أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كامل السعدون - دراسة في التأمل وتقنياته - الفصل الخامس















المزيد.....

دراسة في التأمل وتقنياته - الفصل الخامس


كامل السعدون

الحوار المتمدن-العدد: 988 - 2004 / 10 / 16 - 11:38
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الاسترخاء والتخيل :
__________

ليس هناك في ظني أثرى وأجمل وأكثر نفعاً للنفس البشرية وللجسد من ارتباط هذا الثنائي ببعضه …!
الاسترخاء الجسدي والذهني وبذات الوقت التخيل الخصب .
هذا الثنائي يعدك عزيزي القارئ إن أتقنته ، بصفاءٍ نفسيٍ خالص وتطور نوعي في الشخصية وصحة فسيولوجيةٍ ونفسية عالية وقوة متدفقة وإبداعٌ متصاعد .
حسناً …الاسترخاء كما النوم ضروريٌ للغاية للعضلات والأعصاب والمخ والأعضاء الداخلية كالقلب والرئة وغيرها ، لأنه كما النوم ضروري لإعادة إنتاج الطاقة أو استعادة تلك التي فقدت أبان ساعات العمل أو التفكير الطويلة في النهار أو في نصفه الأول على الأقل
ولكن الاسترخاء المنظم المبرمج اليومي والمتعمد بقوة الإرادة لا بالصدفة يكون تأثيره أكبر وأبلغ من النوم العادي أو الاسترخاء اللاإرادي …!
لماذا ..؟
لأنك حين تلقي بجسدك على الفراش وأنت متعب ، جزئياً أو كلياً ، ثم تنام وأنت تحمل كامل الحزمة النهارية من القلق والمخاوف والمتاعب والاضطرابات فإنها ستنعكس على نومك فيغدو كئيباً مثقلاً بالأحلام السيئة ، أما حين تسترخي أو تنام وأنت عامدٌ لهذا الفعل ومبرمجٌ له بشكلٍ إرادي فإنك ستنام نوماً عميقاً أو ستسترخي استرخاء عميقاً ونافعاً للغابة خصوصاً إذا ما أدخلت عنصر الخيال المتعمد في استرخائك أو في نومك .
الاسترخاء المنظم يماثل تماماً ذلك النابض القوي الجبار الذي يترك مسترخياً لفترة فيختزن طاقته في كامل ألتواءات حلزونه ، حين يشد لاحقاً تعود تلك القوة المنتشرة لتتركز في مركز ثقلٍ بحيث يمكن حين تُطلق أن تفجر قوة هائلة ، كذلك عضلاتك وخلايا مخك وأعصابك و…و…و… الخ ، حين تسترخي تنتشر القوة في كل الخلايا بشكلٍ أنيقٍ منظم ، حين تستيقظ بعد ساعة أو نصف ساعة من هذا الاسترخاء تجد أن كامل قوتك وعافيتك وصفاء ذهنك قد عاد إلى كامل نشاطه وبالتالي قد تكون ساعات ما بعد الاسترخاء حافلة بعملٍ مجيدْ ، خصوصاً إذا كنت من المشتغلين بهوايةٍ معينة أو اهتمام ما ، وإن لم يكن لديك مثل هذا أو ذاك ، فالاسترخاء المبرمج المنظم كفيلٌ مع التكرار أن يخلق في داخلك متغيرات في مشاعرك واهتماماتك ومنظومتك القيمية وفهمك للحياة ، بحيث ستجد نفسك لاحقاً وفي ظل الصفاء الذهني الرائع المتحقق من خلال التأمل والاسترخاء ، ستجد أن اهتمامات معينة ستتولد لديك …!
حسناً …كيف نسترخي بشكلٍ منظمٍ مبرمج ؟

