أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - الماوية : نظرية و ممارسة - 8 -تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتارية العالمية ،الماركسية – اللينينية – الماوية















المزيد.....



الماوية : نظرية و ممارسة - 8 -تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتارية العالمية ،الماركسية – اللينينية – الماوية


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 3296 - 2011 / 3 / 5 - 23:49
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الماوية : نظرية و ممارسة - 8 -
تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتارية العالمية ،الماركسية – اللينينية – الماوية.

شادي الشماوي
============================================================================ فهرس الكتاب =======
المقدّمة العامةّ للمترجم:
الفصل الأوّل: تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتارية العالمية ، الماركسية – اللينينية – الماوية.
1- لنكسر القيود ، لنطلق غضب النساء كقوة جبارة من أجل الثورة !
2- الإمبريالية و الرجعية تضطهدان المرأة و تستعبدانها و الشيوعية تكسر قيودها و تحررها.
3- حركة نسائية من أجل عالم آخر بلا رجعية و لا إمبريالية .
الفصل الثاني : تشانغ تشنغ : الطموحات الثورية لقائدة شيوعية.
الفصل الثالث: مشاركة النساء فى حرب الشعب فى النيبال
1- مشاركة المرأة فى حرب الشعب فى النيبال.
2- مسألة جعل النساء فى مراكز قيادية فى حرب الشعب.
3- مشاركة المرأة فى الجيش الشعبي .
الفصل الرابع: الإعداد للثورة الشيوعية مستحيل دون النضال ضد إضطهاد المرأة !
و تحرير المرأة مستحيل دون بلوغ المجتمع الشيوعي!
- مقدمة للمترجم
1- واقع يستدعى الثورة.
2- الإعداد للثورة الشيوعية مستحيل دون النضال ضد إضطهاد المرأة ! و تحرير المرأة مستحيل دون بلوغ المجتمع الشيوعي!
3- مساهمات فى تغيير الواقع ثوريا.
الفصل الخامس : الثورة البروليتارية و تحرير النساء
1- الثورة البروليتارية و تحرير النساء ...
2- بيان : من أجل تحرير النساء و تحرير الإنسانية جمعاء.
===================================================================
مقدمة عامة للمترجم :
قضية تحرير المرأة قضية البروليتاريا بإمتياز ذلك أن تحرير البروليتاريا و بلوغ المجتمع الشيوعي الخالي من الطبقات غير ممكن دون تحرير النساء ، نصف السماء ، و تحرير المرأة تحريرا ناجزا هو بدوره غير ممكن دون تحرير البروليتاريا و الإنسانية جمعاء من الإضطهاد و الإستغلال بحكم أن إضطهاد المرأة و إستعبادها ناجم مثلما أثبت ذلك معلم من معلمي البروليتاريا العالمية ، إنجلز ، فى " أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة " عن التقسيم الطبقي للمجتمع و الملكية الخاصة . و بالتالي ظهور الطبقات و إضطهاد النساء و النظر إليهن و معاملتهن بدونية مترافقان و مترابطان و متشابكان و لا يمكن القضاء على الملكية الخاصة و الطبقات دون القضاء على إستعباد المرأة و العكس صحيح تماما.
و إنطلاقا من هذا الفهم العلمي للعلاقة الجدلية بينهما أكد لينين أنه :
" حيثما توجد الرأسمالية ، حيثما تدم الملكية الخاصة للأرض و المعامل و المصانع ، حيثما يستمر سلطان الرأسمال ، تبق إمتيازات الرجال قائمة ."( 1919 ، "حول مهام الحركة العمالية النسائية فى الجمهورية السوفياتية ") و
" لا تتمتع المرأة بالمساواة الكاملة فى الحقوق فى أي جمهورية بورجوازية ( أي حيث تقوم الملكية الخاصة للأرض و المعامل و المناجم و الأسهم إلخ) حتى و لو كانت أوفر الجمهوريات ديمقراطية ، ...إن الديمقراطية البرجوازية تعد قولا بالمساواة و الحرية . أما فعلا فإن أية جمهورية من الجمهوريات البورجوازية ، حتى أكثرها تقدما ، لم تمنح النصف النسوي من الجنس البشري المساواة الكاملة مع الرجل أمام القانون ، كما لم تعتقها من وصاية الرجل و إضطهاده .
إن الديمقراطية البورجوازية هي ديمقراطية الجمل الرنانة و الوعود الطنانة و الشعارات المفخمة عن الحرية و المساواة ، و لكنها تخفى فى الواقع عبودية المرأة و لامساواتها ، عبودية الشغيلة و المستغَلين و لامساواتهم ." (البرافدا ، 6 تشرين الثانى 1919) .
فالمجتمع الرأسمالي المعتبر مجتمعا متقدما نسبة للمجتمعات الإقطاعية القديمة و شبة الإقطاعية شبه المستعمرة و المستعمرات الجديدة لا يوفر مساواة حقيقية و فعلية – حتى فى يومنا هذا كما سنرى – بما أن قانون الربح و حرية إستغلال وبيع و شراء قوة العمل / العمال و العاملات هما اللذان يحكمان هذا المجتمع .
هذا هو بإختصار شديد الأساس المادي التاريخي للنظرة البروليتارية لقضية تحرير المرأة و علاقتها الجدلية بتحرير البشرية جمعاء من الإضطهاد و إستغلال الإنسان للإنسان .
فى عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية بتياريها (الثورة الإشتراكية فى البلدان الإمبريالية و الثورة الديمقراطية الجديدة الممهدة للثورة الإشتراكية فى البلدان المضطهَدَة) ، مع تواصل الإستغلال الأسري و الإستغلال الطبقي حققت الحركات النسائية فى البلدان الإمبريالية مكاسبا ديمقراطية هامة مقارنة مع ما أنجزته الحركات النسائية فى المستعمرات الجديدة فإنعكس ذلك فى قوانين تنحو نحو المساواة قولا غير أن الواقع يقيم البرهان على إستمرار إضطهاد النساء بأشكال قديمة و جديدة متنوعة تصل حد المتاجرة فى النساء ضمن ما يسمى "صناعة الجنس ". و تجدر الإشارة إلى أن المكاسب الماضية قابلة للذوبان أمام المد الرجعي داخل حتى القلاع الإمبريالية و على سبيل المثال لا الحصر يهاجم الأصوليون الفاشيون فى الولايات المتحدة الأمريكية بتشجيع من القادة الإمبرياليين و على رأسهم بوش حق الإجهاض . أما فى البلدان المضطهَدَة فالمرأة ضمن الطبقات الشعبية تعيش إضطهادا أكثر من مزدوج ، طبقي و جندري ، ثلاثيا مركبا حيث إضافة إلى الإضطهاد و الإستغلال داخل الأسرة و فى العمل ترزح تحت نير الإستعمار.
عندما إنهارت الكتلة السوفياتية السابقة آخر ثمانينات القرن الماضى و بداية تسعيناته ، بفرح و نشوة صاح الرجعيون و الإمبرياليون عبر العالم و زعقوا بأن الشيوعية قد ماتت و أن التاريخ قد إنتهى و بأنه لا عالم آخر ممكن سوى العالم الرأسمالي و لذا على الجميع الإستسلام و التأقلم معه و العيش فى إطاره. غير أن الشيوعية الحقيقية لم تمت و إنما التى إنهارت هي الشيوعية الزائفة، التحريفية التى فضحتها الحركة الماركسية – اللينينية العالمية و فى مقدمتها ماو تسى تونغ منذ الخمسينات . لم تمت الشيوعية الحقيقية بل بالرغم من خسارة الصين الثورية الماوية فى 1976 إستعادت أنفاسها و إستخلصت الدروس من الماضى المجيد ،من إيجابياته و سلبياته أيضا، و منذ عقود الآن، فى إطار موجة جديدة من الثورة البروليتارية العالمية بتياريها ، شرعت فى خوض صراع طبقي شامل بلا هوادة غايتها إعادة إفتكاك سلطة الدولة خدمة للأهداف البروليتارية و الشعبية الآنية و البعيدة المدى على النطاق المحلي و العالمي . و يكفى أن نلقي نظرة على آسيا لنتأكد من ذلك .
و يهمنا هنا أن نشدّد على أن الرأسمالية / اللإمبريالية التى تدعى أنها تحرر نساء الكتلة السوفياتية السابقة لم تفعل سوى أن تمادت فى إضطهادهن و إستعبادهن. و بالعكس يدلل التاريخ أن التجربتين الأهم لدكتاتورية البروليتاريا فى كل من الإتحاد السوفياتي (1917-1956) و فى الصين الماوية (1949-1976) أحدثتا إختراقا غير مسبوق فى تحرير المرأة حينها. و التجارب الشيوعية الماوية فى العقود و السنوات الأخيرة بينت التقدم الجدى و المثير على درب معالجة قضية تحرير المرأة من جميع الجوانب داخل المجتمع و داخل الحزب ، فى الصراع الطبقي و فى صراع الخطين داخل الحزب بإتجاه كسر القيود و تشريك النساء و تطوير قياديات شيوعيات لامعات بأوفر الأعداد الممكنة لضمان تحريرالأرض/ الوطن و الإنسان فى ترابط جدلي و للحيلولة مستقبلا دون إعادة تركيز الرأسمالية .و تشهد على ذلك بخاصة نجاحات تجارب حرب الشعب فى البيرو و فى الهند و الفيلبين.
و فى الوقت الذى تكسر فيه القوى الشيوعية الماوية قيود النساء و تطلق غضبهن و طاقاتهن كقوة جبارة من أجل الثورة و تحررهن ، لم توفر الرجعية و الإمبريالية لنساء أفغانستان و العراق مثلا سوى مزيد الإضطهاد و الإستغلال و العبودية .
و يخطئ من يدعون تبنى الشيوعية فى حين أنهم يقبلون بواقع المرأة فى ظل الرأسمالية أو يضعونه مثلا أعلى لهم كما يخطئ من يدعون تبنى الشيوعية و يأجلون ، فى المستعمرات الجديدة و البلدان شبه الإقطاعية شبه المستعمرة ، قضية تحرير المرأة مقدمين التحرر الوطني و مرجئين جانب فى غاية الأهمية من المسألة الديمقراطية مع أنهم يسمون أنفسهم بالديمقراطيون . ..
بتعاميهم عن العلاقة الجدلية بين المسألتين الوطنية و الديمقراطية يسقطون فى أحضان الإنحراف القومجي أو الأصولي الديني إذ أن الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية ثورة ديمقراطية برجوازية بما هي ثورة ضد الإمبريالية و الإقطاع و الرأسمال الكمبرادوري/ البيروقراطي و لا تهدف للقضاء على رأس المال مباشرة و لكنها ثورة ديمقراطية جديدة لأنها تحمل فى طياتها ،كتيار من تياري الثورة الإشتراكية العالمية ،مميزات تجعلها تختلف نوعيا عن نمط الثورات الديمقراطية القديمة و نقصد بإختصار 1- سياسيا، القيادة البروليتارية للثورة و الدولة الجديدة القائمة على تحالف الطبقة العاملة كقوة قيادية و الفلاحين و لا سيما الفقراء منهم كقوة رئيسية و بقية الطبقات و الفئات الشعبية المناهضة للإمبريالية و الإقطاع و الرأسمال الكمبرادوري/ البيروقراطي و 2- و إقتصاديا، القطاع العمومي للدولة و المؤسسات التعاونية و3- الثقافة الشعبية الجديدة العلمية و عنصرها الأساسي الثقافة البروليتارية.
و التعامي عن أو تأجيل خوض الصراع الطبقي و الصراع بين الخطين داخل الحزب فى أحد أهم مكونات المسألة الديمقراطية إلى تاريخ غير معلوم هو إنحراف يميني يخدم فى النهاية التيارات القومجية و الأصولية الدينية و يعرقل واقعيا و فعليا تعبئة الشعب فى مناهضة الجبال الرواسى الثلاث أي الإمبريالية و الإقطاعية و الرأسمالية الكمبرادورية / البيروقراطية زيادة على كونه يخرب بلترة الحزب و إنصهاره فى صفوف النساء ، نصف السماء فيتعذرعمليا التحرر الديمقراطي الجديد/ الوطنى الديمقراطي . و يمدنا التاريخ بأمثلة عن مآل عدم ربط المسألة الوطنية بالمسألة الديمقراطية و ترك القيادة للبرجوازية الصغيرة أو غيرها و من ذلك ما حدث فى الجزائر رغم التضحيات الجسام التى قدمتها المرأة فى خضم حركة التحرر من الإستعمار الفرنسي و ما يحدث للمرأة الفلسطينية و المرأة اللبنانية التى أبعدها حزب الله من المشاركة فى المقاومة المسلحة فكوّن جيشا طائفيا ذكوريا .
و للأسف الشديد نجد قوى تدعى تبنى الشيوعية و تكيل المديح لهذه التجربة الطائفية المهينة للمرأة فى الأسرة و المجتمع و تتذيل لها كما تذيل آخرون للتجربة السياسية الليبية و السورية بدعوى أنها تجارب وطنية . و بتذيلهم هذا يتخلون عن القيادة البروليتارية للثورة الديمقراطية البرجوازية فى عصر الإمبريالية و يسقطون فى التصفوية متنكرين للمثل العليا الشيوعية و الإستراتيجيا و التكتيك البروليتاريين و يمضون فى آخر المطاف فى طريق الإلتحاق بهذه الكتلة أو تلك من الرجعية . و رغم ما تبديه التطورات التاريخية من خطل هذه التوجهات و رجعية تلك التجارب و إستحالة سماحها بالتقدم خطوة نحوالأمام فما بالك بتعبيد الطريق أمام إنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية كمرحلة أولى ممهدة للثورة الإشتراكية ، فإن البعض لا يزال متشبثا بخيالاته و أوهامه .
و تتنازل مجموعة أخرى بفعل خطإ الخط الإيديولوجي و السياسي الذى يقودها وتحت ضغط الصراع الطبقي و تراجع الحركة الثورية العالمية و القومية حتى عن مبادئ الديمقراطية البرجوازية لتدمج الأصوليين الدينيين و برامجهم الرجعية ضمن القوى التى تسميها ديمقراطية و تنشر الوهم عن إمكانية قبولهم بمبادئ الديمقراطية البرجوازية و تخليهم عن أسس فكرهم الرجعي القائم على الحاكمية للإلاه . إنهم كتجريبيين دغماتحريفيين لا يستخلصون العبرة مما جرى فى إيران منذ1979 و ما يجرى فى تركيا اليوم . و فى المقابل ، بدغمائية ، تأجل جماعة أخرى قضية المرأة و تطمسها فلا تعيرها الإهتمام اللازم و الضروري لتصوغ الخط الثوري البروليتاري بهذا المضمار و تطبقه و تعالج العوائق التى تحول دون كسر قيود النساء و إطلاق غضبهن و طاقاتهن كقوة جبارة من أجل الثورة و تتصدى للمشاكل التى تعيق تطور الحركة الثورية و تطور الفكر البروليتاري الثوري داخل الجماعات التى تدعى الشيوعية و فى صفوف أفرادها .إن هذه السياسة المؤجلة لأحد أهم جوانب المسألة الديمقراطية و أحد قضاياها الحيوية تؤدى إلى التخلى عن القيادة البروليتارية للثورة الديمقراطية البرجوازية فى عصر الإمبريالية و إلى التذيل للتيارات القومجية مثلما أدى إعطاء الأولوية المطلقة للمسألة الوطنية إلى التذيل الملموس سياسيا فى أكثر من مناسبة و أكثر من موقف من أحداث العراق و من صدام حسين نفسه .
تعلمنا التجربة البروليتارية العالمية الماضية منها و الراهنة و تعلمنا الماركسية – اللينينية – الماوية ،علم الثورة البروليتارية العالمية ، أن مساهمة المرأة هي معيار نجاح أي ثورة كبرى فى التاريخ و أن القوانين و القيم الديمقراطية و الإشتراكية لا يمكن ترسيخها إلا عندما يتم تحطيم القيم والمفاهيم و العلاقات والقوانين البطريركية الذكورية و الإقطاعية و البرجوازية. و تأسيسا عليه، لا مجال لثورة ديمقراطية جديدة و لا مجال لنجاح قيادة الشيوعية الثورية لسيرورتها دون تعبئة النساء و أساسا العاملات و الفلاحات الفقيرات بالآلاف و الملايين لأنهن الأكثر إستغلالا و إضطهادا مركبا بالمجتمع الذكوري الطبقي و المستعمر أو شبه المستعمر و مثلما قال ماو تسى تونغ فحيث يوجد إضطهاد توجد مقاومة. و لن تتم هذه التعبئة إلا بكسر قيودهن و إطلاق غضبهن و طاقاتهن كقوة جبارة من أجل الثورة . لذا لزاما على حتى المجموعات التى تعمل على تأسيس فبناء الحزب البروليتاري و الإعداد لحرب الشعب و خوضها أن تناقش بعمق و تبذل قصارى الجهد قصد معالجة مسألة تحرير النساء و إيجاد حركة نسائية ذات توجه بروليتاري ثوري وتطوير قياديات شيوعيات بالعشرات حاليا و بالمئات والآلاف مستقبلا كشرط لا بد منه لتحرير الأرض / الوطن و الإنسان و المضي قدما صوب الشيوعية .
فى هذا الإطار ، فى الفصل الأوّل من هذا الكتاب ، لأجل تعميق الفرز الثوري و التباين من جهة مع الرجعية و الإمبريالية و من جهة أخرى مع الإصلاحية و الإنتهازية و مزيد توضيح الخط الشيوعي الماوي بهذا الصدد نقدم إليكم نصوصا مترجمة ، نظرية و تاريخية و أخرى سياسية أفرزها واقع الصراع الطبقي الراهن ،جمعناها فى المحاور التالية :
1- لنكسر القيود ، لنطلق غضب النساء كقوة جبارة من أجل الثورة !
2- الإمبريالية و الرجعية تضطهدان المرأة و تستعبدانها و الشيوعية تكسر قيودها و تحررها.
3- حركة نسائية من أجل عالم آخر بلا رجعية و لا إمبريالية .
و لأنّ الرفيقة تشانغ تشنغ ، زوجة ماو تسى تونغ و رفيقة دربه لأكثر من ثلاث عقود، قائدة شيوعي فذّة غير معروفة كما ينبغى لدى أوساط الحركة الشيوعية فى الوطن العربي ،و حتى الماوية منها إلى حدّ ما ، كان لا بدّ علينا ان نخصّها بتحية حمراء ، هي أحد رموزنا الماوية التى تمثّل ماضينا فى جانبه المجيد و المضيئ و منارة للمستقبل الوضاء مهما كانت الصعاب ، فترجمنا ضمن الفصل الثاني ، أفضل مقال عنها متوفّر بين أيدينا إستقيناه من مجلّة "عالم نربحه".
و عطفا على التاريخ المشرق للماويين ،إنصب إهتمامنا فى الفصل الثالث على تجربة ماوية من تجارب أواخر قرن العشرين و بدايات القرن الواحد و العشرين لنعرض نضالات الماويين فى هذا المضمار فى النيبال حين كان الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) يتبع خطّا شيوعيا ثوريا ماويا رئيسيا قبل أن يتحوّل هذا الحزب إلى نقيضه بغلبة الخطّ التحريفي عليه ليستحيل من حزب ثوري بروليتاري إلى حزب تحريفي برجوازي فى أواسط العشرية الأولى من القرن الواحد و العشرين.
أمّا الفصل الرابع فيلقى الضوء على الجهود النظرية التى يقوم بها الرفاق الماويون الإيرانيون بشأن الأساس المادي و العلاقة الجدلية لتحرير المرأة بالمجتمع الشيوعي و نقد النظرات السائدة الخاطئة داخل الحركة الشيوعية العالمية .
و يعرض الفصل الخامس و الأخير وجهة نظر الشيوعيين الماويين ليس فى أشباه المستعمرات و المستعمرات الجديدة و إنّما فى بلد إمبريالي يعدّ مركز و قلعة الوحش الإمبريالي و نقصد الولايات المتحدة الأمريكية.ويتضمّن هذا الفصل تحديدا مقتطف هام من البرنامج الجديد للحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية إضافة إلى البيان الجديد الخاص بتحرير المرأة و الثورة الإشتراكية .
و لم نخطّ لهذا الكتاب خاتمة تجنبا لتكرارالأفكار الواردة فى طياته ، و لا نودّ فى هذه الجملة الأخيرة من المقدّمة سوى دعوة الرفاق الشيوعيين الثوريين، الماركسيين- اللينينيين- الماويين ، إلى إستيعاب و تطبيق و تطوير علم الثورة البروليتارية فى هذا الصدد ، تحرير امرأة، مثلما فى غيره من المسائل كي نرفع و نزيد فى رفع رايتنا الحمراء مساهمة منّا فى الثورة البروليتارية العالمية و تحرير الإنسانية جمعاء من كافة ألوان الإستغلال و الإضطهاد ببلوغ الشيوعية مثلنا الأسمى.

======================================================================
الفصل الأوّل
=======================================================
تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتارية العالمية ،
الماركسية – اللينينية – الماوية.
--------------------------------------------------------------------------------
(1)
لنكسرالقيود ، لنطلق غضب النساء كقوة جبارة من أجل الثورة !
( مجلّة "عالم نربحه")
مرة أخرى يدلل تطور حرب الشعب فى النيبال على ما دللت عليه بعدُ التجربة فى البيرو و فى حركات ثورية أخرى كذلك أي على التحرير العظيم للقدرة الثورية للنساء كقوة جبارة من أجل الثورة . فى كلا البلدين المذكورين ، أدهشت جماهير النساء الفقيرات ، لا سيما فى صفوف الفلاحين الفقراء الذين يشكلون فى كلا المجتمعين القوة الثورية الأساسية التى تقودها البروليتاريا ، أدهشت عديد الملاحظين لتدفق المساندة الجماهيرية للقضية الثورية . فى المثال تلو المثال يتحول مقهورو الأمس إلى حفارى قبور الرجعيين و إلى مشيدى المستقبل بإلتحاق النساء بالثورة فى كافة مجالات النشاط ، مشاركات فى الوحدات الأنصارية أو قائدات للمنظمات الجماهيرية و عضوات و قادة ضمن الحزب الطليعي ذاته .
لا شك أن نهوض النساء هذا إنجاز عظيم للنضال البروليتاري الثوري . كل من الكم و النوع المطلقين لمشاركة النساء أكبر بكثير فى الثورة البروليتارية منه فى الحركات الثورية و الشعبية الأخرى .
فى عالم اليوم ، تبحث كافة الطبقات و القوى السياسية عن تعبئة النساء خلف رايتها . و هذا تعبير آخر عن ملاحظة لينين أنّ فى عصرنا دون جماهير لا يمكن تحقيق أي شيئ . و بالفعل مساهمة النساء فى جميع الحركات الشعبية و الديمقراطية مظهر رائع من مظاهر العقود الأخيرة . فعلى سبيل المثال ، فى سيريلنكا ، نجح نمور تحرير تاميل إيلام فى تجييش عدد كبير من النساء اللاتى كافحت بجرأة متميزة أثناء القتال ضد النظام الرجعي هناك. و فى الفتنام و أرتريا و فلسطين لعبت النساء دورا هاما فى حركات التحرر الوطني . و يؤكد كل هذا وجهة نظر ماركس أن درجة تجذر الحركة الثورية فى صفوف الشعب تقاس بمدى مشاركة النساء فيها .
لكن يظل هناك إختلاف و إختلاف جوهري بين نوعية مشاركة النساء فى حركة نمور تحرير تاميل إيلام و منظمات المقاومة الفلسطينية و مشاركة النساء فى الصراعات الثورية التى تقودها أحزاب بروليتارية مسترشدة بالإيديولوجيا البروليتارية . و الإختلاف الأساسي يكمن فى هل تكون أو لا تكون الحركة ذاتها قادرة على تجاوز حدود الديمقراطية البرجوازية وهل تبحث عن إرساء نظام رأسمالي قائم على التبادل السلعي "الحر و المتساوي" و بالخصوص تبادل أهم سلعة ألا وهي قوة العمل ذاتها ، أم تتضمن الحركة بذور مجتمع يضع نهاية للعمل كسلعة و يتخطى التقسيم الإجتماعي إلى طبقات .
إن الشيوعيين الثوريين لا ينظرون إلى النساء على أنهن ببساطة جنودا إضافيين فى الجيش الشعبي أو أنهن خزان واسع للعمل . بالنسبة للشيوعيين ، لمشاركة النساء علاقة وثيقة بنوع الثورة التى يخوضونها . لقد بيّن فريديريك أنجلز فى مؤلفه " أصل العائلة و الملكية الفردية و الدولة " كيف أن إضطهاد النساء ظهر مع إنقسام المجتمع البدائي إلى طبقات و كيف أن التحرير الشامل للمرأة لا يمكن ان ينفصل تماما عن هدف بناء مجتمع شيوعي خال من الإختلافات الطبقية .
خلال العقود الخمسة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، باتت مراكز إعصار الثورة البروليتارية العالمية فى بلدان الأمم المضطهَدة بآسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية . و يعنى هذا كذلك أن فى أغلب البلدان ، ينبغى ان تمر الثورة بالضرورة أولا عبر مرحلة الديمقراطية الجديدة قبل التقدم نحو الثورة الإشتراكية .
و مثلما نعلم ، الثورة الديمقراطية الجديدة ذاتها ثورة ديمقراطية برجوازية بما ان هدفها المباشر هو الإطاحة بالإمبريالية و الإقطاعية و الرأسمال المحلي الكمبرادوري / البيروقراطي المرتبط بالإمبريالية و الإقطاعية ،وليس الإطاحة بالعلاقات البرجوازية . و فى نفس الوقت ، تمهد الثورة الديمقراطية الجديدة التى تقودها البروليتاريا الطريق لمرحلة ثانية هي الثورة الإشتراكية حينما يكون قد تم إنجاز المهام الديمقراطية البرجوازية الأساسية .
و نحتاج أن نعالج مشاركة النساء فى الثورة الديمقراطية الجديدة فى ضوء هذا الأمر أيضا .
النساء و الديمقراطية :
لقد كان جليا منذ زمن طويل ان الشيوعيين يناضلون من أجل كافة الحقوق الديمقراطية . و المساواة بين النساء و الرجال حق من أهم هذه الحقوق الديمقراطية . بيد أن الشيوعيين واضحين أيضا بصدد أن الديمقراطية لم يمكن لها و لا يمكن أن تحل مشاكل عدم المساواة و الإضطهاد . فوق ذلك ، ديمقراطية " أكثر الجمهوريات ديمقراطية " محدودة على الدوام و مرتبطة بأهم حرية برجوازية أي حرية إستغلال قوة العمل لأجل الحصول على الربح . و طالما أن المجتمع يظل منقسما إلى طبقات فإن النساء ستبقى مسؤولة بصورة طاغية على تنشأة الأطفال و على العمل المنزلي . و طالما وجد تقسيم إجتماعي بين الرجال و النساء فإن هذا سيعنى حتما أن النساء غير متساويات مع الرجال و مرتبطات بهم بطرق شتى .
لقد رأينا أنه حتى فى بلدان الديمقراطية البرجوازية مثل الولايات المتحدة و فرنسا أو انجلترا ، لم يتم تحقيق المساواة للنساء . و إلقاء نظرة سريعة على البرلمانات و قائمات رؤساء الدول أو مجالس إدارات المؤسسات فى هذه البلدان تثبت أن الرجال يهيمنون غالبا على النساء . و بالرغم من توجه عام نحو المساواة فى الأجور المصرح بها فى القوانين ، فإن اجور النساء فى الواقع أدنى بقدر كبير من أجور الرجال مقارنة بمستويات التدريب و القدرات .
و أبعد من ذلك ، حتى فى البلدان الإمبريالية هنالك إتجاه بارز لتشكل الفقراء بلا أمل من نسبة عالية و متزايدة من النساء. و تستمر رأسمالية نهاية القرن العشرين و بداية القرن 21 فى نظام " الكيل بمكيالين " فيه تدعس أقلية كبيرة نوعا ما من السكان ويدفع بها إلى ظروف بؤس تبعث على الصدمة . و فى عدد كبير من الحالات ، تكون العائلات تحت مسؤولية الأمهات الوحيدات دون أزراج و تجد النساء أنفسهن تعمل بأجر زهيد أو خارج سوق الشغل تماما و هن –مقيدات كليا فى شقاء الأعمال المنزلية ، بينما تتحمل مسؤولية تربية أطفال فى ظروفتبعث على اليأس وهو ما حدا ببعض الباحثين الإجتماعيين الغربيين لإستعمال مفهوم " تأنيث الفقر" لوصف هذه الظاهرة .
لكن إضطهاد النساء يتقاطع مع خطوط طبقية ، بكلمات أخرى ، النساء فى المجتمع الطبقي مضطهَدات عموما وهو ما يؤدى إلى مقاومة و حركات هامة ضمن نساء من طبقات و شرائح إجتماعية مختلفة . فى كل من البلدان الإمبريالية و البلدان المضطهَدة عبر العالم ، تواجه النساء ألوانا من البطريركية / المجتمع الأبوي الذكوري و هيمنة الذكور و كذلك هيمنة الأفكار و الممارسات المتخلفة التى ترافقهما ، و قلّما يوضع لها حد و عادة ما تقدس فى المؤسسات و القوانين الإجتماعية الديمقراطية البرجوازية.
تمثل النساء المتمردات اللاتى ترفض الدور الذى خصها به المجتمع البرجوازي تيارا هاما من مقاومة الجماهير للطبقات الحاكمة لهذه البلدان الإمبريالية . و هكذا يجلب النضال ضد إضطهاد النساء قوى فعالة إلى مسرح الصراع الطبقي و تحتاج الطليعة البروليتارية أن تتعلم كيف تقودها كجزء من النضال الشامل من أجل الثورة .
البلدان المضطهَدة :
و فى البلدان المضطهَدة توجد النساء ضمن ضحايا إشتداد الإستغلال الذى يمكن أن نراه عبر العالم . و فى عديد البلدان تموّل ظروف التفقير ذاتها حلقات جديدة من التصنيع بما أن الرأسمال الإمبريالي ينجذب إنجذاب المغناطيس إلى هذه البلدان حيث يحول يأس الشعب إلى فوائد هامة ففى أندونيسيا و الصين و البنغلاداش و الزايير تتنافس الأنظمة الرجعية فى مزاد علني مريع ، و كل يعرض على الإمبرياليين حتى سعرا أرخص للحصول على حمامات دم جديدة يشربونها مباشرة فى مصانعهم و معاملهم ذات ظروف العمل السيئة . و فى البلد تلو البلد ، تغدو النساء جزءا هاما من الجيوش الجديدة من البروليتاريين .
و الصين ذاتها التى قام حكامها الرأسماليون على الأرجح بأكثر السيرورات تطرفا و لا محدودية و راديكالية للتطور الرأسمالي الذى لم يشهده العالم أبدا قبل ، وفرت بصورة دقيقة ملايين النساء و الفتيات الشابات من القرى كعلف ل "منطقة التجارة الحرة " الواسعة قرب هونغ كونغ . و فى البنغلاداش ، ظهرت فيالق جديدة من البروليتاريين بالأساس النساء فى العقدين الأخيرين مع نمو قوة العمل فى صناعة النسيج إلى أكثر من مليون عامل و عاملة .
و فى البلدان المضطهَدة ، النساء ضحايا بصورة خاصة لتخلف الإقطاعية التى أبقت عليها الإمبريالية و أُدمجتها فى "العالم المعاصر " . فى صناعة الزرابي بإيران و الهند و بلدان أخرى وجدت الإمبريالية المعاصرة علاقة متبادلة مريحة مستعملة أشكالا تقليدية للإضطهاد بحكم أن النساء و الأطفال يبقون سجناء مكبلين فى مناسج بالمنزل لينتجوا للسوق العالمية . من هنا يمكن وصف الكثير جدا من بلدان آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية كأفضل ما يكون الوصف بأنها "شبه إقطاعية " .
و يمثل هذا بالتالي أساسا ماديا مكينا لتدفق النساء صوب الثورة . و مع ذلك لا نستطيع تفسير إنجذاب النساء بإتجاه النضال الثوري فقط بالإستغلال المباشر لهن على أيدى الطبقات الرجعية مثلما يُستغل العمال و الفلاحون. فعلاوة على هذا تتعرض جماهير النساء العاملات كذلك للسيطرة الذكورية و شدة الممارسات و المؤسسات الإجتماعية و الدينية التى تقع بثقلها على كاهل نساء قطاعات ذات إمتيازات أكبر أيضا .
ترزح النساء تحت قيود آلاف السنين من التقاليد التى تتخذ أشكالا لا تحصى . ففى أفغانستان ، عاد الحكام الإسلاميون إلى الممارسات القروسطية لسجن النساء حقيقة داخل المنزل و مراقبة كل حركة من حركاتهن و هذا مثال مما صار معروفا ب" الميز العنصري الجندري" ، و بأنه حالة قصوى من الشكل الإقطاعي لإضطهاد النساء الذى لا يزال مسيطرا عالميا ، إلى جانب جبال من التطير الديني . و يظل الطغيان المطلق و السيطرة على النساء من قبل أعضاء العائلة الذكور جنبا إلى جنب مع الممارسات الرجعية المتسربة إلى مصنع المجتمع مظهرا هاما من حياة قسم هائل من نساء العالم . و لنضرب فقط بعض الأمثلة : الخمار البغيض ، و ختان النساء والتعقيم المفروض فرضا و الزواج المدبر للأطفال و "ملكية " الرجال للنساء والإبتزاز المالى و ضرب النساء و "حق " الرجل فى الطلاق و فى الخيانة الزوجية و هما أمران تعاقب عليهما ملايين النساء إما بالطرد أو الموت ... و مع ذلك فإن ظروف الإضطهاد هذه تولد أيضا أمواجا جديدة من المقاومة .
إضافة إلى هذه " التقاليد" و غيرها الإقطاعية و شبه الإقطاعية ، تعانى النساء فى البلدان المضطهَدة و النساء فى البلدان "المتقدمة " من أشكال أكثر "معاصرة " من الخزي على غرار الهرسلة الجنسية المستمرة و المتنوعة ، فضلا عن البرنوغرافيا و الدعارة و الأشكال المتنوعة من العنف بما فى ذلك الإغتصاب و الإساءة الجسدية. و فى الكثير من الحالات تتعايش أشكال الإضطهاد الإقطاعية و المعاصرة و تتداخل مبقية النساء فى موقع دوني . ( و لا ينبغى أن ننسى أن بعض الأشكال ذات التعبيرات الإيديولوجية الأكثر تخلفا لتبعية النساء للرجل توجد فى البلدان "المتقدمة" كذلك – لاحظوا نموّ الظلامية الدينية فى الولايات المتحدة أين يعارض الأصوليون المسيحيون حق الإجهاض و يطالبون بالعودة إلى القيم الرجعية التقليدية فى العلاقات فى المنزل و فى المجتمع عامة ).
لذا مشاركة النساء فى النضال الثوري وسيلة من وسائل توجيه ضربة للأسس الشاملة لإضطهاد النساء – العلاقات الإجتماعية التى تطورت منذ بروز الطبقات ذاتها- و ليس فقط لإضطهاد الرأسماليين و الإقطاعيين الحاليين أو ممثلى الدولة بإعتبارهم أعداء طبقيين .
مقاربات طبقية متناقضة :
سواء فى الغرب أو فى البلدان المضطهَدة ، لا يمكن أن تعتبر النساء عاملا "هامشيا" أو عرضيا فى الصراع الطبقي . فمن الجلي أكثر فأكثر أنهن تتموقع فى قلب سيرورة الإستغلال و الإضطهاد . و النتيجة الطبيعية و الحتمية لهذا هي أن النساء هي الآن و ستكون بصورة متنامية فى قلب معارضة النظام الإمبريالي و الرجعي .
لقد فهم العدو الطبقي بصفة واضحة للغاية الطاقة الثورية للنساء و إتخذ خطوات ذات دلالة ليس فقط لسحقها و إنما أيضا للسعي لتوجيهها بطريقة تحافظ و تصون النظام الإمبريالي العالمي . فمثلا يذرف الإمبرياليون الآن دموع التماسيح على سوء حال النساء بينما يدعمون أكثرالرجعيين خبثا و بربرية . إنهم يشنون حروبا للحفاظ على شيوخ الخليج ( و حق هؤلاء الشيوخ فى إعادة تركيز مملكة حريمهم ،مثلما هو الحال فى الكويت بعد حرب الخليج ) و يقدمون الدعم لأنظمة مثل نظام السلفادور حيث فرق الموت إغتصبت آلاف النساء و قتلت بعنف فى 1980 ( و تكشف أخيرا أن الأمر كان بعلم المسؤولين السامين الأمركان فى تلك البلاد ) و نظام طالبان أفغانستان – قبل شن الحرب عليه عندما تطلبت المصالح الإمبريالية ذلك -،و فى نفس الوقت يبعثون بفيالق منظماتهم غير الحكومية لتنجز مشاريع فى صفوف النساء بمن فيهن نساء الريف و الفقراء فى بلدان ما يسمى بالعالم الثالث . و مهما كان تقدير دوافع بعض العاملين ميدانيا فى مثل تلك المشاريع ، فهذه الأخيرة تتنزل فى إطار المخطط الشامل للإمبرياليين أنفسهم بغرض حرف غضب النساء عن الطريق الثوري و توجيهه نحو النماذج و الأوهام الإصلاحية بشأن مساواة أوفر . لكن واقع كون الإمبرياليين أعاروا إنتباها كبيرا لعمل المنظمات غير الحكومية صلب هذه الفئات مؤشر آخر على أهمية مهمة القتال فى سبيل كسب النساء إلى الثورة .
أحد أهم الإختلافات بين المقاربة البروليتارية الثورية لقضية تحرير النساء و مقاربة أكثر الديمقراطيين البرجوازيين راديكالية هو ما إذا كنا بوعي ندفع تيارالتمرد هذا أو كنا نبحث بإستمرار عن تحديد و تقليص مدى تدفق النساء و إعتبارهن ك "كبش نطيح "مفيد ضد الأعداء مع خشية تطلعاتهن الثورية لمجتمع مغاير تماما .
كم مرة سمعنا القوميين و الديمقراطيين البرجوازيين الثوريين يعلنون أن قضية النساء "مسألة تمايز" فى النضال ؟ و لكن هذا غير صحيح إلا إذا كان هدف "النضال" نفسه هو تركيز هيكلة قومية كاملة بمستغِلِين و مستغَلين و تعصب ذكوري و بطريركية ومجموعة تامة من الممارسات و الأفكار الرجعية الأخرى . و ستضع سياسة الخوف من الذهاب " أبعد من اللازم" بطريق الحتم أيضا حدودا لمدى صراحة و فعالية مشاركة النساء فى حتى النشاطات الثورية التى "يسمح بها" .
و بالعكس يرحب الثوريون البروليتاريون بتمرد النساء و يغذونه . و بالنسبة للثوريين البروليتاريين ، التناقضات الناجمة عن المشاركة النشيطة للنساء ( أي مقاومة من طرف الرجال ) مظهر ضروري من مظاهر الحركة الثورية . و بإمكان معالجة صحيحة للتناقض عبر التربية و النقد و النقد الذاتي و كذلك عبر تشجيع الصراع الواعي بما فى ذلك تمرد النساء ضد الأفكار و الممارسات المتخلفة داخل الحركة الثورية ، بإمكانها أن تقود إلى تقدم الحركة ككل ، رجالا و نساءا. ولن يضمحل التناقض بين الرجال و النساء بالتمنى أو بمحاولة تذويبها ضمن " النضال العام " كما تفعل ذلك القوى البرجوازية و المتعصبين الذكوريين . فمثل هذه المقاربة لن تعني سوى أن مساهمة النساء خنقت و أنه عاجلا أو آجلا ستبرز للسطح مقاومتهن على نحو قد يكون أقل مواتاة للثورة .
لقد نقدت بعض أنصار النساء و غيرهن الشيوعيين على أن لديهم "دافع مضمر" لتشريك النساء فى النضال الثوري . و يعترف الشيوعيون الثوريون بالقدرة الهائلة الكامنة صلب النساء ، لا سيما الفقيرات . غضبهن بالفعل قوة جبارة من أجل الثورة ينبغى تحريرها كجزء من تحرير كافة الجماهير ضد النظام الرجعي . و " الدافع المضمر " الذى لا ننكره هو أن الشيوعيين يعترفون بأن المشاركة الصريحة للنساء فى الحركة الثورية اليوم عنصر من أهم العناصر التى ستجعل حركة اليوم الثورية حيث بلغت بعد مرحلة حرب الشعب مثلما هو الحال فى البيرو و النيبال أو حيث لا يزال الإعداد الشامل للنضال من أجل إفتكاك السلطة جاري على قدم و ساق ، تزهر فى شكل حركة الغد أي الثورة الإشتراكية التى ستهاجم خطوة خطوة كافة العلاقات و الأفكار و المؤسسات القائمة على الملكية القديمة و ضمنها إضطهاد النساء كمحور تركيز هام.
الإشتراكية فى الصين :
شدّد ماو تسى تونغ فى تحليل الثورة الديمقراطية الجديدة كمرحلة ضرورية من خلالها تمر الثورة البروليتارية فى البلدان المضطهٌَدة التى تمثل الغالبية الساحقة لسكان الأرض، شدد على وجود " العناصر الإشتراكية " . و فعلا أكد على أن وجود هذه العناصر هو العامل المفتاح الذى يجعل هذه الثورة جديدة مقارنة بالديمقراطية القديمة وهو ما يجعل هذه الثورة جزءا من الثورة البروليتارية الإشتراكية العالمية .
و الصين ذاتها جسدت بجلاء تام " الطريقين " المفتوحين أمام النساء . إثر إتمام الثورة الديمقراطية الجديدة فى 1949 ، شرعت البروليتاريا فى الثورة الإشتراكية ،خائضة معارك متكررة ضد بقايا المجتمع القديم و صادة الجهود المتواترة لأولئك داخل الحزب الذين كانوا يرغبون فى إيقاف الثورة و بناء مجتمع رأسمالي. طوال هذه العقود من بناء الإشتراكية أنجزت خطوات عظيمة بتعبئة النساء فى جميع مجالات النضال ، فى الصراع ضد الممارسات و الأفكار القديمة و تركيز الجديد . و فى خضم الثورة الثقافية ، بلغت هذه السيرورة قمتها حين ساهم مئات الملايين من الشعب فى معركة حياة أو موت الثورة و التقدم على طريق الشيوعية . و من المعلوم جيدا أن هذه الحركة الكبرى شهدت مشاركة النساء على نحو غير مسبوق أبدا .
و كان هذا صحيحا ضمن كافة فئات الشعب من المثقفين الثوريين الذين شكلوا حركة الحرس الأحمر و العمال و الفلاحين .
و إنعكس ذلك داخل الحزب الشيوعي ذاته بما فى ذلك داخل أعلى المستويات حيث نهضت الرفيقة تشانغ تشنغ بدور تاريخي كأحد القادة الرئيسيين لمركز القيادة الثورية فى صلب الحزب الشيوعي الصيني . و فى أحد أهم مجالات الصراع ضد الأفكار القديمة ، فى ظل قيادتها ، أنجزت أعمالا ذات دلالة عظيمة . مركزة معايير جديدة فى تقديم صورة و مهمة البروليتاريا على المستوى الفني و الثقافي . و من أبرز مظاهر هذه الأعمال هعو تجسيدها بطلات ثوريات قويات .
و كما نعلم ، منيت الثورة الثقافية بالهزيمة صيرورة الأمر على أيدى السطوة الرجعية لدنك سياو بينغ و هواو كوفنغ . و قد خصّ الإنقلابيون تشانغ تشنغ ذاتها بإتهامها رئيسيا بنضالها بلا هوادة من أجل البروليتاريا و الخط البروليتاري الثوري للرئيس ماو و إتهمت بإستعمال سلطتها لتحقيق طموحاتها الخاصة لا غير . و فى المحاكمة التى أجريت لها و لرفاقها الآخرين سنة 1980 ، دافعت تشانغ تشنغ بشجاعة نادرة عن الراية الحمراء و لم تعترف إلا ب"جريمة " القيام بالثورة و هكذا حوّلت قاعة المحكمة إلى محاكمة لمتهميها ، دنك و هواو .
القديم و الجديد :
وإلى ما آل إليه وضع النساء بعد إعادة تركيز الرأسمالية فى الصين ؟ بالطبع ، إستفادت بعض النساء شأنهن فى ذلك شأن بعض الرجال من نهب ملكية الشعب الجماعية السابقة و من الحرية الجديدة ألا وهي حرية إستغلال العمال و الجماهير الكادحة . إلا أنه بالنسبة لغالبية النساء ، عنت إعادة تركيز الرأسمالية عودة العبودية ، ليس إقتصاديا فحسب و إنما أيضا جسديا و إجتماعيا إلى قبضة الهيمنة الذكورية ، سواء فى منطقة التجارة الحرة بكانتون أم فى القرى التى صارت مكانا فظيعا و فقيرا فقرا مدقعا بالنسبة للغالبية الساحقة من سكان الريف أو فى المدن البرّقة للصين الرأسمالية الجديدة. و برزت من جديد الأشكال القديمة لإضطهاد النساء و إنتشرت مثل الطاعون عبر البلاد بأسرها . و عادت الأفكار الإقطاعية و الكنفيشيوسية عن دونية النساء للظهور بروح إنتقامية . و بطريق الحتم ، رافقت الدعارة التى إقتلعت من الجذور فى عهد الصين الماوية ، مجتمعا فيه غدت قوة عمل الإنسان مجددا سلعة تباع و تشترى إذ " أن تصبح غنيا أمر مجيد" كما يتفاخر حكام الصين الحاليين بلا خجل . و إستشرى قتل البنات إلى درجة ان الواقع القاسي ينعكس حتى فى إحصائيات السكان .
و أضحت الصين مجددا جهنما بالنسبة لغالبية النساء .
و هكذا يمكن أن نرى أنه بالنسبة لجماهير النساء كما بالنسبة للمجتمع بأسره ، مسألة " الديمقراطية القديمة " مقابل
" الديمقراطية الجديدة " ليست مسألة بسيطة الأهمية و إنما هي وثيقة الإرتباط بما إذا كان سيستمر مظهر مشترك لكافة المجتمعات الطبقية التى وجدت إلى الآن و نقصد الإستغلال و معه إضطهاد النساء ، أم سيجرى الإبحار فى الدرب الطويل و العسير، درب إيجاد علاقات مختلفة كليا بين الرجال و النساء . تردنا من النيبال اليوم و كذلك من البيرو و من بلدان أخرى يخاض فيها نضال ثوري ، روايات تكاثر مقاتلات و قياديات جديدات تظهر من صفوف النساء الأكثر إضطهادا ، من صفوف اللاتى كانت بالأمس مركونات و محتقَرات، وتلبي متطلبات التحول إلى بطلات ثوريات . مثل هكذا نساء لن ترضى بثورة تقف فى منتصف الطريق و ستقدم نماذج قوية لغيرها وتمتحن الحركة الثورية و أهدافها .
بأعين شاخصة نحو المستقبل و كذلك موجهة نحو الحاجيات الراهنة للحركة ، على البروليتاريين الثوريين أن يكافحوا بكل ما أوتوا من جهد و طاقة لتكريس شعار " تحرير غضب النساء كقوة جبارة من أجل الثورة !" . و مثلما يحصل فى كل مهمة ثورية عظيمة ، ستتعلم الطليعة البروليتارية فى خضم السيرورة مع تحصيلها لتجربة جديدة و تجاوزها للمشاكل الجديدة . و كما قال ماو تسى تونغ فى سنة 1927 فى " تقرير عن تحقيقات فى حركة الفلاحين فى خونان " من المستحيل تصحيح الخطئ دون تجاوز " الحدود الخاصة ". هذا صحيح بشكل يسترعى الإنتباه فى ما يتصل بالوضع اليوم حيث تتطلب قضية الثورة من ملايين النساء أن تكسر القيود جميعها بما فيها قيود العادات و التفوق الذكوري وإعاقة مبادرتهن الثورية.
و التطبيق السليم و الصارم للماركسية-اللينينية –الماوية على هذه المسألة من قبل أي حزب أو تنظيم شيوعي من شأنه أن تبرزعديد النساء كقائدات و مقاتلات ثوريات . بمواقف و ممارسات مسترشدة بالماركسية –اللينينية –الماوية فتحت الحركة الأممية الثورية و الأحزاب و المنظمات المكوّنة لها الباب أمام مثل هذا التطور . و مع ذلك لا يمكننا أن نكون راضين عن أنفسنا بما أن هنالك قدر كبير من العمل للإنجاز قصد تعبئة النساء فى النضال الثوري. تقدم اليوم ليس سوى بداية ، إنه الفصل الأول من المسرحية العظيمة المتفتحة التى ستدهش بالتأكيد المتشككين و ذلك بنهوض النساء و تحريرهن لتحطيم ما أمسى متعفنا فى هذا العالم و الشروع فى بناء عالم جديد لبنة لبنة ./.

(2)
الإمبريالية و الرجعية تضطهدان المرأة و تستعبدانها و الشيوعية تكسر قيودها و تحررها
====================================
-1- الإمبريالية و الرجعية تضطهدان المرأة و تستعبدانها
الولايات المتحدة الأمريكية فى أفغانستان يعنى إضطهادا أقسى للنساء
(" الثورة " لسان حال الحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية ، 2003)
إثر غزو الولايات المتحدة لأفغانستان ، صرّح سكرتير الدولة كولين باوول المدعى الصلاح لنفسه بأن " حقوق النساء فى أفغانستان ليست محل تفاوض " . و اليوم تدلل حياة النساء فى أفغانستان على أن هذا محض كذب لتعليل الجريمة التى كانت الولايات المتحدة على وشك إقترافها .
لم تتحسن حياة النساء عقب الغزو الأمريكي و إنما ساءت . و هذه الحقبة من أتعس الحقبات التى شهدها تاريخ البلاد بالنسبة للإناث. ففى المدة الأخيرة أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرا حول العنف ضد النساء فى ذلك البلد جاء فيه : " الخطر المحتمل للإغتصاب و العنف الجنسي على أيدي أعضاء الكتل المسلحة و المقاتلين السابقين لا يزال فى أعلى درجاته . و الزواج المدبر المفروض فرضا ، لا سيما زواج الطفلات و العنف ضد النساء مستمر بمساندة نشيطة أو تعاون سلبي من أعوان الدولة و الفرق المسلحة و العائلات و الجماعات " .
يقدم تحقيق هومان رايت واتش ، فى جويلية الماضى ، الصورة ذاتها :" العنف الجنسي ضد النساء و الفتيات و الفتيان منتشر و لا يجرى الحديث عنه أبدا تقريبا . تُختطف النساء و لفتيات و الفتيان خارج منازلهم و فى وضح النهار و يجرى الإعتداء عليهم جنسيا . و فى بعض المناطق جرى إختطاف فتيات فى طريقهن إلى المدرسة . و تغتصب النساء و الفتيات فى منازلهن ، كما هو الديدن فى المساء أو الليل أثناء السرقات المسلحة . و على ما يبدو جرى التهجم على ناشطة فى مجال حقوق النساء لمنعها من الكلام " .
بعد غزو أفغانستان و سقوط طالبان ، إعتقدت النساء عبر البلاد أنها ستحصل على الأقل على بعض الحرية إذ ظنت أنها على الأقل ستستطيع أن تخفف من التحجب الإسلامي إذا ما أرادت و إن لم تعرى رؤوسهن تماما ، وان تغادر منازلهن للعمل و الدراسة . لقد تمنت أن تقدر على المشاركة فى النشاطات الإجتماعية و السياسية للمجتمع . لكن عوض ذلك كان بإنتظارها وضع جديد و فظيع.
و من الممكن أن لا يكون الحجاب الإسلامي إلزاميا من الجهة القانونية ، غير أنه لا يمكن لأية إمرأة أن تغادر المنزل دونه . صارت "بُركة" عهد طالبان التى تغطى الجسم بأكمله من الرأس إلى الأصبعين منتشرة عموما، و فى غالبية الأحوال كان على النساء أن تلبس "بركة " لتصون أنفسهن من الشتيمة و الإغتصاب . و تحذر شعارات على جدران كابول النساء من أن تظهر فى الأماكن العامة إلا وهن مغطات كليا و إن لم تفعل فعليها تحمل مسؤولية ما ينجر عن ذلك . و مثلما عبر عن ذلك أحد العاملين فى منظمة غير حكومية " خلال حقبة طالبان لئن ذهبت إمرأة إلى السوق و بينت و لو قليلا من الجسد ستتعرض للجلد أما الآن فتغتصب". ( تقرير منظمة العفو الدولية ، أكتوبر 2003 ) .
فى مدينة جلال آباد و مقاطعة لغمان ، هدّد موظفو الحكومة بضرب أو قتل النساء اللاتى لا ترتدى "بركة" . و بصفة خاصة فى المناطق الريفية ، تفضل عديد النساء البقاء فى المنزل على المخاطرة بالتعرض للإغتصاب والضرب و الشتائم.
و يشهد التغيير الإيجابي الأساسي بالنسبة للنساء إثر سقوط طالبان ، أي عودة الكثير من الفتيات إلى المدارس ، عراقيل هو أيضا . لأكثر من سنة قبل الآن ، جرى حرق بعض المدارس ليثنوا الأولياء المحليين عن تسجيل أطفالهم فيها. لكن الآن باتت التهديدات أوسع مدى . ففى بعض المناطق يخيف جنود و مليشيات المجاهدين السابقين ( الذين قاتلوا ضد الغزو السوفياتي ،بإعانة من الس آي آي و الأنظمة الغربية ) البنات من الإلتحاق بالمدارس . و مثلما سجلت ذلك منظمة الهومان رايت واتش ، قام هؤلاء الرجال بإختطاف عدة فتيات صغيرات فى طريقهن إلى المدرسة و إغتصبوها.
و إنضافت هذه الهرسلة المنظمة إلى مخاوف الأولياء لكي تصبح عائلات اللاجئين العائدين الذين أرسلوا بناتهم إلى المدرسة فى الباكستان و إيران مرعوبة الآن و تتراجع عن إرسال البنات إلى المدرسة فى أفغانستان . هذا ما ورد فى تقرير هومان رايت واتش .
و فى الواقع ،المدارس مفتوحة لكن ملايين الفتيات محرومات من التعليم . و بالفعل غالبية البنات و النساء الشابات لا تقصد المدارس فى أفغانستان . وعادت دروس محو الأمية فى خلفيات المنازل الموجهة للبنات و التى كانت شائعة خلال حكم طالبان ، عادت للظهور فى مناطق من أفغانستان مثل جلال آباد . و أحيانا ، حتى هذه الدروس فى خلفيات المنازل ينبغى أن تقام بطريقة حذرة للغاية ، بعيدا عن أعين الفرق المسلحة .
و لا تقف الضغوطات الممارسة ضد النساء عند التضحية بتعليمهن فغالبية النساء أهداف ممكنة للإختطاف و الإغتصاب من قبل جنود المجاهدين السابقين .
و لا يتم الحديث عن حالات كثيرة من الإغتصاب و الإساءة الجنسية للنساء لأنه ثمة القليل من المعاضدة فى النضال ضدهما من أي قوة من المجتمع و لا من الحكومة و لا ضمن السلطة التنفيذية ( التى يسيرها الرئيس كرزاي) و لا من النظام التشريعي. و فعلا حاكم الحكام الحاليون و محاكمهم الضحايا و لم يحاكموا المغتصِبين . و عادة ما تسجن النساء ضحايا الإغتصاب بتهمة الزنا. و إذا لم تنتهى فى السجن – و حتى لو إنتهت – فإن "عارها" غالبا ما يؤدى إلى طردها من قبل عائلاتها و المجتمع و أحيانا يقتلها إخوانها أو آباؤها أو أزواجها . فى ظل هذا النظام القمعي ، إذا إغتصبت النساء يبدو من الأفضل لها أن تلزم الصمت .
" فى هرات ، من ضمن 67 من السجينات فى مركز إيقاف نساء ، الجميع بإستثناء ستة سجنت أو أوقفت بسبب جرائم زنا. و غالبية الفتيات المتزوجات و النساء الشابات اللاتى إستجوبتهن منظمة العفو الدولية أكدت أنها إما تجبر على الزواج و إما تبيعها عائلاتها فى سنّ مبكرة و أكدت عديد الموقوفات أنهن صرن بالتالى ضحايا الإستغلال الجنسي و الجسدي".
كل هذا يقف دليلا على نظام هيمنة ذكوري فى كل جوانبه. و الحكومة و الدولة، من الرئيس إلى المحاكم ، جزء من سبب عدم رؤية و عدم الحديث عن عذابات النساء فى أفغانستان . و تشير روايات حديثة من افغانستان إلى إرتفاع مريع فى عدد الفتيات اللاتى تنتحر بإضرام النار فى أجسادهن ، لا سيما فى منطقة هيرات فى الجزء الغربي من البلاد . و جعلت الفتيات الشابات من المسألة موضوع تحرك و تحدى ضد الزواج المدبرالمفروض و ضغوط اخرى و بالنتيجة عقدت ندوة فى أكتوبر بهذا الصدد فى أفغانستان.
و بمرور الأيام ، يصبح الأصوليون الدينيون أقوى و يفرضون أكثر الطرق قروسطية على حياة الناس . إنهم يسعون لفرض دولة دينية فى أفغانستان المستقبل. و هذا المآل غير مستبعد مع نوع الذين هم فى مواقع الحكم وهو ما يعنى مزيد الضغوطات على النساء و كافة الشعب و جهود للسيطرة على عقولهن و طريقة عيشهن و أكلهن و حتى طريقة موتهن.
و هذا ليس إلا قليلا من أكثر المظاهر الفظيعة لوضع النساء فى أفغانستان فى ظل الإحتلال الذى تقوده أمريكا و الذى عللته الحكومات الغربية بتوفير التحرير و الحقوق المتساوية للنساء و الديمقراطية للشعب.
جملة من العاملين الحاليين فى الحكومة هم قادة مجاهدين سابقين كانوا معروفين بنشاطاتهم الفظيعة ضد الشعب ، خلال حرب المقاومة ضد الغزو السوفياتي و بصورة خاصة بين 1992 -1996 حين كانت السلطة السياسية بأيديهم و فرضوا دولة أصولية على الشعب . و أفضى القتال فيما بينهم إلى تحطيم كابول و مدن أخرى و فى نفس الوقت كانوا يسلبون و يسرقون و يغتصبون جماعيا النساء و الأطفال و على وجه الخصوص ( و ليس فقط ) النساء من المجموعات المنافسة لهم. ثم حين خسروا السلطة لفائدة طالبان ، شكل الكثير منهم تحالف الشمال ( وهو تحالف رجعي ضد طالبان ) متضمنا القادة الأعنف من مختلف الأقليات القومية . و الآن أعادهم الإمبرياليون الأمركان و غيرهم إلى سدة الحكم من جديد .
لو كان أي إمرء يتوقع من الولايات المتحدة ، رغم كل الإساءة التى إقترفتها ، أن تقدم على الأقل بعض الضوء للنساء الأفغانيات ، فهو مخطئ بشكل يرثى له.
هذه ليست مسألة سياسات "بوشية" إذ كان من طريق الحتم أن تخون الولايات المتحدة و حلفاؤها الشعب الأفغاني و تستهزأ من حديثها العسلي عن تحرير النساء لأن هدفها من غزو أفغانستان فى المصاف الأول هو مزيد خدمة مصالحها الإمبريالية الخاصة و الهيمنة على المنطقة خدمة لأهدافها الإسترتيجية العالمية . لا يمكن أن ينجم تحرير لأي كان عن غزو من طرف قوى إمبريالية مصاصة دماء .
هذا الشكل من إضطهاد النساء الذى يجعل منهن ملكية و بالتالى حاملة "شرف" الرجال متجذر فى النظام الإقطاعي و شبه الإقطاعي. و حلفاء الولايات المتحدة فى أفغانستان هم الملاكون العقاريون الإقطاعيون و أمراء الحرب الذين يجسدون هذا النظام و يعززونه . و فى الواقع ، مصالح هؤلاء الطغاة مرتبطة بمصالح الإمبريالية الأمريكية و حلفاءها و هم القوة الوحيدة التى يمكن للإمبريالية أن تعول عليها . و غالبية جيوش أمراء الحرب ، فى شكلهم الحالي ، ولدت بمساعدة الس آي آي و المخابرات الباكستانية خلال الحرب ضد الإحتلال السوفياتي.
ليس مفاجأة أنهم تصرفوا و لا زالوا يتصرفون كالوحوش إزاء الشعب . لكن الولايات المتحدة راضية عنهم لهذا لا ينبس بوش و بلار و شرودر و القادة الإمبرياليون الآخرون ببنت شفة عن الفظائع و اللامساواة . تعتقد الطبقة الحاكمة فى الولايات المتحدة الأمريكية ان العمل بطريقة أخرى سيضع فى خطر الإستقرار الهش لسيطرتها على أفغانستان . من ثمة بإمكانهم بسهولة التعايش معهم بالضبط كما بإمكانهم التعايش مع طغاة آخرين هم فى الحقيقة جلاوزتهم و عملائهم و بالفعل على هذا النحو بمستطاعهم الإمبرياليين العيش و التنفس .
إن التحرير الحقيقي للمرأة الأفغانية غير ممكن إلا بالإطاحة بهذا النظام شبه الإقطاعي و الإستعماري عبر ما يسميه الماويون ثورة ديمقراطية جديدة تضع السلطة بأيدى الشعب و تدافع عن مصالحه قبل كل شيئ آخر . و من ثم سيقدر الشعب نفسه ( بفضل الثورة الإشتراكية فالشيوعية ) على أن يحطم كافة العلاقات الإضطهادية و العادات الرجعية التى تتسبب فى عبودية النساء و الشعب بأسره . لا أحد غير الشيوعيين الماويين يمكن أن يرنو إلى تركيز نظام لا تكون فيه النساء ملكية أو "شرف" رجال العائلة . هذا هو المجتمع الذى تحتاجه نساء أفغانستان و تحتاج أن تقاتل من أجله . /.

