لماذا الفساد ؟....لأنهم لايقرؤون !


عفراء الحريري
الحوار المتمدن - العدد: 3009 - 2010 / 5 / 19 - 18:01
المحور: حقوق الانسان     

عندما أقرأ كل ذلك الكم الهائل من المواضيع والتحقيقات والمقالات عن الفساد بالأرقام وباسم المرفق والتلميح عن المسئول فلان وعلان ومدى تورطهما في الفساد ، وحجم الاختلاسات من المال العام ، وميزانية الدولة التي نهبت في النفقات الكمالية وتأثير الفساد على المجتمع ، وضياع المواطن وغرق الوطن وفشل دولة جراء ذلك الفساد في كل موقع ومرفق ومكان ومنطقة في هذه البلاد ، وتكاد لا تخلو صحيفة إلا و تناولت مواضيع الفساد بما فيها تلك الصحف التي يعود حق الامتياز فيها إلى أفراد من السلطة وحاشيتها ... أستغرب ، وأندهش ، وأتسأل كثيرا ألا يوجد شخص في هذه الدولة وسلطاتها الثلاث يجيد القراءة ؟ وأن كانوا لا يقرؤون ، ألا يوجد من يقرأ لهم ولو قصاصة من تلك الصحف ؟ أيعقل هذا ! في كل هذا الهرم الإداري الذي تتشكل منه سلطات الدولة ووزاراتها ومجالسها وهيئاتها ولجانها من أعلى إلى أسفل ومن أسفل إلى أعلى ألا يوجد أحد يجيد القراءة ؟ ليس بالضرورة أن يقرأ على الوجه الصحيح من قواعد النحو والصرف ، المهم بأن يقرأ ؟ أدرك بأن القارئ سينعتني بالبلادة / ويقول لي : ( أنهم يقرؤون ويعرفون ويدركون ويفهمون ويستوعبون ، ولكنهم يستغفلوننا ، يمتصون دماءنا و يحرمونا حقوقنا ، و يسلبون ممتلكاتنا ، ويغتصبون حرماتنا وأرضنا ويلتهمون حتى ما خلقه الله لنا البر والبحر والجبل والعشب ولم يتبقى شيء لنا يذكر، كأننا ليس بشر، وإنما نكرة لفعلهم المنكر ) سأقول لك عزيزي القارئ :بلى أنهم لا يقرؤون ؟! لأنهم أن فرؤوا سيخجلون من أفعالهم ، وفي القراءة أدب و استحياء وخجل وتهذيب للنفس وصيانة للأخلاق وتمسك بالقيم وترويض للغرائز والشهوات ، لأنهم أن قرؤوا سيستوعبون بأن مصائرهم ستنتهي بفضيحة و سيتدركون بأن كل ماجاء لهم به الفساد سيمحق ، وأن اللعنات لصيقة بهم ، وأن صلح حال النظام سيحاكمون ، وأن ساد العدل سيعدمون ، وأن ضاق البنك الدولي من فسادهم فمن ديونهم سيدفعون لان الكل أصبح عند البنك مدينون ، لأنهم أن قرؤوا سيتذكرون بما انتهى وضع وحال غيرهم من السابقون ، وأنهم أن قرؤوا من هذه البلاد بما كسبوا من الفساد ، فلن يتركهم رب العباد ، لأنهم أن قرؤوا سيفهمون بأنهم ذات يوم عن مال الفساد سيساءلون " كما حدث في مؤتمر المانحين " وأنهم أن قرؤوا سيستوعبون ماذا يريد منهم المانحون ؟ ولأنهم سيكرسون وقتهم لحفظ شروط المانحين ؟ وأنهم أن قرؤوا سيتشاورون فيما بينهم عما يريده المانحون؟ ...لأنهم أن قرؤوا سيعلمون بأن الوضع لم يعد يحتمل أو يطاق " ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به " ، فمهما بلغت أعداد الناس الذين واللواتي يقومون بتجميعهم / تجميعهن في الساحات أو قاعات المؤتمرات أو غرف الاجتماعات وصناديق الانتخابات ، للترشيح وللتصفيق والهتاف وتزيين الواقع ، وتزييف الحقائق ، هم /هن ذاتهم / ذاتهن سوف يأتي يوما ويضيق بهم / بهن الوضع والحال وسيسأمون ، وأن لم يسأموا سوف يخرجون / يخرجن يهتفون/ يهتفن ضد أي فاسد " أن وقع أو أحرق أو سقط " كانوا / كن معه ذات يوما ، أنهم أن قرؤوا سيستلهمون من تواريخ الأمم أن الجوع بسبب الفساد كافر ، ومن صوت البطون الخاوية تسقط دول وتنهار حضارات ..؟! حتى وأن غرقت الشعوب في جهلها وأميتها عن عمد وسبق إصرار كي لا تقرأ عن الفساد والفاسدين ، فهي ستثور ضده لأنها تدركه بأسلوبه في النهب والسلب وانتهاك الحقوق وهي تراه وتسمعه وتشعر به .
فمأساتنا بأنهم لايقرؤون وهذا وحده يلحق بنا خزي وعار..فلو قرأ ساستنا كل ذلك الكم الهائل من المواضيع مع أدلتها وإثباتاتها عن الفساد لما استهانوا بالوطن والمواطن ، ولو قرأت حكومتنا لاستقالت من يوم تعيينها ، ولو قرأ ت سلطتنا القضائية لحكمت وحاكمت الفساد والفاسد دون شكوى ودعوى وطلب من أحد يكفي بأن تقرأ وفي القراءة دليل إثبات وقرائن تعزز الإدانة، ولو قرأت الأجهزة الأمنية لاعتقلت وحبست وعذبت الفساد والفاسد دون حاجة لمسوغ قانوني يكفي بأن تقرأ وفي القراءة حماية لحقوق الناس وصيانتها وهذه وظيفتها ، ولو قرأته أحزاب المعارضة بتمعن وفيما بين السطور لما لجأت إلى نشره في صحفها ، وتوقفت بشأنه عند الحوار و أكتفت ، وهي تدرك معاناة الناس التي تتفاقم في اليوم الواحد مائة ألف مرة " الحد الأدنى من المعاناة " ، ولو قرأهـ قادة الحراك لاستطاعوا كسب تأييد العالم أجمع ومناصرته وعلى رأسهم ولية أمرنا "على امتداد العالم العربي" ماما أمريكا ، لأنهم جميعهم أن قرؤوا سيدركون بأن الفساد كارثة على الوطن والمواطن وأنهم لن يجدوا بمن يعبثون ومن يحكمون ومن يحرضون ومن يستقطبون ومن يعتقلون ومن يغتالون ومن ينتهكون وممن يتخلصون ...
لان في القراءة تمييز بين الحق والباطل ، الظلم والعدل ، الحقيقة والزيف ومعرفة وإدراك وفهم واستيعاب: بأن الأوطان والدول لاتبنى ولا تعمر ولا تحمى ولا تستمر ولا تبقى إلا بالإنسان حرا ، صحيحا / سليم " معافى"، عزيزا ، كريم ...والشواهد كثيرة و يكفينا بأن يقرؤون ......