المغاربة عندما يكتبون بالنجوم

عذري مازغ

الحوار المتمدن-العدد: 3298 - 2011 / 3 / 7 - 15:34
المحور: كتابات ساخرة
    

من ابداع المغاربة المحنكون في السياسة، خصوصا من رؤساء الجماعات والبلديات المحلية انهم يحولون الجبال القائمة في إحدى زوايا المدينة أو القرية إلى الشعار الرسمي للمملكة، فانت مثلا تستيقظ في الصباء وتفتح شرفة بيتك لتنظر إلى السماء هل هي مشرقة أو ملبذة، فيسبق إلى عينك شعار المملكة المكتوب في الجبل: الله، الوطن، الملك. ياله من شعار عجيب، في كثير من المرات(ة) تحير في هذا الإبداع الجبلي، وينتابك أن تقوم برحلة في هذا الصباح إلى أعلى الجبل كي تكتشف بنفسك كيف التحم الحجر ليشكل في الجبل شعار المملكة، وكيف يشرق هذالشعار في عينيك وعبرها في دماغك، بحيث يسبق إشعاعه إلى مخيخك اشراقة أشعة الشمس في الصباح، إنه إله كبير، ووطن كبير والملك أيضا كبير فيه، منحوتات صخرية، لا بل تجمع صخري هائل يعبر عن جهد مبذول، والمدهش أكثر ان تراه مشرقا في الليل أيضا، وأذكر صديقي ميجايل الذي زار إحدى المدن الصغيرة الجبلية التي وصلها ليلا: كان الليل حالكا، يقول ميجايل، عندما نزلنا من السيارة، ادهشني أن ارى كتابة ضوئية معلقة في الأعلى، ويبدوا ان اتجاه الميل بالنسبة لرؤيتي يميل أن يكون عموديا وهو ما أثار دهشتي لولا صديقي المغربي الذي نبهني قائلا باننا في مدينة شعار المملكة فيها مكتوب بالنجوم،الشيء الذي خلخل معتقداتي العلمية لولا نباهة الصديق، حين أضاف أننا في مدينة جبلية يكثر فيها تساقط الثلج،وأن المملكة تكتب شعارها في الجبال كما أنتم تشهرون لوحة الثور في كل إقليم. اعجبتني طرافة المواطن المغربي التي تذكرني بعجائبية الحكي عند ابن بطوطة، فإبداع المغاربة فات حقا كل الألق : مغاربة يكتبون شعار المملكة بنجوم السماء، هكذا تبدوا للوهلة الأولى حين تنزل الجبل في الليل، لو كان ابن بطوطة، بسذاجة الحكي عنده، واستغفال أبناء زمانه لكتبها هكذا.كنت عند قوم، وكان...
في فترة الإستعمار الفرنسي أبدع المغاربة حكاية اخرى على النمط البطوطي حينما تراءت لهم صورة محمد الخامس في القمر وأبدعوا الكثير من الحكايات المرحة حول شخصية المرحوم بشكل سبقنا فيه خرافات باولو كويلو كاتب امريكا اللاتينية الشهير، ونتيجة لذلك أصبحنا الشعب الوحيد الذي غزا الفضاء قبل ان تغزوه صواريخ الإتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، لقد كانت الكتابة بالنجوم في السماء حسب دهشة ميجايل ابداعا لم ينتظره احد، ومع ذلك لم نثر هذه الضجة التي أثيرت حول غزو الفضاء التي الهمتنا لسنوات عديدة.
لكن الكتابة بالنجوم، رغم علوها لا تخلو من مخاطر، ففي ذات يوم من ايام الاطلس المجيدة، نبهني احد الزملاء وانا في المقهى اتناول كاس بن، أن انظر إلى الجبل الذي بدا لي راسخا كعادته، ليعاود تنبيهي بالقول: انظر ما كتب فيه، وليس إلى رسوخه، اعدت النظر لأجد الشعار قد مسه تغيير طفيف، على مستوى كلمة الله، اللام الأولى في الله كسرت على مستوى نصفها لتصبح حرف كاف، تغيير طفيف تحولت بسببها الجملة الإسمية: الله، الوطن، الملك، إلى جملة فعلية، آه يا سبويه الخبيث، لو عشت في زمن الإبداع المغربي او زمن غزو الفضاء لتغير عندك ناموس التقعيد وانكمشت في زاوية ما من زوايا إنشتين النسبية.
في الجبل، يكتب شعار المملكة عادة بالصيغة التالية: الله في الأعلى، الوطن في السفح على اليمين، والملك على السفخ في اليسار، وفي ذلك المس الطفيف الذي عكر صفو اللام الاولى في الله، تحولت كما قلت، الجملة من جملة اسمية إلى جملة فعلية، وأصبح الشعار شعارا آخر: الوطن اكله الملك. والحقيقة أني اكتشفت في نفسي غلى أي حد تكلس الشعار في دماغي بشكل لم اميز معه ذلك التغيير الطفيف الذي طرأ ذلك الصباح رغم اني وكما اشرت، افتح الشرفة في كل صباح ويشرق في وجهي شعار المملكة
في تساؤل جريء، فاجأ الناشط الإقتصادي المغربي عبد المومني في ندوة نظمتها الكونفدرالية الديموقراطية للشغل قائلا: كيف تضاعفت ثروة الملك؟ وأشار إلى ان مجلة “فوربس قدرت ثروة الملك سنة 2008 500 مليون دولار 2 مليار دولار بعد خمس سنوات” كما تساءل: “كيف يمكن أن تتضاعف ثروة الملك بهذا الحجم في 5 سنوات في ظل اقتصاد مغربي ضعيف ونسبة نموه لم تتغير كثيرا؟” (1) والواقع ان هذا ذكرني بشعارنا الإسمي الذي تحول إلى شعار فعلي في الجبل، وبالإعتماد على هذا التحول الرقمي الهائل لا يمكننا إلا ان نندهش لله الذي يسخر جبال الوطن للملك.


(1) المرجع في هذا الرابط http://aljazeeratalk.net/forum/showthread.php?t=318652

#عذري_مازغ (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل