أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 7 ) - وهم حرية الإنسان والله .















المزيد.....


تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 7 ) - وهم حرية الإنسان والله .


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 3333 - 2011 / 4 / 11 - 17:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هذا التأمل بداياته إنطلقت من مرحلة الطفولة عندما طرح العقل سؤاله : " ما ذنب الذين يؤمنون بمعتقدات وثنية ومنحرفة أن يكون مثواهم الجحيم ؟" ..كان هذا السؤال بمثابة مفجر لبركان من الأسئلة لم تجد إجابة ليتحول لتسونامى يزيح في طريقه جبال الخرافة والوهم وليكشف ويكتشف مدى هوانها .
كان المرء يندهش من هذا التنوع الهائل للشعوب والمعتقدات والأديان على مدار الزمان والمكان وكيف يمارسون معتقداتهم الوثنية بكل تقديس وتبجيل ساهم الزمان والمكان في تشكيل محتوى إيمانهم .. هم تواجدوا في بيئة ومناخ منحهم الإيمان بأديانهم وخرافاتهم فقدسوها ووضعوا فيها يقينهم وثقتهم بالأمان والسلام ولم تخلو الأمور فى حميتها من التشبث بل التعصب لمعتقداتهم شأنهم شأن كل أطياف المعتقدات والإيمانات بالتصديق لحزمة من الفرضيات والغيبيات والخرافات والتشبث بها , ولتجد هذه الخرافات الحضور فى الغيبيات المحصنة والبعيدة عن الإختبار فلا يستطيع أي فصيل إيماني أن يثبت صحة غيبياته ..فما الذي يجعل خرافاتك صحيحة وخرافات الآخرين خاطئة؟ .
الإشكالية التى أرقتنى حسب الفكر الدينى أن معظم البشر على مدار التاريخ سيكون مثواهم الجحيم فهم لم يحظوا بالإيمان المعتمد وهذا لحظهم البائس من الزمان والمكان !! .. فهم إما لم يعاصروا الإيمان الحقيقي المعتمد المزعوم بحكم الزمان , أو لم تصلهم أي إخبارية عنه بحكم المكان وضعف الإتصال أو أن غيبيات وقناعات الإيمان المعتمد غير متحققة فهي لا تقدم نفسها كإيمان قوى ومُثبت بل شكل أخر من الطقوس والقصص الميثولوجية لا تبتعد كثيرا ً عن قصصهم الخرافية .
كانت هذه الأمور تحيرني لتتناسل الأسئلة وتصدمني بمقولة أن كل الشعوب الوثنية والضالة والتي لم تنال الخلاص والإيمان بالمسيح المخلص هي في بحيرة النار والكبريت وأقول " ما ذنبهم " فحظهم العاثر شاء أن يكونوا في التاريخ الخطأ والمكان الخطأ .!

لم تتوقف مدارات التأملات حول هذه النقطة بل انطلقت في فضاءات واسعة من التفكير لتسقط أفكار وقصص من على عروشها ولتبدأ نظرية أن الإنسان حر في خياراته تتساقط وتتهاوى هي أيضا لتعلن أننا لسنا أحرار بل نعيش وهما ً أسمه الحرية وما سلوكنا إلا نقطة تتحرك تحت تأثير محصلة عشرات الظروف التي تحكم وجودنا في الزمان والمكان .

دعونا نتناول قضية الحرية على مساري حرية الإنسان وحرية الله .. حرية الإنسان تناولتها من قبل بشكل متسرع وأرى أنها تحتاج المزيد من الطرح بعمق أكثر ..وحرية الله سأتناول إشكالياتها المنطقية وفقا لمعطياتها المطروحة .


*** وهم حرية الإنسان .

هل نحن أحرار فعلا ً ؟! .. هل نمتلك القدرة على الاختيار والانتقاء أم أن الأمور لا تعدو سوى وهم وإدعاء مُتسرع وذاتى ترسب في وعينا ووجداننا بأننا نمتلك إرادة وحرية وقرار.!! ..

