يوسف ألو
الحوار المتمدن-العدد: 3319 - 2011 / 3 / 28 - 00:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الأحداث العربية والأسلام السياسي والمتطرف ومصير شعوب المنطقة
قراءة عامة تحليلية للوضع العربي الراهن وما ستؤول اليه الأحداث مستقبلا
كان المفروض ان نبدا بعملية التغيير التي جرت في العراق عام 2003 ولكن للأسف التغيير الذي حصل في العراق لم يكن بقائده الشعب العراقي ولا برضاه !! بل بالقوة المفرطة التي استخدمتها الدول الغازية وبطبيعة الحال اي تغيير لا يكون مصدره الشعب لاقيمة له ولا طعم له وهاهي نتائج التغيير العراقي السلبية يعاني منها شعب العراق الجريح والمظلوم .
بدأت الشعوب العربية منذ نهاية 2010 بالتفكير جليا وجديا بتقرير مصيرها ومحاولة التخلص من الأنظمة الفاسدة التي تسلطت على رقابها منذ عقود من الزمن ورأت شعوب البلدان العربية التي انتفضت ضد الظلم ان الأوان قد آن وأن الفرصة سانحة والظروف ملائمة للقيام بتحركها من خلال المضاهرات والأنتفاضات والأعتصام كي تثبت للحاكم بأنها رافضة له وبأن زمن الدكتاتورية والتسلط الأعمى والقائد الفذ والضرورة وطويل العمر بدات تزكم انوفهم لذا كان القرار الحاسم للشعوب العربية والذي بدأ بشكل فعلي من تونس حيث تمكن الشعب التونسي من ازاحة الدكتاتور زين العابدين بن علي بمدة قصيرة رغم التضحيات التي دفعها الشعب التونسي من اجل ذلك التغيير , ثم التحق الشعب المصري بمسيرة التغيير مستلها العزم والقوة من الشعب التونسي اولا ولنفاذ صبر الشعب المصري من قيادة مبارك وتمسكه المستميت بالسلطة واستبداده فيها ثانيا , فكانت النتائج باهرة ايضا حيث ازيح رئيس اكبر دولة عربية من حيث المساحة والنفوس والمكانة الدولية والقوة العسكرية من عرشه وايضا مقابل ثمن غالي حيث دفع الشعب المصري المئات من الشهداء في ميدان التحرير في القاهرة وبقية المدن المصرية المنتفضة ومثلها اضعاف من الجرحى بسبب التصرف الهوج من لدن قوات الأمن المصرية التي كانت تنفذ اوامر مبارك وتحاول عابثة السيطرة على الوضع وحمايته والمجموعة الحاكمة التي كانت تمتص قوت الشعب المصري .
ثم تلا ذلك ليبيا ضد دكتاور آخر لايقل همجية ووحشية من من الدكتاتور المقبور صدام دكتاتور العراق والعصر ولكن همجية القذافي وتصرفه الأهوج ضد شعبه الذي سيدفع ثمنه غاليا حال دون انجاز المهمة بالوقت الذي احتاجه الشعب التونسي والمصري مما حدا بقوات دولية للتدخل لمساعدة ونصرة الشعب الليبي وهذا هو الفعل المشين الذي فعله القذافي والذي سيلاحقه الشعب الليبي اينما كان ومهما طال الزمن أضافة لملاحقة التاريخ الذي لايرحم احد من الدكتاتوريين والمستبدين ولازالت المعارك الطاحنة بين الشعب الليبي من جهة بمساعدة القوات الدولية من خلال تغطيتها الجوية والقصف الصاروخي وبين كتائب القذافي الذي راح يلفظ انفساه الأخيرة بسبب العصيان الذي قام به العديد من كبار الضباط والقادة في جيشه وانضمامهم للمعارضة والثورة الشعبية .
اما اليمن وهي الأخرى التي انتفض شعبها ضد التسلط والطغيان ضد دكتاتورها علي عبد الله صالح ذلك المهووس الذي حاول القضاءعلى الحركة الوطنية في اليمن بشتى الوسائل المتاحة متخذا من اسليب استاذه المقبور برنامج عمل له حيث غزى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وضمها بالقوة الى اليمن الشمالي ليشكل منها جمهورية اليمن الحالية بالحديد والنار وها هو الآخر يلفظ انفاسه الأخيرة أمام اصرار الشعب اليمني بأزاحته وعدم القبول بأي حل بديل آخر رغم التنازلات العديدة التي صدرت منه والتي تدل على ضعفه وانهياره بسبب صمود الشعب اليمني من جهة وانفصال عدد كبير من قادة الجيش وكبار الضباط والبرلمانيين والمسؤولين الحكوميين وانضمامهم للمعارضة والثورة الشعبية العارمة التي ستتطيح برفيق صدام وتلميذه ضمن مجموعة التلاميذ التي اقتدت بتعاليم صدام التعسفية .
