أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوى - تمجيد المرأة والعقل الأجنبى.. وتحقير أنفسنا وزوجاتنا















المزيد.....

تمجيد المرأة والعقل الأجنبى.. وتحقير أنفسنا وزوجاتنا


نوال السعداوى

الحوار المتمدن-العدد: 3180 - 2010 / 11 / 9 - 09:15
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


انتشرت فى السنين الأخيرة ظاهرة تحقير الذات وتمجيد الأجانب والأجنبيات، من أمريكا إلى اليابان والصين، مرورا بفرنسا وإنجلترا وهولندا وغيرها، ما إن تسافر واحدة أو واحد من المنتشرين فى الصحف المصرية والإعلام المرئى والمسموع حتى يعود يروى عن العظمة هناك، لا أقول عنها «عقدة الخواجة» التى نشأت فى ظل الاستعمار القديم، بل عقدة جديدة نشأت فى ظل الانفتاح على البضائع الأجنبية التى غزت الأسواق المصرية. من أغشية البكارة الصينية وفوانيس رمضان، إلى أكياس القمامة الأمريكية، وفول مدمس كاليفورنيا.

حين دخلنا سجن السادات فى مذبحة سبتمبر ١٩٨١ لم نعرف أسباب الاعتقال، فلم تكن هناك محاكمات ولا سؤال ولا جواب، جاءت العربات المصفحة العسكرية البوليسية وأخذونى إلى سجن النساء بالقناطر الخيرية، لكن الإشاعات كانت تسرى من بين القضبان، سمعت السجانة تقول إن جريمتى هى مقال نشرته جاءت فيه هذه العبارة «حين هبطت إلى مطار القاهرة دهشت لأرى اسم شركة أجنبية مكتوبا فوق ظهور العمال المصريين الذين يكنسون الأرض، هل أصبحنا عاجزين عن كنس قمامتنا؟ هل أصبحنا نستورد كل شىء من المقشة والجاروف إلى الخبز وعصير البرتقال والفول المدمس؟».

همست السجَّانة فى أذنى.. السادات قرأ كلامك وقالهم هاتوها، ارموها فى السجن مع الكلاب، ناوى لكم ع الموت يا ضكطورة، لكنى كنت واثقة أننى سأعيش إلى الأبد، من أين جاءتنى هذه الثقة؟ ربما صوت أمى فى طفولتى لا يفارقنى «نرمى نوال فى النار ترجع سليمة»، أدت الهزائم المتكررة التى منيت بها بلادنا إلى فقدان الثقة بالنفس، والانبهار بقوة الأعداء وتفوقهم، لكن أحد أسباب الهزيمة هو فقدان الثقة فى النفس منذ الولادة، داء ينخر فى عقل الطفلة والطفل الذى يتربى على الخوف من الموت، والحرق فى النار مثل الخروف، يقترن الخوف بالطاعة والولاء للسلطة فى البيت والدولة، حلت كلمة «الولاء» فى القرن العشرين مكان كلمة «العبودية» فى القرن التاسع عشر، وفى هذا القرن الحادى والعشرين حلت كلمة الانتماء بدل الولاء، تخترع النظم الحاكمة فى كل مكان وزمان كلمات بريئة جميلة للتغطية على القبح والجريمة، هناك أسباب كثيرة تمنع العقل من الإبداع والخلق فى كل المجالات، أهمها الخوف من التمرد على السلطة فى البيت والدولة، لم يبدع العقل الأوروبى فى العلم والفن إلا بعد التحرر من الخوف، أولها الخوف من قمع السلطة السياسية والدينية. خاضت أوروبا حروبا دموية طويلة ضد سلطة الإقطاع التى مثلتها الكنيسة، انهزم الإقطاع ومعه الكنيسة ودخل العقل الأوروبى آفاقا جديدة, عجز العقل المصرى (والعربى عامة) عن الإبداع فى مجال العلم خلال القرون الأخيرة، لم نسهم فى اكتشاف الكهرباء أو الطائرة أو علوم الجينات أو علوم الإلكترونيات والتليفون الموبايل، وعلوم نشوء الكون والطاقات الذرية والنووية وموجات خلايا المخ الفكرية القادرة على تحريك الأجسام المادية، هذه العلوم تبدو لنا معجزات ننبهر بها ونحكى عنها بإكبار عظيم، مع السخرية من أنفسنا والإحساس بالضآلة أمام عظمتها، بعض الناس فى بلادنا ينقلون ما يكتب فى الصحف الأوربية والأمريكية دون تشغيل عقولهم، لم يتعلم عقلنا تشغيل نفسه بنفسه، لأننا نتعلم منذ الولادة أن عقلنا ناقص بالطبيعة غير قادر على الخلق. كلمة خلق تفزعنا، لأنها من اختصاص الآلهة وليس البشر، كلمة إبداع أيضا تفزعنا، ترتبط فى وجداننا بالبدع والضلال.

يحترم الرجل العربى أو المصرى زوجته الأجنبية، يعاملها على قدم المساواة، يثق فى عقلها، تلقى امرأة مثل وزيرة الخارجية الأمريكية احتراما كبيرا فى جميع الدول العربية بما فيها دول النفط التى تفرض النقاب والخمار والخيمة السوداء على نسائها، تجلس الوزيرة الأمريكية واضعة ساقا فوق الأخرى أمام الملوك ورؤساء الدول العربية، قد يتعرى جزء من فخذيها، كما كان يحدث مع كوندوليزا رايس ومادلين أولبرايت، ملوكنا ورؤساؤنا يجلسون أمامها فى أدب شديد، يتكلمون بصوت خافت وهى ترفع صوتها وتضحك بأعلى صوتها، كما تفعل هيلارى كلينتون هذه الأيام.

يقولون عن المرأة باللغة العربية أو المصرية العامية «مرة»، فى السجون يأمرون الرجل السجين بأن يقول عن نفسه «أنا مرة»، نوع من التعذيب والإذلال للرجل أشد من الضرب أو الكى بالنار، أو نفخه بالهواء مثل العجلة الكاوتش، أو تغطيس رأسه فى جردل ماء حتى تطلع روحه.

الكاتبة الأجنبية تنال الاحترام والتبجيل فى بلادنا، يقولون عنها مفكرة أو فيلسوفة، تنبهر بها النخب فى بلادنا، ها هى الكاتبة ناعومى وولف، التى نشرت مقالاً بالإنجليزية منذ أيام قليلة، تنتقد فيه قرار الحكومة البريطانية بخفض تمويل الجامعات بنسبة تصل إلى ٤٠%، ينال التخفيض أساسا من العلوم الإنسانية منها الفلسفة والأدب والشعر، تشن ناعومى وولف حربا على هذا الاتجاه الذى يحترم الكيمياء والطب والهندسة، ويحتقر الفن والأدب والشعر والفلسفة وغيرها من التخصصات العقيمة المنحلة، هذه الردة فى التعليم التى بدأها الحزب الجمهورى فى الولايات المتحدة بقيادة رونالد ريجان منذ الثمانينيات من القرن العشرين ثم انتقلت إلى بريطانيا، مع تصاعد اليمين إلى الحكم وتغيير نظام التعليم ليخدم السوق، ويمنع تفتح العقل أو نشوء مجتمع مفتوح.

منذ نصف قرن من الزمان، نشرت كتبا ومقالات (موجودة فى المكتبات حتى اليوم) عن ضرورة الربط فى مناهج التعليم بين العلم والفن، بين الطب والأدب والموسيقى، بين العلوم الطبيعية (الفيزياء، الكيمياء، البيولوجيا، التشريح) وبين العلوم الإنسانية (الفلسفة، التاريخ، الآداب، الفنون التشكيلية، الرقص، الموسيقى، المسرح، السينما).