لا توجد حرية بالمعنى الوارد في أذهاننا أي تلك الإرادة الخالصة التي تختار خيارها بحرية تامة دون قيود لتكون مسئولة عنه ..بل يوجد فقط فعل وسلوك نتاج محصلة لقوى عديدة تؤثر علينا ويكون صراعها وتفاعلها ونواتجها ومحصلتها هي سلوكيات وأفعال وليدة الظروف المادية المحيطة بنا والتي لم نخترها ولم نخلقها ولم نشكلها... بل يمكن القول أننا لا نزيد عن المحتوى والمعمل الذي تتم فيه التفاعلات وأقصى قدراتنا أن نعى ونراقب هذه التفاعلات
فهذه القوى والظروف هي بالضرورة خارجة عنا ومن فعل الطبيعة المادية وليس لنا أي فعالية في خلقها بل نتأثر بها .. يمكن فقط أن نشكل ظرفا ً موضوعيا ً فيما هو موجود ومتواجد ومتاح أي نعيد ترتيب ما هو متواجد وفق حاجة ومؤثر مادى يلح علينا ويدفعنا لتطويره .

عندما تمر أمام عيوننا مشاهد لشعوب وأقوام عاشت وتعيش على مدار الزمان والمكان ونجدها تتباين بشدة في ثقافاتها وأديانها ومعتقداتها , كما تختلف في أدبياتها وفنونها ومزاجها العام وسلوكياتها فنحن هنا أمام نماذج مختلفة من البشر , يكون سلوك وتصرفات الإنسان فيها وليد المحيط المؤثر فيه ليشكل ثقافته ووعيه ومزاجه العام وسلوكه .. ولو تخيلنا وجودنا في هذه المجتمعات كنا سنحاكى نفس نمط وطبيعة حياتهم .

سلوكنا هو نتاج محصلة كل القوى والظروف المحيطة بنا ولن نخرج عن دائرة كل المحددات التي تحدنا .. فلو تصورت ذاتك وقد نشأت في عائلة منغولية أو هندية أو أفريقية أو من جزر البحر الكاريبي فماذا تتوقع أكثر من أنك ستتكلم بلسانهم وتدين بكل معتقداتهم من أديان وعادات وتقاليد وفلكلور ومزاج عام , وستنتج في النهاية سلوكا ً يأتي متوافقاً مع سلوكهم .

يمكن تصور حرية الإنسان المزعومة بأنها نقطة تتحرك يميناً ويساراً داخل شكل هندسي محدد الأبعاد والزوايا .. كل أضلاعه وزواياه هي عوامل مادية خارجة عنه ومؤثرة فيه .. فلا يمتلك الإنسان هنا أكثر من الحركة داخل المحددات المفروضة على حدوده وحتى هذه الحركة المحددة والمحدودة لا تتم بمزاجية وحرية مطلقة .!!
فحركته ذاتها ليست بالحرية بل هي محصلة لكل القوى الخارجية المهيمنة والمسيطرة عليه داخل ذلك الشكل الهندسي فيكون اختيارنا لفعل محدد هو نتيجة هيمنة و تأثير قوة وعامل مادي محدد على بقية العوامل الأخرى وهذا العامل يجد قوته من تأكيده وتأصيله من الوسط والبيئة المحيطة .

لا تعدو الأمور إلا أن تكون هكذا .. نقطة تتحرك في داخل شكل هندسي كل أضلاعه وزواياه هي قوى مادية يتواجد الإنسان فيها ولم يختارها أو ينتقيها بل تعاطى وتفاعل معها وفقا لمحددات معينة فيتصاعد تأثيرها بحكم البيئة والثقافة والمناخ المحيط لينتج فى النهاية السلوك .