تمرين عن الاسترخاء المبرمج
______________

أستلقي على ظهرك ، على سريرك ودع ذراعيك يستلقيان على الجنبين بشكل متوازي مع جذعك ، لا تفكر بالزمن وبالوقت الذي ستستهلكه في هذا الاسترخاء بل خذ كفايتك من الوقت ( حبذا لو كنت غير مرتبط بموعد ، ويفضل أن تكون لوحدك وأن تغلق باب غرفتك عليك وتوصي الآخرين بعدم إزعاجك ) .
ضمّ قبضتي كفيك بقوة بحيث تضغط رؤوس أصابعك على راحة كفك بقوة ، أنتبه ذهنياً لهذه القوة التي تضغط بها الأصابع على راحة الكف ، حافظ على هذا الشدّ لعدة ثواني ولتكن خمس ثواني ثم أرخي قبضتيك لعدة ثواني أيضاً ثم شدّها من جديد لعدة ثواني وهكذا ، بينما أنت تمارس الشدّ والبسط ، أوحي لنفسك بالكلمات التالية " حارةٌ وثقيلة …حارة وثقيلة …حارة وثقيلة …الخ " ، بذات الآن تخيل في ذهنك أن قبضتي يديك تبدأن بالسخونة والتثاقل تدريجياً …أستمر بالقبض والبسط والإيحاء بالحرارة والثقل وتخيل أن كفّاك يثقلان ويسخنان فعلاً …!
بعد بضع دقائق ستشعر وكأنك تغوص في فراشك بحكم ثقل جسمك الذي شرعت بالإيحاء به .
حينما تنتهي من ذراعيك بعد بضع دقائق ، تحول بفكرك وإرادتك صوب عضلات القدم وقم بذات التمرين ، شدّ وبسط وشدّ وبسط وإيحاء بالحرارة والثقلْ ، وتخيُلْ القدمين وهما تثقلان وتسخنان… وتثقلان وتسخنان تدريجياً … وهكذا دواليك …!
ثم أنتقل إلى الساقين ، فالفخذين فعضلات المعدة فالقفص الصدري فالذراعين ثم العنق والكتفين فالفكين ثم العينين وهكذا ، بحيث تنشد وتنقبض وتسترخي وتسخن وتثقل كل عضلات جسمك الرئيسية التي يمكن لك السيطرة عليها بوعيك .
عندما تنتهي من هذا الجزء من التمرين والذي قد يستغرق في الغالب حوالي ربع ساعة أو عشرون دقيقة ، وتشعر أنك فعلاً قد بلغت حالة الاسترخاء التام ، قم بعملٍ تخيليٍ آخر مهم وهو أن تتصور بأبلغ ما يمكن من التخيل ، مكاناً هادئاً يمكن أن يرتبط بحالة الاسترخاء الجميل التي تنعم بها الآن ، وليكن مثلاً مكاناً ريفياً أو غابة أو موضعاً عند الشاطئ سبق لك أن زرته واستمتعت بالجلوس أو الاسترخاء على رمله .
حاول أن تجعل الصورة الذهنية المتخيلة بغاية الوضوح والصفاء والحرارة ، أجعل الصورة حية وحافلة بالأصوات ونكهة البحر أو النسائم والألوان المختلفة للأشياء الموجودة هناك في مكانك المريح هذا ، من قبيل لون رمل الشاطئ أو زرقة البحر أو خضرة أوراق الغابة أو سعف النخيل …!
ركز ذهنك على مفردات الصورة ، حاول أن تشرك كل حواسك في التخيل ، أستنشق وتذوق طعم الأشياء ، أملاً شاشة الذهن بالصور والألوان والأصوات المختلفة …!
كل ما كان الخيال نشطا وكانت الصورة حية ، كانت الفائدة أكبر وأعم وأشمل سواءٍ لعمق الاسترخاء الذي تناله أو لما بعد الاسترخاء حينما تنهض وأنتَ متألق وقوي ومعافى وصافي الذهن .
أنا شخصياً ، حينما أسترخي أتخيل مشهد شاطئ رملي في جزيرةٍ منعزلة ( رغم إني لم أذهب لها ولكني رأيتها في التلفاز ) ، وهناك أستمتع ( بالخيال طبعاً ) بمرأى النوارس والحيتان المتقافزة والأسماك والزوارق الصغيرة والسفن التي تمخر عباب البحر ، وأتخيل أني أسمع أصوات الأمواج وهي تضرب صخر الشاطئ بقوة ، وأستنشق رائحة البحر بل وأكاد أتخيل أني أتذوق زبد البحر وملحه .
بعد أن تنجح في ممارسة هذا التمرين عدة مرات ، وبعد أن ينطبع في ذهنك هذا المكان الجميل الذي اخترته ، سيتسنى لك لاحقاً أن تصل إلى حالة الاسترخاء التام بمجرد أن تغزو ذهنك صورة المكان ، حتى بدون حاجة إلى أن تكرر تلك الإجراءات التي فعلتها في المرات الأولى ، أي شدّ العضلات وبسطها ، وشدّها وبسطها والإيحاء بالثقل والحرارة …!
في أي لحظة تشعر فيها بالتوتر أو الإجهاد ، بمقدورك أن تسترخي في ثواني بمجرد استذكار مكانك الأثير .

