أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - نوال السعداوى - أخلاقيات الثورة الجديدة والقيم المزدوجة القديمة















المزيد.....

أخلاقيات الثورة الجديدة والقيم المزدوجة القديمة


نوال السعداوى

الحوار المتمدن-العدد: 3299 - 2011 / 3 / 8 - 09:02
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


كيف عشنا هذه الأخلاقيات الإنسانية الجديدة فى ميدان التحرير أثناء الثورة؟ كيف خرج من كل إنسان ثائر متمرد (امرأة أو رجل أو شاب أو طفل) أحسن وأنبل ما فيه (أو فيها) من خلق نبيل. الثورة مثل الإبداع الفكرى، الإشعاع الروحى، تشمل العقل والجسم والروح، يصبح الإنسان كياناً واحداً، يتحد الشعب بكل أجزائه وفئاته تذوب كل خلافاته، كما يتحد الفرد بكل أجزائه المتناحرة وتذوب صراعاته. الثورة مثل النار المشتعلة المتوهجة، تطهر الإنسان والمجتمع، تضىء دون أن تحرق.

كيف تحول ميدان التحرير خلال أسابيع الثورة إلى مدينة فاضلة ليست القاهرة، ليست مصر حسنى مبارك أو مصر أنور السادات أو فرعون آخر، أصبحت مصر الحقيقية العريقة الحضارية، المدفونة مع المومياوات فى التاريخ، تحكمها قيم الثورة الجديدة: العدالة، الحرية، الكرامة، قيم أخلاقية اجتماعية سياسية ثقافية، يتساوى فيها البشر بصرف النظر عن الدين أو الجنس أو الطبقة، سقطت جميع القيم المزدوجة الموروثة منذ العبودية والفراعنة، منذ نشوء النظام الطبقى الأبوى المبنى على تقسيم المجتمع إلى أسياد وعبيد ورجال ونساء، اندهشت أنا التى عرفت هذه الأخلاقيات الثورية، وقمت بتدريسها فى جامعات العالم (إلا جامعات مصر) أكثر من عشرين عاما، تحت عنوان «الإبداع والتمرد»، اندهشت أنا التى تمردت على القيم الأخلاقية العبودية منذ طفولتى حتى اليوم، منذ كنت فى العاشرة من عمرى حتى بلغت الثمانين، تأخرت الثورة المصرية فى نظرى سبعين عاما،

كنت أحلم بها على مدى العمر، أعيشها كل ليلة فى النوم، أقول لمن يتهموننى بالجنون والتمرد والشغب: لا يمكن أن تستمر العبودية فى العالم شرقاً وغرباً، عبودية النساء والفقراء والأجراء المهاجرين بحثاً عن الرزق أو الحرية، سوف يأتى يوم تسقط فيه السلطة الطبقية الأبوية المطلقة فى الدولة والعائلة، من قمة الرأس فى الدولة والعائلة، فى العالم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، سيأتى يوم أيها السادة لا يجرؤ فيه الزوج على ضرب زوجته بالقبقاب، (دون أن يسبب لها عاهة مستديمة)، أو يجرؤ على تأنيبها بالقول الفظ الغليظ، أو يطلقها بورقة يرسلها إليها بالبريد، أو كلمة ينطقها فى وجهها وهو عائد من دار البغاء مخمورا، أو من عند عشيقته فاقد الوعى مسطولا، سيأتى يوم أيها السادة لا يعاقب فيه الطفل لأن أباه اغتصب أمه ثم هرب دون الاعتراف به، سيأتى يوم لا تجرؤ فيه دولة على احتلال دولة أخرى، أو اغتصاب أرضها أو مواردها بأى قوة مسلحة أو غير مسلحة، سوف يحكم العالم العدل والصدق وليس القوة والخداع، سوف تكون المرأة إنسانة مكتملة الإنسانية، لن يحكم رجل امرأة، سوف يصبح للأم الشرف والكرامة والحرية مثل الأب، سوف تسقط الأبوية والهمجية والعضلات الجسدية والقوة النووية، سوف يحكمنا العدل والعقل والقانون والدستور المدنى الموحد للجميع دون تفرقة لأى سبب.

هل تحقق حلم طفولتى بعد سبعين عاما؟ ولماذا يكون الحلم بالعدل والحرية والكرامة جنونا وشططا؟ أليس العدوان على حقوق الآخرين هو الجنون والشطط؟ أثبتت لنا الثورة المصرية العظيمة يناير وفيراير ومارس ٢٠١١ أن الظلم هو الجنون والشطط، أن قبول الظلم هو العبودية والخنوع، أن التمرد على الظلم هو قمة العقل والإبداع والكرامة، هل كان يتصور أحد من الخانعين الخاضعين أن عرش فرعون يمكن أن يسقط وهو حى لم يمت بعد، هل تصور أحد أن الجريدة القومية الكبرى، التى سبحت بحمد فرعون ثلاثين عاما، تنقلب عليه فجأة، (بعد أن أسقطته الثورة الشعبية)، وتكشف الجريدة القومية الكبرى جرائم فرعون وأرصدته فى البنوك، وتطلب محاكمته وإعادة البلايين المنهوبة للوطن، من كان يتصور ذلك؟ لكنها الثورة، التى شملت الملايين من المصريين والمصريات من كل الفئات والطبقات والأديان والطوائف، خرجوا من بيوتهم إلى الشوارع يهتفون: الحرية، الكرامة، العدالة.