لا يوجد إنسان يتشابه مع أخر في شكل وطبيعة الشكل الهندسي المحيط به , فهناك من يتحرك داخل شكل هندسي كثير الحدود والزوايا .. وهناك من يتحرك داخل شكل هندسي أضلاعه مختلفة في القوة والحدة عن شكل آخر.. وهناك من تكون محدداته متباينة فى البساطة والوضوح والتعقيد .
لو علمنا بإنسان يزنى .. فهو هنا يقدم على هذا الفعل كمحصلة لصراع قوى أدت في النهاية إلى فعل الزنى ..فهناك رغبة وغريزة جنسية راقدة قي العمق الإنساني تطلب الإشباع .. وهناك صراع بين مجموعة من القوى المدعمة أو الرافضة لممارسة هذا الفعل .. فمحصلة صراع هذه القوى المتصارعة الطالبة والرافضة تعطى في النهاية السلوك النهائي لكل إنسان و حسب الأضلاع والزوايا المحيطة به وصراعها وبزوغ قوى وخفوت قوى أخرى .
في بعض المجتمعات تجد الإنسان يمارس الزنى بنفسية مستريحة وفى البعض الأخر تجد الممارسة تتم بكثير من القلق والمشاكل , فبالرغم أن الفعل واحد إلا أن هناك تباين لمحصلة القوى المهيمنة والمسيطرة والمنتجة للفعل لكل إنسان .
بالطبع أنا أطرح تفسير للسلوك الإنساني والذي قد يرفضه البعض ليتعلق في قضية أن هذا يعنى إباحة الزنا وإطلاق يد الشر ! ..وبالرغم أن هذه الرؤية ليست قضيتنا لأننا معنيين بتحليل حرية الإنسان إلا أنه بالرغم من غياب الحرية عن الإنسان , فيبقى تجريم الشر لدعم قوى المنع فى الصراع الداخلي وليس لتحقيق العدالة فهو فعل فى النهاية نتاج ظرفه المادى ولن يخرج عنه .
يمكن القول والتأكيد بأن الإنسان الواحد يمارس أي فعل واحد بصورة متباينة فى كل مرة لأن المحددات والقوى المهيمنة ليست ساكنة راكدة بل في حالة حركة مستمرة لتتصاعد مواقع وتخبو مواقع , و تظهر قوة أضلاع وتتوارى أضلاع أخرى وفقا للظرف الزماني والمكاني .
نحن نتصور هذا التباين في هذه الأفعال بأنها الحرية بينما هي هيمنة قوى على قوى أخرى لكل إنسان لتعطى في النهاية سلوكه وفقا لمعطيات الزمان والمكان .. فلو تصورنا جدلا أنفسنا في حال أي إنسان مع مطابقة تامة لكل العوامل والظروف الواقع تحتها من ثقافة وفكر ومحددات فحينها سنسلك نفس سلوكه ونمط أفعاله .. وإن كنت أضع هذا المثال للتقريب فلا يوجد تطابق للإنسان مع أحد ولا يوجد تطابق للإنسان ذاته مع نفسه فالزمان والمكان كفيل بنسف التطابق فالماء يستحيل أن يجرى في النهر مرتين .

لا توجد فكرة نتبناها إلا وتكون نتاج حاجة إليها سواء حاجة مادية أو نفسية تطلبها وتلح عليها , وهذه الفكرة ليست حرة الإرادة ولكن مقيدة بعشرات من السلاسل التي تمثل الحاجة والرغبة والإشباع .. من هنا نستطيع أن نجد تفسيراً لمعنى الإيمان بالأديان والمعتقدات والتشبث بها ولكن قد يسأل سائل : وماذا عن الملحد والكافر ألم يختارا بإرادتهما الحرة كسر كل حدود الدائرة التي أحاطت بهما .؟!!

الحقيقة أن الملحد ليس كائناً فضائياً لا تسرى عليه نفس الرؤية السابقة فالإنسان ليس كتلة صماء , فكما أشرنا توا ً بأن الأضلاع والزوايا التي تحيط بكل إنسان ليست نسخ كربونية من بعضها و أنه لا يوجد شكل هندسي محيط بالإنسان يتطابق مع شكل هندسي لإنسان آخر فالذي وصل لإلحاده لأن محصلة القوى الواقع تحت تأثيرها اختلفت عن محصلة القوى التي يقع المؤمن تحتها .. وهذا التفاعل والصراع بين محدداته قادته إلى تصعيد قوى الرفض والشك وهيأت له مناخاً لأن يفكر خارج السرب .
بالطبع لست معنيا ً بمن يكون حظه جيداً أوبائسا ً أو فكره صحيح أو خاطئ .. فهذا أمر أخر يحسمه الجدل والمنطق لندرك من يكون حظه حسناً ومن يكون حظه عاثراً فنحن نتناول فقط الظروف الحاضنة والخالقة للفكرة والسلوك , ومن وجد نفسه في الإيمان كنتاج لمنظومة القوى التي وجد فيها أو من قادته صراعات القوى الموجود في دائرته إلى الإلحاد .

