أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد الفتاح المطلبي - موت المدن















المزيد.....

موت المدن


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 3304 - 2011 / 3 / 13 - 00:40
المحور: المجتمع المدني
    


موت المدن
عبد الفتاح المطلبي
تتماهى كينونة المدينة مع كينونة الكائن العضوي لدرجة كبيرة ، ممثلا ذلك بالتشابه الكبير بين عمليات نمو النسيج المديني و النسيج العضوي ، فكما يبدأ نمو النسيج العضوي بخلية واحدة تبدأ المدن بالتكون و النشوء من بناية واحده يتم إنشاءها و لو تقصينا بدايات نشوء أغلب المدن في العالم لوجدنا إن ذلك ينطبق عليها بشكل كبير في حالات النشوء الطبيعي للمدن و يستثنى من ذلك تلك المدن التي يخطط لها مسبقا و يتم إنشاءها بدأ من القاعدة إلى القمة تحت رعاية برنامج بناء متكامل و لكنها لا تشذ عن مسألة التماهي مع نمو النسيج العضوي بل يشملها ذلك بتسارع بنائي أكبر من تلك التي تنمو بشكل طبيعي و على مهل و هكذا عندما يُعمد لبناء وحدة أخرى من الوحدات المدينية يكون ذلك ابتداء بمناقشة المسألة العلاقية بينها و بين الوحدة المدينية الأقدم من أبعاد و اصطفاف جمالي و مقتربات مشتركة و ميزات تشاركية تؤدي الى جعل الحياة أكثر سهولة من الناحية العملية و الأغراضية ،و لو ألقينا نظرة سريعة على النمو النسيجي العضوي و ذلك يعرفه المتخصصون بالإحيائيات نجد أن الخلايا الحيه الطبيعية التي تشكل مثابة الوحدات في الكيان العضوي تنمو بتوافقات إحيائية مذهلة مراعية الترابطات التشاركية مع الوحدات الأخرى في النسيج الخلوي منتجة منطقة صالحة للتقدم و استيعاب المتغيرات سواء كانت طارئة أو محسوبة ضمن البرنامج الوجودي للكائن الحي و مثل ذلك يجب أن تكون المسألة بالنسبة للبناء و النمو المديني لكي يكون الكائن المديني متمتعا بعافية تكوينية هادفة لتحقيق أقصى أهداف وجودها فلو القينا نظرة على تكوينات نسيج خلوي حي تحت المجهر لوجدنا أن الوحدات الخلوية في النسيج الحي تنبني على أسس غاية في الدقة و التراتيبية المحققة لأقصى أهداف وجوده الوظيفي و الجمالي بحيث تنسجم العلاقات التجاورية بين الوحداتمنتجة مكون غاية في الدقة بلا إفراط ولا تفريط .






أما في حالةتعرض هذا النسيج إلى عوامل الإنحلال و المرض فسيصاب بالتفسخ الذي سيهاجم وحداته البنائية مهدما جدرانها و مخربا علاقاتها الوجودية و مبعثرا لمكوناتها بشكل فوضوي غير مسيطر عليه منتجا فوضى عارمه و اندثارات لا حصر لها و هذه الإندثارات ستفرز بدورها كما هائلا من المخلفات التهديمية موسعة منطقة الخراب و الموت فيظهر النسيج المصاب فاقدا لكل تقنياته الوظيفية معلنا موت النسيج و اندثاره







و الأن لنناقش التشابه بين موت النسيج العضوي و موت النسيج المديني
إن بداية الأزمة التهديمية في النسيج العضوي الحي تنتج من جراء خلل حيوي بسيط كأن يكون التهابا بسيطا يفوق قدرة النسيج الدفاعية على ترميم الأضرار فإن لم يعمد لعلاجه سريعا و علاجا ناجعا سيتطور ذلك إلى مادة إلتهابية تطيح بما تصل إليه من بقية النسيج الحي ، أما في النسيج المديني فينتج ذلك بشكل أولي عن تجاوزات على المساحات المخصصة حسب إغراضها كأن تقتطع المناطق الخضراء و يتم تحويلها إلى أبنية عشوائية غير مخطط لها أو التجاوز على شارع سالك و إغلاقه مما يؤدي إلى تحويل جهده الخدماتي الى شارع مجاور لا يحتمل أعباء كثافة الإستخدام فيبدأ بالتهدم و الإنحلال منتجا شارعا رثا مليئا بالحفر و المطبات و التكسرات و سينتقل هذا الخلل إلى ما يجاوره من المباني و المنشئات و صولا ألى شيوع رثاثة السكان و البيئة عموما.


