أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - نبيل عبد الأمير الربيعي - جان دمّوا .. شاعر آخر يتوارى















المزيد.....

جان دمّوا .. شاعر آخر يتوارى


نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث

(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)


الحوار المتمدن-العدد: 3309 - 2011 / 3 / 18 - 08:09
المحور: سيرة ذاتية
    


جان دمّوا الشاعر الصعلوك المتشرد الذي فتح لجيله الطريق إلى الجرأة بنوعيها الأخلاقي والغني ..
ولد في كركوك عام1943لعائلة آشورية فقيرة كادحة , كانت تبني آمالا علية ليعيلها كحال كل العوائل العراقية الفقيرة الكادحة .. يقرأ الأدب بالغتين العربية والانكليزية , عند مطالعته للشعر الاوربي وجده مختلفا عن الشعر العربي , يترجم للعربية ويقول شعرا" غرائبيا. كان تلميذا في متوسطة كركوك , ذكيا في درس الرياضيات ,
لم يمر في باله بأنه سيكتب شعرا" يوما.

له منظر يقّرف الشعراء المعتبرين , لكن لكل هذا وله معجبين ومريدين كعادة الصعاليك المتشردين الذين يلقون محبة وتعاطفا استثنائيا, له شاعرية حقيقية مستمدة من طبائعه العبقرية المفرطة في الأنا, شفاف الخيال ذو عينين البراءة بنظراته , بلغ حالة الزهد والفقر في حياته وترحاله , يعتبر المرأة ثمرة لا يمكن اقتطافها في
حياته بسبب تشرده .
عاش جان في زمن قاسي وهو في غمر تجاوز العشرين , له ترفع التشبه بأخلاق الضحايا من الذين يبصق في وجوههم من مثقفي السلطة ويشتم من يريد, يهزء بهم , وبسبب تشرده وحالته وفرّت له حرية تشبه حرية الأطفال من مسؤولية أقواله في زمن السلطة السابقة, هذه المتعة من الانتقال من شعراء لم يكن أحد يجرؤ على
رد الصفعة اليه في جمهورية الخوف والحماقات,كان دمث الأخلاق لكن لطيف المعشر , مدمن الكحول بانتظام لتدمير ذاتيته.
كان جان يضحك بإستهزاء عند سماعه لقصائد غيره حتى يسقط أرضا من الضحك . سافر الى بيروت للإقامة عام1974 عندما كانت ملجأ للهاربين من السلطة الى حيث الحرية , لكن طرد منها بسبب صعلكته وتشرده بعد سنتين بقرار دولة.
في بيروت وفي أحد الأيام التجأ جان النوم على سطح أحد البنايات , كان مضطرا وعند بزوغ الفجر هبط من البناية قبل أن يستفيق البواب لعدم امتلاكه مكان يؤوي اليه, تعرف الى أحد الأصدقاء اللبنانيين , كان الصديق متأثرا بشاعريته , يدفع له وجبات الطعام مقابل عدد من قصائد جان , دام الأمر لعدة أشهر لكن هذا الصديق نشر
بعض القصائد واختفى وإختفت بقية القصائد معه , ومن قصائد الوجبات الغذائية في بيروت يقول جان دمّو:
عاش بقلب منعّم بالألغام
طوال حياته
في صيف كله أسرار وطلاسم
اكتشفت
ان تحت مياه الجرح
كنارا
نشر جان دمّوا أول قصائده في منتصف الستينات في كركوك, رحل من كركوك ليقيم في بغداد, بسبب تهربه من الخدمة العسكرية للتخفي, لكن القي القبض علية في أحد الأيام وسيق الى أحد مراكز التوقيف , فما كان من
جان دمّوا إلا أن نادى ذات ليله على أحد الحراس وقال له:
هل لنا أن نستنشق رائحة البحر
وفي الليل تسافر نجوم السماء

