من وضعنا ستصرخ حتى حبة الندى وذرة الرمل


عفراء الحريري
الحوار المتمدن - العدد: 2972 - 2010 / 4 / 11 - 01:01
المحور: حقوق الانسان     

في المسلسل التركي الذي يعرض حاليا على قناتي MBC 4 وmbc الفضائيتين " صرخة حجر" عن الأوضاع الفلسطينية وحياة الفلسطينيين ، يبرز تساؤلا في بالي إلى أي مدى كان الأتراك صادقين في عرضهم بتناول الأحداث ، فعلى الرغم من الملاحظة التي تسبق عرض الحلقة : ( بأن هذه الأحداث والشخصيات هي من نسج الخيال ) إلا أنها أثرت فينا كثيرا وزادتنا قهرا فوق القهر و أعادتنا إلى أيام ولت حيث كانت فلسطين جزء من نخوة القومية العربية والأناشيد وعروس القصائد وحلم النضال الطويل وبطولة الاستشهاد عند الشباب والقدس قبلتنا وحين كنا إلى حد ما نثق بحكامنا ....و الخ كل ذلك أين توارأ ؟ ترى لماذا لم تجرؤ الدول العربية تقديم مثل ذلك العمل الفني الرائع ؟ وماذا لو قدمت تركيا عمل فني لوضع دولة عربية ما مع شعبها ؟ عن الديمقراطية ، المواطنة ، حرية الرأي والتعبير، والسجون ، والمعتقلات وما يحدث فيهما ، دخل الفرد ورفاهيته وحريته وكرامته ، عن مستويات التعليم والصحة ، عن الفساد ومحاربته ، عن الدساتير والقوانين ، عن السلطات ومبدأ فصلها ، عن مؤسسات الدولة، ومنظمات المجتمع المدني ، عن وضع المرأة والأقليات والمهمشين ، عن توريث الحكم ... عن ماذا وماذا و ماذا ؟ لكانت تركيا وهي تقدم عمل فني لوضع من تلك الأوضاع في تلك الدول العربية لقدمت أجمل عمل فني متميز ومبدع ، وحصدت أكبر الجوائز العالمية المخصصة للأعمال الفنية ، ولما أحتاج الممثلين والممثلات الأتراك لمساحيق الدموع ، أو لتذكر شيء مؤلم كي يبرز إحساسهم به ، لأنهم / لأنهن سيتألمون لمجرد تأدية دور المواطن العربي في وطنه وعلى أرضه....آهـ كم ستؤلمنا المشاهد أضعافا مضاعفه ، وأشك بأنها ستؤلمنا لأننا تعودنا على الذل والخنوع والمهانة في أوطاننا ، وإلا ما كنا نرضى بما نحن فيه وعليه من قمع وتنكيل و اعتقال ومصادرة للحريات وسلب ونهب للحقوق وتشجيع وترسيخ للفساد وتعديل في الدساتير كما يشتهي زعمائنا " أمد الله في حكمهم – هذه الدعوة التي تجرعناها حتى لا نفقد ما تبقى من الحرية والحقوق " في ديمقراطية الوطن العربي ، لا يعني ذلك بأني مع ما يقوم به الصهاينة من أفعال تجاه الفلسطينيون / لا ولكن هو أمر طبيعي أن يتعامل المستعمر ، المحتل ، الغازي بذلك العنف البشع وتلك القسوة الدنيئة لأنه محتل ، مستعمر...ولكن "مرة أخرى" في الشأن العربي هو أن يتعامل معك ابن بلدك ، ولي أمرك أي كان منصبه أو موقعه بذلك العنف وأبشع منه وتلك القسوة وبل بأكثر دناءة / ذلك هو الأشد ألما ووجعا – أن يصفعك ويركلك ويحرق جسدك وربما يقتلك عسكري ابن بلدك ؟ أن يهينك ويمتهنك ويسرق حقك ويمتص دمك ويسفك أدميتك ويذلك ويحط من قدرك ويهدر إنسانيتك ويستبيح حرماتك ويهين كرامتك وهو ابن بلدك ، أخوك / أختك ، جارك /جارتك ، زميلك / زميلتك ، صديقك / صديقتك ....هو ابن / بنت ذات الأرض وذات التراب وذات الهوية وذات اللغة وذات الدم وذات الملامح ......ونفس الوطن ؟ هذا هو الفرق الذي لو فكرت تركيا أن تجعل منه عمل درامي تلفزيوني لأبكتنا دما عوضا عن الدموع وعوضا من أن نغضب على القومية العربية " النخوة والشهامة تجاه فلسطين وأهلها" التي وأدت ؟! ستجعلنا نندم لأننا مواطنين / مواطنات عرب نعيش في أرض تمتد من ضفاف البحر حتى نهاية الصحراء تسمى الوطن العربي المهدوروالمغدور والمستباح ، و ستعرينا أكثر من عرينا تجاه فلسطين وأهل فلسطين ، وجميعكم وجميعنا نعلم الموقف العربي كيف أصبح وبات وأمسى تجاه فلسطين وأهلها ؟ ستعرينا كأننا نقف عراة أمام مرآة ونحن نرى أنفسنا في داخل أوضاعنا ونلتزم الصمت ونصفق و نغني " عاش الملك / الرئيس " ومن لا يلتزم بقوانين الهتاف ، يتهاتفوه / فإياك ثم إياك إن لم تجيد فنون التصفيق والهتاف في الوطن العربي وأن سمح لك مع بعض الديمقراطية بألا تصفق وبأن تكتب وتثور وتخرج في مسيرة أو مظاهرة أو تشترك في تجمع بشري أو منظمة ما / عليك أن تحاذر لأنك لابد أن تنال شيء من المهانة بأي شكل كان من صنوف الاهانة والإذلال والحط بالكرامة ولابد أنك تعلم يا صاح الكثير عن تلك الأشكال ، وكيف يبدع الأخوة العرب فيها وكم يصرفون عليها ابتدأ من شد الأصبع والذراع و أنتهاءا بكسر العنق وشفط النخاع ؟؟؟
فمن يجرؤ من الروائيين العرب أن يكتب رواية يستعرض فيها وضع المواطن العربي الشريف في أي قطر عربي ؟ ولن نطلب بأن يجعل منه مسلسل عربي ، يكفي بأن يسربه إلى تركيا لتحوله إلى سيناريو لمسلسل درامي على أن تحتفظ سرا باسم الروائي / الروائية ..؟؟ وإلا سترفض تركيا الأمر حفاظا على مصالحها مع العرب خاصة لسياستها الجديدة وهي تتجاه الآن صوبهم وتتحالف معهم / آه حتى في هذا نختنق من الحنق والغضب ولا نبوح به ، بلى فربما ترفض بالفعل تركيا ذلك وتفشي باسم صاحب/ صاحبة الرواية ...ولكن آه لو قبلت تركيا الأمر.. حينها لن تصرخ الحجر وحدها ستصرخ الجدران والجبال وصمت الكهوف ، كل شيء سيصرخ ....وستصرخ حتى قطرة المطر وحبة الندى وذرة الرمل ..