يقول المهندس الأمريكي الفنلندي الأصل أليل سارينين* إن عملية حياة المدن و موتها تتشابه كثيرا مع العملية العضوية إذ لابد للنبتة أن تكون ضعيفة حين تكون البذرة و التربة ضعيفتين ، فالبذرة هنا هي التكوين المعماري الأساسي للمدينة أما التربة فتتمثل بموقف الناس القاطنين فيها و نوع تفاعلهم مع بيئتهم المدنية و هذين العاملين يكونان مؤثرين و متأثرين أي بمعنى أن التصدع المديني الذي يسبق موت أي مدينه يكون نتاجا لتردي البنى المعمارية الأساسية و مواقف القاطنين من ذلك التردي الذين سيتأثرون بدورهم مستحيلين إلى سكان عشوائيين يكونون عرضة للتأثر المباشر بالتصدعات و الإندثارات المدينية منتجا ذلك صعوبات جمة في انسيابية الحياة و سهولتها .
في ما ورد أعلاه عرض موجز و مقارن في التشابه الكبير بين النمو العضوي و معاضله و بين النمو المديني و معاضله أيضا مشيرين إلى أن كلا الطبيعتين المدينية و العضوية يخضعان إلى نفس المنطق الطبيعي و قوانينه في البناء و الهدم، و من الجدير بالذكر إن التقدم المديني لم يبدأ في العالم الذي نطلق عليه صفة المتقدم الآن إلا بعد إن توقفت الحروب ، فالأمم التي توقفت عن الإحتراب و استهجنتها فيما بعد هالها ما رأت من مشاكل و معضلات ما بعد الحرب لذلك لم يجلسوا متفرجين بل باشروا بعلاج مايمكن علاجه دون تأخير أما الأمم المتقدمة التي تتبنى أيديولوجية الحرب فقد ارتأت أن تصنع حروبها خارج بلدانها و مدنها التي استمرت تحل معاضلها و مشاكلها المدينية لكن البلدان التي لا زالت ساحة للحروب و الصراعات فلا وقت لديها لحل المشاكل و المعضلات المدنية و هي مشغولة بحالة احتراب دائم تغذيه عجلة ما ، حرب قائمة بين البلد و أعدائه و بين أعداء البلد فيما بينهم على ساحة البلد ذاتهاو بين قاطني البلد أنفسهم باعتبارهم مشاريع صراعات صغيرة تشكل بمجموعها فوضى عارمه هادمة و تلك الأمور تعتبر الداء العضال الذي يفتك بأي نظام مديني و يؤدي الى موته ، ونحن في العراق بشكل عام و في العاصمة بغداد بوجه خاص نعاني من كل ما تقدم من الإختلالات في النظام المديني ، إن السياسه الميكافليه في الجانب المدني مع غياب القوانين المدنية الصارمه و الفاعله أدت إلى اختناق بغداد بمعاضل لا حصر لها بحجة الإرهاب و الوضع الإنتقالي و عدم الإستقرار السياسي مما سوغ خنق بغداد بملايين الكتل الكونكريتيه الجاثمة على شوارعها وغياب الإعمار و تبرير التجاوز و الهدم في جميع البنى المدينية بحجة الأوضاع السائدة و الفساد المالي و الوظيفي العارم و نمو ظاهرة الأدارة و الحكم من مناطق معزوله تماما عن المدن و محميه و كأنها في كوكب آخر كل ذلك عمل و سيعمل على موت المدينة التي هي الآن بدور الإحتضار إذا لم يسارع المجتمع المدني بالدعوة لأنقاذها فقد أصيب الجميع بالإحباط من الأداء الوظيفي للحكومات منذ ما يقارب الأربعين عام و لحد الآن، ويمكن إجمال الأعراض التي تنبيء باتجاه مدينة بغداد إلى مرحلة الإحتضار المديني بما يلي:
1-احتضار نهر دجلة الذي يمثل شريان حياتها من جراء الأسباب التالية
أ-امتناع الدولة التركية الجاره عن اعطاء حصة العراق المائيه كاملة وحسب القوانين الدولية
ب-إلقاء مخلفات بغداد من مياه ثقيله و مخلفات المستشفيات و المخلفات الصناعية و مياه البزول الزراعية في نهر دجلة.
ج- تفشي نمو نبتة زهرة النيل الكارثية في النهر مما أدى إلىتكوين عقد ترسبيه في النهر أدت الى ضحالته و عرقلة جريانه
2-غياب القوانين التي تحمي المناطق الخضراء حول بغدادو اندثار مصدات الرياح الشجريةو أحزمة الغابات الصناعية التي كانت موجودة في العقدين الأخيرين قبل التغيير
3-الإحتراب و الصراع الطائفي و العرقي
4- وجود القوات الأجنبية التي تستبيح أي منطقة ترتأي أن تكون منطقة لعملياتها العسكرية
5-تقطيع أوصال المدينة بالحواجز الكونكريتية و كثرة وزخم التواجد العسكري في المدينة مما جعلها أشبه بالمعسكر منها إلى مدينه و عاصمه
6-ندرة الصيانه وانعدام سن القوانين الراعية والحامية للبيئة المدينية وغياب منطق المسؤولية عن الهدم و التخريب و التجاوز على الشوارع و الطرقات و المنشئات العامه و سياسة الترقيع التي يمارسها الجهاز الوظيفي الفاسد، و هناك أسباب عديدة لامجال لذكرها في هذه العجالة التي كان الهدف منها التنبيه لما يحصل فقط.
وفي الآخر نتمنى على الجهات المختصة أن تدرك ما تعاني مدن العراق من عوامل اندثار و احتضارو البدء بالتفكير الجدي للمباشرة بوضع الحلول و إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وختاما يقول المهندس المعماري أليل سارينين( أرني مدينتك أخبرك من أنت و كيف تعيش)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن كتاب المدينه- أليل سارينين ترجمة المهندس المعماري محمود حمندي *



