عفراء الحريري في حوار استثنائي مفتوح حول: الانتفاضة اليمنية وآفاقها.


عفراء الحريري
الحوار المتمدن - العدد: 3297 - 2011 / 3 / 6 - 17:38
المحور: مقابلات و حوارات     

أجرى الحوار: فواز فرحان

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا – 36 - سيكون مع الأستاذة عفراء الحريري حول: الانتفاضة اليمنية وآفاقها.

1- لدى الشعب اليمني تجربة مع الحكومة في عدم الالتزام بالاتفاقيات والعهود التي تقطعها على نفسها لا سيما بعد الوحدة ، هل تعتقدين أن علي عبداللة صالح جاد هذه المرة في تحقيق الوعود بالإصلاحات ؟ أم أنها مناورات سياسية كالسابق ؟


في البدء أشكر مؤسسة الحوار المتمدن على هذه الاستضافة في ظل هذه الأحداث التي تمر بها اليمن ..وقبل الولوج في الإجابات ينبغي على المحاور الكريم أن يعرف حقيقة تؤلمنا نحن اليمنيون وهي بأن اليمن تصنف بأنها دولة في حين أنها لا تمتلك مقومات الدول من ( نظام وسلطات منفصلة ومستقلة تكمل بعضها البعض وتقوم بمهامها ، وقانون له هيبته وسيادته ، ومؤسسات وتؤدي صلاحياتها وفقا للوائح ملزمة بالفعل لها ...وغيرها من مقومات الدولة ، فإذا لم تلتزم الحكومة اليمنية بالدستور والقانون اليمني ، فكيف لها أن تلتزم بالمواثيق والمعاهدات الدولية ؟ ولا يمكن تحقيق الوعود في إجراء أية إصلاحات ، لان هذه الوعودات قائمة منذ زمن طويل ، وتكرر وتستهلك ، ولا يتم الوفاء بها .
كيف للرئيس أن يقوم بالإصلاحات وهو يدرك تماما بأنها لا يمكن أن تحدث في ظل عدم وجود نظام واضح المعالم والملامح وليس له تسميه ، فالنظام القائم هو خليط من القبلية والإقطاعية والإمامة السابقة التي قامت في مواجهتها ثورة 26/سبتمبر1962م في شمال اليمن، وهو مستوطن أو كما يسميه الحراك محتل في جنوب اليمن ، والإسلامي المتطرف ؟ كيف له أن يقوم بالإصلاحات في ظل غياب سيادة القانون وإنتشار الفساد كالوباء في كل جزيء من جزيئات الهرم الوظيفي للدولة من الأعلى إلى الأسفل ، ليس رأسيا فقط ، بل وأفقيا ، حيث كل مقاليد الأمور في كل سلطات الدولة تخضع لولايته ولا يمكن أن تتجاوزه أو تتجاوز أحد أفراد عائلته من الأبناء و الأخوة وأبناء الأخوة و الأصهار والأقارب ، وفي الشركات الاستثمارية لابد لهم من حصص ، وفي ثروة البلاد لابد لهم من نسبة من مواردها حتى منظمات المجتمع المدني لم تسلم من الأمر، وفي الوزارات لابد للوزير فيها أن يقدم على تعيين أبنائه وأهله وأقربائه وينطبق الأمر على كل مرافق العمل ، حتى الجامعات صروح العلم والثقافة أصبحت ممالك خاصة برؤسائها ، فأي إصلاحات يمكن أن تحدث في وضع كهذا ؟ حتى فرضية إجراء الإصلاحات ، مستحيل أن تتم ، لأنها أن حدثت ستتطلب القيام بإجراءات تتعلق مباشرة بمكافحة الفساد وإحالة الفاسدين إلى المحكمة وهذه الأخرى " المحكمة تخضع لولاية الرئيس وأن كانت بشكل غير مباشر "، كما وأن السلطة القضائية بحد ذاتها تعاني من وباء الفاسد " وإذا تمت افتراضا فأنها ستقضي على النظام القائم ، وهي بالفعل الآن مناورات لامتصاص غضب الشعب اليمني ممثلا بشبابه .


