أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كامل السعدون - زائر الكنيسة - قصة مترجمة عن النرويجية - تأليف تور بريكفيند















المزيد.....

زائر الكنيسة - قصة مترجمة عن النرويجية - تأليف تور بريكفيند


كامل السعدون

الحوار المتمدن-العدد: 978 - 2004 / 10 / 6 - 09:11
المحور: الادب والفن
    


كان خادم الكنيسة يقتعد مقعداً عند الباب ، جهة الداخل . وأمامه على طاولةٍ عتيقةٍ واطئة ، يستقر صندوق جمع التبرعات ، الذي كان لما يزل فارغاً .
كان يوماً تموزياً حاراً في ذاك البلد الأفريقي الحافل بالتناقضات الحادة المفجعة . كان القداس مستمراً بلا نهاية ، ولا يبدو أن هذا الأحد موشكاً على نهايته ، فهذا القس الشاب كان من أولئك الذين لا يقل إعجابهم بأنفسهم عن إيمانهم بالرب ، إن لم يكن يزيد عليه زيادةٍ ملحوظة !
كانت كل خلجةٍ من خلجات روحه ، وكل عضلةٍ تنبسط أو تتقلص في ملامحه ، توحي بكم الإعجاب والانبهار بذاته وبصوته وكلماتهْ .
كان موضوع قداس هذا الأحد ، قول للسيد المسيح ورد في إنجيل "متي " ، الإصحاح الثامن عشر الذي يقول الرب فيه " حيث أجتمع على حبي اثنان أو ثلاث فأني حاضرٌ معهم " .
وإذ بدأ الناس بالتثاؤب ، فإن أولهم كان الفتى ، خادم الكنيسة الذي تثاءب ، وأغفى ، وتثاءب ثانيةٍ ولم يغفو ، إذ تململ باب الكنيسة العتيق المهيب ، صاراً عن مفاصلٍ متخشبةٍ متيبسة ، وأطلّ شبحٌ ملأ فتحة الباب الموارب باستحياء !
قطب خادم الكنيسة حاجبيه مستاءٍ ، هو لا شك واحدٌ من أولئك الآتون لغرض إجراء طقوس التعميد " فكر الخادم مع نفسه ، لكن …لا … هذا زنجي… قامته النحيلة الطويلة تملأ فضاء الباب الذي زاد أتساع فتحته شيئاً فشيئا …!
- هششششششش " همس الخادم وهو يشير بظاهر يده طارداً ، وقد جحظت عيناه من الاستياء والاشمئزاز "
ولا يبدو على الآخر إنه سمع أو رأى أو فهم الإشارة ، بل أستمر واقفاً ، يسد بجذعه الأسود شبه العاري ، فتحة الباب .
- أو لا تعرف أن هذه كنيسةٍ للبيض ؟ هيا غادر في الحال !! " همس الخادم بصوتٍ ينبض بالاشمئزاز والكراهية "
لم يجب الآخر ، وكأنه لم يسمع ، أو لم يفهم الذي قيل ، ولم يبد عليه أي تأثرٍ !!
ظل واقفاً يرنو إلى الداخل بحزنٍ شفيف ..!
- ألا تخرج ْ أيها العبد … أتريدني أن أقوم بنفسي فأرميك خارج الكنيسة ، أخرج في الحال " هتف به الخادم بصوتٍ أعلى قليلاً وأشد عدوانيةْ .
كان القس لما يزل منشغلاً بخطبته العصماء ، ولم يبد عليه كثيرُ اهتمام لهذا الذي كان يدور موارباً عند الباب ، وإن بدا وقد أرتفع حاجبه قليلاً بتعجبٍ لا يداني إعجابه المتواصل بذاته ، لكن الآخرين ، وبالذات الجمهور القريب من الباب ، تناهى لبصرهم وسمعهم ، هذا الذي يجري ببطيء ، فانقلبوا بكامل أنصاف أجسامهم العلوية مندهشين متسائلين.
أما الزنجي فلم يبد عليه كبير اهتمام .
لا شفةٌ نبست ، ولا خلجةٌ اضطربت ، إلا العينان كانتا تسبحان بنعومةٍ في فضاء الكنيسة ، تطالعان الوجوه بحبٍ وإشفاق وتأمل ، كانتا تسعيان في البحث عن شيء ما في الكنيسة ، في عيون الناس ، في الصلبان والأيقونات المصلوبة على الجدران !
التقت نظراته بكل العيون تقريباً ، واستقرتا أخيراً على وجه القس المزهو بذاته ، والتقت العينان ملياً !
وما عاد للهمس من ضرورة ، فأنفجر تيار الكراهية دافقاً :
- أخرج أيها الأسود الغبي ، ألا تعرف القراءة ، أما صادفت نظراتك القذرة تلك اللافتة التي تقول ، تلك كنيسةٌ للبيض ، ولا مكان فيها لأمثالك !!