التأمل لتطوير القيم النبيلة :
_____________
هناك قيمٌ كثيرةٌ تحتاج منّا بين الفترة والأخرى للتركيز عليها بشكل خاص ، لما لها من أهمية كبيرة في تعزيز صحتنا النفسية وتعميق التوازن السيكولوجي ، وكما في كل مساعي تطوير الشخصية ، يُحبذ اعتماد التأمل لممارسة تلك الأنشطة أو التمارين ، لأنه وكما أسلفنا مرات عديدة ، يكون المرء أكثر أستقبالية للتغيير العاطفي والذهني والشعوري حين يكون في حالة التأمل ، لأنه لا يوجد أكثر من فكرة في الذهن في تلك الحالة وهذا ما يسهل استنبات الميول والرغبات والعادات والقيم الجميلة التي نريد بذرَ بذورها في شخصيتنا .
التعاطف :
_____
التعاطف أو الشفقة على المتعبين والمرضى والمحرومين والضعفاء من البشر أو الحيوان ، قيمة من أسمى القيم الإنسانية ، ولكنها وللأسف منسيةٍ في عصرنا هذا لأننا غالباً ما نكون منشغلين بذواتنا وهمومنا ومتاعبنا وطموحاتنا التي لا تنتهي .

تمرين رقم واحد :
________
تخيل صورة طفلٍ بائس في أي مكان من العالم أو ربما من جوارك القريب …!
ركز ذهنك على الصورة وأشرع بالتنفس بعمق .
يحبذ أن تتنفس من أنفك لا من الفم …أشرع بالتنفس بعمق حتى تمتلئ رئتيك ومع كل جرعة هواء ، تخيل صورة هذا الطفل البائس أو أي صورة أخرى تستحثك على التعاطف ، وحين تطلق الهواء إلى الخارج أطلق معه شعور بالتعاطف والرجاء بإصلاح حال هذا الشخص .
وهكذا ، شهيقٌ مع تركيز على الصورة التي اخترتها لتعزيز التعاطف ، وزفير مع رجاءٍ بإصلاح الحال .
كل ما كان تركيزك مكثف وقوي على هذه الصورة وعلى تنفسك وعلى دعائك للآخر بالشفاء أو صلاح الحال ، كلما كان التأثير قوي على نفسيتك وعلى الشخص ذاته الذي تتعاطف معه ، ولو إنك مارست ذات التمرين لعدة أيام مثلاً وعلى هدفٍ واحد فإن تواصلا قلبياً سيتحقق مع هذا الشخص وقد يحصل تغيير حقيقي في حياته من حيث أنك استهدفته بعواطفك المكثفة وتلك العواطف سيستجيب لها الكون ويسعى لتحقيقها لكَ .
أما إن لم تستهدف شخص بذاته أو على مقربة منك واستهدفت الإنسانية عامة فإن أقل ما يصيبك هو أن تزداد رهافةٍ في الحس ونقاوة أكبر في الضمير وصحة نفسية وبدنية أكبر ، لأننا بقدر ما نعطي للخارج ولو كلمات طيبة أو دعوات صادقة ، بقدر ما يعود علينا هذا من الخارج بشكل مادي ومعنوي ومن جهات عديدة واتجاهات لم تكن محسوبة أو متوقعة .