إنعكاسات إحتلال الولايات المتحدة للعراق على المرأة العراقية
( " الثورة " 2005)
أحدهم يطرق الباب! من هو؟ إذا لم نفتح الباب سيكسرونه و يدخلوا! هل هم جند أمركان ؟ إنهم يداهمون المنازل و يبثون الرعب فى الأطفال و العائلة برمتها . رأينا ذلك على شاشة التلفزة . إنهم يشتمون و يعنفون و يوقفون الرجال ...
" فى الفالوجة قتلت عديد النساء . قتلت 72 إمرأة بالطريقة ذاتها ، برصاصة فى الرأس .جريمة النساء الوحيدة كانت أنها فتحت أبواب بيوتهن " هذا ما قاله شاهد عيان فى المحكمة العالمية حول العراق فى إسطنبول . لكن الرجال فى عتبة البيوت يمكن أن يكونوا ببساطة مجرمين يقتحمون المنازل و يغتصبون النساء . لا شيئ من هذا كان سائدا قبل الغزو الأمريكي . و قدمت إمرأة عراقية شهادة أمام المحكمة مفادها أنه منذ يوم غزو العراق ، تزايد العنف ضد النساء و الإنكار المرتب لحقوقهن . لقد وقع إختطافهن و إغتصابهن و حتى قنصهن للمتاجرة بهن فى بلدان أجنبية لفائدة شبكة الدعارة العالمية الواسعة النطاق. و أعلمت إمرأة عراقية صحفيا بأن " إختطاف النساء و إغتصابهن صار منتشرا إلى درجة أن كل إمرأة تهاب أن تصبح الضحية التالية . قليلة هي النساء التى تشاهد بالشوارع . و الأمر ما كان كذلك قبل الحرب .لا ! باتت الكثيرات تخشى تجاوز عتبة منزلهن ."
منذ الغزو و لا سيما فى مدينة البصرة بالجنوب التى يحكمها رجال الدين الشيعة المسنودين من قبل الولايات المتحدة و بريطانيا ، جرى الضغط على النساء لتغطي رؤوسهن . و أُنذر الحلاقون بألا يحلقوا الرجال و قيل لصانعى الثياب ما الذى يجب أن ترتدي النساء . و طُرد الكثير الكثير من النساء من شغلهن بخاصة النساء الشابات و النتيجة الآن هي أن 10 بالمائة فقط من النساء تشتغل . و تتزايد "جرائم الشرف" بنسق مريع عبر العراق بكامله ، حتى فى كردستان .
و إثر المصادقة فى السنة الفارطة على الدستور الجديد و تركيز نظام إسلامي قائم على الشريعة ( القانون الديني ) ،غدى نوع الأشياء التى كانت تحصل للنساء العراقيات فى حياتهن اليومية مقننة .
تهيمن الآن القوى الإسلامية على حياة النساء العراقيات . مسافر من أفغانستان سيفرك عينيه ، مفكرا أنه لم يغادر إلى أي مكان أبدا و هكذا أضحت معظم حياة النساء فى العراق تشبه ما يحدث لنساء أفغانستان . و بالفعل ، نفس الولايات المتحدة التى تدعى أنها "حررت " النساء فى أفغانستان غارقة الآن فى "تحرير " نساء العراق و بالطريقة عينها .
و هنالك ثلاثة أبعاد على الأقل ل" تحرير " نساء العراق . بُعد إقتصادي حيث عانت غالبية الشعب من الغزو و لكن أكثر من عانى هم النساء , و البعد الثانى تمثله الفظاعات التى إرتكبها الغزاة قصد إهانة الشعب و سحق معنوياته . مرة أخرى ، عانى الشعب العراقى بأسره و لكن النساء دفعت بصورة خاصة ثمنا غاليا . و البعد الثالث هو دوس حقوق النساء من طرف نظام إسلامي تزداد هيمنته على المسرح السياسي العراقي و كل هذا بسبب الغزو الأمريكي البريطاني .
و ما يؤلم للغاية هو أن هذا الإضطهاد الشامل للنساء لن ينتهى عند هذا الحد بل سيكون له التأثير الهائل على طريقة حياة الشعب العراقي ككل و سيساعد على تعزيز العلاقات الإجتماعية المتخلفة داخل المجتمع .
النساء هن الضحايا الأكثر تضررا من الحرب ضد العراق : البعد الإقتصادي :
كانت العقوبات الإقتصادية التى فرضتها القوى الغربية عقب الغزو الأول للعراق فى 1991 مقدمة للضربات التى ستوجه للنساء العراقيات مع غزو 2003 .
وفق الب ب س ، عدد النساء اللاتى تتوفى بسبب تعقيدات الحمل و الولادة تضاعف ثلاث مرات منذ 1990 . و إرتفعت أعداد سقوط الجنين و يعود ذلك فى جزء منه إلىالضغوط المرتبطة بالحرب و التعرض لأسلحة كيماوية – الأورانيوم الذى تستعمله الولايات المتحدة . و الآن تلد 65 بالمائة من النساء العراقيات فى المنزل.
إثر السنوات الثمان من الحرب مع إيران التى نجم عنها موت نصف مليون شخص فى الثمانينات ، وجدت النساء أنفسهن تحت الضغط بحكم أنها كانت المصدر الوحيد للدخل فى عديد العائلات و زاد الوضع سوءا بقدركبير بعد 1991. أجور وظائف حكومية كثيرة زهيدة إلى درجة أن الرجال هجروها إلا ان النساء مجبورات على البقاء لكون ليس لديهن بديل .
و تحصل النساء العاملات فى المزارع على نصف الأجور المنخفضة أصلا . و صار الوضع الإقتصادي عموما سيئ بحيث أن حتى بعض العائلات الأحسن حالا إضطرت لبيع آلات منزلية كآلات الغسيل و الثلاجات لتغطي المصاريف اليومية . و رفع هذا من أعباء المنزل بالنسبة للنساء. وقلّص يأسهن من الحصول على عمل أجورهن إلى نصف أجور الرجال . و حين يتعلق الأمر بمصاريف التعليم ، على العئلات أن تقرر أي من أبنائها ينبغى بعثه إلى المدرسة . و عادة ما لا يتم إختيار الفتيات .
الفظائع التى ترتكبها الولايات المتحدة ضد النساء :
فى ديسمبر 2003 سرّبت سجينة فى أبوغريب ورقة قالت فيها إن الحراس الأمركان كانوا يغتصبون النساء السجينات ... و أضافت أن عديد النساء حاملات الآن . و قالت إن النساء أُجبرت على الزحف عرات أمام الرجال . و طلبت الورقة من المقاومة العراقية أن تلقى بقنابل على السجن حتى تخلص النساء من المزيد من المهانة . و إكتشف محامو النساء السجينات أن هذا كان حقيقة ليس فى أبو غريب فحسب بل أن الشيئ نفسه كان " يحدث عبر العراق بأكمله " . ( هذا و المقتطفات التالية مصدرها " الغوارديان " 20 مارس 2004 ).
و بما ان عديد النساء وجدت من الصعب الحديث عن ما حدث لها ، زارت محامية إسمها سوادى تحملت مسؤولية الدفاع عن ملفات عدة نساء ،القاعدة العسكرية الأمريكية فى الكرخ . و تحدثت مع سجينة هناك . " كانت تبكى و قالت لنا إنها إغتُصبت ... إغتصبتها مجموعة من الجنود الأمركان . و لما حاولت المقاومة اصابوا يدها و أطلعتنا على الآثار و قالت لنا " لنا بنات و أزواج . بربكم لا تتحدثوا عن هذا لأي أحد مهما كان ".
وواصلت الغوارديان : " بصورة مدهشة أكّد التحقيق السرى الذى قام به جيش الولايات المتحدة فى جانفى 2005 ، تحت إشراف الجنرال الماجور أنطونيو لا غوبا، أن الرسالة التى سربتها من أبو غريب إمرأة معروفة فقط بإسم " نور" كانت دقيقة بشكل كاسح ."
و تبيّن حوالي ال1800 صورة التى إختطفها الحراس الأمركان فى أبو غريب شرطيا عسكريا أمريكيا " يضاجع إمرأة عراقية " ، وفق تقرير تاغوبا . و أكد هذا الأخير كذلك أن الحراس سجلوا بالفيديو و صوّروا نساء سجينات عرات . و رغم أن إدارة بوش منعت نشر كافة هذه الصور ، فإن بعض هذه الصور السرية السابقة للنساء عُرضت ووضعت على شبكة الأنترنات من طرف محطة تلفزية إسترالية حصلت على نسخة من القرص المضغوط الذى أنجزه الحراس . وحين يوقف الجنود الأمركان النساء و يسجنونهن بتهمة الدعارة ، يبدو هذا تصريحا لمزيد الإساءة الجنسية.
قالت الأستاذة هدى شاكر النعيمي ، عالمة سياسية فى جامعة بغداد : " نعتقد أنها (نور) إغتُصبت و أنها حملت من حارس أمريكي . و إثر إطلاق سراحها من أبو غريب ، ذهبتُ إلى منزلها . فقال لى جيرانها إن عائلتها قد هجرت المكان . أظن أنها قُتلت ". كان هذا مصير على الأقل عديد النساء السجينات سابقا . و بإعتبار أن الإغتصاب فى المجتمعات الإسلامية يساوى طعن فى الشرف يلطخ المرأة و عائلتها ، فإن قلة هن النساء اللاتى تتحدث عن ما عاشته حينما كانت فى السجون الأمريكية و المعتقلات .
وحسب التقرير عينه ،تنتشر فى هذه السجون حتى أرهاط أخرى من إهانة المراة لتسلية السجانين . و كشف التقرير أن إمرأة عراقية فى سن السبعين ألبست عدّة الجر و رُكبت كما تركب الفرس فى أبو غريب و فى سجن آخر للتحالف بعد إيقافها فى جويلية الماضى : " وجدت آن كلفيد من حزب العمال البريطاني التى بحثت الأمر أنه حقيقي. النساء شأنهن شأن الرجال السجناء توضع فى سجن إنفرادي لمدة 23 ساعة يوميا . و أفراد العائلات الذين يتجمعون عادة قبالة أبو غريب و سجون أخرى يقولون إن عددا كبيرا من النساء إنتحرت .
و ثمة دواعي للإعتقاد بأن هذه الإساءة مستمرة . و حين حاولت المحامية سوادي أن تزور أبو غريب فى المدة الأخيرة ، رفض الحراس الأمركان السماح لها بذلك . و لماتقدمت بتظلم هددوا بإيقافها .
الولايات المتحدة موّلت صعود الإسلام السياسي فى العراق :
على إثر إطاحة الجنرال قسام بالملك فيصل فى 1958 ، صادق العراق على دستور يعدّ نسبيا علمانيا مقارنة بعديد بلدان الشرق الأوسط . وعندما وصل صدام حسين إلى السلطة قَبل به . وحسب هذا الدستور كانت النساء قانونيا مساوية للرجال و ضمنت لهن التربية إلى مستوي الإبتدائي . و كان لهن الحق فى الطلاق و صار تعدد الزوجات عمليا غير ممكن . كما كان للنساء حق التصويت و العمل بالوظيفة العمومية . و كان لها حق أن ترتدي ما يحلو لها .
و شرعت حقوق النساء هذه فى التراجع غداة حرب الخليج الأولى لما حاولت الولايات المتحدة أن تعزل صدام حسين إذ أخذت تغازل و تشجع المجموعات الإسلامية . و شعر صدام حسين بأنه مضطر للجوء إلى المشاعر الدينية للحصول على مساندة رجال الدين و القادة القبليين فسمح للرجال بتزوج أربع نساء و قتلها دون عقاب إذا ما شكوا فى عدم وفائها .
و عقب غزو 2003 و الإطاحة بصدام ، و مع شروع الولايات المتحدة فى التعامل عن كثب مع الشيعة و بعض الأحزاب السياسية الإسلامية السنية ، أخذ الإسلاميون ينمون سيطرتهم على الحياة اليومية للشعب . و من جديد كانت النساء أول من عانى من هذه التطورات .
و تطور الوضع بأكثر سرعة فى المناطق ذات الهيمنة الشيعية مثل البصرة جنوبي العراق . فأجبرت النساء على إرتداء الحجاب الإسلامي ( تغطية الرأس ). و كانت النساء التى ترفض ذلك تجازف بالتعرض إلى الهرسلة و حتى الإختطاف و الإغتصاب . و اليوم فى البصرة من غيرالعادي لإمرأة أن تخرج دون حجاب. قالت ناشطة نسائية لجريدة الغوارديان إن من الضغط الديني المرتبط أساسا بالأحزاب الأصولية الشيعية أن تتجه مجموعات إلى المدارس فتهاجم الأقسام و تجبر كافة الفتيات على وضع الحجاب و حتى القفازات . و لم تنجو النساء فى الجامعات هي الأخرى . فعديد الشابات الطالبات تشعر بأن عدم لباس الحجاب مجازفة . وظهرت أكثر من عشر جمعيات ثقافية و دينية فى المركبات الجامعية فى السنتين الأخيرتين . و تتكاثر حوادث بث الرعب يقوم بها زملاء مرتبطون بأحزاب و ميليشيا شيعية . و فى إحدى هذه الحوادث فى جامعة البصرة هاجم رجال مليشيا الطلبة و نُقل أنهم قتلوا على الأقل طالبتان .
المسألة هي أن الحجاب ليس سوى بداية لإضطهاد قاس للنساء . باشر آية الله الخميني بإيران الهجوم على حقوق النساء بجعل الحجاب إلزاميا . و الحجاب رمز للإخضاع و يفضى بالتالي إلى جملة من أشكال الإخضاع الأخرى . إنه يحط من قيمة النساء. و يرمز عدم السماح للنساء باللباس العادي إلى أنه لن يسمح لهن بالقيام بأشياء عادية . و الهدف الحقيقي من الحجاب هو تحديد مشاركة النساء فى المجتمع و الإبقاء عليهن بالمنزل . و لهذا تبعات شتى على نفسية النساء و تأثير هدام على علاقتهن بالمجتمع .
تجد النساء العراقيات و يجد حتى الرجال غير المتزوجين أنفسهم غير قادرين على الإستقلال عن عائلاتهم لأنهم لا يستطيعون العيش بمفردهم . لأسباب إقتصادية و أمنية ، وجدت ظاهرة جديدة تماما ألا وهي عودة الشباب للعيش مع عائلاتهم الواسعة . و هذا بدوره يعيد إحياء العلاقات القبلية التى وجه لها دستور 1959 ضربة . خلال العقود الماضية ، أوهن العدد المتنامى من الناس الذين يعملون و يتعلمون العلاقات القبلية . و الآن ، فى ظل الإحتلال الأمريكي ، يتخذ التيار الإتجاه المعاكس مما يوفر قاعدة صلبة أكثر لإضطهاد أقسى للنساء و يوطدها. و فى مثل هذه الظروف يمكن للشيخ الأكبر سنا أن يلعب فى العائلة الواسعة دور رئيس القبيلة . و يعتبر الرجال حماة لشرف القبيلة و بإمكانهم أن يقرروا مصير أي فتاة فى العائلة الواسعة . حين تكون العلاقات القبلية مكينة و تتخذ أشكالا جديدة فى المدن ، يستطيع رؤساء القبيلة أن يقبلوا أو يرفضوا القوانين المدينية إذا ما تعارضت هذه القوانين مع أعرافهم التقليدية . و حتى إن سمح القانون للنساء بشيئ من الحريات أو قَبل رجال العائلة بها ، فإن حكام القبيلة لن يسمحوا بذلك .
تقنين إضطهاد النساء : الدستور الجديد
أنهى دستور العراق الجديد إرساء النظام الإسلامي . لقد نظم مسائل هامة بما فى ذلك حقوق النساء .
فالفصل الثاني من النسخة النهائية للدستور يجعل الإسلام الدين الرسمي للعراق و دولته و يوضح أن لا قانون يمكن أن يصدر فى تعارض معه . و يضمن الفصل 14 من الدستور الحقوق المتساوية للنساء مع الرجال طالما أن هذه الحقوق لا "تنتهك- الشريعة " (القانون الإسلامي ) . و يضمن الدستور العراقي الجديد كذلك كافة الحقوق فى "الإتفاقيات والأعراف الدولية طالما أنها لا تتعارض مع الإسلام ". و هكذا تأتي الشريعة فى الصدارة . و بطبيعة الحال يتعارض القانون الديني مع حقوق الإنسان فى نقاط عدة و فى كل هذه الحالات يتم التنكر لحقوق النساء بصورة سافرة .
وفق الشريعة ، فقط الآباء بإمكانهم الحصول على حضانة الأطفال فى حال الطلاق . و المرأة رسميا تُقَيّم على أنها نصف الرجل فى مسائل مثل الإرث و الشهادة فى المحكمة . مدى تطبيق الشريعة و حدوده مرتهن بالحكومة و القضاة و بالطبع رجال الدين. و لكن من البديهي أن النساء قد خسرت بعدُ حقوقا أساسية و تتعرض الحقوق الأخرى كالتعليم و الصحة و الشغل و ما إلى ذلك إلى تهديد جدي .
تطور هذا الوضع جدير بالملاحظة . حين كان عبد العزيز الحكيم ( قائد المجلس الأعلى للثورة الإسلامية فى العراق)يترأسمجلس الحكومة العراقي الذى عينته الولايات المتحدة ، وُجدت مساعي لإدخال الشريعة فى قانون العائلة ، تحديدا الفصل 137. و يعمل هذا الفصل على جعل قانون العائلة مطابقا للقانون الإسلامي و محددا لحقوق المرأة . و صادق عليه المجلس فى ديسمبر 2003 فأثار هذا الفصل جدلا كبيرا فى أوساط مختلفة بما فى ذلك صلب المجلس ذاته. و لكنه لم يعلن كقانون لكون المشرف العام الأمريكي آنذاك ، بول بريمار ، لم يمضيه فى النهاية. فالولايات المتحدة الأمريكية لم تر من مصلحتها أن تصادق على القانون حينها لربما لأنه فقط قانون مؤقت و شعرت بأنه لا يستحق أن يعرضها لنقد عدد كبير من النساء و حتى بعض القوى المساندة للغزو الأمريكي ، مثل القادة الأكراد .
لكن فى جانفى 2005 ، عندما كسبت أحزاب شيعية الإنتخابات ، شرعت مجددا فى الضغط نحو تبنى دستور جديد يعتمد الشريعة أساسا له . فطالبت بمحاكم دينية لعقد الزواج و الطلاق و حضانة الأطفال و حالات الإرث .و إرتأى البعض حتى الإعتراف الدستوري بالعدالة القبلية . ووجد جدال طويل بصدد صياغة دور الإسلام . و إقترحت الأحزاب الإسلامية الشيعية التى تهيمن على الحكومة العراقية أن يعين الإسلام بإعتباره " المصدر الأساسي" لقانون العراق ،بينما أراد معارضوهم مثل الأكراد و الأقليات الأخرى دستورا يعين الإسلام بإعتباره " مصدرا أساسيا من مصادر القانون " .
بإختصار ، كلا الكتلتين أرادتا للإسلام أن يلعب دورا جوهريا فى الدستور . مع ذلك ، بعدإرتخاء بضعة الخطوط الحمراء التى فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية نظرا لتوازن القوى بين الكتل ، تدخلت الولايات المتحدة مباشرة حيث كشف المفاوضون الأكراد و السنة لاحقا أن سفير الولايات المتحدة زلماي خليزاد إقترح تعيين الإسلام ك "مصدر أولى " للقانون وبهذا ساند فى الأساس أكثر النظرات الدينية تطرفا و داس بقساوةحقوق النساء . و إستفزت المساندة الواضحة من الولايات المتحدة الأمريكية للأصوليين الشيعة و أحرجت حتى الكثير ممن كانوا قد عاضدوا الغزو الأمريكي للعراق .
و بغرض حجب هذا الدوس لحقوق النساء ، يضمن الدستور للنساء 25 بالمائة من المقاعد فى البرلمان ،غير أن هذا ليس أكثر من مسرحية . فالواقع المرّ هو أنه مهما كان عدد النساء فى البرلمان العراقي ، مع الدستور الجديد النافذ زاد إضطهاد الجيل الجديد من النساء فى العراق نسبة إلى الجيل السابق . و الغزو الأمريكي مسؤول عن هذا الوضع . و بالرغم من أن هؤلاء الأصوليين الدينيين يعكسون بالتأكيد العلاقات الإجتماعية الواقعية و يملكون قاعدة إجتماعية ، فإنهم بلغوا السلطة بفضل البنادق الأمريكية . و فى النهاية ، الولايات المتحدة الأمريكية هي التى تملى عليهم ما ينبغى القيام به و ليس العكس.
" كانت الولايات المتحدة بمثابة قابلة لدولة إسلامية فى العراق " هذا ما كتبته موافقة إيزابيل كولمان ، شريكة قديمة و مديرة برنامج النساء و السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية التابع لمجلس العلاقات الخارجية فى الجريدة النظرية غير الرسمية للطبقة الحاكمة للولايات المتحدة " الشؤون الخارجية "،جانفى / فيفري 2006. وهي تنادى بنشر النموذج عينه عبر العالم الإسلامي . و بتمويل و تشجيع من الولايات المتحدة ، ساعد "بعض المختصين فى شؤو ن النساء الذين شاركوا فى صياغة الدستور الجديد لجمهورية أفغانستان الإسلامية التى يحتلها الأمركان ، هم أيضا فى صياغة الدستور الجديد لأول نشأة جمهورية العراق الإسلامية .
تقديم الولايات المتحدة الأمريكية العون للأصوليين الشيعة ليس إعانة لغالبية السكان و ليس سياسة متبعة للخروج من تكافئ ميزان القوى داخل الحكومة العراقية . فإستعمال التقاليد الإسلامية للتفوق الذكوري يتم لإعادة إحياء العلاقات القبلية والإقطاعية التى تحتاجها الولايات المتحدة لتوفّر لإستعمارها قاعدة أمتن . و تحديد حقوق النساء و ترفيع إضطهادهن يعزز الطغاة الصغار و التخلف الإقطاعي و القبلي الذين هم أهم حلفاء الإمبرياليين الأمركان فى العراق .
تعطينا تجربة أفغانستان و تحالف الولايات المتحدة مع أكثر الإقطاعيين و الملاكين العقاريين رجعية فى ذلك البلد ، تعطينا فكرة إجمالية عن الطريق الذى تنتهجه الولايات المتحدة ، طريق يتصاعد تناقضه بحدة مع مصالح النساء الأكثر جوهرية و مصالح الشعب ككل . /.

-2- الشيوعية تكسر قيود المرأة و تحررها
التجربة الإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي و الصين بصدد تحرير النساء
( "الثورة")
الإتحاد السوفياتي من 1917 إلى 1956:
إفتكت البروليتاريا السلطة فى [ ما صار لاحقا يسمى ب] الإتحاد السوفياتي فى 1917 و شرعت فى بناء مجتمع إشتراكي جديد . قبل الثورة ، واجهت النساء إضطهادا واسعا و فظيعا . و كانت النساء عادة تباع و تشترى كعرائس و خادمات تعامل كحيوانات حمل أثقال فى المزارع و فى أعمال معامل مجهدة و مهينة .
مع إنتصار الثورة ، جاءت فى الحال تغييرات فى حياة النساء فأزالت القوانين الجديدة سلطة الرجال على النساء و الأطفال و ضمنت حق الطلاق و أمرت بالإجر المتساوي بين النساء و الرجال . و بات الزواج زواجا مدنيا و لم يعد الإحتفال يتطلب موافقة الكنيسة . و صارت العناية بالأم فى المستشفيات مجانية و فى الحال نزعت صيغة إعتبار الإجهاض جريمة و بعد ذلك فى 1920 جرى تقنين الإجهاض . و لم تعد العاهرات تتعرض للعقوبة و ألغي فى النهاية البغاء . و تم القضاء على زواج الأطفال و كذلك على بيع النساء . كما وفرت أماكن العمل عطل الأمومة و الإجهاض .
قال لينين قائد الثورة الروسية : " بينت تجربة كافة حركات التحرر أن الثورة مرهونة بمدى مشاركة النساء."
فى الإتحاد السوفياتي الإشتراكي الجديد ، جرت نقاشات و صراعات واسعة بشأن تحرير المرأة . وجد نقاش حي فى الجرائد و المجلات النسائية و المعاهد و مراكز العمل حول الجنس و الزواج و العائلة و دور المرأة فى الثورة . ووقع نقد العادات الإضطهادية البطريكية و تحديها .
و إتُّخذت إجراءات لتحرير النساء من مهام رعاية الأطفال و الطبخ و التنظيف . و وقع تركيز مطاعم و حضانات جماعية على مقربة من المصانع الكبرى و فيها . حوالي 1920-1921 كان 12 مليون شخص فى المدن و أكثر من 80 بالمائة من سكان بتروغراد و 93 بالمائة من سكان موسكو يتناولون أكلهم معا فى المطاعم المشتركة . و كان الأطفال يغذون مجانا.
فى سوفياتات آسيا الوسطى حيث كان يعيش عديد المسلمين شجعت المنظمات النساءية الثورية النساء على نبذ الخمار و النهوض بأدوار إقتصادية و إجتماعية جديدة . و فى 1927 ، أثناء إحتفالات اليوم العالمي للمرأةفى بوخارا ، مزقت 100 ألف إمرأة الخمار و حرقته ...و فى رد فعل معاد للثورة هوجمت آلاف النساء و قتلت العديد منهن على أيدى أزواجهن و آباءهن.
و نتيجة للمشركة ، توفرت فرص جديدة للنساء للإشتغال بأعمال لم يسبق أبدا أن سُمح لهن من قبل بالإشتغال بها . و نهضت النساء بمسؤوليات سياسية و إدارية فى تسيير المزارع الإشتراكية . و فى المنزل جرى تحدى السلطة البطريركية للآباء و الأزواج. و مثلت الحملة ضد الأمية فى الريف جزءا هاما من تحرير النساء .
و فى بداية الثلاثينات ، كان أقل من 40 بالمائة من نساء الريف قادرات على القراءة . و مع نهاية العقد ، أضحت 70 بالمائة منهن قادرات على القراءة .

الصين من 1949 إلى 1976 :

قاد ماو تسى تونغ الشعب الصيني إلى الإنتصار الثوري فى 1949 و قال :" لقد نهض الشعب الصيني!" و رفعت النساء رؤوسهن .
فى 1950، وضع قانون زواج جديد نهاية للزواج المدبر و لزواج الأطفال و أعطي النساء حق الطلاق . و ناضلت منظمات النساء ضد الرجال و أفراد عائلة آخرين كانوا ينتظرون من المرأة أن تضطلع بكافة أعباء المنزل و رعاية الأطفال . و ما عاد ضرب الرجل زوجته يعد "مسألة خاصة " فالنساء شكلت تنظيمات لتواجه المعتدين على النساء بالضرب و تتخذ إجراءات حازمة ضدهم .
و جرى صراع مع الرجال لتقاسم أعباء المنزل . و فى نفس الوقت ، كانت مشركة أمور مثل الطبخ و رعاية الأطفال جزءا هاما من تحرير النساء و بناء مجتمع جديد حيث يعمل الناس و يعيشون فى تعاونيات و بطريقة مشتركة . و فى بداية الخمسينات ، تم تركيز شبكة تسهيلات رعاية أطفال فى الجوار فى المدن و فى القرى الريفية و تمت إدارتها من قبل منظمات و مصانع و معاهد و تعاونيات فلاحية مجاورة فى الريف .
و مثلت القفزة الكبرى إلى الأمام فى 1958-1959 التى أطلقها ماو حركة جماهيرية عظمى .فقد كانت خطوة كبرى إلى الأمام فى تطوير الإقتصاد لا سيما فى الريف حيث وقعت تعبئة الفلاحين ليطوروا الفلاحة و الصناعات الصغرى و المحلية و تحدت التقاليد و الأفكار الإقطاعية و الإضطهادية . و تطورت أشكال فلاحة جماعية فى الريف و تركزت الكمونات أين كان يعيش آلاف الفلاحين و يعملون بصورة مشتركة .
و ساعدت العناية المشتركة بالأطفال فى تحرير ملايين النساء لتشارك فى بناء الإشتراكية . و مع سنة 1952 تضاعف عدد مراكز رعاية الأطفال فى المصانع و المناجم و المنظمات الحكومية و المعاهد ب22 مرة نسبة إلى ما كان عليه فى 1949 . و إستمر هذا التيار خلال الخمسينات و خاصة خلال القفزة الكبرى إلى الأمام. و مع حلول 1959 ، جرى تقدير أن فى المناطق الريفية هنالك تقريبا 5 ملايين مركز رعاية أطفال و حضانات و أكثر من 3.5 مليون مطعم عمومي . و أرست بعض المدن مشروع "مطاعم على العجلات" لتقديم خدمات للذين كانوا مرضى أو كان عليهم البقاء بالمنزل لرعاية الأطفال المرضى . و إنسجمت جداول عمل مراكز رعاية الأطفال مع جداول عمل المصانع و ركزت أقرب ما أمكن إلى مكان عمل النساء .
فى 1966 ، أطلق ماو الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى التى كانت تهدف إلى الإطاحة بالقادة الموجودين بالضبط داخل الحزب الشيوعي و الذين كانوا يعملون على إعادة تركيز الرأسمالية . فجرى إستنهاض ملايين الناس عبر المجتمع ليناقشوا و يناضلوا مسألة إستمرار الصين فى بناء الإشتراكية أو إعادة تركيز كابوس الإشتراكية .
فوجهت الثورة الثقافية ضربة فى الصميم لكافة التقاليد و الممارسات المتخلفة للمجتمع الطبقي . و كان النضال ضد إضطهاد النساء جزءا كبيرا من هذه " الثورة داخل الثورة ". و أطلق العنان للحملات الجماهيرية لنقد التفكير الكنفيشيوسي و الرأسمالي الذى يسند الإنقسامات الإجتماعية الإضطهادية و غير العادلة مثل التقسيم بين العمل الفكري و العمل اليدوي و بين المدينة و الريف و بين الرجال و النساء . و أنجزت مسرحيات و باليهات و أوبيرا جديدة تصور النساء كشخصيات محورية قوية و تم نشرها فى صفوف الشعب و عرضت عبر البلاد بما فى ذلك فى المناطق الريفية البعيدة . و ساهمت النساء الشابات بالملايين فى الحرس الأحمر الذى إنتشر عبر البلاد متحديا البيروقراطيين المتحصنين و قادة الحزب السائرين فى الطريق الرأسمالي .
فى الصين الماوية "النساء نصف السماء " فى بناء المجتمع الإشتراكي الجديد .
إن هذه الإختراقات التاريخية فى تحرير المرأة فى ظل الإشتراكية – فى الإتحاد السوفياتي من 1917 إلى 1956 و فى الصين من 1949 إلى 1976- عظيمة و ذهبت أشواطا أبعد من أي إختراق آخر سبق تحقيقه أو من الممكن تحقيقه فى ظل الرأسمالية . و اليوم كلا البلدان ما عادا إشتراكيين إذ هزمت الثورة المضادة سلطة الدولة البروليتارية و أعيد تركيز الرأسمالية . و إلى جانب المظاهر الأخرى للمجتمع الإستغلالي الرأسمالي ، عاد إضطهاد المراة بقوته التامة . /.


وثائق تاريخية من الصين الثورية / الماوية – النساء نصف السماء.
( "عالم نربحه " )
أ / قرارت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بصدد عمل النساء فى الوضع الراهن فى الريف و فى المناطق المحررة /1948.
إثر خوض المقاومة المسلحة لمدة ثمان سنوات ضد اليابان ، توصل الشعب الصيني أخيرا إلى إلحاق الهزيمة بالإمبريالية اليابانية. واليوم نخوض حرب التحرير الشعبية لسنتين و نصف السنة و حققنا إنتصارات عظيمة غير مسبوقة . فنظام الكومنتانغ الرجعي يمكن أن يهزم بالأساس فى غضون سنة . و تحققت هذه الإنتصارات بالتعويل على القيادة الصحيحة للحزب و القدرات القتالية لجيش التحرير الشعبي و النضالات المريرة لأفراد الشعب المدنيين . و لعبت النساء التى تشكل نصف السكان دورا عظيما فى ذلك و صارت قوة لازمة لإلحاق الهزيمة التامة بالعدو و تشييد صين جديدة .
لقد كان العمل فى صفوف النساء ناجحا بصورة خاصة منذ فيفري 1943 ، بعد أن أصدرت اللجنة المركزية " قرارات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني حول التوجه الحالي للعمل فى صفوف النساء فى كافة مناطق الإرتكاز المناهضة لليابان ". فقد قدمت هذه القرارات توجها جليا للعمل فى صفوف النساء فى المناطق المحررة و حيث وُضعت موضع التطبيق شُوهدت تغييرات ملحوظة فى العمل. و جرت التعبئة أكبر فى صفوف نساء القرى العاديات فى المناطق المحررة و إزداد تنظيمها لتشتغل فى الصناعات اليدوية و مؤسسات التموين و الفلاحة للمساهمة فى جهود الحرب بكل قوتهن. أثناء الإصلاح الزراعي، عبئت كافة المناطق المحررة نساء بأعداد وفيرة حتى لتشارك بنشاط فى تقسيم الأرض و النضال من أجل القضاء على الإقطاعية . و فى المحافظات حيث إنتهى بعدُ الإصلاح الزراعي حدث تغيير جوهري فى العلاقات الطبقية فى القرى فالأرض تقاسمها الرجال و النساء و الشيب و الشباب و أصبح عدد لا بأس به حقا من النساء ممثلات للمحافظة أو القرية ووقع حتى إنتخابهن رؤساء قرى و نواب برلمان و كوادر على مستوى القرية . و غدت النساء أكثر وعيا و حماسا و بالنتيجة حصل تغيير جوهري فى موقعهن السياسي و الإقتصادي و فى موقعهن فى الأسرة و فى المجتمع مما يفسح المجال للتحرير التام .
... ينبغى أن يدرك الحزب بأسره و كافة الكوادر المشاركين فى العمل فى صفوف النساء أن فى ظل حكومة الديمقراطية الجديدة ، كفت جميع قوانين المجتمع القديم التىأعاقت النساء أو أساءت معاملتهن و أجبرتهن على إلتزام موقع الطاعة المهين ، كفت عن الوجود .و قد صيغت قوانين جديدة تضمن المساواة المطلقة بين الجنسين فى الإقتصاد و السياسة و المجتمع أو صيغت فى الأساس فى الفترة الأولى من سلطة الديمقراطية الجديدة . و المسألة الآن هي ما إذا كنا نستطيع تطبيق هذه القوانين الجديدة عمليا . موقف تثمين الرجال و إحتقار النساء ورثناه عن المجتمع القديم و قد أعاقت كافة ألوان العادات الإقطاعية لا سيما تبعية النساء الإقتصادية للرجال وعدم التميزفى مجمل أنواع العمل و حتى إحتقارالشغل، أعاقت التطبيق السريع لحقوق النساء التى حصلت بعدُ عليها قانونيا. لذا إذا أردنا أن نكرس على الوجه الصحيح حقوق النساء ، نحتاج أن ننجز عملا أكيدا .
... بما أن الإصلاح الزراعي قد تم ، ينبغى معالجة كافة المشاكل المرتبطة بالنساء وفق ذلك بسياسات صحيحة للحكومة و التوجهات لحل المشاكل العالقة من الإصلاح الزراعي لغاية تأكيد حماس النساء للإنتاج و تعزيزه . و ينبغى أن تتوفر أوامر حكومية لضمان حقوق النساء فى الأرض . حينما تتخذ العائلة كوحدة لإصدارعقود الأرض ، يتعين أن يصدر إنذارفى العقود يذكر بأن للرجال و النساء نفس الحقوق فى الأرض. لكل فرد فى العائلة حقوق ديمقراطية فى التصرف فى الممتلكات . و إذا دعت الضرورة ، يمكن أن توجد فترة هامة للإشهار و التربية لكافة الفلاحين حتى يدرك الرجال و النساء تمام الإدراك أهمية صيانة حقوق النساء فى الأرض.
... خطوة خطوة علينا أن نقضي عن قصد على التفكير و العراقيل والعادات الإقطاعية التى تحول دون مشاركة النساء فى النشاطات السياسية و الثقافية و الإقتصادية ( و الأهم الإنتاج) . و لا يجب أن نعتقد أنه بمجرد أن تشارك النساء فى الإنتاج ستضمحل جميع بقايا الإقطاعية فى المجتمع التى لا تزال تعرقلهن ، ستضمحل طبيعيا و لن توجد حاجة إلى القيام بأي عمل آخر. هذه الطريقة من ترك الأشياء تطوّح تجهل المصالح الخصوصية للنساء وهي طريقة خاطئة . فى سيرورة الإنتاج و فى التجمعات الجماهيرية كافة و فى المنظمات الجماهيرية ينبغى أن نقدم لجميع الفلاحين التربية الإيديولوجية المستمرة حول المساواة بين الجنسين و ينبغى أن ننقد التفكير و العراقيل و العادات الإقطاعية و يجب أن نشدد على أنه ينبغى القضاء على كل العادات الإقطاعية التى تقف عائقا أمام النساء .
و يجب الصراع بصفة مناسبة كلما تطلب الأمر ذلك ضد العدد القليل من العناصر المتخلفة التى تود أن تحافظ على العادات الإقطاعية القديمة و التى تضطهد بإستمرار النساء . لكن يجب أن يدرك أن هذا اللون من الصراع صراع إيديولوجي فى صفوف الفلاحين و ينبغى أن يكون مختلفا راديكاليا عن الصراع الطبقي ضد الملاك العقاريين الإقطاعيين.
... فى توافق مع ما هو ضروري لتطوير الوضع الثوري الحالي ، ينبغى أن تتم تربية مجموعة واسعة من الكوادر النسائية الحزبية و غير الحزبية بجرأة و يتم إستخدامها و دفعها إلى الأمام لتحتل مواقع متنوعة و تعزز الكوادر فى المنظمات النسائية على الأصعدة كلها. و يتعين أن تعطى ذات الأشغال و يعطى ذات التدريب و فرص التعلم التى تعطى للكوادر الرجال ذوى نفس القدرات دون تمييز . و فوق ذلك ، آخذين بعين النظر الموقع الخاص للكوادر النساء ، يتعين أن نولي إنتباها أكبر لرفع مستوياتهن السياسية و النظرية و الثقافية و قدرتهن على العمل .و قصد تذليل صعوباتهن الخاصة ، ينبغى أن نركز الحضانات و رياض الأطفال كما ينبغى تنظيم مجموعات الكوادر النساء للتعاون المتبادل للعناية بالأطفال. لن يخفف هذا من عناء الكوادر النساء بل سيمثل أيضا بداية لعناية المجتمع بالأطفال و حضانتهم و يجب أن نحسن من تربية الكوادر النساء الجديدات العاملات فى الأرياف لا سيما تلك التى عملت فى مواقع قبلا. ينبغى أن تحضى بتدريب متّئد و بتشجيع مستمر مع عناية خاصة بتنمية عدد أعضاء الحزب.
فى المناطق المحررة الجديدة ، علينا أن نولي عناية خاصة لتدريب الكوادر النساء المحليات . و يتعين أن تضم كل مستويات المدارس الحزبية و دروس التدريب التى أقامتها الحكومة كوادر نساء كطالبات حسب برنامج مسطر. كما يتعين أن تتضمن منظمات الحزب و أقسام الدعاية على جميع المستويات تدريس و تدريب الكوادر النساء فى عملهن .
و على الكوادر النساء أنفسهن أن تعمل فى ظل قيادة الحزب و إرشاده بهمة و حماس ، مندفعة فعلا فى عملهن و متحولة إلى أكثر وحدة و أكثر فعالية . عليهن أن تدرس النظرية و السياسة و المعارف العامة و القدرات المتصلة بالإنتاج الصناعي و يجب أن تنجز النقد و النقد الذاتي و تتجاوز عراقيلهن كنساء و أن تبحث عن التقدم بمثلها الأعلى ألا وهو خدمة الشعب و تقويته. هذا هو الشرط الأساسي لتحويل الذات إلى كادر مفيد للحزب .
... وعلى الحزب أن يصحح الإيديولوجيا الإقطاعية التى تثمن الرجال و تحتقر النساء ،و التى لا تزال حية فى كل من داخل الحزب و خارجه و أن يصحح الفكرة الخاطئة لقطع العمل فى صفوف النساء عن العمل الشامل و التيار الخاطئ للقيام بالعمل فى صفوف النساء بشكل منفصل و منعزل .
على كافة الأصعدة يتعين أن تعزز منظمات الحزب من دراسة الماركسية-اللينينية و فكر ماو تسى تونغ و أن تطبقها أكثر فى طريقة قيادتها للعمل فى صفوف النساء . و يتعين أن نغرس نظرة شعبية تامة و أن تتوصل إلى إدراك سليم للسياسة حول الحركة النسائية و أن تتخطى إستباحة القانون و الفوضى فى العمل فى صفوف النساء . و ينبغى للذين يقومون بالعمل فى صفوف النساء أن يبحثوا عن الحقيقة فى الواقع و أن يلتحموا رفى غالب الأحيان بالجماهي و ينغمسوا فى العمل بصلابة و يخدموا النساء العاديات بكل قلوبهم و إرادتهم و أن يقودوا حركة النساء فى سيرها إلى الأمام . /.
ب / النساء العاملات قوة ثورية عظيمة /1973
اليوم 8 مارس هو اليوم العالمي للمرأة العاملة ، إنه مهرجان مجيد للنساء العاملات عبر العالم بأسره المتحدات فى النضال. نوجه أسمى تحيات تقديرنا للنساء الثوريات فى كافة البلدان وتهانينا الحارة إلى النساء العاملات لكل القوميات فى بلادنا!
النساء قوة عظيمة على جميع الجبهات فى الثورة و البناء الثوريين فى الصين . خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ، شاركت جماهير النساء فى المناطق المدينية و الريفية ، بنشاط فى الصراع الشرس بين الخطين منددة بالخط التحريفي . ولم يسبق أن تمت تعبئة النساء على هذا النطاق و إلى هذا المدى فى هذه الحركة . و إرتفع وعيهن بصورة متصلة فى خضم الصراع الطبقي والصراع بين الخطين. و تقدمت أعداد الناشطات إلى الأمام و غدت عديد النساء البارعات من أصل عمالي و فلاحي عناصر الأجهزة القيادية سواء على المستوى الوطني أو المحلى .
فى الحركات الجماهيرية، " فى الصناعة تعلموا من تاتشينغ" و " فى الفلاحة تعلموا من تاتشاي " ، نهضت النساء بدور يستحق نعته ب" النصف الآخر" . و تجاوزت الغالبية الساحقة للنساء المدينيات حدود منازلهن لتساهم فى العمل القيادي و العمل الإنتاجي و العمل فى منظمات "7 ماي" الإنتاجية . و إرتفع عدد النساء العاملات و أعضاء الفرق بقدر كبير . و فى عديد المناطق الريفية ، مثلت النساء القوة الأساسية . و باتت عدة منظمات على الجبهات الصناعية و الفلاحية مثل "فرق عمل 8 مارس " و "مجموعات سكك حديد 8 مارس" و مفارز الفتيات ذات الإرادة الفولاذية " و "سرية النساء الحمر" ، باتت قوة صدامية فى الإنتاج . و حققت النساء فى مجالات التجارة و المالية و الثقافة و التعليم و الصحة و غيرها بما فى ذلك أعداد وفيرة من " الأطباء ذوى الأقدام الحافية " ، حققت نجاحات جديدة فى خدمة الشعب . و ساهمت نساء المليشيات فى الدفاع عن الوطن الإشتراكي . و صهرت عواصف الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى النساء العاملات من كافة القوميات ، محدثة تقدما جديدا فى حركة النساء فى الصين و تغييرات هائلة فى نظرتهن.
إن قضية تحرير النساء جزء لا يتجزأ من قضية تحرير البروليتاريا و لولا المساهمة النشيطة للنساء ، التى تعد نصف السكان لما كان نجاح الثورة و البناء الإشتراكيين ممكنا . و الشيئ نفسه ، لن يحدث تحرير للمرأة دون إنتصار الثورة البروليتارية. و المهام الجوهرية لحركة النساء هي إستيعاب الصراع الطبقي و الصراع بين الخطين و إستعمال الماركسية-اللينينية-فكر ماو تسى تونغ لتربية جماهير النساء و القضاء على بقايا تأثير الخط التحريفي لليوتشاوتشى ومحتالين سياسيين آخرين على العمل فى صفوف النساء، و تعبئة النساء لتشارك بنشاط فى الصراع بين الطبقتين و بين الطريقين و بين الخطين . و من الخاطئ النظر إلى العمل فى صفوف النساء و التعاطي معه دون أن نأخذ بعين الإعتبار الصراع الطبقي و الصراع بين الخطين بحكم أن ذلك سيجعل من المستحيل قيادة حركة النساء فى الطريق الصحيح .
و فى الوضع الراهن ، نقد التحريفية وتصحيح أسلوب العمل مهمة ذات أهمية أولى بالنسبة للحزب و البلاد قاطبة . و القيام بعمل جيد فى هذه المهمة هو مفتاح القيام بعمل جيد فى كل قطاع أو مكان . فى العمل النسوي أيضا ، ينبغى أن تعطى له الأولوية . فيتعين أن نعبئ النساء للقراءة و الدراسة الجديين كيما تقدر على إستيعاب جوهر الخط التحريفي الذى يدافع عته ليوتشاوتشى و محتالين سياسيين آخرين و نقده بصورة شاملة و كيما ترفع قدرتهن على الفرز بين الماركسية الحقيقية و الماركسية المزيفة و يشتد وعيهن بضرورة تكريس الخط البروليتاري الثوري للرئيس ماو .
و بينما نقوم بنقد التحريفية و نصلح من أسلوب عملنا ، من الضروري أن نوفر للنساء فهما أفضل للوضع السياسي و ان نستخدم الوضع السياسي المحلي و العالمي و النجاحات التى حققتها النساء فى شتى المجالات لنلهم حماسهن السياسي و العملي . و لا يجب أن تعتني النساء الثوريات الصينيات بالثورة و البناء هنا فقط بل يجب أن تعتني أيضا بالنضالات الثورية لشعوب و نساء جميع البلدان و أن تهتم بكل من الوطن و العالم و تضعهما فى قلبها و أن تظهر الأممية البروليتارية و تجتهد لتساهم فى التحرير الشامل للبشرية .
عبّد إنتصار الثورتين الديمقراطية و الإشتراكية فى الصين طريقا عريضة لتحرير النساء . و يوجد اليوم النساء و الرجال فى مواقع متساوية فى المجالات السياسية و الإقتصادية و الثقافية و فى الحياة الأسرية. بيد أن الصين عاشت فى ظل حكم إقطاعي لألفي سنة وورّثت الطبقات المستغِلّة الصينيين أفكارا عميقة الجذور من التمييز العنصري ضد النساء و النظر إليهن كعبيد وذيول و اليوم لا تزال الطبقات ولا يزال الصراع الطبقي موجودين فى مجتمعنا و يظل من غير الممكن اليوم القضاء المبرم على بقايا الأفكار القديمة التى تحط من شأن النساء و لكن إهمال تدريب المزيد من الكوادر النساء و غض النظرعن إعطاء الرجال و النساء أجرا غير متساو لعمل متساو فى المناطق الريفية و عن إظهار عدم الإستعداد للقبول بالنساء كعاملات فى بعض المصانع و عن التأثيرات الإقطاعية المتبقية بصدد الزواج ، كل هذا إنعكاس لمثل هذه الأفكار القديمة . و من اللازم أن نخوض صراعات طويلة الأمد ضدها بهدف تجاوز فكرة النظر للنساء نظرة دونية . و فى ما يتعلق بالأجر حسب العمل ، ينبغى إعطاء الرجال و النساء أجورا متساوية مقابل عمل متساوى و لا يجب أن يتصرف أي مصنع بتمييز عنصري ضد النساء عند إنتداب العمال الجدد . و علينا أن نقضي على العادات و التقاليد القديمة بصدد الزواج و أن نرسي معايير إشتراكية جديدة.
برز عدد كبير من الكوادر النسائية. و هذا مؤشر هام على تحرير الصين .و من أجل أن نفسح المجال للنساء للمشاركة فى النشاطات السياسية و فى الإنتاج و العمل و الدراسة ، من الضروري أن نساعدهن على التعاطى السليم مع مسائل مثل الحب و الزواج و الميزات الخاصة و الإهتمام بأوضاعهن الخاصة و معالجتها. يلزم ألا نبخل ببذل قصارى الجهد لإدارة الحضانات و رياض الأطفال بطريقة جيدة و يلزم أن نقوم بعمل جيد فى ما يتصل بالأمومة و رعاية الأطفال . و يتعين أن نشجع الزواج فى سن متأخرة نسبيا و التخطيط للإنجاب كما يتعين أن نشجع الرجال و النساء على تقاسم الأعمال المنزلية . و من الهام مثلما علمنا لينين :" إشراك المرأة فى العمل الإنتاجي الإجتماعي ، و إنتزاعها من "العبودية البيتية " ، و تحريرها من نير الخضوع – المخبل و المذل، الأبدي و الحصري- للمطبخ و غرفة الأولاد : تلك هي المهمة الرئيسية ".
ينبغى أن تعتني لجان الحزب على المستويات جميعهاعناية كبيرة بالعمل فى صفوف النساء و أن تعزز قيادتها فيها سياسيا و إيديولوجيا.و علينا أن نعيّن بعض الأعضاء للنهوض بمسؤولية العمل و ينبغى توطيد منظمات النساء على جميع الأصعدة و تجويد نشاطاتها حتى تقدر على العمل كمساعدات للجان الحزب فى إنجاز العمل النسوي و كمنظمات مناضلة فى تعبئة جماهير النساء. لزاما أن نعيّن عددا من الكوادر ليضطلعوا بالعمل فى صفوف النساء و يربوهن من أجل الترويج لفكرة العمل الجيد فى سبيل الثورة و تخطى الفكرة الخاطئة للحط من قيمة مثل هذا العمل . فى تخطيط النشاط الجوهري ، من الضروري أخذ المميزت الخاصة بالنساء بعين الإعتبار و إتخاذ الإجراءات المناسبة و تكريس سياسة تعبئة كل الرجال و النساء.
قال الرئيس ماو:" تغير الزمن و اليوم الرجال و النساء متساوون . ما يقدرالرفاق الرجال أن ينجزوه بإمكان الرفيقات النساء أن تنجزه كذلك ". و لقد قدم الرئيس ماو على الدوام كبير التشجيع للنساء . و عليهن أن ترفع من طموحاتهن و أن تجتهد فى الدراسة و تبذل قصارى الجهد لتقدم مساهمات جديدة و حتى أعظم فى الثورة الإشتراكية و البناء الإشتراكي!
اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني/8 مارس 1973

حرب الشعب و تحرير المرأة فى النيبال : الكفاح و التغيير .
إرتأينا فى هذا الباب أن نقترح عليكم مقتطف من مقال هو شهادة حية لصحفية شيوعية ماوية أمريكية، لي أونستو، سافرت إلى النيبال و عاشت لفترة بين صفوف الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) و جيش التحرير الشعبي فى خطواته الأولى و نقلت ما رأته و سمعته عن كثب إلى بقية العالم كاسرة بذلك الحصار الإعلامي الذى كان مفروضا على حرب الشعب الماوية فى النيبال فى سنواتها الأولى. و قد صدرت مقالاتها التى أرسلتها إلى جريدة "العامل الثورى" /"الثورة" لسان حال الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية.
و يُعنى المقتطف بصورة إجمالية بكيف حررت حرب الشعب و لا تزال النساء فى النيبال .
و من يود التعمق فى المسألة فعليه/ فعليها بكتاب لي أونستو وبالوثائق التفصيلية القيمة بقلم الرفيقة برفاتي القيادية فى الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) و المسؤولة عن قسم المرأة فيه و التى نوردها فى الفصل الثالث من مؤلفنا هذا :
1- مشاركة المرأة فى حرب الشعب فى النيبال .
2- مسألة جعل النساء فى مراكز قيادية فى حرب الشعب .
3- مشاركة المرأة فى الجيش الشعبي .
--------------------------------------------------------------------
فى 1998 ، حينما سافرت عبر النيبال لتغطية صحفية لحرب الشعب التى يقودها الحزب الشيوعي النيبالي(الماوي) ، كانت راشانا واحدة من المرشدين الذين صاحبوني . فى ظلام الليل دفعتنى أيديها الممتدة عبر الأجزاء الأكثرحدة فى الجبال وثبتتنى حين كنت أشارف السقوط ، عابرين وديان خطيرة . شأنها شأن أغلب الأنصاريات و الأنصاريين فى الجيش الشعبي ، كانت راشانا شابة من أصل فلاحي . و لأيام و ليالي طوال ، كانت تتسلق الجبال صعودا و نزولا ، بنفس سرعة و ثقة الرجال فى الفيلق وهي تحمل أشياء ثقيلة الوزن إلى جانب بندقيتها.
سألتها يوما هل تريد أن تحدثنى عن حياتها . فى البداية ترددت و بدت عليها الدهشة من طلبي إجراء حوارصحفي معها . ثم أجابت : " موافقة على أن نقوم بذلك لاحقا ، بعد العشاء . أولا ، أريد أن أفكر فى ما سأقوله ". و نظرا لمجرى الأحداث عندها ، لم تتوفر الفرصة للجلوس و الحديث إلا بعد بضعة أيام ، حين بلغنا الحدود حيث كان علينا الإفتراق . لقد رأتنى راشانا أجرى حوارات مع قادة الحزب و الجيش والآن كانت تبدو مستعدة و متحمسة لتكون كلماتها مخطوطة فى سجلي . و لما سألتها أن تحدثنى قليلا عن عائلتها و كيف ترعرعت كإمرأة فى قريتها ، قالت :
" عائلتي متكونة من 11 فردا هم أمى و أبى و ثلاث إخوة و أختان و زوجة أخى و ثلاث من أبناء عمومتى . أنا البنت الكبرى ، عمرى 18 سنة و عائلتى عائلة فلاحين من رولبا. سمح أبى و أمى للأولد الثلاثة بالذهاب إلى المدرسة و لم يسمحوا لى أنا بذلك . قالوا لى إن الدراسة عديمة الفائدة بالنسبة لبنت لأنها ستتزوج و تلتحق بمنزل عائلة أخرى . حينها شعرت بأنى فى غاية التعاسة. و عندما فتح قسم كبار للدراسة لمدة ستة أشهر فى القرية ، ذهبت لتعلم القراءة و الكتابة غير أن أبى كان دائما يطالبنى بعدم الذهاب و يأمرنى عوض ذلك بالإلتحاق بالغابة لجمع الأعشاب و الحطب."
و إستمرت راشانا فى الحديث لتروي كيف إلتحقت بالجيش الشعبي:
" قبل إنطلاقة حرب الشعب ، لم أكن أعرف شيئا عن السياسة و الأحزاب لكن بعد الإنطلاقة إقترح علي أحد أقربائي أن أشارك فى المجموعة الثقافية المحلية و طلب منى الذهاب إلى مكان التدريب.و لم أقل لأمى أو أبى عن ذلك فقط أبلغت أخى الأكبر الذى ردّ :" واصلى ، إذا اردتى الموت ... هل تستطيعين حمل بندقية على كتفيك ؟ " أجبت :" لم تعطونى فرصة للدراسة و الآن أنا مستعدة لمعالجة مشاكل الشعب و الأمة . أريد أن أقاتل من أجل التحرير .إذا لم تسمحوا لى بالذهاب فإننى سأتمرد."
" جاء أحد الرفاق الحزبيين المحليين ليتحدث مع العائلة و كرر زياراته ليناقش السياسات الثورية و حرب الشرب مع أعضاء العائلة. قبل سنة من الآن ، عقب عديد النقاشات سمح لى أبى و أمى لحسن الحظ بالإلتحاق بالحزب . و شرعت فى العمل فى المنظمة النسائية و شاركت فى ميليشيا النساء . ثم ، قبل ثمانية أشهر ، إرتقيت على العمل ضمن هذا الفيلق . و أنا متفائلة بشان حرب الشعب . "
" و الآن يملك جميع أعضاء عائلتي وضوحا حول السياسة و حرب الشعب . و جميعهم منخرطون فى المنظمات الجماهيرية و أختى الصغرى ذات ال15 نسة من العمر تزاول تعليمها بالمدرسة . حين كنت أتلقى الدروس الموجهة للكبار لم يكن لدي وقت للدراسة . و لكن ضمن الجيش الشعبي لدى وقت للدراسة و القراءة و الكتابة و يعيننى على ذلك رفاق آخرون . و الآن بمقدوري قراءة الجرائد و كتابة الرسائل . قبلا كنت مستعدة للعمل الحزبي لكن إثرالإلتحاق بالفيلق ، شاركت فى حدث و أصبحت على إثره حتى أكثر إلتزاما. كنا 14 عنصرا نتنقل من مكان لآخر و نصبت لنا الشرطة كمينا . قُتل أحد الرفاق و الآن لدي إلتزام قوي بالإنتقام. سأقاتل العدو طالما ظلت بجسدى قطرة دم . أنا سعيدة للغاية فى الوقت الحاضر و بالتأكيد سنبلغ هدفنا."
وصف راشانا لكيفية حرمانها من التعليم يعكس بصفة نموذجية طريقة معاملة النساء فى النيبال . فى ريف النيبال ، هنالك مثل شعبي : أن تكون لك بنت كما لو أنك تسقى شجرة جارك . لا تنال سوى التعب و مصاريف النبتة أما الغلة فيقطفها غيرك".
فى ظل الإقطاعية البنت "مفيدة " و "ذات قيمة" فى صغرها طالما تستطيع أن تقوم بالأعمال المنزلية . لكن وفق هكذا تفكير إقطاعي ، من غير المفيد "الإستثمار" فى تمكينها من التعليم لكونها ستنتهى إلى الزواج و مغادرة العائلة و العيش ضمن عائة أخرى و فى خدمتها. وإلتقيت عددا من النساء اللاتى تم السماح لهن بالإلتحاق بالمدرسة ، على الأقل إلى حد التعليم العالي . غير أنه عندما زرت المعاهد لاحظت أن الطلبة كلهم تقريبا من الذكور.
عشية ، شاهدت راشانا تدرس و تتمرن على القراءة و الكتابة و عيناها عالقة بزاوية صفحة وهي مركزة تركيزا عميقا. فكرت كيف أن هذا المشهد يتكرر فى مناطق أنصارية أخرى : نساء فلاحات شابات أميات تواجه لا أقل من مستقبل تحمله على ظهورهن تغادر القرى و ترفع السلاح و تتعلم القراءة و الكتابة و تدرس السياسة . إلتقيت عديد النساء المشابهات لراشانا ، نساء صرن متملردات على الطريقة التى يضطهد من خلالها المجتمع الإقطاعي النساء و إغتنمت الفرصة لتلتحق بحرب الشعب .
فى كل مكان قصدته ، كان يبدو و كأن النساء تملك حماسا فياضا خاصا لهذه الثورة . رأيت ذلك فى أعين النساء المسنات اللاتى عانت سنوات طوال من ضغط العلاقات الإقطاعية و التى تريد الآن أن تقاتل من أجل نوع جديد من المجتمع. و سمعته فى كلمات نساء شابات لم تدرس أبدا بالمدارس و تحدثن عن مدى حماسهن لما قامت لأول مرة بعملية مسلحة . و شعرت بذلك فى تصميم و روح النساء اللاتى فقدت أزواجهن و أبنائهن و بناتهن غير أنهن مستمرات فى معاضدة الأنصاريين و مساعدتهم مجازفات بحياتهن ذاتها.
تعنقد هذه النساء حقا فى أن النضال ضد إضطهاد المرأة يشق طريقه فى خضم حرب الشعب هذه . لذا عندما إنطلق الكفاح المسلح فى 1996 ، كان بمثابة فتح باب سجن خرجت منه آلاف النساء مسرعة لتطالب بمكان متساو فى الحرب. و كان على البعض منهن أن تتحدى الآباء و الإخوة و كان على البعض الآخر أن تترك الأزواج ذوى التفكير المتخلف. و هربت نساء أخريات من الزواج المدبر حيث يقرر الأولياء مصيرهن . و كان عليهن جميعا أن تتمرد على العلاقات الإقطاعية التى تعامل النساء بنظرة ونية تجعلهن تشعر بأن لا أهمية لأفكارهن .
دفع حركة التاريخ إلى الأمام :
من حديثى إلى جملة من النساء المشاركات فى الثورة فى النيبال ، تمكنت من لمس أن الثورة تتحدى بوضوح أفكار الناس الإقطاعية و البطريركية /الأبووية الذكورية حول أدوار النساء و تغييرها . بيد أن هذه التغييرات ليست بجلاء سوى الخطوات الأولى فى معركة طويلة لتحرير النساء فى النيبال.
حينما أجريت حوارا صحفيا مع براشندا ، قائد الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) سألته الحديث عن قضية تطوير قائدات فى بلد أين إضطهاد المرأة عميق الجذور فى العلاقات الإقتصادية و الإجتماعية فقال لي :
" قبل إنطلاق حرب الشعب ، لم يقع نقاش قضية النساء بجدية فى حزبنا. و كانت هذه نقطة ضعف لدينا. ففى مجتمعنا ، سادت لمدة طويلة الهيمنة الذكورية و العلاقات الإقطاعية . بصورة عامة كنا متفقين على أن قضية النساء قضية مهمة . كشيوعيين نعرف هذا . لكن بشكل ملموس ، بصفة جدية ،سأقول إن قبل الإنطلاق فى حرب الشعب لم نكن جديين بما فيه الكفاية بصدد قضية النساء . و لأننا لم نكن جديين لم توجد عديد الرفيقات فى مقدمة الحركة . وجدت بعض المتعاطفات و بعض المنظمات غير أنه لم يبذل كبير جهد لتطويرها إلى رفيقات. ثم عقب الإنطلاقة بالضبط برزت القضية و برزت بجرأة . بالخصوص من تجربتى الخاصة ، تأثرت كثيرا خلال السنة الأولى من الإنطلاق فى حرب الشعب ، شاهدت على أرض المعركة فى المنطقة الأساسية تضحية النساء و نضاليتهن و بطولاتهن و إخلاصهن. حين رأينا جماهير النساء تلتحق بساحة الصراع ،شرعنا فى النقااش الجاد لقضية النساء ".
و إستطرد براشندا ليتحدث عن مختلف المشاكل التى واجهوها فى تشريك النساء و تطوير قيادتهن . لقد باشروا نقاش تنظيم العناية بالأطفال و شجعوا الأزواج الشبان المساهمين فى النضال على تأجيل إنجاب الأطفال لعدة سنوات حتى لا تنتهى النساء مقيدات من جديد بشؤون المنزل. و كانوا كذلك يسعون إلى معالجة الأمية ضمن النساء و نقص مراقبة الولادات .
أعدت التفكير فى الحوار لما طالعت مقالا فى جانفى 2003 يحمل عنوان " مسألة جعل النساء فى مراكز قيادية فى حرب الشعب ." بقلم برفاتى ، عضوة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) و رئيسة قسمه الخاص بالنساء . فى هذا المقال ، تطرقت الرفيقة برفاتى إلى المشاكل التى تواجه الحزب فى تطوير قياديات من النساء . قالت إن النساء إلتحقن بجيش التحرير الشعبي بإعداد خارقة للعادة و كشفت عن تضحيات و إخلاص جسيمين إلا أن قلة فقط منهن إستطاعت أن تتطور كقائدات فى الكفاح العسكري و تتساءل النساء ذاتهن عن نوعية مساهمتهن.

ألفيت هذا النقاش باهرا ذلك أن النظرة لم تكن لا روماطنيقية و لا بعيدة عن الواقع حيث وقع تناول دور النساء فى حرب الشعب بصراحة المشاكل المستمرة داخل الحزب ذاته بهذا المضمار .
وفق الرفيقة برفاتى ، حين تتزوج النساء و تصبح لديهن أطفال تتقلص عادة مشاركتهن أو تتوقف و بالتالى فإن مؤسسة الزواج قد "سرقت منا نساء قياديات واعدات " و بينما يواصل الرجال مشارتهم فى جيش التحرير الشعبي بالكاد توجد أية نساء تظل فى صفوف الأنصاريين بعد بلوغهن ما يربو على ال25 سنة .
تقول الرفيقة برفاتي إن الأمور تسير ضد النساء المشاركات و إستمرار المساهمة فى النضال الثوري ، لا سيما فى صفوف جيش التحرير الشعبي ، مما يقتضى تضحيات هائلة و فى المناطق التى يسيطر عليها الماويون ثمة صراع ضد المؤسسات و الأفكار التى تمنع المشاركة المتساوية للمرأة فى المجتمع . لم تزل التقاليد و الإيديولوجيا الإقطاعية المتجذرة مثل النظرة التى مفادها أن النساء لا ينبغى أن ترث أو تمتلك أرضا أو أنه ينبغى تحديد نشاط النساء فى مهام معينة و عدم السماح لهن بالقيام بمهن أخرى ، لم تزل تمارس تأثيرا شديدا بما فى ذلك صلب الثوريين ذاتهم . تقول الرفيقة برفاتى إن هنالك أحيانا ضغطا غير مباشر أو مباشر على الكوادر النساء لكي تتزوج ، و النساء غير المتزوجات محل شك من طرف الرجال و كذلك النساء . و بالنتيجة ، تنتهى بعض النساء إلى الزواج ضد إراتهن أو قبل أن تكون مستعدات فعلا للزواج . و لا يزال يوجد تيار داخل النساء ينظر نظرة إحتقار إلى النساء غير المتزوجات و المطلقات أو اللاتى تزوجت أكثر من مرة .
فى المجتمع النيبالي ثمة ضغط كبير على النساء كي تعتني بتنشأة الأطفال و بخاصة الأولاد . و لئن خففت الثورة من هذا إلى حد معين فلا يزال هنالك ضغط على النساء كي تنجب على الأقل طفل . و ينتظر من النساء بعدُ أن تتحمل المسؤولية التامة فى العناية بالأطفال .
متحدثة عن بعض النساء التى إلتحقت بالثورة ، كتبت الرفيقة برفاتي :" مع كل طفل يولد تغرق النساء أكثر فى العبودية البيتية . فى الواقع ، تشكو عديد النساء اللاتى أنجبنا أطفالا من كون الأطفال يجعلونهن فى وضع يشبه من يتلقى إجراءات تأديبية ذلك أنهن ينقطعن عن أنشطة الحزب لمدة زمنية طويلة . و هكذا تسقط عديد المناضلات الشيوعيات فى النسيان منذ زواجهن من رفيق من إختيارهن. و الأمر كذلك لا سيما فى المناطق التى يهيمن عليها الرجعيون لأن النساء لا يتمتعن بأية دعم من الجماهير و من الحزب طوال السنوات التى تنهض فيها بوظائف التناسل ".
و تشير الرفيقة برفاتي كذلك قضية "الفكر المحافظ" داخل الحزب بما يقود إلى :" تكليف الكوادر النسائية بمهام توصف بالأنثوية . و هكذا لم تستطع المشاركة فى صياغة سياسة الحزب فى ميادين أخرى . " و أشارت إلى أنه "عمليا ، يجرّ هذا إلى العفوية التى تناقش مشاكل المرأة و لا تمر إلى التطبيق لأنه يترك للظروف اللعب لصالح التناظر للحصول على درجة أرقى. وقالت : " لمسنا عادة عدم تدخل الحزب ضد التقسيم التقليدي للمهام بين الرجال و النساء بمعنى ترك الرجال يتكفلون بالعمل الفكري بينما تنهض النساء بالعمل اليدوي . و يتمظهر هذا فى مساواة صارمة ترفض رؤية الظروف و الحاجيات الخصوصية للنساء وهو ما يبرز حتى أكثرحين العادة الشهرية أو حينما تكون النساءحوامل."
إن العلاقات و الواجبات الإقطاعية تمارس هي الأخرى تأثيرا على كيفية نظر النساء لذواتهن و نوع العلاقة المتبادلة بين الرجال و النساء فى كل من الحزب و جيش التحرير الشعبي . فمن الممكن أن ترى بعض النساء الزواج و الأمومة كقطيعة فى مسيرتهن السياسية /العسكرية . و تشير الرفيقة برفاتى إلى أن الكوادر النسائية :" عادة ما تبدى النساء تبعية و تطبق توجيهات الحزب بشكل أعمى دون طرح أسئلة ، بالضبط كما كانت تطيع أبائهن قبل زواجهن ، و أزواجهن فى ما بعد و فى الأخير أبنائهن لما تترمل. " و أكدت أن هذا يفضى أحيانا إلى أشياء مثل الحمل غير المبرمج و إتباع النساء للخط السياسي لأزواجهن بصورة عمياء .
و فى ما يتصل بالرجال فى الحركة الثورية ، لفتت الرفيقة برفاتي النظر إلى أنه بينما للنساء مشاكل فى فرض نفسها فإن للرجال مشاكل مع " للرجال صعوبة فى التخلى عن موقعهم المتميز الموروث من الهيكلة الأبوية . و يظهر هذا بألف وجه و وجه . مثلا فى قبولهم الشكلي لبلوغ النساء مصاف الكوادر بينما فى عمقهم لا يقبلون ذلك ". و شددت على أن الرجال يبدون أحيانا " فقدان الصبر أمام الأخطاء التى ترتكبها النساء و النقص فى إحترافهن...و عدم إهتمامهم بقراءة ما يتعلق بالمسائل النسائية كما لو لم يكونوا معنيين. و يوجد كذلك تيار عودة الرجال للتقسيم التقليدي للعمل حسبه ينجز الرجال "العمل الفكري" ...مبعدين النساء نحو الأعباء المنزلية اليومية".
و هذه جميعها قضايا واقعية برزت فى مجرى محاولة تطوير قياديات من النساء فى حرب الشعب . و مذاك حقق الحزب الشيوعي النيبالي(الماوي) تقدما على هذه الجبهة .
زمن زيارتى ، سنة 1999 ، كان نساء أعضاء ضمن عديد الفرق و السرايا لكن كان هناك عدد قليل من النساء فى المواقع القيادية فى جيش الشعب و فى الحزب . والآن ، تسجل الرفيقة برفاتي ، تحقق خطوات حقيقية إلى الأمام فى تطوير قياديات من النساء وفى تخريط النساء فى صفوف الثورة : فى2003 ، وجدت الكثير من النساء فى اللجنة المركزية للحزب و عشرات النساء على مستوى المناطق و الخلايا الحزبية . فى جيش التحير الشعبي ، وجد العديد من النساء القياديات و نائبات قادة فى أقسام مختلفة داخل السرايا و الفرق و المليشيا . و فى مجلس الشعب الثوري الموحد ، نواة الحكومة المركزية للمناطق الواقعة تحت السيطرة الماوية ، هنالك أربعة نساء من أصل 37 عضو. و صارت مشاركة النساء فى كافة مستويات المجالس الشعبية إجبارية . فى الجهة الغربية للنيبال وحدها ، هنالك ألف و خمس مائة وحدة نسائية و يبلغ العدد الجملي فى المنظمة النسائية الجماهيرية 600 ألف . و فى المجال العسكري ، توجد عشر نساء قائدات فرق فى القوة الأساسية وإمرأتان قائدتان فى القوة الثانوية و عديد قائدات المليشيا فى القوة القاعدية . و المسؤولة الأولى عن فرقة قطاع الصحة لقوة كتببة إمرأة .
---------------------------
عندما ودعت راشانا ، قبل سنوات فى جبال روكوم ، لم تعرف كل منا ما الذى كان يضمره المستقبل . و هذه السنة ، فى اليوم العالمي للمرأة سأتذكرها و أتذكر نساء النيبال اللاتى تأخذنا جميعا بإتجاه المستقبل ./.








