أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوى - الضمير الحى فوق الهوية القومية والدينية















المزيد.....

الضمير الحى فوق الهوية القومية والدينية


نوال السعداوى

الحوار المتمدن-العدد: 3159 - 2010 / 10 / 19 - 09:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منحت جامعة المكسيك يوم ٢٣ سبتمبر ٢٠١٠ درجة الدكتوراه الفخرية لرجال ونساء، منهم ماريو بارجاس يوسا، ونعوم تشومسكى، و نوال السعداوى، ارتدينا القبعات والأرواب والأوشحة لنشبه الممثلين فى الكوميديا الإلهية، أو الكهنة فى عصور الظلام، كانوا يمشون على الأرض متنكرين تحت اللحى والشوارب والتمتمات الغامضة، يتصاعد الدخان من مباخرهم ليعمى العيون، حتى تم اختفاؤهم فى السماء وراء المياه المتبخرة فى شكل السحب.

قبل سفرى إلى المكسيك طلبوا مقاس رأسى بدقة، ليصنعوا لى القبعة الفخرية، تعودت التمرد على هذه التقاليد المقدسة فى الجامعات، تشبه الطقوس فى المعابد، السير كالعرائس المتحركة إلى المنصة، بخطوات مشدودة وأعناق متقلصة، نجلس فى الصف الأول مع رئيس الجامعة، ترمقنا آلاف العيون فى القاعة بمزيج من إعجاب وكراهية، تعزف الموسيقى النشيد القومى، نقف كتماثيل من صلصال ثم نجلس، تعرض الشاشة أمامنا فيلما تسجيليا عن مؤلفات كل منا، مع صورنا الشخصية والموسيقى التصويرية ، ثم تبدأ مراسيم الحفل تشبه المراسيم فى جنازات الحكام، يقف رئيس الجامعة على المنبر الى جواره شخص يحمل الوشاح والقبعة، شخص آخر يحمل الميدالية الذهبية والشهادة الفخرية، ينادى رئيس الجامعة الاسم بصوت جهورى، يقف صاحب الاسم ويسير نحو المنبر، يتم تتويجه بالوشاح والقبعة والميدالية والشهادة، لابد من زم الشفتين مع التكشيرة لتبدو الشخصية مناسبة للمشهد، منذ طفولتى أجد صعوبة فى زم الشفتين، بسبب الضب الموروث عن أمى،

ولأن الضحك يغلبنى فى مثل هذه المواقف، تشبه المآتم، تبدو الحركات هزلية، تعظيم الحزن الزائف أو تفخيم الابتهاج الزائد، حاول رئيس الجامعة أن يثبت القبعة فوق رأسى، لكنها ضيقة وكادت تقع، لولا حركة سريعة من الشخص مسؤول القبعات، عدت الى مقعدى بالوشاح حول كتفى والميدالية والشهادة فى يدى، والقبعة فوق رأسى مائلة نحو أذنى، كانت أمى (زينب هانم شكرى) فى الأربعينيات من القرن الماضى تجعل قبعتها مائلة فوق رأسها حتى الأذن، علامة الأنوثة فى العصر القديم، همس نعوم تشومسكى الجالس إلى جوارى: قبعة جميلة لكن شعرك الأبيض أجمل؟

خلعت عنى القبعة والوشاح والشهادة، لأتخفف من الثقل، ولأن الحر أيضا شديد مثل صيف القاهرة، «جلوبال وورمينج» قال نعوم تشومسكى، ارتفاع حرارة الكون إحدى جرائم الرأسمالية الصناعية القائمة على استغلال الطبيعة، وتدمير البيئة وتغيير المناخ، درجة الحرارة فى مونتريال وموسكو ٣٩ درجة مئوية مثل القاهرة.