نحن نتصور بأننا أحرار ولكننا لا نزيد عن الطبيعة في شيء سوى أن مجمل الظروف المادية التي تحيط بنا أكثر تنوعا ً وتشابكا ً من الطبيعة و لن نخرج بحال من الأحوال عن قانون ومعادلة مادية تبدو شديدة التعقيد ندور في محيطها ومحتواها سواء بوعي أو لاوعي وهذا ما يفرقنا عن الطبيعة ..أن نخضع لعلاقات حية تتوالد فيها معادلاتها بشكل دائم وديناميكى .
الإنسان يخضع للزمان والمكان ومنه يستقى فكره ورؤيته وكل تصوراته , فمحدداته وكل مفرداته وفضاءه المعرفي والفكري يتحدد في الزمان والمكان ليكتسب منهما ثقافته وفكره ومزاجه العام ومنها يأتي سلوكه المحدد بأطر محددة ويكون تصرفه وسلوكه الشخصي هو محصلة لكل القوى المؤثرة عليه ومدى تفاعلها وبروز قوى عن أخرى وهيمنة ظرف موضوعي عن مجمل الظروف .
الزمان والمكان هما محددات مادية ليس لنا أي خيارات حرة فيها بل هي القيد الذي نتقيد به رغما ً عنا بحكم الوجود.. إذن نحن من البدايات أسرى الزمان والمكان وليس لنا خيار مما نحن فيه ,فنكون قد تحددنا بذلك فى نطاق دائرة أوشكل هندسى لتتهاوى فكرة الإرادة الحرة فنحن لم نختر العصر ولا البقعة الجغرافية التي ستتولى تشكيل وخلق واحتضان وتشكيل وعينا وفكرنا وثقافتنا .

إختيارنا ليست حرية كما نتصور بل هو هيمنة ظرف موضوعي على ظرف آخر , ويكون هو حظنا من تأثير المكان والزمان فالذي تواجد في بيئة حاضنة ترفع من قيمة سلوكية محددة غير الذي تواجد فى بيئة لم تُعلى من شأن هذه القيمة بنفس الفعل والتأثير .
الغريزة والاحتياج والثقافة والبيئة وهيمنة الطبيعة كلها محددات تحيط بنا لتتفاعل.. تتصارع ..تهيمن .. تحتد .. تخمد ..تتوارى في عمليات تتم داخل الدماغ ليطفو على السطح القرار النهائي والذي نتصوره اختيارنا بينما هو محصلة الصراع وهيمنة لمحدد معين وليد تأثير للبيئة كان حظنا أنه تفرد بحكم قوة تأثيره بينما قد يفتقد الآخرين لهذا المحدد لبزوغ محدد آخر لديهم .

نحن إذن لم نختار الأطر والمحددات التي تشكل الفكر والسلوك والاختيار .. فهل يحق لنا القول بأننا نمتلك الحرية فيما نحن أسرى له , أي نختار فيما هو مفروض علينا من مفردات ... نحن لا نزيد كما ذكرت عن نقطة تتحرك داخل شكل هندسي كل أضلاعه وزواياه ليست من إنتاجنا وتكون حريتنا هي التجول في هذا الشكل المحدد .. ولكننا لا نتجول أيضا بحرية بل نتيجة تصاعد قوة وتأثير ضلع محدد نال الحظ من القوة والهيمنة .

لو تناولنا قضية الحرية من منظور الوعي وعلاقته بالمادة فنقول بأن المادة تسبق الوعي فلا يوجد وعي إلا ويسبقه وجوده المادي كما لا يتشكل الوعي إلا من تأثير المادة فصور ومحددات الوعي هي من الصور التي يستقيها من الطبيعة لذا تكون محددات الحرية هي مجمل الصور للمادة في الظرف الزماني والمكاني أي أنني أكوّن صوري من محددات مادية ذات لحظة زمنية ومكانية لتتباين صوري حاليا عن صوري بالأمس وتتباين بالضرورة مع صور الآخرين في الوعي لتنتج فى كل مرة حالة فكرية وسلوكية بنت التركيبات المادية التى أنتجتها .

هذه رؤية عن الحرية التي يتصور الكثيرون أن الإنسان هو ملك قراره واختياره بينما الأمور لا تعدو سوى نقطة تتحرك داخل شكل هندسي كل أبعاده من نواتج مادية ليس لنا فيها إختيار وحتى حركتنا البسيطة ذاتها هي محصلة نفس القوى المادية .

من هذا السياق يكون من السخف تصور أن هناك إله يُراقب ويسجل حركة النقطة المجبرة التي تسير في مسارها لأنه من السخف منطقيا ً أن تحاكم تلك النقطة على حركتها المحكومة والمقيدة بظرفها المادي الزماني المكاني .!!


*** هل الله حر ؟!

الإنسان يرى نفسه حرا ً وذو إرادة وعندما يفكر في إلهه سيراه بالطبع أكثر حرية وذو إرادة ومشيئة بل تكون سقوف حريته أعلي وبلا حدود .