(3)
حركة نسائية من أجل عالم آخر بلا رجعية و لا إمبريالية
شعارنا للثامن من مارس 2007، هو " لا للرجعية ، لا للإمبريالية ، لنصنع عالما آخر !"
المنظمة النسائية 8 مارس (إيران – أفغانستان ) ======================================================================
1- المنظمة النسائية 8 مارس (إيران- أفغانستان )
من نحن؟
نحن مجموعة من النساء من إيران و أفغانستان ، نساء لهن مسارات مختلفة و لهن درجات متفاوتة من التجربة فى النشاطات الإجتماعية و السياسية . فى البداية، تجمعنا مع نهاية 1997 لنعمل من أجل القضاء على الإضطهاد الجنسي و العلاقات الشوفينية – الذكورية . بعضنا جذورهن تعود إلى تجربة ثورة 1979 فى إيران حيث إنطلقت حركة النساء ضد فرض الخمار . و البعض الآخر بدأ بمعارضة طالبان فى أفغانستان. و البعض الآخر ناشط ضمن تنظيمات يسارية و البعض منا فقط لم تعد قادرات على إحتمال أن تتم معاملتهن كبشر من درجة ثانية من قبل المجتمع أو من قبل عائلاتنا. لكن لدينا نقطة مشتركة هي تصميمنا النضال ضد إضطهاد المرأة .
نعتقد أن النضال من أجل تحرير النساء نضال سياسي وحين تنهض النساء ضد العلاقات البطريركية سوف تشارك حتما فى السياسة . و نعتقد أن السياسة هي المجال الذى سوف تتم فيه تصفية الحساب مع النظام الأبوي و الإضطهاد الجنسي الناجم عنه . لكن بالسياسة لا نقصد الحكم السياسي للدولة و إنما السياسة المستقلة عن الحكام الأصوليين الإسلاميين الرجعيين و الذين يعللون حكمهم .
نعتقد أنه من أجل بلوغ أهدافه ، على نضال النساء أن يكون مستقلا عن الحكام المكّرسين للتفوق الذكوري فى العالم
و يحتاج هذا النضال أن يكون مستقلا عن الرجال أيضا .
و فى الوقت نفسه ،بإمكان النساء أن تتدخل فى المجال الإجتماعي و بشكل أخص فى المجال السياسي فقط حينما تحرر أنفسهن من السلاسل التى تشدهن إلى المنزل.
نجتهد لنناضل ضد كافة أشكال إضطهاد النساء المفضوحة منها والمتسترة . إننا لا نشجع أشكال الإضطهاد الأخف و "الأرق" التى تعاني منها أخواتنا فى الغرب و نرى أنفسنا جنبا إلى جنب مع النساء فى الغرب ضد الدول المبنية على التفوق الذكوري و علاقات التفوق الذكورية السائدة فى تلك البلدان .
نشاطاتنا تتمثل فى المبادرة و المشاركة فى حملات تتمحور حول القضايا الإجتماعية و السياسية . وهذا يتضمن حملات ضد إعدام النساء ، بما فى ذلك الرجم حدّ الموت فى إيران و أفغانستان بسبب ما يسمى جريمة الزنا أو البغاء إلخ ، وحملات تدافع عن حقوق المهاجرين وضد الإضطهاد و إرتكاب مجازر فى حق المساجين السياسيين . و قد ساهمنا بنشاط فى النضالات ضد غزو الولايات المتحدة و الغرب لكل من أفغانستان و العراق . سنويا، نحيى اليوم العالمي للمرأة ،8 مارس ، و نجتهد فى العمل على إحياء هذه الإحتفالات مع أخواتنا حول العالم . فى المدة الأخيرة ، دشنّا ، مع نساء ناشطات أخريات، حملة من أجل إلغاء كافة القوانين الجائرة ضد النساء فى إيران . لنا فروع فى ألمانيا و إنقلترا و هولندا و سويسرا و كندا و تركيا.
ننشر مجلة فصلية ، منذ 2001، إسمها هاشتى مارس (8 مارس بالفارسية ) ،إضافة إلى مقالات تتناول وضع النساء فى أفغانستان و نضالاتها ، و نقاشات داخل الحركة النسائية الإيرانية و قضايا الوعي النسائي . و كذلك نقوم بالتحليل السياسي و فضح الإمبريالية و الرجعية و إلى جانب ذلك نقوم بالنقد الثقافي و كل ذلك من منظور مصلحة النساء . نجتهد لنكون منصة للنساء اللاتى تفضح بلا خوف البطريركية و التفوق الذكوري . عنواننا على الإنترنت (...) يساعد بشكل أوسع على نشر وجهات النظر النسائية التقدمية و أيضا تقارير النساء عبر العالم و نضالاتهن.
لا نرى النضال ضد إضطهاد النساء فى إيران و أفغانستان معزولا عن بقية العالم و نساهم فى مختلف الندوات لنجعل الناس يسمعون عن وضعنا . هذه السنة ، كانت مشاركتنا فى التجمع المناهض للثمانية الكبار /ج8 فى إسكتلندا مثالا عن كيفية أننا فى نفس الوقت الذى نشارك فيه فى قضية مشتركة مع الشباب و الكهول الذين يعتقدون فى "عالم آخر ممكن" ، فضحنا الذين يساندون بصورة غير مشروطة نضال الأصوليين الإسلاميين ضد الولايات المتحدة ، مشيرين إلى أن إضطهاد نصف السكان لا يمكن أن يقود إلى تحرير الإنسانية .
نحن منظمة مستقلة تعّول فى هذا النضال على جهودها الخاصة فحسب. و ندعو نساءنا و الذين يرون أنفسهم إلى جانب النضال ضد البطريركية أن يتقدموا ليساندونا. بإمكانكم أن تنشروا الكلمة حول وضع نساء إيران و أفغانستان و أن تجعلوا الجميع يعلمون بنضالنا .إحضروا تجمعاتنا و ساندونا ماديا كي نتمكن من نشر كلمة المقاومة و نضال نساء إيران و أفغانستان عبرالعالم و معا بإمكاننا القضاء على البطريركية.
المنظمة النسائية 8 مارس
أكتوبر 2005
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
مواقف و نضالات
- إلى الرجال و النساء المناهضين و المناهضات للإمبريالية المشاركين و المشاركات فى المنتدى الإجتماعي العالمي .
- من المنظمة النسائية 8 مارس (إيران – أفغانستان ) ، 16 جانفى 2004
2- شيرين آبادى لا تتطلع ل " عالم آخر" !
- تحياتنا لكافة الثائرين و الثائرات المساهمين و المساهمات فى المنتدى الإجتماعي العالمي بمومباي!
- لنتضامن فى النضال ضد النظام العالمي للإستغلال والجشع! و ضد دعاة الحرب الإمبرياليين !
- تحية إلى كافة الأخوات المناضلات عبر العالم من أجل تحرير المرأة !
لقد بلغ علمنا أن شيرين آبادى من إيران ستلقى كلمة فى المنتدى . لذا قررنا أن نحيطكم علما بوجهات نظرها و سياساتها الخاطئة و التى نعتقد أنها مضرّة للغاية بقضية تحرير المرأة الإيرانية من إضطهاد جمهورية إيران الإسلامية .
منطلق نقدنا لها هو هذا الشعار الكبير : " عالم آخر ممكن ، لنناضل من أجله ". فشيرين آبادى ببساطة لا تعتقد فى هذا الشعار إذ هي تقف مع الوضع السائد وهي تمثل فى إيران التيار السياسي الذى يعتقد فى إصلاح النظام الإسلامي المتداعي و الفاسد و الإضطهادي بصفة مطلقة و المعادي للمرأة ، من الداخل. و هذا لا يعنى أنها و أصدقائها الحاملين لنفس الأفكار قد لقوا معاملة حسنة من طرف النظام الإسلامي بالعكس أحيانا سجنوا بسبب النقد المعتدل و بالرغم من موقفهم التوفيقي و المطيب للخاطر إزاء النظام الإسلامي . المشكل مع هؤلاء الناس هو أنهم يخشون أكثر تمرّد الشعب الثوري فى إيران أكثر مما يخشون النظام الإسلامي ذاته.
إنها تدافع عن ما يسمى " الجناح الإصلاحي" للنظام الإسلامي فى إيران الذى يرمز إليه رئيس البلاد (خاتمى ) و غالبية البرلمان الإسلامي . و تقوم بذلك ليس لأنه يعمل حقيقة على " إصلاح " جمهورية إيران الإسلامية . لا! فهذه الكتلة من النظام ليست سوى جماعة مصلحية أخرى فى صفوف نظام الجمهورية الإسلامية المطلقة الرجعية . شيرين آبادي و أشباهها ساندوا و لا زالوا هذا الجناح من النظام لأنهم يعتقدون أنه ليس للشعب الإيراني أي خيار آخر سوى الإختيار بين
" السيئ و الأسوأ " .
و "الجناح الإصلاحي" للنظام الإسلامي المجرم هو أيضا موضوع تمجيد لأنه فى الإجرام يصنف "سيئا " نسبة إلى " الأسوأ " ضمن النظام الإسلامي ( أي ما يسمى " الجناح المحافظ " للنظام ) . و تبعا للمنطق الأخرق الذى تمثله شيرن آبادي فإن شعب إيران ( لا سيما أكثرية النساء ) سيكون فى وضع أفضل إذا ما كان المجرمون " السيّؤون" يحكمون منه إذا كان الحكم بأيدى المجرمين " الأسوأ " ! إنها نظرة مترفعة للتحرر ! إنها تبدو كريمة للغاية بصدد ما هو جيد بالنسبة لشعب إيران ! أليس كذلك ؟
إثر حصولها على جائزة نوبل ، قالت آبادي فى لقاء صحفي إن الرئيس خاتمي يستحق هذه الجائزة أكثر منها ! و هذا الرئيس رجل من رجال الصفوف العليا للموالي المقربين من آية الله الخميني فى 1988 الذى أمر بالقتل الجماعي لآلاف الرجال و النساء الشباب و الشابات الثوريين و الثوريات فى صائفة 1988 . و من المعلوم لدى الدوائر السياسية فى إيران أن خاتمى (حينها وزير الإرشاد و الثقافة فى النظام الإسلامي ) كان ضمن زمرة من القادة الدينيين الذين أمضوا رسالة وجهت لآية الله الخميني تقترح عليه مثل هذا " الحل " لمشكل المساجين السياسيين فى إيران . نعم بالفعل كان ينبغى أن يحصل على جائزة عالمية على جرائمه الدموية ضد أفضل بنات و أبناء الشعب الإيراني . و آبادي لا تترك فرصة تمرّ دون أن تثني على البرلمان الإسلامي فى إيران .و يعلم الأصدقاء من الهند و من بلدان ما يسمى بالعالم الثالث علم اليقين طبيعة السيرورات الإنتخابية التى تفرز برلمانات هذه البلدان : إنها سيرورات فى منتهى البؤس مليئة بالمؤامرات المفضوحة و من خلفها تفوح سياسات السلطة ، و شراء الأصوات و التهديدات بالقتل. على هذه الصعيد ، تُرتّب إيران ضمن الأوائل بالضبط مثلما ترتّت ضمن الأوائل فى العذابات الإنسانية خلال الزلازل ؟ هذا هو نوع النظام الذى وقفت ضده النساء و غيرهن من الناس فى إيران و قاتلوه بلا هوادة و رفضوا أن يكسرهم كما رفضوا السماح بأن تُقبر طموحاتهم لإيران حر حقا رجاله ونساؤه متساوون حقا .
و شيرين آبادي تعرض دعوى بارزة بأن الإسلام متوافق مع حقوق النساء و الأطفال . آرونداتى روي ( أديبة ثورية من الهند ) حاضرة بالمنتدى نسألها ما الذى كانت ستقوله إن إدعى مثل هذا أي هندوسي أو مسيحي؟ أليس جليا أن هذه الديانات قلاع للبطريركية / النظام الأبوي الذكوري و التفوق الذكوري ؟ تحاول شيرين آبادي أن تحاجج بأن" قراءة جديدة" للقرآن ، كتاب الإسلام المقدس، ستعالج هذه القضية . بيد أن القرآن واضح تمام الوضوح بشأن أمره بتبعية النساء للرجال و الملكية الحرفية للأطفال من قبل آباءهم ( إلى درجة أن الآباء بإمكانهم تزويج البنات الصغار ذوى الخمس سنوات من العمر إلى أي رجل ) فلن تغير أية درجة من كرم "إعادة قراءة " للقرآن طابعه الإضطهادي . و لن تفعل سوى تغيير طبيعة الذين يحاولون " إعادة القراءة " على ضوء توجه تقدمي . ذلك أن الذين يغامرون بالمضي فى هذا الطريق سيضطرون إلى أتعس أنماط الديماغوجيا فهذا الكتاب هو القوة الأساسية لقوانين الشريعة الإسلامية الإضطهادية .
توصل الشعب الإيراني ، بعد 25 سنة من النظام التيوقراطي إلى قناعة عميقة بضرورة الفصل بين الدولة و الدين كخطوة أولى لتحقيق الحقوق الديمقراطية و بالفعل ، موضوعيا ، من غير الممكن إنشاء حركة نسائية تقدمية فى إيران و أفغانستان دون رفع هذا المطلب و النضال من أجله .
توصي القوى الإمبريالية الأمريكية و الأوروبية ب"إسلام معتدل" لبلدان الشرق الأوسط . ما قصدهم بهذا ؟ بالتأكيد لا ينبع هذا من تسامحهم مع " الثقافات الأخرى " .
أولا، يمثل هذا موقفهم المتواضع الإستعماري تجاه شعوب تلك البلدان إذ بهذا يقصدون قول إن قطاعا معينا من الفئة الحاكمة ينبغى أن يستمر فى المسك بمقاليد السلطة فى هذه البلدان لكن بهدف تهدئة الجماهير الغاضبة على هذه الفئة الحاكمة أن تلطف قبضة نظامها . هذا ما يقصدون . و هذا إنعكاس لتحالفهم مع الطبقات الرجعية فى هذه البلدان ، هذه الطبقات التى كانت بتفان كبير تخدم الإمبرياليين على طاولة مأدبة إستغلال الشعوب و الثروات الطبيعية للمنطقة . ما يقصدونه جلي إنطلاقا من مشروعهم فى أفغانستان . فالدولة الأفغانية صنيعة الولايات المتحدة – الأمم المتحدة صاغت أخيرا دستورا يشبه " إعادة قراءة جديدة لطالبان " يدوس ابسط حقوق النساء و يُحجب هذا بغطاء غليظ من الجمل المنمقة ،على غرار " الميز ضد النساء ممنوع!و قال الرسول محمد أيضا إنه لا ينبغى التمييز بين النساء ، ضاجعوهن جميعا بمساواة !
و اليوم تشجيع القوى الإمبريالية للدين طريقة تسمح لها بتهدئة الجماهير التى لها ميزاج إنفجاري ضد الفقر و البؤس غير المحتمل اللذان فرضتهما عليها الراسمالية العالمية المعولمة . تحسب القوى العظمى أنه من اللازم إستخدام أداة الدين للسيطرة على غضب الجماهير وتلطيفه . بوش البيت الأبيض واع بلا ريب بشعار نابليون بونابرت : " لا أحتاج إلى الدين إلا للسيطرة على جماهير الشعب " . ويرجح أنه تعلم شيئا من تجربة النظام الإسلامي الرجعي فى إيران . فى حرب بوش على مستوى الأخلاق كان حق الإجهاض أول ضحية من ضحاياه . وفى إيران ، حين إفتك آيات الله السلطة بمساعدة القوى الغربية و أجهضوا ثورتنا ، أول ما قاموا به هو شن هجوم مسعور ضد النساء الإيرانيات فى شكل فرض غطاء من أصابع الرجلين إلى الرأس و ذلك بحد السيف .
من الأكيد أنه ثمة بعض الناس فى هذا المنتدى الإجتماعي العالمي الذين يشاطرون آبادي منطقها أن الإختيار بين السيئ و الأسوء ضمن النظام القائم هو الأمل الوحيد للجماهير . نعرف أن المنتدى الإجتماعي العالمي ليس " تيار تفكير واحد" فحسب . فهنالك من ينتمون إلى الحكومات الإشتراكية الديمقراطية الأوروبية و يسعون إلى توجيه رياح التمرّد بعيدا عن الحركة العالمية المناهضة للعولمة . و هنالك أولئك الذين إنتموا لجيل الستينات المناضل و لكنهم الآن يمثلون أحاسيس المثقفين من الطبقات الوسطى لمختلف البلدان . و هذه أو تلك من جرائم الأمبريالية و المؤسسات العالمية تثير غضبهم . وهو أمر حسن فى حد ذاته . غير أنهم ينشرون وهم أنه عبر الضغط الشعبي و الحوار بالإمكان التوصل إلى إقتصاد و نظام إجتماعي عادلين دون القيام بثورة .
و هنالك عديد الشباب ذوو الفكر الثوري و الذين تعكس أهدافهم السامية أحاسيس و عدم إستقرار العالم الذليل والذين يريدون تفجير سلة مهملات العالم البارد و القاسي ، عالم الجشع و الربح و الحروب غير العادلة فى أقرب وقت ممكن و بأية وسيلة ضرورية . نناشد هؤلاء الثوريين الذين لم يخفظوا من أنظارهم و طموحاتهم ل "عالم آخر" حقيقة و لم يتعاونوا مع النظام . نطمح كثيرا أن نوحد نشطاء الطبقة الوسطى و المثقفين و الفنانين مع المضطهَدين فى العالم بغاية النضال ضد النظام العالمي غير العادل و الذى لا ترجى منه فائدة . بيد أننا لا نود منهم أن يكونوا حصان طروادة العامل على تأبيد الوضع السائد . و من الممكن بلوغ وحدة واضحة المعالم وسامية بالنقاش المفتوح و الجدال الثوري ضد الإستراتيجيات غير الثورية المرسومة لنضال شعوب العالم و مقاومتهم . نعتقد ان هذه التيارات المختلفة يجب أن تكون موضوع نقاش مستفيض مفتوح لتوضيح طبيعة العالم الآخر الذى نرنو إليه . و أي محاولة إستبعاد التيارات الثورية الصريحة فى معاداتها للإمبريالية فى هذه الحركة العالمية سيكون مضرا للغاية بالنسبة لوحدة شعوب العالم فى مواجهة النظام الإمبريالي و الرجعية .
معالجة مشاكل العالم لا تكمُن فى إصلاح هذا النظام مهما كانت الأجزاء التى سيتم إصلاحها . و إنما تكمن فى معارضته بصورة شاملة فى كل مكان من العالم . و على جميع الذين يعارضون حقا العولمة الإمبريالية و الحروب العدوانية أن يقروا بهذه الحقيقة . لنصمّم على أن : عالما آخر دون إمبريالية و رجعية ممكن ، لنناضل من أجله ! ./.
3- ذكرى مجزرة صائفة 1988 بإيران !
جراح لا تزال تنزف!
( المنظمة النسائية 8 مارس (إيران –أفغانستان ) ، سبتمبر 2004)
مرت 16 سنة على مجزرة المساجين السياسيين التى إرتكبتها الحكومة الإيرانية لكن الشعب الإيراني لم ينس هذه المجزرة الدموية و هي لا تزال بمثابة جراح لا تنسى فى جسد أمتنا . و الحل الوحيد أمام شعبنا ، لأجل تجاوز الجراح
و تضميدها، هو الإطاحة بالنظام البربري لجمهورية إيران الإسلامية و تقديم أولئك الخونة الذين إقترفوا تلك الجرائم إلى المحاكمة !!
مرّت 16 سنة على مجزرة فى حق آلاف المساجين السياسيين الثوريين و الشيوعيين غير أن ذكراهم لم تبرح فكر الشعب لأن أولئك الذين تعرضوا للقتل رمز لعالم آخر مختلف و لمستقبل وضاء . إنهم رمز نضال الشعب الإيراني ضد نظام الجمهورية الإسلامية . و هم شرف أمتنا فى مواجهة النظام الأكثر رجعية و لاإنسانية فى تاريخ الإنسانية المعاصر . بحلمهم إرتبطت حياتهم . إلا أن الحكام الإسلاميين فضلوا التعويل على سيفهم و إقتراف الجريمة الدموية ببرودة دم ،شأنهم فى ذلك شأن أسلافهم الإسلاميين الأوائل ،الذين حكموا الشعب بالطريقة عينها ، قبل ثلاثة قرون. لقد عمدوا إلى السيف و إقتراف الجريمة الدموية ببرودة دم ضد أفضل أبناء و بنات الشعب من الثوريين و الشيوعيين الذين لم يستسلموا و لم يحنوا رؤوسهم أمام هؤلاء الرجعيين .
عدد كبير من هؤلاء الثوريين الذين حلقوا فى سماء إيران الثورية و جوّها السياسي سنة 1979 كان من النساء اللاتى تحدت سلاسل التقاليد و قطعتها إربا إربا و صدحت حناجرها بأغنية الحرية و غنت للأحلام . إن اللاتى قد جرى تعذيبهن فى أكثر السجون قروسطية لم تنس أن تحلم بحبها التحليق من أجل الحرية و الديمقراطية و الإستقلال. ففسحت تلك اللاتى قدمت حياتهن و دمهن فعلا المجال أمام نساء أخريات لتكون فخورة و متحمسة لإرادة التحليق من أجل الحرية .
و اليوم نشأ جيل جديد من الشباب الثوري ، جيل جعل الحكام الإسلاميين قليقين حد العجز عن النوم . والجيل الجديد الذى قفز إلى ساحة المعركة شغوف بالتعلم ، إنه مستعد للتعلم من الجيل السابق لأنه يبحث عبر الذهاب إلى خارافان – مكان فى إيران ، خارج طهران ، أين تم الإلقاء بجثث كافة الثوريين و الشيوعيين فى مقبرة جماعية – و آلاف لا إسم و لا تمييز لها الشاهدة على تاريخ الجيل السابق ، و هو يتساءل عما حدث . و يتشكل هذا الجيل الجديد من أبناء و أقرباء آلاف أولئك الثوريين و الشيوعيين الذين تمددت أجسادهم هناك منذ مجزرة صائفة 1988 و الذين قدموا حياتهم للمقاومة و النضال الذى من شأنه أن يساهم فى تحقيق حلم الحرية لشعبنا .
حفظة ذكرى المقاومة و الحلم اللذان لا يتصوران نابضين حياة هم هذا الجيل الجديد إلى جانب آلاف عائلات مجزرة المساجين السياسيين . و تعد ذكرى تلك المقاومة و المساجين السياسيين الذين لم يهزمهم جلادوهم جزءا هاما من نضال الشعب الإيراني للإطاحة بنظام الجمهورية الإسلامية الذى ما إنفك يسعى لسنوات طوال ليفرض بالقوة على شعبنا أن ينسى كل ما له علاقة بتلك المجزرة . إنه يتمنى ألا يجول ذلك بخاطر الجيل الجديد . و بما أن ذكرى الثوريين و الشيوعيين مندمجة و متداخلة مع إيجاد عالم آخر ، تمنى حكام النظام الإسلامي أن يقدروا ،بإنتزاعهم إنتزاعا الحياة من آلاف المساجين السياسيين ، أن يمحوهم كليا من التاريخ و أن يقطعوا الرابط بين الجيل الجديد و الجيل القديم .
و النظام الإسلامي ليس الوحيد الذى يضع حاجزا أمام الذاكرة التاريخية لشعبنا . فبعض المثقفين أتباع جماعة خاتمي (الرئيس الحالي لنظام جمهورية إيران الإسلامية ) ، و تحت شعار المصالحة الوطنية ، يجبرون شعبنا كذلك على نسيان الماضى لمصلحة و فائدة صيانة النظام الإسلامي برمته. و هنالك ضمن النساء بعض الناشطات فى حقل النضال النسوي تدعوو تنظّر " للتسامح" و التعايش مع النظام الإسلامي. و هذه الجماعة الداعية للتعايش مع النظام الإسلامي نفسه الذى إقترف مثل هذه الجريمة تروج للصمت عن تلك الجريمة بهدف التعايش مع النظام الإسلامي . ولم تشر هذه الجماعة من النساء التى تتوفر لها منابرواسعة و لو مرة واحدة إلى أي شيئ يمت بصلة إلى مجزرة 1988ذلك أنها تعرف جيدا أنها إذا أرادت التعايش مع النظام الإسلامي و إذا أرادت الدعاية ضد فكرة القيام بالثورة ، عليها أن تظل متخندقة إلى جانب النظام الإسلامي . و من أجل تعزيز وحدتها و تعاونها مع جماعة خاتمي ، ترفع هذه الجماعة من النساء شعار "النسيان" فى أجندتها و برنامجها بما أنه من البديهي أن جماعة خاتمي نفسها هي الفرع الحاكم و التنفيذي للنظام الإسلامي و قد ساهمت أيضا فى جرائم الثمانينات و مجزرة صائفة 1988 وهي الفرع التنفيذي نفسه الذى غيّر فجأة لونه و مظهره و جهازه و لبس لبوس ناشري صحف و قدّم نفسه على أنه ناقد للقتلة الأصوليين فى النظام الإسلامي.
و تقصر نساء ناشطات أخريات فى إيران نشاطاتهن ضمن حدود منظمات " مسؤولة " مثل المنظمات غير الحكومية التى لا تكترث هي أيضا بالإشارة لكل من المجزرة و مقاومة النساء الإيرانيات السجينات السياسيات لأن ذكرى تلك النساء اللامعات البطلات أبدا التى ركّعت جلاديها تعيد إلى الذاكرة ذات الحلم بالأفق اللامتناهي لحرية النساء . و من جهة أخرى ، تمثل تلك النساء اللامعات البطلات ذكرى آلاف الأقارب و العائلات الذين فقدوا أحباءهم فى مجزرة 1988 و رمز لكافة الذين قتلهم النظام الإسلامي منذ إعتلاءه سدة الحكم . و هؤلاء جميعا يقصدون سنة بعد سنة القبور الجماعية غير المميزة لأحباءهم و يقفون جنبا إلى جنب رغم ما يتلقونه من شتيمة و ضرب من قبل حرس الثورة . و تعلم غالبية الشعب الإيراني التى تحقد على النظام الإسلامي و تنظر إلى ذات الجرائم على أنها تشبه الجرائم التى إقترفها نظام بهلوى ،تعلم أن الطريقة الوحيدة التى تجعل النظام الإسلامي يستمر هي التعذيب و قمع المسيرات و قتل الإيرانيين ببرودة دم .
و لا ينبغى أن نخطأ بصدد ذكرى الذين قُتلوا فى صائفة 1988 فالذكرى ليست للندب و لا للتأسف ، إنها الطريقة الوحيدة لبناء المستقبل ، هذا المستقبل الذى مثّل القوة الدافعة لتلك النساء و أولئك الرجال الذين يبحثون بجرأة عن المعرفة و التعلم من الدروس المستخلصة و تجارب الجيل السابق ، جيل أينع فى المقابر الجماعية لرفاقهم فى خافاران ، جيل يفتش و ليس مندهشا فقط بل هومعجب بدرجة تضحية و بطولة الجيل السابق و يتطلع لسماع المزيد من ذلك التاريخ من أفواه الباقين على قيد الحياة من الجيل القديم .
إن الجيل الجديد يرنو لبناء المستقبل بوضع الحجرة فوق الحجرة وهو ينظر إلى دور الجيل السابق البطل الذى قاوم فى ساحة النظام الإسلامي غير العادل بتعلقه بعالم بلا إضطهاد و إستغلال وهو يصدح بأغنية تقبيل عود المشنقة ./.
4 - " سلسلة العنف ضد النساء تعود جذورها إلى آلاف السنين وهي طويلة بحيث أنها تعبر الحدود و تحاصر العالم "( نوفمبر 2006)
طيف واسع للغاية من القوى فى قائمة تزداد طولا بإطراد سجل 24 نوفمبر كيوم عالمي لإيقاف العنف ضد النساء . و بهذه المناسبة أصدرت المنظمة النسائية 8 مارس (إيران- أفغانستان) البيان التالي :
بالضبط مثلما إغتصب الجنود الأمريكان جماعيا فتاة عراقية عمرها 14 سنة وأسمها عبير ثم أحرقوها حية ، فى النقي ، قرية صغيرة شمال إيران ، إحترق كذلك قلب خالة عاطفة التى كان عمرها 15 سنة حين شنقها القتلة الإسلاميون بعد إغتصابها.
وقت رجم أمراء الحرب الإسلاميون فى أفغانستان أمينة بالحجارة حد الموت ، جعلت فظاعة مطر الحجارة قلب حاجية يكف عن الخفقان فى سجن حلفا فى إيران . و فى سجن إيراني آخر ، صاحت خيرية " لا ترجمونى بالحجارة ، بل أشنقونى" .
و فى نفس الوقت الذى أضرم فيه رجال شباب ذوو فكر بطريركي/أبوى ذكوري فى ضاحية من ضواحى باريس النار فى سوهان ذات الثمانية عشرة ربيعا ، فى إيران ، أحرقت مرجان و عمرها 16 سنة نفسها وهي حية كي تتجنب الزواج من رجل فى سنّ جدّها . و بعد ذلك بقليل ، فى الباكستان ماتت سومارا متأثرة بحروق فى أغلب أجزاء جسدها . و توفيت دون أن تقول إن زوجها هو الذى فعل ذلك.
فى الوقت الذى تم ّ فيه ختان كلثوم ، فتاة صومالية عمرها 7 سنوات ، كان صراخها يتشابك مع صراخ اللوعة و الأسى الصادر عن مريم ذات التسع سنوات فى ليلة زواجها عندما إنتزعت منها لعبتها و صارت عروس.
سنديسو أصيبت بالآيدز . إغتصبها الرجال عديد المرات . و سنها ثلاث سنوات ، إغتصبها جدّها . و فى نفس الوقت ، قتلت فاديما فى السويد على أيدى أبيها و أخيها.
مارى ترنتينيان، ممثلة فرنسية، لقيت حتفها إثر تعرضها للضرب من طرف صديقها ، مغنى فرنسي شهير . بعد ذلك بقليل قتلت نادية ، شاعرة أفغانية من قبل زوجها .
و حوالي الفترة نفسها ، إغتصبت ليزا و جويس فى الولايات المتحدة ثم قتلهما رجال مجهولو الهوية .
بينما كانت ناتالى تنتظر حريفا فى بيت دعارة بأمستردام، بلغت سفينة حاملة كتيبة من عبيد الجنس مرفأ همبورغ .
حين فقدت مئات آلاف النساء العراقيات حياتهن خلال سنوات فرض الولايات المتحدة و حلفاؤها العقوبات الإقتصادية ، فقدت ملايين النساء فى أفريقيا حياتهن بسبب الحرب أو نتائج الحرب ، و إغتصب الجنود فى البوسنا أخواتهن .
لقد وحدت السلسلة العالمية للعنف ملايين النساء ، هذا العنف الذى تشهده يوميا اكثر من 3 مليارات من النساء من كافة أنحاء العالم ، فى المدن و فى القرى و فى المنازل و فى مراكز العمل و فى الشوارع ...سلسلة – يشد حلقاتها من ناحية عنف الدولة و من ناحية أخرى العنف الأسري .
سلسلة العنف ضد النساء تعود جذورها إلى آلاف السنين وهي طويلة بحيث أنها تعبر كل الحدود و تحاصر العالم . إذا كان نضال النساء عبر العالم بأسره و مقاومتهن قد زعزعت أصفاد العنف ، فإن العدوانية المنفلتة من عقالها لرأس المال و النظام العالمي الجديد ضاعفت مداها و حدتها .شدد الفقر و الموت و المرض و الجوع والأمية و العبودية و البطالة فى عالم اليوم حتى أكثرقيود العنف حول أيدينا و أرجلنا .
لكن هذا العنف يُعَولم بصورة متصاعدة و نضال النساء و مقاومتهن أيضا يأخذان بشكل متصاعد بُعدا عالميا . نستمع إلى صدى نضال و مقاومة كل منّا من مسافات بعيدة ، و قلوبنا تسرع دقاتها . نستخلص إستلهاما من نضال كل منا و نشعر بالفخر و تشجعنا إنتصاراتنا. فأي تقدم ينجزه النساء فى أي جزء من العالم هو تقدم لنا جميعا.
و بتطور وعي النساء ، ندرك أن العنف أداة يستعملها النظام البطريركي/الأبوى الذكوري الطبقي ليعزز قهرنا و يركزه. و ندرك كذلك أن هذا العنف لايمكن السيطرة عليه إلا إذا جرت الإطاحة بموقع المرأة التابع للرجل . لن يتم القضاء على الهيمنة على النساء بصورة سلمية ،لأن الساهر على هذه الهيمنة هو قوة النظام البطريركي/الأبوى الذكوري و الطبقي . إن تحرير النساء رهين الإطاحة بهيمنة النظام الرجعي فى العالم .
نحن هنا بالملايين ، و روابطنا وثيقة العرى ، مستعدات لكسر سلاسل الإضطهاد و العبودية التاريخيين و وإرساء أسس مجتمع خال من الإضطهاد و الإستغلال . و علينا أن نسرّع من خطواتنا إلى الأمام لأن لدينا تأخير. الزمن يقرع أبوابنا . / .
5 - العنف ضد النساء و إغتيال زهراء بنى يعقوب فى إيران
نظم أناس فى عديد البلدان مسيرات و نشاطات أخرى يوم 25 نوفمبر لمزيد النضال من أجل القضاء على العنف ضد النساء . و هذا التاريخ يحيى ذكرى 1960 و إغتيال الأخوات ميرابال و هن ثلاث نساء و شابات ناشطات سياسيا فى النضال ضد دكتاتورية تروخييو المسنود من طرف الولايات المتحدة الأمريكية ، فى جمهورية الدومينيكية. و سجلت النساء الناشطات ذلك اليوم فى التاريخ منذ بدايات الثمانينات . و فى 1999 ، نادى الإجتماع العام للأمم المتحدة إلى تحركات كل سنة فى هذا التاريخ . يقول تقرير الأمم المتحدة : " على الأقل إمرأة من ثلاث نساء عبر العالم تعرضت للضرب و الإغتصاب أو جرت الإساءة إليها بطريقة أخرى خلال حياتها- و المسيئ عادة ما يكون معروف لديها... العنف ضد النساء و البنات يستمر بكامل الشدة فى كل قارة و بلاد و ثقافة ". ( تقرير السكرتير العام ، 2006 ، و خطاب السكريتارية / 2007) . و ينطوى هذا على تقليص من عمق و إتساع فكرة إضطهاد المرأة .
و هذا العنف ليس أقل واقعية و إنتشارا فى البلدان الغربية حيث يمنعه القانون . فمثلا فى إنجلترا ، ثلاثون بالمائة من النساء يتم إستغلالهن بعنف من قبل قرينهن أو غيره . و فى الولايات المتحدة الأمريكية ، تسجل إحصائيات الأف بى آي أن 1400 إمرأة تفقد الحياة بسبب " العنف الأسري " ، و غالبا على أيدى الزوج و الشريك.
و المقال التالي يلقى نظرة على حالة شهيرة وقعت أخيرا فى ظل النظام الإسلامي فى إيران على ضوء عالمية و إلحاحية هذه القضية فى عالم اليوم.
----------------------------------------------------------------------------------------------------
فى 23 نوفمبر ، تم إحياء ذكرى الدكتورة زهراء بنى يعقوب من طرف عائلتها و أقاربها و أصدقاءها و بعض النساء الناشطات فى طهران ، قرب ضريحها. و عبرت عائلتها مجددا عن عدم تصديقها لرواية سجانيها القائلة بأنها إنتحرت. فقد قال والدها :" إنها (السلطات) ستتلاعب بالقضية لكن لدينا العديد من الوثائق التى تشير إلى أن إبنتى لم تنتحر و إنما قُتلت . سيأتى يوم فيه سيلتصق بها (السلطات ) الخزي و العار" ( عن الصحيفة اليومية للأخبار بالفارسية عبر الأنترنات "أخبار كوم "، 24 نوفمبر).
كانت زهراء بنى يعقوب و عمرها 27 سنة تتجول مع خطيبها فى حديقة فى مدينة همذان ( وسط إيران) فى 11 أكتوبر حين أوقفتها "شرطة الأخلاق" ، قوات أمن مكلّفة بتعزيز " السلوكات الإسلامية" . و تم إغتصابها فى السجن و جاءت تقارير لاحقا تعلن وفاتها بعد 48 ساعة من إيقافها. و بالرغم من محاولة السلط منع إنتشار الخبر فإن وفاتها صدمت و عديد الناس و أغضبتهم .
قليلون هم الذين صدقوا الدعاوى الرسمية بأن زهراء إنتحرت . فالإيرانيون إعتادوا مثل هذه الأكاذيب . و قبل سنتين ، أعلنت السلط وفاة سجين هو ناشط و قائد طلابي إسمه محمدى منوشهر . قالت السلط إنه تعرض لسكتة قلبية غير أن الكثير من الناس يعتقد أنه قتل نتيجة تعذيب بشع . و الفظاعة الجديدة ذكّرت الإيرانيين بوفاة زهراء أخرى ، القضية المعروفة عالميا ، قضية زهراء كازمي ، الصحفية الإيرانية –الكندية التى أوقفتها قوات الأمن الإيرانية و أودعتها السجن و إغتصبتها ثم قتلتها و حدث هذا قبل بضعة سنوات من الآن .
كانت زهراء بنى يعقوب تعمل كطبيبة متربصة فى منطقة همذان الفقيرة . و إثر إيقافها هي و خطيبها ، جرى إطلاق سراح الخطيب بكفالة مالية إلا أنها ظلت سجينة . و لم تعلم عائلتها فى طهران بالأمر إلا بعد 24 ساعة . و قبل أن تستطيع عائلتها الإلتحاق بالسجن ، كان قد تم قتلها . لم تصدق العائلة إدعاء أن إبنتها إنتحرت و جعلتها المواقف الرسمية المتضاربة أكثر ريبة حتى . فتقدمت بشكوى قضائية . و أعربت شيرين آبادي ، المحامية الشهيرة ،عن إستعدادها لتبنى القضية و قبلت عائلة زهراء بذلك .
قال أخ زهراء إنه تكلم معها عبر الهاتف يوم 13 أكتوبر ، على الساعة 20 و 45 دقيقة و كانت معنوياتها جيدة . ثم سألها إذا كانت تعرضت لسوء معاملة فأجابت بالنفي مضيفة " هنالك من يقف إلى جانبى " ثم جرى قطع المكالمة . و صرّح الطبيب الذى فحص جثتها بأنها توفيت فى نفس اليوم على الساعة 21 ، فقط 15 دقيقة عقب حديثها مع أخيها .
و لا يزال البحث جاري فى القضية و قد يستدعى زمنا طويلا حتى يبلغ المحكمة . ثمة القليل من الأسباب التى تدفعنا إلى أن نتوقع حكما عادلا و صادقا . بالأحرى سيكون البحث فرصة لتحطيم الأدلة و السعي للوصول لحل موات للسلط بشأن المواقف المتضاربة التى عبرت عنها سابقا. لكن حتى و إن لم يكن الأمر على تلك الشاكلة فبالكاد ينتظر أي أحد حكما عادلا. حتى و إن كان البحث فى وفاة زهراء الكازمى تم تحت الضغط العالمي فإن الحكم – بأن وفاتها كانت نتيجة ضربها رأسها حين أغمي عليها بفعل إضراب جوع – جاء ببساطة بغرض إخفاء أنها تعرضت للتعذيب.
و يعتقد الكثير من الناس بأنه سواء إنتحرت زهراء بنى يعقوب أم لم تنتحر فمسؤولية وفاتها تقع على كاهل النظام الإسلامي البطريركي المعادى للمرأة الحاكم فى إيران .
لم تكن وفاتها حدثا معزولا و من الأر جح أنه لم يكن حدثا عارضا بالمرة ، بالضبط مثل وفاة و إغتصاب زهراء الكازمي اللذان ما كانا حدثا عارضا و مثل الإغتصاب الجماعي لعاطفة و إغتيالها ( وهي فتاة فى سن المراهقة إغتصبت جماعيا فى السجن ثم حُكم عليها بالموت و نفّذ فيها الحكم على أنه زنا (ممارسة الجنس خارج إطار الزوجية) . و بالفعل فإن هذه الحوادث و آلاف الإغتصابات الجماعية و أعمال عنف أخرى ضد النساء ، التى تشاهد يوميا هي إفراز طبيعي لمجتمع أين إضطهاد المرأة ليس سوى مظهر جوهري فقط بل مخطوط بجلاء كقانون . و فى إيران اليوم ،تنجم هذه الأحداث عن خطط و برامج رسمت ضد النساء فى الستة أشهر الأخيرة بإسم الدفاع عن " أمن المجتمع" ، بما فى ذلك الهيجان الجامح المنفلت المشدّد لشرطة الأخلاق التى تعمل بصورة شاملة و تُوجه نحو مراقبة تصرفات النساء – عدم تغطيتها الشعر و الأجساد بما فيه الكفاية ، الحديث أو رفع الصوت ، و مع من تتنقل إلخ .
لئن تجولت إمرأة لوحدها ستتم مضايقتها . و إذا كانت تتجول مع رجل فستتم مضايقتها أيضا و ستتعرض للأذى إلا إذا كان بإمكانها إثبات أنه من أقرباءها . و حتى النساء المتجولات مع أخ أو أب أو إبن أخ أو عمّ يجرى توقيفهن و سؤالهن و حتى إيداعهن السجن .
أكدت سلطات النظام أنها أوقفت زهراء تحت تشديد إجراءات ما يسمى " تهديد الأمن الإجتماعي " . جريمتها ، السبب الوحيد الذى جعل الناطقين الرسميين بإسم النظام يعتبرونها تهديدا " لأمن المجتمع" و إغتصبوها و قتلوها ، هي أنها كانت تتجول مع رجل لا رابط رسمي يربطها به . وهذا يبين أن النساء اللاتى لهن أدنى توجه نحو الإستقلالية تعتبر تهديدا للنظام السياسي و النظام الإقتصادي و الإجتماعي الذى يعززه و تعتبر النساء لا شيئ سوى جسد يتملكه الرجال و يستعملونه للتوالد و الشهوة الجنسية . إنهم يعتبرون كل إمرأة عاهرة و حتى مجرمة إلى أن تثبت عكس ذلك . و نادرا ما يوفرون للنساء فرصة أن تثبت عكس ذلك . يعاقبونهن عادة قبل المحاكمة و أحيانا كان العقاب الإغتصاب و الموت .
إغتصاب السجينات السياسيات ممارسة منتشرة فى الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ بعثها إلى الوجود . لقد إقترفوا هذه الجريمة تكرارا و لم يسعوا حتى إلى إخفاءها . و بالخصوص فى 1980 ، زمن بزداران ، أوقف "الحرس الثوري " للنظام البنات فى سن المراهقة على أنهن أعضاء مساندات للتنظيمات الثورية و حتى لمجرد توزيعهن لمنشور و غالبا ما إغتصبوهن قبل إعدامهن كي لا تموت ضحايا هن كعذراوات و بالتالي تدخل "الجنة" . و الآن يواجه النظام بسلوك أكثر تمردا من نساء عاديات ما عادت تحتمل السياسات المعادية للمرأة و الرجعية ، وسيتعمل ممارسته هذه بصفة متصاعدة ضد النساء الموقوفات لأسباب غير سياسية كذلك .و فى حال زهراء ، فإن العمل الإجرامي لقوات الأمن ، و هذه المرة تحت قناع شرطة الأخلاق ، ليس إنعكاسا حقيقيا و تاما لنظام فى منتهى العداء للمرأة و فحسب و إنما هو إنعكاس أيضا لرسالة موجهة لكافة النساء الإيرانيات لا سيما تلك اللاتى لا تخضع كليا لهذا النظام . و الرسالة مفادها أنه إذا لم تخضع للأوامر و تتحول إلى وضع العبودية ، ستكون زهراء تالية . بهذه الطريقة ، إذا لم تكن إمرأة ضحية هي ذاتها للإغتصاب فإنها ضحية للتهديد بغرض توطيد هيمنة الرجال على النساء . و يبين هذا التوطيد و العنف المتكرر و التهديدات ضد النساء أن القوانين المعادية للمرأة ، إلى جانب التقاليد المعادية للنساء التى عليها تقوم العلاقات الإجتماعية المتخلفة أخفقت فى السيطرة على النساء الشابات المتمردات العاقدات العزم على عدم الخضوع.
لقد شدد النظام الإسلامي قمعه للشعب و لا سيما للنساء فى الستة أشهر الأخيرة . و أحد أهم أهداف تشديد الإجراءات الحالي هو النساء الشابات و سلوكهن . إلى جانب سياسات قمعية أخرى ، هذا رد فعل على ضعف النظام و فى الوقت نفسه رد فعل إزاء تهديدات الولايات المتحدة الأمريكية بالهجوم على إيران . إن النظام الإسلامي ، شأنه شأن كافة الأنظمة الرجعية و اللاشعبية ، غير قادر على التعويل على الشعب . عوض ذلك ، يخشى هذا النظام الشعب بينما ينكر إمكانية هجوم أمريكي ضد إيران و يبقى الشعب فى حالة عدم الإستعداد لذلك .
لعقود ساندت الإمبريالية الأمريكية و القوات الإمبريالية الغربية عموما بصمت قمع مختلف قطاعات الشعب الإيراني لا سيما النساء . و اليوم و الإمبريالية تبحث عن أعذار و تعلات أخرى للهجوم على إيران ، تحاول إستغلال جرائم النظام الإسلامي لكسب شرعية لعدوانها المدفوع بجلاء بمصالحها العالمية . إن الإمبريالية تطلق نفس دعاوى غزو أفغانستان و العراق . غير أم هذه الغزوات لم تفعل سوى جعل وضع النساء أسوأ . فوفق تقرير للأمم المتحدة ، إزداد العنف ضد النساء فى أفغانستان منذ الإحتلال . و فى العراق ، فى ظل الإحتلال الأمريكي ، خسرت النساء كافة حقوقهن و صارت عرضة للعنف من كل من الجيش الأمريكي و الأصوليين الإسلاميين . و هذا موثق توثيقا جيدا . و إغتصاب الجنود الأمريكان للنساء فى السجون و فى المنازل ، ليس سوى مثالا بسيطا . و مع ذلك فإن مساندة الولايات المتحدة للعنف ضد النساء لا يقتصر على العراق وأفغانستان . فوضع النساء بما فى ذلك الإغتصاب المنظم للسجينات فى البلدان التى تتمتع أنظمتها بالمساندة التامة من الولايات المتحدة كالباكستان و الهند ، يثبت مقاربتها الحقيقية لقضية النساء ، حتى و إن لم نأخذ بعين النظر القمع و العنف الموجودين صلب مجتمع الولايات المتحدة ذاته.
لهذا سيحتاج الشعب الإيراني وهو يقاتل النظام الإسلامي العنيف إلى قول لا للعدوان الأمريكي ، مهما كانت الذرائع التى سيلجأ إليها الأمريكان لتبريره./.
6 - حملة إلغاء قوانين اللامساواة و العقوبات الإسلامية ضد النساء الإيرانيات
إلى جميع النساء ضحايا اللامساواة
إلى جميع مناضلى و تنظيمات حركة النساء الإيرانيات
منذ 26 سنة ،رفض الدستور الإسلامي أن يوفر للنساء الإيرانيات حقوق الإنسان و جعل فرض الخمار من المرأة مواطنة من درجة ثانية . و أضحت اليوم مجارز القتل بإسم الشرف قانونية و هكذا يحكم على النساء بالشنق و الرجم بسبب "سلوكات مخالفة للآداب".
لقد أدى الميز المفروض بالقوة إلى أن غدت النساء معزولات بما قلص من دورهن فى المجتمع. و يمنع الإختلاط الحر بين الشباب . و تعاقب المثلية كالجريمة ،بينما تعدد الزوجات و "زواج المتعة" ليسا فقط قانونيين و إنما تشجع عليهما الدولة
و سلبت قوانين الزواج و الطلاق المرأة كل حرية فى إختيار الزوج و كل حق فى أن يكون لها أطفل و أن تكون حاضنتهم القانونية و، كل حق فى إختيار المهنة ،و كل حق فى أن تختار أن تعمل أو أن لا تعمل خارج المنزل ،و كل حق فى السفر...
منذ 26 سنة ، ما إنفكت الدولة التيوقراطية الإيرانية تعزز كافة هذه القوانين ضد النساء عن طريق نشر مليشيات فى الطرقات ،و المحاكم و السجون و الشنق و الرجم .
منذ 26 سنة ، حول سلب النساء حقوقهن الأساسية ،حياة المرأة الإيرانية إلى جحيم .وقد تصاعد ت ضمن النساء نسبة الإدمان على الخدرات و الدعارة و الإنتحار وتقديم الذات قرابينا تصاعدت بدرجة مرعبة.
منذ السنوات ال26 الماضية ،إتخذ نضالنا أشكالا متنوعة: فى الشوارع، و فى المسيرات الأولى ضد فرض لباس الخمار، و فى السجون ،و تحت التعذيب فى حين كانت السجينات الشابات تغتصب حتى لا" تقبلن فى الجنة".لقد قاتلت النساء الإيرانيات يوميا ضد قوات الأمن التى تهاجمهن ل" لبس غير كاف للخمار"،و فى أروقة محاكم الطلاق و الإيقاف وضد التمييز على أساس الجنس فى المدارس الجامعات ...لقد ناضلنا بأشكال متنوعة للغاية لنفرض وجودنا وحقوقنا ضد القوانين المعادية للمرأة و ضد سيادة الثقافة الذكورية .
بمعركنا الأخيرة ضمنا أن يتذكر العالم زهراء كازمي و تمكنا من تأخير رجم حاجية و الحصول على إطلاق سراح حفصنة نوروزي .و مع ذلك طالما وجدت هذه القوانين غير العادلة و المعادية للمرأة ،لن تتحرر النساء من العبودية .و طالما وجدت هذه القوانين ، سيتم إعدام نساء مثل عاطفة و ستتعرض نساء مثل شهغول للمضايقات و الرجم.
إن هذه القوانين العبودية هي أسس الدولة الدينية الإيرانية .هذه القوانين و كل الأجهزة التى تضمن تقويتها تعمل على خنق النساء خنقا تاما. و دون إلغاء هذه القوانين ، لن يكون للفصل الدولة و الدين أي معنى .و لذا ، يعود فحسب إلى جميع الناس الأحرار فكريا أن يُسمعوا صوتهم ضد هذه القوانين اللاإنسانية و أن يناضلوا فى سبيل إلغاءها . وهذه المعركة فى سبيل إلغاء هذه القوانين هي معركة أيضا من أجل قلب النظام الإسلامي فى إيران و إرساء نظام جديد يعترف بمساواة النساء فى كافة نواحيها و يضمنها .
حين فرضت هذه القوانين القروسطية ،حين فرض الخمار على رؤوسنا وحين جرى إعدام المعارضين السياسيين ، نظرت الحكومات الغربية إلى هذه الأحداث بعين الرضا .و الآن و قد دفع نضالنا النظام إلى التراجع ،و الآن و قد جعلنا العالم يسمع صوتنا ، تدعى هذه الحكومات زورا أنها تشجعنا . إن تجربة النساء عبر العالم و لا سيما فى أفغانستان و فى العراق ، بينت لنا أن الأنظمة السياسية و الإقتصادية و العسكرية الحالية فى العالم لا توفر شيئا آخر غيرالمزيد من الفقر و الإستغلال . كل ما حققناه إلى الآن أتى ثمرة جهودنا الخاصة و سنسير على نفس منهاج التعويل على الذات مستقبلا .
لنجمع قوانا بغرض أن ننشأ حركة موحدة وأن نقتلع من الجذور، فى أقرب وقت ممكن ،هذه القوانين الجائرة والعقوبات الإسلامية ضد النساء . لنصدح هكذا بصوت معارض لهذه القوانين كي يسمعنا العالم بأسره و كي نصنع إعصارا نتيجته تكون عدم تجرا أي إنسان أبدا على رفع مثل هذه القوانين فى وجوهنا.
حملة إلغاء قوانين اللامساواة و العقوبات الإسلامية ضد النساء الإيرانيات .
- المنظمة النسائية 8مارس (إيران-أفغانستان ). - الجمعية العالمية للنساء المتقدمات. - شبكة زانان.
7 - الثامن من مارس 2007 ،اليوم العالمي للمرأة ،
متّحدات و متضامنات نطالب ب"عالم آخر" .
هل تسمعون صراغ النساء العراقيات الذى يجعل القلب ينفطر،اللاتى تبكين القتل "بإسم الشرف" الذى تقترفه الجماعات الإسلامية و الإغتصاب الذى يقترفه الجنود الأمريكان و البريطانيين ؟
هل تسمعون إحتجاجات النساء الأفغانيات الخاضعات قلبا و قالبا إلى عنف الصراع من أجل السلطة بين طالبان من جهة و المحتلين و عملائهم من جهة ثانية ؟
هل تسمعون أنين هذه المرأة الإيرانية التى أجبرت على لباس الخمار الإسلامي و التى تم "عقابها " بضربات من السوط لعدم إمتثالها للطاعة و التى سيتم رجمها بالحجارة حفاظا على الشريعة ؟
هل تسمعون إحتجاجات النساء الأمريكيات اللاتى يتوقعن أن إحدي أخواتهن تغتصب كل ستة دقائق ؟
هل تشهدون على تصاعد العنف الذكوري ضد النساء فى البلدان الأوروبية ؟
المسؤولين عن هذا الوضع ، فى الشرق الأوسط ، هم من جهة الإمبريالية التى تحاول أن تبرر الحروب العدوانية بدعوى الدفاع عن حقوق النساء و حقوق الرجال فى المنطقة (بينما يفرضون هناك العنف ) و من جهة ثانية الأصوليون الإسلاميون الرجعيون الذين يتوافقون مع الإمبريالية و الذين إعتقدوا دائما أن إغتيال النساء و إستعبادهم شيئ "عادي " و "طبيعي" تماما. إغتيال آلاف النساء و الأطفال بالقنابل الإنشطارية و النابالم والقنابل الفسفورية و إغتصاب النساء العراقيات من قبل الجنود الأمريكان و فرض دساتير إسلامية معادية للمرأة من قبل الحلفاء المحليين للولايات المتحدة و مستشاريهم الغربيين فى العراق و أفغانستان ، كل هذا يبين جزءا ضئيلا من نتائج طرق الإمبرياليين المستعملة من أجل المدعى " تحرير النساء " بالمنطقة . مستغلة هذا الوضع ، تملى القوى الإسلامية الرجعية برنامجها السياسي و تضاعف من قمع النساء . ففى إيران ، تشدد على عدم المساواة فى القوانين الذكورية التى تقر ضمن ما تقر بالعقاب الإسلامي و الإجبار على لباس الخمار .و فى أفغانستان ، يبرز إغتصاب النساء و البنات الشابات القوة الهائلة لأمراء الحرب و التيارات الرجعية، وهم دمى بأيدى الغربيين .
بالنسبة لنا ، نساء الشرق الأوسط ، كل هذه الوقائع تبين أن لا حل لتحررالمرأة و تحريرها يمكن تصوره فى إطار الهيكلة العالمية الحالية و كذلك تذهب أدراج الرياح الجهود التى تسعى للبحث عن حل ينطلق من الإيديولوجيا الدينية الإسلامية .
نحن النساء الإيرانيات ، سنواصل مسيرتنا على ذات الطريق التى رسمناها السنة الفارطة، مناضلات من أجل "عالم آخر" مبني على أسس مشاركة جميع الناس فى مسيرة المجتمع و من أجل إرساء سلطة الذين لا مصلحة لهم فى الإبقاء على الأوضاع الحالية القائمة على الإستغلال و إنعدام العدل .
نريد عالما حيث يعتبر قطع أعضاء النساء جريمة و ليس عادة من العادات!
نريد عالما حيث لا تتعرض أية طفلة إلى الإغتصاب بتعلة الزواج و حيث لا تقتل المرأة من أجل شرف الرجل و حيث لا تضطر أية إمرأة إلى الإنتحار أوتضحى بحرق نفسها بالنار للهروب من العنف الذكوري و حيث لا تعاقب المرأة و لا ترجم بالحجارة لأنها أحبت أو لأنها مارست الحب .
نريد عالما لا يعتبر المثلية الجنسية جريمة و حيث هوية النساء لا تتحدد بزواجهن أو بأمومتهن.
نناضل فى سبيل عالم لا يستطيع فيه إنسان أن يفرض على المرأة أن تبقى فى المطبخ أو فى المنزل ،حيث لا يمنع أحد المرأة من حقها فى المساهمة فى الإنتاج و فى السياسة .
فى مثل هذا العالم ستكون النساء سيدات أجسادهن و تقرر ما إذا كانت تريد أطفالا أم لا ! سيكون عالما حيث يكون الرجال و النساء متساوون فى كافة مظاهر الحياة .
هذه رؤية تبين أفق تحررنا ،الأفق الذى يمدنا بالأمل و الأمل الذى يولد فينا الشجاعة و القوة على مواصلة نضالنا فى سبيل تحررنا من جميع أشكال الإضطهاد سواء منها الجنسية أم الطبقية .
و هكذا ، شعارنا للثامن من مارس 2007،هو "لا للرجعية ، لا للإمبريالية ، لنصنع عالما آخر !" .
لنرص صفوفنا و نسير معا . نضال النساء فى سبيل تحررهن يرسم خطا فاصلا بين الذين يعانون من لاعدالة النظام العالمي الحالي من جهة و الإمبرياليين وأرهاط من الأصوليين الإسلاميين الرجعيين من جهة ثانية .
حملة إلغاء قوانين اللامساواة و العقوبات الإسلامية ضد النساء الإيرانيات .

8 - لاهاي : تقرير عن مسيرة اليوع العالمي للمرأة
شعارات "لا لحرب الإمبريالية الأمريكية ،لا للنظام الإسلامي فى إيران !" تردد صداها فى شوارع لاهاي بهولندا عندما شارك سبع مائة محتج أتوا من كافة أرجاء أوروبا للمسيرة المركزية التى نظمتها "حملة إلغاء قوانين اللامساواة و العقوبات الإسلامية ضد النساء " كرزار بمناسبة 8 مارس اليوم العالمي للمرأة .
مع بداية المسيرة تصاعدت أصوات طبول الهولنديين و الهولنديات شيئا فشيئا تعبيرا عن الحماس الفياض و عن المساندة الصلبة للحدث الذى تشهده لاهاي للسنة الثانية على التوالي . سار المتظاهرون أولا نحو سفارة الولايات المتحدة الأمريكية ليعربوا عن معارضتهم للإمبريالية الأمريكية التى يمكن أن تستعمل إضطهاد النساء تعلة لغزو إيران , و هنالك رفعوا شعارات " لتسقط الإمبريالية الأمريكية ، و إرفعوا أيديكم عن الشرق الأوسط ، و لا للحرب بإسم نساء إيران !" و صرخوا كذلك ب " لتغادر الولايات المتحدة الأمريكية العراق و أفغانستان !" مصرحين بمساندتهم لنساء العراق و أفغانستان .
ثم إتجه المتظاهرون – الهولنديون و الأتراك و الأكراد و الأفغانيون و الألمان و النيباليون و غيرهم – صوب سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليحتجوا على نظام ال28 سنة من إضطهاد النساء الإيرانيات . و رددت حناجرهم شعارات
" إلغاء القوانين المعادية للمرأة " و " إلتحموا بنا من أجل قضيتنا " و " ليسقط الطغيان و الحجاب المفروض فرضا ، ستنتصر حرية النساء " و " جسد المرأة حق المرأة ! " .
حسب منظمي المسيرة ، جرى توزيع أكثر من 15000 منشور فى المدينة خلال الأيام التى سبقت المسيرة و تواصل التوزيع أثناء المظاهرة ووقف المارة ليشاهدوا المسيرة و لينصتوا إلى الشعارات و أخذ الناس يتطلعون من نوافذ منازلهم أو مراكز عملهم و لوح العديد منهم بأيديهم تعبيرا منهم عن المساندة . و توقف عمال حضيرة بناء عن العمل و تقدموا للإطلاع على المسيرة . و بالرغم من تعطل حركة المرور ، فإن سائقي السيارات إنتظروا بصبر و أبدوا فضولا للإستعلام أكثر عن المظاهرة حينما مدهم النشطاء بالمنشورات . و أشار حضور عدد كبير من الصحفيين إلى حساسية المسألة و أهميتها .
و عند إقتراب المسيرة من السفارة الإيرانية ، أطلقت الحناجر بصوت أعلى فأعلى شعار " ليسقط النظام الإسلامي الإيراني !". و صور مشهد مسرح الشارع نساءا يغطيهن السواد و على وجوههن أقنعة بيضاء ومكبلة بالسلاسل الواقعة على أكتافهن كرمز لوضع النساء فى إيران . و على الركح الذى أقيم قرب السفارة ، أنشدت الفنانة الثورية و الناشطة ضمن كرزار ، جيزو شاكري أغنيتها "هذا هو وقت إطلاق الحملة " فبلغ الحماس أوجه فى صفوف المتظاهرين . ثم تلت ليلى برنيان بيانا لكرزار شدد على الحاجة إلى النضال ضد الإمبريالية و الرجعية و تشييد عالم جديد حيث لن تشكو إمرأة واحدة من الميز الجندري . و قدمت آنيا مرلانبارغ ، قائدة معروفة من الحركة النسائية الهولندية ،خطابا ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية و ضد القوانين المناهضة للمهاجرين فى بلدان مثل هولندا. و قرأت نساء من أفغانستان و تركيا و ألمانيا رسائل تضامن . و ألقت مينا آسدي وهي ناشطة كرزار أخرى ، بعضا من قصائدها القوية منددة بالنظام الإسلامي فى إيران. و فى الأخير قرأت آزار الشيباني من لندن قرار الحملة .
هذه السنة ، ساندت مسيرة كرزار عديد النساء و المنظمات السياسية الأخرى فى أوروبا و غيرها بما فى ذلك 33 جمعية و شخصية هولندية و عديد الأخريات من إيران و تركيا و ألمانيا و بلجيكا و إنجلترا و السويد . و أرسلت مارى لو قرينبارغ من الحزب الشيوعي الثوري للولايات المتحدة ،التى شاركت فى مسيرة السنة الفارطة ، برسالة تضامن .
كون يوم الثامن من مارس أتى وسط الأسبوع جعل الذهاب إلى لاهاي أصعب . وواجهت النساء المهاجرات أيضا التأشيرة و مضايقات أخرى . مع ذلك ، كثير ممن لم يتمكنوا من بلوغ لاهاي توفرت لهم فرصة رفع صوتهم و الإحتجاج فى البلدان التى يقيمون بها وذلك ضمن نشاطات كرزار للثالث من مارس المنظمة فى عدد من المدن الأوروبية و تورنتو بالكندا.
فى البرد القارس لتورنتو ، تظاهر حوالي أربعون شخصا رافعين شعار " لا للجمهورية الإسلامية الإيرانية ،لا للإمبرياليين ، سنشيد عالما جديدا " فى محاولة منهم لإيصال صوت النساء الإيرانيات للشعب الكندي . و حضر أكثر من مائة شخص إحتفالا باليوم العالمي للمرأة أقامته كرزار . و إلتأم التجمع تحت شعار " لآ أحد حر طالما ثمة إمرأة واحدة مضطهَدة فى العالم ". و تكلمت السجينات السياسيات السابقات آناهيتا رحمانيو شهرزاد موجاب حول الوضع الراهن الحرج الخاص بالمواجهة بين الولايات المتحدة و الجمهورية الإسلامية و ما يعنيه ذلك بالنسبة للحركة النسائية . و تم عرض برنامج فني دسم من مسرح و أفلام و شعر و رقص فى علاقة بإضطهاد المرأة . و قدم ممثلون عن جماعات أخرى بما فى ذلك الحزب الشيوعي الثوري الكندي و الحزب الشيوعي الإيراني و نساء عراقيات رسائل مساندة .
و فى لندن أيضا ، فى 3 مارس ، تظاهر حوالي ثمانون شخصا إنطلاقا من بوش هاوس (مركز قيادة الخدمات العالمية للب ب س، كرمز للإمبريالية الإنجليزية ) و رفعوا شعارات " لا للإمبريالية الأمريكية ، لا للنظام الإسلامي فى إيران ! " و هم يمرون عبر بعض الساحات المليئة بالناس وسط لندن ، بما فى ذلك ستراند و ساحة ترافلغار و بيكادلي سركوس بإتجاه السفارة الإيرانية . و قد حافظت طبول فرقة مناهضة للحرب معروفة ب" إيقاع المقاومة " على النسق الخفيف السرعة على طول الطريق .
و فى فرنكفورت بألمانيا ، نظم نشطاء كرزار من الإيرانيات و الأفغانيات تجمعا لثلاثين شخصا فى الساحة المركزية للمدينة . و كان المتجمعون من أفغانستان و ألمانيا و تركيا و النيبال و كردستان و إيران . و نظم تحرك حاز على مساندة عديد المجموعات المناهضة للعنصرية فى حي فى بريمان للدعاية لليوم العالمي للمرأة فى صفوف الشعب و للإعداد لمسيرة لاهاي .
و أقيمت مسيرتان فى بلجيكا ،الأولى فى 5 مارس قبالة مبنى الإتحاد الأوروبي فى بروكسال و الثانية فى ذات اليوم فى جانت .
و شهدت تركو بفنلندا مسيرة يوم 4 مارس حيث شارك حوالي عشرون شخصا فى نقاش مثير حول قضية المرأة . و قد حالت المسافة و الصعوبات المالية دون إلتحاق العديد من المشاركين بلاهاي . و لم يتم إنعقاد تجمع اليوم العالمي للمرأة المبرمج فى مركز الشباب الشهير بكوبنهاغ بسبب هجوم الشرطة على أندمسهوسات و إستيلائها عليه إثر معركة شوارع. و برمجت تحركات أخرى تهدف للإعداد للمسيرة المركزية فى لاهاي و نظمت فى إستكهولم بالسويد و بغونغاتى بألمانيا . كما نظمت كرزار نقاشا حول قضية المرأة ليلة 7 مارس فى لاهاي فى مبنى " البريم " وهي جمعية تساند المهاجرين فى هولندا و ساندت بكرم مسيرة هذه السنة .
و عقب تحرك لاهاي ، تجمع حوالي مائة و خمسون من المتظاهرين الذين بقوا بالمدينة ليحتفلوا بنجاحهم و بتقدم نضالهم. و شملت التدخلات الليلية قراءة رسالة من " اللجنة التنظيمية 8 مارس فى إيران " ،و إلقاء من الشاعرة الشابة زيبا كرباسي ،و قصيدة مترا سارف "رقصة الحرية " ،وأغاني لجيزو شاكري و موسيقى ثورية . بينما جري التعبير عن وجهات نظر مختلفة ، فإن غالبية من شارك تلك الليلة شدّدوا على الدور الذى لعبته كرزار بما هي صوت القطاع الراديكالي من الحركة النسائية الإيرانية .
و إنفض اللقاء حوالي الساعة 11 ليلا بيد أن النقاش إستمر إلى الفجر فى صفوف الذين أمضوا الليلة فى البناية .
و هكذا برزت كرزار كحركة نسائية بديلة معارضة لكل من الإمبريالية و النظام الإسلامي . و تزداد أهمية هذا حتى أكثر مع تضاعف أهمية الحركة النسائية فى إيران خاصة و أن القوى الطبقية المختلفة تسعى إلى تحويل وجهتها صوب هذين القطبين الرجعيين .
كجزء من ما يسمى صراحة جهد للحيلولة دون تحركات 8 مارس ، قام النظام الإسلامي بإيقاف 33 إمرأة و ضمنهن أبرز و أشهر الناشطات فى الحقل النسائي عندما تظاهرن أمام محكمة بطهران فى 4 مارس . و قد أخذ عدد كبير من شرطة قمع المظاهرات المرتدين الزي الرسمي يهاجم بعض النساء اللاتى حاولت التجمع رغم الإضطهاد . و هذا مؤشرعلى أن النظام الإسلامي لا ينوى القيام بأية تنازلات بصدد المسائل المتعلقة بالنساء بما أن تلك المسائل المعنية مكون من المكونات الأساسية لإيديولوجيته.
مع ذلك ، أقيمت عشرات المظاهرات بمناسبة اليوم العالمي للمرأة فى مناطق مختلفة من طهران و مدن أخرى . و بالكاد توجد جامعة لم تشهد مسيرة يومها إحتجاجا على إضطهاد المرأة ،و لا سيما على الحجاب كلباس مفروض فرضا . /.