2- كيف تقيّمين الانتفاضة اليمنية وآفاقها في ظل الوضع الحالي ؟ وما هو دور المعارضة فيها لا سيما الحراك الجنوبي ؟ وهل للمرأة اليمنية دور متميّز فيها ؟

لا يمكن أن أضع له تقييم حقيقي " فهي تارة سلبية وأحيانا أخرى إيجابية "، لأنها ليس ثابتة على حال ، وليس واضحة المعالم والملامح .
فما رأيته وشاهدته وسمعته و التمسته بنفسي أنه بالفعل شيء مخيف ، كل الأطراف " النظام ، والمعارضة / المشترك ، الإصلاح ، الحراك ، ثم يأتي الحوار اللاعب خفيف الظل- و النصيب الأكبر فيه للمشترك " كل هذه الأطراف تلعب بحركة الشباب في الشارع وبانتفاضتهم ، وكل طرف يلعب بأسلوبه وطريقته ومن ينزل الشارع لأيام عديدة وفي أوقات مختلفة بإمكانه أن يلتمس ذلك .
فلا يمكن أن نرى رؤية واضحة أو برنامج لهذه الأطراف ، فما بالكم بالشباب وكان الله في عون الشباب فهم مازالوا يتخبطون ..بدليل التعصب الموجود وعصبيتهم تجاه بعضهم البعض ، وتحيزهم وانجرافهم بدون تفكير في معظم الأحيان خلف أحد الأطراف " ممن ذكرتها أعلاه " ناهيك عن بعض الشباب الذين في بعض الأحيان يعتبروا أن الأمر استعراض قوة وعضلات أو لغرض النهب والسلب .
وللأسف فكل طرف له رؤيته وبرنامجه لتحقيق مصالحه ولا علم ولا معرفة للشباب بها ، وأن حدث بأن الشباب يعرف عن هذه الرؤية فثق بأنهم أحاد/ أفراد وليس جماعات ...والخوف عليهم لا على غيرهم .
فلدينا معارضة تعاني من مرض الزعامات وهذه لم تظهر في الشارع بعد بشكل واضح ، كما لدينا معارضة للحراك في الخارج والداخل وهي منقسمة على بعضها في الخارج والداخل وهؤلاء لكل منهم جماعات شبابية هائلة حصدت نتائج مصالح هذه القيادات ..ولا ننسى بأن الأمية في اليمن منتشرة بنسبة عالية ومن السهل دغدغة مشاعر وحماس الشباب . لذلك لا أستطيع أن أقول بأن الأفاق واضحة في ظل هذه الأوضاع إلا متى ما حصل توحد واتفاق وتلاحم بين الشباب أولا في الشارع ومتى ما تخلت المعارضة عن طموحها في الاستيلاء على السلطة ...إلا إذا حدثت طفره كما هو اليوم الجمعة في تشييع الشهداء " 5/فبراير/2011م على مستوى عواصم محافظات الجمهورية الأساسية.

المرأة اليمنية دائما لها دورا بارزا في النضال ..ولكن هذه المرة بشأن المظاهرات كانت المرأة في المناطق الشمالية " وأن كنا نساءا من الجنوب والشمال " أكثر حضورا وتفاعلا مع الأحداث فقد شاركن في المظاهرات والمسيرات بإلقاء الكلمات ورفع الشعارات وخدمة الشباب في مخيمات الاعتصامات والوقوف معهم ونرى ذلك بوضوح في " العاصمة / صنعاء ومدينة / تعز والتي تعتبر منبع الاعتصامات التي أيقظت الشارع اليمني .
لكن المؤسف بأن مدينة عدن التي تعتبر فيها المرأة رائدة في جميع المجالات و مراحل النضال ضد الاستعمار ، وحيث كان لها حضور وريادة قبل الوحدة على مستوى اليمن ، لم تكن حاضرة في المظاهرات سوى عدد لا يتجاوز أصابع اليد في المسيرات الضئيلة العدد أيضا ...ولكن في الفترة الأخيرة أي ما بعد مذبحة يوم الجمعة 25 /فبراير/2011م بعدة أيام ..بدأت تتشارك المرأة في المظاهرات مع غياب النساء اللواتي في منظمات المجتمع المدني والشخصيات الاجتماعية والأكاديميات والمثقفات البارزات المعروفات " اللواتي تزخر بهن عدن "على مستوى اليمن واللواتي كنا نحن جيل الشابات نتوقع حضورهن من أول المظاهرات

3- هل يمكن أن تؤدي هذهِ الانتفاضة إلى إعادة تقسيم اليمن في ظل تشبث الرئيس بكرسي الحكم ؟ أم أنها تجاوزت هذا المنعطف وجعلت قوى الشعب تتوحّد من أجل التغيير ؟