ايضا البحرين وعمان والأردن وحتى السعودية كان فيها اضطرابات شعبية مما حدا بملوكها وأمرائها وسلاطينها الى اصدار العديد من القرارات التي حاولوا من خلالها امتصاص نقمة الشارع والشعب عليهم وعلى ممالكهم التي لابد لها من الزوال لأن وكما يظهر بأن زمن الملكية والعبودية وطويل العمر وحفظه الله ورعاه والأخ القائد والرفيق القائد آخذة بالزوال لامحالة وهذا ما اكدته الأحداث والتغييرات الجارية على الساحة العربية بشكل عام , ايضا تمكن الشعب السوداني في جنوب السودان من تقرير مصيره والتخلص من طاغيته البشير صاحب العصا التي طالما يهدد بها شعبه واصبحت له حكومة مستقلة ذات سيادة كاملة على جنوب السودان وهذا بحد ذاته بداية النهاية لذلك النظام الطاغي وسياتي اليوم الذي تتحر كل السودان من الطغيان ويعود الجنوب والشمال ليتعانقا من جديد في دولة السودان المستقلة التحررية الديمقراطية .
وأخيرا وصل صوت التحرير الى الشعب السوري البطل كي يتخلص هو الآخر من تسلط البعث الأعمى الذي يختلف في تسلطه عن باقي دول المنطقة حيث الأجرام الذي يمارسه البعث ضد شعبه لامثيل له في تأريخ الدكتاتوريات البغيضة وما ممارسات المهزوم صدام وعصابات البعث ضد الشعب العراقي المظلوم الا دليلا قاطعا على وحشية البعث واصراره على التمسك بالسلطة بشتى الوسائل القمعية المتاحة له وهذا ما فعله صدام ومن قبله البعث في انقلاب شباط الأسود وما فعله بعث سوريا بشعبها ايضا ولازال وهو ما يثبته اليوم بالفعل المشين !! ولكن كما يبدو بأن الأوان قد آن ايضا لأزاحة آخر وكر عفن من أوكار البعث في المنطقة العربية وبذلك سينتهي حزب طالما عرف بالوحشية والهمجية والغدر والخيانة خلال مسيرته منذ تأسيسه ولحد اليوم , فقد بدات ملامح التغيير تظهر على سوريا من خلال المضاهرات والأعتصام والتي تزداد حدتها يوما بعد آخر واصبح النظام السوري قلق على مستقبله لأنه يرى بأن ارادة الشعوب هي المنتصرة في النهاية مهما كانت التضحيات ... لأن الشعوب بدت تعي وتعرف جيدا بأن لاحرية ولا ديمقراطية بلا ثمن لابل وان ثمن الحرية والديمقراطية غال جدا وقد آمنت الشعوب به وسلكت درب التغيير معبدة الطريق بدماء الشهداء الذين يسقطون على ايدي الطغاة لتكون مشاعل تنير الدرب للأجيال القادمة الراغبة في التغيير الجذري لحياتها .
بعد كل ما تقدم وان فاتني بعض الأمور ولم أذكرها هناك نظرة تحليلية مستقبلية لما يجري في هذه البلدان ولشعوبها من خلال الوصول الى الهدف المنشود او بعد الوصول له وكما قلنا من خلال الدماء الزكية للشهداء الأبرار الذين سقطوا ويسقطون على مذبح الحرية , وبأمكاننا ان نلخص ما حدث وما يحدث والمتوقع حدوثه في الأيام او الأسابيع وقد يكون الأشهر القادمة ما يلي :
1- عندما تبدا الشعوب بالأنتفاض والتضاهر والأنقلاب على الوضع الشاذ للحكومة لابد من وجود اسباب ودوافع وخلفيات تتبلور من خلال الأحداث المتسلسلة التي يمر بها البلد ومن خلال ممارسات السلطات القمعية وأساليبها التعسفية المستبدة في قيادة شعوبها والتسلط بالحديد والنار , وتكون اغلب التحركات بقيادة الحركات والأحزاب الوطنية التي تعمل بالسر في تلك البلدان وتكون هي صاحبة المبادرة الأولى ( الشرارة الأولى ) وهذا هو حال الأحزاب والحركات الوطنية في العالم أجمع فدائما تكون اول من يضحي وآخر من يستفيد وما حصل ويحصل في العراق الآن اكبر دليل على ذلك .