الفصل الثاني
================================================================
تشانغ تشنغ : الطموحات الثورية لقائدة شيوعية
("عالم نربحه" 1993)
1- مقدّمة:
طوال خمسة عشرة سنة ، كانت تشانغ تشنغ معتقلة من قبل التحريفيين الذين إستولوا على السلطة فى 1976 و رأعادوا تركيز الرأسمالية بالصين و بين أيديهم الخسيسة و الملطّخة بالدماء أتت حياتها إنتهت حياتها فى 14 ماي 1991 فى ظروف مريبة للغاية.
بموت الرفيقة تشانغ تشنغ فقدت البروليتاريا العالمية أحد قادتها الممتازين.
بالنسبة للذين يتجرّؤون على الحلم بالثورة و حتى أكثر الذين يتجرّؤون على القيام بها ، تقف تشانغ تشنغ مثالا قويّا للهجوم بلا خوف على القديم والمتجاوز و مثالا لخطّ طريق جريئ لظهور الجديد عبر كافى الإلتواءات و أحيانا عبر منعرجات دموية فى النضال من أجل ولادة نظام إجتماعي جديد. وقد جعلها تفانيها طوال حياتها فى خدمة قضية الشيوعية – قضية ماو تسى تونغ- تقوم بمساهمات هامّة فى تجربة و فهم الثورة البروليتارية. لقد دافعت بأعماق روحها المتوقّدة عن حق الجماهير فى أن تعصف بالسماوات ، فى أن تتحدّى العادات على الأصعدة كافة. وقد قاتلت لأجل ( و صارعت أولئك الذين لم يفعلوا لأجل) رؤية ماو البعيدة الأثر بصدد تحويل العالم من الأسفل إلى الأعلى و كنس الطبقات و كلّ أشكال الحيف الإجتماعي. منطقلها كان الموقف الإيديولوجي و النظرة الماركسية-اللينينية –فكرماو تسى تونغ.
رغم أنّه بالأساس وقع منعها من لعب دور سياسي علني إلى حدود الستينات ، فإنّ تشانغ تشنغ إتخذت خطوات كبرى فى الإعداد لذلك بتولّيها البحث فى الفنون و مجالات أخرى بما فى ذلك حركة الإصلاح الزراعي. وفى الصراع الحاد داخل الحزب إثر القفزة الكبرى إلى الأمام ،تقدّمت لتساعد بنشاط ماو و الثوريين على دفع الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى. فقد صعدت بسرعة و حماس إلى القمم التى تطلّبتها منها الفترات الرائعة التى تطلّبتها منها الفترات الرائعة للثورة الثقافية بما جعلها تقف فى الصفوف الأمامية ضاخّة طاقة سياسية شديدة و مقدّمة قيادة لها و مشجّعة الشباب الثائر و مقدّمة إرشادا عمليا للشعب المتعطّش لإحداث تجديدات إشتراكية و سرعان ما أضحت تشانغ تشنغ قائدة ضرورية لليسار الثوري.
نضالها ضد التحريفيين الذين كانوا يهيمنون على مجالات هامّة من الثقافة و التعليم بسط لها الطريق للإطاحة بهم خلال الثورة الثقافية. لقد ناضلت للتقدّم بالمرأة معا بكسر الحواجز أمامها و بتقديم نموذج قويّ هي ذاتها. كقائدة ممتازة للحزب الشيوعي الصيني خلال العشر سنوات الأخيرة الرائعة من حكم البروليتاريا ، صارت أكثر إنغماسا فى الصراع الطبقي الحاد فى صفوف الحزب ، مكافحة بإستمرار من أجل تعزيز الطابع الثوري و الخطّ الصحيح فى ظلّ قيادة ماو و من أجل الدفاع عن خطوات الثورة الثقافية إلى الأمام و من أجل تركيزها التام و تعزيزها.
إنّ الجماعات التحريفية فى صفوف الحزب الشيوعي الصيني آملة فى كلّ منعرج من الصراع الطبقي و كلّ تجميع قوى أن تحطّم الخطّ الثوري لماو و أن تركّز الرأسمالية و أن تجرّ الصين فى طريق بيع نفسها للإمبريالية مرّة اخرى، قد جمعت قواها بعد موت ماو و إعتقلت تشانغ تشنغ و أتباع اليسار فى أقلّ من شهر بعد ذلك. كان على أتباع الرأسمالية فى الحال أن يقضوا على المعارضة. و فى البداية تظاهروا بأنّهم ورثة ماو و صوّروا تشانغ تشنغ و اليسار على أنّهم التحريفيين و المرتدّين و أعداء ماو. ( فقط لمغالطة الشعب حتّى أكثر وضعوا بعض "عناصرهم غير الراضين عنها" فى المحاكمة مع مجموعة الأربعة- كما جرت تسميتها هي و أقرب رفاقها). و شوّهوا سمعة تشانغ منظّمين حملة باطلة للتشكيك فىكلّ حياتها، حملة مسنودة بإستعراض قمعي و إستعراض للقوّة بغية بثّ الخوف فى أتباعها لثنيهم عن الإلتزام بالخطّ الثوري فى وجه إنقلابهم التحريفي و إستيلائهم على سلطة الدولة. لكنّها رفضت أن تركع لهجماتهم الغادرة و إزاء تهديداتهم تحدّتهم بأت يقتلوها مواصلة مع رفيقها الثوري تشانغ تشون –تشياو رفع الراية الحمراء ببسالة و الدفاع عن حقّ القيام بالثورة و فضحهم التحريفيين و نظامهم الإجتماعي فى محاكمتهما التاريخية سنة 1980.
2- ثائرة على العادات :
منذ أن نزعت رباط رجليها كفتاة صغيرة ، صارت تشانغ تشنغ ثائرة. لقد نشأت فى صين قطّعتها القوى الإمبريالية ، فى أيام الفقر البربري جين كما قال ماو تسى تونغ " [كانت] الأشجار عارية مثل الناس لأنّ الاناس كانوا يأكلونها." و فى ظروف القمع الإقطاعي الذى فيه "كانت النساء الفلاحات تنتظر طويلا أن تعاد ولادتها ككلاب لغاية أن تكون اقلّ بؤسا"(1) .
و المناطق التى كانت تسيطر عليها ألمانيا فى مقاطعة شانتونغ أين ولدت لي تشين ( مثلما كانت تسمى حينها) ضمن عائلتها عائلة حرفي فقير فى 1914، إفتكّتها اليابان خلال الحرب العالمية الأولى كموطئ قدم للدخول للصين بأسرها. أبوها ، صانع عجلات، كان يفرغ جام غضبه من الفقر بضرب زوجته و أبنائه إلى أن هجرته أمّها للعمل كخادمة لدى إقطاعي. و تذكر تشانغ تشنغ دائما أنّها جاعت و لكنّها كانت أفضل حظّا من غيرها بإعتبار أنّها تمكّنت من الإلتحاق بالمدرسة. وقد قالت لمحاور إنّ الدرس الذى كانت تكره أكثر من غيره فى المدرسة الإبتدائية كان التثقيف الذاتي فى الأخلاق الكنفيشيوسية ( أو كيف يجب الخضوع للسلطة)،و إنّها كانت تُضرب لإستغراقها فى أحلام اليقظة. و تذكر إشمئزازها و روعتها كطفلة ترى رؤوسا للمديوينين مقطوعة معلّقة على أعمدة و أصوات إعدام السرقة الذين سرقوا غذاءا تتردّد فى أذنيها الصغيرتين( 2) .
وصارت تشانغ تشنغ مهتمة بالمسرح بداية حين فى عمر الخمسة عشرة سنة ، درست فى مدرسة فنّ المسرح التجريبي التى تسيرها الحكومة و قد وقع قبولها لا لشيئ إلاّ لأن عدد الفتيات المسجّلة لم يكن كافيا. لكن المدرسة أغلقت أبوابها بعد مدّة قصيرة تحت ضغط جيش الإقطاعيين الموجود فى مدينة تسينان فقصدت هي و بعض الأساتذة و التلامذة بيكين كعضو من فرقة مسرحية متجوّلة. فى 18 سبتمبر 1931 إستولى الإمبرياليون اليابانيون مندشوريا فكان حدث موكدتن ذاك المنعرج السياسي الأوّل لتشانغ تشنغ. و منذ الصغر كرهت الإحتلال الغربي لبلادها بيد أنّها الآن قرّرت أنّ عليها أن تتخذ موقفا. و سرعان ما إلتحقت برابطة الجناح اليساري للمثلين ( الذى كان تحت قيادة الحزب الشيوعي) فى تسينغتا و عملت ككاتبة فى مكتبة فى الجامعة و طفقت تقرأ للينين.
مع أصدقاء لها ،شكّلت فرقة المسرح الساحلي التى توجّهت إلى الريف لتعرض مسرحيات معادية لليابان و لتقدّم عروضا لجماهير المناطق "السوفياتية" التى ركّزها الجيش الأحمر الصيني . فإكتشفت الفقر الذى لم تشاهده أبدا فى المدن و فهمت أنّ الفروقات العميقة بين أهداف قوى الكيومنتانغ القومي و اهداف الشيوعيين ليست مسألة أكاديمية. فدافعت تشانغ تشنغ عن خط " المقاومة الشاملة" ردّا على الإعتداء الياباني و بدات تُعرف " كمصدر مشاكل" فى أوساط الجامعة التى كانت تتحرّك ضمنها.
فى الواقع ،لم تحصل تشانغ تشنغ إلاّ على سنوات ثمانى من التعليم الرسمي بما فى ذلك خمس سنوات فى المدرسة الإبتدائية رغم أنّها إعتادت حضور دروس الجامعة التى كانت ترغب فى حضورها. و كما وصفت هي ، تعلّمت أكثر من "التربية الإجتماعية" ،من مدرسة التجربة التى غبتدأت بالنسبة لها فى 1933 لمّا قصدت الحزب الشيوعي الصيني الذى كان ينشط حينها سرّيا و قُبلت عضويتها. فى الفترة المضطربة من الثلاثينات ، قرّرت انّ القيام بالثورة أهمّ بكثير من كتابة القصائد و المقالات.
مع ذلك عندما بُعثت تشانغ تشنغ لتعمل فى شنغاي فى ربيع 1933 ،تبيّن لها أنّه من الصعب جدّا أن تكون عضوا نشيطا فى الحزب . تحت هيمنة أهمّ خصم سياسي لماو ، وانغ مينغ خطّه الإنتفاضي بالمدن، وقع تقريبا تفكيك شامل لهيكلة الحزب هناك وكانت الإنتهازية مستشرية (3). عديد قادة الحزب الشيوعي الصيني أولئك إن لم يكونوا متعاونين مباشرة مع الكيومنتنغ ن كانوا يستعملون القوى المفعمة نشاطا المنجذبة إلى الشيوعية من ضمن مئات الآلاف من الجناح اليساري للمثقفين النازحين إلى المدينة المختلطة لحماية أنفسهم من الشبكات المنظّمة للمخدّرات التابعة للكيومنتنغ.
كانت المهمّة الأولى لتشانغ تشنغ فى شنغاي مع فرقة العمل و الدراسة بالمدينة عينها. صارت ممثّلة مسرحية تقوم بدور فى عديد المسرحيات التقدّمية التى كانت تدعو الشعب للدفاع عن الصين ضد اليابان. و أثناء المهمّة التالية كأستاذة مدرسة ليلية ،زارت عديد المصانع و عاينت عن كثب الظروف البائسة لعقود العمل بالمصانع بالخصوص فى معامل النسيج الكبرى على ملك اليابان و فى مصانع التبغ على ملك بريطانيا. إعتقلها الكيومنتنغ ( ب "إعانة" صديق قديم لها تحوّل إلى مرتدّ عن الحزب الشيوعي الصيني و إلتحق بالمخابرات السرّية) و سجنت لثمانى أشهر ؛ على الأقلّ ، تتذكّر ، أنّ مدة سجنها علّمتها بعض الدروس حول كيفية مغالطة سجانيها من الكيومنتغ بمظاهر خارجية.
أن تشارك كممثلة فى فلم فى الثلاثينات كان يعنى أن تذهب ضد العادات على المستويات كافة. فقد كان التمثيل محتقرا و يعدّ عملا للنساء " المخسورات" و الراديكاليات إجتماعيا. كانت الممثّلات عُرضة للتنكيل الشخصي المنتشر بهدف تحريك "الغرائز" الإقطاعية لضحاياهم و دفع النساء إلى الإنتحار أمر متكرّر الحدوث. كان الكاتب الشهير لوهسين الذى كان له تأثير كبير فى تلك الفترة و الذى كان متعاطفا مع الشيوعيين ،كان أحد المعلّمين المتميّزين لتشانغ تشنغ.و قد تطرّق فى عديد مقالاته لهذا المشكل و تطرّق أيضا إلى قضية تحرير النساء عموما ، لا سيما مقال معنون " الأب شيئ مرعب" تحدّث فيه عن المعاملة غير العادلة للمرأة فى الفنّ و عن الهجمات الصحفية المعادية للنساء( 4) .
فى أواسط الثلاثينات ،كان ماو و الجيش الأحمر يخوضان المسيرة الكبرى .و غدت تشانغ تشنغ أكثر غنغماسا فى تمثيل الأفلام بالأساس للحصول على لقمة العيش ووجدت أنّ المجال لا تزال تهيمن عليه كلّيا هوليود بإستثناء بعض الأفلام الديمقراطية. كذلك كتبت بعض المقلات فى الجريدة اليسارية "التنوير" . إثر الإعلان الخاطئ فى الصحف عن إختطافها ( للضغط عليها كي تنتحر) ، ندّدت بهذا التهديد الشخصي فى مقال بجريدة بشنغاي إختارت له من العناوين "رسالتى المفتوحة". وفى 1937 ، قبل تحرّك اليابات لإطلاق القنابل على شنغاي بقلي، مضت تشانغ تشنغ إلى الشمال إلى جانب قيادات جيش المشاة الثامن التابع للحزب الشيوعي الصيني فى سيان حيث طلبت هي و العديد من الشباب الراديكاليين الآخرين للإلتحاق بقاعدة الجيش الأحمر فى يانان ، على بعد 300 لكم من الطريق الجبلي.
3- يانان : طالبة لدى ماو و رفيقة دربه :
رغم أن تشانغ تشنغ إلتحقت بالحزب قبل سنوات ، فإنّ كلّ شيئ فى قصّتها يبيّن أن فترة يانان هي التى مثّلت قفزة سياسية و إيديولوجية حقيقية بالنسبة لها. لقد حضرت محاضرات ألقاها ماوتسى تونغ و إلتحقت بمدرسة الحزب بينما كانت تعمل و تعدّ دروسا فى فى آكاديمية لوهسيو للأدب و الفنّ ( التى كانت ضمن نشاطات أخرى تدرّب فرقا مسرحية لتخدم الجبهة) لم يعد التمثيل نشاطها الأساسي فبإعتبار وصولها خلال هدوء مؤقت للحرب ، تمرّنت عسكريا طوال ستّة أشهر و شرعت بجدّية فى دراسة الماركسية-اللينينية. كان ماو مهتمّا بعمق بمسائل الثقافة و ذهب يبحث عن نقاشات أدبية و سياسية مع الملتحقين الجدد و تشانغ تشنغ من جهتها غدت طالبة متحمّسة لدى ماو. فى أواخر 1938 تزوّجا . و أنجبا بنتا لى ناي نشأت مع طفلة أخرى لماو ، لى مين.
فى باقة الورود التى قدّمتها خلال تشييع جثمان ما وفى 1976، يُقرأ على إهداء تشانغ تشنغ " من طالبتك و رفيقة دربك". طوال ال38 سنة من الزواج نعتت علاقتها بالرئيس على هذا النحو و رغم أنّ العواصف السياسية التى واجههاها معا كانت كثيرة و متنوعة ، فإنه خلال الأياّم العسيرة التى عاشاها فى إقامات الأغوار التى تقاسماها فى يانان و خلال السنوات الأخيرة من حرب التحرير التى كان يقودها ما وفى الشمال الغربي للصين ، خلال ذلك تعزّزت قفزات التقارب تلك.
زوّار غريبون يصفون جوّ الحرب الشيوعية ذات الروح الجذرية لتلك الأيام الشاقة بيانان حين إختلط القادة الشيوعيون بيسر بالفلاحين ، كان الشباب و المتقدّمون فى السنّ يرقصون معا و كان الجنود يسهمون فى إنتاج الغذاء ، حين كانت الحياة بسيطة نسبيا و منظّمة حول الهدف الوحيد لخوض حرب الشعب الثورية و حين كانت بذور مجتمع جديد خضراء نضرة تبدأ فى النموّ. وكما كان أحد شعارات ماو المكتوبة على الجدران القديمة لينان يقول " بمعزقة على كتف و بندقية على الكتف الآخر سنصبح مكتفين ذاتيا فى الإنتاج و سنحمى اللجنة المركزية للحزب!".
غير جلي إلى أية درجة تدخّلت اللجنة المركزية للحزب فى زواج ماو بتشانغ تشنغ لكن نُقل بصفة واسعة أنّ بعض قادة الحزب قبلوا ذلك شرط ألاّ يسمح لتشانغ تشنغ بأن تنهض بدور سياسي علني وهي وضعية قيّدت مبادرتها لعدّة مرّات خلال السنوات التالية بعد كسب التحرير و بداية مهام الثورة الإشتراكية و البناء الإشتراكي بجدّية.
إلتحقت تشانغ تشنغ بمجموعة إنطلقت فى القيام بستّة أشهر من العمل اليدوي فى جبال نانيوان كجزء من مشروع مطالبة بالأرض و المجموعات المكتفية ذاتيا التى شرع فى بعثها ما وفى 1939 لتشجيع الإنتاج فى المنطقة. وعملت كذلك كسكريتيرة خاصّة لدى ماو لمدّة من الزمن و شاركت فى ندوة يانان الشهيرة حول الأدب و الفنّ على أساس تلك المهمّة ( 5 ).
وسمح لها ماو الذى كان يشدّد دوما على كتابة مقالاته بخطّ يده فقط بأن تقوم بهذه المهمّة فى وقت منعه المرض من الكتابة و لكن فى هذا العمل قالت إنّها كانت منكورة الإحترام الكامل من قبل الرجال الآخرين فى قيادة الحزب الشيوعي الصيني. و رغم مشاكل مقاومة مرض السّل خلال بدايات الأربعينات ، فإنّ تشانغ تشنغ درّست الفنون الدرامية فى آكاديمية لوهسيو و قادت إنتاج مسرحيات تنادى الجماهير لمقاومة الإعتداء الياباني كانت تعرض أمام السكّان المحلّيين و على الجبهة .
فى مارس 1947، قذف تشانكاي تشاك يانان بالقنابل مضطرّا قيادة الحزب للخروج منها. فعملت تشانغ تشنغ كمرشدة سياسية للفيلق الثالث فى مسرح الشمال الغربي حيث قالت إنّ تمّ خوض أصعب سنوات حرب التحرير من مارس 1947 إلى جوان 1949. و تلك الفترة هي التى ألهمت الأعمال الجديدة الشهيرة التى تطوّرت خلال الثورة الثقافية- لحن بيانو النهر الأصفر ،و إثنتان من الأوبيرا الثورية – المصباح الأحمر و شاتشيانغ. تتذكّر حرارة الجماهير و دموع إبتهاجها حين كانت هي و ماو يزوران بعض القرى عبر طريق سيرا على الأقدام كما تتذكّر العذابات التى تكبدوها لحمايته برفض نطق إسمه علنيا.
فى إنسجام مع "بيان العشر تين"لماو الذى نادى فيه كلّ الشعب لإلحاق الهزيمة بتشانكاي تشاك و لتوحيد الأمّة كانت إحدى مهامها تنظيم حملة لإعادة التذكير بعذابات الماضى ضمن الفيالق و تطبيق "الثلاث مراجعات" الشيئ الذى كان يعنى مراقبة تطبيق قواعد نظام تصرّف الجيش الأحمر كما تركّزت فى قواعد الإنضباط الثلاث و نقاط الإنتباه الثمانية(6) . و بعيد ذلك، مع إنتشار كتيّب ماو "الديمقراطية الجديدة " عبر الصين إنطلقت حملة أشمل لتعزيز الجيش جزئيا كإعداد للإصلاح الزراعي. و قادت تشانغ تشنغ كذلك فرقة نقاش كجزء من عمل وحدة دعاية متحرّكة. ثمّ حين كانت دولة الديمقراطية الجديدة ترسى فى بيكين فى ربيع 1949، غلتحقت بسكريتارية الحزب.
تروى تشانغ تشنغ إستغلال ما يتوفّر لها من وقت بين المواجهات مع العدوّ لتتجمع مزيد المعلومات عن الوضع الإجتماعي و السياسي و كذلك العمل السرّي فى خوض الإصلاح الزراعي. فعلمت بقصّة إمرأة من مقاطعة ساحلية خلال تلك الفترة حيث كان التسرّي منتشرا ، و روتها بما هي قصّة ذات دلالة . إقطاعي إضطرّ خليلاته العديدة للقيام بأعمال حقيرة مثل حمله على كرسي مصنوع من أماليد مجدولة و بأعمال كلّ الحقل ،كان مكروه بشكل خاص. خلال الإصلاح الزراعي، ندّدت به خليلاته على الملأ محطّمة إيّاه و تبعا لذلك تحصّلت كلّ منهنّ على قطعة من أرضه للعمل بها كأرض على ملكها.
4- الإصلاح الزراعي و البحث الإجتماعي :
قدرة تشانغ تشنغ على تطوير معرفتها كناقدة ثورية و الدفاع عن خطّ بروليتاري فى الفنون و كذلك قيادة الآخرين فى المجال الثقافي كانت جزئيا متجذّرة فى تجربتها فى القيام ببحث جسور وواسع النطاق فى الخمسينات بينما كانت تناضل بصرامة ضد القوى التى أرادت الإبقاء عليها غير مرئية و صامتة. مع دراستها و تطويرها المسائل السياسية و افيديولوجية المعنية ،فإنّ ذهابها للعمل ضمن الجماهير لتحسين معرفتها الأوّلية للظروف و المشاكل التى يواجهها الفلاحون و العمّال الذين كانوا يقاتلون لتثوير المجتمع أكّد أنّه ذو فائدة كبيرة خلال الصراع مع الفنّنين بعد عشر سنوات من ذلك حول كيفية تحديد المميّزات الثورية لهؤلاء الأبطال الجدد المعوّضين للإقطاعيين و التعبير عن المرحلة الصينية و لا ننسى قدرتهاا على إتخاذ موقف صحيح فى الصراع الطبقي الدائر رحاه فى المستويات العليا للحزب.
و قد أرهقتها الحرب و المشاكل الصحية العديدة ، بُعثت تشانغ تشنغ إلى موسكو أكثر من مرّة خلال العشرية التالية لفترات طويلة للمعالجة الطبّية بإعتبار أن غالبية المستشفيات الصينية دمّرت فى سنوات الحرب. يبدو أنّ الأعداء السياسيين لماو رأوا كذلك هذا طريقة للإبقاء عليها بعيدة عن طريقهم. تذكر أنّه وقع رفض السماح لها بالعودة إلى بيكين فى أواخر الخمسينات حتى حين لم يكن الأطبّاء فى موسكو يفعلون أي شيئ لتحسين وضعها الصحّي و كادت تمون جراء سرطان عنقيّ.
تتذكّر تشانغ تشنغ إبتهاجها بأخبار الهجوم الشامل لجيش التحرير الشعبي ضد الباخرة الحربية الالباقية ، آميثست ، فى أفريل 1949 و التى سمعتها بالإذاعة السوفياتية. و بعيد تأسيس الجمهورية الشعبية فى خريف 1949 رجعت إلى بيكين و قامت بمخططات للبحث فى بعض المناطق الريفية قرب شانغاي حيث كان يطبّق الإصلاح الزراعي . بعدُ خلال الحملة الشمالية الغربية تحصّلت على بعض التجربة واضعة سياسة ماو الفلاحية الثورية موضع الممارسة – قائدة الفلاحين للإطاحة بالإقطاعيين و إعادة تقسيم الأرض.
إثر تعطيل رحلة منظّمة رسميّا إلى المناطق الريفية خارج شنغاي من قبل بعض المرتدّين فى الحزب المراقبين للمنطقة الشرقية الشايعة ( على ما يبدو أنصارا لوانغ مينغ غير معروفين لدى الحزب تحوّلوا إلى الكيومنتنغ) وجدت تشانغ تشنغ نفسها مضطرّة للتعويل على ذاتها للذهاب إلى المدينة الصناعية يوسيه فى مقاطعة كيانغسو. هناك درست أرضية المنطقة و نظام تملّك الأرض و الإقتصاد المحلّي قبل زيارة الريف المحيط. لقد علمت أنّ الفلاحين لم يكونوا قادرين على الإكتفاء الذاتي فى الغذاء و أنّهم كانوا يخصّصون جزءا من أرضهم لإنتاج الشاي و الحرير فى مقابل الحصول على الأرزّ. و ظلّت فوضى الإنتاج الموروثة عن فترة الإحتلال الياباني تمنعهم من الحصول على الغذاء الكافي.
بعد بضعة سنوات زارت ما كان يسمّى "الإقليم المثالي" للكومنتانغ حيث رغم أنّ " النساء تقوم بغالبية العمل" بينما كان الرجال يقامرون و يشربون الشاي ، فإنّه لم يكن مسموح لهنّ بالحراثة . "لذلك ذهبت و حرثت بنفسي" ، قالت. اللامساواة المادية بين الرجال و النساء كانت أيضا اكثر بروزا فى الريف نسبة للمدن. و لو أنّ الإصلاح الزراعي وزّع الأرض على الجنسين على أساس المساواة ،فإنّ مثل هذه القوانين نُفّذت بتفاوت. كانت النساء تحصل عادة على قطع أصغر أو أرض أوسأ و بسبب ثقل إضطهادهن لم تناضل النساء ضد ذلك. عادة ما كان الرجال يستفيدون من ذلك كذلك لرفض إقتسام وسائل الزراعة و للإبقاء على أسوأ الأعمال للنساء مقابل أبخس الأجور رغم سياسة الحكومة الجديدة فى الأجر المتساوي لعمل متساوي ، التى ركّزها الحزب الشيوعي.
إصلاح الزواج المجرى فى 1950 كان بالأساس لحماية المرأة و إعطائها حرّية الإختيار و حقّ الطلاق. و كما وصفت تشانغ تشنغ فإنّ الممارسات القديمة و الأفكار التقليدية من الصعب الإطاحة بها و تواصل الزواج المترتّبفى عدّة مناطق . و قصدت تشانغ تشنغ بعض القرى فى هذه الفترة للإعانة على تسوية خصومات الطلاق و غعطاء توجيهات للجان الحزب المحلّية لتعلّم مسك هذه المسائل المتفجّرة و لخلق رأي عام للإقناع عوض إتباع مطالب الجماهير بحلول أكثر تناقضا مثل احكام الإعدام فى خصومات من نوع الطلاق مثلا.
و كانت تشانغ تشنغ على إستعداد للمساهمة فى الصراع الطبقي لأجل تحويل الرّيف الصيني و فى خريف 1951 برزت مع مجموعة عمل لمتابعة تطوّرات الإصلاح الزراعي فى منطقة ويوهان على نهر اليانغسي. و بينما كان ماو يسندها كان آخرون من أعلى أجهزة الحزب يعارضون هذا الإلتحام بالجماهير (7) و أنزلوها هي و حرّاسها من القطار قبل أن تصل إلى الريف . رافضة الإستسلام أخذت تشانغ تشنغ حرّاسها و نظّمت معهم بحثا على حسابها فى منطقة صعبة جدّا كانت قبلُ مدافعة شديدة عن الكيومنتنغ خلال السنوات الطوال لحرب الشعب و كانت بصفة إستثنائية معارضة للإصلاح الزراعي(8) .
كان للإصلاح الزراعي منعرجاته و إلتواءاته. وقد حدّد ماو الثلاث جبال الكبرى – الإقطاعية و الرأسمالية البيروقراطية و الإمبريالية- كهدف بما يعنى فى الريف التركيز على الطبقة الإقطاعية و المتسلّطين المحلّيين الذين كانوا يسيرونمنظمات الإقطاعيين. وعاملة مع السكّان كانت فرقة تشانغ تشنغ تعزل الثماني أو ال20 بالمائة من أتعس المنتهكين للقانون و بالإستناد إلى قانون الإصلاح الزراعي قدّموهم إلى المحاكمة. لقد تذكرت صعوبة كبح غضب الجماهير بعد إندفاعها ضد هؤلاء المتسلّطين المكروهين: فى مناسبات كان على مجموعة العمل أن تحميهم من الضرب حدّ الموت فى المكان نفسه و أحيانا كانت مجموعة العمل ذاتها عرضة للهجمات الجسدية أثناء السيرورة. وقد قدّمتهم مجموعة العمل إلى محكة الشعب للحكم عليهم أحيانا بالموت. إثر ذلك كان تقع إعادة توزيع الأرض و الأملاك المنتقلة و لهذا كان يزم القيام بتحليل طبقي. كان التوجّه العفوي ينزع نحو توسيع الأهداف الإجتماعية بمعنى أن الفلاحين المتوسطين ( الذين كانوا يملكون عموما قطعا صغيرة غير ذات بال) يقع إنتزاع أملاكهم أو أنّ الفلاحين الغنياء تقع تسميتهم بالإقطاعيين لكن بعض "الأخطاء اليمينية" أيضا ظهرت مبقية الإقطاعيين خارج الكُلاّب. وشدّدت تشانغ تشنغ على أنّ الطبقية تميّز منطقة عن منطقة اخرى لذلك يتعيّن تطبيق القوانين الفلاحيةبشكل مختلف. فى تقسيم ملكية الإقطاعيين ، شجعت مجموعة الحزب "إنفتاح الفكر" و أن تأخذ كلّ كلّ أسرة فقط ما تحتاج إليه. وقد دفعتها الصورة التى جمّعتها عن تلك اليام حيث كان الإقطاعيون يتهادون للباسهم عديد العباءات و البدلات بغية إنقاذ أكثر ما أمكن ممّا جعلهم لا يقدرون على التزحزح تحت عبئها!
لأجل تطبيق عمل الإصلاح الزراعي ، درست مجموعة تشانغ تشنغ الماركسية-اللينينية و حاولت إتباع تأكيد ماو على ضرورة " التنظّم". إثر توزيع الأرض ،كرّسوا أنفسهم لهذه المهمّة مركّزين حكومة محلّية جديدة و ديمقراطية و منظّمين إنتخابات لجمعيات الفلاحين.
لمّا جمّع ماو جملة من المقالات فى "النهوض الإشتراكي للريف الصيني" لغاية خلق رأي عام فى صالح التعاونيات فى 1955 ، كتبت تشانغ تشنغ كذلك مقالا سمته " هل يحصل الشعب على ما يكفى من الأكل مو مؤن الحبوب؟" و شارحة جزئيات الحاجيات الفردية ،دافعت عن مؤن الحبوب فى المدن إذ وجدت مقاومة شديدة لإعادة تنظيم الإنتاج فى الريف.
5- التجرأ على الذهاب ضد التيّار :
إستعملت تشانغ تشنغ الفترات الطويلة التى بعثت فيها لإستعادة صحّتها من عدد جدّي من الأمراض للتوسّع فى القراءة حول مواضيع عريضة المجالات مركّزة على "الصراع السياسي الأساسي بين العدوّ الطبقي و بيننا" كما عبّرت عن ذلك هي ذاتها. ركّزت على كتب و مقالات جديدة و مختارة من ضمن أهمّ المواد التى أًعدّت ليقرأها ماو مشيرة إلى ما تعتقد أنّها المواضيع المفاتيح. و تكلّفت بالبحث فى المسائل العالمية بالخصوص. و حين بقي إلى جنبها فى شتاء 1953 سهرت على إبقائه مطّلعا على ما يجدّ من أحداث و قرأت له الصحف و البرقيات (9). وفى 1954، عثرت على مقال كتبه طالبان ناقدين الرؤى البرجوازية لأستاذ معروف على أنّه مختصّ فى تاريخ القصّة فى القرن الثامن عشر، حلم القاعة الحمراء. و جعلت ماو يطّلع عليه فأوصاها بأن يُعاد طبعه فى "دورية الشعب" . و بدأت تتحقّق من الأمر و إكتشفت أنّ كلّ من الجرائد الأدبية اليومية و "دورية الشعب" رفضتا نشره لأنّه كان مكتوبا من طرف "أشخاص نكرة" و ليسوا أهلا للخوض فى الأدب.و لقيت تشانغ تشنغ نفس ردّة الفعل من قسم دعاية اللجنة المركزية. فأصدر ماو توجيها ناعتا المقال ب " الهجوم الجدّي الأوّل فى الثلاثين سنة" ضد ما يسمّى بخبراء القصّة.
و قد كشفت بعدُ تشانغ تشنغ عن شبكة من عديد الأعمال الأخرى المدافعة عن الطبقات الإقطاعية و البرجوازية القديمة و نبّهت ماو إليها. و من بين تلك الأعمال " داخل محكمة تشنغ" شريط عن إنتفاضة البوكسر فى 1900 كان يصوّر الفلاحين كجهلة و متوحشين بينما كان يعظّم سلطان الماندتشو الذى يمثّل الأرستقراطية الليبرالية .عارضت تشانغ تشنغ توزيعه و تشجيعه كفلم "وطني" ( من قبل ليوتشاوتشى ضمن آخرين) و حين شاهده ماو نعته بفلم خيانة وطنية.
حين ظهرت " قصّة ويوهسون" قبلا فى 1950 إبّان حركة الإصلاح الزراعي فضحت الشريط كمعبّر عن مطامح البرجوازية و رسالته الأساسية التى كانت تدعو للتحرير و النجاح الإجتماعي عبر التعليم و كذلك موقفه التوفيقي تجاه الملاّكين الإقطاعيين. و كان ويوهسون شخص عالة على المجتمع أنقذ بإنتباه كلّ قسط من المال أمكن له إنقاذه مستخلصا أرباحا منه من لدى الإقطاعيين و المرابين إلى أن تحصّل على ما يكفى لإشتراء ملكية و بناء مدرسة تقدّم تعليما مجانيا للأطفال الفقراء. حين قال تشويانغ نائب وزير الثقافة إنّه يتضمّن بعضا من الإصلاحية أغلقت تشانغ تشنغ فجأة الباب قائلة " إذا واصل فى إصلاحيتك!". رغم أنّ حتى ماو إعتقد فى البداية أنّها يمكن أن تكون تضيع وقتها ، نقّبت فى بحث طال ثمانية أشهر فى حياة و أسطورة يوهيوسن؛ و قد أرادت أن تكون فى موقع تقديم نقد موثق جيّدا و الشروع فى مهاجمة ركائز هذا الخطّ البرجوازي و المدافعين عنه فى حقل الفنّ.
فى البداية حاول تشويانغ الحيلولة دون تشانغ تشنغ و تحقيق مشروعها هذا بيد أنّه لمّا أخفق أرسل سكريتيرا ليكون مساعدا لها و ليخرّب العمل فى مقاطعة شانتونغ حيث كانت أسطورة يوهسون قوية بشكل خاص. و تبيّن أن ّ إقطاعي محلّى كان يشجّع على نمط يوهسون فى صفوف الناس و كلّما تعمقت أكثر فى إتباع الماضى كلّما إكتشفت جذوره الطبقية. و قد نادت السكّان المحلّيين للمساعدة علىا التوصّل إلى قمة "روح" يوهسون. وإكتشفت أنّه لم يكن فحسب إقطاعي له عشيقات عدّة بل أيضا وقعت ترقيته لمعارضته الإنتفاضات الفلاحية المنتشلرة و التى زلزلت غرب البلاد.
وبعثت بتقارير للرئيس و شرعت "جريدة الشعب" فى نشر نتائج البحث فظهرت مجموعات "إكتشاف جديدة" مناقضة و أصبح النقاش حول نمط يوهسون مسألة إجتماعية واسعة الإنتشار فى 1951. كتب ماو ذاته إفتتاحية ل "جريدة الشعب" مرتكزة على تقرير تشانغ تشنغ مشيرا إلى "درجة الإختلاط الإيديولوجي الذى بلغته حلقاتنا الثقافية الريفية! فى نظر عديد كتّاب التاريخ التطوّر ليس تعويض الجديد للقديم بل إمتصاص أي مجهود للمحافظة على القديم من الإندثار ، ليس عبر الصراع الطبقي للإطاحة بالحكّام الإقطاعيين الرجعيين الذين يجب الإطاحة بهم و إنّما عبر إنكار الصراع الطبقي للمضطهَدين و إخضاعهم لهؤلاء الحكّام على طريقة يوهيوس".و دعا إلى نقاش للشريط ولمقالات مرتبطة بقصّة يوهيوس ( 10).
رغم أنّها لم تكن معروفة لدى الجماهير فإنّ تشانغ تشنغ قامت بمساهمات مبكّرة فى هذا المجال الذى كان تقريبا تقريبا حكرا على المثقفين البرجوازيين و تحت هيمنتهم بمساندة من تحريفيين فى الصفوف العليا للحزب الشيوعي الصيني. وبينما كان شو وانغ ينتحب أنّها كانت "تزعج" الكتّاب و الفنّانين ، كان يشغلها مشكل آخر هو أنّه ثمة ملايين الفلاحين الذين يقومون بجهود ثورية جبّارة لتحويل الفلاحة و العلاقات الإجتماعية فى الريف و كان بإمكانهم مشاهدة ربّا فلم واحد أو مسرحية واحدة فى السنة. هل سيكون عن الأباطرة وزوجاتهم اللامعين الذين سحقوا إنتفاضاتهم و عن اٌطاعيين المتغطرسين الذين يكدّسون الأموال أو ستكون الشخصيات الجديدة من جماهير الشعب الكادح المضحية بدمائها و حياتها لتغيير المجتمع؟
لقد رفضت تشانغ تشنغ أن تتراجع عن النقاش و متسلحة بتحليل ماو منذ الأربعينات للفنّ و السياسة ، ساعدت على تحطيم سلام المجالات المحرّمة التى إلى حينها قلّما وقع تحدّيها و اقلّ من ذلك وقع تحويلها من قبل الثورة و إستعملت هذا النقاش لتفضح تفكير الكتّاب و الفنّانين المتجاوز و المتمسّك ب "معايير" الماضي . وإلى جانب ماو ، شجعت " الأشخاص النكرة" الحيويين على توبيخ "السلطات" الرزينة و المحافظة و الشروع فى تطوير الرؤى بصدد إبراز الإيديولوجيا البروليتارية و ألبطال الثوريين.
هدير الرعد هذا فى الحقل الثقافي لعقد قبل إندلاع إعصارات ربيع الثورة الثقافية كان تماما مندفع بمبادرة ما وفى 1957 لإثارة المسائل المتعلقة مباشرة بالبناء الفوقي- حملة " لتتفتّح مائة زهرة ولتتنافس مائة مدرسة". و أكّد ماو : إنّنا بصفة مفتوحة و ليس بصفة مغطّاة كما أعلنّا ندعو الأعشاب السامّة للظهور ليمكننا نقدها بصفة أفضل. "الصراع الطبقي واقع موضوعي مستقلّ عن إرادة الإنسان... لا يمكن تجنبه حتّى و لو أراد الشعب ذلك. الشيئ الوحيد الذى يجب القيام به هو إستغلال الوضع على أحسن وجه و قيادة الصراع نحوالإنتصار." (11)
6- الهجوم على البناء الفوقي ...و حرّاسه :
مع نهاية الخمسينات ، كان الصراع السياسي داخل اللجنة المركزية يحتدّ بصفة مثيرة. إذ صار الطريقان ، الخطّان أوضح فأوضح – دفع بناء الإقتصاد الإشتراكي إلى الأمام و تثوير المجتمع كلّه أم التوقّف و "مراوحة المكان" مثلما تريده العناصر البرجوازية ، أولئك القادة القدماء "المتشبّثين" بالمرحلة الديمقراطية البرجوازية و تطوير الرأسمالية. إضافة إلى ذلك عزّز نداء خروتشاف إلى الغولاش عوض الشيوعية بشدّة الخطر التحريفي داخل الصين.
و خلال الإجتماع العاصف للمكتب السياسي فى لوشان سنة 1959 ، كتب ماو إلى تشانغ تشنغ جوابا أحضره للردّ على معارضة وزير الدفاع بنغ تاه –هزاي للتسريع فى التحويل الإشتراكي . و كان بنغ تاههواي على وشك التعرّض للإطاحة به كممثّل قيادي لخطّ داخل اللجنة المركزية كان يؤيّد تشكيل جيش عصري مثل جيش الإتحاد السوفياتي ( و يعارض إنشاء ميليشيا شعبية) وهو خطّ مرتبط بهجوم واسع على تحويل التعاونيات الفلاحية فى القفزة الكبرى على الأمام بإسم تشجيع الصناعة الثقيلة و البناء العسكري(12). و رغم أنّ ماو سعى إلى إيقافها محذّرا إياها من أنّ الصراع الحاد جدّا سيتطلّب منها الكثير بالنسبة لصحّتها العليلة ، فإنّ تشانغ تشنغ ألحّت على الإلتحاق به فى الإجتماعات لغاية الفهم التام للوضع.
فى بدايات الستينات ، تركّز الصراع حول كيفية تقييم القفزة الكبرى إلى الأمام و حركة التعاونيّات عموما. و إندفع ليوتشاوتشى قائد معارضة ماو و اهمّم مثّلى عناصر الحزب المتبعة للطريق الرأسمالي ، إندفع بصفة مفتوحة أكثر مناديا لمزيد الدوافع المادية للإنتاج الفلاحي و توسيع الحقول الخاصّة و مزيد من السواق الريفية( الرأسمالية) إلى آخره. و ليس صدفة أن شرع لي وفى القيام بزيارات إلى ضريح كنفيشيوس. و مع انّ ماو و المعسكر البروليتاري كانا فى قيادة الحزب بصلابة عموما ، فإنّ القوى البرجوازية المعشّشة أكثر فأكثر فى الصفوف العليا للحزب كانت قويّة و خلقت بقوّة را]ا عاما قصد إفتكاك السلطة. كان هؤلاء التحريفيين يمسكون بقوّة بنظام التعليم و الفنون وهي مجالات مفاتيح لنشر إيديلوجيتهم و التأثير على الجماهير.
أعدّ اليسار لهجوم مضاد و بدأ فى خلق راي عام موال له ليوجه هجوما كبيرا ضد البرجوازية داخل الحزب. و إندفعت تشانغ تشنغ فى معارك سياسية إلى جانب ماو. و أخذت تنشر مقالات بإسمها الخاص فى بعض جرائد النساء و الشباب و كذلك توجّهت نحو الجماهير فى 1963 كجزء من حركة التربية الإشتراكية التى هي معركة ماو الهجومية ضد التحريفية و الممارسات و اتلتفكير البرجوازيين و التى كانت مقدّمة للثورة الثقافية. و دعا ماو الكوادر و الفنّانين و الكتّاب فى المدن إلى الذهاب نحو الريف و للتعلّم من الجماهير . و فى افجتماع العام العاشر للجنة المركزية الثامنة فى 1962 ، إتخذ قرار بعد صراع طويل للسماح لتشانغ تشنغ بتحدّى لجنة بلدية بيكين الممسوكة بقوّة من قبل التحريفيين برئاسة عضو من المكتب السياسي و رئيس بلدية بيكين بنغ تشان ( الذى كان مسؤولا عن تركيز السياسة الثقافية الوطنية). كان هؤلاء هم الذين يراقبون عددا كبيرا من صحف الصين و مسارحها و حلقاتها الثقافية و الذين أنشؤوا مدرسة فكرية (معارضة لدفع ماو نحو مزيد تثوير المجتمع و مدافعة عن جمع الممتلكات بإسم التعصير) كانت مؤثّرة فى أوساط المثقفين عموما.
لقد خلقوا مأوى للكتاب البرجوازيين الجدد مثل يوهان مؤلّف مسرحية "هاي جيو إستقال من العمل" التى ظهرت فى 1961 و كانت بمثابة إحتجاج على إقالة بنغ تاه-هواي من زارة الدفاع من قبل فى 1959 ، إحتجاج مغلّف فقط بتشبيه رفيع بعصر ديناستية المنغ. و كانوا أيضا مشجعى عامود صحيفة يسمّى "قرية ذات ثلاث عائلات" يهاجم ماو و خطّه بسخرية (13). لو نقد الثوريون الكتابات و الإنتاجات الدرامية المشجّعة من قبل البرجوازة الجديدة و التى كانت تعمل بنشاط لتطبع الحياة الثقافية و الفكرية عامة بنظرتها الطبقية ، فإنّ مثل هذا النقد يُراوغ بنقد ذاتي غير صريح أو مقالات مضادة تمسّ المسائل الثانوية.
إتسع هذا المأزق بفعل أنّ اليسار لم يكن يستطيع حتى نشر أغلب ما أراد نشره و بإختصار كان عليه أن يُعوّل جزئيا على قنوات داخل الجيش تحت إمرة لين بياو. و بعد وقت قصير ، بداية 1966 تحوّل ماو لنعت مركز وزارة الدعاية ب " قصر أمير الجحيم" – " يجب الإطاحة به! الإبقاء على الناس دون علم يخدم مصالح الأباطرة.و من مصلحتنا فتح أعين الناس "(14).
سعت تشانغ تشنغ لأن تنقد " هاي جبو إستقال من عمله" التى كتبت و نشرت فى بيكين لكن هذه المجموعة أقامت سدّا و حالت دون ذلك فى كلّ مكان. و فى النهاية كتب كاتب شاب كان يعمل تحت قيادة تشانغ تشنغ و ماو وإسمه ياوووان الذى أصبح نشيطا أثناء الحركة المعادية لليمين التالية لحملة المائة زهرة ، كتب نقدا لاذعا لهذه المسرحية. و امكن نشر النقد فقط فى شنغاي فى البداية و ليس قبل نوفمبر 1965 حين نعته ماو ب"إشارة إنطلاق "الثورة الثقافية. و سعت مجموعة كتاب بيكين عندئذ أن تقبر الخلاف الهائل الذى إندلع عبر الفوارق الدقيقة التاريخية الأكاديمية و حتى إستعملت الإبتعاد عن المؤلّف (ة و نائب رئيس بلدية بيكين) يوهان لأجل إنقاذ مواقعها هي.
7- ثورة فى أوبيرا بيكين :
كانت مجموعة من كبار "الأخصائيين" المدافعين عن مسرح و موسيقى الإقطاعية و البرجوازية بصفة مبكّرة تتحكّم فى غالبية الفنون و كان وضع الأوبيرا الأتعس ضمنها. و هذه الهيمنة على مجالات هامة من البنية الفوقية من قبل ثلّة من البرجوازية الجديدة مرتبطة بالتحريفيين فى الصفوف العليا للحزب كانت إنعكاسا للتحويل غير الكامل للقاعدة الإقتصادية للمجتمع الذى بينما كان عامة إشتراكيا لا زال بعدُ يحمل مظاهرا رأسمالية هامّة. و الحقيقة العميقة التى أغناها ماو – أنّ الصراع السياسي للقيام بالثورة يجب أن يتمّ فى البنية الفوقية فى مجال الأفكار، و القيم و العادات و الثقافة- ظهرت بتحدّى امام الطبقتين البروليتاريا و البرجوازية الجديدة المدفوعتين فى الصراع.
خلال عقد من حكم البروليتاريا ، إتخذت خطوات جبّارة فى تحويل تخلّف الصين شبه الإقطاعية و شبه المستعمَرة فوقع تحويل أساسي للملكية الفردية عبر مشركة و تأميم الصناعة و منذ أن خرجت الصين من غيوم السيطرة الأجنبية كان الإقتصاد ككلّ مرتكزا على تلبية حاجيات الشعب و ليس على ملئ خزائن الإمبريالية. تحطّمت حلقات الفقر و الديون المرهقة للكاهل ووقع كنس الجوع و الجهل بشكل أساسي. و بدأت المرأة تدخل المدارس باداد أكبر و تساهم بأكثر نشاط فى الحياة الإنتاجية و السياسية. وفى نفس الوقت ، كانت الإختراقات فى مجالات متنوعة تعرقَل جزئيا أو كلّيا من قبل خطّ تحريفي و ثقل الإضطهاد الماضي.. لم يكن ذلك فى أي مكان أوضح منه فى ما يتصل ب"الثلاث الإختلافات الكبرى" بين المدينة و الريف ،و العمالو الفلاحين ،و العمل اليدوي و العمل الفكري. وفى 1964 ، نعت ماو قسم الصحّة العمومية ب"وزارة صحّة السادة المدنيين".
فى بعض المصانع كانت الإدارة التى يقودها التحريفيون تدفع العمّال للحدّ من النقاشات السياسية إلى ثلثين دقيقة يوميا حتى لا يتوقّف الإنتاج. و مثلما بيّن التحليل العميق لتشانغ تشنغ للحقّ البرجوازي فى أحد مظاهره أنّ الملكية فى الريف جماعية و ليست "بأيدى الشعب بأسره " وهو وضع سهّل وجود التيارات الرأسمالية.(15)
و ابعد من ذلك كانت نوعية الأرض مختلفة بصورة كبيرة بين الكمونات المختلفة منتجة أفضليات للبعض. و هذا التناقض بين افشتراكية و بقايا شبه الإقطاعية إضافة للرأسمالية الجديدة النشوء ينعكس كذلك بوضوح فى الصراع المتصاعد و الصعب لتحرير المرأة الصينية و الذى طفق يشمل الصناعة ووظائف التعليم و مستويات الحزب الدنيا و المراكز الحكومية ، بعدُ ما فتأ يتعرّض لعوائق هائلة من الأفكار الإقطاعية و الأدوار التقليدية الإضطهادية فى المنزل. فقط بدفع الصراع الواعي فى البنية الفوقية كان بإمكانه أن يكسر هذه القيود الإيديولوجية و بدروه يقود إلى تحويل أعمق للقاعدة افقتصادية .
و نتيجة لذلك برز الصراع فى حقل الفنون. وقد سعى الخطّ البرجوازي لتقليصه ليجعل منه صدام حول فهم جدّ "ضيّق" لمسائل الفنّ و سرعة "الإصلاح الإشتراكي" من جهة و الإبداع "العبقري" اللازم .و فى الواقع يلخّص الصراع بصفة مركّزة المشكل الجوهري حول هل ستكون للبروليتاريا السيطرة على هذا المجال و القيام بالثورة فى البنية الفوقية أم لا. هل انّ مجال الثقافة سيخدم القاعدة الإشتراكية أم سيحطّمها؟ لم يكن اليسار يعدّ فحسب لهجوم على الأفكار الضارّة بل أيضا على الأفكار و العقائد و الأعمال الثقافية التى تحافظ على الإنقسامات الإضطهادية القديمة للمجتمع. و كانت أوبيرا بيكين بصلابة بأيدى الطبقات الإقطاعية و الرأسمالية فى الحقل الإيديولوجي و أعمال الوبيرا كانت تنشر أساسا قيم كنفيشيوس عن الطاعة و الولاء. ووقع تلخيص ذلك بعد عقد من "إختيار أوبيرا بيكين كمنطقة إختراق من قبل الثورة الثقافية فى الأدب و الفنكان صراعا عظيما لنقد معنقدات كنفيشيوس و منشيوس و كان يهدف إلى ضرب الدعامات الروحية التى إعتمدت عليها الطبقات الرجعية لمئات السنين كي تخلق جهنّما على الأرض"(16).
قامت تشانغ تشنغ بقسط كبير من البحث زائرة عديد الفرق المسرحية و متحدّثة مع الممثلين و مشاهدة أشرطة و حاضرة عروضا مسرحية و أوبيرا ت عبر البلاد بأسرها. ولم يكن ما وجدته تجديدا إشتراكيا مسلّطا الضوء على أعمالو بطولات الجماهير بل خليطا سخيفا من التحريفية الجديدة و مملاّ و اعمالا إضطهادية قديمة دافعت عن الإمتيازات و الإختلافات الطبقية و تزويق إخراج مسرحي و شخصيات تقليدية خرافية أو تقليد تام للمسرحيات الأجنبية المكتوبة من قبل مؤلفين برجوازيين.
فى ظلّ شو يانغ رغم إنشاء مسارح جديدة ، فإنّ الأعمال القديمة بقيت مثلما بقيت الجمعيات المحلّية للأوبيرا تمثّل أوبيرات إقطاعية سحرية مملّة أمام حضور ضئيل العدد جدّا.و كان ينتج فنّا جديدا تحريفيا مازجا التقاليد و "المسرح الجديد" وجمع بشكل إنتقائي الشياء معا بالإبقاء على تأثير الشيطان و البطال السلبيين ( إحدى السمات المميّزة لأوبيرا بيكين) و الصيغ و أللحان القديمة بينما يقفون فى وجه تناول مواضيع ثورية مختلفة و تقديم أبطال فى أشكال فنّية جديدة. مثلا ، كانت المسرحيات التى ظهرت خلال الثورة الزراعية للقفزة الكبرى إلى المام تقدّم المضطهِدين الإقطاعيين فجأة يبدون تعاطفا مع جماهير الفلاحين التى كانوا يحكمونها و كانت حرب التحرير نقطة لتناول مواضيع حبّ و تحت شعار "الواقعية و الطبيعية" تُقدّم الجماهير متعبة و رثّة بصعوبة توحى بصورة بطولية.
و حثّت إكتشافات تشانغ تشنغ ماو تسى تونغ على التنديد بوزارة الثقافة : "وزارة الأباطرة و الأمراء و الجنرالات و المومياء و الموهوبين فى الدراسة و الجمال الأجنبي... إذا لم يتغيّروا سنعيد تسميتهم"(17). و شرعت تشانغ تشنغ فى تحويل أوبيرا بيكين – من البحث فى 1961 " مررنا إلى التحرّك" فى 1963. كان رئيس بلدية شنغاي كوتشنغ –شه أحد القلائل الذين ساندوا تشانغ تشنغ فى القيام بتعويض الشياطين و الوحوش افقطاعيين على الركح بمسرحيات ثورية تجسّد جماهير العماّل و الفلاحين و الجنود. نُوديَ الفنّنون لخوض الصراع الطبقي فى هذه المجالات و لتطوير خزينة المسرحيات الجديدة افشتراكية. دارسين أحاديث ما و فى ندوة يانان حول الأدب و الفنّ ، شحذ عدد قليل من الروّاد بقيادة تشانغ تشنغ وسائل نقدهم وشرعوا فى كلّ من فضح الأعمال القديمة و الصراع بحيوية مع الفنّانين و الكتّاب لإعادة النظر فى المخطوطات و لكتابة مخطوطات أخرى جديدة.
فى ظرف بضعة سنوات ، وقع تطوير 37 أوبيرا مراجعة و مسرحية بما فى ذلك الأعمال النموذجية الأولى. و للإبداع مسرحيات جديدة عصرية جرّبت تشانغ تشنغ أسلوب تركيب الثلاث فى واحد فى الفنّ رابطة كوادر الحزب و المؤلفين المسرحيين ( الذين أرسلوا للعيش ضمن الفلاحين و الجنود و العمّال لتحسين قهمهم للتجربة التى عليهم نقلها). و الجماهير الثورية التى كانت تشاهد و تنقد من أجل تحسينإنتاجات آنذاك.
مثلا ، شاهدت تشانغ تشنغ تمثيل أوبيرا لهواي شو ( فلكلور) فى 1963 و إقترحت تكييفها لأوبيرا بيكين لتصير "على الأرصفة" التى غدت إحدى أوائل المسرحيات المنتجة فى الفترة الإشتراكية. فى الأصل مثّلت بغعانة من عمّال أرصفة شانغاي الذين كانوا جدّ متحمّسين :" فى ماضى الأيام كنّا فحسب حمّالين و لم يكن لدنا حقّ المشاهدة ضمن المشاهدين فمابالك بالصعود على الركح". لكن مسرح و أوبيرا بيكين أمسك بهما الخطّ التحريفي فى الفنّ و بدأ كتّابه فى الحال بتحوير المخطوطات محاولين أن يخفّفوا من طابعه الأممي و لإبراز"شخصيات وسطية" فى الدوار الأساسية ممّا أغضب كثيرا عمّال الأرصفة ."لكلّ عضو من أسرنا قصّة معاناة مريرة ... حين يتعلّق الأمر بالقضية الثورية للحزب نكون نحن العمّال القدماء حيويين، مستعدّين و محدّدين. أوبيراكم تجعلنا أغبياء و كسالى... لن تعجبنا ابدا هذه الأوبيرا! "(18) .
فى مارس 1965 ، قادت تشانغ تشنغ إعادة تنظيم توزيع الأدوار و المخطوطات معيدة إحياء قصّة عمّال أرصفة شانغاي المتقدّمين الذين يناضلون لإصعاد حمولة باخرة قمحا موجه لنضالات التحرّر الوطني فى آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية إلاّ أنهم تعرّضوا إلى تخريب عامل متأخّر كان يتمتّع بمساندة التحريفيين فى الحزب. و مرّة أخرى قام التحريفيون ألحياء فعلا بهجوم مضاد ناعتين هذه النسخة المعدّلة بانّها فقيرة فنّيا و ناقدين الدرو الرئيسي الذى قامت به إمرأة قائدة حزبية ( التى قادت الصراع لفضح المؤامرة و التوصّل لإبحار السفينة فى الوقت المحدّد لها) كأمر "غير واقعي". و حاولوا عرقلة عرضها بما جعل الصراع يتأجّج أكثر.
أكّدت تشانغ تشنغ على الأممية فى تشجيع الفرقة :" تتطلّع الشعوب المضطهَدَة عبر العالم بأسره إلى رؤية أوبيرا ذات مواضيع ثورية معاصرة. و يجب أن تكون لنا أرقى التطلعات و أن نقرّر خدمة حاجيات الشعب الصيني و كذلك الشعوب المضطهَدَة عبر العالم قاطبة"(19). و بعد سنتين من تركيز نار الثورة الثقافية على الصراع بين الخطي نفى الحلبة السياسية وقع إتمام الأوبيرا و عرضت فى الذكرى 25 لندوة يانان.
علاوة على خوض صراع الخطين حول المضمون و الشكل وحول حاجة الفنّانين لإعادة صياغة نظرتهم للعالم و أيضا حاجتهم إلى التعلّم من حياة الطبقات التى يجسدونها على الركح ، فإنّ تشانغ تشنغ أعارت كذلك منتهى الإنتباه للشكل الفنّي و الوحدة الشاملة الأهمّية بين المضمون السياسي الثوري و الشكل الفنّي الجيّد. و ذهبت شخصيا إلى المسارح لتشجّع التجديد و لتتصارع مع الممثّلين ذاتهم حول كيفية تغيير كلّ شيئ فى أدائهم و تحرّكاتهم وفقا للضوء و الديكور و الأزياء و الألوان و الموسيقى و الرقص و الغناء كي يعكس العمل موقفا طبقيا مختلفا. فلم يعد هناك عويل مثلما فى الأوبيرا القديمة. تصدح النساء بالمواقف محولين حزنهم إلى غضب, و عوض تغطية أفواههن حين يضحكن مثلما جرت عليه العادة فى المجتمع الإقطاعي ، فإنهن يضحكن دون تحفّظ و بسرور و تصميم. و حلّت القبضات المناضلة محلّ الحركة الضعيفة و الصابع الرقيقة لأرستقراطية الصين.
وكشفت تشانغ تشنغ جزءا كبيرا من بحثها فى خطابها أثناء مهرجان أوبيرا بيكين المقام فى صائفة 1964 الذى جمع خمسة آلاف ممثّل عن جمعيّات الأوبيرا فى المقاطعات و المدن على مشهد و مرأى غير سهلين من الهرم الثقافي التحريفي.
نشأت أوبيرات ثورية جديدة فى خضمّ الصراع المحتدم فى الحقل الثقافي وقع عرضها بما فى ذلك أعمال مثل "غارة على فوج النمر الأبيض" المنتجة خلال حرب كوريا و "شاتشسيانغ" التى تركّز على العلاقة الوثيقة بين الجيش و جماهير الفلاحين خلال حرب الأنصار ضد اليابان و قدّمت كذلك كسنفونية). و تمّ تبادل تجارب فى خوض الصراع الطبقي ضد التحريفيين الذين عارضوا بشدّة هذه السيرورة من التحويل. إنبعثت إلى الوجود براعم تجارب جديدة من المجتمع الإشتراكي.
خلال هذا الظهور الأوّل أمام الجماهير ، سألت تشانغ تشنغ إجتماع العاملين بالحقل الفنّي : " من علينا أن نخدم؟ حفنة من الأشخاص ( الملاكين العقّاريين ، الفلاحين الأغنياء، و المعادين للثورة و العناصر السيئة و محرضى اليمين و اتباع البرجوازية) أم الستّة مئة مليون (من العمّال و الفلاحين و الجنود)؟
إنّ القمح الذى نأكل مصدره عمل الفلاحين و الثياب و المساكن مصدرها عمل العمّال و جيش التحرير الشعبي يضمن الدفاع عنّا فى المراكز الأمامية. و على هذه المنابر لا نتحدّث عنهم حتى.
هل يمكننى أن أسألكم إلى جانب أيّة طبقة تقفون؟ و أين هو "وعي" الفنّان الذى لم تكفّوا عن الحديث عنه؟" خلق شخصيات أبطال ثوريين ،هذه هي المهمّة التى يجب أن تحضى بالأولوية حسب تشانغ تشنغ.
كان ينبغى تشجيع المبدعين و القادة على إنتاج "أوبيرات تعكس حقيقة وجهة نظر المادية التاريخية و يمكن أن تضع الماضى فى خدمة الحاضر."
لقد أكّدت على أهمّية إنتاج مسرحيات جديدة سواء بإبداعها أم بالإقتباس من مؤلفات أخرى(20).
فى الكواليس ، رسم أعداء تشانغ تشنغ السياسيين ( لنقرأ ، أعداء ماو) خطّة لمواجهة موجة صاعدة بصعوبة ليس بإمكانهم تحدّيها مباشرة. مثلا ، إضطرّوا لإقامة المهرجان ، لكن فى الوقت نفسه، حاولوا تخريب الإعداد للأوبيرات المبرمجة. وتجرّؤوا حتى على تحوير نصّ خطاب تشانغ تشنغ قبل نشره. فالنسخة الأصلية لم ترى النور إلاّ بعد ثلاث سنوات،فى ماي 1967، فى الوقت الذى يُعترف فيه لأوّل مرّة على نطاق واسع بالدور المتفوّق لتشانغ تشنغ فى تغيير أوبيرا بيكين.
بعد ذلك بفترة وجيزة ، فى 1969، واجهت تشانغ تشنغ بانغ تشان-والى بيكين ، بصدد ضرورة المساعدة على بلترة الفنون و أعطت مثالا العمل الذى أنجز بعدُ فى شنغاي من مثل "الفتات ذات الشعر الأبيض".
و بالنتيجة ألا يمكنه أن يسمح لها بالعمل فى نفس الإتجاه مع أوبريرا بيكين لإدخال إصلاح مشابه؟
فقوبلت برفض متعالى ،إذ إنتزع الوالى من أيديها إنتزاعا تاما المخطوطة التى كانت تريد أن تعرضها عليه. و منشغلا بالبحث عن المجد و المال ، أظهر دنك سياو بينغ سلوكا حتى أقلّ ثقافة تجاه إصلاح الأوبيرا. و كان يعترف بذلك قائلا: " سأصوّت نعم بيداي الإثنتين طالما لست مجبرا على حضور العروض!" و صديقه التحريفي تاو تشو (21)، كان يعلن أنّه يفضّل الماه-جونغ مع دنك على أن يجد نفسه مرغما على التصفيق للأوبيرا الثورية!(22)
مع إشتداد تعقّد الوضع فى بداية الثورة الثقافية ، تظاهر هؤلاء القادة التحريفيين بإجراء إصلاح فى محاولة لإنقاذ موقعهم فى السلطة. غير أنّهم شرعوا فى التعثّر منذ الإفتكاكات الأولى للسلطة خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى.
إسقاط القناع عن خدعهم و كشف نزعتهم لتفضيل النظام القديم لم يكن سوى جزء من المهام التى كان ينبغى إنجازها.
لإعطاء مقاليد السلطة للقوى النضرة و الجديدة التى كانت تطمح لتعويض النظام القديم ،كان يتعيّن أن توفّر للجماهير وسائل تشريكها تماما فى إبداع الأعمال الثورية التى تكون إنعكاسا حقيقيا لمصالحها الطبقية البروليتارية.و كان هذا النضال مرتبطا كليا بالنضال الذى كان يخاض على كافة الأصعدة الإجتماعية لتعزيز دكتاتورية البروليتاريا.
فلم تكن هذه المناوشات بين التيارين فى الحقل الفنّي إلاّ إعلانا عن زوابع أخرى فى الأفق، بينما ستصبح الثقافة و سيصبح جهاز الحزب عموما مجالا هاما للصراع الطبقي، أثناء معركة الثورة الثقافية التى دامت سنوات عشر.
8- قائدة للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى :
رغم أنّ الهجوم المضاد الحيوي لليسار قد تجسّد فى الحقل الفني حول مسرحية " طرد ها جيو" ، فإنّ الهدف الجوهري للثورة البروليتارية ظلّ السلطة السياسية فى حدّ ذاتها.
هل ستظلّ الصين على الطريق الإشتراكي و هل سيقدر شعبها على تغيير المجتمع من الأسفل إلى الأعلى، و هكذا يبلغ غاية إلغاء الطبقات و الإختلافات الطبقي؛ كانت المسألة الحيوية تتلخّص فى من سينتصر فى الصراع من أجل إفتكاك السلطة : الشيوعيون الثوريون فى الحزب ،قائدين البروليتاريا فى ممارسة دكتاتوريتها على كافة المستويات الإجتماعية ، ام البرجوازية الجديدة أي البيروقراطيون المتخفّين و القادة المحافظون داخل الحزب الذين كفّوا عن القيام بالثورة منذ مدّة و هم الآن يعارضون تمام المعارضة تقدّم الثورة الإشتراكية، عاملين بشدّة لوضع الصين على الطريق الرأسمالي.
و قد رأى بوضوح رهان النزاع ، لم يدّخر ماو جهدا فى قيادة القتال بغية تعزيز السلطة السياسية للبروليتاريا متخذا الشكل الوحيد الممكن ، إستنهاض الجماهير و إقناعها بالإطاحة بالتحريفية فى المستويات العليا من الحزب و كذلك فى المستويات السفلى ،فى إطارتكتيك شامل .
و نظرا للحاجة إلى قيادة عامة ثورية لتنظيم و قيادة هذه الثورة داخل الثورة ، بعث المجموعة المكلّفة بالثورة الثقافية ،و على رأسها تشان بوتا و أخرج تشانغ تشنغ من الظلّ ليجعل منها المساعدة فى القيادة برفقة تشانغ شوان تشياو ،قائد ثوري للحزب من شنغاي.
و نهضت تشانغ تشنغ بجسارة بالتحدّيات و المسؤوليات التى أوكلت إليها زمن تصاعد صراع الخطين الشرس. فلم توجه فقط ضربات محدّدةللتيار التحريفي القوي و المتحفّز ،بل أيضا عرفت كيف تستغلّ الفرصة للعب دور رئيسي فى الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ،فى خضمّ الإنتفاضة الإعصارية التى لم يشهد لها مثيل فى العالم. و بلا أدنى ظلّ للشكّ ، سيفرض هذا على أنّه أكبر مساهمة من مساهماتها فى الثورة.
كما يعدّ ذنبها الأقلّ قبولا للعفو عنه بنظر الخونة أنّها ساعدت الجماهير على تعزيز تحكّمها فى السلطة السياسية و أنّها إرتباطت إرتباطا وثيقا بتمرّد الثورة الثقافية ،و إتخذت مواقفا جلبت لها حقد و قدح البرجوازية العالمية.
و من المهامالتى أوكلت إليها بإعتبارها عضوة فى اللجنة المكلفة بصياغة وثائق الثورة الثقافية، ان تكتب منشورا داخليا لصدّ الخطّ التحريفي لبانغ تشان فى تقريره لشهر فيفري عن الثقافة الإشتراكية الذى حاول فيه حرف الثورة الثقافية و إفشالها فى المهد.
لقد جرى إعلام الحزب برمته بعمق صراع الخطين صلب القيادات العليا مع صدور منشور السادس عشر من ماي ( الذى راجعه ما وفى عدّة مناسبات ، حسب تشانغ تشنغ) مشيرا إلى "كافة الذين يشبهون خروتشاف و يجلسون إلى جانبنا".
بُعيد ذلك، مع ظهور الدازيباو ( المعلقات ذات الأحرف الكبيرة) على جدران جامعة بيكين فى شهر ماي 1966 ، و التى دعّمها ماو من كلّ قلبه، تفتحت براعم الثورة الثقافية على نطاق واسع.
و بسرعة إنغمست تشانغ تشنغ فى نار النقاش. و فى جويلية 1966، كانت بصفة منتظمة تقصد جامعة بيكين و مؤسسات تعليمية أخرى للتحدّث إلى الطلبة و سماع النقاشات الدائرة. و سرعان ما إكتشفت الدور المعادي للثورة لمجموعات العمل التى كانت تخنق تمرّد الطلبة . و فى آخر الشهر عينه ،قرّرت المجموعة المكلفة بالثورة الثقافية حلّ مجموعات العمل التى أرسلها ليوتشاوتشى و دنك سياو بينغ لزرع بذور الإرتباك و الشكّ فىما يخصّ الخطّ المركزي للحزب بصدد مسألة التمرّد.
دام الإستيلاء الجزئي على السلطة من قبل التحريفيين فى بيكين شهرين ( أثناء غياب ماو) خلالهما عبر المحاصرة و الرعب الأبيض ، أُجبرت الجماهير على التحوّل عن الصراع و تركيز النظام ،و لكنه لم يعمّر طويلا.
كان هؤلاء القادة "الذين ينفخون صدورهم فى تباهى برجوازي و يحطّون من معنويات البروليتاريا " هدفا لما وفى دازيباوه هو الشهير فى شهر أوت 1966" أطلقوا النار على القيادة العامة" مشجّعا هكذا نيران التمرّد على التوسّع أيّما توسّع و قد إستهدف بصورة خاصّة كافة الذين يوجدون ضمن القيادات العليا – حيث كان الصراع الطبقي مركزا- الذين يتبعون الطريق الرأسمالي.
و من الأمور التى سنتذكّرها على الدوام بخصوص تشاغ تشنغ هي أنّها كانت ،مثل ماو ، مرتبطة وثيق الإرتباط بالشباب. فمن الموقع الذى كانت تحتلّه صلب المجموعة المكلّفة بالثورة الثقافية ( التى خوّلت لها اللجنة المركزية بأن تكون قائدتها) السياسية) ، إستطاعت مع ذلك أن تضطلع بدور مختلف عن دور ماو ، قاصدة أماكن النزاع و أحيانا مشاركة فيه بحدّة و قوّة لمساندة تمرّد الشباب . و كانت تنقل لهم تحيات الرئيس الذى كان تشجيعه لهم كبيرا، فى لحظات شدّة صراع الخطّين.
و لأنّ البرامج المتصارعة عادة ما تكون معقّدة ، أعانتهم على تمييز خطوط الصراع الطبقي فى المجتمع رابطة إيّاها بالصراع صلب الحزب ذاته. و برفقة أعضاء آخرين من المجموعة المكلّفة بالثورة الثقافية ، قابلت عدّة مندوبين من الطلبة و العمّال و الجنود و الفلاحين و المدرّسين و الفنانين لتفكيك القضايا الحارقة الطارئة فى سياق الثورة الثقافية ، أي الوسائل التى يجب إعتمدها و من يستهدف و كيف تواجه الإنقسامات و الكتلوية و كيف فى كلمة " نميّز بجلاء بيننا و بين العدوّ" مثلما إعتادت القول ، لكن فى نفس الوقت ،نوحّد الجماهير و ننسج تحالفات للتقدّم بالثورة.
لأخذ مثال الشباب و الطلبة ، فإنّ نداء توجيه نقد حاد لكلّ شخص منحدر من عائلة ذات إمتيازات أو محافظة ،وهو نداء يبدو يساريا إلاّ أنّه فى الواقع جوهريا يمينيا، قد تسبّب فى إضطراب كبير، فى بدايات الحركة.
و أقنعت تشانغ تشنغ الشباب بتغييرالشعار من " بطل يلد بطلا،و إبن رجعي بيضة فاسدة " إلى " إذا كان الأولياء ثوريون، على البناء أن يتبعوا الطريق ذاته ،و إذا كان الأولياء رجعيون ، على الأبناء أن يتمرّدوا".
وفى شهري أوت و سبتمبر 1966 ، كان الحرس الأحمر يدخلون بيكين منذرة بمشاركة العمّال و الفلاحين فى الحركة و دالة على أن هذه الثورة الثقافية كانت تهزّ البلاد هزّا من أقصاها إلى أقصاها.
و طفقت تشانغ تشنغ تتحدّث إلى الجماهير ، مشدّدة بوج خاص على إلتحاق جماهير الشباب للمشاركة فى هذه اللحظة التاريخية. وقد باتت مشهورة بقبعتها وزيّها العسكري ، ظهرت فى سبع من الثمانى لقاءات للحرس الأحمر مع ماو. و قد ألقت أيضا خطابات أمام أساتذة الجامعة و مدرسي التعليم الإبتدائي، و أمام الفنّانين و السينمائيين و كذلك أمام مئة ألف جندي من جيش التحرير الشعبي الذين جاؤوا لدعم و تأطير ملايين الشبان الذين تجمّعوا فى بيكين خلال الشهرين التاليين و العديد منهم قد جاؤوا حتى راجلين.
طوال الخريف ، أشرفت على العديد من عروض الأوبيرا النموذجية أمام الحرس الأحمر ،و فى نهاية نوفمبر، ألقت خطابا هاما أمام عشرين الف عامل فى حقل الأدب و الفنّ بشأن الثورة الثقافية و الصراع الطبقي الحاد حتى داخل أوبيرا بيكين،و كذلك داخل جبهات فنّية أخرى.
متوجّهة إلى احرس الأحمر ، كانت تشانغ تشنغ تدعوهم إلى الإطاحة بأتباع الطريق الرأسمالي فى الحزب و إلى القضاء على الرجعية على الأربعة أصعدة الإيديولوجية و الثقافية و العادات و التقاليد. و دعمتهم لمواصلة سيرورة صراع- نقد- تحويل مثلما وضحتها وثيقة ال16 نقطة(23) ( للقيادة العامة الثورية ،وهي الوثيقة الرئيسية للثورة الثقافية. " أنا متأكّدة من أنكم ستنجزون عملا جيّدا" قالت لهم.
بالنسبة للثوريين ، كانت المهمة تتمثّل ،ليس فى التشديد على الصراع ضد اليميمن و التوجه نحو الإنتصار وحسب ،ولكن فى خضمّ السيرورة ، العمل على تعزيز اليسار و جلب دم جديد ثوري و كذلك قادة جددا إلى صفوفه.
" أسألكم: إذا لم يتوحّد اليسار و لم يعزّز من قوّته، هل يمكنه أن يسحقهم؟ لا! " كانت الإجابة الصاعقة التى واجهت بها شباب الحرس الأحمر.
فى شهر جانفي 1967، عندما إلتحق مندوبون من العمّال و الفلاحين بمندوبي الطلبة و الشباب الذين إلتقوا فى العاصمة ، و تبادلوا تجاربهم الثورية ، ألقت تشانغ تشنغ خطابا أمام قادة شباب الحرس الأحمر الذين كانت مهمّتهم مراقبة الحشود ، عند إنفضاض التجمّع. و تكشّفت مهمّة إلقاء الخطاب عسيرة ذلك أنّها كانت تتطلّب فى آن معا درجة عالية من الوعي السياسي من طرف الشباب لكبح جماح حماسهم السياسي و النقاش لإقناع الذين جاؤوا حقّا للعاصمة بحثا عن الثورة بأن يذهبوا لنشر الثورة فى المناطق الريفية.
لقد صار عدد الناس فى العاصمة حتى عبءا على مصادر المدينة. فكان يتعيّن التحكّم بصورة سليمة فى هذا الوضع. (و هنا يجب أن نشير إلى أنّه إضافة إلى كونه عبءا ، هناك موقف بعض السلط المحلّية فى المناطق التى كان فيها المتمرّدون يزعجونها ، سهّلت لهم السفر إلى بيكين ،بعلاوات فى الأجور و تذاكر قطار مجانية ليذهبوا للتعريف بمطالبهم فى"مكان آخر").
" إذا جاء الناس من الجهات إلى بيكين برغبة إفتكاك السلطة ، فينبغى علينا أن نستنهضهم لكي يعودوا من حيث جاؤوا بذات الرغبة فى إفتكاك السلطة " شرحت تشانغ تشنغ الموقف للحرس الأحمر.
و إبّان لقاء مع المجموعة المكلفة بالثورة الثقافية فى نهاية ديسمبر 1966، فضح الناطقون بإسم مجموعة متمرّدة نظام العمل التعاقدي. و شرحوا أنّ هذا النظام يزرع الشقاق فى صفوف العمّال و يشجعهم على السير فى الطريق التحريفي ، معدّا الأرضية لإعادة تركيز الرأسمالية و خفض النضالية. فهذا النظام وفق ممثلى العمّال تركّز إثر نشر ليوتشاوتشى تقريرا عقب تفقده لمناطق عدّة من مقاطعة هوباي سنة 1964. ووصفوا كذلك جهود التحريفيين لإرساء العمل التعاقدي، بهدف كسر إرادة المقاومة لدى العمّال المرسّمين.
عندئذ حذّرتهم تشانغ تشنغ من السقوط فى فخّ التحريفيين قائلة :" ما تريدونه واضح: تريدون الثورة!" و طلبت بإلحاح من وزير العمل و من سكرتير فيدرالية النقابات أن يلتقوا فى الحال بالعمّال الغاضبين. و حين سأل العمّال أولئك كيف يمضون يومهم ، أجاب التحريفيون: " مسؤوليتنا هي تربية العمّال و تنظيمهم" ممّا جعل تشانغ تشنغ فى منتهى الغضب و ردّت:" أنتم لا تعملون من أجلهم، لا تقدّمون أية تقرير إلى اللجنة المركزية و كذلك لا تعالجون مشاكلهم. أليس لديكم أيةّ ميزة من ميزات الشيوعي؟ إنّ العمّال المتعاقدين هو ايضا بروليتاريون و ثوريون وأنتم القبعات الكبرى فى الوزارة ،كيف عاملتموهم؟ لئن تمادى هذا على هذا النحو ، ماذا سيكون مستقبل العمّال؟"
بعد ذلك ، إحتلّ العمّال المتمرّدون مكاتب قيادات النقابات و أغلقوا مكاتب وزارة العمل و المسؤولين عن توزيع اليد العاملة عبر البلاد. و إقترحت تشانغ تشنغ إجتماعا عاما ضخما من أجل الإتهام و النقد و الطرد و صياغة منشور من المجموعة المكلفة بالثورة الثقافية معلنا أنّ جميع العمّال المتعاقدين و المؤقتين يجب أن يكون لهم الحقّ فى المشاركة فى الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و أن الذين سيطردون لمشاركتهم فيها ينبغى أن يعاد إدماجهم مع تقديم تعويض لهم.
9- إفتكاك السلطة :
متبعة مثال "زوبعة جانفى" بشنغاي سنة 1967 ، إنطلقت كالإعصار حركة عبر البلاد بأسرها لإنتزاع السلطة السياسية المحلّية من أيدى أتباع الطريق الراسمالي بهدف تنظيم أجهزة قيادية جديدة. و نشرت تشانغ تشنغ التى ساندت الحركة بحماس ، على النطاق الشعبي هذه التجربة البروليتارية الجديدة.
ونشأت تشكيلة جديدة من "ثلاثة فى واحد" متكوّنة من كوادر الحزب و ممثّلين ثوريين عن الجيش و ممثلين عن الجماهير الثورية لتبعث نواة من مراكز السلطة سمّيت باللجان الثورية.
خلال هذه الفترة من الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ، كان دور تشانغ تشنغ بإعتبارها قائدة يتمثّل رئيسيا فى نشر المفاهيم الجوهرية التى طوّرها ماو و المجموعة المكلّفة بالثورة الثقافية ، فى ما يتعلّق بنسج تحالفات جديدة و لجان ثورية جديدة من أجل إفتكاك السلطة ،و مواصلة سيرورة الصراع- النقد-التحويل.
و إثر الإطاحة بالقلعة الأكبر للسلطة ألا وهي لجنة بلدية بيكين (المرتبطة وثيقا بالقسم القديم للدعاية التابع للجنة المركزية و لوزير الثقافة القديم)، ترأست تشانغ تشنغ الإحتفال بتشكيل اللجنة الثورية لبيكين. وفى ذلك الإحتفال ، صرّحت بأنّ متزعّمى زمرة بيكين الذين كانوا يعملون فى الكواليس هم "حفنة من الناس ذوى المراتب العليا فى الحزب الذين إختاروا الطريق الرأسمالي. طوال 17 سنة قدّموا بمثابرة شديدة خطّا برجوازيا رجعيّا. و الخطّ البروليتاري الثوري الذى يمثّله الرئيس ماو تطوّر فى صراع ضد هذا الخطّ الرجعي." و هكذا كان من اللازم الهجوم على كافة تأثير هذا الخطّ ، على الجبهات السياسية و الإقتصادية و الإيديولوجية و الثقافية و تعويضه بالراية الحمراء لفكر ماو تسى تونغ.
و ربطت تشانغ تشنغ بين التغييرات الضرورية التى يترتّب إنجازها فى بيكين و مهمّة إتمام الثورة الثقافية. و فسّرت ضرورة إطلاق حركة جماهيرية للتمكّن من مواصلة سيرورة النضال-النقد-الطردوالتحويل المؤدية إلى التغيير ، إلى جانب ضرورة إناء تحالف من أجل إفتكاك السلطة.
" إنّ مهام النضال-النقد-الطرد والتحويل فى مختلف المناطق و كذلك حركة النقد و الطرد لأتباع الطريق الرأسمالي صلب ذوى المراكز العليا بالحزب لا يتنافيان و يمكن أن يمزجا"
و شرحت أنّ كلّ واحدة يمكن أن تدفع الأخرى دفعا كبيرا فى تحقيق أكبر و اعمق فضح و نقد لأتباع الطريق الرأسمالي؛ و ذكّرت الحاضرين بأنّ ذلك يحتاج إلى دراسة جيدة لأعمال ماو و أيضا إلى بحث كامل. و تحدّثت عن ضرورة أن يتواصل بنجاح النضال-النقد -الطرد والتحويل على كافة المستويات التنظيمية و الأقسام لمواصلة الثورة و بناء الإشتراكية. " هذه هي المهمّة الأكبر و الأكثر حيوية بالنسبة للقرن القادم!"(24)
وفى خطاب أمام مندوبين من مقاطعة أنهواي، التى كانت منقسمة للغاية سياسيا ، عملت بنشاط مع الكتلتين من أجل التوحيد و تشكيل تحالف كبير ضد التحريفيين بغية بعث لجنة ثورية لإفتكاك السلطة. حينها فقط ، قالت " سيمكن أن نجد أناسا يقودوننا. و الثورة لا يمكن مواصلتها دون قيادات!". و حذّرت من ريح الرجعية التى بعدُ قد نشرت تياراتها الهدّامة و التى كان هدفها تفكيك جميع اللجان الثورية القائمة بمباركة من اللجنة المركزية." يجب إذن أن نبقى حذرين ضد هذا التهديد . و طبعا ، يمكن أن تحدث تقلّبات ،لكن هذا لا ينبغى أن يخيفنا. إنّ التقلّبات على مستوى السلطة أمور عادية. و فضلا عن ذلك، الوضع عبر البلاد غير متجانس ، لكن عدم التجانس هو أيضا أمر عادي" (25).
10- الطريق المتعرّج للثورة :
هناك شيئان إثنان يغيضان البرجوازية: قيام الجماهير بالثورة و القادة الثوريين فى السلطة الذين يدعمونها و يقودونها. و بما أنّه ليس نادرا بالنسبة للبرجوازية أن تلصق كلّ العنف أثناء الثورة الثقافية بالدعم الصلب و "الشخصي" الذى قدّمته تشانغ تشنغ للجماهير الثورية ، فإ،ّ فحصا دقيقا لدورها يبيّن بصورة دامغة بأنّها قاتلت بصرامة للحفاظ على توجه ماو و مفاده أنّ حفنة من أتباع الطريق الرأسمالي داخل الحزب ، يمكن الإطاحة بهم دون عنف.
موضوعيا ، كان ذلك صحيحا بما أنّه ثمّة ثورة بالضبط داخل الثورة- تمّت فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا و هدفها الرئيسي هو القضاء على أعداء الطبقة العاملة و الشعب. و تلك الوضعية معارضة تماما للوضع الحالى فى الصين حيث ينبغى على حزب شيوعي جديد أن يؤسّس و أن يقود الجماهير للإطاحة بالعنف بدكتاتورية البرجوازية المركّزة هناك منذ 1976.
و رغم أنّ القمع العسكري لأتباع الطريق الرأسمالي لم يكن لازما بما أنّ البروليتاريا كانت فى مواقع القيادة ، لم يتخذ ماو موقفا ملتويا إزاء واقع أنّه عندما تنهض الجماهير المكرّسة نفسها تماما للقيام بالثورة و إحداث التغييرات الجذرية، يمكن أن تمسي بعض السلوكات غير قابلة للتحكّم فيها .
و لهذا لم يفاجئ ،خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ، برؤية ظهور بعض الخطوط المعارضة للحزب و التى كانت تغذّى العنف لتحرف الجماهير عن الصراع السياسي الرئيسي.
" أثناء هذه التغييرات الأعجوبة التى حصلت خلال السنة الماضية ، عادة ما وجدت إضطرابات. و الإضطرابات التى تنشأ هنا و هناك ليست بالضرورة مترابطة. و مع ذلك، النضال ،حتى المسلّح ، شيئ جيّد؛ حينما تبرز التناقضات إلى السطح، من الأيسر معالجتها, وتتمّ هذه الثورة الكبرى بأقلّ قدر من الخسائر و أكبر قدر من المكاسب" (26)
طوال صيف 1966، لمّا كانت الثورة الثقافية البروليتارية تتطوّر بسرعة، ناضلت تشانغ تشنغ ضد تيار يساري متطرّف يريد المهاجمة الجسدية لأتباع الطريق الرأسمالي و تجنّب المهمّة الأصعب التى كان اليسار يدعو إليه، فى إرتباط بتقدّم الصراع الإيديولوجي و السياسي.
" لا يمكن لصراع القوّة أن يبلغ سوى الجلد و اللحم بينما النضال بالجدلية يمكن أن يطال أعماق أعماقهم"(27).
من جهة ، كان المنعرج نحو النزاعات العنيفة عفويا و معبّرا عن درجة إحتداد الصراع الطبقي ، و من جهة أخرى إنطلق العمّال فى صراع لفظي ، لكنهم أيضا نزلوا إلى الشوارع لإفتكاك السلطة .و منذ بداية سنة 1967، كانت اللجان البلدية المتشكّلة بمبادرة منهم تتحكّم فى على الأقلّ ثمانى مقاطعات.
و كذلك جرت دعوة الجيش لمساندة العمّال و الحرس الأحمر أثناء إفتكاك السلطة ،و لمساعدتهم على الحفاظ على النظام. و فى نفس الوقت ، فى بعض الأحياء، كانت قوّات اليمين تنادى بصفة مفضوحة العنف بتشويه بعض الشعارات أو بدفع الجماهير لأن تخصّص هجماتها على أتباع الطريق الرأسمالي الأقلّ أهمّية ، لأجل حرف الإنتباه عن نفسها هي. فمثلا ، شعار "لنطرد الجماعة الصغيرة من الجيش" يستهدف زمرة القيادات العليا التحريفية ، قد فُهم بسطحية فى بعض الأحياء و طُبّق فى كلّ مكان حيث تمكّن اليمين من إستعماله، بما فى ذلك لإفتكاك سلاح من فرق نظامية.
و لخّصت تشانغ تشنغ وجهة نظرها بهذا المضمار على النحو التالي: " لا ننخدع . الشعر خدّاع . بما أنّ الحزب و الحكومة و الجيش جميعهم تحت قيادة الحزب ، لا يمكن أن نفهم من هذا سوى أنّه يجب أن نطرد من الحزب زمرة أتباع الرأسمالية لا أكثر. سيكون من غير العلمي العمل بطريقة مغايرة. و سيعنى ذلك أنّه ستكون لنا فى كلّ مكان وتقريبا كافة المقاطعات العسكرية سيقع مسحها دون التمييز حتى إن كانت أقلية من الرفاق ، بعض الأشخاص صلب جيشنا ، يقترفون أخطاء خطيرة و لا يستحقّون أن يعاملوا على ذلك النحو".
و إستطردت تشانغ تشنغ قائلة إنّ الشباب ،طبعا، يرغبون فى الحركة و لكنّه من الضروري أيضا أن "نشكّل العقول" لمواصلة المرحلة الأصعب، صراع- نقد- تحويل. يعجب الشباب بالسفر من مكان لآخر بيد انّه يمكن أن لا يعرفوا الظروف الخاصّة بكلّ مكان و يمكن أن يقترفوا أخطاء. " يجب أن تثقوا فى جماهير المناطق التى تزورونها و لا يجب أن تقوموا بالأشياء التى تستطيع أن تقوم بها بنفسها ،كما لا نستطيع نحن القيام بالثورة مكانكم" (28)
لم يكن دائما بديهيا معرفة كيف نتعاطى مع الطبيعة المتناقضة للعنف الناجم عن المبالغة فى الحماس الثوري للجماهيرو إحتدام الوضع لأنه ما كان يجب أن تكبح اللحظة الثورية، الصحيحة و الضرورية لسيرورة تغيير المجتمع، حتى تمارس البروليتاريا دكتاتوريتها بما فى ذلك بالتحكّم الكامل فى السلطة السياسية.
و إعترف ماو بانّه إن وجدت فوضى و تجاوزات فى ثورة ، فإنّه كذلك من الموضوعي التأكيد على أنّ الإقرار بها و الإقرار بمراقبتها بصورة صحيحة لا يمكن دائما أن تكون ممكنة طالما لم تتتوفّر الرؤية الواضحة. و حصل أنّ فى اللحظة ذاتها ، إستفادت بعض القوى من الوضع لمصلحتها و لأسباب إنتهازية. و فى صلب المجموعة المكلّفة بالثورة الثقافية التى ىساهمت تشانغ تشنغ فى قيادتها ، إختار عدد من العناصر ( على غرار تشان بوتا) بجلاء إستعمال القوّة.
كان الشعب يتبع مثلهم، لا سيما إثر الإستفزاز و تمرّد الوحدات العسكرية التى ساندت اليمين فى مدينة يوهان سنة 1967.
و قادة المجموعة المكلّفة بالثورة الثقافية هؤلاء ،الذين جرى لاحقا نعتهم باليساريين المتطرّفين و الذين كان هدفهم إيجاد فوضى ليستفيدوا منها فى ما بعد ، لم يتسنى إبعادهم إلاّ بعد بضعة سنوات. و اليمين من جهته نظّم العنف ضمن قطاع من الحرس الأحمر ، القطاع الذى تحوّل ليعارض المجموعة المكلّفة بالثورة الثقافية. ( 29)
و شوآن لاي بدوره ،كانت لديه نزعة نحو اليمين. و رغم تحالفه مع ماو ووجوده العلني ضمن اليسار ،فإنّه قد لعب دورا وسطيا جدّا فى هذا الجدال ،مشدّدا دائما على غعادة تركيز النظام و العودة إلى الهدوء،و فى نفس الوقت كان يصف الذين يواصلون الحرب الأهلية ب "الفوضويين".
و بإستمرار دافعت تشانغ تشنغ على فكرة أنّه يجب مهاجمة العدو و الإطاحة به عن طريق الصراع الإيديولوجي و السياسي. و أحيانا كان عليها أن تصدر نداءات للتعقّل للجماهير الغاضبة.
فى خطاباتها ، كانت تشدّد على كيف أن ايوتشاوتشى أطرد من السلطة دون اللجوء إلى الأسلحة. و على العكس ،حين إستعملت الأسلحة "للدفاع" فى وحدات معيّنة من الحرس الأحمر، و كذلك فى القوات المتمرّدة ضد قلعة اليمينيين وسط جيش التحرير الشعبي،وافقت تشانغ على مثل هذاالعمل. و شعارها الشهير :" الهجوم بالجدلية ،و الدفاع بالقوّة" لم يتمّ التأكيد عليه لأنّه يفرز نوعا من الإضطراب بصدد التمييز بين الإثنين. كان سيشجّع إستعمال الأسلحة بين فئات صلب الشعب ،غير ميسّر معالجة التناقضات التى تظهر داخل المنظّمات الجماهيرية.
من كان قادرا على معرفة أين بالضبط ينتهى الدفاع و أين يبدأ الهجوم؟ فى 1967، بُعيد عودة ماو إلى بيكين إثر زيارة عديد المناطق ،صدر منشور يمنع مستقبلا إفتكاك أية أسلحة (30).
إبّان الثورة الثقافية ، طوّرت تشانغ تشنغ علاقة وثيقة مع الجماهير الثورية التى أحبّتها على الدوام كقائدة حزبية. وصفت مهتمّة روسية بشؤون الصين ،وقد حضرت إجتماعا كملاحظة ،الجماهير المتحمسة التى كانت تصفّق أيما تصفيق على هذا النحو :
" إثر خطابات تشان بوتا ،و كونغ تشان و لهسواه فانغ ،الذى أنا غير قادرة على تذكّرها ،طالما أنّ بلاغتهم لم تكن كبيرة، أخذت تشانغ تشنغ الكلمة و كانت ترتدى زيّها العسكري الأخضر و قبّعتها و لم تكفّ حينها عن التحرّك فوق الركح و بعث خطابها الحماس فى الحضور: "إنكم الجيل الثوري الجديد، كانت تقول، أنتم الذين يجب عليهم مواصلة الثورة. يجب أن تمضوا بها بعيدا. نحن ، من الجيل القديم ،نرحل ،و نرحل مورّثينكم تقاليدنا الثورية القديمة.(...) الرئيس ماو يهديكم الصين : ستوضع الدولة بين أيديكم. إنّ مدرسة الثورة الثقافية مدرسة عظيمة!" فكان المفعول فورياّ. و بعد مغادرة القادة ، تواصل الإجتماع بلا إنقطاع . و كان المتكلمون يعوّضون الواحد الآخر ،و كلّ واحد ينافس الآخر فى حماسه." (31)
و على سبيل المثال ، كانت تشانغ تشنغ تشجّع الآخرين على الجرأة على أن يكونوا مثلها ، على الجرأة على إطلاق العنان لطاقاتهم من أجل تحديد الخطّ السياسي فى خدمة البروليتاريا و مثلها على رفض الإستسلام للرؤى المعادية للثورةز
بوضوح كانت تحدّد العدوّ بطريقة تميّز بين الموالين للرأسماليين من المراتب العليا ،من جهة، و الذين ، من جهة أخرى ، كانوا فقط تحت تأثيرهم لأنهم كانوا جدّ ضعفاء إيديولوجيا و يسهل التلاعب بهم . و كانت قديرة جدّا على بثّ الحماس داخل الجماهير الثورية و الكره للعدوّ.
و كانت تقوم بذلك بقيادة عملية مساعدة الجماهير على تفكيك التناقضات المتداخلة و المتعدّدة التى كانت تظهر صلب الشعب، بينما كان هذا يناضل ليفتك الشلطة من ايدى الذين كانوا يعبدون الطريق الرأسمالية.
متحدّثة أمام مندوبين منحدرين من فئات إجتماعية مختلفة ، شدّدت على أهمّية تعزيز الفهم الإيديولوجي للبروليتاريا ، و على تشجيع النقد و النقدالذاتي الشديد ،و على النضال ضد الأفكار المعارضة والحفاظ على موقف صلب أمام الصعوبات. لقد نادت تشانغ تشنغ الثوريين القدماء للحفاظ على شباب القلوب السياسية و السماح لأنفسهم بالتأثّر بحماس الشباب الذى كان يكتسح البروليتاريا.
و أمّا بالنسبة للشباب ، فطلبت منهم كذلك أن يمارسوا توازنا حكيما فى النضال و أن يتجاوزوا حدود السنّ و الميزات الخارجية للأكبر سنّا ،حتى يتمكّنوا من فهم أفضل للخطّ السياسي و يعملوا وفق الخطّ الصحيح.
و كمثال ، لأجل الحثّ على توفير ظروف مناسبة لإفتكاك السلطة ، بالنضال ،ضمن أشياء أخرى، ضد الكتلوية التى ظهرت فى بعض الأماكن ، كانت المجموعة المكلفة بالثورة الثقافية تلعب دورا هاما فى توحيد قيادات و مندوبي الكتل المتعارضة، للفرز بين الخلافات الرئيسية و الثانوية.
و مثل ماو ( الذى كان يقول إنّ "تحالفا كبيرا يمكن بناؤه بالقضاء على الأنانية و بتكريس الذات من أجل الشعب و كذلك بخوض صراع سليم) ، كانت تشانغ تشنغ تربط عن كثب مسألة المفاهيم المدافع عنها بإمكانية التوحّد لتشكيل تحالفات كبرى:" إيّها الرفاق ، إذا كنتم تعتقدون أنّ ما أقوله مفيد فلنكرّسه. يجب أن نصبح ثوّارا يكرّسون فكر ماو تسى تونغ و ليس أعضاءا فى هذه المجموعة أو تلك.
إنّ ذهنية الكتلوية ميزة من ميزات البرجوازية الصغيرة ؛ إنّها عقلية الحصن، عقلية الجبل ،و المقاطعة أو الفوضوية فى شكلها الأحدّ...من الأفضل أن يقوم كلّ منّا بنقد ذاتي. و هكذا سنتحدّث بشكل مناسب أكثر و سنبحث عن الإتفاق على المسائل الكبرى، فى نفس الوقت الذى نحافظ فيه على الفروقات الطفيفة بشأن المسائل الأقلّ أهمّية.
بالتوحّد حول النقاط الرئيسية ،نقوم بالثورة و سننجح فى الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى(...) أن تكونوا من أتباع الخطّ البروليتاري الثوري بقيادة الرئيس ماو أو أن تكونوا أتباع الخطّ الرأسمالي ، يعيّن أنّكم محقّين تماما أم مخطئين تماما.
من هنا ، إذا ناضلتم ضد القيادات العليا من أتباع الطريق الراسمالي ( أو فى آنهواي ، ضد الزمرة التى يقودها لى باو هوا الذى يتبع طريق الرأسمالية) هل هذا سبب لعدم التوحّد أو لعدم توحّدكم؟ إذا وثقنا فى سلوككم الكتلوي ، سأقول إنّكم تعملون من أجل أنفسكم و ليس من أجل الثورة و الشعب و البروليتاريا".
" ... يجب أن تطلبوا ذلك من أنفسكم و من مجموعتكم. إذا تخاصمتم أو خضتم صراعات مسلّحة بينكم و إستوليتم على على أسلحتكم الخاصّة، لا يمكن أن تظلّ رؤوسكم باردة للتمييز بين الجيّد و السيّئ. إنّه لمن السهل القيام بالثورة ضد الآخرين ، لكن من الصعب القيام بها ضد أنفسنا" (32)
وتناول ماو المسألة من زاوية أخرى: إمكانية الحفاظ على السلطة السياسية. و متحدّثا عن الثورة الثقافية القائمة فى 1967 ، لخّص فكره مصرّحا بأنّ المهمّة الرئيسية هي إفتكاك السلطة من أيدى الرأسماليين و مسانديهم، لكنّه أضاف" و هذه المهمّة تتمثّل بالفعل فى معالجة المشكل فى مستوى المفاهيم: يجب القضاء على جذور التحريفية". و إستطرد قائلا و إلاّ كيف يمكن إعتبار الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى منتصرة ؟ بكلمات أخرى ،دون السلطة السياسية ،لا يمكن حصول التغييرات الإشتراكية و لكن دون تغيير المفاهيم الإيديولوجية البرجوازية ، من غير الممكن لاحقا الحفاظ على السلطة.
حين يصرّح ماو بأنّه على الطبقة العاملة أن تقود كافة الميادين بما فى ذلك ميادين الثقافة و البناء الفوقي ، فإنّه يتحدّث بالخصوص عن التربية و الفنون. و قد أكّد على نحو صحيح للغاية و هو يعلم علم اليقين أن البعض سيغتاضون، بأنّ المثقفين لم يتخلّوا بعد عن المفاهيم البرجوازية." عليكم أن تفكّروا لمعرفة إذا كانت كلّ فكرة تفكرون فيها قد عفى عليها الزمن أم لا ". (33)
11- القطع مع الأفكار القديمة :
لم يكن حقل الثقافة الذى كانت تمارس فيه تشانغ تشنغ قيادتها ، شيئا أقلّ من مجال معركة حقيقية تعكس مشكل الفهم البرجوازي للعالم، مثيرا مشاكلا جمّة للثوريين. لقد إنتُزعت نزعا مكاسب و إنتصارات كبرى بصعوبة من البرجوازية ، بفضل إبداع فنّ بروليتاري جديد ، لكن فى كافة المجالات الأخرى ، كان يتعيّن الكدّ لخوض الصراع بلا إنقطاع. و أثناء ندوة فى بيكين حول الأدب و الفنّ ،فى نوفمبر 1967، أشارت تشانغ تشنغ إلى أنّ اللامساواة المتبقية فى الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى صلب لجان الدعاية و لجان الثقافة تعكس الصراع الطبقي. و رغم ا،ّ آخرين قد نجحوا ، لم يتوصّلوا بعدُ إلى تشكيلات الإتحاد الثلاثي. و يجب عليهم توسيع النقاشات و النقد لأجل معالجة بعض المشاكل ضمن الكوادر.
" هل جرى تطوير عميق و تام للحركة؟ " سألت تشانغ تشنغ الحضور. " لآ أعتقد ، فالعدوّ خبيث للغاية ، إنّه يتحكّم فى عدّة فرق ممثلين. و كلّما حقّقنا نصرا على فرقة من هذه الفرق فإنّه سرعان ما تظهر أخرى. لهذا أعتقد أنّه يجب أن ينجز بحث يذهب إلى عمق الأمور و دراسة معمّقة للأوساط الفنية و الأدبية. إزاء العدوّ ، ينبغى أن نكون مثابرين، شديدين و دقيقين".
و قد أثيرت فى هذه الندوة عدّة أسئلة: حتى و إن وجد إنتاج كافى من الأعمال ، كيف يتمّ نشرها شعبيّا ، و كيف يجرى تحسين مضمونها ، و كيف نحدّد إن كانت الأعمال الحديثة تبلغ "قمة" الفنّ الوطني؟
لكن من كلّ زاوية تقدّم لها ، كانت تشانغ تشنغ تطلق نارها على الحاجز الرئيسي دون تحقيق ثورة فى مجال الفنون : " تظلّ المهمّة الرئيسية قتال الأنانية و نبذ التحريفية و كذلك تنظيم فرق ثورية. دون ذلك ، سيكون مستحيلا إنجاز أعمال ثقافية تخدم قضية الإشتراكية و تكون مفيدة للعمّال و الفلاحين و الجنود. و هزم الأنانية و نبذ التحريفية ليسا بالأمر الهيّن".
حسب إقتراح تقدّمت به مشاركة فى الندوة ، قالت إنّها تقف إلى جانب إرسال فرق صغيرة إلى الريف و المصانع لمزيد نشر الأعمال الثقافية شعبيّا . لكن تشانغ تشنغ كانت تؤكد على قول إنّ الذهاب إلى الريف و المصانع سيكون عديم الفائدة إن كان لتجنّب صراع الخطين.
و بالمناسبة عينها ، فى ردّ على الذين و اللاتى أظهروا إنعدام الصبر ،مدّعين عدم وجود عدد كافى من اللوبيرات الجديدة المعروضة، أجابت تشانغ تشنغ إنّ ذلك يمكن فهمه لأنّه " لا يجب أن تكون هذه الأوبيرات سيئة و إلاّ سيشنّع بها الشعب".و عليه ، دعت كافة الفنّانين إلى التنظّم و الإستعداد لأجل التوصّل إلى الأعمال المرجوّة و إلى إعادة تشكيل الأقانيم الفنّية القديمة.
و دافعت عن الثمانية أعمال النموذجية ( أو النماذج) التى " أبعدت عن الركح و الشاشة الأباطرة و الجنرالات ، و كذلك خدمت إبعاد البرجوازية". و مدحت أيضا الأعمال الأولى التى أدخلت غصلاحات على الباليه و السنفونيات لأنها رغم تضمّنها هنات، "أحدثت تأثيرا كبيرا فى كلّ مكان".(34)
فى 1963 و 1965، نجحت إختراقات كبيرة فى التغيير الإشتراكي للفنون. و كانت تشانغ تشنغ و مجوعة صغيرة من الرفاق على رأس هذا النضال. و مع ذلك ، طالما أن المجتمع بأسره لم يكن مشتركا فى النضال من أجل السلطة السياسية فى الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى، لم يعالج مشكل تكوين فرق لإنجاز هذا التغيير على أفضل وجه و على نطاق واسع: لن تكون ممكنة أيضا معالجة صعوبة نشر الثقافة البروليتارية الجديدة إلى أعمق أعماق الجماهير و إنتشارها فى الصين. فى 1967، بدأ يحدث تحوّل فى الوضع ، ضمنه رسمت مخطّطات لعرض أعمال ثقافية نموذجية على الشاشة الكبيرة ، قصد جعلها فى متناول كافة الصينيين و الصينيات.
عندئذ جرى عمل واسع النطاق لنشر هذه الأعمال شعبيّا. و قد دعمت فى المساهمة فى المهمّة الوحدات الثقافية التابعة لجيش التحرير الشعبي و ساهم فيها عمل الفرق المتنقّلة أو الطائرة ( صيغ تجديدية) التى عرفت إزدهارا كبيرا.
و غالبا ما تحدّثت تشانغ تشنغ إبّان اللقاءات مع الفرق الفنّية و الكتّاب أثناء الثورة الثقافية ، متحدّية إياهم أن يساهموا تمام المساهمة فى المهام العامة للثورة. و هكذا كانت تحثّهم على القيام بالثورة فى وحداتهم.
لكن إتّضح أنّه ليس قبل صيف 1967 أن تمكّن الحزب حقّا من تنظيم هجوم و تطوير النقاش حول الثقافة فى صفوف الجماهير. فشوهد صراع خطين حاد. و كانت المسألة متعلّقة بصفة خاصّة بتغيير الفنون و النشر الشعبي للتجربة الناجحة لتشانغ تشنغ فى ما يتّصل بتثوير أوبيرا بيكين.
و ظهرت عديد المقالات و الكتابات فى الصحافة و فى أجهزة النشر النظرية. و قد طُبع للعموم الملخّص الهام لندوة 1966 حول الأدب و الفنّ فى صفوف القوات المسلّحة. و فيه نجد بعض تعليقات ماو حول هذه المسائل. و جرى عرض أعمال الأوبيرا الجديدة. وقد عُدّ ماو و قيادات هامّة أخرى ضمن جمهورهذه العروض. و نالت تشانغ تشنغ شرف رئاسة الإحتفال بالذكرى 25 لندوة يانان ، وهي مناسبة عرضت خلالها عديد النماذج الفنية .
و منذ البداية ، إعتنى اليسار بالتشريك التام لجيش التحرير الشعبي فى القتال المتفجّر من أجل الثورة الثقافية. و كان لهذا ميزة تعزيز خطّ اليسارفى صفوف الجنود، رافعا مستوى فهمهم السياسيو افيديولوجي و سامحا لهم برؤية الصراع الطبقي بين الخطّين الدائر ليس فى المجتمع و حسب و إنّما أيضا وسط الجيش.
و من المهام الأخرى التى أسندت لتشانغ تشنغ مهمّة مستشارة ثقافية لجيش التحرير الشعبي فى فيفري 1966و مستشارة مجموعة الثورة الثقافية التى ستنبعث فى صفوفالجيش بعد ذلك بسنة. و فى ظلّ قيادة تشانغ تشنغ ، على الجبهة الثقافية ، خيض صراع شديد لمعالجة المسائل المتصلة بالخطّ الصحيح بخصوص الأعمال الثقافية البروليتارية. و هكذا وُلدت أعمال جديدة.
و عقدت ندوات حول الإبداع الأدبي و أوليت عناية خاصة لتخريج "جيش من النقّاد الأدبيين و الفنّانين". و كانت بعض الثمار المجنية أثناء الثورة الثقافية ،و كذلك الإتجاه الذى طبعه خطّ اليسار بوجه خاص ، تُلاحظ بسهولة فى صفوف جيش التحرير الشعبي مع نهاية الستينات.
و بالفعل ، أخذ الجنود يشاركون فى هذه الثورة على مستوى مختلف نوعيّا سواء فى ما يتصل بنشاطاتهم السياسية أم الثقافية.
لقد كان إتساع مجال النشاطات يفتح الباب لدراسة السياسة حتى كتابة و إنتاجا و لعروض الساينات-الكوميديا و الأوبيرا ، و تنظيم الندوات و المهرجانات للهواة وسط الوحدات المحلّية لجيش التحرير الشعبي عبر الصين.
صراع الخطين يتخطّى مرحلة جديدة :
رغم أ،ّها فى ديسمبر 1964 ، شاركت فى المؤتمر الوطني الشعبي بإعتبارها ممثلة لمقاطعتها الأصلية شنتونغ، لم تفرض تشانغ تشنغ ذاتها حقا كقائدة إلاّ خلال الثورة الثقافية. و لم يسند لها هذا الدور بشكل "رسمي" إلاّ فى المؤتمر التاسع للحزب سنة 1969،حينما إنتخبت عضوة فى المكتب السياسي لللجنة المركزية.
و من هناك جرّتها مسؤولياتها أكثر فأكثر إلى الصراعات السياسية وسط المراتب العليا للحزب. و بنضالاتها ساهمت مساهمة هامة فى تعزيز اليسار.
و خلال السنوات الأخيرة من الثورة الثقافية ، كانت الصين منشغلة بالتسريع فى التحويل الإشتراكي للإقتصاد ،و الصحّة و الفنون و الثقافة لا سيما بمهاجمتها للنظام التعليمي القديم. و تمّ كلّ هذا عبر بناء وتعزيز اللجان الثورية. و قد وجّهت هذه التغييرات ضربات شديدة للأسس المادية و السياسية للرأسمالية و سمحت للبروليتاريا بأن توسّع تأثيرها فى مجالات جديدة.
و كان هناك ايضا غنعكاس للتغييرات العميقة الحاصلة فى علاقات الإنتاج ، التى كانت تتشكّل حسب قوالب جديدة موسّعة نطاق العلاقات الإجتماعية الجديدة فى كافة مجالات المجتمع للتوصّل فى الأخير إلى قبر علاقات الإضطهاد و الإستغلال التى ستنتهى الإنسانية بجعلها تقبع فى أعماق الموسوعات المغطّات بالغبار.
و من ضمن الظواهر الجديدة التى يمكن ملاحظتها ، لنشر إلى العمّال و الفلاحين و الجنود المسجّلين فى الجامعات ؛و الشباب المتعلّم الذى رحل إلى الريف ؛ و كوادر الحزب التى كانت تساهم فى العمل المنتج؛ و العمّال يساهمون فى إدارة و إعادة تشكيل القواعد و القوانين القديمة؛ و تنوّعات الإتحاد الثلاثي التى تركّزت فى كافة الميادين ،بمافى ذلك ميدان التحديثات التقنية فى المصانع و فى المناطق الريفية و كذلك الإختراقات العلمية عموما ،و شعارات ط أحمر و خبير" أو "السياسة فى موقع قيادة القدرات المهنية" كانت تكرّس الوحدة بين المسلحين بفهم سياسي صحيح و الذين يمتلكون معارفا خصوصية. و النساء اللاتى جرى تشجيعهن على تبوّء مراكز قيادية فى الحزب و فى قيادة تشكيلات الوحدة الثلاثية ، و كذلك أناس أكبر سنّا منحدرين من الجماهير كانت تجربتهم الغنية فى تحالف مع الشباب ؛ و جرى تشجيع عمل الجماهير فى حقل العلم و التقنية و أيضا تشجيع أعمال كانت تستخدم كنماذج للإبداعات الثقافية، أعمال غدت ملكا للجماهير ؛ و كان ينشأ أدب ثوري شعري و ملوّن ؛ و نظّمت دراسة النظرية الماركسية على نطاق واسع و انشأت مصحّات مجانية أو تقريبا مجانية فى الريف حيث المباشرين للعمل الصحّي ذوى الأقدام الحافية، ومنهم بعض الفلاحين المدرّبين على الطبّ ، كانوا يوفّرون العناية الصحّية.
و قد عارض البعض هذه التى أطلق عليها إسم " الأشياء الإشتراكية الجديدة" التى ظهرت فى خضمّ الإطاحة باليمين. و قد جرى تعويض ممثّليهم الرئيسيين فى المواقع العليا للحزب . و مع ذلك ، حتى البعض ،مثل لين بياو ، الذين إدّعوا أنّهم رفاق أوفياء لماو ، إنتهوا إلى تشويه تحدّيات الثورة الثقافية هذه.
و منذ رسالة جويلية 1966 إلى تشانغ تشنغ ، أطلق ماو هذا التحذير :"بعض أفكار أصدقائنا تزعجنى كثيرا" و كان يحيل على الطريقة التى كان يشجع بها لين بياو أفكار ماو ، اي كما لو أن لهذه الأفكار قوّة مقدّسة. " كلّ شيئ مبالغ فيه " هذا ما كتبه ماو لتشانغ تشنغ. (35) وهو ما يذكّرنا بالغضب الذى أبداه ماو تجاه الترجيعة الغبيّة للين بياو فى 1959 ، حين تمّت ترقيته لمركز وزير دفاع" "جملة واحدة لماو تساوى 10000 جملة!"(36)
و قيّمت تشانغ تشنغ تقييما وجيزا ما قام به لين بياو فكتبت أنّه عقب الفترة التى ادّت إلى الإطاحة بأتباع الطريق الرأسمالي ، الذين كان على رأسهم ليوتشاوتشى ، عُيّن لين بياو خليفة لماو فى المؤتمر التاسع للحزب. و عندها سعى إلى الإستيلاء على قيادة الحزب و الدولة و الجيش. ففضلا عن نشره لكتبه مستخدما إسم ماو ( ناشرا بشكل واسع أعمال الرئيس الفقيد و معنونا إيّاها "فكر لين بياو" ، حسب تعبير تشانغ تشنغ) و قد خلق إضطرابا كبيرا حاثا على المعارك ،و رفع السلاح و ناشرا القوات المسلحة دونما ضرورة لذلك.
و قد تحدّثت تشانغ تشنغ كذلك عن طريقة عيشه الشاذّة و عن حماسه الكنفيشيوسي ل" أن تصبح ضابطا ثريّا" (37) و غداة الإعداد لمحاكمة لين بياو من قبل اللجنة المركزية،حيث كانت تشانغ تشنغ تنهض بدور محدِّد ، فإنّ هذا التقييم حتى رغم كونه حكائي فهو يعدّ مؤشّرا عن الوضع. لقد تخفّى هذا الخائن ،مثلما كانت تصفه، قرب ماو و ضربته؟؟؟ العنيفة للإستيلاء على السلطة قد رجّت بعمق الحزب و المجتمع فى لحظة كانت فيها مكاسب الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و الوحدة الوطنية بإتجاه التعزيز.
دون إعتبار أنّ هذه الأحداث تتنزّل فى إطار تاريخي حيث كان الإتحاد السوفياتي يضغط على الصين و يهدّدها عسكريا. و من العشرة صراعات الكبرى بين الخطين داخل الحزب الشيوعي الصيني ( إلى 1972) ، تعلمنا تشانغ تشنغ أن أخطرها كان ضد لين بياو.
كان لين بياو قد إرتبط إرتباطا وثيقا باليسار أواسط الستينات ، حينها تكشفت ضرورة تحالف كبير لتشديد الهجوم على اليمين و ضد خطر إعادة تركيز الرأسمالية . فى تلك الحقبة ، إضطلع لين بياو بدور هام بتوليه مسؤولية التربية الإشتراكية فى الجبيش ، مصحّحا خطأ خطّ بينغتاهوا ( الذى كان يدافع عن تعصير الجيش بتبعية للتقنية المتقدّمة ،على غرار التحريفيين السوفيات).
و إستغلّ لين بياو و أتباعه كذلك الفرصة لتقوية قاعدة مساندة ماو و تعظيمه و حتى ، إلى درجة معيّنة ، تشانغ تشنغ ، حتى يجعلوا منهما أيقونات يطمحون للإنقلاب عليها. كان لين بياو يودّ التعويل على الجيش لإعادة تركيز النظام و فى 1967-1968 ، كان بعدُ يدّعى أنّ الإنتاج يجب أن يُقدّم على الصراع السياسي.
فى المؤتمر التاسع ، سنة 1969، كان من الجلي أنّ برنامج لين بياو يقع على اليمين: كتب أنّ التناقض الرئيسي هو التناقض بين النظام الإشتراكي المتقدّم و القوى المنتجة المتخلّفة وهي نفس طبخة ليوتشاوتشى التى جرت الإطاحة به قبل سنوات عدّة. و كان يعتبر الأشياء الإشتراكية الجديدة عائقا دون الجماهير التى كانت فى حاجة للحصول على "الغذاء و البترول".
ورغم كونه عارض بجلاء إستسلام شوآن لاي أمام الإمبرياليين الأمريكان ( بما أنّ لين بياو كان يفضّل "الإشتراكيين السيّئين "للإتحاد السوفياتي) ،فإنه فى الواقع شاطره الكثير من الأفكارالتى كانت تبدو أكثر "إعتدالا" و بالأساس تعصير ذى أهداف يمينية، وإستسلام للإمبريالية إلخ. أيضا عارض لين بيا جهود ماو لإعادة تركيز الدور القيادي الشامل للحزب و الحدّ من دور الجيش(38).
حينها إندلع صراع شديد حول الوضع العالمي فى صفوف قيادة الحزب الشيوعي الصيني. و فى 1970 وافق ماو ( مع شو آن لاي لكن لأسباب مغايرة ) على إنفتاح الصين على الغرب موجدا تحالفا بين اليسار و القوى الوسطية التابعة لشو _ وهي فى البداية "الحرس القديم " لمركز الحزب و الهيئات العسكرية) ضد لين بياو. و قد هُزم سياسيا ،واصل لين بياو تنظيم إنقلابه و مخططاته لإغتيال ماو و كلّها إنتهت عوض ذلك إلى طيرانه نحو الإتحاد السوفياتي و موته فى حادث طائرة تقلّه فى سبتمبر 1971. من جهة كان أحمرا ومن جهة أخرى كان عقلا أسود(39)، لاحظت تشانغ تشنغ بمرارة.
و عزّز سقوط لين بياو بصفة معتبرة موقع شوآن لاي. فقد تطلبت الظروف من اليسار أن يفعل ما يريده شو- إرجاع يمينيين أطيح بهم خلال الثورة الثقافية لملئ المواقع التى كانت تحتلّها قوى لين بياو بما فى ذلك فى الجيش. و حتى دنك سياو بينغ أُعيد و لو أنّ اليمينيين قدّموا حينها ظاهريا نقدا ذاتيا ووعدوا بالدفاع عن الثورة الثقافية و فى الواقع كسبوا قوّة عامة. وقد واجه اليسار ضرورة الحفر أعمق لإقتلاع جذور تحريفية لين بياو . فبينما لم يكن تنظيميا جدّ قويّ ،كانت له سياسيا حرّية نشر خطّه اليميني صلب الجماهير فى حين يعرض ثانويا غطاءه "اليساري" المتطرّف و خطّه المثالي ل"العباقرة يصنعون التاريخ".و رغم أنّ اليمين كسب قوّة فإنّ اليسار فى المؤتمر العاشر للحزب فى 1973- مدافعا عن الثورة الإشتراكية و الأشياء الإشتراكية الجديدة. مثل مبدأ " القيام بالثورة مع دفع الإنتاج"- خرج عامة منتصرا. و تمّت إعادة إنتخاب تشانغ تشنغ إلى المكتب السياسي لكن فى اللجنة الدّائمة فقط وجد تشنغ تشن –تشاو وهو فى معسكر ماو كلّيا.
تحدّثت تشانغ تشنغ عن التأثير الإيجابي للدراسة المنظّمة ضمن الكوادر لدحض خطّ لين بياو و الرفع البديهي للمستوى السياسي للجماهير و قدرتها الواعية على النشاط برفعها بصفة صارمة أكثر فكر ماو تسى تونغ فى تلك الفترة.
نظّم اليسار حملة نقد لين بياو و كنفيشيوس فى 1974. و كانت عقيدة كنفيشيوس هي الأخرى تدعو إلى إعادة تركيز النظام القديم ( العبودية) و الإستسلام للمعتدين الغربيين و الطاعة العمياء للجماهير التى ليس لها سوى حقّ أن يقع التحكّم فيها. و من منظور تاريخي ، كانت هذه الحملة تستهدف دنك سياوز بينغ _ كنفيشيوس) و ثانويا شو آن لاي ذى البرنامج الوسطي الذى كان جسرا لصعود اليمين.
13- المعركة الكبرى الأخيرة :
بدأت تشانغ تنغ تتصادم من جديد مع الخطّ التحريفي فى الثقافة الذى تبنّى محاكاة النماذج الغربية بإسم " العصرنة" و رمى إلى الحطّ من قيمة الفنّ البروليتاري مثل للأوبيرا الثورية الجديدة و مكاسب أخرى للثورة الثقافية. حيثما كان لهذا الخطّ نفوذ ، شرع فى قلب خطّ تلك الأعمال أو فى إنشاء أعمال تحريفية جديدة. وفى ظرف دفع فيه شو نحو الإنفتاح على الغرب ،وقع إستدعاء أوركسترات غربية إلى الصين غالبيتها بمبادرة منه. و لم يكن هذا سوى جبهة من الجبهات التى وجد فيسها توتّر متصاعد بين الوزير الأوّل و تشانغ تشنغ و أيضا وجد هجوم متصاعد من قبل اليمين على الجبهة الثقافية و هجوم سياسي مندفع شامل بين 1973 و 1975. و المسألة ليست أنّ اليسار كان يعارض زيارة الأركسترات الغربية للصين ككلّ بل المسألة هي أنّه طالب بأن يكون من الواضح لأي غرض سياسي يقع إستقبالها. مقال نافذ حول " الموسيقى المطلقة" نشر حينذاك متحدّيا أطروحة أن ليس لهذه الموسيقى معنى أو مضمون طبقي وهي فوق المكان و الزمان بأمثلة من التاريخ و من تطوّر المجتمع الطبقي. وضّح أنّ مثل هذه النظرة حاولت إخفاء الطابع الطبقي البرجوازي لهذه المقطوعات المسّماة الآلاتية رغم أن بعض تقنيات الموسيقى الكلاسيكية يمكن إستيعابها نقديا.
( و تجدر الإشارة إلى أنّه بينما كان عدد الزوّار العالميين يتكاثر خلال تلك الفترة ، كانت تشانغ تشنغ عادة ما تستقبل قادة الدول الغربية و ممثليها و ترأس عديد المبادلات الرياضية العالمية و أحداث جماهيرية أخرى).
و شهدت الذكرى العاشرة لتثوير أوبيرا بيكين فى 1974 تعليق مقالات و إحتفالات تدافع عن الثقافة الإشتراكية الجديدة و بالأحرى تجادل بوضوح ضد أولئك الذين يرون أنّه من "غير الملائم" وضع العمّال و الفلاحين الأبطال على الركح و الذين يطالبون عوضا عن ذلك بالرجوع إلى الأيام التى كان للأمراء و الأباطرة فيها مكانتهم الخاصة هناك!
و فى نفس الوقت ، ظهرت أعمال جديدة تنشر شعبيا التحوّل الإشتراكي فى شتّى المجالات و الأعمال البطولية للإنتاج الفلاحي و التطورات النموذجية للصناعة مثل حقول نفط تايتشنغ و الأشياء الإشتراكية الجديدة مثل الأطباء ذوى الأقدام العارية. و وجدت بعض الإختلافات الطفيفة فى صفوف اليسار حول الأعمال المرغوبة و إلى أي مدى من العلوّ يجب أن تكون المقاييس. كانت تشانغ تشنغ بقوّة ضد التسويات الخاصة بعلوّ المقاييس سواء منها السياسية أو الفنّية.و نظرا لمعرفتها بعالم الثقافة كانت قادرة على تحديد و نقد الفروقات الدقيقة و الإحاءات المبطّنة التى لا يتفطّن إليها الآخرون. و علاوة على ذلك يبدو أنّ ماو وافق على بعض الفلام التى عارضتها تشانغ تشنغ على مستويات مختلفة ؛ و لهذا دلالته فى علاقة بالمبالغة المفرطة للتحريفيين حين إفتكّ اليمين السلطة و إعتقل الأربعة و إستعمل ذلك ك "دليل" على أنّ ماو لم يكن يوافق تشانغ تشنغ و تهم أخرى سخيفة.
فضحت تشانغ تشنغ واليسار كذلك و أجهضا مؤقتا الظهور الأوّل لفلم لهواو كوفينغ الذى صوّر أوبيرا خفيفة حول التعليم سمّيت " أغنية البستاني" كانت تمجّد فضائل الأساتذة الأذكياء و تشبّههم بالبستاني المتمرّس الذى يعتنى بالورود(40). معارضة هذا الفلم الواضحة لإدخال السياسة فى دروس الشبان تتضارب بجلاء مع شريط اُنتج فى ظلّ الخطّ الثوري اليساري فى تلك الفترة " القطع مع الأفكار القديمة" وهو شريط يصوّر بشكل حيوي الصراع الطبقي فى المجتمع حول من يشرع فى الذهاب إلى المدرسة و صعوبة مواجهة كلّ من الأساتذة التقليديين القساة و برنامج ينسجم أكثر مع التربية البرجوازية منه مع حاجيات الجماهير لتغيير العالم. و رغم أنّ الشريط أنجز خلال القفزة الكبرى إلى الأمام فإنّ هذه المواضيع كانت بالضبط مناسبة للسبعينات و صار الشريط فعلا عملا له وزنه و دلالات عالمية. جنبا إلى جنب أطاح الطلبة و قادة الحزب بالتنفّجية الأكاديمية و بالطرق القديمة غير المجدية كاسبين عديد المتذبذبين فى المسار.
و حدث هذا النهوض أثناء إحتداد الصراع الطبقي فى صفوف الحزب بين الخطين و الطريقين. أعيد عدد من التحريفيين إلى مراكز مفاتيح . و فى جانفى 1975 خلال مؤتمر الشعب الوطني الرابع بينما كسب اليسار سياسيا و،واصل الموقع التنظيمي و مبادرة اليمين فى اغلنموّ. نادى اليسار بتعزيز اللجان الثورية على جميع المستويات بينما وضع شو آن لاي خطّة لتعصير الصين بحلول سنة 2000 ( بالإعتماد على الإمبريالية و إعادة تركيز الرأسمالية و غضّ النظر عن الصراع الطبقي).ووجد هذا صداه فى مشروع هواو كوفينغ لمكننة الفلاحة فى نفس المصبّ السياسي اليميني. نُقل أنّ تشانغ تشنغ التى كانت تتابع تطوّرات مجموعة تاتشى الفلاحية عن كثب ، نعتت تقرير هواو بالتحريفي فى "ندوة التعلّم من تاتشى" (41) فى أكتوبر 1975 حيث برز صراع حاد. فالتقرير كان عمليا جزءا من رياح اليمين المتصاعدة و حاول تجنّب المسألة المركزية لهل أنّ الثورة ستقود التطوّر الشامل للإقتصاد.(42)
أجاب ماو و الأربعة على ذلك بحملة دراسة و تعزيز دكتاتورية البروليتاريا مشيرين إلى انّه رغم أنّ الملكية بالأساس إشتراكية ،فإنّه ثمّة عديد بقايا الرأسمالية مثل نظام السلع و نظام درجات الأجور و عدم المساواة المادية- الإمتيازات المادية و الإجتماعية المعتمدة على القيمة غير المتكافئة لقوّة العمل لدى أشخاص مختلفين و متطلباتهم المختلفة لإعالة أسرهم- لم يقع القضاء عليها. فى صائفة 1975 نادى ماو لنقد الرواية التاريخية " حاشية المياه" التى قدّمت سانغ تشيانغس المعاصر –اليومي( شخصية إستسلمت للإمبراطوربعد إلتحاقها بإنتفاضات الفلاحين) و ذلك من أجل تركيز الهدف على الخونة دنك سياو بينغ و شو آن لآي و آخرين مثلهما.
و إندلع صراع الخطّين هذا فى التعليم إثر ذلك بقليل حول إمّا تثوير التعليم [ أو التركيز على الإنتاج] ، فإنّ بعض الأساتذة فى جامعة تسينهوا كتبوا لماو يشكون من "تدنّى المستويات الأكاديمية" و فى الواقع مشيرين تحديدا إلى إنحطاط المستويات البرجوازية. و دفع ماو نحو نقاش جماهيري و ساعد الأربعة بحيوية على تطبيق ذلك و كان تشنغ تشن-تشياو يلعب دورا خاصا و مفتاحا. وجهة نظره الشهيرة الآن صيغت على الأرجح أثناء هذا الصراع " تنشئة مستغِلّين و مثقفين أرستقراطيين ذوى وعي و ثقافة برجوازيين أو تنشئة عمّال ذوى وعي و دون ثقافة- ما الذى تريدون؟" . و قد حرّ ف اليمين ذلك لجعله يغنى أنّه قال إنّ العماّل لا يحتاجون إلى ثقافة مسقطين إشارته للثقافة الخادمة للبرجوازية. (43)
و تواصل الصراع ليحتدّ ضد دنك سياو بنغ الذى طالما كان ممثّلا واضحا للقطب اليميني فى الحزب الشيوعي الصيني ، متميّزا بشعاره " قطّ أسود ، قطّ أبيض لا يهمّ طالما أنّه يصطاد الفئران"؛ و كانت وجهات نظره مركّزة فى برنامجه العام فى تطبيق "التوجيهات الثلاث" (عوضا عن و لأجل إنكار الصراع الطبقي البروليتاري) كرابط مفتاح. إثر وفاة شو آن لاي فى جانفى 1976 إرتفعت قدرة اليسار على فضح دنك سياو بينغ ( دون شو حاميا له) بأكثر شمولية و أمسك بالمبادرة. مع ذلك لم يكن اليسار بالقوّة الكافية ليجعل من تشانغ تشن-تشياو الوزير الأوّل فى صراع الخلافة. ( إضافة إلى دور تشانغ تشن-تشياو المفتاح فى الثورة الثقافية – كعضو فى المجموعة المكلّفة بالثورة الثقافية و فى شنغاي- فإنّه تطوّر كقائد مفتاح للحزب كلّه.و قد كان مؤلّف مقالات نظرية رائدة مثل "حول ممارسة الدكتاتورية الشاملة على البرجوازية" (44 ) و كانت أهمّيته كبيرة ضمن مجموعة شنغاي لدراسة الإقتصاد السياسي جميعه و التى ألّفت أعمالا هامّة قائمة بتحليل طبقي للقوانين الإقتصادية فى ظلّ الإشتراكية و طبيعتها المتناقضة). و فى حين حال اليسار دون دنك سياو بينغ فإنّه إضطرّ للقبول بهواو الذى لم يكن الوجه الأوّل لجبهة اليمينيين و لم يكن لديه أتباع شخصيين كثر.
و كانت تشانغ تشنغ ناشطة فى هذا الصراع و مرّة اخرى لعبت دورا جدّ جماهيري بما ازعج دنك سياو بينغ . وفى محاولة إستعراض للقوّة قام اليمين بالإضطرابات المضادة للثورة بتيان آنمان فى أفريل 1976 بُغية مهاجمة ماو و سياساته بدعوى تقديم الإجلال لشو آان لاي و خطّه حول " التعصير". لكن التحريفيين إستهدفوا بوضوح تشانغ تشنغ عوضا عن ماو بشعارهم الكنفشيوسي الرخيص حول " الإمبراطورية الأرملة". ( الحاكم الإقطاعي الذى أطاح بثورة طرد الأجانب من الصين فى 1900 و تاريخيا يشبه أكثر نظام دنك الدموي الذى قتّل الطلبة و العمّال فى 1989). و بعد إحباط العرض الرجعي من قبل جيش التحرير الشعبي و المليشيا الشعبية ، كانت مهمّة تشانغ تشنغ كما أعلن هي تنظيم تحويل البقايا التذكارية من الساحة – عمل أزعج بعمق اليمين و فى ما بعد حاول إستعماله ضدّها(45).
لقد عُزل دنك سياو بينغ من كلّ مهامه لضلوعه فى الإضطرابات و سرّع ماو واليسار حملة دكتاتورية البروليتاريا موجّهين النار إليه و إلى الرياح اليمينية المنحرفة. حينها صاغ ماو موقفه الشهير " إنّكم تقومون بالثورة الإشتراكية و لا تعرفون أين هي البرجوازية – إنّها بالضبط داخل الحزب الشيوعي . أتباع الطريق الرأسمالي لا يزالون يتبعون الطريق الرأسمالي". كان ذلك جوهر المسألة و هجوم اليسار- "الخمسة" ، ماو و الأربعة كمحوره السياسي- ألحق ضربة موجعة باليمين ، دافعا دوما إلى مواجهات مفتوحة بين القيادتين صلب الحزب بما فى ذلك إضرابات و إعتصامات و إسقاط الوزراء رغم أنّ التحريفيين بقدر ما كان بإمكانهم حاولوا صدّ الحملة و تطوّر الحركة الجماهيرية.(46)
14- موت ماو و الإنقلاب الرأسمالي:
فى التاسع من سبتمبر 1976 توفي ماو تسى تونغ. شأنها شأن الجماهير فى الصين عديد الملايين فى الكثير من بلدان العالم فجعت جراء هذه الخسارة التى لا حدود لها و إبتهج التحريفيون و إستعدّوا لإفتكاك السلطة. و الخليفة "الرسمي" هواو كوفنغ على رأسهم و بالإعتماد على أجزاء من السلطة إفتكّوها بعدُ بما فى ذلك داخل القوى المسلّحة ، تمكّنوا من القيام بإنقلاب عسكري فى غضون شهر من وفاة ماو تسى تونغ و غعتقلوا الأربعة و أقرب مسانديهم. آل حكم البروليتاريا إلى نهاية مفاجأة و عنيفة فى الصين معيدا للأذهان التحذير الذى صاغه ماو تسى تونغ فى 1966 فى رسالته لتشانغ تشنغ حول إمكانية إستعمال اليمين لكلماته للقيام بإنقلاب معاد للشيوعية فى الصين بعد وفاته لكن أيضا مؤكدا لها أنّهم لن يعرفوا السلم.
و بالفعل عرف العديد أنّها نهاية الثورة و رؤوا بصفة صحيحة عبر سدّ الدعاية السياسية و لهذا السبب جرى تقديم الإنقلاب مع ومضات و جرعات ضخمة من البنادق كما لو أنّه يسجّل نقطة هامّة أخرى لفائدة ماو. لقد أعلنت وسائل الإعلام أنّ الأربعة يمثّلون " اليمين التحريفي الفعلي" و أنّهم و خاصة تشانغ تشنغ كانوا مرتدّين أتباع الكومنتنغ و انّ هؤلاء الربعة – تشانغ تشنغ ،وتشلنغ تشن-تشياو، و ياووان-يوان ووانغ هونغ –وان- مع مجموعة كبيرة من رفاقهم كانوا الأعداء الأصليين لماو تسى تونغ ؛ و قد صوّر أنّ ماو لو كان حيّا لساند هذه الإطاحة ب" الثورة المضادة" . فبيّن هذا المستوى المتدنّى من القدح مدى مأزق القائمين بالإنقلاب و لحاجتهم اليائسة لتعزيز السلطة أضافوا إلى ذلك حتى قدح أدنى مستوى هو حملة ذات قناة بالوعة وسطحية مليئة بأبشع القذف الشخصي يمكنهم التفكير فيه و حوادث غير ذات أهمّية بالغوا فيها إلى حدود الهذيان.
ساعين فى نفس الوقت إلى تضييق سلاسل العادات مع طاحونة الأكاذيب التى لفقوها ، إختار هؤلاء الكنفشيوسيين المعاصرين أن يجعلوا ضحية و بأكثر وحشية المرأة ، تشانغ تشنغ. بإعتبارها زوجة الرئيس ،كان من المفروض أيضا أن تكابد و أن تتحمّل المسؤولية عن كلّ "الأشرار" التى عرفتها الصين أبدأ، القديمة منها و المعاصرة لكن و بالخصوص خلال الثورة الثقافية .بالنسبة لأتباع الطريق الرأسمالي هؤلاء أسوأ هذه "الأشرار" كان طبعا تحمّل 30 سنة تقريبا من قيادة ماو للجماهير لتثوير المجتمع الذى منه يريدون أن يصبحوا أغنياء و بإرتباط بذلك إخفاقهم فى الإطاحة بماو و رفاقه الثوريين من مركز السلطة قبل ذلك بكثير.
و مع ذلك ، قاوم الناس . بطرق عديدة . و تهمة من أهمّ التهم أثناء " المحاكمة " التاريخية لسنة 1980-1981 كانت تهمة إعداد إنتفاضة مسلّحة فى شنغاي ضد الإنقلاب. كان لتشانغ تشن-تشاو و آخرين عدّة مناصرين سياسيين فى تلك المدينة نشؤوا خلال الصراع الحاد و التغيّرات الهامة للثورة الثقافية. وقد كانت شنغاي مشهورة بعاصفة جتنفى حين إسترجع ملايين العمّال و إنضمّ إليهم الفلاحون و الطلبة ، السلطة من أيدى لجنة الحزب البلدية المقادة من قبل التحريفية سنة 1967. وفى أوت 1976 بتصاعد إنتظار حسم داخل الحزب وُزّعت الأسلحة و الذخيرة على ميليشيا شنغاي التى تعدّ المليون شخص و التى أُنشأت من قبل اللجنة الثورية لبلدية شنغاي قبل عدّة سنوات.
إثر تسرّب أخبار إعتقال الأربعة وُضعت مخطّطات دقيقة لإيقاف نشاط الموانى و المطارات و إغلاق الصحافة و الراديو و دفع إيقافات للعمل و مظاهرات و تحريك رجال و نساء المليشيا معَا مع قيادة حامية شنغاي. قائد شيوعي قديم زهو وونغ-جيا رفيق قريب من تشانغ تشن-شياو و رئيس مجموعة الكتابة للجنة الحزب بشنغاي جمّع الثوريون لتحضير التحرّك مناشدا إيّاهم أن "يقيموا كمونة باريس. إّا لم نستطع الإبقاء على القتال لأسبوع ،فإنّ خمسة أو ثلاث أيام ستكفى لتجعل العالم يعلم ما يحصل..." بكلمات أخرى ستكون هذه الإنتفاضة بمثابة بيان أن إنقلابا تحريفيا حصل بالصين و انّه تقع مقاومته بنشاط من قبل الثوريين. أغلب التقارير ترتكز على صحف هونكونغ و حتى على وصف فى الصحافة التحريفية ذاتها لذلك ،فإنّ جزئيات المخطّط كانت محدودة.
و وقع إرجاء الإنتفاضة حين تمّت دعوة القادة عمدا إلى بيكين و يبدو أنّ الثوريين فقدوا المبادرة فى تطبيق الإنتفاضة التى خطّطوا لها بإعتبار انّ من قاموا بالإنقلاب إندفعوا إلى المدينة للحيلولة دون ذلك. و رغم ذلك نُقل أنّه وجد قتال مسلّح فى بعض وحدات المليشيا فى 13 أكتوبر و لآلاف الناس كانوا يتجمعون كلّ يوم فى مراكز القيادة الحيوية لرؤية ما هي التحركات التى سيتخذها القادة. أشار زهو بصفة صحيحة إلى الحاجة الماسة إلى "تحرّك سريع و حيوي جالبا مساندة كبيرة" ليس فحسب بشنغاي بل عبر البلاد بأسرها(47). لعدّة اسباب أخفقت القيادة فى التحرّك فى الوقت المناسب . وهذا يؤكّد حتى أكثر أهمّية الموقف الحيوي و الصارم لتشانغ تشنغ و تشانغ تشن-تشياو و أهمّية فقدانهما.
و رغم الضباب الذى أطلقه هواو حول أنّه يعمل بإسم ماو ، فإنّ فى شوارع الصين فى أوساط العديد من الجماهير وُجدت تحيّة ذات خمسة أصابع وراء ظهر الرسميين وهو أمر لا يستدعى تفسيرا : ماو والأربعة هم الثوريون الذين وقعت الإطاحة بهم. قال ملاحظ أجنبي فى شنغاي خلال الإنقلاب إنّ النقاشات و التحركات كانت مراقبة عن كثب و إنّ التوتّر كان على أشدّه فى صفوف الشعب . ووقع تقطيع ملصقات رسمية للجنة المركزية مهاجمة الأربعة ، من على جدران محطّة قطار نانجينغ(48). دون شكّ لم تظهر بعدُ إلى الضوء الكثير من الحكايات الأخرى بما أنّ المعادين للثورة ضربوا بسرعة و بعنف معتقلين و ساجنين المتعاطفين المعروفين مع اليسار و قتلوا العديد منهم.
لقد مثّل الإنقلاب فى الصين صفعة لشعوب العالم و للبروليتاريا العالمية ككلّ . فقد كانت الصين الثورية منارة لمئات الملايين من الناس الذين يتطلّعون إلى التحرّر. طوال عشر سنوات مثيرة ،حالت الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى بقيادة ماو و القادة الثوريين داخل الحزب دون قَلب السلطة البروليتارية و إعادة تركيز الرأسمالية بدفع النشاط الواعى للجماهير. طوال عشر سنوات ، أقيمت خطوات جبّارة من قبل من كانوا قبلا منسيين و مضطهَدين تاريخيا مفرزة أرضية إشتراكية جديدة للبروليتاريا العالمية. و خلال كلّ هذا تطوّر العلم الثوري إلى مستوى جديد نوعيا و صار معروفا بالماركسية –اللينينية- فكر ماو تسى تونغ.و برزت إلى الوجود منظّمات و أحزاب جيدية مرتكزة على هذه الإيديولوجيا عبر العالم بأسره.
رؤية أعظم تحوّل راديكالي و ابعده مدى فى المجتمع فى ظلّ حكم البروليتاريا يُنتزع من طرف حفنة من البرجوازيين الرجعيين داخل الحزب الشيوعي مستولين على السلطة من أجل أهدافهم الذاتية الضيّقة للتحصّل على ثروة ،كان أمرا لا يطاق. وفى الوقت ذاته، فى عمق الثورة الإشتراكية ذاتها و إتساعها ركّز ماو أسس الماركسية-اللينينية كي يمسكوا بالأسلحة التى وسّعها و شحذها بغية فهم كلّ من طبيعة الإنقلاب و كيفية مواصلة السير فى الطريق إلى الأمام. لم تكن هذه مهمّة سهلة- كانت تتطلّب صراعا حادّا حول خلاصة طبيعة المجتمع الإشتراكي و مساهمات ما وفى علم الثورة و ايضا فى أحداث الصين ذاتها. بعدُ ، متحمسين إلى حدّ كبير بفضل موقف تشانغ تشنغ و تشانغ تشن-شاو الجريئ لم ترفض عديد الأحزاب و المنظّمات الماركسية-اللينينية التخلّى عن مسار الثورة أمام خيانة التحريفيين الصينيين و الهجوم الإيديولوجي المترافق معها المعدي للشيوعية من قبل البرجوازية العالمية فحسب و إنّما نجحت فى تحقيق خطوات نوعية نحو الأمام فى تحويل الأزمة داخل الحركة الشيوعية العالمية و تشييد مركز عالمي جنيني قائم على هذا الفهم و ممثّل اليوم فى الحركة الأممية الثورية.
عقب إيقاف القيادة الثورية ، قام النظام بموجات من حملات التطهير فى الحزب و فى 1977 بدأت سلسلة الإعدامات. وبعد سنتين من الإنقلاب جرى حلّ اللجان الثورية و صارت إمتحانات الدخول و الإمتياز ( لفائدة أوّلا أبناء موظّفى الحزب) مقياسا للحصول على تعليم أعلى. ووقعت مراجعة الأفلام و الأعمال الأخرى المنتجة فى ظلّ قيادة تشانغ تشنغ أو دمّرت تماما.و أعاد التحريفيون النسخة ما قبل الثورة الثقافية من باليه "الفتاة ذات الشعر البيض" مثلا مبرزين الحبّ كمحور رئيسي. و عادت عادة وأد البنات المولودات بما أنّ الرأسمالية وضعت مكافأة على المواليد الذكور. و مثلما كانت تنتظر النسور الجشعة الغربية مثل كوكاكولا و ميتسوبيشى للإنقضاض وتركيز أسواق جديدة بالصين ، بدا الإنتاج يتوجّه إلى حاجيات الإمبريالية و يُرفّع عبر العلاوات و أكبر فروقات فى الأجور. بإختصار أعيد تركيز الرأسمالية بصفة ثأرية. و تمّ كلّ هذا فى إطار قمع ثقيل متبعين الخطّ الرسمي و إيقاف الصراع السياسي الذى قاد و شجّع البناء الإشتراكي لأزيد من عشرين سنة.
15- المحاكمة الأشهر فى القرن العشرين: " أنا مسرورة لأنّنى أدفع دين الرئيس ماو!":
طوال أربع سنوات ، ظلّت تشانغ تشنغ و رفيقها تشانغ تشن-تشياو دون تهم رسمية. جاء فى صحف هونكونغ أنّ هواو حاول لمدّة سنتين أن يجعلها تتراجع فسخرت منه تشانغ تشنغ قائلة :" أتحدّاك أن تطلق سراحي!".فى 1978 وقع تعويض هواو بالوجه الحقيقي الماسك بالخيوط ، دنك سياوبينغ . وكإنتقام خاص وضع دنك التحريفي الكبير بنغ تشن ( من لجنة بلدية بيكين القديمة الذى وقعت الإطاحة به خلال الثورة الثقافية ) مسؤولا عن إستجوابها قبل محاكمة 1980. من مواقفها أثناء المحاكمة أنّها[تشانغ تشنغ] قالت إنّها بينما كانت تعدّ نفسها جسديا للمحاكمة كي تقوم بأفضل ما تقدر عليه للدفاع عن الثورة الثقافية ، " كلّ يوم من صياح الديك أسحب سيفى" مشيرة إلى إعداد للذات من أجل المعركة.
كان أوّل تكتيك للتحريفيين هو تحويل الحكم على لين بياو ووسمه باليساري المتطرّف و محاولة محاكمة العشرة ك "عصابة". لقد دسّوا معهم بعض الجنرالات العسكريين القدامى الذين تآمروا كجزء من اليمين ضد ما وفى بداية السبعينات و ذلك فقط من أجل خلط الخطوط السياسية حتّى أكثر. و نُقل أنّ سلسلة التهم قبل المحاكمة وقع تغييرها لثلاث مرّات لأنّ الإنفجارات غير المتوقّعة لتشانغ تشنغ تجعل غير "لائق" المشهد أمام الملأ. عندما سئلت إن كانت تريد محاميا ، فضح جوابها بحدّة المحكمة الكنغرية.: فقط إذا إتخذ المؤمرين التاسع و العاشر كأساس سياسي للدّفاع عنّى! عند رفض الطلب...أعلنت تشانغ تشنغ أنّها ستدافع عن نفسها بنفسها.
صاغت موقفا فى 181 صفحة ناقدة تهمهم بصفة لاذعة: إذا كان اليسار "يكيد" للقادة القدماء، ما الذى تقومون به أنتم الآن؟ ما الخاطئ فى أن تطيح الثورة الثقافية بالقادة المتبعين للطريق الرأسمالي لليوتشاوتشى و من معه وأن تعيد الطبيعة الحقيقية للحزب؟ و إنتقلت مباشرة إلى جوهر الموضوع : " لن أعترف بأيّة جريمة ليس لأنّنى أريد أن أنقطع عن الشعب بل لأنّنى بريئة. إن كان عليّ أن أعترف بشيئ فيمكننى أن أقول فقط إنّنىخسرت فى هذا الصراع من أجل السلطة.
بأيديكم الآن السلطة لذا بإمكانكم إتهام الناس بالجرائم و إختراع دلائل غير صحيحة تسندون بها تهمكم. لكن تعتقدون بأنّه بمقدوركم مغالطة الشعب فى الصين و فى العالم ،إنكم مخطئون تماما. لست بل هي عصابتكم الصغيرة التى تقف أمام محكمة التاريخ".
هذا بالضبط ما قالته إبّان المحاكمة ذاتها التى إنطلقت فى العشرين نوفمبر 1980 و تواصلت إلى جانفي 1981. وخلافا لوانغ هونغ- وان و وياوووان-يوان الذين إستسلما قبل المحاكمة معترفين بكلّ إتهام وجّه لهما و قد أملا فى تخفيف للحكم ، فإنّ تشانغ تشن-تشياو ظلّ صامتا بتحدّى ( بإستثناء حين رفض التهم الموجّهة له) رافضا الإعتراف بالمحكمة المتكوّنة من 35 قاض و سخريتهم و المشاهدين المختارين و المشهد المعروض تلفزيا. لم تظهر تشانغ تشنغ سوى الإحتقار تجاه من سيصبحون جلاديها وحوّلت نار الإستجواب نحوهم :" غالبية أعضاء المحكمة الحالية بما فيهم رئيسكم جيانغ هوا تسابقوا فى تلك الأيّام لنقد ليوتشاوتشى . إن كنت أنا مذنبة فماذا عنكم أنتم؟"
و صوّرت بوضوح العلاقة بين نشاطاتها و خطّ ماو الثوري مرّة أخرى مُسكتة قُضاتها الذين بالطبع لم يستطيعوا ان يبيّنوا العكس و إضطرّوا إلى أن يقولوا لها " إغلقى فمك" مرّة فمرّة. "بما أنّكم لن تدعونى أتكلّم" كانت تشانغ تردّ " لماذا لا تصنعوا صنم بوذا فى مقعدى و تحاكمونه عوضا عنّى. لقد كنت زوجة الرئيس ماو لثمانية عشر سنة .ز. لقد إتبعت خطّ ماو و خطّ الحزب. ما تقومون به الآن هو مطالبة أرملة بأن تدفع دَينَ زوجها. حسنا سوف أقول لكم ، أنا مسرورة بأن أدفع دين الرئيس ماو!" و فى لحظة مثيرة ،أعادت مقولة شهيرة لماو أنّ الثوريين الحقيقيين لا يهابون جهنّم و لا القانون. لم تستطع السلط مواصلة الجلسة. و بينما كانت تُسحب خارج القاعة ،صاحت " من حقّنا القيام بالثورة! ليسقط التحريفيون بقيادة دنك سياو بينغ! أنا مستعدّة للموت!" وقد ذهلوا أجّل التحريفيون مكيدتهم لبضعة أيّام ليقرّروا ما الذى سيفعلون.
لقد ألهمت حركات تشانغ تشنغ أناسا عبر الصين و فى كافة أنحاء العالم و إعترف بذلك حتى الرجعيون هناك.و عبر العالم نظّمت مظاهرات و تجمعات مساندة لتشانغ و رفاقها . من سيريلنكا حيث هُوجمت سفارة الصين إلى الولايات المتحدة ، إلى باريس و لندن و أمضيت عريضة من قبل ألفا شخص ل "إنقاذ حياة تشانغ تشنغ" نُشرت فى اليومية الفرنسية " لومند". و تحققت قفزة جديدة فى صفوف الحركة الشيوعية العالمية خلال الندوة العالمية الأولى للأحزاب و المنظّمات الماركسية-اللينينية التى شرعت فى سيرورة تجميع الماويين عبر العالم مساعدة على وضع أسس الحركة الأممية الثورية فى 1984.
لقد تملّك العذاب النظام الصيني (المكتب السياسي لدنك سياو بينغ) عذابا شديدا لمدّة شهر تقريبا قبل إعلان حكم الموت ضد تشانغ تشنغ و تشانغ تشن-تشياو . و قد كان التحريفيون غير متأكّدين من ما سيضرّ بهم أكثر – إعدام هذين الثوريين أو الإبقاء على حياتهما كسجينين سياسيين رئيسيين. وقدّما لهما سنتين "ليعلنوا التوبة" . حين سمعت كلمة "موت" ، صاحت فيهم تشانغ تشنغ " القيام بالثورة ليس جريمة!".
وُضعت تشانغ تشنغ فى سجن كونغ تشنغ القديم لمئات السنوات و قضّت العديد من سنواتها ال15 هناك فى عزلة. و عندما رفضت التعاون مع السلط حرمت من الغذاء و من ممارسة الرياضة أو كانت تتعرّض للضرب على أيدى سجاّنيها. غالبية الوقت لم يكن لها حقّ الكلام إلاّ خلال إستنطاق. و الإنسان الوحيد الذى كان مسموح لها برؤيته هو إبنتها لى نا.
فى السجن ، كانت تشانغ تشنغ تخيط عرائسا و تكتب إسمها عليها جاعلة إيّاها "غير ممكنة " البيع و رفضت القيام بالنقد الذاتي الشهري المطلوب من السجناء السياسيين . فى مقال ب"النيويورك تايمز" سنة 1983 ،نقل أنّها تحدّت سجّانيها " أن يقطعوا راسها" فى شعارات كتبتها بالحفر على جدران سجنها. لقد طلبت أن تقابل دنك سياو بينغ الذى رفض و كتبت على أوراق مواقفا سياسية تفضح النظام التحريفي. و نُقل أيضا أنّها طلبت أن تعرض وجهات نظرها فى نقاش مفتوح فى المؤتمر الثاني عشر فى صائفة 1982. و فى 1983 ،تغيّر حكم تشانغ تشنغ إلى السجن مدى الحياة. و ثمّة تقارير عن مناشير ظهرت فى شوارع بيكين و شانتونغ مساندة للثورة الثقافية و فاضحة أتباع الطريق الرأسمالي فى السلطة يُقال إنّها هي التى كتبتها و هرّبتها إلى خارج السجن.
فى ما يتعلّق بالخارج ، فقد نشرت رسالة سرّيا فى الصين و بُعثت إلى الماركسيين –اللينينيين خارج الصين فى أواخر 1980. حيّت الرسالة موقف تشانغ تشنغ و تشانغ تشن-تشياو كما تعرّضت إلى بعض المشاكل فى الخطّ السياسي الذى حال دون الثوريين و التحرّك بحيوية فى اللحظة الحاسمة للقيام بالإنتفاضة المسلّحة إثر إنقلاب 1976. و دعت الشعب ليقيّم اربع سنوات من دكتاتورية البرجوازية الجديدة التى عاشها و تتعهّد بإعادة السلطة إلى البروليتاريا. و لاحقا ، أكّدت مصادر يابانية إنتشار الرسالة على نطاق واسع و جريئ فى الصين مع بعض التحريض المفتوح فى الشوارع.(49)
16- زوجة ماو و رفيقة دربه طوال 38 سنة:
ذو دلالة أن ماو أكّد أنّه قام بشيئين إثنين قبل وفاته فى 9 سبتمبر 1976. إلتقى بالمكتب السياسي و فى جويلية كتب رسالة إلى تشانغ تشنغ. وبّخ اليمين خلال الإجتماع لأنّه كان يتمنّى موته السريع كي يستطيع مواصلة مؤامراته و فى نفس الوقت ، حذّر من أنّه يتعيّن النضال ضد كلّ من الولايات المتحدة و الإتحاد السوفياتي. و الأسطر التى خطّها لتشانغ تشنغ تضمنت تحدّيا مع نقد ذاتي حاد مطالبا إيّاها أن تمسك بصلابة بعصى القيادة ."كنت على خطئ. اليوم ننقسم إلى عالمين. هل يمكن لكلّ واحد أن يبقى على سلامته. كلماتى القليلة هذه يمكن أن تكون آخر رسالة إليك. حياة الإنسان محدودة لكن لا حدّ للثورة. فى صراع العقد الماضي نحاولت أن اصل إلى قمّة الثورة لكنّى لم أنجح. لكن أنت بإمكانك بلوغ القمّة. إذا فشلتى فإنّك ستسقطين فى هاوية لا قاع لها. و جسدك سيتحطّم . هيكلك العظمي سيتكسّرتكسيرا". (50)
ضمن آخر كلماته الموجهة مباشرة للماسكين بالسلطة ضد التحريفيين الذين أرادوا ان يخلقوا صدعا بينهما ورد" ساعدوا تشانغ تشنغ على رفع الراية الحمراء".
لقد ذرّ التحريفيون الصينيون الرماد ما قدروا و إخترعوا الأكاذيب عندما إحتاجوا ذلك ساعين إلى إظهار أنّ ماو و تشانغ تشنغ كانا على إختلاف فى نهاية حياة ماو. هذأ بإمتياز يجانب الحقيقة و ببساطة طعنة خرقاء فى محاولة لإستعمال هيبة ماو العظيمة لإخفاء أعمالهم هم الفاشية فى أكتوبر 1976 الشيئ الذى إستدعى كي ينجح إحباط الجماهير الثورية و بثّ المغالطة فى صفوفها و السعي لتحييدها هي التى كانت تحبّ و تساند كلّ من ماو تسى تونغ و تشانغ تشنغ.
و لئن كان ماو من جهة أخرى قدّم توجيها للشعب وهو على فراش الموت لمساعدة تشانغ تشنغ على رفع الراية الحمراء فذلك لأنّه يعتقد أنذها أحد القلّة اليسارية فى الصفوف العليا للحزب الشيوعي الصيني القادرة على القيام بذلك!(51)
الحقيقة التامّة هي أن ماو ساند تشانغ تشنغ وهي ساندته و كانت تحت قيادته عبر كلّ الفترة التى قاما بها معا بالثورة رغم أنّ تأكيد ليس سذاجة كإدّعاء أنّ مثل هذه الوحدة القوية أتت دون أي صراع. لكنّه كان صراعا من أجل التقدّم بالموجه الثورية الهائلة التى كانا منها و حول طبيعتها التاريخية و الأهمية المزلزلة للأرض التى فهماها الإثنان بصلابة و التى تحمّلا مسؤولية كبيرة فيها لأجل دفعها إلى الأمام.
حين صوّرها أعداؤها السياسيون و النقاد العالميين على أنّها " بلا فضيلة" و متآمرة من أجل المصلحة الذاتية "لسرقة عرش ماو" كما يقولون ، فإنّ نقطتهم الأساسية هي أنتّه كان على ماو ألاّ يمسك أبدا السلطة بأيّة طريقة. لكن بالضبط وراء ذلك يوجد يوجد بالتأكيد كونه لا يجب على أية إمرأة أن تتجرأ على الوقوف مرفوعة الرأس و ان تكون طموحة- أحد أكبر التهم المسوغة عادة ضد تشانغ تشنغ – و أن تكون مقدامة على النضال من أجل السلطة السياسية الثورية! و بما أن العديد لا يمكن مغالطتهم بسهولة بمنطقهم القائل بأن الطموحات الثورية لقيادة و خدمة الشعب "قضية خاسرة" ، فإنّ هؤلاء النقاد و الأعداء السياسيين بنظرتهم الذاتية الضيقة أوّلا يحاولون التدليل على أنّ طموحها كان ببساطة "شخصيا". و من هناك فإن تعمّقا بسيطا لإجراء تحقيق فى زواجتشيانغ و ماو ... و فى هذا لهم مع الأخصائيين الإقطاعيين و البرجوازيين المنحطّين أشياء عديدة مشتركة. بأنوفهم الشوفينية كانوا ينقبون عبر المراحيض الفارغة باحثين عن غسيل وسخ بما أنّه حسب رأيهم يجب الحكم فى النهاية على جدارة المرأة على أساس علاقاتها الخاصة لا سيما مع الرجال.
أمر واحد ليس سرّا . لم تعرف تشانغ تشنغ أبدا لحظة سلام منذ أن تزوجت ماو. لكن "السلام" الشخصي لم يكن الشيئ الذى كانت تبحث عنه. لقد قاتلت بشجاعة للنهوض بدور حيوي فى المعارك التاريخية التى كانت تزلزل الصين و كان عليها أن تقاتل لتنهض بذلك الدور. دون شكّ فى الأربعينات و الخمسينات ،حالت مشاعر ماو القوية المضادة للإقطاعية و ضد عادة الأسرة ...التى تصبح مركز سلطة ، حالت دونه و تشجيعه الشخصي لتشانغ تشنغ فى صفوف الحزب.
و بينما يبدو أنّ بعض قادة الحزب الشيوعي الصيني شدّدوا على أن تبقى خارج أعين الجماهير ، فإنّ تشانغ تشنغ بتطوّرها إلى شيوعية ثورية فى يانان أحرزت على مساندة ماو لنشاطاتها و خطّها الصحيح و بعد سنوات إختار ماو بالتأكيد أن يدفع بها إلى الأمام لتمسك بمسؤوليات قيادية إعدادا لما كان سيحدث خلال أثناء الثورة الثقافية. و قام بذلك عارفا أنّها ستواجه حتى أكثر مشاكلا و ستكون عرضة للنار المباشرة كوجه جماهيري يدافع عن نظرته السياسية. و يجب أن نقول فى نفس الوقت بانّ ماو بالتأكيد إعترف بالضرورة الملحّة لدفع أكثر نساء إلى الأمام للعب أدوار قيادية و شجّع خاصّة بقوّة على ذلك صلب الحزب.
أمّا بالنسبة لتشانغ تشنغ، فإنّ حياتها كلّها كانت حياة ثورة و معارضة لعلاقات إضطهاد المرأة – ضد الإقطاعية و العادات و ضد الشوفينية و "موقع المرأة" فى المجتمع ،و ضد القداسة الكنفيشيوسية للمنزل و العادة المنافقة لتوبيخ المرأة بسبب اخطاء زوجها. بإعتبارها زوجة الرئيس ، فإنّ ذلك كان يعنى تحمّلا لامتناهيا لمروّجى الإشاعات الصغار و للقيل و القال و كذلك للهجمات الفاسدة للأعداء السياسيين الذين لم يكونوا ليتجرّؤوا على مهاجمتها مباشرة.
كان لهذا أيضا تاثيراته على حياتهم الشخصية. ففى مناسبة تعود إلى الخمسينات على ما يبدو إستغلّ هؤلاء الأعداء السياسيين ذاتهم غياب تشانغ تشنغ إبّان معالجتها للسرطان ليأخذوا منها أحد ابناء ماو من الزواج السابق و الذى ربّته هي مثل إبنها و نشأ متعلّقا بها.
أثناء حياتها السياسية ،كانت تشانغ تشنغ بفعالية و بصفة مستمرّة تشجّع النساء على التقدّم و ناضلت مع آخرين من أجل ذلك. فى الحقل الفنّي ناضلت ضد هيمنة الرجل على المسرح – ليس فقط الكتاب المسرحيين ، المخرجين و المموسيقيينبل على الركح ذاته كان كافة الممثّلين من الرجال- لتدفع إلى الأمام بالنساء كفنّانات بروليتاريات و كتبت و راجعت بطلات ثورية فى السيناريوهات الجديدة . و محور أساسي فى عدد من الأعمال النماذج التى قادتها هو المرأة التى تطيح بالعبودية الخانقة للأيام القديمة مكرّسة نداء الحزب و القيام بالثورة . و من أوّل ما ألغت التقليد الإقطاعي المحطّ للممثّلين الرجال لاعبين دور النساء. و فى صراعات الحياة الحقيقية للثورة الثقافية أعارت دوما إهتماما بالدور الذى كانت تنهض به النساء و حثّت المتقدّمات منهنّ على تحمّل المزيد من المسؤوليات.
و ناضلت تشانغ تشنغ أيضا بصعوبة على هذه الجبهة صلب قيادة الحزب. و لأنّ الحزب الشيوعي الصيني إفراز للمجتمع الصيني – بارزا عامة كقوّة معارضة لطابعه الإضطهادي-و رغم أنّه نوعيا مختلف و يمثّل مستقبل التحرّر الشامل ، فإنّه لم يكن حرّا كلّيا من هذا المصنع افجتماعي العام شبه افقطاعي و المستعمر و الوازن بثقله بمفاهيمه المتخلّفة بشأن النساء و الأسرة و العلاقات بين الرجال و النساء . كانت تلك عادات و أفكار ناضل الحزب ككلّ ضدّها و بيّن القطيعة لا سيما فى البداية بالتشجيع النشيط للنساء فى حرب التحرير ( 52) و ثمّ بعد التحرير بالعمل على قدم المساواة مع الرجل جالبا النساء إلى الحزب و قائما بالتربية السياسية لتطوير النساء الكوادر و القياديات. و جرى النضال مع الرجال إيديولوجيا كي يقاسموهن مسؤوليات العناية بشؤون المنزل. و أنشأت تسهيلات مراكز الأكل و بيوت الحضانة و رياض الأطفال مثلا لتحرير المرأة من عمل العناية بالمنزل الخانق كجزء من القفزة الكبرى إلى الأمام و حركة تركيز الكمونات.
السياسات الإشتراكية الرسمية جدّ هامة فى تركيز توجهات عامة لكن فى النهاية ، مدى سرعة و صرامة إمكانية تقليص التفاوتات بين الرجال و النساء فى سيرورة بناء الإشتراكية مرتبط بالتحويل الثوري لنظرة الشعب و تقدّم النساء ذاتهنّ نحو الثورة ضد الأيام الغابرة و النضال لبثّ الحياة فى أشكال جديدة و أرقى فى "رفع نصف السماء" الذى يمسى لأوّل مرّة فى التاريخ ممكنا بفضل السلطة البروليتارية.
و فى نفس الوقت ، كانت مسألة تطوّر النساء كقياديات فى الصين وثيقة الإرتباط بصراع الخطين ذاته صلب الحزب. لم يعارض أبدا التحريفيون ( ورجال الدولة البرجوازيين أمثال تاتشر أو آكينو ) النساء القياديات اللاتى كانت تدعو إلى العبودية حتى و إن كانت من النوع المعاصر و كانت تتبع الطريق الرأسمالي مثل زوجة ليوتشاوتشى ،وانغ غوانغ-ميى. إلاّ أن النساء القياديات اللاتى كانت تستنهض الجماهير للتحرير الشامل و ليس فحسب من أجل مساواة برجوازة سطحية لأقلية ، تعتبر أمرا مغايرا تماما وهذا لم يكن إلاّ جزءا ممّا قاومته تشانغ تشنغ و مصدره القادة اليمينيون القدماء.
مثّلت تشانغ تشنغ نموذجا قويّا بهذا الصدد . كقائدة شيوعية ناضلت من أجل قضيّة التحرير الكامل إلى وفاتها و بهذا فحسب دفعت الكثير من النساء (و الرجال) للنهوض و ليس فى الصين فقط. غير أنّه يتعيّن على أي إنسان أن يعتبر أنّ ذلك كان يسيرا لكونها إمرأة أو لكونها زوجة ماو تسى تونغ.

