ليس هناك أيُّ غد..
ـ ............
ـ ............
آذار 2010
بغداد



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في ( ذاكرة الكتابة )؛ خفة المهمل وثقل التاريخ
- مذكرات تنيسي ويليامز: بين الانشداد للحياة والانجذاب نحو المو ...
- الكاتب والمكان: قراءة في تجربة أورهان باموق
- -اسطنبول- أورهان باموق: سيرة حياة ومدينة
- ماركس وأنجلس: صداقة في نور الفكر والحياة
- ماركس صديقاً
- مصادر ماركس
- مكنسة الجنة رواية ضد سياسية في سريالية عراقية خالصة
- يوميات القراءة لألبرتو مانغويل: انطباعات قارئ
- أطلقوا سراح المعلومات
- قيامة العنف
- -خيال ساخن- في خريطة السرد المصري
- في -ثغرها على منديل- تحسين كرمياني يحتفي بالحب
- أسماؤنا
- نحو استشراف مستقبل ثقافتنا
- بعقوبة التسعينيات: ثقافة تعاند حصاراً مركّباً
- حس الواقع
- الولع بالقراءة: مع آلبرتو مانغويل في -تاريخ القراءة-
- في استهلاك المصطلحات السياسية
- القارئ مترجماً


المزيد.....




- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - قصة قصيرة؛ ( غداً ربما )