فى كلية الطب (قبل وبعد التخرج) فى منتصف القرن الماضى، كتبت ضد الفصل بين الطب الجسدى والطب النفسى والرياضى، بين الطب العلاجى الباطنى أو الجراحة، وبين الطب الوقائى والصحة العامة والطب الشرعى، بل إننى طالبت بتدريس الفلسفة والموسيقى والأدب فى كليات الطب، من أجل تخريج طبيبة أو طبيب إنسان متفتح العقل والوجدان، ينظر إلى مهنة الطب كعمل إنسانى وليس كعمل تجارى لبناء العمارات والقصور، وقد تم اتهامى بواسطة النخب الحاكمة بالجهل أو الشيوعية أو الشغب والشطط، لكن حين تقول كاتبة أجنبية هذه الأفكار نفسها بعد مرور نصف قرن فهى مفكرة عظيمة، ورائدة تستحق التقدير، يفتحون لها مجالات الإعلام والصحف، لنشر كلامها ومناقشته بواسطة النخب فى بلادنا.

منذ عشرين سنة أقوم بتدريس مادة جديدة أطلقت عليها اسم «الإبداع والتمرد»، تقوم على إلغاء الفواصل بين الأشياء، أى ربط العلم بالفن، والطب بالأدب، والجسد بالعقل بالروح بالمجتمع، والمادى باللامادى، والبيولوجيا والكيمياء بالأدب والموسيقى، والطبيعة بما وراء الطبيعة، وغيرها من الروابط الضرورية لعلوم المستقبل وفهم نشوء الكون. هذا هو الطريق لبناء العقل الإنسانى المفتوح، الذى يصنع شعوبا حرة مبدعة متمردة على الظلم والكذب والنفاق، لا يمكن خداعها أو تخويفها أو قمعها بأى سلطة فى البيت أو الدولة.



#نوال_السعداوى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السلطة الأبوية والتجارة بالجنس
- صمتوا حين كان الكلام واجباً
- الضمير الحى فوق الهوية القومية والدينية
- وجوه تتكرر فى كل عهد
- الدكتوراة الفخرية والتعددية والنسبية
- جلسة مع كاتبات فى القاهرة
- الصورة المفبركة بدل الحقيقة المؤلمة
- المرأة الكاتبة
- «سارة بالين» وجوارى القرن الواحد والعشرين
- الدكتورة نوال السعداوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول ...
- التاريخ سينصف تجربتي والطفلة في داخلي تنتصر على الشرطي
- شهرزاد جديدة أكثر تحررًا
- خطورة قوانين الأحوال الشخصية الدينية
- عن النقاب والنفاق والسلطة
- حاربت 60 عاماً ضد الختان وفقدت وظيفتى وسمعتى وعندما صدر القا ...
- أنا أكتب إذن أنا أعيش
- خلايا العقل المظلمة
- الكتابة بين الذكورة والأنوثة وهوية النص .
- الحرب والنساء
- حجاب العقل.. أخطر


المزيد.....




- انضموا لمريم في رحلتها لاكتشاف المتعة، شوفوا الفيديو كامل عل ...
- حوار مع الرفيق أنور ياسين مسؤول ملف الأسرى باللجنة المركزية ...
- ملكة جمال الذكاء الاصطناعي…أول مسابقة للجمال من صنع الكمبيوت ...
- شرطة الأخلاق الإيرانية تشن حملة على انتهاكات الحجاب عبر البل ...
- رحلة مريم مع المتعة
- تسع عشرة امرأة.. مراجعة لرواية سمر يزبك
- قتل امرأة عتيبية دهسا بسيارة.. السعودية تنفذ الإعدام -قصاصا- ...
- تحقيق: بلينكن أخفى بلاغا بانتهاكات إسرائيلية في الضفة قبل 7 ...
- تحقيق: بلينكن أخفى بلاغا بانتهاكات إسرائيلية في الضفة قبل 7 ...
- تحقيق: بلينكن أخفى بلاغا بانتهاكات إسرائيلية في الضفة قبل 7 ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوى - تمجيد المرأة والعقل الأجنبى.. وتحقير أنفسنا وزوجاتنا