17- قُتلت حتى يثبت العكس :
فارقتنا تشانغ تشنغ بعد 15 سنة من تحمّل زنزانات النظام الصيني. علاوة على النتانة الكريهة الناجمة عن الذين فى المناصب العليا فى بيكين الذين أبقوا على إعلان وفاتها إلى ذكرى مجزرة تيان آن ما نفى 1989، بعد ثلاث أسابيع هو وصف جدّ باعث على الشكّ لذلك فى رواية "الإنتحار". مرّة أخرى ، بالإعتماد على تفاهة الكنفيشيوسية لمحاولة تمرير هذه "العادة" القديمة للعالم عوض عملية تحدّى نهائية للسلطة ، فإنّ النظام حاول أن يغسل يديه من القضية بأسرها.
من غير الضروري القول إنّ أيديهم الملطّخة بالدماء تظهر أبدا أكثر دموية و حتى يّثبت العكس فإنّ كلّ الأمور تشير إليهم كصانعى موت تشانغ تشنغ. إنّها لم تتراجع قطّ أمام الظروف الصعبة أو الهجمات الشخصية و عادة ما ناضلت لجرّ الفئران المماثلة لأولئك الذين يحكمون الصين اليوم إلى ضوء النهار و لتضع من جديد قضية إفتكاك السلطة على الطاولة. تقارير عن آخر "وصية" لتشانغ تشنغ التى حاول النظام على ما يبدو أن ينكرها تؤكّد أن تلك كانت إحدى التقاط المفاتيح. وصية أخرى، يقال، كانت تفضحهم لإرتكابهم مجزرة تيان آن مان و تتنبّؤ بأنّ حكمهم ستكون حياته قصيرة.
إدّعاء أنها إنتحرت يعارضه أيضا طلبة و " متابعون لأوضاع الصين" آخرون حسب تقارير نُشرت فى عديد صحف هونكونغ. أوّلا، لأنّ إبنتها لى نا زارتها أسبوعا قبل موتها و قالت إنّها فىصحّة جيّدة و حالة أفضل نفسيا من قبل جزئيا لأنّه وقع تحويلها إلى حجرة أوسع داخل السجن. ثانيا ، تحويل تشانغ تشنغ ذاته تبعته ملاحظة عن بعد و قد أعلنت أنّها ستكتب سيرة حياتها ، حسب هذه المصادر، و كانت غاضبة للغاية لأنّ السلط إفتكّت منها المذكّرات التى كتبتها. هؤلاء الرواة أشاروا أيضا إلى قصيدة كتبها أحد سجّانيها لها الشيئ الذى أثارها و جعلها تعمل معه إلى أن إكتُشف الأمر و طردوه مرجعينه إلى القرية مسقط رأسه.
حتىّ فى موتها تشكّل مشكلا كبيرا لحكّام الصين. و لاحظت مجلّة من هون كونغ ظهور 16 لافتة مختلفة إحتجاجية عبر بيكين كلّها و أيضا شعارا كتب على البوّابة الخارجية لمدرسة إبتدائية يُقرأ عليها " ليحي إنتصار الخطّ الثوري للرئيس ماو! ليسقط المدعوّ حزب شيوعي لدنك سياوبينغ!" و فى أحد جوانب نزل نٌقل أنّه وُجدت ضورة لتشانغ تشنغ فى زيّها العسكري كلمات " الرئيس ماو ، سنتذكّرك على الدوام" و تشكّلت ما يشبه فرق مقاومة الحرائق تفسخ الشرارات هنا و هناك و منعت حينها شرطة دنك سياو بينغ بيع أي كتاب أو مكادّة عن تشانغ تنغ أو حتى الصور القديمة و نظّمت حملات إفتكاك أي من تلك الأشياء. و منعت التلفزة و الراديو من تقديم أي مقاطع من الأوبيرات و الباليات الثورية.
18- لنتجرّأ على أن نكون مثل تشانغ تشنغ :
خسارة تشانغ تشنغ خسارة مؤقتة :إنها لم تتخل أبدا عن الماركسية-اللينينية –فكر ماو تسى تونغ و بالفعل كرّست حياتها وحماسها من أجل تعزيزها ، إنها وقفت بثقة و دون أية شبهات إلى جانب ماو و إلى جانب الثورة. كانت قائدة مثّلت البروليتاريا العالمية فى السلطة و قدّمت إلهاما و شجاعة عظيمين للشيوعيين و الثوريين عبر العالم و قد رفضت كذلك التخلّى عن الثورة حين كانت الصين الثورية تخنقها البرجوازية الجديدة داخل الحزب الشيوعي. بهذا المعنى موقفها و موقف تشانغ تشن-تشياو عكسا حقيقة أنّ الثورة الثقافية و تجربة الصين ككلّ دفعتا الثورة البروليتارية العالمية إلى حلقة أرقى من لولب تطوّرها. كم يختلف هذا عن 1956 عندما مات ستالين و لم يتقدّم أي من أعضاء قيادييم بالحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي إلى الأمام للدفاع عن الراية الحمراء و لرفعها عاليا بعيدا عن قذارة و مستنقع إفتكاك التحريفيين السوفيات للسلطة! و كم كان ماو ثاقب النظر عندما شجّعها مرّة أخرى قبل أشهر فقط من وفاته ، على النضال لتنهض بالثورة على جميع الأصعدة عالما أنّه بقدر علوّ الرهانات بقدر ما تكون المخاطركبيرة.
بالمرّة لا ينبغى إعتبار الدور الذى إختارت تشانغ تشنغ الإضطلاع به مجانيّا. إنّ الحقبة التاريخية التى كانت هي جزءا منها رفعت موضوعيا الثورة على أعلى – إلى أعلى قمّة بلغتها البروليتاريا العالمية إلى حدّ اليوم. لكن فى نفس الوقت ، يمكن أن يكون الأشخاص حيويين فى تعميق أو عرقلة هذه القضية ( أو أن لا تكون لهم ببساطة أيّة علاقة). أفرزت هذه الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى تشانغ تشنغ وهذه الأخيرة لم تتذبذب و ألهمت صرامتها و عزمها و شجّعا الملايين عبر العالم الذين شهدوا و قيّموا إنهيار التحريفية. لقد سخرت تشانغ تشنغ من سجّانيها و قضاتها و المعادين للثورة الحاكمين بالصين و ملأتهم حتى بالرعب بحيوتها و موقفها. لقد رمت بالقنبلة السياسية من جديد فى وجوههم مستغلّة الفرصة لا "لتنمظيف إسمها" بل لتفضح حتى أكثر طبيعة هؤلاء التحريفيين . لقد صارت إمرأة جدّ خطيرة – بالنسبة لهم و بالنسبة للبرجوازية عامة. و قد شاهد العالم قاطبة إعترافا شيوعيا غير آسف بفقط "جريمة" إتباع ماو تسى تونغ فى القيام بالثورة. تعكس حياتها ثقة إستراتيجية فى الجماهير و فى العدالة النهائية و غنتصار القضية الشيوعية و غحساس بعطاء تام لأجل صعود البروليتاريا إلى مسرح التاريخ و لو أنّنا فى هذه الجولة نجد أنفسنا مؤقتا مدفوعين خارج الركح .أي موقف على المرء إتخاذه و أي دور يقرّر المرء النهوض به فى وجه العوائق و حتى تراجعات كبرى يمكن أن تكون لها أبعاد نوعية. أن تكون نظرة بعيدة الأمد مشبهة للولب حول إلحاق الهزيمة بالعدوّ أو أن تكون نظرة تسوية للحصول على بعض ما يبحث عنه شخصيا، العروض فعلية لتجنّب الموت و ظروف مقرفة للسجن و ما إلى ذلك- كلّ هذا إنعكاس حيوي لموقف المرء إزاء علم و إيديولوجيا الماركسية-اللينينية-فكر ماو تسى تونغ. ولنعقد مقارنة بين موقف تشانغ تشنغ و المسؤولية تجاه جماهير العالم المضطهَدَة و الثورية و تجاه صنع التاريخ ذاته من جهة و من جهة أخرى موقف وانغ هونغ-وان و ياووان-يووان اللذان ساهما فى الثورة الثقافية لكنّهما تعثّرا و إنهارا إيديولوجيا حين وضعا أمام إمتحان هام للغاية حول موقفهما الطبقي و نيّة التضحية.
لقد نعت العدوّ تشانغ تشنغ بالطموحة للمُلُكية لأنّ تسلّطهم و حكمهم هم يزدهران بتحطيم البطولة الثورية؛ نظرتها كانت متناقضة مع نظرة سلالتهم الحاكمة البرجوازية ( و أفقطاعية) . لقد نشطت بإسم البروليتاريا العالمية و ليس من أجل مصالحها الذاتية الخاصة . بتحدّى لفظت كافة مخطّطات العدوّ بغية طعن تكبرهم و كشف خواء قضيتهم التاريخية فى وقت كانت فيه خيبة الأمل و الإحباط منتشران بصفة واسعة جراء الخسارة الكبيرة للثورة فى الصين . بثقة سُمعت وهي تلاحظ بعد المحاكمة " لقد قمت بما وددت القيام به!"
إنّ نظرة الرفيقة تشانغ تشنغ إلى مجتمع دون إنقسامات و طبقات وحشية و دون إختلافات إجتماعية. بالضبط شأنها شأن ، يكرهها بعث شبح الجماهير التى تفتكّ السلطة السياسية فى أي بلد البرد فى دم المضطهِدِين فى كلّ مكان ، يكرهونها لذلك. أمّا بالنسبة للكورال الفظّ و بالأساس المثير للهجمات ضدّها من قبل البرجوازيينو الناطقين بإسم الأكاديميات الذين تحرّكهم موضة ترجيعة هذه الأيّام عن "إنهيار" الشيوعية – ما علينا قوله هو أن الإحتقار متبادل! تلخيصنا لهذه الحقبة التاريخية التى أورثت ندوبا لدى البرجوازية الجريحة عبر العالم و فى نفس الوقت ، سمحت للبروليتاريا العالمية بالتحليق إلى إرتفاعات جديدة سيبقى معركة بين الجانبين. لكن أكثر من ذلك بإمكاننا و سنتسلّق مرتفعات حتى اعلى فى السنوات القادمة.
مثلها مثل ماو قبلها، ليست تشانغ تشنغ نموذجا بطوليّا بسيطا يمكن تخطّيه و قد مدّت لنا المشعل، نحن ورثتها . لقد ساعدتنا نحن على رفع الراية الحمراء./.
الهوامش:
1- أندري مالرو "مذكّرات مضادة" مقتطف من لقاء مع ماو تسى تونغ.
2- ركسان وتكاي " الرفيقة تشانغ تشنغ" ، 1977.
3- كان وانغ مينغ متأثّرا حينها بخطّ الكومنترن ( الأممية الثالثة) الذى كان يرتئى تطبيق النموذج السوفياتي كإسترتيجيا عسكرية عوض حرب الشعب طويلة الأمد فى الأرياف. و قاد العمليات السرّية للحزب فى شنغاي، بالأساس متبعا خطّ موسكو ، من 1931 إلى 1937
4- كان صراعا حادا قائما حول التوجه الصحيح الذى يجب تطبيقه فى حقل الفنّ و كان لو هسون أحد أهمّ المشاركين فيه.
5- عُقدت فى ماي 1942. و كانت هذه الندوة مجالا لجدال حاد.فى ختامها ، صاغ ماو الخطّ الجماهيري للحزب فى علاقة السياسة بالفنّ ، أمام ملايين الفلاحين القادمين من قرى بعيدة و قد عصّت بهم قاعة القراءة و شوارع يانان للإستماع لذلك. و قد إلتحق بها كذلك عديد المثقفين من الحقل الفنّي.
6- "مبادئ الإنضباط الثلاثة الكبرى" هي التالية : طبّقواالأوامر فىكافة أفعالكم ؛ لا تأخذوا من الجماهير و لو إبرة واحدة او خيطا واحدا؛ و سلّموا كلّ الغنائم للسلط".و "التوصيات الثمانية " هي : تحدّثوا بإحترام ، إدفعوا بلا غشّ مقابلا لكلّ ما تشترونه؛ أعيدوا كلّ ما تستعيرنه؛ إدفعوا مقابلا أو عوّضوا كلّ ما تتلفونه؛ لا تضربوا الناس و لا تشتموهم ؛ لا تتلفوا المحاصيل؛ لا تأخذوا حرّيتكم مع النساء ؛ لا تسيئوا معاملة الأسرى".
7- خاصّة تشويانغ ، من وزارة الثقافة ، كردّ فعل على فضح تشانغ تشنغ لمجموعة كتّابه الموالين للسوفيات.
8- كان الحزب يقود الإصلاح الزراعي لكنه كان يعوّل على الجماهير لتطبيق مصادرة الأرض و إعادة توزيعها. و كان يرسل مجموعات إلى شتى مناطق البلاد لتحسيس الفلاحين بهذا الهدف. و رغم أنّ المهمّة قد إضطُلع بها بعدُ فى المناطق التى عبرها جيش التحرير قبل 1949، فإنّ المناطق التى ظلّت تحت حكم الكيومنتانغ إلى التحرير كانت متخلّفة و رجعية.
و فقط أمكن تنظيمها أثناء سيرورة توعية الفلاحين و تبنّت المفاهيم الثورية.
9 –ركسان وتكاي " الرفيقة تشانغ تشنغ" 1977.
10- ماو تسىتونغ :" كونوا منتبهين لنقاش حياة يوهسون" 20 ماي 1951، كتاب "أرشيف ماو" لجيروم تشاف ،1977.
1-1- مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة، المجلّد الخامس ، صفحة 446.
12- "القفزة الكبرى إلى الأمام" حدثت فى 1958 بفعل نشاط حثيث للجماهير ، لا سيما فى الريف.حيث أمسك الفلاحون بأيديهم الأمور و شرعوا فى تطوير قطاع الصناعة الخفيفة لتقديم الدعم للفلاحة ( مطاحن حبوب صغيرة،و مصانع حديد بدائية). وسمحت هذه المبادرة بتركيز مزارع جماعية أكبر،تتزايد نسب ملكيتها العامة،و كذلك بإنشاء الكمونات الشعبية. تعرّضت سياسة ماو الهادفة إلى "تحريك الأرض و السماء لبلوغ أفضل النتائج الإقتصادية، بصفة أسرع و أفضل و على أوسع نطاق ممكن، بإتجاه بناء الإشتراكية " للنقد الشديد فى إجتماع اللجنة المركزية على أنّها تؤدّى على تخريب الإقتصاد.
و إضطرّ هذا النقد ماو إلى الإدلاء بتصريحه الشهير " كانت الإضطرابات على نطاق واسع و أنا أتحمّل مسؤولية ذلك". و كان يشير جزئيا إلى الصعوبات التى جرت مواجهتها و التجاوزات الحاصلة التى تكشّفت ثانوية جدّا مقابل التقدّم الهائل و الخطوات المقطوعة بفضل المبادرة الواعية للجماهير.
و عقب فترة وجيزة ، سحب افتحاد السوفياتي التقنيين و المستشارين السوفيات بصورة مفاجئة ممّا تسبّب فى ضرر شديد للإقتصاد الصيني . و إنضافت لهذا المشكل الخطير سلسلة من الكوارث الطبيعية و ساهمت الظاهرتان فى إحتداد صراع الخطين بشأن بناء الإشتراكية. و شرعت الصين مذّاك فصاعدا فى سلوك طريق مغاير لطريق الإتحاد السوفياتي.
13- أحد هؤلاء الكتاب ، لياو مو-شا ، بعناد معاد لماو وهو مساهم مع يو هان فى رواية " ثلاث عائلات قروية" ، تعرّف على تشانغ تشنغ فى أوساط الفنّانين و الكتّاب الراديكاليين بشغاي.
و حضر مو-شان كأحد الشهود فى محاكمة "الأربعة" ، متّهما زورا تشانغ تشنغ بأنّها كانت على علاقة حينها بالكومنتانغ. و قد أُخرجت تشانغ تشنغ من قاعة المحكمة أثناء شهادة مو –شا "الكاتب الشهير" بدعوى أنّها " ازعجت الشاهد بمقاطعته المستمرّة بإستمرار و أنّها هرسلته أثناء الثورة الثقافية.
14- ذكاء الشعب" ، 11 فيفري1966، ضمن "أرشيف ماو" جيروم تشان، 1970، صفحة 103.
15- تشانغ تشن –تشياو، " حول الدكتاتورية الشاملة على البرجوازية" منشورات باللغات الأجنبية ، بيكين ،1975.
16- تشو لان "عشر سنوات من الثورة فى أوبيرا بيكين" ، مجلّة بيكين، عدد 31، 2 أوت 1974.
17- وثائق المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي الصيني ،منشورات باللغات الأجنبية ، بيكين 1969.
18- دوان تاي، "تشانغ تشنغ" ، صحافة العروض، هكسفيل، نيويورك ،1974، و كذلك ،مجلّة بيكين ،25 أوت 1967.
19- تشانغ تنشغ ، غالبية الخطابات المذكورة أعيد نشرها ضمن إصدارين : شو-هوا-مين و أرتور ميلر، " السيدة ماو، صورة عن تشانغ تشنغ"، هون كونغ،1968 أو "وثائق الحزب الشيوعي الصيني خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى" 1966-1967.
20- المصدر السابق.
21- تاو تشو كان أحد أبرز الوجوه المهيمنة فى الحزب فى ميدان الدعاية. و كان يحاجج بأنّ على الكتّاب أن يشرحوا النواقص التى نجدها عند الجماهير فى الكمونات. فردّ عليه ياو وان-يوان على النحو التالى: " توجد أغنية عنوانها الجماهير فى الكمونات رائعة. هل من الضروري حقّا تغييرها بإضافة جملة تقول بأنّ للجماهير فى الكمونات نواقص؟".
22- دوان تاي " تشانغ تشنغ" ، صحافة العروض، هكسفيل ،نيويورك، 1974،و كذكلك مجلّة بيكين ، 25 أوت 1967.
23- منذ 1962، بينما كان اليمين يعدّالرأي العام لمواجهة قادمة ، كُلّفت تشانغ تشنغ بمهمّة إعداد وثيقة تقيم ترسى ركائز الخطّ البروليتاري فى الفنون. و عُرفت هذه الوثيقة لاحقا بمنشور 16 ماي. وفى الأصل نشرت فى جريدة الحزب "الراية الحمراء" تحت عنوان "طريق تقدّم "المثقفين".
24- 20 أفريل 1967: خطاب تشانغ تشنغ فى الإجتماع الإتتاحي للجنة الثورية لبيكين ( ترجمة صدرت بالأنجليزية) ،وكالة أنباء هسينهوا، بيكين 20-04-67.
25- 5 سبتمبر 1967، خطاب هام ألقته تشانغ تشنغ فى ندوة ممثلى أنهواي، نشر ضمن منشور اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني فى 9.09.67.
26- "ماو تسى تونغ يحلّل الثورة الثقافية" نصوص غير رسمية لمقولات لسنة 1967، نشرت كملحق ل "تاريخ الثورة الثقافية البروليتارية"الجزء الثاني ، جون دوبيه، ص 149.
27- 28 نوفمبر 1966، توجهت تشانغ تشنغ لتجمّع العاملين فى حقل الأدب و الفنّ للثورة الثقافية فى بيكين وكالة أنباء أنجليزية هسينهوا، بيكين ، 3-12-66.
28- 5 سبتمبر 1967، خطاب هام ألقته تشانغ تشنغ فى ندوة ممثّلى أنهواي، نشر ضمن منشور للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بتاريخ 9-09-67.
29- إحدى الفئات اليمينية كانت تسمّى لجنة العمل الموحّد. و كانت كتكوّنة من عديد أبناء و بنات قادة الحزب المرتبطين باليمين. خلال فترة قصيرة فى 1967، إستهدفت تشانغ تشنغ فى هجماتها.
30- أمر من اللجنة المركزية و" المجموعة المسؤولة عن الثورة الثقافية" بصدد منع مسك الأسلحة و كلّ مواد عسكرية مأتاها جيش التحرير الشعبي، 5-09-67.
31- دوان تاي، "تشانغ تشنغ" صحافة العروض،هكسفيل، نيويورك 1974،و كذلك مجلّة بيكين ،25 أوت 1967.
32- 5 سبتمبر 1967، خطاب هام ألقته تشانغ تشنغ أمام ندوة ممثلى أنهواي، نشر ضمن منشور اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بتاريخ 9-09-67.
33- لقاء مع مبعوثين عسكريين ألبانيين (ماي 1967) ، "عالم نربحه" عدد1، 1985.
34- خطاب للرفيقة تشانغ تشنغ، نشر كوثيقة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ، ضمن "تشونغ-فا-354؛ 13-11-67.
35- هان سوين "رياح فى البرج، ماو تسى تونغ و الثورة الصينية 1949-1976؛ هرتس : ترياد بنتار، 1978.
36- فى وثيقة مصدرها لقاءات لوشان فى 1970، يردّ ماو على ذلك بروح فكاهته المعهودة ،المصبوغة بالسخرية" جملة تساوى جملة. لا يوجد إلاّ موضوع حيث تكلّمت مستعملا ستّة جمل و حيث لم يساو ذلك شيئا،و لا حتى نصف جملة..." و كان يشير إلى طلب متكرّر من لين بياو بأن يعيد الحزب النظر فى موقع رئيس الدولةالذى ظلّ شاغرا بعد ليوتشاوتشى ،حتى يشغله هو ذاته. لم يرد ماو الإستجابة لهذا المطلب ( روي فى كتاب روكسان وتكاي،" الرفيقة تشانغ تشنغ")
37- روكسان وتكاي،"الرفيقة تشانغ تشنغ" ، 1977.
38- بوب آفاكيان، " هزيمة الصين و إرث ماو تسى تونغ"منشورات الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية ، شيكاغو، 1978.
39- روكسان وتكاي "الرفيقة تشانغ تشنغ"،1977.
40- إدواردا ماسى "شتاء الصين" أ-ب طوتون، نيويورك، 1982 (تحت العنوان الأصلي "بارلا الصين "1978)
41- أواسط الستينات ، كان ماو أطلق على تاتشاي لقب الفرقة النموذجية لتطوير الفلاحة لكلّ البلاد. قد نجح فلاحو هذه المنطقة فى تجاوز الآفات الطبيعية و أكثر من حاجز لبلوغ أفضل إنتاجية ، بفضل تعبئة الجماهير المحلّية ضد غيديولوجيا البرجوازية و التحريفية.
42- ريموند لوتا، "وخامسهم ماو" ، شيكاغو بانر براس، 1978، وفيه نجد إعادة نشر بعض الوثائق المفاتيح لفترة 1973-1976 التى أنتجها اليسار و اليمين ( حول تاتشاي، ص 35، تشان تشون –تشياو و الثقافة ص 36، وحول دنك و التوجيهات الثلاث" ص 274).
43- المصدر السابق.
44- تشانغ تشن-تشياو "حول الدكتاتورية الشاملة على البرجوازية " منشورات باللغات الأجنبية ، بيكين ، 1975- (الملحق عدد4).
45- عندما سئلت بهذا المضمار إبّان محتكمتها ، ردّت تشانغ تشنغ :" لم أكن مسؤولة عن قمع حادث تيان آن مان . يمكنكم اللجوء إلى شهادة وزير الأمن العام بهذا الصدد". و المقصود ليس إلاّ هواو كوفينغ ذاته.
46- أنظر الهامش عدد 40 ، المصدر نفسه.
47- صحافة العالم الجديد " محاكمة كبرى فى تاريخ الصين" بيكين 1981، تقرير التحريفيين الصينيين حول المحاكمة . وورد ضمن ما ورد الحديث عنه تهمة "التمرّد المسلّح" فى الصفحة 25، وهي من أهمّ التهم الموجّهة لتشانغ تشنغ.
48- الهامش 38 ، المصدر نفسه.
49- كافة هذه المنشورات ممضاة"اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني (الماركسي-اللينيني) " و تاريخ الطباعة هو جانفى 1981.و بعد بضعة أشهلر ، نُشر كرّاس بنفس الإمضاء ،فاضحا هذه المرّة الإجتماع السادس للجنة المركزية 11 ،فى جوان 1981. و كانوا ينادون بالإطاحة بالتحريفيين فى السلطة.
50- لقد إستعمل هذه الحملة الأخيرة فى رسالة بعث بها قبل سنوات عشر ، بينما كانت الثورة الثقافية فى أوجها|، مشيرا فى ذات الوقت إلى المخاطر الناجمة عن هذا النداء البصوت عالى لمواصلة الثورة و الحيلولة دون إعادة تركيز الرأسمالية.
51- فى تقرير غير رسمي ظهر فى جريدة هون كونغ ، نعثر على مقولة لتشانغ تشنغ ،مؤكّدة للمحكمة أن تصريح ماو بشأن هواو كوفينغ لحظة توليه المنصب " أنا مرتاح و أنت فى السلطة" محي جزئيّا . ففى البقيّة جاء "... لئن كان لديك أبسط سؤال فتوجّه به لتشانغ تشنغ".
52- باليه "الفرقة النسائية الحمراء" و فلم "جزيرة الفيالق النسائية" معتمدان كلاهما على أحداث تاريخية واقعية.
