تمرين رقم أثنين :
________
يعمدُ هذا التمرين إلى إعادة تقييم وتقبل الألم والأمل على إنهما كلاهما ضرورتان وجوديتان لا بد من أن يوجدا ، وإلا فكيف لا يكون هناك ألم والإنسان محكومٌ بالنهاية بأن يموت ويفارق الأهل والأحباب ، وكيف لا يكون هناك أمل والحياة حافلةٌ بالجمال والإمكانات العظيمة والأفاق الطيبة .
إذن كلا النقيضين ضروريان ووجودهما مبرر ، وبالتالي لا بد من أن نتقبلهما لكي ما يمكن أن نعيش بشكلٍ متوازنٍ منسجم .
حسناً …أسترخي عزيزي القارئ ، في كرسيك وأشرع بالتنفس بشكل طبيعي وركز ذهنك على تنفسك فقط وكلما شرد ذهنك في أفكار أخرى عُد إلى التنفس وركز عليه ، بعد فترة قصيرة سيتعب العقل من الهرب هنا وهناك ويستسلم للتأمل ويبقى منتبهاً للتنفس فقط .
حين تسحب الشهيق ، أطلق في داخلك حسرة قصيرة تماماً كما لو إنك تتنفس الصعداء من الفرح أو الارتياح ، ولنقل كلمة ( آه ) طويلة ، أما حين تطلق الزفير ، وهي سموم الجسم وثاني أوكسيده فإنك تطلق معها شعور بالأسى أو كلمة تعبر عن الأسف أو الألم ولتكن مثلاً ( آخ ) .
وهكذا ولأي فترة من الزمن تريدها .
مثل هذا التمرين سيعزز في داخلك كلا من التعاطف مع المتألمين والابتهاج لجمال الحياة وسعادة السعداء ، وبالتالي ستتزن شخصيتك عزيزي القارئ أكثر فأكثر إذ تضم حصتين عادلتين من التعاطف والمشاركة في الخير والسعادة .