ولكن هناك إشكالية وتناقض يطل علينا فالإرادة الحرة والمشيئة الإلهية ستقوض صفة المعرفة والعلم الكلي الإلهي والعكس صحيح فالعلم الإلهي المسبق سيبدد أي حرية مزعومة .
فإذا كان الله يعلم كل شيء منذ البدء , ويُدرك أن ما سيصنعه هو كذا فكذا فكذا ..وعلى علم تام بالأحداث قبل أن تتواجد بكل سيناريوهاتها ومشاهدها كمعرفة تامة وكاملة .. فمن أين تجئ الحرية ؟ !!

فالحرية هي اختيار لحظي بين مفردات مختلفة !!. فهل يمكنه أن يغير من اختياراته وترتيباته التي يعلمها سابقا ًً !! ..فإذا كان يمكنه ذلك فهو هنا سيكون حرا ً ويحقق صفات القدرة والإرادة والمشيئة ولكن في المقابل سينسف أمامها صفة العلم والمعرفة المطلقة لأنه بذلك أصبح لا يعلم بالتغيير الذي سيطرأ والذي سيستدعى تغيير علمه وبذا تكون معرفته ناقصة وغير مكتملة أو جاهلة بما سيستحدث في المستقبل . !!

هناك إشكالية أخرى تنتج من ذلك في أن يكون الله خاضعا ً لما سيستجد من أحداث ليبنى عليها اختياره الجديد .. أي أنه خاضع للزمن وغموضه فيكون مثلنا غير مدرك للحظة الآنية.!!

من الهراء أن تقول أنه يعلم الحدث المستقبلي وما سيستجد عليه وبناء عليه سيغير من ترتيبه ليكون هذا ضمن الأرشيف والمعرفة الإلهية لنقول لك من أين جئت بهذه المعلومة وكيف استنتجتها ولكنها لن تخرج أيضا من باب الهراء والعبث بالرغم من محاولة إسعافها لهذه الإشكالية .. فبغض النظر انها تضع صورة الإله بشكل غير مكتمل وناضج يسير بشكل مُبرمج لن يحيد فيه عن التعديلات التي طرأت في السيناريو لتعيدنا للمربع الأول ليكون السؤال مرة أخرى : هل الله يستطيع أن يحيد عن التعديلات المعدة سلفا !!.

عندما نقول حرية فهي محصلة إدراك الظرف الموضوعي بكل أبعاده والقدرة على اتخاذ قرار لحظي يكون نتاج طبيعي لتأثير مجموعة متشابكة من الأضداد فتتصاعد إحتمالية منهم بحكم قوتها لظرفها الموضوعي والراهن لتخلق القرار .
فهل الحرية الإلهية كذلك وهل هناك مجموعة هائلة من القوى المؤثرة والأضداد المستقلة عنه لتطفو قوى معينة تفرض نفسها وتطرح خيارها ؟!!

هل القرار والحرية الإلهية هي نتاج صراع عوامل كثيرة تطرح نفسها على عقل الإله أو على طاولته ويفرض عامل واحد قوى نفسه ليكون هو القرار الإلهي .. لو رفض المؤمنون هذه المقولة بحكم أن الله لا يخضع للظروف فهو خالقها كما أن الظروف والخيارات تصبح بذلك في حالة استقلالية عن الله وهذا مرفوض بالنسبة لهم ... فهنا سنسأل ما معنى القرار والحرية والمشيئة الإلهية ؟ّّ!!.. فطالما الله يختار بلا هيمنة وصراع لظروف وخيارات فألا يعنى هذا أن الله يختار بلا حسابات و بشكل عشوائي؟ .. ألا تعنى الهوى بعينه ؟.. ولكن الهوى والمزاج و الذي نراه فوضويا ً هو أيضا يخضع لعشرات الظروف الموضوعية التي تخلقه .
اختيار شيء بدون وجود عوامل ومؤثرات تدخل فى الإختيار هو المستحيل بعينه بل هو العبثية والعشوائية ذاتها .