======================================================================
الفصل الثالث
=======================================================
مشاركة النساء فى حرب الشعب فى النيبال
==================================================
--------------------------------------------------- 1----------------------------------------------------
مشاركة المرأة فى حرب الشعب فى النيبال
الرفيقة برفاتي(1999)
"كل من له أدنى إطلاع على التاريخ يعلم أن التغيرات الإجتماعية الكبرى لا يمكن أن تحدث دون مساهمة النساء " - ماركس
مقدمة :
منذ الإنطلاقة الأولى لحرب الشعب المسلحة فى النيبال فى 13 فيفيرى1996، بقيادة الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي)، إستشهد حوالي 800 شخص منهم تقريبا مائة من النساء. إلى جانب مئات الرجال ، تقاسي النساء أيضا سجنا قاسيا و العديد منهن إختطفت و مفقودات و إغتصبت،و عذبت أخريات. وإنتشرت الآن الشرارة التى إندلعت من محافظات روكوم و رولبا فى غرب النيبال إلى كافة أركان البلاد .
و اليوم حتى الحكومة ووسائل الإعلام الأجنبية مضطرة للإعتراف بهذا. غير أن ما أذهلهم هو درجة مشاركة المرأة فى حرب الشعب فى النيبال. و ينبغى فهم هذا على قاعدة أن النيبال بلدا شبه إقطاعي و شبه مستعمر له إقتصاد إقطاعي مسيطر و 88 بالمائة من عموم السكان الذين يعيشون فى المناطق الريفية و 81 بالمائة من السكان يعملون فى القطاع الفلاحي و الفلاحة تمثل 42 بالمائة من الدخل القومي الخام للبلاد . علاقة الأرض الإقطاعية يمكن معاينتها من أن 65 بالمائة من الفلاحين الفقراء يملكون 10 بالمائة و حسب من الأرض بينما 10 بالمائة من الفلاحين الأغنياء و الملاكين العقاريين يملكون 65 بالمائة من الأرض. و هذا يعززه الميز الجندرى فى علاقات الإنتاج بين الرجال و النساء ذلك أن النساء محرومات من إرث ملكية أهلهم .
مصادر إضطهاد النساء :
1- الإضطهاد الإقتصادي للنساء:
إن الإضطهاد الإقتصادي للنساء متجذر بعمق فى أسلوب الإنتاج الإقطاعي و شبه الإقطاعي الحالي الذى يهيمن عليه الإنتاج الفلاحي الصغير. و بما أن الأرض الحالية التى هي بطبيعتها البطريركية المتسلسلة أهم مصادر تناقضات النساء. و الإغتراب صلب علاقات الإنتاج الحالية يتمثل فى أنه رغم تحمل أعمال مفروضة مزدوجة على مستوى البيت و المزرعة ، فإن النساء قانونيا ليس بمقدورهن إمتلاكها على قدم المساواة مع نظراءهن الرجال. و كذلك لا يمكنهن وراثة حق إيجار الأرض على قدم المساواة مع الرجال و بالنتيجة لا يملكن حق المعاملات البنكية و من هنا مزيد تحديد قدراتهن على تحسين وضعهن الإقتصادي مما يضعهن إستراتيجيا فى موقع معاكس مقارنة بالرجال. فى قمة هذا ، نجد علاقات بقايا القرون الوسطى مثل القنانة فى منطقة تيراي و عبودية الدين فى تاراي و المنطقة الجبلية التى تجعل النساء فى موقف المعوز بما أنه عليهن عادة أن يقدمن الجنس "طوعا "و خدمات البيت للملاك العقاريين ، إضافة إلى العمل بمزارع هؤلاء. ورسخ الإضطهاد الإقتصادي للمرأة أكثر المستوى المتدنى للقوى المنتجة فى الفلاحة النيبالية المتأخرة للغاية و لها بالكاد بعض المداخيل المعاصرة. فالعمل فى الفلاحة ،هكذا ، يهيمن عليه الجهد الإنساني و يعضده عمل الحيوان و بإستعانة بأكثر الأدوات بدائية مثل المنجل و المعزقة و الرفش إلخ . و على رأس هذا الغياب نجد غياب البنية التحتية الأساسية داخل البيت ( كغياب الوقود و مصادر المياه و الإرتباط بالتحويل اليدوي للمنتوجات الفلاحية ) الشيئ الذى يجعل من عمل البيت مرهقا و مستهلكا للوقت. وإنه لأمر معروف جدا أن فى مجتمع غير متكافئ ، بقدر ما يكون العمل شديدا بقدر ما يكون على كاهل المرأة. و من أعوص المشاكل نظرا لطبيعة الفلاحة المعاشية ووضع شبه البطالة الذى عممته الزراعة البعلية ، ثمة هجرة كبيرة للذكور القادرين على العمل نحو المناطق المدينية للنيبال و الهند و عليه يبقون وراءهم نساءا و أطفالا يشتغلون فى الأرض و البيت. و بإمكان المرء بسهولة أن يستدل من هذا على أن النساء هن حجر الزاوية فى الإقتصاد الفلاحي المعاشي الريفي. و لأن النساء مهمشات على مستوى البيت ، فإنهن يتقاضين أجرا أدنى و أحيانا يكون أدنى إلى حد نصف المبلغ المدفوع للرجال مقابل العمل نفسه و القدر نفسه من العمل بالمزرعة .
و موقع المرأة فى المناطق المدينية ليس بأحسن حال. إذا كانت المرأة فى المناطق الريفية تشكو من الإضطهاد الإقطاعي القروسطي المتخلف، فإن المرأة فى المناطق المدينية ترزح تحت الإضطهاد الإمبريالي المعاصر. إنهن لا يتقاضين الأجر المناسب و هن عادة مستغلات جنسيا فى مصانع كدح بأجر زهيد يديرها رأسماليون بيروقراطيون تقف وراءهم القوى الإمبريالية و التوسعية مثلما هو الشأن فى مصانع الملابس و الزرابي إلخ .
2- الإضطهاد الإجتماعي للنساء :
لا ينبغى أن نلتمس جذور إضطهاد المرأة فى البنية الإقتصادية فحسب بل أيضا فى البنية الإجتماعية و الثقافية و كذلك لا ينبغى أن نلتمس إضطهاد المرأة فى حياتها الإنتاجية فحسب بل أيضا فى حياتها التناسلية. تعود جذور إضطهاد المرأة الإجتماعية بعمق إلى الدين الهندوسي الذى تدعمه الدولة و الذى يدافع عن القوانين البراهمانية الإقطاعية المستندة إلى نظام الكاست الذى ينتقص المرأة فى علاقتها بالرجل. و هكذا ينظر إلى النساء على أنهن "بنات " قبل أن تصبحن "زوجات " إلى أن تلقين حتفهن ك"أمهات " أطفال (بالخصوص أولاد) لا غير .
و بسبب قانون التسلسل البطريركي للنيبال أعلى النسب فى تفضيل الطفل [الذكر ] فى العالم . و يترتب عن هذا مواجهة النساء للميز من المهد إلى اللحد. و يتمظهر هذا فى نسبة وفاتهن العالية إذ تتوفين أصغر سنا من الرجال (52 سنة بالنسبة للنساء و 55 سنة بالنسبة للرجال). و علاوة على ذلك ، للنيبال إحدى أعلى نسب موت الأمهات فى العالم (875 عن مائة ألف ). و له أيضا أعلى نسبة وفاة أطفال : تقريبا طفل من عشرة يلقى الموت قبل بلوغ سنة من العمر. كل هذا فضلا عن الزواج المبكر و الحمل المبكر و تعدد الحمل مما يتطلب الكثير من صحة النساء النفسية منها و البدنية. و لأن النساء ينظر إليهن كوسيلة للحصول على إبن أو أبناء لوراثة الملكية الخاصة، تجد أنفسهن من هنا مدفوعات دفعا إلى أبعد مدى للحصول على أبناء حتى على حساب صحتهن بغية تأمين حياتهن الزوجية و ضمان قسطهن من الأرض من خلال أبنائهن. و على هذا النحو ، حين لا تنجبن أبناءا تتركن تقريبا أو تقاطعن إجتماعيا أو يتم الزواج من أخريات ذرات لهن .
ويجعل نظام الكاست النساء المنتميات إلى كاست الأنتوشبل حتى أكثر عرضة للأذى إقتصاديا و إجتماعيا و جنسيا. و بالفعل قبضة الثقافة الهندية على المجتمع شديدة إلى درجة أنها أثرت حتى على النساء اللاتي تنتمين إلى مجموعات غير هندية أقل إقطاعية
3- الإضطهاد السياسي للنساء :
إن إضطهاد النساء السياسي متجذر فى الإقتصاد البطريركي البرلماني الملكي الحالي. فإستخدام العرش الملكي عبر التسلسل الذكوري ، معا مع إعتبار الملك على أنه إلاه حي ، يجعل من العناصر الذكور أقوى سياسيا من العناصر الإناث فى المجتمع. و من ثم الرجال هم الحكام و النساء المحكومات حتى داخل البيت. و يمثل الملك هكذا بطرياركا جسدا و روحا. و بالتالي بخلاف ما فى بلدان أخرى جمهورية برجوازية حيث للنساء على الأقل الحق القانوني فى ملكية الوالدين ، ليس للنساء فى النيبال و لا حتى هذا الزاد القانوني مما يضعهن إستراتيجيا فى موقع غير موات فى الدخول للحياة السياسية ضمن النظام السياسي الحالي. و على هذه الصورة ، فى السياسة الرأسمالية تستعمل النساء فى النهاية كمصدر لبنك الإنتخاب عبر روابطهن مع الذكور. و صار النظام الرأسمالي الحالي الذى يقتضى مالا و رأسمالا لكسب الإنتخابات عقبة وكداء أمام النساء. و تلك النساء المحدودات العدد اللاتى إستطعن ولوج عالم السياسة هن إما أرامل أو زوجات أو بنات السياسيين المعروفين من قبل .