التسامح والعفو :
________
قيمة التسامح والعفو من أرقى وأنبل القيم الإنسانية المهملة للأسف والتي نادراً ما نفكر فيها ونحن مشغولين طوال الوقت بأفكار الثأر لكرامتنا والرغبة بالانتقام ممن خانونا أو أساءوا إلينا ، دون أن نعطيهم أو نعطي أنفسنا ، ولو من أجل مصلحتنا الذاتية وسعادتنا الشخصية ، أن نعطيهم فرصة أخرى قد تعيد لهم السعادة والراحة النفسية وتحقق لنا نحن ذاتنا المزيد من السعادة والاستقرار النفسي والتقدم وتوفير الطاقات العظيمة التي تهدر للأسف في معركة التفكير بالثأر أو الانتقام أو الكراهية .
تمرين رقم واحد :
_________
هذا التمرين بسيط للغاية ، ولكنه ليس كذلك دائماً ، خصوصاً حين يكون الشخص الذي تود مسامحته أو العفو عنه ، قد سبب لك إساءة كبيرة ، إنما مع قوة الإرادة والإصرار على النجاح وحيث تكون مؤمناً فعلاً بأن العفو هو ضرورة نفسية وصحية لكَ أنت ذاتك أولاً ( لآن البديل عن العفو هو قرحة المعدة أو الشلل أو أي مرض آخر أو بالقليل كآبة دائمة ومرارة عميقة تجعل حياتك جحيماً ) .
حسناً …أنا شخصياً أحبذ أن لا تبدأ هذا التمرين مع أشخاص سببوا لك إساءات كبيرة ، فليس تلك بالبداية الصحيحة ، لكن أبدأ مع إساءات صغيرة ، حتى وإن كانت من النوع الذي لم يعد له ذكر في بالك ، لا بأس تذكره وأعتمده لهذا التمرين ولاحقاً في فترة متقدمة من ممارسة هذا التمرين يمكن أن تتطور لتأخذ الإساءات الكبرى والإستراتيجية في حياتك .
طيب … بعد أن تجلس مسترخياً على كرسيك ، أستدعى صورة الشخص الذي أساء لك أو اختلفت معه ( خلافاً ليس كبيراً ) وقل له " أنا أعفو عنك يا صديقي أو يا فلان – وأذكر أسمه – لكل ما سببته لي من ألم أو جرح أو ظلم ".
أعد تلاوة هذا الإيحاء مرات ومرات عديدة بينما عيناك مثبتتان في عيني الشخص الذي استدعيت صورته للمخيلة .
طبعاً كما في كل تمارين التأمل الأخرى ، إذا صادف أن شرد ذهنك في صور أخرى فأعده ببساطة وبدون اهتمام كبير ، أعده إلى التأمل في تلك الصورة التي استدعيتها لغريمك …!
أستمر هكذا لأطول فترة ممكنة من الزمن ، ولنقل نصف ساعة مثلاً أو عشرون دقيقة .
حاول أن تشعر في قلبك بشعور بالعفو والصفح وأنت تردد إيحائك الجميل هذا :
أنا أعفو عنك وأغفر لك يا صديقي كل ما سببته لي من إساءة أو جرح أو ظلم ….!!
من المهم عزيزي القارئ أن تتذكر أننا حين نسامح شخصاً ما على إساءته لنا ، فهذا لا يعني أننا نتقبل تلك الإساءة أو إننا غدونا راضين عنها ، لا …وإنما نحن نعفو عن الفاعل فقط ولا نجيز الفعل ، لأننا لو أجزناه هذه المرة فهذا يعني أننا نشجع الآخر على أن يكرره مرات ومرات وبالتالي فكأننا نعد أنفسنا بمزيد من الألم والقسوة والظلم .
تذكر …نعفو عن الفاعل ولا نغفر الفعل ولا نبرره أبداً ، وما نناله من هذا الغفران هو الصحة النفسية يا صديقي لأننا إذ نتخلى عن الغضب والمرارة فإننا نحرر طاقات عظيمة كانت مهدورة ومضاعة في ما لا طائل منه أبداً .
لقد سرق أحدهم مرّة مسودة كتاب لي ، وقد تألمت كثيراً ولفترة طويلة ، ولكنني وبعد أن تعلمت التأمل وعرفت انه يمكن أن يخدم في تحرير الطاقات النفسية التي تهدر على المرارة والكراهية والنقمة ، ومارست هذا التمرين ، أمكن لي في فترة قصيرة أن أنسى السارق وإن لم أغفر السرقة ، ثم تسنى لي لاحقاً بعد أن تحررت من شعوري بالرغبة في الانتقام ، تسنى لي أن أكتب ما هو أجمل وأكثر جماهيرية من ذاك الذي سرق من قبل صديقٍ ائتمنته وخانني في لحظة طمعٍ وجشعْ .

التمرين رقم أثنين :
__________
الأغلبية منّا وفي أغلب الأوقات ينظرون للآخر ، في الشارع أو موظف البريد أو جارك الذي ينظر لك شزراً أو مديرك في العمل أو عضو الحزب المنافس لحزبك السياسي ، ننظر لكل هؤلاء وللأسف على أنهم مجرد أشياء لا مخلوقات من لحمٍ ودم وأعصاب ومشاعر ، مثلنا تماماً .
هذا التمرين ، يسمى ( أنا – أنت ) والقصد منه أن تضع نفسك في أجواء الآخر وتعتبره أنت تماماً بكل ما تحمل من خوفٍ ورغبةٍ وقلق وقيم أو مبادئ سياسية ، أي أن تراه ما ترى نفسك تماماً ، بحيث لا تمقته أو تكرهه أو تجادله بقسوة أو تسفه آرائه بلا رحمة لمجرد أنه يختلف عنك .
ببساطة إنه أنت …!
وكل ما تفعله في هذا التمرين والذي يمكن أن تؤديه في أي مكان وفي أي وقت ، هو أنك توحي لنفسك بالقول إنه أنا …!
تخيل نفسك في الحال وأنت تفعل هذا الذي يفعله الآخر والذي لا يعجبك ، تخيل نفسك في مكانه ، تخيل صورتك وهيئتك بدلاً من صورة وهيئة الآخر ، قل لنفسك انظر لي كيف أفعل هذا ، أنظر كم أنا خائف أو كم أنا متردد أو كم أنا متوتر أو مغتر بقوتي أو هذا التألق الوقتي الذي سيختفي بعد برهة …إنه أنا …!
جرّب هذا التمرين في البدء مع الحالات البسيطة والتي لا تختلف فيها مع الآخر بقوة ، ومتى تعزز لديك الشعور بالتعاطف ، قم بالتجربة مع الحالات الخلافية أو العدائية الكبيرة .