وأمسكت يدا الخادم البضتين الناعمتين بكتفي الزنجي محاولةٍ دفعه إلى الخارج ، لكن هذا لم يتهزهز وكأن قدماه قد تجذرتا عند العتبة ، عمت الهمهمة الساخطة أرجاء الكنيسة ، تحرك زوجٌ من الرجال ممن كانوا يجلسون في الصفوف الخلفية القريبة من الباب ، متوجهين لمساعدة الخادم في دفع الزنجي خارج الكنيسة .
دمدم القس النبيل من مكانه عند منصة الخطبة :
- يستحسن أن تخرج يا فتى من بيت الرب هذا ، بلا مشاكل …، هذه ليست كنيسة للملونين !!
أما الذين نهضا لمد يد العون ، فقد أحاطا بالزنجي من الجانبين .
كان أحدهما منتفخ الصدر والذراعين ، لقوةٍ وجبروتٍ في بناء جسمه ، وكان هذا قد شد قبضته ، حتى بدت كمطرقةٍ رهيبةٍ ، لوح بها أمام عيني الزنجي الواهنتين الشفيقتين :
- أليس لديكم كفايتكم من الكنائس ؟ أخرج وإلا قصمت ظهرك !!
- أخرجوه بعيداً ، إني خائفةْ ، انظروا كيف يحدق بنا …. يا إلهي … أخرجوه ..!! " هتفت شابةٌ من الجمهورْ "
- إنهم يزدادون وقاحةٍ وتطفلاً علينا " هتفت عجوزٌ ، بصوتٍ واهنٍ مفعم بالكراهية … وعقبت بعد أن التقطت الأنفاس الواهنة " … تخيلوا إننا حتى لا نستطيع أن نصلي بسلام ، أو نقضي بعض الوقت لوحدنا معاً في كنيستنا …!
- واحدٌ مثلك ، يجدر بنا أن نشده إلى جذع شجرةٍ ونصلبه ، اغرب قبل أن أحطم جمجمتك " هتف ذو العضلات بوجه الزنجي ، حتى لقد غمر وجهه رذاذ فمه المتطاير "
ولم يبد على هذا أدنى تأثر ، حتى … حتى حين وجه الآخر الذي كان يقف عند اليسار ، لكمةٍ جبارةٍ لأنف الزنجي ، سال على إثرها الدم غزيراً ، غمر الحنك والصدر …!
- لا تنسوا يا أخوة إننا في بيت الرب ، أخرجوه بسرعة لنتابع القداس …! " هتف القس الشاب مستاءٍ "
وفتح الباب على مصراعيه ، وتواتر الشد والجذب والسحب ، تمكنوا من حلحلته قليلاً عن الباب ، ولما أعياهم المسعى حملوه جزئياً ورموه في الخارج …!
وقف جمعٌ من المارة وقد غلبهم الفضول متسائلين عن هذا الذي يجري عند بوابة الكنيسة .
- هذا القبيح الأسود ، أقتحم كنيستنا " هتفت واحدةٌ من الجمهور ممن كانوا في الكنيسة وقد غلبهم الفضول فخرجوا لمتابعة ما يجري في الخارج "
لا زال الزنجي الملقى في قارعة الطريق صامتاً ، كانت عيناه مغمورتان بالدموع .
انحنت واحدةٌ من المارة نحوه لتبصق في عينيه وهي تزمجر :
- أنتم جميعاً تستحقون الشنق ، أيها القمامة المتعفنة …!
كان كلامها دعوةٍ وجدت صداها في القلوب والعقول والضمائر ، ضمائر الجمهور المؤمن ، فاندفعوا بحماسٍ شديد لتنفيذ الدعوة بغير إبطاء وهم يرددون :
- لنبدأ بهذا الوقح الذي أقتحم كنيستنا ، فنصلبه على أقرب شجرة …! " هتف أحدهم "
- بل نطلي جسمه بالقار وننبت فيه الريش …! " هتفت واحدة "
- ثم نحرقه بعد ذلك ! " هتف آخر "
لكن الأمنيات لم يسعها الوقت للتنفيذ ، إذ حضر في تلك اللحظة شرطيان مسلحين بالمسدسات والهراوات .
شقا طريقهما بعناءٍ وسط الجمهور الغاضب الهائج المستثار .
جثم أحدهم على صدر الزنجي ، وقلبه بعنفٍ على ظهره ، فيما سارع الآخر ليشد الأصفاد في معصميه ، وسحل في الحال إلى السيارة التي كانت واقفةٍ عند ناصية الشارع من الجهة الأخرى .
في ذات تلك الظهيرة الملتهبة ، أجمع قضاة المحكمة العليا على أن الزنجي كان مذنباً باقتحامه بيت الرب وخرقه القوانين المرعية ، وتعطيله القداس وإزعاج الجمهور الأبيض المتعبد …!
وكان الحكم كما هو دوماً في مثل تلك الأحوال ، الموت …!
ونفذ الحكم في ذات المساء …!