لهذه الانتفاضة عدة سيناريوهات يمكن أن نلخصها على النحو الآتي :-
1. أما أن يخرج معظم الشعب من كل المحافظات إلى الشارع في الساحات ,هذا يحتاج إلى وعي ووقت .
2. أما أن تتم المساومة بين المشترك والنظام " لقسمة السلطة " ، كما جرت العادة من خلال الحوار الوطني / كي لا يبدو المشترك بأنه خذل الشارع خاصة وأنه أعلن عن انضمامه إليه .
3. أما أن يتم ترغيب وإغراء شيوخ القبائل وبالتالي انسحاب البعض وبقاء البعض مع الشباب في الشارع للاعتصام .
4. استمرار جزء من الحراك للمطالبة بالانفصال وهذا يزيد الوضع تأزما الآن .
5. استخدام القوة والعنف لترهيب الجميع .
ومن خلال تلك القراءة فأن تقسيم اليمن أمر وارد بالتأكيد .


4- يُعتبر اليمن إلى حد كبير صمّام الأمان للجزيرة العربية ، والغرب يتخوّف من أن التغيير في اليمن قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في منابع النفط الغنية ، هل يمكن أن تؤثر الانتفاضة اليمنية على الحالة السياسية في الخليج ؟

من الذي جعل اليمن تعتبر صمام أمان للجزيرة العربية ..سوى وضع اليمن أو كما نسميه النظام القائم ...فهو على سبيل المثال من زرع القاعدة وأستخدمها ودعمها بشكل كبير مباشر وغير مباشر مهددا كل مصالح الغرب في الجزيرة العربية ، مثلما أستخدم التيار الإسلامي المتطرف لضرب الجنوب خاصة عدن في حرب 1994م ، وهو من يغذي القبائل المحاذية لحدود المملكة العربية السعودية وأقصد هنا الحوثيين لتهديد الجارة الشقيقة " المملكة العربية السعودية ".
وكلما توقفت مساعدات الغرب لوح النظام له مهددا براية الإرهاب الذي هو من صنعه ، ونفس الأمر يمارسه على الجارة الشقيقة التي ظلت لفترة طويلة جدا من الزمن " تاريخ طويل منذ قيام الثورة في الشمال وهي تدفع مرتبات " نقود" لرؤساء القبائل في شمال اليمن بما فيهم الرئيس ذاته للحد من الاعتداء على الحدود ولشراء الأراضي اليمنية التي ضمتها الجارة الشقيقة إليها والحد من امتداد الأيدلوجية والفكر الاشتراكي الذي كان قائما في الجنوب إلى الشمال وإلى أراضي المملكة العربية السعودية ، بالمقابل السماح لمد التيار الوهابي إلى اليمن و انتشاره في الشمال وغرسه في المناطق الجنوبية من اليمن وهذا التيار أيضا يستخدمه النظام كلما أحتاج له لضرب المعارضين المثقفين ، غسل دماغ الشباب / الشابات في تحريم كل شيء " بعد الوحدة مباشرة وبعد حرب 1994م انتشرت أفكار الوهابية في اليمن جنوبا " حيث غزى الحجاب على كل شيء ، بما فيها لبس النساء وتضرر وضع المرأة جنوبا أكثر منه في الشمال، .وحين توقفت هذه المرتبات في فترة زمنية قريبة أختلت العلاقات بشكل كبير على جميع مستويات السلطة .
هل لكم أن تتخيلوا بأن النظام القائم بإمكانه أن يستخدم اللاجئين الصومال في أي وقت لضرب كل من يمس بمصالحه بما فيهم مصالح الغرب ؟ ولذلك يبدو أن الغرب قد سأم مقايضات الرئيس وما حدث في مؤتمر أصدقاء اليمن خير دليل على ذلك .
إذا تغيرت الحالة السياسية في اليمن نحو نظام ديمقراطي فبلا شك هذا سيؤثر على الخليج خاصة الجارة الشقيقة التي ساعدت النظام القائم على البقاء لفترة طويلة من الزمن ، وبقاء الوضع سيئا كما هو عليه ومتراجعا إلى الوراء مقارنة ليس بالدول العربية فحسب ، وإنما بجميع دول العالم . والحالة الخليجية الآن مضطربة و متوترة وليست بحاجة لمن يساعدها على الاضطراب .