النساء و الثورة الديمقراطية الجديدة :
"لا حركة ثورية دون نظرية ثورية "- لينين .
لنساء النيبال أسبابهن فى القتال من أجل الثورة الديمقراطية الجديدة إذ هي تعالج إضطهادهن الإقتصادي و الإجتماعي و السياسي فى شموليته. و مثلما أشير إليه سابقا، مصدر إضطهاد النساء الإقتصادي هو قبل كل شيئ عدم تمكينهن من إمتلاك الأرض على قدم المساواة مع الرجال. و هذا ما تعالجه مباشرة الثورة الديمقراطية الجديدة حيث الناحية الإقتصادية المركزية هي الثورة الزراعية. فى ظل هذا النظام ينجز إصلاح زراعي ثوري تحت شعار " الأرض لمن يفلحها ". إلى جانب هذا، ترسى العلاقة الثورية بالأرض بين الرجال و النساء تحت شعار " الحق المتساوى فى الملكية ".و هكذا سيمكن حق النساء فى الملكية ، فى المناطق الريفية ، من أن يصبحن جزءا هاما من الإقتصاد الفلاحي الريفي. و فى المناطق المدينية، سيسمح لهن هذا الحق بوراثة الأرض المدينية ووسائل الإنتاج الأخرى مثل مؤسسات الصناعة و التجارة إلخ و من هنا تضحى النساء جزءا من النظام الإقتصادي المديني مما سيعد الأساس الأول لتحررهن الإقتصادي و سيؤثر بصورة هامة على المجالات الأخرى الإجتماعية و السياسية .
و بما أن نظام الديمقراطية الجديدة نظام مناهض للإقطاعية ، فإنه سيبعد مرة واحدة اللون الديني التى صبغت به الدولة محولا إياها إلى دولة لائكية. و مع نهاية الحكم الإقطاعي البراهماني الهندي ، ستغدو النساء مستقلات ثقافيا عن الرجال. وهو ما سيطيح تدريجيا بالحيف ضد البنات جاعلا لهن نفس الأهمية داخل البيت. و فى ظل النظام الديمقراطي الجديد لا مجال للتوافق مع الملكية الإقطاعية التى هي رمز الحكم البطريركي و عوضا عنه ستشكل النساء كمجموعة من المجموعات الهامة ، إلى جانب مجموعات مضطهَدة أخرى داخل حكومة الجبهة الموحدة المناهضة للإقطاعية و الإمبريالية . لذلك لنساء النيبال أسباب للقتال بكل ما أوتين من قوة لتركيز نظام الديمقراطية الجديدة .
و ستحطم الثورة الديمقراطية الجديدة بطبيعتها المناهضة للإمبريالية العلاقات غير المتكافئة مع البلدان الإمبريالية و التوسعية مخلصة النساء من مصانع الأجر الزهيد أين يتم إستغلالهن جنسيا و إقتصاديا . و بالتالى ستتوفر أرضية القضاء على الدعارة و الفكر الإستهلاكي و معاملة النساء كسلع فى النيبال .
التيار الثوري فى صفوف التنظيم الجاهيري :
مدركة جوهر الثورة الديمقراطية الجديدة و ضرورتها لتحرير النساء ، أرست التنظيمات النسائية و بوجه خاص " الجمعية العامة لنساء النيبال (الثورية ) " تيارا ثوريا فى صفوف الحركة النسائية فى النيبال. و يجب فهم هذا على أساس أن حركة النساء فى النيبال يمكن توصيفها بصورة واسعة فى ثلاثة تيارات متباينة .
أولا ، التيار اليميني و الرجعي الذى يخدم بوضوح مصلحة القوى الإقطاعية و الرأسمالية البيروقراطية . إنه يتحدث عن تحرير المرأة لكنه يساند نظام الملكية الدستورية و يدافع عن الديانة الهندية التى تمولها الدول الإمبريالية . إنه يتبرم من معاملة النساء كسلعة إلا أنه لا يتجرأ على التظاهر ضد عروض الجمال إلخ . وهو يندد بالعنف الثوري غير أنه يتغاضى عن عنف الدولة وهو أقرب إلى الأحزاب الحاكمة من مثل " المؤتمر النيبالي " و [الحزب] " الما-اللينيني الموحد" و الأحزاب " الم-اللينينية " .
و التيار الثاني تيار تحريفي . فى الكلام يبدو التحريفيون ثوريون لكن فى الفعل يمارسون الإصلاحية . يقولون إنهم جمهوريون بيد أنهم منهمكون فى النظام الملكي البرلماني. ينددون بنشاطات المنظمات غير الحكومية المحلية و العالمية نظريا غير أن العديد من عناصرهم عمليا يشاركون فى مثل تلك النشاطات. إن هذا التيار أقرب إلى مجموعات ك"ماشال" و "مركز الوحدة " إلخ .
و التيار الثالث ينتمى إلى التيار الثوري و تمثله " الجمعية العامة لنساء النيبال(الثورية )" وهو أقرب إلى الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي ). و قد إتخذ موقفا جليا بصدد إعتبار أن تفوق الذكور نتاج الملكية الفردية . و لهذا التيار وضوح تام حول طبيعة الدولة الحالية التى تحافظ على الإضطهاد الطبقي و الإضطهاد الجندري . و إتخذ كذلك موقفا جليا ضد المنظمات غير الحكومية المحلية و العالمية كلاما وفعلا لأنه يعتبر هذه المنظمات إمتدادا للقوى الإمبريالية و التوسعية هدفها النهائي هو إعداد الأرضية لتوسيع أسواقهما و فى الوقت عينه تسجل مدى نمو الحركة الثورية الحقيقية للشعب. متبعا سياسة الوحدة و الصراع ، أقام هذا التيار تحالفات عريضة مع قوى أخرى، لاسيما مع القوى المناهضة للإقطاعية و الإستعمار للتظاهر ضد عروض الجمال و الأدب البرنوغرافي و بيع الكحول إلخ و قد شكل تحالفا واسعا للتظاهر ضد إضطهاد الدولة للنساء و بوجه خاص الإغتصاب و التعذيب المقترف ضد المتعاطفات مع حرب الشعب. فى حين نددت المنظمات الأخرى بالعنف ، تعتبر منظمة " الجمعية العامة لنساء النيبال (الثورية ) " شرعية الإجراءات الدفاعية للجماهير ضد الدولة الحالية المعتمدة على القوى المسلحة .
مشاركة المرأة فى حرب الشعب فى النيبال:
" النساء نصف السماء " - ماوتسى تونغ
فى النيبال ، يمكن إرجاع المشاركة النشطة للمرأة فى الحرب إلى أيام الحملة التوسعية للدولة الإقطاعية الممركزة فى نهاية القرن الثامن عشرة وبداية القرن التاسع عشرة ، و بصورة خاصة إلى سنة 1815 ، فى معركة نالا بانى فى دهارادون (شمال الهند الحالية ) حيث أبدت النساء النيباليات و الأطفال ، إلى جانب الرجال ، مقاومة بطولية ضد الجيش البريطاني الذى لم يكن يفوقهم عددا و حسب بل عُدة أيضا و رغم كل ذلك لم يستطع (البريطانيون ) أن يستحوذوا على حصن كالنغا إلا فى محاولتهم الثالثة إثر تكبد الجانب البريطاني خسائرا جمة .
و كذلك جرت تعبئة النساء خلال الحركة المعادية للرانا التى نظمتها مختلف الأحزاب المناهضة للرانا ، أثناء السنوات 1947-1950 ، و التى بلغت منتهاها بالإطاحة بنظام الرانا سنة 1950. و أيضا ، ساهمت النساء مساهمة نشطة فى الحركة الديمقراطية لسنة 1990 و التى أنهت ثلاثين سنة من حكم الحزب الواحد للملكية الأوتوقراطية " بنشايات " ليعوض بنظام الملكية البرلمانية. مع ذلك ، فى جميع هذه الحركات كانت النساء بالأساس من العائلات السياسية المعروفة أو من النساء المدينيات المتعلمات و كانت أساسا من المناطق المدينية .
فقط بعد إنطلاق الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي ) فى حرب الشعب ، أخذت النساء ، جوهريا النساء الريفيات فى التعبئة. و اليوم ، النساء مقاتلات محترفات فى حرب الأنصار. و إرتقت الأسلحة التقليدية مثل الحجارة و المنجل و القضيب الحديدي التى كانت النساء تستعملها ضد الأعداء فى الحركات السابقة، إرتقت اليوم إلى بنادق و مدافع و رشاشات. فى السابق ، كان ينظر إليهن على أنهن مجرد مساعدات أو قوة إحتياط للحركات السياسية إلا أنهن اليوم قادة و آمرات فرق أنصارية مكونة من رجال و نساء. و ينبغى فهم هذا التطور على قاعدة أن البند العاشر من ميثاق الجيش سنة 1960 ، الجيش التابع للحكومة النيبالية ، يمنع إنضمام النساء إلى الجيش الملكي النيبالي . مدركا وضع الإستغلال المزدوج للنساء ، توجه لهن الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي ) بوجه صحيح كي تطلقن طاقتهن المضطهدة بصورة مزدوجة لمهاجمة النظام المسؤول عن وضعهن المأساوي الحالي . فى كل فرقة أنصارية ، كرّس الحزب سياسة إنضمام على الأقل إمرأتين أنصاريتين (فى كل فرقة أنصارية ثمة تسعة إلى إحدى عشرعنصرا) .و النساء الأنصاريات يعملن كمقاتلات بالليل و نهارا بالدعاية و الإنتاج .
و حيث تتطلب الأوضاع ذلك ، تشكلت فرق أنصارية من النساء لكن هذا إستثناء و ليس القاعدة و جدير بالذكر ما حدث فى رولبا إذ كانت فرقة أنصارية من النساء مسؤولة عن القضاء على طاغية إقطاعي معروف بإستغلاله الجنسي للنساء. و فى كل مستويات القرية و المنطقة و المحافظة ، تمت تعبئة النساء فى ظل منظمة نسائية جماهيرية. و فى المناطق الثورية الحصينة، جرى إرساء محاكم شعبية أين إضافة لحالات أخرى، تم النظر فى حالات إستغلال النساء. و كان للجنة دفاع القرية و منظمة النساء الجماهيرية و الشعب تأثيرا مزدوجا فعولجت عديد حالات إغتصاب أرض الأرامل و المرأة الوحيدة و أعيدت الأرض لصاحباتها من خلال هذه المحاكم . كما وقع تأديب عديد الأزواج المقصرين الذين تعودوا السكر و ضرب زوجاتهم أو ممارسة تعدد الزوجات مستغلين النساء جنسيا. حالة لها دلالتها فى محافظة برفات تستحق الذكرإذ مثُل أستاذ تعليم ثانوي مشهور بإستغلاله النساء جنسيا وهو يعدهن بالمساعدة على إيجاد أكفاء لزواجهن ، مثل أمام المحكمة الشعبية و إضطر للوقوف فالجلوس و شد أذنيه لدقائق عدة و إضطر للإعتذار عن جرمه و أطلق سراحه مع تحذيره من العواقب الوخيمة إن إستمر فى جرمه .
و حيث النساء غير منخرطات مباشرة فى قتال حرب الأنصار ، فإنهن تعملن كقوة مساندة لحرب الشعب . إنهن تعملن كمنظمات و داعيات و ناشطات ثقافيا و موفرات اللوجستية و ممرضات للمقاتلين و الكوادر المجروحين و أعوان إستخبار و غطاء لكوادر الحزب و المقاتلين و زائرات و مصدر إلهام للسجون و عائلات الشهداء . و إنهن كذلك يتدربن على الإعداد المحلي للبنادق الرشاشة .
و لأن النساء ، ثقافيا ، مقترنات بالعمل البيتي ، كانت الناشطات أكثر فعالية فى تعبئة الجماهير فى المناطق الجديدة بما أنهن تستقبلن بسهولة على مستوى البيت. و سهل هذا للكوادر الرجال كسب إمكانية دخول البيوت فى مناطق جديدة. و قد لوحظ عموما أنه فى الأماكن أين تتم تعبئة النساء المحليات ، تصبح مثل هذه الأماكن فى النهاية قواعدا راسخة لإسناد الحركة. و إلى ذلك ، بفضل دور المرأة المتنوع داخل و خارج المنزل ، فهي توفر غطاءا جيدا لعديد الأعمال اللوجستية و الإستخباراتية لكوادر الحزب و الأنصاريين .
و بشأن إلتزام النساء الصلب تجاه حرب الشعب ، فقد رأينا أنهن تأخذن وقتا لتقرير الإلتحاق بالحركة بيد انهن حين يلتحقن بها تتمسك بها على نحو أرسخ من الكوادر الذكور. و لاحظنا وجود حالات أقل من الإستسلام و الهروب من أرض المعارك الحربية. و رأيناهن فضلا على ذلك ، أقل نزوعا إلى كشف أسرارالحزب .
و هكذا لمسنا أنهن أكثر إصرارا و صبرا من الرجال ( بالرغم من أنهن متأخرات نسبة للرجال فى معارفهن النظرية ). فى هذه الحركة أي بالنسبة لهن ، ليست المسألة مسألة التخلص من الإضطهاد الطبقي و حسب و إنما أيضا من الإضطهاد الجندري ذلك أن كسر السلاسل المزدوجة يتطلب قوة أكبر و إرادة قوية .
و النماذج البطولية التالية للنساء تبين بالمثال الأدوار المختلفة التى كانت و لا تزال تضطلع بها النساء فى حرب الشعب فى النيبال :
- دلمايا يونجان : أول إمرأة مقاتلة قدمت حياتها فى الهجوم المسلح الناجح على بيثان . قتلت وهي تشغل قنبلة . و ما يجعل إستشهادها حتى أكثر دلالة هو أنها تنتمى إلى القومية المضطهَدة التانغ .
- لالى روكا : كانت ناشطة إجتماعية و مساعدة صحية فى محافظة رولبا البعيدة . إختُطفت من مقر صحى و أطلق عليها النار. "ذنبها" أنها فضحت بنشاط الدور الرجعي للمنظمات غير الحكومية فى منطقتها .
- بندايا شولاغاي : إمرأة شابة فى حالة متقدمة من الحمل جري تعذيبها فى سجن شرطة لأنها كانت تمد الأنصاريين فى الغابات بالطعام . و ترتب عن التعذيب ولادة سابقة لأوانها للطفل مما أدى فى النهاية إلى موته و موتها هي بعد بضعة أيام.
- سنسارا بودا : زوجة ناشط حزبي عُذّبت أمام إبنها و لكنها لم تركع هي الأخرى. عندها قتلتها الشرطة بفضاضة مبقية الطفل جريحا .
- كامالا باطا: أستاذة رئيسة " الجمعية العامة لنساء النيبال (الثورية ) " بمحافظة غوركا .إغتصبتها و قتلتها قوة كومندوس خاصة من الشرطة المسلحة عندما كانت عائدة من عمل جماهيري فى صفوف نساء فى قرية .
- دوفى كهادكا : إنها تمثل رمزا حيا للإضطهاد البربري للدولة. إغتصبت تكرارا فى سجن شرطة مما أدي إلى تشريط رحمها. إغتصبت لأنها لم تستجب لضغط الشرطة بغرض أن تمضى شهادة وفاة أخيها الذى كان يذوى فى السجن. و اليوم هي على قيد الحياة و هي تعمل بهمة ضمن حرب الشعب .
شنييا لاما ، نرمالا ديكوتا ، منجو كوار و سوفدرا سبكوتا مع ثلاثة آخرين ذكور ناشطين ثقافيا قتلتهم الشرطة بتحريض مباشر من القادة الرجعيين التحريفيين فى " الما-الل الموحد " . "ذنبهم" أنهم كانوا يستنهضون و ينظمون القرويين بثقافة تقدمية .
إضافة إلى هذه الأمثلة أعلاه ، نقلت تقارير من المناطق الثورية الحصينة الإغتصاب الجماعي للنساء و أحداث النقل الجوي لهن فى الطائرات المروحية لتغتصبن فى مكان آخر و تقتلن . فى المراحل الأولى ، عذبت النساء و إغتصبت لكن الآن التيار الحديث هو قتلهن كذلك. و هذا يعنى أن حتى القوات المسلحة الرجعية إعترفت الآن هي الأخرى بمشاركة النساء فى مستويات مختلفة من حرب الشعب .