التمرين رقم ثلاثة :
__________
هذا التمرين يسعى إلى تعزيز التعاطف والتسامح والحب لذاتك .
إننا وفي أغلب الأحيان للأسف لا نحب أنفسنا ولا نتعامل مع ذواتنا بالاحترام والفهم الذي تستحقه ، وبالتالي فليس من الغريب أن نفشل في تحقيق أحلامنا والارتقاء بشخصياتنا من مستوى العيش على الهامش إلى مستوى العيش في صدارة الحياة وعلى قمة جبلها الشامخ .
حسناً …أجلس مسترخياً غاية الاسترخاء ثم قم باستذكار صورتك حين كنت طفلاً ، ولا تبالي في أي مرحلة عمرية تكون فيها المهم أن تكون الصورة غاية الوضوح في الذهن ( من الممكن عزيزي القارئ أن تستعين بصورة فوتوغرافية لك وتركز بصرك عليها – المترجم ) .
حين تكتمل ملامح صورتك في خيالك أبدأ بإرسال عبارات التعاطف والحب والاعتزاز والثقة بهذا الطفل الذي هو أنت ، ضع راحة كفك على أحد كتفيك وأضغط قليلاً أو أربت عدة مرات وكأنك تشجع أو تؤازر هذا الطفل الذي هو أنت ، أطوي كلا ذراعيك حول بعضك وكأنك تحتضن الطفل الذي فيكْ ، أو ضع كفك على الأخرى بحرارة وتعاطف وكأنك تضعها على كف شخصٍ آخر .
تخيل في ذهنك وأنت تحتضن هذا الطفل الذي هو أنت وكأنكما شخصين منفصلين التقيا بعد فراق طويل .
مارس هذا التمرين مرات ومرات عديدة حتى تشعر إنك بدأت تعي ذاتك بقوة وتحبها بحميمية وحرارة .
هذا التمرين مهم للغاية عزيزي القارئ لأنه يعيد التواصل الزمني والمكاني والعاطفي مع ذاتك بحيث تعودان كما يفترض أن تكونا كتلة واحدة منسجمة ومتفقة وساعية لهدفٍ وغرضٍ واحد وهو العادة والنجاح والصحة والتوازن السيكولوجي والشعوري .
أشرع بتلاوة بعض الإيحاءات الذاتية بينما أنت تتابع في الخيال صورتك الذاتية وأنت طفل :
" أحبك وأثق بك وأحترم يا ……"أذكر أسمك " .
أو قُل : " لقد ظلمتك كثيراً يا عزيزي ( وأذكر أسمك ) … لقد أهملتك كثيراً وتجاهلت رغباتك وطموحاتك و…و…وأرجو منك أن تسامحني وأعدك بأنني سأحقق لك ما خذلتك فيه من ناح وسعادة وخيارات جيدة ونمو عقلي وروحي ومادي …"
أو أبتدع إيحاءاتك الشخصية التي تفضلها ، إنما إياك والنقد أو التقريع أو إظهار الاحتقار أو الاشمئزاز وأنت تستذكر أخفاقاتك أو هزائمك …حذار… لأن الإيحاءات السلبية تدمر أي نفسيتك وتغلق قنوات النمو والتطور والنجاح .
ثم أنتقل إلى مرحلة عمرية أكبر وأنظر لصورتك وأنت في سن الثالثة أو الرابعة عشرة وأفعل نفس الشيء مع نفسك من احتضان وإيحاء إيجابي وكلمات حلوة واعتذار واستغفار ، وهكذا حتى تصل إلى المرحلة التي أنت فيها الآن في العشرين أو الثلاثين أو السبعين …!
البعض يفشلون في القيام بهذا التمرين لأنهم يحملون ضغينة كبيرة لذواتهم ، ولكن مع التكرار والإيمان بضرورة هذا التمرين من أجل النجاح والتقدم الحقيقي ، سينجحون في النهاية في أدائه بكفاءة .
( يمكنك عزيزي القارئ أن تعتمد على مجموعة من الصور الشخصية التي تمثل مراحل حياتك العمرية لتكون هي مادة التأمل والإيحاء إذا كنت من النوع الذي لا يذكر طفولته أو شبابه الباكر لأي سبب كان – المترجم ) .