سقطت أخلاق النفاق والكذب والخيانة والانتهازية والسرقة والنهب والعنف فى الدولة أو العائلة أو فى الشارع. تغيرت أخلاق الناس فى الشارع، سقطت الحواجز المفروضة بين الناس، أصبح الشعب المصرى كأنما أسرة واحدة يبتسمون بعضهم للبعض، يحيون بعضهم البعض دون سابق معرفة، لا تخجل الفتاة من أن تقول لأى شخص رجل أو امرأة: «مبروك علينا الثورة، مبروك سقوط الفرعون عقبال الباقى فى كل البلد، لازم نغير الدستور من أساسه مش كفاية تعديله، لازم الثورة تستمر حتى نحقق كل أهدافها، لازم النساء يشاركوا الرجال فى الحكم فى الدولة وفى الأسرة، لا يمكن نرجع بيوتنا حتى نحقق العدل والحرية والكرامة لنا كلنا نساء ورجالاً مسلمين وأقباطاً وكل الشعب».

كيف كسرت هذه الفتاة كل المحرمات والمحظورات والثوابت والتابوهات، هذه الفتاة كانت قبل الثورة قعيدة البيت كسيحة مكتئبة تبتلع حبوباً وأقراصاً يكتبها لها طبيب نفسى (أو يصوب إلى رأسها تيار كهربى) يكسب الطبيب النفسى الملايين من اكتئاب الملايين من الشعب المصرى، نساء ورجالاً وشباباً وأطفالاً، لا يزدهر تحت الحكم الفرعونى المستبد إلا الأطباء النفسانيون والمحامون والحلاقون والسجانون والحانوتية وبائعو الخمور للشباب، والفياجرا للعجائز، وصاحبو دور البغاء، وتجار الدين والجنس، وأمراء البورصة والسوق الحرة، وصحفيو الجرائد القومية الكبرى، جاءنى بعد سقوط رأس النظام أحد هؤلاء الصحفيين فى الجريدة القومية الكبرى، لم أره منذ ثلاثين عاما، قال لى أريد عمل حوار معك أيتها الكاتبة «الكبيرة»، منحنى لقب كاتبة كبيرة بعد سقوط فرعون، اندهشت وقلت له: لماذا لم تمنحنى لقب كاتبة كبيرة منذ ثلاثين عاما، قال «بصراحة كنت خايف».

احترمت صدقه ووافقت على الحوار، منحته ثقتى، تصورت أنه تشرب مثلى بأخلاقيات الثورة، بعد عدة أيام فوجئت بالحوار الركيك فى الجريدة، حتى اللغة العربية انحدرت مع انحدار الأخلاق، الصحافة القديمة قبل الثورة القائمة على الإثارة والركاكة وتحوير الحقائق، (الزمار يموت وصباعه يلعب)، أفسد الإعلام الفرعونى أخلاق الناس فى بلادنا بمن فيهم الصحفيون، ربما تحسنت أخلاقهم أيام الثورة فقط، أسبوعان فقط داخل ميدان التحرير، ثم خرجوا منه وانتكسوا إلى القيم القديمة، قرأت الحوار الركيك ليس لغتى ولا أسلوبى، قلت لنفسى: المرض الأخلاقى فى الصحافة المصرية مزمن منذ العبودية، فهل تنجح الثورة فى إسقاط الفساد الصحفى والإعلامى كما أسقطت رأس النظام وبعض أعوانه؟ الإصلاح السياسى سهل وسريع، أما الإصلاح الأخلاقى أو علاج الضمير فيحتاج إلى ثورات وثورات وليس ثورة واحدة.



#نوال_السعداوى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مليونية الشباب والشابات يوم المرأة العالمى
- نساء الثورة الشعبية ونساء النخبة الحاكمة
- الثورة المصرية مستمرة حتى تحقق أهدافها كلها (٢)
- الثورة المصرية تضع قيما وعقدا اجتماعيا جديدا
- نساء تونس ونجاح الثورة الشعبية
- الإبداع المتمرد لا يموت
- استعادة العقل المصرى هى الأمان الوحيد
- النساء وكتابة الأدب
- نساء ورجال القرن الواحد والعشرين
- هل ينمو فكر جديد؟.. حوارات نوال ومنى
- أعظم نساء ورجال القرن؟
- خروف العيد: حوارات نوال ومنى (٢)
- خروف العيد: حوارات نوال ومنى (١)
- تمجيد المرأة والعقل الأجنبى.. وتحقير أنفسنا وزوجاتنا
- السلطة الأبوية والتجارة بالجنس
- صمتوا حين كان الكلام واجباً
- الضمير الحى فوق الهوية القومية والدينية
- وجوه تتكرر فى كل عهد
- الدكتوراة الفخرية والتعددية والنسبية
- جلسة مع كاتبات فى القاهرة


المزيد.....




- مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
- من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين ...
- بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
- بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي.. ...
- داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين ...
- الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب ...
- استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
- لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
- روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
- -حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - نوال السعداوى - أخلاقيات الثورة الجديدة والقيم المزدوجة القديمة