يذكر الشاعر والكاتب فاضل العزاوي في الروح الحيّةص297 ويعتبره من جماعة شعراء الستينات في كركوك وهم (( القس الأب يوسف سعيد(غادر العراق إلى بيروت ومن ثم إلى السويد)و زهدي الداوودي إلى ألمانيا, وسركون بولص الى بيروت ومنها الى أمريكا"توفي قبل فترة وجيزة" , وأنور الغساني غادر إلى ألمانيا وبعد ذلك الى كوستاريكا, ومؤيد الراوي الى بيروت ثم الى ألمانيا, وصلاح فائق الى سوريا ومنها إلى بريطانيا وأخيرا إلى الفلبين, وفاضل العزاوي الى ألمانيا, وجان دمّوا إلى الأردن ,وبعد وفاة يوسف الحيدري في عام 1993 في بغداد ولم يبق من جماعة كركوك في العراق سوى جليل القيسي و قحطان الهرمزي في
كركوك ومحيي الدين زنكنة في بعقوبة (توفى قبل أيام)) .
ويعقب فاضل العزاوي في كتابة (( ان دمّوا كان يكتب الشعر , لم ألتقي به كثيرا في كركوك فغاب عن ذهني حتى قرأت له قصيده في جريدة الأنباء الجديدة في العام 1964 فتذكرته ثانية )).
لجان دمّوا ظاهرة في الحركة الشعرية أكثر من كونه مؤثرا فاعلا فيها ,فيتخذ من سارتر أبا روحيا ومن بودلير نديما , لم يكتب قصائد كثر ولو كتب مقدار ما تشرد لكانت أشعاره لها ركنا في المكتبة العراقية.
أقام اتحاد الأدباء ندوّه في أحد الأيام يحيّها جان دمّوا , مع العلم انه ممنوع من الدخول الى الاتحاد, فنسى دمّوا الندوة والاتحاد , واتخذ له ركنا في أحد زوايا بار مجاور للاتحاد ليحتسي الخمر , والجمهور ينتظره في الاتحاد, حتى سارع الشاعر عريان السيد خلف لإنقاذ الموقف وأحضره بالقوة لإلقاء محاضرته , لكن دمّوا
عنف الجمهور الحاضر ووبخهم, وإكراما لهذا الشاعر أقيم حفل العشاء.
كانت هوايته التسكع والتشرد لايؤذي أحدا, خفيف الظل, طريد الواقع المدي , منعزل عن المجتمع لتخوفاته , غادر العراق مرة أخرى بعد حرب الخليج الثانية عام1992 إلى عمان و لاقى الصعوبات اليومية التي تواجه العراقيين في المهجر منها الإقامة والسكن والعمل , مرّ بصعوبات نفسية ومعنوية لم يتمكن من التغلب عليها
ومنها اليأس والإحساس بانعدام القيمة والعزلة وخيبة الأمل, كان يسكن في غرفة محشورا مع الأصدقاء العراقيين للاقتصاد في مبالغ تسديد الإيجار.
يصفه الشاعر الراحل كزار حنتوش في أحد قصائده في مجموعته الشعرية الكاملة ص374:
حانة(روافد دجلة) يشرب فيها
(جان دمّوا) آخر
نادي الأدباء وقد أفقر...
الا من ( رشدي العامل)
شيخ يصبغ لحيته.......
بمياه الليل

ويعقب في قصيدة أخرى:
ليت لي ازميلا ليلكيا, كنت نقشت على شاهدة قبرك
شتائم (جان دمّوا) التي لا ينبت عليها شعر حصان
البّات كم أنت سافلة أيتها الخسارة...؟