نعوم تشومسكى، انتشرت كتبه بلغات متعددة فى العالم، هويته أمريكية وأصله يهودى، لكن ضميره الحى ارتفع فوق الهوية القومية والدينية، أدان حكومة إسرائيل اليهودية والحكومة الأمريكية الاستعمارية العسكرية، ساند نعوم تشومسكى قضية الشعب الفلسطينى والشعب العراقى وشعوبا أخرى مقهورة، وطنه أصبح الإنسانية وليس مسقط الرأس حيث ولد.

ماريو بارجاس يوسا أيضا مثل نعوم تشومسكى، ارتفع ضميره الأدبى فوق هويته القومية ودينه ولغته، هجر مسقط رأسه (فى بيرو) بسبب الاضطهاد داخل وطنه، سافر إلى إسبانيا وبلاد العالم، ساند الشعوب المقهورة ومنها الشعبان العراقى والفلسطينى، كتب ضد الرؤساء والديكتاتورية.

يبدو ماريو بارجاس أكثر شبابا من نعوم تشومسكى وأكثر مرحا، أشار إلى قبعتى المائلة وسألنى: هل نسيت أن ترسلى لهم مقاس رأسك؟ قلت له: أرسلت المقاس لكن المشكلة ليست فى القبعة، قال: ما المشكلة إذن؟ قلت: المشكلة فى رأسى، ضحك مقهقها فاهتزت قبعته المائلة وكادت تسقط ثم قال: أنا أيضا اتهمت رأسى.

لم نعرف ذلك اليوم أن ماريو بارجاس سيحصل على جائزة نوبل للأدب بعد أيام قليلة، هو كان يعرف لابد، مثل هذه الجوائز العالمية المهمة لا تعلن إلا بعد موافقة المرشح لها، يتم إخطاره بها قبل موعد إعلانها بشهور أو عام كامل، يتعهد بكتمان الخبر حتى يتم الإعلان عنها رسميا، لهذا بدا ماريو بارجاس مرحا سعيدا خفيف الحركة والظل، كان يعرف أن العالم سوف يفاجأ بعد أسبوعين بالخبر، وسوف يحصل على مليون ونصف المليون يورو قيمة الجائزة، لكن قيمتها الأدبية أكبر، يصبح الحائز عليها أديبا عظيما وإن كانت موهبته غير عظيمة، أحيانا تلعب الدوافع السياسية دورا أكبر من الأدب.

فى المكسيك عندى صديقات قديمات، منهن الدكتورة سيلفيا ماركوس، تركت منصبها فى الجامعة وعادت إلى قريتها فى الجنوب، لتجرى بحوثا عن «زاباتيستا» الحركة الثورية فى المكسيك بقيادة الشاب ماركوس، دعتنى إلى قريتها خلال الثمانينيات من القرن الماضى، زرت معها جبهة القتال وفرق النساء المناضلة لتحرير المرأة والوطن معا، كان الشعب المكسيكى يعلق آمالا كبيرة على هذه الحركة، للخلاص من الديكتاتورية والهيمنة الأمريكية.

على مأدبة الغداء قالت سيلفيا: هذه الحركة لم تعد كما كانت، كنا نظن أن القائد ماركوس سوف يكون مثل كاسترو فى كوبا، لكن زحف اليمين الدينى على المكسيك كما حدث فى مصر وفى معظم بلاد العالم، تم إجهاض الحركات الشعبية التى حاربت من أجل العدالة الاجتماعية وتحرير النساء والفقراء، انتصرت القوى الاستعمارية والخصخصة، تم إجهاض الحركة النسائية وحركة الشباب، اتسعت الهوة بين الفقراء والأغنياء، ربح رجال الأعمال البلايين من السوق الحرة، أصبح الاستهلاك والاستيراد هو الأساس وليس الإنتاج المحلى، تضاعفت البطالة انتشر الفساد والمحسوبية.