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موقف_ قصيدة
- الفقراء- قصيدة واضحة
- وطن كالقلب
- قال لي- قصيدة
- يا ساحة التحرير-قصيدة
- ذيول - نص تهويمي
- حييت مصر- قصيدة
- في ذلك النهار- قصة قصيرة
- غواية التباريح- قصيدة
- سلاما لمصر- قصيدة
- عثار الروح- قصيدة
- اغتيال-قصة قصيرة
- إحذري يا جميلة
- هموم الجميلة- نص
- عدوان -قصيدة
- الحلقةالثانية و العشرون و الأخيرة من سيرة المحموم(22) -هذيان ...
- ليلة -قصيدة
- الحلقة الحادية و العشرون من سيرة المحموم(21)
- تحت سدرة المبتدأ
- أقوال الريح


المزيد.....




- احتجاجات أمام سجن محلي في تكساس للإفراج عن طلبة تظاهروا دعما ...
- بالصور..اعتقال عشرات الطلاب في تكساس بسبب مشاركتهم في مظاهرا ...
- تأييدًا لغزة.. طلاب وأساتذة يتظاهرون في جامعة سيدني
- شبح المجاعة لا يغيب.. غزيون يشتكون شح السلع وغلاءها
- الحكم على مغنٍ إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- الإعدام لـ11 شخصا في العراق أدينوا -بجرائم إرهابية-
- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد الفتاح المطلبي - موت المدن