نشرت لجان ديوانه الوحيد(أسمال) وقصائد نادرة من أعماله الشعرية الكبيرة , أما أعماله التي لم تنشر وحتى بعد وفاته هي ( حذاء في الجبهة ) ورواية بعنوان(يوميات صعلوك إنطاكيه) لحبه أسم أنطاكية ولها وزن موسيقي مؤثر في نفسه , ورواية( مضادة لقوانين تجريم الأفواه الباصقة في كل لحظه على موائد الحرب)و(ثاني أوكسيد البيجاما) ترجم دمّوا الكثير من الترجمات الشعرية والقصصية والنقدية كقصائد(تيد هيوز) نشرت في إحدى أعداد ( الأديب المعاصر) ودراسة سلفادور دالي نشرت في مجلة الأقلام.
عند إقامته في بغداد كان يعمل دمّوا في منصب إرشيف (جريدة الجمهورية) في أحد الأيام طلب منه مدير التحرير في أثناء الحرب العراقية الايرانية أن يأتيه بصور الحرب :
فأجاب دمّوا ,أي حرب؟ ... هذا جوابه حين كاب الأدب والشعر عند فكي صوت السلطة والقمع والخديعة, فما كان الأديب والشاعر سوى مشروع لمدح القائد والمعركة.
كان النظام يطارد المتخلفين والهاربين عن الجندية , يقطع آذانهم ويعدم الآخرين لكن دمّوا كان الوحيد الذي يشتم السلطة ويضحك, والمسموح له بنظام مصاب بالسادية دون الجميع, وقد تحول هذا البلد إلى جحيم على يد حكم جاهل متخلف يقوده رجل كان قد تخلى عن آدميته منذ الصغر , أطلق عنان القتل والفتك لشلة من الآدميين والمجرمين الذين لا يعرفون من الحياة سوى إغتصاب الأرض والتعذيب المميت في سبيل تحقيق مآرب لم يدركوا محدودية زمنها, شلة مطيعة لسيد هاوي نعمتها.
لقد عاش دمّوا في عمان على موائد أصدقاءه ويؤوي وينام في بيوتهم كصديقه الشاعر سعدي يوسف , كان يرى أمامه شعبا كاملا ينسفح على الطرقات فلم يتردد في اعتناق الشارع أو الحدائق كحقيقه ساطعه وملاذ نهائي آمن.
كان يحلم بالهجرة الى استراليا للقاء أخيه (غيلان) , لم يتمكن من القضاء على احساس الفرح , فرح يوافق كل إيمان بالمقدرة الذاتية وبالحياة, لقد ارتمى في البؤس المادي أو في العري والسعي إلى اثرائه بمقاربة شعرية للحظات مشغله الشعري, لا تعدوا أن تكون في أحضان كسل متشرد مقبل.
في عمان قدم دمّوا أوراقه إلى الأمم المتحدة , مرفقه بشهادة الشاعر سعدي يوسف , معترف بها لدى الأمم المتحدة , فسافر على نفقة الأمم إلى استراليا حيث سيلتقي شقيقه(غيلان) ..
وأخيرا" أصبح لدمّوا حقيبة واستقبله في منزله استقبالا" حارا".



#نبيل_عبد_الأمير_الربيعي (هاشتاغ)       Nabeel_Abd_Al-_Ameer_Alrubaiy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- احتفال الشيوعي ابن الحلة الفيحاء( احمد يحيى بربن )في زنزانة ...
- نساؤنا أملنا
- البروليتاري عبد الله حلواص.....المناضل الغائب الحاضر
- داخل حمود ...شهيدا
- ابنة الفرات الأوسط... الشهيدة فوزية محمد الشمري(أم سعد)
- الراهبه في صومعة الآداب .. الراحلة حياة شرارة
- الفنان المبدع والمناظل...رشاد حاتم
- قصر النهاية ...مثرمة اللحم البشري
- الحزن العراقي ...يخيم على بلدي الجريح
- هادي الهلوي.... المثقف القطباني
- عقيل علي... ومأسات شاعر
- ناظم حكمت والنزوح للحرية
- المغني والشاعر والمعلم فيكتور جارا
- دعوة لدراسة ظاهرة الزواج المبكر


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - نبيل عبد الأمير الربيعي - جان دمّوا .. شاعر آخر يتوارى