#كامل_السعدون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منهاج السيلفا للسيطرة على المخ- الفصل السابع- برمجة الأحلام
- قوة بلا حدود- الجزء الأول - الفصل السابع - كيف تسيطر على فعا ...
- ماذا لو أغلقت دور الوعظ أو أقصيت من ساحة السياسة والتربية وا ...
- المثلث الذي أبتلع البيضة ...بل السلة كلها ...ولا يزال يطالب ...
- باركر 51 - قصة مترجمة من الأدب الإيرلندي
- كيف تصنع إرهابياً ..؟
- مرثية لشهدائنا صغار حي العامل - شعر
- زائر الكنيسة - قصة مترجمة عن النرويجية - تأليف تور بريكفيند
- تضامناً مع الحوار المتمدن …تضامناً مع شعبنا العربي في نجد وا ...
- قالت أنها تعرف أسرار روعتها ...
- نظرة الإسلام للمرأة - قراءة في بعض أحاديث الرسول
- الأسئلة القديمة المتجددة ...!!
- المزيد من متناقضات الكتاب العتيد
- ليتنا نغلق الكتاب فإنه مثقلٌ بالإضطراب ...!
- لا ليست إسرائيل عدونا الأول
- يمكنك أن تطيل عمرك البيولوجي وتجدد شبابك من خلال المحافظة عل ...
- قوة بلا حدود - الجزء الأول -الفصل السادس
- أحاديث محمد ...هل تصلح أن تكون مرجعاً سلوكياً أو دينياً ...؟
- لماذا نتأمل ...؟ - دراسة في التأمل وتقنياته - الفصل الرابع
- قوانين النجاح الروحية السبع - القانون السابع والأخير


المزيد.....




- السعودية.. الديوان الملكي: دخول الملك سلمان إلى المستشفى لإج ...
- الأعنف منذ أسابيع.. إسرائيل تزيد من عمليات القصف بعد توقف ال ...
- الكرملين: الأسلحة الأمريكية لن تغير الوضع على أرض المعركة لص ...
- شمال فرنسا: هل تعتبر الحواجز المائية العائمة فعّالة في منع ق ...
- قائد قوات -أحمد-: وحدات القوات الروسية تحرر مناطق واسعة كل ي ...
- -وول ستريت جورنال-: القوات المسلحة الأوكرانية تعاني من نقص ف ...
- -لا يمكن الثقة بنا-.. هفوة جديدة لبايدن (فيديو)
- الديوان الملكي: دخول العاهل السعودي إلى المستشفى لإجراء فحوص ...
- الدفاع الروسية تنشر مشاهد لنقل دبابة ليوبارد المغتنمة لإصلاح ...
- وزير الخارجية الإيرلندي: نعمل مع دول أوروبية للاعتراف بدولة ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كامل السعدون - دراسة في التأمل وتقنياته - الفصل الخامس