2- بعد ان تمهد القوى والوطنية الطريق وترسم الخطط للشعب يظهر هناك العديد ممن تسمي نفسها الفصائل الوطنية او فصائل المقاومة والتغيير التي هدفها التصيد في الماء العكر وتكون مهمتها الأنقضاض على مكتسبات الشعب التي تتحقق بجهود مناضليه وقواه الوطنية وبالتالي تحاول السيطرة بسهولة على الوضع العام وتجعل من نفسها المصلح الرئيس والمحرك الرئيس للأحداث وهذا ما حصل في مصر من خلال محاولة التيار الأسلامي التلسلق الى القمة ممثلا بالأخوان المسلمين الذي لو تم لهم ذلك سوف لن يكونوا بأفضل من سابقيهم وسيجرون شعبهم الى مآسي ومعاناة تزيد في حجمها تلك التي ناضل من اجل ازاحتها والتخلص منها , فكلنا يعرف التفكير العام للجماعات الأسلامية بغض النظر عن طائفتها سنة كانت ام شيعة فنظرتها للمجتمع وتعلقها بالتخلف هو واحد أذن فهما وجهان لعملة واحدة , ألا ان شعبنا في تونس تمكن من التخلص من تسلط هؤلاء بفضل قيادة التغيير الحكيمة ولو ان الأمر لم يحسم بعد وهناك مساع من قبل الأحزاب والشخصيات الأسلامية التي تحاول ذلك .
3- أيضا نلاحظ وبشكل ملموس استغلال السلفية والقاعدة والأسلام المتطرف للأحداث ومحاولته تشويه صورة المضاهرات الشعبية السلمية الى مضاهرات عصيان مسلح او تحويلها الى سلب ونهب لممتلكات الدولة والتي هي بالتالي ممتلكات الشعب الثائر وايضا الأعتداء وسلب ممتلكات المواطنين الخاصة وهذا ما يمهد الطريق للحكومات المستبدة للتشديد من ممارساتها ضد الشعب المنتفض والأقتصاص منه بشتى الطرق وأقلها تزايد عدد القتلى والضحايا بين صفوف المتضاهرين وجعلها حجة لهم للدفاع عن المال العام والخاص من السراق والبلطجية كما هو شائع هذه الأيام ! وهذا ما حصل في احدى المدن السورية مؤخرا حيث قام نفر ضال بالأعتداء على الممتلكات العامة وتكسير اشارات المرور والعبث في الساحات العامة وجمالية المدينة .
4- حاول الأخوان المسلمين ولازالوا التسلط على زمام الأمور في مصر ومحاولتهم الأنقضاض على الثورة الشعبية وضمها لصالحهم وحدهم بأعتبارهم المعارضة الرئيسية والقوية والتي تمتلك ساحة واسعة حسب تعبيرهم ورأيهم من خلال ابعادهم للقوى الوطنية التي كانت في مقدمة المنتفظين وهذا متأت من مساندة بقايا النظام البائد في السلطة كالهرم وزير الدفاع وغيره ممن بيدهم زمام الأمور لحد اليوم وبالتالي ستتحول مصر الى دولة أسلامية وتخسر كل منجزاتها التي حققتها طوال العقود الماضية وقد تتحول ايضا لبؤرة الأرهاب والمتطرفين , وهذا ما يحدث اليوم في ليبيا ايضا حيث تحاول الجهات الأسلامية المتطرفة السيطرة على الوضع من خلال امتلاكها للسلاح بشتى انواعه ومنه الثقيل ورغم معرفة الدول الساندة للشعب الليبي بذلك ألا انها لم تحرك ساكن لحد هذه اللحظة تجاه الخطر المحدق بالشعب الليبي وشعوب المنطقة بشكل عام , و ما حصل في العراق حيث سيطر المتطرفون الأسلاميون على زمام الأمور وابعد الوطنيون والذين تشهد لهم ارض العراق من شمالها الى جنوبها ومن شرقها لغربها بصولاتهم المشهودة ونضالهم الصعب والشاق ضد الدكتاتورية والتسلط والعبودية وأعداد الضحايا من الشهداء الأبرار أضافة الى التشرد والبؤس والسقم والحالات النفسية الصعبة التي عانت منها آلاف العوائل المضطهدة والمشردة .
5- على القوى الوطنية العربية ان تعي بدورها الحقيقي والملزم في هذه الفترة الحرجة وعليها ان لاتفوت الفرصة الذهبية التي صنعها الشعب بدمائه وتضحياته واصراره وعليها التوغل بين صفوف الجماهير والأفصاح عن اهدافها وبرامجها وتعبئة الشارع العربي كي يكون مهيئا للتغيير وضمان حقوقه وتوعيته بأن حقوقه مضمونة بيد الوطنيين والشرفاء وبعكسه ستكون النتيجة بعكس ما يتمناه .
#يوسف_ألو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