قال نعوم تشومسكى: الولايات المتحدة الأمريكية تقود العالم من أزمة إلى أزمة، من حرب الى حرب، ما فعلته أمريكا فى العراق وما فعلته إسرائيل فى فلسطين جرائم بشعة، لا توجد هيئة دولية قادرة على عقاب جورج بوش فى أمريكا أو تونى بلير فى إنجلترا أو خوسيه ماريا أزنار فى إسبانيا أو نتنياهو فى إسرئيل أو غيرهم، تم إعدام صدام حسين فقط رغم أن جرائمه كانت محلية، جرائم هؤلاء الكبار دولية وغير محدودة.

تساءلت: هل تتحرر الشعوب عن طريق هيئة الأمم المتحدة أو محكمة العدل الدولية؟ أليست هى تابعة بشكل ما للقوى الدولية الاستعمارية؟، مثل البنك الدولى وصندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية؟ محكمة العدل الدولية ألم تحاكم إلا رؤساء البلاد الصغيرة فى أفريقيا أو آسيا أو أمريكا اللاتينية؟، لن تتحرر الشعوب المقهورة إلا بإرادة الشعوب نفسها، أليس كذلك؟

قال نعوم تشومسكى: نعم لكن إرادة الشعوب مسلوبة، الشعب الأمريكى مثلا محكوم بالقوة والمال، التعليم والإعلام الأمريكى معا يؤديان إلى الجهل وتفتتيت القوى الشعبية، نحن المثقفين المعارضين قلة قليلة مضطهدة ومحاصرة، مثل ما يحدث لكم فى مصر، كلمة الديمقراطية أصبحت سيئة السمعة، حكومتنا الأمريكية تغزو العالم اقتصاديا وعسكريا تحت شعار الديمقراطية، أليست هذه أكبر أكذوبة فى عصرنا الراهن؟



#نوال_السعداوى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وجوه تتكرر فى كل عهد
- الدكتوراة الفخرية والتعددية والنسبية
- جلسة مع كاتبات فى القاهرة
- الصورة المفبركة بدل الحقيقة المؤلمة
- المرأة الكاتبة
- «سارة بالين» وجوارى القرن الواحد والعشرين
- الدكتورة نوال السعداوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول ...
- التاريخ سينصف تجربتي والطفلة في داخلي تنتصر على الشرطي
- شهرزاد جديدة أكثر تحررًا
- خطورة قوانين الأحوال الشخصية الدينية
- عن النقاب والنفاق والسلطة
- حاربت 60 عاماً ضد الختان وفقدت وظيفتى وسمعتى وعندما صدر القا ...
- أنا أكتب إذن أنا أعيش
- خلايا العقل المظلمة
- الكتابة بين الذكورة والأنوثة وهوية النص .
- الحرب والنساء
- حجاب العقل.. أخطر
- المرأة العربية تعيش من أجل الجنس فقط و المسيار أفضل من الزوا ...
- د.نوال السعداوي: مصر لا تستحقني.. وأنا -قرفانة- من الجنس
- النساء ضحايا الاستغلال الاجتماعي


المزيد.....




- أطلقوا 41 رصاصة.. كاميرا ترصد سيدة تنجو من الموت في غرفتها أ ...
- إسرائيل.. اعتراض -هدف مشبوه- أطلق من جنوب لبنان (صور + فيدي ...
- ستوكهولم تعترف بتجنيد سفارة كييف المرتزقة في السويد
- إسرائيل -تتخذ خطوات فعلية- لشن عملية عسكرية برية في رفح رغم ...
- الثقب الأسود الهائل في درب التبانة مزنّر بمجالات مغناطيسية ق ...
- فرنسا ـ تبني قرار يندد بـ -القمع الدامي والقاتل- لجزائريين ب ...
- الجمعية الوطنية الفرنسية تتبنى قرارا يندد بـ -القمع الدامي و ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن أخفت عن روسيا معلومات عن هجوم -كروكو ...
- الجيش الإسرائيلي: القضاء على 200 مسلح في منطقة مستشفى الشفاء ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 11 ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوى - الضمير الحى فوق الهوية القومية والدينية