*******

قال الجلاد الذي أنزل المقصلة على عنق الزنجي ، قال ذلك المساء لزوجته بينما كان يتناول طعام العشاء :
كان إنساناً غريباً هذا الزنجي الحقير ، إنه لم يقل ولا حتى كلمة واحدة طوال المحكمة ، وحتى وأنا أنزل المقصلة لفصل رأسه ، كان يتطلع بي بعيونٍ ذئبيةٍ ، أكاد أقول جميلة .
كانت نظراته دافئة ، يبدو لي إنه لم يكن … لم يكن زنجياً أصيلاً ، إنه لا شك مولودٌ مهجن ، والغريب …. الغريب " وصمت الرجل متفكراً …" الغريب هذه الآثار التي كانت في باطن كفيه ، هناك آثارٌ لثقوبٍ في كلتا الكفين ، وكأن أحدهم قد عبث به فثقب كفيه بالمسامير .
مسكين … مسكين هذا الزنجي الحقير ….‍!



#كامل_السعدون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تضامناً مع الحوار المتمدن …تضامناً مع شعبنا العربي في نجد وا ...
- قالت أنها تعرف أسرار روعتها ...
- نظرة الإسلام للمرأة - قراءة في بعض أحاديث الرسول
- الأسئلة القديمة المتجددة ...!!
- المزيد من متناقضات الكتاب العتيد
- ليتنا نغلق الكتاب فإنه مثقلٌ بالإضطراب ...!
- لا ليست إسرائيل عدونا الأول
- يمكنك أن تطيل عمرك البيولوجي وتجدد شبابك من خلال المحافظة عل ...
- قوة بلا حدود - الجزء الأول -الفصل السادس
- أحاديث محمد ...هل تصلح أن تكون مرجعاً سلوكياً أو دينياً ...؟
- لماذا نتأمل ...؟ - دراسة في التأمل وتقنياته - الفصل الرابع
- قوانين النجاح الروحية السبع - القانون السابع والأخير
- تجوالٌ في عوالم أخرى خفية - قراءات باراسيكولوجية
- أسباب ضعف وتشتت حركة اليسار والقوى العلمانية في العالم العرب ...
- لن يشفى العراق وليلى مريضةٌ ...!
- قوة بلا حدود - الفصل الرابع
- حرائرنا النبيلات ...سارعن لأنتزاع حقوقكن في العراق الديموقرا ...
- عن الإسلام والأرهاب ثانيةٍ
- النفاق الإيراني ....يهدمون البيت ويحلمون بإعادة بنائه ...!
- وهل ظل للإسلام من ورقة توتٍ تغطي عريه ...!!


المزيد.....




- الغاوون ,قصيدة عامية بعنوان (العقدالمفروط) بقلم أخميس بوادى. ...
- -ربيعيات أصيلة-في دورة سادسة بمشاركة فنانين من المغرب والبحر ...
- -بث حي-.. لوحات فنية تجسد أهوال الحرب في قطاع غزة
- فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
- “مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال ...
- اللبنانية نادين لبكي والفرنسي عمر سي ضمن لجنة تحكيم مهرجان ك ...
- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...
- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كامل السعدون - زائر الكنيسة - قصة مترجمة عن النرويجية - تأليف تور بريكفيند