هناك نقطة تخص الإنسان في هذه المعضلة ..
فإذا كان الله يُدرك كل أفعال الإنسان منذ البدء فهل يُمكن للإنسان أن يخطو أي خطوة عما تم ترتيبه مسبقا ً .. فإذا كان يقدر أن يخط خارج ما هو مدون في المعرفة الإلهية فسيكون بذلك حرا ً , ولكن ستكون المعرفة الكلية الإلهية قد أصابها الخلل وتنسف فكرة ما هو معلوم .
لو قلت أن الإنسان يقدر أن يتصرف تصرفا ً حرا ً باختياره لبديل آخر عما فعله ولكن هذا ينافى العقل والمنطق فهو يفعل الفعل مرة واحدة في لحظة زمنية محددة ولن يعاد المشهد كشريط سينمائي ليغير من فعله نحو خيار آخر .
ولكن إذا كنت تقصد أن أمامه خيارات عدة وانتقى هذا الخيار .. فهل قراره المنتقى يتوافق مع ما هو مدون أم لا ؟.
إذا كان الفعل غير متوافق مع ما هو مدون فالله لا يعلم وتنتفي عنه صفة المعرفة الكلية ولكن الله فرضا ً لديه كل العلم والمدونات لنرجع ثانية لسؤالنا : هل يستطيع الإنسان أن يخطو خارج ما هو معلوم ومُسجل أم أنه لابد أن يسير في هذا المسلك ولا يشذ عنه رغما ً عن أنفه ؟
إذا كان الإنسان لا يقدر أن يشذ عما هو مخطط له فهنا يكون مُبرمج أن يفعل هكذا حتى يُحقق ما هو معلوم ومُدون في السجلات الإلهية.. لنعيش نحن اللامعنى والعبثية بعينها.!!

كيف نتفهم هذا التخبط والتناقض ؟
الإنسان يرى أنه حر أو هكذا توهم فيمكنه أن يختار بين خيارات مختلفة لذا أسقط هذه الصفة على إلهه كشكل منطقي ومنحه صفة الحرية والإرادة المطلقة التي لا يحدها شيء ..كما أنه يعلم ويدرك اللحظة الماضية ليجعل إلهه يعلم الماضي والحاضر والمستقبل أيضا ً فهو ليس كالإنسان ذو إمكانيات محددة في المعرفة وإلا لما إستحق لقب إله

يمكن القول بأن الإنسان لديه خوف وقلق هائل من اللحظة القادمة التي تحمل كل الشر والألم فجعل إلهه يمتلك مفاتيح الغيب ومن هنا سيقدم قرابينه وصلواته ليترفق به في لحظتة القادمة.
صفات الحرية والإرادة والعلم والإدراك هي صفات إنسانية أسقطها الإنسان على إلهه ولكن الخلل والتناقض والعبثية حل عندما خرجت هذه الصفات من قالبها الإنساني لتخرج وتنطلق بلا حدود .. فلا توجد صفة بلا حدود والصفات هى بشرية في النهاية .

الطبيعة لا تختار بين مفرداتها فهي بلا عقل ولا ترتيب ولا تخطيط وتخضع بشكل فج وقاسى لقانونها المادي .. نحن نتصور أننا نختار بإرادة حرة ولكننا لا نختلف عن الطبيعة في شيء فنحن نعبر أيضا ً عن محصلة القوى المادية الفاعلة في الزمان والمكان ولكن نمارس معادلاتها بوعي وحيوية وديناميكية .

دمتم بخير.



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 6 ) - نحو وعى وفلسفة للمو ...
- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون ( 11 ) - البحث عن جدوى للإنسان وال ...
- كابوس الديمقراطية .. مصر نحو الشرنقة والشرذمة الطائفية .
- تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 11 ) .
- فلنحاصر فصائل الإسلام السياسى ونجبرهم على تحديد مواقفهم من ا ...
- خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ( 6 ) - هى فكرة خيالية غي ...
- هل هى ثورات أم فوضى خلاقة .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 25 ) - مفهوم الأخلاق فى الدين ...
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 24 ) - الشفاعة كتأسيس لمجتمع ا ...
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 23 ) _ لا تسأل لماذا هم مرتشون ...
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 22) - استبداد الحكام العرب هو ...
- خواطر وهواجس وهموم حول ثورة 25 يناير .
- هل تستطيع ثورة 25 يناير أن تٌقلع ثقافة الوصاية والقطيع وهل س ...
- هنيئا ً للشعب المصري .. ولكن حذار فأنتم أسقطتم رمز من رموزه ...
- مشاهد وخواطر حول ثورة الشعب المصرى .
- إنهم يجهضون ثورة الغضب مابين إنتهازية معارضة كرتونية وتواطؤ ...
- جمعة الرحيل وحتمية محاكمة النظام بسياساته وطبقته وأدواته ومم ...
- ثورة الغضب المصرية ما بين أحلام شعب والإنتقال السلس والرغبات ...
- هموم وطن - شرارة ثورة تونس تُداعب أحرار مصر .
- تأملات في الإنسان والإله والتراث ( 5 ) - التمايز الطبقى والت ...


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 7 ) - وهم حرية الإنسان والله .