دور حرب الشعب فى تغيير النساء:
"حرب الشعب حرب شاملة " - ماوتسى تونغ
أثرت حرب الشعب على النساء بطرق متنوعة . قبل كل شيئ ، أحدثت حرب الشعب تغيرات جوهرية فى الحياة العائلية لنشطاء الحزب. سابقا ، قبل إنطلاق الحزب فى حرب الشعب ، كانت ثمة عديد التناقضات نظريا و عمليا فى علاقة بالقضايا الجندرية داخل البيت و الحياة الإجتماعية خارجه. مثلا ، التفضيل الكبير للأولاد
و تزويج البنات المدبر و ممارسة تعدد الزوجات بينما يتم الدفاع عن زوج واحد بصورة صارمة للمرأة و ممارسة عادات ثقافية إقطاعية كالصوم فى تواريخ مقدّسة و ممارسة عدم لمس المرأة أثناء العادة الشهرية
و كاست أدنى من الناس و التمسك الشديد بالملكية الخاصة و إحالة النساء إلى النشاطات المنزلية بينما ينهمك الرجال فى النشاطات السياسية إلخ كلها كانت سائدة. إلا أنه اليوم مع إنطلاق حرب الشعب عديدات هن النساء اللاتى غادرن المنزل مع أزواجهن ليلتحقن بالحركة تاركين الأطفال لنظام إعانة تعويضي. وغدت تلك النساء اللاتى قررن البقاء بالمنزل أكثر إستقلالية إقتصاديا و هن أوفر تسييسا بدافع الظروف و الجهود الذاتية للحزب بغاية تسييسهن و بدافع الجو السياسي العام الذى خلقته حرب الشعب. جعلت عمليات التفتيش المتكررة
و الإستجوابات و التعذيب و أحيانا حتى الإغتصاب جعلت منهن أكثر تحديا و عداءا لآلة الدولة. و لم ينج حتى الأطفال من مثل هذه الهجمات و هكذا تسيسوا فى سن مبكرة. فنجدهم يؤازرون بنشاط لجان دفاع القرية
و يشاركون فى النشاطات الثقافية و يساعدون فى أعمال الدعاية و الإستخبار إلخ.
و بما أن أغلب الذكور القادرين جسديا دخلوا فى السرية فى المناطق الثورية الحصينة ، بقي النساء و الأطفال يفلحون أرضهم و يواجهون قوات البوليس. فقلب غياب الرجال عن البيت الأدوار الجندرية السابقة. فعلى سبيل المثال ، نجد النساء اليوم تحرث المزارع الفلاحية وهو أمر غير مسموح به دينيا . و نجدهن تخدمن سطوح منازلهن وهو شيئ غير مقبول فى العادات الثقافية. و اليوم ، تتحدى النساء فى المناطق الثورية ، مراسيم الترمل لما تقتل قوات البوليس أزواجهن. و من جهة أخري ، يسعى الحزب بوعي إلى تحويل مصابهن إلى مصدر قوة للإنتقام من القتلة .وهذه الأيام تنقل الصحف مثل هذه القرارات النسائية .
و لنتناول حال سنجيتا بودها القاطنة برولبا . قتلت قوات البوليس زوجها سنة 1997 . و نقلا عنها ، عملت فى منزل أبيها عندما أوقف. والآن بعد قتل زوجها ،إنتقلت إلى الغابة لتلتحق بحرب الأنصار إنتقاما من قتلة زوجها . و كذلك ، حولت حرب الشعب فعلا الإحتفال الهندي الرجعي [تيج] إلى شكل مغاير ألا وهو أرضية ثورية للدعاية لمساندة حرب الشعب و فضح قمع الدولة فى النيبال .
و جعل غياب الرجال معا مع فظاعات البوليس النساء أكثر تعاونا فيما بينهن. و البارز هو شن الحزب حملات من أجل نظام سوق مرتكز على المجموعة و العمل التعاوني مثل نظام "البرما " ( تبادل تقليدي للعمل يمارس داخل بعض المزارع العائلية )على نطاق أوسع و بناء طرق جديدة و صيانة القديمة منها و إيجاد مصادر مياه للمجموعة و جمع العلف و الوقود بالإعتماد على المجموعة و تركيز "شوتارا" جديدة (حدائق عمومية )إلخ. و لنأخذ مثال "شوتارا" جديدة بُنيت على مفترق محافظتي رولبا و ساليان و القرويون هم الذين أنجزوها تذكارا للشهداء من النساء المحليات كوماري بودها و سنسارا بودها و لالى روكا .
و أعانت الفلاحة الجماعية بخاصة أولئك الذين بالفعل هم معيل وحيد للبيت حيث الأزواج فى أماكن أخرى سواء خدمة لحرب الشعب أو ذهبوا للعمل فى مراكز مدينية بعيدة . وفى بعض الأماكن تمكنن حتى من كسب قلوب أمثال العائلات اللاتى عناصرها الذكورية فى خدمة الرجعية العسكرية و البوليسية .
مع خدمتها المصالح الشعبية ، تشعر النساء الآن بأكثر آمان فى منازلهن الخاصة و خارجها بما أن الأزواج المخطئين و الرجال المتجولين يعاقبون كما يجب و صارت النساء أوفر وعيا لحقوقهن القانونية و لإضطهاد الدولة. و من جهة أخرى ، فضح نهب و إغتصاب قوات البوليس و الحماية التى توفرها الدولة للمعتدين
و المغتصبين ، فضح الطابع الطبقي و العنف الجندري للدولة و شحذ وعي الجماهير .
و كانت ضحايا الإغتصاب فى السابق توصم بالعار إلا أنه اليوم ، مع تقنين الإغتصاب و القتل اللذان تقترفهما الدولة ، إتخذ المعنى السابق للعار معنى كره طبقي و عصيان ضد آلة الدولة. و جعلت الهرسلة الجنسية دون تمييز حتى نساء رجال البوليس و الطبقة الحاكمة غريبات عن الدولة القائمة من ناحية و من ناحية أخرى وطدت التعاون فى صفوف الجماهير المضطهَدة فى وجه الدولة .
وفرت حرب الشعب خيارا ثوريا للشباب المتطلع للأفضل رجالا و نساءا . و حياة النساء و لا سيما فى المناطق الريفية ،رتيبة إلى درجة إعادة نفس شكل نشاطات التوالد. و نظرا لتدبير الزواج فى سن مبكرة جدا ، فليس بأيديهن من وسيلة للهروب من دائرة حياة الفريسة. و بالنسبة للنساء الطموحات للمغامرة خارج القرية يعنى ذلك تقريبا الوقوع فى شرك الدعارة أو الإتجار بهن بإتجاه الهند.( يقدّرأن حوالي مائة و خمسون ألف إمرأة من النيبال يتاجر بهن فى المراكز المدينية بالهند!) أو تقع فى مغازات الكدح بأجر زهيد حيث تتفشى الهرسلة الجنسية. و هكذا بالنسبة للنساء الطموحات ، توفر حرب الشعب مناسبة تحد للعمل جنبا إلى جنب مع الرجال و على قدم المساواة و لتثبت جدارتهن عقليا و جسديا.
ووفرت حرب الشعب ،بالإضافة إلى ذلك ،خيار حياة كريمة لعديد النساء المخذولات إجتماعيا و للنساء اللاتى خذلهن أزواجهن و للنساء اللاتى تركن مخذولات فى وقت الشدة ، بعد فقدان العذرية بسبب المحتالين و للنساء اللاتى لم يقدرن على الزواج و تجدهن يعاضدن حرب الشعب على مستويات شتّى . فبالنسبة لهن ، الموت البطولي فى خضم حرب الشعب أروع من أي موت يفرضه عليهن المجتمع .
و ساعدت حرب الشعب على إرساء قواعد تقدمية فى حياة الشعب. و الآن الجيل الجديد من الناشطات من النساء يتحدى نظام الزواج التقليدي المدبر و ينزع أكثر فأكثر نحو الزواج عن حب على أساس إيديولوجي . و لم تعد النساء تركع من أجل الحصول على الأبناء . و هن فى الواقع يحددن عدد الأطفال للأدنى الممكن كي تواصلن نشاطاتهن الثورية. و الرجال أحسن معاملة و تعاونا فى تسيير حياة الأسرة. و الآن الزواج المحدد بزوجة واحدة فرضه الحزب على الرجال. و لذلك يعاقب الرجال الذين يعثر عليهم متورطين فى علاقة غير جائزة ولا يقع التسامح معهم .و اللاتى لهن أسباب للطلاق يشجعن على الطلاق و الزواج من جديد. و ثمة حالات زواج من جديد. و النساء و الرجال الذين فقدوا أزواجهن /أو زوجاتهم فى الحرب تزوجن/تزوجوا من جديد . و مثل هذه الحالات و إن كانت محدودة فالحزب يشجعها .
و دفعت حرب الشعب كذلك نحو الإنتاج الأدبي الخلاق للنساء. و بالنتيجة تتقدم عديد النساء الجديدات لتتقاسم تجاربهن فى حرب الشعب و فضائع البوليس إلخ بكتابة مذكراتهن و قصائد و مقالات بارزة و مقالات نظرية فى الجرائد و المجلات .
و فضحت النشاطات التمويهية للمنظمات غير الحكومية المحلية و العالمية مثل آماميلان كندرا (مراكز تجمع الأمهات ) التى تنشر معابدها الدين بإسم تنظيم النساء ، فضحتها و أفقدتها ثقة الناس فيها.
و لأن النيبال بلد التنوع ، فإن حرب الشعب قد أثرت على النساء من مختلف القوميات كالهندوآريات و التيبيتوبرمان و غيرهن بطرق متنوعة . لقد ساعدت حرب الشعب النساء الهندوآريات على كسر سلاسل الحيلة الإقطاعية المنغلقة التى فرضتها الديانة الهندوبوريتانية بإطلاق طاقاتهن المضطهَدة . و لقد ساعدت التيبيتوبرمان و النساء الأخريات اللاتى لهن حرية نسبية ولهن حقوق أوفر فى إتخاذ القرارات كما قدمت لهن حياة لها معنى بإعطائهن فرصة رفع التحديات. ولم تكسر حرب الشعب قيود إضطهادهن الطبقي و الجندري و حسب و إنما أيضا إضطهادهن القومي . و قد أثرت حرب الشعب بوجه خاص على مجتمع درجات الكاست حيث النساء مستغلات إقتصاديا و إجتماعيا و سياسيا و جنسيا و ذلك بإطلاق كرههن ضد الدولة .
و غيرت حرب الشعب نوعيا و كميا الحركة النسائية فى النيبال. فبينما قلبت جغرافيا الحركة النسائية من المراكز المدينية إلى المناطق الريفية ، فإنها داخل المناطق المدينية غيرت نوعيا الحركة النسائية من حركة تدعو إلى إعطاء النساء مزيدا من الحقوق و الأعمال إلى حركة نسائية واسعة لها أفق طبقي محوري . و اليوم ، قضايا أوسع على غرار إضطهاد المرأة و حقوق الإنسان الخاصة بالمرأة و إضطهاد الجماهيرإلخ ينصب عليها الإهتمام إلى جانب قضايا أخرى . و يلاحظ أيضا أن الإغتصاب الجماعي المتفشى ضد النساء الريفيات و الذى تقترفه الدولة يؤثر فى النشاطات النسائية فى المدن كذلك . و تساهم النساء الآن فى منظمات حقوق الإنسان لتثبت إهتمامهن بالإعتداء على حقوق الإنسان و بالخصوص حقوق المرأة و الطفل . و أدت مثل هذه الفظاعات التى تقترفها الدولة فى المناطق الثورية الحصينة إلى بعث مجموعة خاصة من ست صحفيات لإستقصاء وضع المرأة فى رولبا و روكوم و محافظات أخرى . و قد عرت المجموعة فظاعات إطلاق يد الحكومة فى وسائل الإعلام المحلية و العالمية .
و دفعت حرب الشعب مختلف المنظمات النسائية (وهو أمر إمكانية حصوله كانت ضئيلة قبل بداية حرب الشعب ) صوب الإتحاد حول الأرضية نفسها لتنظم مسيرات إحتجاجية أو ندوات صحفية مشتركة ضد قمع الدولة و مسيرة ضد عروض الجمال إلخ. إلتقاء سبع منظمات نسائية موالية لأحزاب سياسية متباينة لتنظيم مسيرات إحتجاجية ضد الإغتصاب المتفشى و تعذيب ديفى كاوكا فى سجن شرطة أحد الأمثلة على ذلك .
دور الحزب الثوري فى إستنهاض النساء :
فى الإطار العام للنيبال ، تمثل الإقطاعية التناقض الرئيسي الذى على النساء مواجهته . و نتيجة لذلك تنزع بقايا القيم الإقطاعية إلى التسرب حتى إلى الهيكل التنظيمي للحزب مما يؤثر على النساء بوجه خاص لأنه عليهن القتال على جبهتين من منظور طبقي و من منظور جندري . و يغدو هذا باعثا على التحدى بخاصة للنساء
و للتنظيم الحزبي عندما لا يجري قبول المرأة فى قيادة مختلف اللجان و الوحدات الأنصارية بسهولة بسبب الأفكار المسبقة الإقطاعية. وهنا تصبح سياسة الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) تجاه تشجيع مشاركة النساء فى حرب الشعب على كافة الأصعدة مهمة . والشيئ ذاته ، مع تصاعد التأثير الإمبريالي فى المناطق المدينية ، هنالك خطرأن تنزلق النساء بإتجاه التأثير النسوي و التذبذب الإنعزالي . وهذا صحيح بوجه خاص بالنسبة للنساء المتعلمات المترفهات اللاتي إلتحقن بحركة العصيان ضد الهيمنة الإقطاعية فى البيت. و بحكم خلفيتهن الطبقية ، من الممكن أن يكن أكثر حساسية للقضايا الجندرية منها للقضايا الطبقية. و هذا إن لم يُستقصى يمكن أن يؤدى إلى الإصلاحية أو إلى إنحراف يميني داخل الحزب. و من ثم ، على الحزب أن يواجه هذا الخطر بجعل العنصر الطبقي هو الذى يلعب الدور القيادي فى الحركة النسائية . و لا يمكن تحقيق هذا ما لم يتبع الحزب " الخط الجماهيري " الحقيقي كما دعى إليه الرئيس ماو فبواسطته يعمق الحزب جذوره فى صفوف المقهورين و فى ذات الوقت لا يخلق تناقضا عدائيا مع القوى المناهضة للإقطاعية و الإمبريالية . و ينبغى مع ذلك ، أن نكون حذرين من تأجيل القضايا الجندرية بسبب المغالاة فى الحماس تكريسا للوعي الطبقي و مما يمكن أن يقود إلى المغامرتية و الإنعزالية " اليسارية " فى الحزب. ولذلك ، يجب معالجة هذين التيارين المتطرفين بجعل النساء المتعلمات المترفهات أوعى طبقيا و النساء الفقيرات (و الرجال على نحو خاص) أكثر حساسية للجندرية . و أيضا علينا أن نكون نظريا واضحين حول أن هدف التنظيم النسائي و حصرا التنظيم الماركسي-اللينيني-الماوي هو أساسا إعداد النساء الناشطات اللاتى هن بالأساس واعيات طبقيا و هن إلى ذلك حساسات للجندرية كي تستطعن فعلا أن تمثل أنفسهن فى منظمات جماهيرية أخرى و فى الجبهات المتحدة المحلية .
موضوعيا ، توجد أرضيات عديدة لمشاركة النساء فى حرب الشعب . مع ذلك ، ذاتيا ، لا زالت متأخرة وراء الرجال بحكم التاريخ الطويل من الخضوع و المستوى التعليمي المتدنى و قلة التفاعل مع العالم الخارجي إلخ . من هنا ، يظل التعويل الذاتي للحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) على أعضائه من النساء فى غاية الحيوية .
و اليوم تواجه حرب الشعب وضعا جديدا حيث الرجال و النساء الشبان و الشابات يقاتلون معا على الجبهة الحربية و فى أعمال تنظيمية سرية. فى مثل هذا الوضع ، ينبغى أن تعالج القضية الجنسية أخلاقيا بطريقة لا تسقط معها المرء فى الفوضى بإسم الحرية الجنسية. كذلك لأن الثقافة المهيمنة ثقافة إقطاعية يتعين علينا أن نكون واعين بأن الفكر المحافظ عادة ما يسيطر بإسم تحديد الحرية الجنسية. و لذا أصدر الحزب بعض القواعد و الضوابط لمعالجة مثل هذه الأوضاع. و فى الواقع ، يتم تشجيع قيم و قواعد ثقافية جديدة للقطع مع الثقافة الإقطاعية المنحطة .
و دخلت حرب الشعب اليوم مرحلة إعداد قواعد الإرتكاز و بات التحدي يكمن الآن فى جعل قوة النساء ليس لتحطيم المجتمع القديم وحسب و إنما أيضا لبناء مجتمع جديد تقدمي . و يمكن إنجاز هذا بالسماح لهن بالمشاركة فى نشاطات إنتاجية و فى جهاز إتخاذ القرار فى النواة المحلية للدولة الديمقراطية الجديدة المناهضة للإقطاعية
و الإمبريالية فى قواعد الإرتكاز المنظورة . و علينا ألا ننسى أن عدم حل أو إرجاء قضايا النساء على مستوى الحزب يعيق القضية البروليتارية على المدى البعيد بما أن النساء هن القوة الأكثر إضطهادا ضمن الطبقات و المجموعات المضطهَدة . ستؤثر مثل هذه النواقص فى النهاية على الخط السياسي للحزب بمعنى تحوله إما إلى خط يميني أو خط يسراوي . و هنا ينبغى أن نرسخ فى الأذهان روح الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فى حياة الحزب منذ البداية. و بالتحديد شعار "من حقنا أن نثور " يجب أن يكون الشعار الموجه الذى يسلح النساء لتتمرد ضد الإقطاعية فى المجتمع و لتقاتل التيارات اليمينية و اليسراوية داخل الحزب .
خاتمة :
الحرب فى حد ذاتها و الحرب الطبقية بصفة خاصة مدرسة كبيرة للجماهير بمعنى أنها تفضح الطبيعة البطريركية للدولة البرجوازية –الإقطاعية . وهذا صحيح فى النيبال حيث النساء تعاقب ثلاثا لتحديهن الهيكلة الطبقية و الهيكلة البطريركية للدولة القائمة بالتعذيب و الإغتصاب و القتل .
و بما أن إضطهاد غالبية النساء يعود إلى العلاقات الإقتصادية الإقطاعية و الثقافة الإقطاعية المتخلفة
و الإضطهادية (و الثقافة الإمبيرالية الفاسدة فى المناطق المدينية ) و جهاز الدولة البطريركية ، يمكن أن تكون النساء قوة يُعول عليها فى الثورة الديمقراطية الجديدة المناهضة للإقطاعية و الإمبيرالية. و النساء أيضا قوة يمكن التعويل عليها أكثر من غيرها فى دفع الثورة الديمقراطية الجديدة نحو الشيوعية ذلك أن تحررهن النهائي لا يمكن تحقيقه إلا بعد القضاء على الملكية الخاصة وهو أمر غير ممكن إلا فى ظل الشيوعية. وغدت قضية النساء مسألة هامة بالنسبة لكافة الطبقات و فى الحرب الطبقية الراهنة ، يسعى الإمبرياليون لإستعمال النساء كصانعات سلام للحفاظ على الوضع القائم بينما تصلب القوى الماركسية-اللينينية-الماوية النساء لتضرب بعنف النظام الذى كان مسؤولا عن إستغلالهن المزدوج .
بالتالي لننادي :
" يا نساء العالم العاملات إتحدن . ليس لكن ما تخسرنه إلا سلاسلكن المزدوجة !!"
-----------------------------
"تيج": يوم صيام طويل مفروض على النساء بقصد الصلاة من أجل طول عمر أزواجهن و بالنسبة لغير المتزوجات فإنهن يصمن ليصلين من أجل الأزواج الأهل لذلك. و النساء ترتدين ثياب عرس و تتجملن و تغنين فى هذا اليوم فى الأماكن العمومية ./.
--------------------------------------------------2-----------------------------------------------------
مسألة جعل النساء فى مراكز قيادية فى حرب الشعب
(الرفيقة برفاتى،عضوة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) و رئيسة قسم النساء التابع لهذه اللجنة المركزية-2003)
مقدمة :
تتطور حرب الشعب النيبالية التى إنطلقت فى فيفري سنة 1996 بقيادة الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) عبر طفرات و قفزات. و الآن عمت نار الثورة جميع أطراف البلاد فحسب الأرقام التى قدمتها الحكومة ذاتها تركزت حرب الشعب فى 73 مقاطعة من أصل 75 بالنيبال . و هذه الإنتصارات لم تكن لتتحقق لولا تعبئة الجماهير التى تشكل العمود الفقري لحرب الشعب .
و فى هذا الإطار كانت تعبئة النساء بشكل خاص جلية للغاية. لقد كانت السباقات فى كسر جدار الصمت المطبق على كافة البلاد بتنفيذ الإضراب التاريخي الأول فى النيبال إثر إنطلاقة حرب الشعب فى 13 فيفري 1996 و قد تجرأت فى الثامن من مارس 1996 منظمة نساء النيبال (الثورية ) على عقد ندوة – رغم التهديدات بالإيقاف – لمناقشة الحاجة الملحة لقيام ثورة شاملة للقضاء على إضطهاد النساء . على إثر هذه الخطوة الجريئة إندفعت تنظيمات جماهيرية أخرى فى التعريف ببرامجها الخاصة .
و كانت نساء الداليت بمقاطعة كاليكوت الواقعة غرب النيبال السباقات فى الإستيلاء على بنادق القوات المسلحة الرجعية لتضعها بأيدى اللجان المحلية للحزب مما سمح بتسريع نسق حرب الشعب فى هذه المنطقة .
و فى مارس 2001 شكل الهروب الأول و التاريخي الذى حققته ست نساء كن معتقلات بسجن على درجة عالية من المراقبة بمقاطعة كولخا ، شكل حدثا إستثنائيا و ربما لا مثيل له فى التاريخ العالمي .
و منذ إعلان حالة الطوارئ فى نوفمبر 2001 ، كانت منظمة النساء إلى جانب منظمة الطلبة ضمن المنظمات الجماهيرية الأكثر نشاطا و طليعية فى الحركة . و قد أجبرت الحملة الناجحة ضد الكحول فى أكتوبر 2001
و التى هزت البلاد بأسرها ،الحكومة على التفاوض مع منظمة نساء النيبال (الثورية) .
إضافة إلى ذلك ثمة أمر مثير آخر ألا وهو أنه قبل أن يعلن الرجال داخل الحزب تخليهم عن ممتلكاتهم العائلية كانت نساء رولابا قد باشرت تطوعهن بحليهن وممتلكات شخصية أخرى لصالح المؤسسات المحلية للحزب . وبعد إعلان حالة الطوارئ تزايد إغتصاب النساء و إغتيالهن و إختطافهن. ومع ذلك ما إنفكت مشاركة النساء فى حرب الشعب تتصاعد.
و اليوم تتوفر قاعدة مادية موضوعية لتطوير جعل النساء فى مراكز قيادية على مستوى كافة الجبهات . واعيا بهذا الواقع ، قرر الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) إنشاء قسم خاص بالنساء تابع للجنة المركزية للحزب .
و وظيفة هذا القسم هي إعداد سياسات تسمح للنساء بتطوير وجودهن على أعلى مستوى بعدد متعاظم وإلتحاقهن بالنشاط السياسي على الجبهات الثلاث ،الحزب و الجيش و الجبهة الموحدة .
مسألة جعل النساء فى مراكز قيادية فى صفوف الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي)
إكتست مسألة بلوغ النساء مراكز قيادية أهمية فى النيبال مع تعويض الجبهات الثورية الموحدة مؤسسات الدولة الرجعية على نطاق القرية و المحافظات . كانت النساء تلتحق بالحركة بأحجام غير مسبوقة إلى عهدئذ
و كانت تبرهن عن روح مقاومة و تضحية و إخلاص خارقين للعادة ، لكن كانت تنقصهن المعارف و التقنية الضروريتين للنهوض بمهام قيادية .و مع تركيز المجلس الشعبي الثوري الموحد على المستوى المركزي لضمان تنسيق جميع الجبهات على مختلف المستويات ، صارت هذه المسألة دقيقة جدا. و من جهة أخرى ، عندما كانت تملك مستوى أعلى من التكوين العسكري داخل جيش التحرير الشعبي ، بحثت النساء أنفسهن عن طرح مسألة تطويرتأهيل النساء لمراكز القيادة و إكتست هذه المسألة أهمية أكبر حتى مع بلوغ التنظيم العسكري مثلما هو الحال الآن ، مستوى اللواء و منذ وجود كتائب و سرايا نساء ، أمكن ملاحظة أن الرجال يواصلون نشاطهم فى الميدان العسكري إلى سن الأربعين و أكثر بينما لا تستطيع النساء المضي إلى أبعد من سن 25 سنة إلا بصعوبة . و فى الوقت الذى كانت فيه الظروف الموضوعية على الساحة تتطلب تطوير قدرات الكوادر النساء القيادية ، فى صفوف الحزب ذاته كان يدور نقاش نظري حول دور النساء فى الحركة الشيبوعية العالمية .
خلال الندوة الوطنية الثانية و أثناء تحليل و تلخيص إنجازات حرب الشعب النيبالية و طريق براشندا ، كان دور النساء فى التأسيس لمواصلة الثورة و دورهن فى الوقوف فى وجه الثورة المضادة موضوع نقاش عميق . فى الواقع تركيز قسم خاص للنساء نتاج لطريق براشندا. و تمحور النقاش حول دورهن فى أدوات الثورة الثلاث و بما أن الحزب هو الرئيسي بين الأدوات الثلاث ، نالت مسألة تكوين نساء ثوريات قائدات فى الحزب الشيوعي عناية خاصة .
مسألة القيادة و النساء :
فى الأساس القيادة هي تعبير مركز عن القيادة الإيديولوجية السياسية و بالتالي داخل حزب شيوعي، القيادة الإيديولوجية هي التى تحدد نوعية القيادة . و هذه النوعية تتطور فى خضم صراع طبقي متواصل و صراع داخل الحزب و صراع داخلي . لا يمكن لقيادة محنكة حقا أن تبرز إلا فى البلدان حيث يدور صراع طبقي
و حيث سلامة الحزب تتأتى من صراع داخلي فى الحزب ، صراع يتطلب مستوى عال من تغيير الأفراد بفضل صراع داخلي مستمر . روزا الوكسمبورغ و ألكسندرا كولنتاي و كلارا زتكين و تشيانغ تشينغ إفراز لصراع طبقي حاد للغاية و لصراع داخل الحزب فى ألمانيا و روسيا و الصين .
و من ناحية أخرى ترتبط مسألة القيادة بكل من الحاجة الموضوعية و عامل الصدفة. فى العلاقة الجدلية بين الإثنين ، صحيح ان الوضع الموضوعي يجعل من الضروري بروز قائد ، بيد أن مسألة معرفة من سيظهر كقائد تبقى للصدفة. عند هذا الحد من القضية تغدو مسألة بلوغ النساء مراكز قيادية أعقد. لقد رأينا أن الحركات الشيوعية الثورية نجحت دوما فى تفجير غضب النساء ، و لكنها كانت غير قادرة على توجيه هذه الطاقة صوب تشكيل قائدات شيوعيات قادرات على مواجهة الصعاب مهما كانت. و قد طرح السؤال آلاف المرات : لماذا توجد قلة من النساء كقائدات فى الأحزاب الشيوعية بينما قدمت الماركسية تحليلا جد دقيق لإضطهاد النساء و قدمت حلا للمسألة؟ و من هنا السؤال : لماذا لا يلعب عامل الصدفة لفائدة ظهور نساء قياديات فى الأحزاب الشيوعية رغم الظروف الموضوعية المواتية . تحليل عميق يفرض نفسه.
إلتحاق النساء المجال السياسي إلتحاقا متأخرا
منذ عصر العبودية ، تمكن رجال الطبقات ذات الإمتيازات من تطوير قدراتهم فى مجال الشؤون السياسية للدولة . وقد طوّروا أنفسهم كقادة على حساب نساء مختلف الطبقات و على حساب الرجال العبيد . وهذا مستمر بشكل أو آخرإلى يومنا هذا. وهنا من المناسب التذكير بأن إنجلز شرح أن إلغاء النظام الأموي مثل أكبر هزيمة تاريخية عالمية للجنس الأنثوى و أن الرجال أخذوا زمام الأمور حتى فى البيت . فأهينت المرأة وصارت مستعبدة و أسيرة شهوة الرجل و تعمل على إنتاج الأطفال . بمقتضى حقهم فى الملكية ، إستولى الرجال على القيادة و فقدت النساء الحق الأموي . صارت النساء مقادة . و كان تقسيم العمل السائد عصرئذ يخص الرجال بالعمل الفكري بينما يوكل للنساء العمل اليدوي بما سمح للرجال بمراكمة خبرة طويلة فى ميادين تحليل
و تلخيص العالم فى حين إقتصر عمل النساء على الأعمال المنزلية محدودة القيمة . وبإحتكار الرجال مجالات المعرفة إنطلقوا بنشاط ليس فى فهم العالم فقط بل فى تغييره أيضا . و يجب التذكير بأن النساء لم تحصل على حق الإنتخاب إلا بعد الرجال بزمن طويل . و حتى اليوم فى القرن الحادي و العشرين ، فى ظل حكم إقطاعيين دينيين من عهد آخر مثل طالبان أفغانستان ( الذين إستبدلوا اليوم بتحالف إقطاعيين جدد تحت إمرة حميد كارازاي ) وفى ظل حكم المشايخ فى بلدان الخليج ، لا تزال النساء مبعدات من المجالات العمومية . و حتى فى البلدان الغربية ، بالرغم من كل الضوضاء التى يثيرها مناصرو قضية المرأة ، لا نجد سوى القليل من النساء على رأس الأحزاب السياسية . فى حالة النيبال منذ ولادتهن ليس للنساء أية حق فى القيادة بسبب النظام الإقطاعي و الملكي السائد. كل هذه العوامل تتراكم و تأثر على النضال من أجل بلوغ النساء مراكز قيادية فى الأحزاب السياسية . وهذا صحيح بوجه خاص بالنسبة للأحزاب الشيوعية و إن كان تاريخها ذاته نسبيا فى بداياته و الذين هم مع ذلك جد متعارضين مع التيار الذى تمثله الأحزاب السياسية الرئيسية .
نمط الإنتاج القائم ليس مشجعا :
تقوم البنية التحتية و البنية الفوقية للمجتمع الحالي على نظام عام للإستغلال و على نظام خاص لإستغلال وظيفة التناسل والعمل المنزلي للنساء .فى ما يتعلق بعلاقات الملكية ، فإن النساء مسؤولة عن الحفاظ على ملكية الرجل وهي التى ستعطي أبناءا لزوجها يتوارثون هذه الملكية عينها حسب خط ذكوري . والبنية الفوقية السائدة بأسرها و كذلك النظام الإجتماعي و الثقافي و السياسي تعمل من أجل هذا النظام الإستغلالي. مثلا ليست مؤسسة الزواج سوى رباط يهدف إلى تأبيد هيمنة الرجل على علاقات الملكية . و بالنسبة للنساء يمثل هذا الرابط تهميشا يجعل منهن عبيدا للمنزل . و للأسف يسرى هذا أيضا على الشيوعيين و إن كان بدرجة أقل .
فى النيبال ، بفضل حركات تقدمية قوية ، برزت من فترة إلى أخري مناضلات بعدد وافر إلا أنه يبدو أنهن تتوارى بمجرد بلوغهن الشهرة . تبقى مؤسسة الزواج واحدة من أبرز الأسباب التى تفسر إبعاد قيادات نسائية ذات مستقبل واعد . و يبدو أن حرب الشعب تغير هذا النموذج و لكن مع ذلك ، حتى فى صفوف حرب الشعب يبدو أن بقاء النساء فى مواقع قيادية يصبح غير متأكد حين تتزوج و تقرر الإنجاب. و يعود ذلك إلى أن النظام الإقطاعي و الأبوي أكثر رجعية فى بلدان مثل النيبال منه فى النظام الأبوي الرأسمالي فى البلدان الأكثر تقدما. لذا غالبا ما تكون حياة النساء الشيوعيات حين تتزوج معقدة .
و مع أن مفهوم الملكية الخاصة يتلاشى شيئا فشيئا مع تقدم حرب الشعب ، لا تزال الجذور الثقافية الإقطاعية تتسرب بأشكال إلتفافية على غرار التقسيم التقليدي للعمل المبرر بإسم الحاجة . إلى هذا ينضاف العبئ الذى تتحمله النساء من طرف واحد عندما يصبحن أمهات . مع كل طفل يولد تغرق النساء أكثر فى العبودية البيتية . فى الواقع ، تشكو عديد النساء اللاتى أنجبنا أطفالا من كون الأطفال يجعلونهن فى وضع يشبه من يتلقى إجراءات تأديبية ذلك أنهن ينقطعن عن أنشطة الحزب لمدة زمنية طويلة . و هكذا تسقط عديد المناضلات الشيوعيات فى النسيان منذ زواجهن من رفيق من إختيارهن. و الأمر كذلك لا سيما فى المناطق التى يهيمن عليها الرجعيون لأن النساء لا يتمتعن بأية دعم من الجماهير و من الحزب طوال السنوات التى تنهض فيها بوظائف التناسل . بالمقابل من المشجع رؤية أن المشكل فى طريقه إلى الحل فى مناطق الإرتكاز مثل رولبا و روكوم حيث تقدم الجماهير مساندتها للتخفيف من عبئ الأمومة عن النساء القياديات. و مظهر آخر من المجتمع الإقطاعي النيبالي هو الضغط الشديد الممارس على النساء المتزوجات كي تنجب أطفالا و بالخصوص أولادا. مع إنطلاق حرب الشعب، إختفى هذا المظهر جزئيا غير أن الضغط يظل مع ذلك كي تلد على الأقل طفلا.
و ثمة أيضا تيار ينحو نحو ممارسة نوع من الضغط على النساء الكوادر حتى تتزوج علنيا أو سريا بسبب الريبة الثقيلة التى تنتشر إزاء النساء العازبات مما يضطرهن إضطرارا للزواج أو للزواج قبل الأوان . و ثمة أيضا تيار إعتبار الجنح الجنسية أخطر من الجنح السياسية .
نضال النساء أعقد من نضال الرجال :
المشاركة فى الصراع الطبقي و فى الصراع داخل الحزب و فى الصراع الداخلي غير كافية بالنسبة للنساء الشيوعيات. يحدث غالبا أن تجد أنفسهن أقلية بينما تنتمى إلى الخط الأغلبي داخل الحزب . و لأنهن نتاج هذا المجتمع ذى الهيكلة البطريركية ، فإن صراعهن الداخلي صراع ضد أنفسهن كأفراد و كذلك صراع ضد القدرية و عقدة النقص و عقدة الذنب إلخ. و عليهن أن تواجه صراعات أصعب حتى حين تكون عازبات أو مطلقات أو تزوجت لعدة مرات . توثيق هذه المسألة وفير فى مقالات ألكسندرا كولنتاي .هي نفسها مثال جيد عن التمرد ضد هذا النوع من الزواج . لقد تركت زوجها الأول و إبنها لتتفرغ أكثر للعمل الثوري ثم تركت زوجها الثاني الشيوعي المحافظ . معارضتها للزواج التقليدي جعلتها تواجه صعوبات خاصة بالمجتمع البرجوازي و أيضا صعوبات نابعة من المحافظين من الشيوعيين . لهذا تعرف ألكسندرا كولنتاي ب" نظرية كأس الماء" (النظرية القائلة بأن الجنس ينبغى أن يكون ببساطة و سهولة شرب كأس ماء ) لدي المحافظين من الشيوعيين أكثر منها بمساهماتها فى الحركة الشيوعية و فى الحركة النسائية و حركة البروليتاريا الشيوعيين . لنتفحص مثالا آخر هو مثال تشيانغ تشينغ التى كان عليها أن تواجه تشويهات الصحافة و الشخصيات البرجوازية بسبب زيجاتها السابقة
و حتى داخل الحزب لم تكن تعامل بصفة ودية للغاية . وأجبرت على القبول بإبعادها سياسيا ل32 سنة فى مقابل زواجها من ماو. و قد إتخذ هذا القرار حينما كان اليميني ليو تشاوشى ضمن القيادة العامة للحزب .
مظاهر من القيم البطريركية فى صفوف الحزب الشيوعي
بما أن الحركة النسائية نتاج الثورة البرجوازية فغالبا ما تنزع الأحزاب الشيوعية نحو الحساسية حين يتعلق الأمر بمشاكل النساء . تستسلم هذه الأحزاب للقيم البطريركية مع القبول شكليا بتحرير النساء . و يتمظهر هذا بأشكال متنوعة. فمثلا ، عوض إعتبار النساء بمثابة شريكات متساويات و موثوق بهن على المدى البعيد فى صفوف الحركة الشيوعية ، لا يقدم لهم البعض إلا دور الدعم فى الحركة الشيوعية . و بالتالي يولى الحزب أهمية مبالغ فيها للصراع الطبقي غالبا على حساب النضال ضد إستغلال المرأة و ينسى العلاقة الجدلية بين الإثنين . سجلت حالات تأخير فى تشكيل منظمات نساء و حتى الحل المؤقت لمنظمة نساء كانت قائمة. ووجدت حالات حيث وقع رفض أن إعطاء الحرية الضرورية لجبهة النساء كي تصيغ مخططاتها و برامجها الخاصة حارمينها هكذا من قدرة المبادرة و الإبداع. وهو ما يؤدى فى آخر المطاف إلى الإغتراب و إلى ذهنية التبعية داخل الحزب. والشيئ ذاته يحصل عندما لا يتم التنسيق بين برنامج النساء و برنامج الحزب. و بالتالى يعطى برنامج الحزب الأولوية نسبة لبرنامج النساء . و نلاحظ الفكر المحافظ داخل الحزب فى تكليف الكوادر النسائية بمهام توصف بالأنثوية . و هكذا لم تستطع المشاركة فى صياغة سياسة الحزب فى ميادين أخرى .
عمليا ، يجرّ هذا إلى العفوية التى تناقش مشاكل المرأة و لا تمر إلى التطبيق لأنه يترك للظروف اللعب لصالح التناظر للحصول على درجة أرقى . لمسنا عادة عدم تدخل الحزب ضد التقسيم التقليدي للمهام بين الرجال
و النساء بمعنى ترك الرجال يتكفلون بالعمل الفكري بينما تنهض النساء بالعمل اليدوي . و يتمظهر هذا فى مساواة صارمة ترفض رؤية الظروف و الحاجيات الخصوصية للنساء وهو ما يبرز حتى أكثرحين العادة الشهرية أو حينما تكون النساء حواملا.
نقص فى المجهود الفردي للكوادر النسائية :
على النساء أن تواصل خوض النضال ضد الإضطهاد المزدوج. ولكن بما أنهن لا تقمن بالجهود الفردية الكافية فإنهن تتوقفن فى منتصف الطريق. مثلا ، خاضت بنجاح النضال ضد القيم الإقطاعية و لم تخض دائما الصراع الطبقي . و حيث خاضت صراعا طبقيا لم تستطع خوض الصراع داخل الحزب و بعدم المشاركة أو المشاركة البسيطة فى الصراع داخل الحزب ، فقدت ذكائهن الإيديولوجي. و هكذا لم تستغل النساء فرصة المساهمة فى عمل صياغة تمشى الحركة الشيوعية رغم أن لذلك عظيم الأهمية لتحررهن . نقص مجهودهم الفردي بيّن فى مجالات عدة . ففى الميدان الإيديولوجي تجدهن فريسات للبراغماتية و الإقتصادوية و الإنعزالية لأنهن لا تولى الجدية اللازمة للدراسة النظرية و بسبب الظروف الموضوعية فى الماضي ، لا تساهم بما فيه الكفاية فى الصراع الداخلي فى الحزب فى سبيل تغيير هذه الظروف الموضوعية بالذات .
فى المجال العملي ، عادة ما تبدى النساء تبعية و تطبق توجيهات الحزب بشكل أعمى دون طرح أسئلة ، بالضبط كما كانت تطيع أباءهن قبل زواجهن ، و أزواجهن فى ما بعد و فى الأخير أبناءهن لمّا تترمل. و من هنا تصير ضحية الظروف وهو ما يظهر فى الأمومات غير المرجوة التى تقلقهن حتى أكثر عندما توجد النساء على ساحة المعركة .
و هناك مظهر آخر هو إتباع النساء بصورة عمياء للخط السياسي لأزواجهن عوض صياغة خطهن الخاص مما ينعكس على إستقلالية حياتهن السياسية . و بعدم الدفاع عن حقوقهن تسقط النساء فى فخ التقسيم التقليدي للعمل و بالنتيجة تصبح ناقلات مباشرة أو غير مباشرة للأفكار التقليدية و الرجعية التى تقود للثورة المضادة . إنها ترى عادة الزواج و الأمومة فترة إستراحة فى مسارهن السياسي و العسكري كما لو أن الأمر يتعلق بعمل مؤقت. وأيضا تلتحق طواعية بعمل الزوج فى ميدان شغله هو و تخسر بالتالي خيوط عملها الخاص السابق .
و ينبغى أن نلاحظ أن النساء تستغرق وقتا أكبر حتى تستقر فى ميدان عملهن . لذلك يؤثر عليهن التغيير المستمر للمكان و للعمل أكثر من تأثيره على الرجال . و كنتيجة لجميع هذه الإتجاهات السلبية تتطور لديهن عقدة الدونية وهو أمر مضاد لتخصيب الثورة .
لا يتخلى الرجال طوعا عن إمتيازاتهم الخاصة :
بينما للكوادر النساء صعوبات فى فرض أنفسهن ، للرجال صعوبة فى التخلى عن موقعهم المتميز الموروث من الهيكلة الأبوية . و يظهر هذا بألف وجه و وجه . مثلا فى قبولهم الشكلي لبلوغ النساء مصاف الكوادر بينما فى عمقهم لا يقبلون ذلك . و تشهد بذلك التأخيرات فى دفع النساء إلى مراكز القيادة داخل الحزب و جيش التحرير الشعبي و الجبهة . و كذلك فى فقدان الصبر أمام الأخطاء التى ترتكبها النساء و النقص فى إحترافهن . إنهم يجعلون عادة النساء تعتنى بالمشاكل الخاصة بالنساء . و نلاحظ ذلك فى عدم إهتمامهم بقراءة ما يتعلق بالمسائل النسائية كما لو لم أنهم غير معنيين . لا يقرؤون الأدب الخاص بمشاكل النساء و لايشاركون كذلك فى صياغة برامج الجبهة الجماهيرية للنساء . و يتخذ كل هذا أحيانا شكل الحماية المبالغ فيها للكوادر النساء على المستوى الأمنى فى حين أن ذلك ليس ضروري حقا كما يتخذ شكل تولى مسؤولية العمل الفكري عوض النساء . و مظهر آخر لهذا الأمر هو تمسكهم بالتقسيم التقليدي للمهام أي عدم التخلي عن إحتكارهم للعمل الفكري مبعدين النساء نحو الأعباء المنزلية اليومية .و رافضين التخلي عن وضعهم ذى الإمتيازات ، يميل الرجال إلى إحباط زوجاتهم المفعمة بالحماس و المتطوعات للنهوض بمهام مستقلة تبعدهم كثيرا عن أزواجهم .
الخط السياسي و مسألة النساء القياديات:
إنها إيديولوجيا الحزب الشيوعي و خطه السياسي هما اللذان سيسمحان بتقييم نوعية القياديات الشيوعيات اللاتى ستظهر و سيحددان طريق تحرير النساء . لقد أفرز الخط السياسي الصحيح الذى صاغه الحزب الشيوعي و على رأسه الرفيق لينين قياديات شيوعيات لامعات مثل ألكسندرا كولنتاي و كلارا زتكين و آنيسا أرمادا
و كروبسكايا إلخ . إنه خط سياسي صحيح لأنه سمح لقياديات شيوعيات مثل كلارا زتكين و روزا لكسمبور غ بإعتماد يوم عالمي للمرأة يحتفل به مذاك العالم بأسره ، بعد أن تبنت هذا القرار الندوة العالمية الأولى للنساء الإشتراكيات فى ستوكهولم فى 1910. و هذا الإحتفال من صنع البرجوازية (بطريقتها) مثلما هو من صنع الشيوعيين اليوم أيضا.
متبعة خطا سياسيا صحيحا ، فضحت الشيوعية روزا لكسمبورغ برنشتاين و قاتلته فى كتابها ." ثورة أم إصلاح إجتماعي " و فى ما بعد كان نضالها ضد كاوتسكى هو الذى جعلها معروفة لدى الشيوعيين الثوريين فى العالم بأسره . وهي التى نبهت لينين إلى خطر البيروقراطية داخل هياكل الحزب إذا لم يتم فهم مسألة المركزية الديمقراطية بطريقة جدلية و فى الظروف الخاصة بالبلد الذى يطبقها . مع ظهور الثورة المضادة فى البلدان الإشتراكية سابقا و التوجهات البيروقراطية التى تريد من وقت إلى آخر أن تخرب الأحزاب الشيوعية التى تخوض حرب الشعب ، يتخذ تنبيه روزا لكسمبورغ طابعا راهنا .
الشيئ نفسه ، كان الخط السياسي الصحيح الذى صاغه الرفيق ماو وهوعلى رأس الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى هو الذى سمح بالتعبير عن غضب النساء . كانت إمرأة هي المبادرة بتعليق لافتة /دازيباو يفضح ليو تشاوشى و مباشرة بالصراع ضد الخط اليميني بالقيادة العامة . و الثورة الثقافية هي التى سمحت للرفيقة تشيانغ تشينغ (التى كانت محرومة من صفتها القيادية ) بالبروز كواحدة من أكثر المقاتلات صرامة ضد الرأسمالية إلى وفاتها (أو إغتيالها) . و ينبغى كذلك تذكر أن ليوتشاوشى اليميني هو الذى أعطى أمرا برجوع النساء إلى منازلهن بغية معالجة مشكل البطالة الذى كان يلوح فى الأفق وذلك عندما كان ضمن القيادة العامة . و السياسة اليمينية للبريسترويكا و السياسة الرأسمالية لدنك سياو بينغ هي التى أعادت شيئا فشيئا المتاجرة بالنساء مع عودة الدعارة و مسابقات الجمال إلخ فى روسيا و فى الصين .
إضافة إلى ما قيل لا ننسى أن النساء بفعل إنقسامهن إلى عديد الطبقات و أن النساء الشيوعيات تنقسم كذلك إلى خطوط يمينية و وسطية و ثورية . بسبب السياسة المعدية لتحرير العاملات التى يتبناها الخط اليميني و الخط الوسطي ، فإن النساء اللاتى كن تعلن تبنيها لمثل هذه الخطوط وجدت أنفسها فى آخر المطاف مهمشة فى حزبهن و تمت إدانتهن خارج الحزب بسبب موقفهن المعادي للنساء . بينما ظلت النساء اللاتى إخترن الخط الثوري ،حتى و إن لم تستطع تحقيق الإنتصار للثورة فى بلدهم الخاص ، ظلت رموزا شعبية . وهو ما ينطبق على روزا لكسمبورغ التى تظل القيادية الشيوعية الأكثر شعبية إلى يومنا هذا. لقد جرى إغتيالها قبل أن تحقق حلمها مما جعلها حتى أكثر إحتراما كقائدة شيوعية صارمة . على ذات المنوال ، كان الموقف الصلب لتشيانغ تشينغ التى دافعت عن الخط الثوري لماو حتى وهي سجينة هو الذى أكسبها صفة البطلة التى لا تهاب شيئا.
و تجدر الملاحظة أن النساء الشيوعيات كن على الدوام فى الواجهة فى النضال ضد التحريفيين . لعل السبب يعود إلى أنهن تمسكن جمر البيروقراطية التى تعزز بدورها القيم البطرييركية التى هي بدورها ترفض مشاركة النساء فى الميدان السياسي. كما تجدر الإشارة إلى أنه فى بلدان ما يسمى بالعالم الثالث مثل النيبال حيث التفرقة الطبقية ليست جد واضحة ، فإن الصراع داخل الحزب يمكن أن يتخذ أحيانا شكل الصراع الجندري أو الإثني أو الجهوي و المشكل الجندري يمكن حينئذ أن يتحول إلى عنصر هام فى الصراع الطبقي . و فى هذه الحال ستكون لأبعاد المشكل الجندري بالتأكيد إنعكاسات على مستوى الصراع الطبقي .
الملكية الخاصة و مسألة النساء القياديات :
بإستمرار تلتحق الجماهير النسائية عبر موجات للمساهمة فى الحركة الثورية و بالتالي توجد إمكانية بروز نساء قياديات نتيجة طبيعية . لكن يبدو أن هذه الموجة و العدد الممكن من النساء القياديات تنشح عندما تنجح الثورة أو تكون الثورة قد فشلت . و السبب الرئيسي لهذه الظاهرة هو مفهوم الملكية الفردية . طالما وجدت ملكية خاصة ،على النساء الإعتناء بشؤون المنزل و تبقى الملكية الخاصة للرجل و هذا بالرغم من كافة الثورات الممكنة . لذا يكتسي مفهوم مواصلة الثورة حتى الشيوعية أهمية إستراتيجية بالنسبة للنساء لأنه لن يتم إلغاء الملكية الخاصة إلا فى هذه المرحلة ، فاتحة هكذا المجال أمام الإبداع النسائي . و من هنا تأتي أهمية القيام بجهود واعية فى صفوف الأحزاب الثورية التى ستلعب دورعامل الدفع إلى حين بلوغ الشيوعية . لا يمكننا عندئذ أن ندع للصدفة وحدها بروز قياديات شيوعيات و إنما علينا أن نسهر بوعي على أن تستطيع التفتح و الحياة و التعلم و على أن ندافع عنها.
بعض تجارب نساء قياديات فى النيبال:
تمخض الإعتراف بأهمية النساء الثوريات و دورهن فى حركة الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) عن نتائج مشجعة . فاليوم ثمة بعض النساء فى اللجنة المركزية لحزبنا و ثمة العشرات على المستوى الجهوي و المئات على مستوى الإقليمي و عشرات الآلاف فى مناطق الإرتكاز و فى الخلايا . فى جيش التحرير الشعبي ، هنالك عديد النساء القائدات و نائبات القادة فى مختلف الأقسام ،الفرق ، الألوية و السرايا و الميليشيا.و هنالك أقسام متكونة من النساء فقط ضمن الفرق النسائية و الألوية النسائية والمليشيات النسائية تعمل على الساحة . لجنة الشعب الثوري المتحدة التى هي مجلس تنظيمي للحكومة المركزية فى حالة جنينية يشمل على أربع نساء من أصل 37 عضوا. و مشاركة النساء على كافة المستويات فى مجالس الشعب تمت عبر التفويض.
لتقديم مثال فقط عن مشاركتهن على مختلف الأصعدة لنأخذ العدد الجملي لنساء المنظمات النسائية الجماهيرية فهو يصل إلى ستة مائة ألف. و على المستوى العسكري ،هنالك عشر نساء قادة سرايا فى القوة الرئيسية و إمرأتان فى قيادة الفيالق فى القوة الثانوية و عديد النساء فى قيادة مليشيات القوة الأساسية . و قد شنت النساء حملة
" فى كل قرية ، وحدة ، منزل ، صديق ". و ساهمت هذه الحملة فى تنظيم و تسييس القرى الواحدة بعد الأخرى . كذلك فى ميدان الإنتاج ، شنت حملة سميت :"حيث توجد علاقة ، يوجد تنظيم ، وحيث يوجد تنظيم يوجد إنتاج ". إذا شاركت النساء فى النشاطات الإنتاجية وساهمت بحيوية فى المحاكم الشعبية حيث كانت تتم محاكمة ومعاقبة السكارى و المتلاعبين ومحتقري النساء و الغشاشين . فى هذه المحاكم ، كانت المليشيات المتكونة من النساء تساهم بشكل كبير إلى جانب القرويين . يمكن أن نقول إن هذه هي الأسس الموضوعية لبروز النساء القياديات اللاتى نضجن فى المنطقة الغربية .
و اليوم يجرى تشجيع النساء على التمرد بعدد متزايد ضد الزواج المفروض و الزواج غير المناسب من وجهة النظر السياسية . مثلا، بدأت الرفيقة شيلبا مسيرتها قائدة فرقة أنصاريين وأصبحت بعد ذلك عضوا فى نيابة اللجنة الجهوية للحزب و فى النهاية نائبة رئيس اللجنة الشعبية على مستوى المحافظة . و توفيت وفاة بطولية بينما كانت تعد كمينا للقوى المسلحة الرجعية فى ماي 2002 . و تجرأت على فضح زوجها الذى إرتد عن الثورة بعد أن وقع فى الأسر و طلقته .
و ثمة توجه متنامى لإعادة تزويج الأرامل . و مفهوم عائلة الشهداء يشمل اليوم زوجات الرفاق الشهداء اللاتى تزوجن من جديد و لم تتخل عن القضية الثورية . وهو ما ساعد أرامل الشهداء على الزواج دون الإحساس بعقدة الذنب. مثلا الرفيقة شيلو تلك التى كانت تقود النساء اللاتى قمن بالهجوم التاريخي على سجن غوركا فى مارس 2001 تزوجت من جديد من رفيق آخر حينما فقدت زوجها بهيم سان بوكارال الذى قدم حياته ببطولة وهو يحاول حماية الرفيق باسو ، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي ) و أول شهيد من صفوف المكتب السياسي.
و تجدر الإشارة إلى أن الرفيقة بهول مايا ب.ك. التى كانت قائدة سريّة فى الكتيبة التى قامت بالهجوم التاريخي على ثكنات دنك فى 23 نوفمبر 2001 إستشهدت فى نفس الوقت هي و زوجها الرفيق بيجوك فى هذه المعركة بالذات . و يمكن أن نضيف أن المفوض السياسي للهجوم على ثكنة ستباريا فى دنك فى أفريل 2002 هي إمرأة .وخلال إعلان حالة الطوارئ و التعبئة العسكرية ، إستشهد عديد الأزواج و الزوجات و البنات و البنين على الجبهة و هذا يبين جيدا درجة التسييس داخل العائلة فى النيبال.
خاتمة :
يمكننا إذا أن نستخلص أن لبلوغ النساء الثوريات مراكز القيادة فى الحزب الشيوعي أهمية إستراتيجية لأنهن قوة منغرسة فى الجماهير ، قوة يمكن التعويل عليها على المدى الطويل و قوة ستدفع إلى الأمام الحركة الشيوعية فى الثورة الديمقراطية الجديدة حتى الإشتراكية ، ومن الإشتراكية حتى الشيوعية مع إضمحلال الدولة و الملكية الخاصة . حينها سيكون التحرير التام للنساء مضمونا .
بصدد علاقة الشيوعية بتحرير النساء ، قالت إناسا أرماند مثلا إن تحرير المرأة لا يعقل دون الشيوعية
و بالتالي إن الشيوعية لا تعقل دون التحرير التام للنساء . إن مفاهيم من حقنا أن نثور و الثورة الثقافية ومواصلة الثورة فى ظل دكتاتورية البروليتاريا عموما و السياسة المرتكزة على الجماهير إلخ، كافة هذه المفاهيم و تطبيقها هامة جدا بالنسبة للنساء نظرا لتعرضهن للإضطهاد المزدوج. هذا الإضطهاد المزدوج و الوعد القديم الذى لم يتم أبدا الوفاء به، وعد المساواة الذى قطعته الطبقات السائدة بما فيها اليسار التحريفي ،يجعلهن متحليات باليقظة و على إستعداد لمعارضة كل ثورة مضادة و كل تحريفية لأنهن لمسن أن مكتسباتهن فى مجال حقوق النساء تتآكل شيئا فشيئا مع كل إجراء رأسمالي إتخذه الحزب[ التحريفي ] فى روسيا و فى الصين .
يجب على الشيوعيين أن يعوا تمام الوعي أنه إذا لم نناضل بإستمرار ضد القيم البطريركية ،رغم الحملات التصحيحية ، ستتسرب البيروقراطية تدريجيا إلى الحزب . و بقرطة الحزب تعنى إنعزاله عن الجماهير . إن صار الحزب هدفا فى حد ذاته ، يخدم وجوده كحزب ، فإنه فى النهاية سيعزز التحريفية . و الحزب سيصبح طليعة الطبقة المستغِلة عوض أن يكون طليعة الطبقة المستغَلة . و لن يمثل أي أفق تحرر للطبقة المستغَلة و للنساء .
من أجل أن تنمو الحركة الشيوعية ، لا يكفى أن تنتج شيوعيات قياديات لامعات مثل روزا لكسمبورغ و كلارا زتكين ، فمن المهم كذلك أن تنتج زوجات شيوعيات مثل كروبشكايا و تشيانغ تشينغ اللاتى كن قياديات فى مجالاتهن و اللاتى ظللن واقفات بصلابة إلى جانب أزواجهن الذين هم ذاتهم قياديين مرموقين فى الحركة الشيوعية . لم توفر لأزواجهن فقط الراحة و الرفقة بل ساهمت أيضا بنشاط فى صراع الخطين داخل الحزب . و نحتاج فضلا عن ذلك إلى نساء مثل جيني ماركس التى بقيت صلبة كالحجر إلى جانب زوجها أوقات الشدة الشخصية و السياسية و التى دعمته بكل ما أوتيت من جهد . وذلك لأنه من أجل الحفاظ على مكاسب الثورة و الإستمرار فى التقدم ، لا نحتاج إلى قياديات ثوريات فحسب بل نحتاج ايضا ان يتلقى قياديينا الرجال الدعم و الحماية اللازمين . لا ننسى كذلك أن الثوريين مثل كارل ماركس و إنجلز و أوغست بابل و لينين و ماو إلخ هم الذين قدموا تحليلا عميقا لإضطهاد النساء و أشاروا إلى طريق تحريرهن .
كما ينبغى أن نسجل أمرا آخر هو أن النساء الشيوعيات تعرف أن كل خطوة إلى الأمام فى سلطة الشعب البروليتاري تناسب خطوة نسبية إلى الأمام فى سلطة النساء . و على الرجال الشيوعيين أن يعرفوا أن الثورة و المكاسب لا يمكن أن نضمنها و أن نطورها إلا بقدر ما تكون النساء أكثف فأكثف عددا فى إلتحاقهن بصفوف الثورة وبصفوف قيادتها . إضافة إلى ذلك ، بالضبط مثلما تحتاج الحركة البروليتارية إلى مشاركة جميع الذين يتمردون على طبقتهم ، تحتاج حركة النساء مشاركة جميع الذين يتمردون على طبقتهم و أيضا على أفكارهم المسبقة الخاصة الجندرية . و بناءا عليه، فإن التحالف بين الرجال و النساء الثوريين ليس فقط أمنية و إنما أيضا ضرورة تاريخية . وهو ما يجعل حتى أكثر ضرورة بروز شيوعيات ثوريات قياديات .
و فى الأخير من المهم عدم نسيان ملاحظة أبداها ماو و مفادها : كونوا غير راضين فالعالم ملك لغير الراضين. و هذه الملاحظة تنسحب حتى أكثر على القياديات الثوريات اللاتى ينبغى أن تخوض صراعهن الداخلي. /.
------------------------------------------------3-------------------------------------------------------
مشاركة المرأة فى الجيش الشعبي
(الرفيقة برفاتى ،2004)
" لا شيئ مستحيل فى هذا العالم إذا تجرأتم على صعود الجبال "- ماو تسي تونغ
مقدمة : عندما شرع الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) فى حرب الشعب التاريخية فى 1996 ، لم نكن نملك من أدوات القتال سوى بضعة عصي و مناجل و "خوكريس" و شيئا مثل مسدسين إنثين (1) . بعد ثماني سنوات ، صار جيش التحرير الشعبي مع ذلك يمتلك عتادا فائق التقدير . و بالطريقة نفسها سنتذكر أنه فى المرحلة الأولى لحرب الشعب ، كانت قوانا القتالية قليلة العدد و لم تكن تنشط بالأساس إلا فى إطار عمليات الدفاع عن النفس . و لكن الآن غدى جيش التحرير الشعبي متكونا من فيلقين (2) و سبعة ألوية و تسع عشرة كتيبة و عديد الفرق و الأقسام ،هذا بغض النظر عن عشرات الآلاف من المليشيات (نساءا ورجالا) التى يقودها .
عند الإنطلاقة لم تكن القوات الأولية التى نشرها الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) تواجه سوى الشرطة المحلية ،بينما الآن على الأنصاريين و الأنصاريات أن يقاتلوا الجيش الملكي النيبالي بأسره وهو يلقى المساندة من الولايات المتحدة (لهذا نفضل تسميته الجيش الملكي للولايات المتحدة ).
أكثر ميزات حربنا الشعبية أهمية هي بالتأكيد المساهمة الخارقة للعادة للنساء فى صفوف جيش التحرير الشعبي و مشاركتهن المباشرة فى القتال . أثناء الإجتماع الموسع الثالث للحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) الذى إنعقد فى 1995 قبل إنطلاق حرب الشعب ، تقرر أنه ينبغى أن تشارك على الأقل إمرأتان فى كل فرقة تتشكل . و اليوم ،تعد النساء ثلث أعضاء جيش التحرير الشعبي .إنهن الآن قائدات مساعدة فى بعض الكتائب و قائدات و قائدات مساعدة فى عديد السرايا و الأقسام و بعضهن تحتل مركز المفوض السياسي فى مستوى أو آخر . و الإستشهاد الحديث للرفيقة سابان شيالا التى كانت تقود سرية من جيش التحرير الشعبي فى 17 سبتمبر 2003 يقدم لنا مثالا ساطعا عن المكانة التى صارت تحتلها النساء الآن . فقد قدمت الرفيقة شيالا حياتها للثورة بينما كانت تقاتل الجيش الملكي فى منطقة بيانغ –جمكوت الواقعة غربي البلاد.
مع مضي الوقت ، شاهدنا أيضا عددا كبيرا من النساء المساهمات فى نشاطات أنصارية مدينية جريئة ،على غرار الإستيلاء على أموال بنوك وتصفيات إنتقائية و حركات تحطيم أملاك و بناءات الدولة ،لا سيما فى الهضبة المركزية لتيراي والعاصمة كتمندو و مراكز مدينية أخري . و على مستوى المليشيات ،يتأكد أن مساهماتها ببساطة خارقة للعادة ، متجاوزة عادة مساهمة الرجال . فضلا عن ذلك ، تنهض النساء بدور هام فى حماية المجالس الثورية الشعبية التى تركزت فى عديد الجهات و المقاطعات و تشارك كذلك فى تعزيز مناطق الإرتكاز حيث تقوم بمهام مختلفة فى البناء.
لهذا أضحت النساء جزءا مساهما فى ما يمثل هيكل الدولة الجديدة الناهضة حاليا. و تكريس شعار "مواطن /مواطنة ، جيش " الذى رفعه المجلس الثوري الشعبي الموحد فى توجيهاته الحديثة لإدارة السلطة الشعبية جعل حتى أكثر نجاعة مساهمة النساء فى العمل العسكري.
و اليوم ، بلغت حرب الشعب مرحلة تستعد فيها للمرور من مرحلة التوازن الإستراتيجي إلى مرحلة الهجوم الإستراتيجي. و بإعتبار أن الفترة القادمة ستكون حاسمة فى الثورة النيبالية ، من المهم أن نعمم و نلخص تجربة النساء المقاتلات فى صلب جيش التحرير الشعبي و أن ندرك جيدا مدى الحدود و التحديات التى تواجههن . لكن قبل أن نخوض فى ذلك بالتفصيل لنعرض بداية كيف ساهمت النساء فى مختلف الحروب التى تتالت إلى يومنا هذا.
النساء و الحرب :
مع إضمحلال المجتمعات الأموية البدائية ، تحول التناقض بين الإنسان و الطبيعة إلى تناقض فى صفوف الإنسان ذاته و إتخذ بوجه خاص شكل حروب طبقية . و أدى التملك الفردي للثروات و البحث عن الربح الفردي إلى حصر دور النساء فى الأدوار البيولوجية المرتبطة بالحفاظ على الطبقات الإجتماعية و إعادة إنتاجها . فى مثل هذا الإطار ، كانت مساهمتهن فى الحروب محدودة ،غالبا ، فى مجرد دور معاضد .
لقد إستعملت النساء عادة لمجرد رفع معنويات الفرق المتحاربة (هكذا حين يبعث بالممثلات المحترفات و غيرها من شهيرات النساء إلى حقل المعركة ) و إستعملت أحيانا كصارخات ( من أجل السخرية من " فقدان الرجولة " لدى المقاتلين الأعداء ) و كمساعدات على المستوى اللوجستي (هذا ما حصل على نحو واسع خلال الحروب العالمية الأولى و الثانية ) و كممرضات (مثل فلورنس نايتنغال ) أو حتى كجسوسات (و يدل على ذلك المثال الشهير لمارتا هارى) . المرات القليلات التى وجدت فيها نساء تساهم بنشاط فى القتال هي المرات التى كان فيها ذلك بطريقة محدودة و إستثنائية جدا، مثلما هو الحال بالنسبة لاكسمى باي فى الهند التى قاتلت مضطرة أو مثلما هو الحال بالنسبة لجان دارك فى فرنسا ، المدفوعة بفقدان الأمل .و حتى لما حدث ذلك ، كان على هذه النساء أن تلبس ثيابا ذكورية و أن تخفي هويتهن الحقيقية.
والحالة التى نالت إشهارا واسعا هي حالة الأمازونونيات اللاتى قاتلن فعلا إمبراطورية الداهومي فى القرنين 18 و19. هذه الحالة كانت نتيجة عمل مأتاه فقدان الأمل من قبل الملك الذى وضع كتائب كاملة من النساء خلف قواته بهدف خداع العدو موهما إياه بأن قواته كانت أهم مما هي عليه فى الواقع . فقط بعد أن وجدت أنفسهن مضطرة للمساهمة فى القتال ، إكتشف الملك أنه بإمكانهن أن يكن كذلك مقدامات كالرجال فأدرجهن بالجيش النظامي.
أقرب منا حتى ،هنالك نساء منظمة نسور إيلام التاميل و اللاتى أدمجن هي الأخرى فى الجبهة العسكرية لكن فقط بعد أن أثبتن قدراتهن فى نشاطات المساندة اللوجستية أو فى قوى خاصة مكلفة بمعاضدة فرق الرجال.
النساء و الحروب الطبقية :
كان لزاما إنتظار ظهور الحروب الطبقية الثورية حتى نشاهد أخيرا إرتفاعا له دلالته فى مساهمة المرأة فى النشاطات العسكرية . فقد صارت هذه الظاهرة ممكنة لأن الحروب الطبقية تهاجم مباشرة العلاقات الإقتصادية الإجتماعية الإضطهادية و علاقات الإنتاج و الفقر التى تؤثر على النساء أكثر حتى من الرجال . و للحروب الطبقية علاقة مباشرة بالصراع ضد إضطهاد النساء ذلك أنها لا تزلزل أسس الدول الرجعية فحسب و إنما تزلزل كذلك كل الهيكلة العائلية التى هي ذاتها متخفية بعمق خلف الدين .
على عكس الحروب الأثنية و الدينية و الجهوية لا تخلق الحروب الطبقية إنقسامات فى صفوف الشعب ، بالعكس بقدر ما تتطور بقدر ما تتجه نحو العالمية . إنها تستقى قوتها من النشاط الجماعي للجماهير و بالخصوص الجماهير المضطهَدة (وضمنها تعد غالبية النساء ) . إضافة إلى ذلك ، تمثل كل من الدكتاتورية التى تمارسها الدول الثورية ضد المضطهدين و توسيع الديمقراطية لصالح الجماهير ، محور جاذبية قوي بالنسبة للنساء . و الدول الثورية لا تعزز الأدوار الإنتاجية للمرأة فقط بل كذلك تحمى أدوارها التناسلية . بما أن الإضطهاد متجذر بأكثر عمق من إضطهاد المجموعات المضطهَدة الأخرى فإن النساء تفهم بسهولة ضرورة فرض حرب طبقية واسعة و ممتدة . و هكذا ، يزخر التاريخ بأمثلة مساهمة النساء فى الحروب الطبقية .
وتعد المشاركة المباشرة لنساء البروليتاريا فى كمونة باريس فى 1871 أول حلقة كبرى فى صراع النساء المضطهَدات. و يؤكد وقوفهن إلى جانب رفاقهن الذكور عندما رمتهم القوى الرجعية بالرصاص درجة الحقد عليهن الذى ولدته مشاركتهن فى الثورة .
و كذلك كانت مشاركة النساء فى القتال فى الإتحاد السوفياتي خلال الحرب العالمية الثانية خارقة للعادة بأتم معنى الكلمة . و الأرقام التالية تعطينا مؤشرا جيدا على ذلك:
" تبين الإحصائيات الرسمية أن 800 ألف إمرأة كانت ضمن عناصر الجيش الأحمر بينما كانت 200 الف أخريات ضمن القوى غير النظامية (متكونة من أنصاريين و أنصاريات ) و هذه الإحصائيات تساعدنا على تأكيد أن النساء كانت تشكل حوالي 8 بالمائة من إجمالي العناصر العسكرية للإتحاد السوفياتي (التى كانت تعد 12 مليونا ) . من هذه ال800 ألف إمرأة ،حوالي 500 ألف إشتهرت بمشاركتهن فى جبهة القتال بينما إتبعت 250 ألف أخرى تمرينا عسكريا فى مدارس الكمسمول "(3)
وفى الصين، تكونت مليشيات نسائية خاصة فى المناطق التى كانت تحت سلطة القوى اليابانية حينما كانت تحتل البلاد، و فى ما بعد قاتلت هذه المليشيات الجيوش البيضاء التى كانت تواصل الهجوم على الحدود الصينية إثر ولادة الصين الشعبية.
و أخيرا، تميزت حرب الفتنام أيضا بمشاركة كبيرة للنساء . صورة الجنود الأمريكان ذوى الهيئة القوية بالتأكيد و لكن الذين سيطرت عليهم الفتناميات الصغيرات الحجم و الناقصات تجهيزات ما إنفكت إلى اليوم تسبب الكوابيس لقادة الولايات المتحدة . و ما نذكره هنا يعطى فكرة عن مساهمة النساء فى حرب التحرير الفتنامية سواء على المستوى الكمى أو النوعي :
" لقد إرتقت السيدة دِنَه إلى مرتبة جنرال لجيش التحرير الشعبي الفتنامي على قاعدة الإنجازات التى حققتها كمؤسسة لجبهة التحرير الوطني و قائدة لإنتفاضة بَن تَرِي. و كانت تسميتها تعكس أيضا مشاركة النساء ذات الدلالة فى صفوف جيش التحرير الشعبي الفتنامي [...] اللاتى كانت تمثل حوالي 40 بالمائة من قادة الكتائب" (4)
مشاركة النساء فى حرب الشعب طويلة الأمد :
" النساء مشتل الحرب " -هو شي منه .
بما أن الإضطهاد الطبقي و الجندري الذى تتعرض له النساء إضطهاد طويل الأمد ، فإن آفاق حرب الشعب طويلة الأمد تتكشف جذابة بالنسبة لهن . حتى و إن كانت حرب الشعب طويلة الأمد أولا و قبل كل شيئ طريقة تهدف لإقامة دولة الديمقراطية الجديدة ، فإن سيرورة تطورها تسمح بتحقيق تغييرات مستمرة . و تسمح أيضا بكسر الثقافة الإقطاعية و مقاومة الثقافة الإمبريالية . وهكذا تساعد حرب الشعب طويلة الأمد النساء على تحقيق ذواتهن بصورة تامة و على تحقيق حياة أوفر كرامة .
حرب الشعب هامة بشكل خاص بالنسبة للنيبال حيث يتطلب الأمر من النساء أن تنجز قفزة جبارة ماضية من الأبوية الإقطاعية و القروسطية مثلما هي موجودة اليوم (العذراوات،بخاصة، موضوع عبادة دائم) إلى ثورة الديمقراطية الجديدة . و هذه القفزة إلى الأمام تفترض فترة طويلة من التحول فى طريقتهن الخاصة للنظر إلى الأشياء .
ما يميز حرب الشعب عن المناهج الأخرى فى الحرب تعلم الحرب عبر القتال ووضع الإيديولوجيا فى المصاف الأول نسبة للأسلحة و بناء قواعد إنطلاق و تطوير المبادرة المحلية و التعويل على الذات و المحافظة على القوى و إستهداف العدو و مهاجمته حيث يكون الأضعف و الإنسحاب حيث نكون فى وضع ضعف و بالخصوص المبادئ الأساسية التى لخصها ماو فى صيغته الشهيرة "صيغة الستة عشر حرفا" ( "العدو يتقدم ،نتراجع، العدو يتوقف،نهرسله،العدو يتعب ،نوجه له ضربة ، العدو يتراجع ،نطارده") : كافة هذه الميزات بمقدورها أن تدفع نحو مشاركة النساء . حرب الشعب طويلة الأمد هي الإستراتيجيا العسكرية للقطاعات الأضعف فى المجتمع المناضلة ضد سلطة دولة أقوى بكثير من هذه القطاعات الأضعف.
بوجه خاص، يتناسب جيدا مفهوم قواعد الإرتكاز مع نضال تحرير المرأة . و هكذا يمكن وضع المكاسب و النتائج التى تحصلن عليها بفضل نضالاتهن موضع الممارسة فى الحال ،حتى قبل أن تضع الحرب أوزارها. فتكريس المساواة فى الحقوق فى ميادين الملكية و التعاونيات و المزارع الجماعية و فتح المطاعم و رياض الأطفال، مثلا، تتكشف ممكنة تماما. و يغدو كذلك ممكنا ضمان عدد معين من مراكز القيادة للنساء فى صفوف أجهزة الدولة الجديدة فى طور التشكل . و يعطى التطور المحتمل للحرب نحو تركيز التشكيلات العسكرية الأكثر تقدما النساء مجالا كافيا للعمل من أجل القدرة على إستيعاب و تصحيح و تحسين قدرات النساء على الإنتفاضة فى زمن تبين فيه عناصر السرعة و المفاجأة و تركيز القوى بهدف ضمان الإفتكاك النهائي لسلطة الدولة المركزية محدٌّدة . ( لنلاحظ أن فى عالم اليوم الأكثر فأكثر إستقطابا ،يجب أن تأخذ إمكانية و حتى ضرورة المزج بين حرب الشعب طويلة الأمد والإنتفاضة بعين الإعتبار منذ بداية النضال المسلح ، علما أن فى البلدان المتخلفة ، ينبغى التشديد مع ذلك على حرب الشعب طويلة الأمد بينما فى البلدان المتقدمة ، يظل الطريق الأساسي الإنتفاضة). لهذا يجب النظر فى مسألة مساهمة النساء فى كل من حرب الشعب طويلة الأمد و الإنتفاضة من وجهة نظر إستراتيجية . و تكتسى حرب الشعب بالنسبة للنيبال أهمية أكبر حتى.
توفر الظروف النيبالية الخاصة مثل أنه ليس للنساء أية حق فى الملكية و أن الدولة تخلت عنهن بفضاضة فى الوقت الذى تمثل فيه مع ذلك حجر زاوية الإقتصاد الفلاحي المعيشي ، قاعدة مادية خصبة لإنخراطهن الجماهيري فى جيش التحرير الشعبي . بينما يضطرالرجال للقيام بالخدمة العسكرية أو الهجرة نحو مناطق مدينية فى النيبال و حتى فى الهند كي يجدوا عملا ما ، فإن النساء تجد أنفسهن مضطرات للإعتناء لوحدهن بالأطفال و الشيوخ فتصبح فعليا القائمات بالعائلات ذات العائل الواحد و عليهن تغذية عائلاتهن فى المناطق البعيدة و الوعرة .
واحدة من الظواهر التى تحبطهن إلى درجة عالية و تدفعهن إلى الإنتقام هي ظاهرة تعدد الزوجات التى تتطور حتى أكثر فى مثل هذه الظروف و التى تفرض عليهن أتعابا مضاعفة . هذه الظاهرة تجعل من النساء المتعاطفات مع جيش التحرير الشعبي كثيرات العدد و تحث بناتهن على الإلتحاق بصفوفه حين لا تصبح هن بالذات مقاتلات لوقت كامل .
و أدى الضغط الذى يدفع النساء إلى الزواج فى سن مبكرة أكثر فأكثر (لأجل التخلص من أعباء العفة ) كذلك إلى أن إلتحقت عديد البنات من الأصل الهند-آري بجيش التحرير الشعبي فبالنسبة لهن جيش التحرير الشعبي وسيلة جيدة لكسر سلاسل الإقطاعية. و بالطريقة ذاتها ، فى ما يتعلق بالنساء من أصل تيباتو-برمان و إن كانت نسبيا أحرارا فى إختيار أزواجهن ، فإنهن تنتهين لا محالة إلى أن تجد أنفسهن فى حلقة مفرغة من حياة روتينية و قاسية ، مكرسة تحديدا للتناسل فبالنسبة لهن أيضا يوفر جيش التحرير الشعبي فرصة الحصول مباشرة على تجربة أرقى و حرية أكبر .
علاوة على ذلك ، يوفر جيش التحرير الشعبي نهجا جديدا لنساء قومية التارو اللاتى تحررن حديثا من العبودية فى منطقة تاراي . كانت هذه النساء مستغَلة ليس إقتصاديا فحسب و إنما أيضا جنسيا من طرف رجال الكاست الأعلى البراهمانيين و شهاتريس الذين يعيشون فى الجبال المحاذية . بتسليح النساء الداليت ، قدم لهن جيش التحرير الشعبي وسائل قتال نظام الكاست المفرط فى التصلب و الذى ينظر إليهن و يعاملهن حتى بأكثر عنف من لو كن كلابا.
وعلى عكس الرجال ، لنساء النيبال إمكانيات ضئيلة فى الحصول على عمل فى المراكز المدينية للبلاد (هذه المراكزالتى هي مع ذلك قليلة التطور إلى حد كبير) و فى الهند المجاورة ، كل ما يمكن الأمل فيه هو التعرض للسرقة و البغاء . لذا، تجد غالبيتهن أنفسهن فى الخلفية فى الأرياف و فى المناطق الريفية و بالتالي تغدو هذه النساء هدف الجيش الملكي الذى يمارس السرقة و يضرم النار فى منازلهن و مواشيهن و محاصيلهن (حين لا يقرر هؤلاء المرتزقة ببساطة إغتصابهن و قتلهن) . و نجم عن هذه الظاهرة الواقعية جدا إرتفاع نسق إنخراط النساء فى جيش التحرير الشعبي : إنهن يعتبرن الإنخراط فيه طريقة جيدة للإنتقام من عديد الإعتداءات التى تعرضن لها و التى لا زلن يتعرضن لها.
إذن ، توجد نساء النيبال فى نفس الوضع الذى وصفه ماركس فى حديثه عن البروليتاريا : ليس لديهن ما تخرسرنه سوى سلاسلهن!
دور جيش التحرير الشعبي فى تغيير المقاتلات :
" إن الثورة الشيوعية تقطع من الأساس كل رابطة مع علاقات الملكية التقليدية ، فلا عجب إذن إن هي قطعت بحزم أيضا ، أثناء تطورها ،كل رابطة مع الأفكار و الآراء التقليدية ." ماركس و إنجلز ،" بيان الحزب الشيوعي" ،1848
يساهم جيش التحرير الشعبي فى تغيير وضع النساء ليس فقط على المستوى الجوهري بل أيضا على المستوى العملي .إنه يساعدهن كذلك على كسب الإحترام و الكرامة الذين حرما منهما على الدوام .لمدة طويلة جدا ،إعتبرت النساء من التحصيل الحاصل و لمدة طويلة جدا تعرضت للعنف بصمت ،على النطاق الخاص و أيضا على النطاق العام. و اليوم لم يعد الهوليقانس و ثقيلي الظل والمعتدين على النساء يتجرؤون حتى على الإقتراب من النساء فى مناطق حرب الأنصار إلا إذا كانوا مصحوبين بالقوى المسلحة الرجعية .
لقد حوّل جيش التحرير الشعبي هذه النساء غير الآمنة إلى منتفضات حقيقيات . و قد خلصهن من كل اللباس الذى فرضه الإقطاع لأجل إرتداء ثياب عملية و صالحة للجنسين . و غدت مقاتلات جيش التحرير الشعبي واعيات ليس لتطورهن الإيديولوجي فحسب و لكن كذلك لتطورهن الجسدي . تعي النساء جنسانيتهن و مسائل الزواج و الإنجاب التى لها إنعكاس مباشر على نشاطهن السياسي و العسكري .
بإمكاننا أن نقول دون أن نخطأ إن جيش التحرير الشعبي ساعد النساء على كسر الجدران الأربعة للمنازل حيث كانت سجينات و إنه ساعدهن على السفر و التنقل عبر البلاد كافة . وسمحت مساهمة النساء فى جيش التحرير الشعبي بتوسيع مجال نشاطهن لتمر من الرحم إلى العالمية . من عبيد منازل "فى الخفاء" صارت مقاتلات ثوريات محترفات تنهض بوضوح بأعباء مواقع مسؤوليات وهو ما عزز قوتهن الجسدية وكذلك الذهنية، سامحا لهن بتطوير طريقة تفكير أكثر موضوعية تلبى طلبات حياة قتال صارمة .
فى السابق ، لم تكن النساء تدرك حتى مفهوم الزمن : كانت تعمل من الفجر إلى نهاية اليوم ، و أحيانا حتى إلى ما بعد منتصف الليل و لكن الآن صارت تعدّ مستلزمات توقيت القنابل الموقوتة ...فى السابق ، كل ما كانت تحفض "إطلاقه" هو شعر الآخرين و الآن يعلمهن جيش التحرير الشعبي إطلاق النار بأسلحة من العيار الثقيل...
و كانت النساء ورعات و خاضعات و أمست مقاتلات شرسات ! فى السابق ، كانت تمد آذانهن لإلتقاط الإشاعات الرائجة و اليوم ، تستمعن إلى الإذاعة و تبحثن عن الأخبار الوطنية و العالمية . فى السابق ، المرات الوحيدة التى يسيل فيها دمهن هي خلال العادة الشهرية و الآن يسيل دمهن فى سبيل الإطاحة بالنظام الملكي المسنود من قبل الإمبريالية الأمريكية !
بتعزيز أنفسهن على المستوى الإيديولوجي و بتطوير قدراتهن القتالية ،حققت النساء كذلك تحويلا فى لغتهن الجسدية . منهن ترشح ثقة بالنفس و كرامة . كانت أميات فأضحت الآن تعبر بلغة غنية بمفردات إيديولوجية و عسكرية . و بمستطاعهن ختاما النظر للأشياء من منظور فلسفي و كذلك النظر للحياة و الموت كوجهين لعملة واحدة ينبغى التعاطي معهما حسب الضرورة و الخطر . الآن تدرس النساء الجدلية و تقدر على رؤية ما هو إيجابي فى وضع سلبي و العكس بالعكس. إنهن تتعلمن قانون التناقض و تقدرن على أن تفرق بين التناقضات الرئيسية والتناقضات الثانوية ،و ما هو نسبي و ما هو مطلق و المراكمات الكمية و الطفرات النوعية .
لقد غدت مقاتلات جيش التحرير الشعبي الآن معتادات على مفاهيم مثل طبيعة العلاقات بين الدولة والحكومة ، بين الإمبريالية و بلدان ما يسمى بالعالم الثالث و بين الإمبريالية الأمريكية و بقية القوى الإمبريالية . على مستويات متعدّدة، يمكن أن نعتبر النساء أعضاء جيش التحرير الشعبي بعدُ أكثر تقدما من النساء المشاركات فى التنظيمات الجماهيرية التى يقودها الحزب . فنسق تغيير النساء فى الجيش سريع إلى درجة أنهن تترددن فى مغادرة ساحة المعركة حين تطرأ مشاكل صحية أو أي وضع آخر يمكن أن يعلل نقلهن إلى جبهة أخرى .
كل هذا يذكرنا بجملة لينين الشهيرة التى تقول إن الحرب تغير فى عشرة أيام ما يتغير عاديا فى عشر سنوات على الأقل.
دور المقاتلات فى تغيير جيش التحرير الشعبي :
لم تكن مشاركة النساء فى جيش التحرير الشعبي صحية لهن فقط و إنما أدت إلى توطيد ضخم للطابع الجماهيري للجيش . فقد جعلت منه النساء جيشا شعبيا حقا و بأتم معنى الكلمة . حيث ساهمت مشاركتهن بصورة عظيمة فى جعل الجيش قادرا على توسيع نشاطاته و معاركه وحتى توسيع تنظيم العمل الإنتاجي .
ساعدت النساء ، بمعنى ما ، فى " تلطيف " جيش التحرير الشعبي إذ أدخلت أحاسيس الشفقة فى ما يظل عموما حياة قتال صارمة للغاية . و لكن فوق كل شيء ، حطمت مشاركة المرأة فى صفوف جيش التحرير الشعبي صورة الذكورة التقليدية للقوى المقاتلة . بهذا ، خولت لجيش التحرير الشعبي السباحة بأكثر فعالية فى محيط الجماهير فالنساء تقيس حرارة الماء و بالتالي يتوصل جيش التحرير الشعبي للسباحة كالسمكة فى البحر بشكل ألطف.
قوة قتالية :
مشاركة النساء فى جيش التحرير الشعبي حولتهن إلى قوة أكثر تصميما و أكثر إنضباطا و ثقافة و من يدري إلى أين تمضى بهن. فى الساحة ، إنتبهنا عموما إلى أنه حيث ينحو رجال إلى التخلى عن القتال ،نجد النساء مستعدات لمواصلته ، و حيث يكون رجال مستعدين لتسليم الأسلحة ،تقبض النساء على الأسلحة بقوة أكبر و هذا حتى فى الظروف الأصعب . و هكذا بينما يتجه رجال إلى التردد تحت التعذيب ،تنحو النساء نحو المقاومة إلى النهاية حتى و إن كانت حياتهن هي الثمن .
و إنتبهنا أيضا إلى أنه فى حين كان رجال يترددون أحيانا فى الهجوم ،تنزع النساء إلى الهجوم دون البحث عن أعذار . قليلة هي المرات التى ترفض فيها النساء أداء المهمة الموكلة لهن : إنهن تحاول على الأقل مرة قبل التخلى . زيادة على ذلك ، حينما تحصل تراجعات تبرزن أوفر صبرا و تظل باردة الأعصاب بصورة أسهل بينما يصبح الرجال عصبيين بيسر و سريعي الإثارة العصبية و إلتزامهن و تفانيهن فى العمل يساعدان على النضال ضد التوجه نحو الأسهل الموجود لدى الرجال.
إضافة إلى ذلك ، تمخض عن مشاركة النساء ما يمكن وصفه ب "المطهر الذاتي" فى صفوف جيش التحرير الشعبي فالإدمان على الكحول واللعب و التسليات البخسة الثمن و الإغواء السهل جميعها لا تتناسب مع مشاركة المرأة . و ساهمت النساء كذلك فى رفع معنويات الفرق فى نفس الوقت الذى حطت فيه من معنويات جيش العدو. فى آخر المطاف ، رفعت مساهمة المرأة مستوى الوعي العام لجيش التحرير الشعبي ، بمعنى الوعي الطبقي و أيضا وعي الواقع الجندري . و تعزز هذا الوعي بوجه خاص بعد ان قامت القوات الرجعية بالتعذيب الوحشي والإغتصاب و القتل الوحشيين للمقاتلات.
فضلا عن ذلك ، خولت مشاركة النساء فى جيش التحرير الشعبي الإقتراب بيسر من عائلات أعضاء جيش العدو . و من هنا تضاعفت قوة جيش التحرير الشعبي فى الإقناع سواء إقناع رجالهن بهكذا طريقة برفض قتال جيش التحرير الشعبي أو حتى بدفع رجالهن للهروب و الإلتحاق بصفوف الجيش الثوري . كما خولت مشاركة النساء لجيش التحرير الشعبي بأن يمد شبكته الإستخباراتية على النطاق المحلى . علاوة على ذلك ،سرع إنضمام النساء لجيش التحرير الشعبي سيرورة الوحدة و التداخل بين مختلف الكاست و المجموعات الإثنية و المجموعات الجهوية فالزواج بين الأثنيات مسموح به تماما ( على خلاف ما يوجد فى المجتمع المدني ) . و بهذا تقلصت الإختلافات الأخرى ما عدا الإختلافات الطبقية و يملك جيش التحرير الشعبي الآن طابعا متميزا بأكثر تنوع قومي و لغوي و إثني و تعدد الأعراق بكثير. و هذا يتعارض بصورة كبيرة مع الوضع السائد داخل الجيش الملكي و قواته المنقسمة على أسس إثنية ودينية و جهوية و كاست و طبقية.
فى الأخير ، دعمت مشاركة النساء فى جيش التحرير الشعبي الوقاية ضد الإتجاهات العسكراتية و كذلك الإتجاه صوب السلوك ك" أنصاريين متنقلين" يعوضون الجماهير و يغيبون تسليحها .
قوة تنظيمية:
واحد من الإختلافات الجوهرية بين جيش شعبي و جيش رجعي هو أن الجيش الشعبي يتحرك كذلك كقوة سياسية و تنظيمية . و بالفعل ، من الممكن القول إن جيش التحرير الشعبي جيش إيديولوجي بوجه عسكري . فى المناطق المناوئة ، جيش التحرير الشعبي هو الذى ينظم الجماهير و ليس جيش العدو ، فى هذا المستوى تتكشف مشاركة المرأة حيوية بوجه خاص . ذلك أن الجماهير تتقبل بيسر أكبر وجود المقاتلات النساء نسبة لوجود الرجال ، إنها تتوصل إلى تجاوز خوفها الأولي (و العادي) تجاه قوة عسكرية مثل قوتنا. و على النحو ذاته ، يجعل وجود النساء فى المحاكم الشعبية أقرب بصورة خاصة إلى النساء اللاتى تود تركيز عدالة و مساواة . و هذا كله يرفع من القوة التنظيمية لجيش التحرير الشعبي .
و يجعل الطابع المتعدد الأثنيات و المتعدد الأعراق و المتعدد الجهات و المختلط لجيش التحرير الشعبي ، معززا بالزواج بين الأثنيات و إعادة زواج المترملات ، يجعل من جيش التحرير الشعبي قاطرة إجتماعية حقيقية تزعزع الثقافة الإقطاعية المتصلبة للمجتمع النيبالي . و تبرز لنا التجربة أن مشاركة النساء فى صلب جيش التحرير الشعبي سهلت إعادة الإعتبار لعناصر من عائلات رجعية كانت فى البداية قد فرت من قواعد الإرتكاز . وبإعتبار أن إدارة العلاقات والتناقضات فى مجال الأسرة كانت مجالا تقليديا من إختصاص النساء، فإنهن إكتسبن قدرات فى هذا الميدان و بإمكانهن أن تستخدمها فى إطار جيش التحرير الشعبي.
قوة إنتاجية :
وجود قواعد إرتكاز فى الوقت الذى تستمر فيه حالة الحرب يسمح لجيش التحرير الشعبي بالعمل كقوة إنتاجية . بهذا الصدد ، سمح إنخراط النساء فى جيش التحرير الشعبي بتنويع حقيقي فى الإنتاج . و بتشريك النساء فى أشغال البناء المخصصة تقليديا للرجال (مثل بناء الطرقات و الجسور و المساكن و قنوات الري إلخ) و بالعكس بدفع الرجال نحو المساهمة فى الأعمال التى كانت فى السابق من مملكة النساء (تجميع العلف و الوقود و إعداد الطعام و الأعمال المنزلية إلخ) تمكن جيش التحرير الشعبي من الشروع فى كسر التقسيمات التقليدية بين العمل الفكري و العمل اليدوي و بين العمل فى المجال العام و العمل فى المجال الخاص و من هناك تمكن من الترويج إلى ثقافة جديدة تقدمية فى صفوف الجماهير .
و تمخضت مشاركة النساء فى جيش التحرير الشعبي كذلك عن تحول العمل الإنتاجي إلى عمل أسهل و أمتع
و أكثر تعاونا وتعلقا به لدى الجماهير و مرض أكثر لكافة شرائح السكان – نساءا ورجالا ،أطفالا و شبانا، مسنين و معاقين . و هكذا يحدث بصورة عادية أن يساعد جيش التحرير الشعبي العائلات ذات المعيل الوحيد لأجل إتمام أعمالها لا سيما فى فترة الحصاد. و بحكم وجود النساء فى صفوفه ، تجد الجماهير من الأسهل الإقتراب من جيش التحرير الشعبي و تأتمن النساء على مشاكلها على نحو أيسر .
و يتأكد معنى التشديد على وضع أن جيش التحرير الشعبي جيش شعبي حقا و بالتالي جيش مختلف عن الجيش القديم المحترف ، اللاشعبي و البيروقراطي و المنعزل ،جيش الطبقات الرجعية يتأكد معنى هذا التشديد بإعتبار إعترافنا الفعلي بالطابع الإستراتيجي لمشاركة المرأة . إن إلتحاق النساء بجيش التحرير الشعبي لا تجعل الجيش الشعبي أكثر فعالية و أكثر بروزا فقط و إنما تجعل منه بخاصة مؤسسة راديكالية و هيكليا متباينة بإمكانها أن تصد العادات القديمة الموروثة عن جيش ممركز و محبوس فى مراكز قيادته.



النساء المقاتلات فى مواجهة الجيش الملكي :
"إعرف عدوك و إعرف نفسك ، و ستقدر أن تخوض دون خطر مائة معركة ". سوانتسي(5)
أحد أهم التناقضات التى تواجه القوى المسلحة الرجعية أينما كانت فى العالم هو أنه بينما تمتلك جهاز قمع فى خدمة الطبقة السائدة ، فهي مع ذلك مضطرة إلى التعويل على الطبقات المضطهَدة لملئ صفوفها . و تحاول الجيوش الرجعية أن تحل هذا التناقض بهيكل قيادة قوي و ممركز و بيروقراطي للغاية ، بيد فقط حفنة من الضباط بأعلى الدرجات ( تنحدر غالبيتهم من الطبقات و الجماعات المهيمنة – كاست ،جنس ،أديان ، جهات ، مجموعات لغوية إلخ) يسمح لها بأخذ القرارات. ثم يتم توصيل أوامرهم إلى الجنود العاديين الذين ينحدرون عادة فى غالبيتهم من الطبقات المضطهَدة و الذين عليهم أن يقوموا بالأعمال القذرة و الشاقة و الخطرة .
و قد إحتكرت السلطة فى صفوف المؤسسة العسكرية، على الطبقات السائدة أن تعمل لأجل تحطيم ،إن أمكن قول ذلك ، هذا النوع من الوشائج و التضامن ذو الطبيعة الطبقية الذى يمكن أن يوجد بين الجنود البسطاء و الجماهير . إنها تتوصل إلى ذلك بوسائل تهدف لتعنيفهم و إهانتهم عن قصد بهدف جعلهم يتصرفون على هذا المنوال و يتحولون بدورهم إلى أناس لا رحمة لديهم تجاه الجماهير .
هنا تتنزل قضية النساء فهن فى آن وسائل و ضحايا هذا العنف .
أولا ، يغدو العنف الذى يضطر الجنود لممارسته ضد إخوانهم طبقيا أسهل بما هو إمتداد بسيط للعنف الأسري الموجود بعد و المضمن فى التعليم العسكري .
ثانيا ، مثل هذا النوع من الحركات الموضوعية ضد أهداف أسهل يساهم فى جعل الجنود يشعرون بمشاعر تفوّق يرفع معنوياتهم وذلك فى غياب أية إيديولوجيا تعلل تصرفهم .
ثالثا ، ينتهى بهم حجزهم لمدة طويلة على أسس عسكرية منعزلين إلى جعلهم غير آمنين إزاء خطر فقدانهم قريناتهم ، و يتجه الرجال حالئذ إلى تقنين خيبات الأمل ضد النساء الثوريات اللاتى لا يترددون فى إغتصابهن و قتلهن.
و أخيرا ، يتغذى الجيش الرجعي من إيديولوجيا دينية تعتبر النساء المنتفضات نساءا زنديقات تستحق العقاب و بقسوة. هذا المزيج من الأسباب يجعل من الجيوش الرجعية لكافة البلدان ضمن المؤسسات الأكثر عنفا و الأكثر كرها للنساء و الأكثر لاشعبية ممكنين.
فى النيبال ، يمثل الجيش الملكي فعلا إحدى المؤسسات المكروهة أكثر ضمن مؤسسات الدولة الرجعية وهذا صحيح بالنسبة للجماهير عموما و بالنسبة للنساء خصوصا وهو صحيح حتى أكثر بالنسبة لمقاتلات جيش التحرير الشعبي و ذلك لأن الجيش الملكي يمثل قاعدة إرتكاز تقليدية للنظام الملكي و كان يستعمل بإستمرار لسحق مختلف التحركات الديمقراطية التى توالت حتى 1951 (تاريخ قلب نظام الرانا الأوليغاركي ).
مع مرور الوقت ، صار الجيش الملكي أقل فأقل شعبية و فرض نفسه كأداة فى خدمة الإمبريالية الأمريكية خاسرا هكذا الميزات القليلة لجيش وطني . فى أعين النساء ، يمثل الجيش الملكي فضلا عن ذلك أداة دفاع عن الأبوية الإقطاعية التى يكرهون أيما كره و التى تبقيهن فى الجهل و العتمة و الدين و النسيان .و أما بالنسبة لمقاتلات جيش التحرير الشعبي ، تحديدا ، يبدو لهن الجيش الملكي قوة عدوة ضدها ليس عليهن أن تخضن حربا طبقية فقط و لكن أيضا حربا جندرية لوضع حد للإغتصاب و التعذيب و الموت .
فى العالم بأسره ، تتجه الطبقات الرجعية طبيعيا نحو الإستهانة بقوة الشعب : هذه ظاهرة عالمية . و الأمر حتى أكثر بداهة حين يتعلق بالنساء . و هكذا ، فى النيبال ، نزع الجيش الملكي نحو الإستهانة بقوة مقاتلات جيش التحريرالشعبي . مع ذلك ، يشهد هذا الوضع تغيرا . فى بدايات حرب الشعب ، كانت الشرطة [الأولى فى مقاتلة الأنصاريين] تتعامل بأكثر جدية مع الرجال و كانت تنحو بإتجاه " تسامح " تجاه النساء بينما كانت بلا رحمة إزاء الرجال . عوض قتل النساء ، يتم سجنهن و أحيانا يتم إغتصابهن .
منذ عسكرة قوى الشرطة ، شهدنا إرتفاعا محسوسا لعدد الإغتصابات و حالات التعذيب للنساء و البعض جري حتى قتلهن ،على نحو متفرق . و أخيرا مع دخول الجيش الملكي مسرح الأحداث ، إرتفعت بصورة مدهشة عمليات العنف الموجهة ضد النساء و الآن كل من المقاتلات و كوادر الحزب الأنثوية و حتى مجرد المتعاطفات ضحية للإغتصاب والقتل. و برزت حتى ظاهرة الإغتصاب الجماعي ( و تجرى محاولة السكوت عنها ) .
على الدوام، كانت للجيش الملكي نظرة جنسية لمقاتلات جيش التحرير الشعبي . إنه يعتبر أن النساء لم تلتحق بالأنصاريين إلا للحصول على إشباع من طبيعة جنسية من قبل رفاقهن الذكور . لقد حدث غالبا أن صرح أطباء الجيش الملكي فى تبرم لوسائل الإعلام ب"إكتشاف " واقى ذكري فى الغابات و مناطق الحرب الموجودة تحت سيطرة جيش التحرير الشعبي . أدت التصرفات المسيئة و البذيئة التى تصدر عن جنود الجيش الملكي تجاه مقاتلات جيش التحرير الشعبي إلى جعل النساء حتى أكثر وعيا بوضعهن و إلى تعزيز تصميمهن على القتال من جهة و من جهة ثانية على حث رجال جيش التحرير الشعبي على إرادة الإنتقام لهن بشراسة أعظم .صيرت الإغتصابات الوحشية و التعذيب و القتل الذين يطالون مقاتلات جيش التحرير الشعبي، صيرت الرفاق الذكور أكثر حساسية حتى لإضطهاد النساء و تعززت هكذا وحدة طبقة المضطهَدِين ضد الجيش الرجعي .
و بالفعل ،أعطى العنف المتزايد الممارس ضدهن الكثيرات من النساء دفعا نحو إرادة الإلتحاق بصفوف جيش التحرير الشعبي فالإلتحاق بالجيش الشعبي يعد طريقة جيدة للإنتقام من إبتزازات الجيش الملكي لهن و لأقربائهن .
و الجدير بالملاحظة هو أن الجيش الملكي شرع أخيرا فى القيام بالإشهار لحث النساء على الإلتحاق بصفوفه . إلى أي مدى سينجح هذا فى رفع قدرته الضاربة ؟ بالإمكان بعد أن نقيم على ضوء محاولات مشابهة أنجزت فى بلدان أخرى .
الطابع الطبقي و التفريق الجنسي المتعمقين فى قوات الجيش الرجعي يمثلان عائقا جديا أمام تحقيق مشاريع من هذا النوع. تبقى النساء اللاتى تنخرط فيه عامة فى وضع ملحق لهن فيه قيمة تزويقية أكثر منها قيمة قتالية . كون أنه لا يتم إنتدابهن على قاعدة الإختيار و إنما كرد فعل على تصاعد مشاركة النساء و جماهيريا فى الصراع الطبقي و فى نضالات الشوارع و فى مختلف حركات الصراع و فى الحروب الثورية التى تتطور ، يحول ذلك إلى ظاهرة جوهريا عملية و تكتيكية و مؤقتة . و الأمثلة التالية تقدم لنا لمحة .
لنتفحص أولا مثال نساء الجيش الإسرائيلي اللاتى يتحدث عنهن عادة و من المهم إماطة اللثام عنهن . رغم أنهن مجندات فعليا فإنه لا يبعث بهن أبدا إلى القتال (6) . تستعمل كقوة تجهيز ، رئيسيا فى الميدان المدني ، مثل الممرضات و مساعدات تمريض و موظفات فى المكاتب و سائقات شاحنات (على الأقصى ) إلخ . و فى البلدان الغنية مثل الولايات المتحدة ، قليلة هي المناسبات التى تبعث فيها النساء للجبهة و التجربة تبين انه حينما يحدث ذلك ، يتجه الرجال الذين يوجدون إلى جانبهن إلى إرادة حمايتهن بشكل مفرط مهما كان الثمن ( وهو أمر فى عمقه مهين هو الآخر) على حساب أهداف مهامهم .
زيادة على ذلك ، تسجل وسائل الإعلام بإستمرار حالات العنف اللفظي و الهرسلة الجنسية و حتى الإغتصاب الذى تتعرض له الجنديات من قبل زملائهن الرجال . هكذا ، أمر من أمرين : إما أن يظهر الرجال حماة أكثر من اللازم تجاه النساء أو يستعملوهن كأدوات جنسية .
فى بلدان ا يسمى بالعالم الثالث مثل الهند ، أتعس حتى هي تجربة النساء فى القوات المسلحة الرجعية . تقع إهانتهن و الكتيبة التى إليها تنتمى النساء عرضة بشكل منظم لسخرية الرجال .(7)إن الطبيعة الطبقية للقوات المسلحة الرجعية و مفاهيمها البطريركية و هياكلها البيروقراطية لا تخول مشاركة تامة و كاملة للنساء فى مناطق القتال. يمكن أن نكون بعد متأكدين من أن تجربة النساء فى الجيش الملكي النيبالي لن تذهب أكثر من ذلك. و فى الواقع ستكون دون شك أسوأ بإعتبار أن هذه المؤسسة تستمد قوتها من المؤسسة الأبوية الأقدم و الأكثر رجعية أي النظام الملكي .


التحديات التى تواجه النساء المقاتلات :
" نضال ففشل ،فنضال جديد ففشل جديد ،فنضال جديد أيضا ،و هكذا حتى النصر ،ذلك هو منطق الشعب ،وهو ايضا لن يخالف هذا المنطق أبدا " ماو تسى تونغ ،" أنبذوا الأوهام و إستعدوا للنضال" .
كل تجربة جديدة ، مهما كانت ، لا سيما حين يتعلق الأمر بكسر العادات القديمة الجامدة محكوم عليها بأن تعرف بعض المشاكل غير المتوقعة و أن تولد تحديات جديدة . و هذا ليس أقل صحة فى الميدان العسكري مثلما هو حال النيبال حيث تشارك النساء فى جيش التحرير الشعبي لأول مرة إلى جانب الرجال . لذا عليهن أن تواجه تحديات عديدة .
المفهوم البطريركي :
إن المفهوم البطريركي الإقطاعي لا يعترف بالنساء كاشخاص بأتم معنى الكلمة بل لا ينظر إليهن إلا فى علاقة بقدراتهن التناسلية. لهذا المفهوم بالتأكيد صدى فى صفوف جيش التحرير الشعبي بشكل أو بآخر و هذا حتى إذا حاولنا النضال ضده بالتربية السياسية . و يبرز ذلك فى التوجه لدى الرجال نحو الإستهانة بقدرات رفيقاتهن (8). حتى عندما تكون قد أثبتت جرأتهن ، ينحو الرجال نحو عدم رؤية ذلك كظاهرة مؤقتة ستضمحل لما تتزوج و تنجب أطفالا.
ثمة توجه قوي صوب إعتبار أي توعك أو أي مرض فى إرتباط بنظامهن التناسلي و الذى يملى عليهن راحة مؤقتة كعلامة ضعف جسدي لدي النساء . وهكذا ليس نادرا إرتياء الزواج ك"حل" للمشاكل التى تعرفها . و ينزع بعض الرجال أيضا إلى إعتبار النساء اللاتى تبلغ مراكز قيادية داخل جيش التحرير الشعبي قد بلغت ترقيتهن ليس بفضل منجزاتهن و قدراتهن و إنما لأن "الحزب قرر ذلك". و عليه ، لا يظهر الرجال نفس الحماس فى تركيز سلطة هذه القائدات مثلما يظهروا ذلك إذا تعلق الأمر بالرجال الذين تقع ترقيتهم . مظهر آخر لهذا التوجه المستهين بقدرات النساء يحدث أحيانا عندما يتم إقصاؤهن من صياغة المخططات و السياسات و يقصر دورهن بالأحرى فى مهام أنثوية تقليديا. وعلى النساء عادة أن تعمل مرتين و حتى ثلاثة مرات أقوى من الرجال لتركيز سلطتهن داخل الجيش العشبي ، لحسن الحظ توصلت إلى ذلك فى غالبية الأحيان إلى الآن .
مشكلة قلة المبادرة :
بينما ينزع الرجال أحيانا إلى إظهار ثقة بالنفس مغال فيه ، عادة ما تجد النساء صعوبة فى أخذ المبادرة . حتى و إن كانت لديهن كافة القدرات الضرورية ، يحدث أن تفضل أن تترقب أن يتحرك الرجال قبلهن. إن النساء مواضبات و منضبطات و على إستعداد دائم للتضحية فى المهمة و لكن لما يتعلق الأمر بصياغة مخططات جديدة و إستعمال أسلحة جديدة أو نقاش مسائل الخط السياسي، غالبا ما تتهرب .و النتيجة أن إنتهت إلى تقليص أنفسهن بأنفسهن فى المهام الأنثوية تقليديا ، بدلا من رفع تحديات جديدة. و تتجه النساء كذلك إلى الموافقة على أن تكون ضحايا الظروف و هكذا حين لا تعتنى بتخطيط حملهن ، تحرم أنفسهن من المواصلة الضرورية لتطويرقدراتهن فى القيادة .
و أخيرا و بالرغم من أنهن تمتلكن تجربة غنية على الأرض فإن النساء لا تندفع فى تنظيم عملهن بصرامة و فى خلق علاقات مما يساهم فى تهميشهن أكثر .
بسبب الإضطهاد البطريركي الإقطاعي الذى تتعرض له منذ نعومة أظفارهن ، تنحو النساء أكثرمن الرجال نحو التألم للنزاعات الداخلية مما يدفع بهن أحيانا إلى التعبير بطريقة " الأزمات " و إلى إصدار تصرفات توصف بالهستيرية . إن أفقهن الضيق أحيانا يتمظهر بشكل أقوى حين يكون النزاع بينهن . و يتخذ ذلك شكل الغيرة و الشك المعبر عنه تجاه قيادة رفيقة أخرى و شكل تقدير أكبر لرأي الرجل نسبة لرأي المرأة .
مشكلة تواصل القيادة و تطويرها فى صفوف جيش التحرير الشعبي :
لقد حققت نساء النيبال قفزة هائلة بالمرور من المطبخ إلى ساحة المعركة. مع ذلك ، تضع مشكلة تواصل القيادة و تطويرها على الجبهة العسكرية أمامهن بعدُ عديد التحديات. و هكذا مع أن المرات التى يرى فيها رجال تجاوزوا سن الأربعين لا يزالون نشطاء فى القتال ليست قليلة ، لا نشاهد سوى عدد قليل من النساء تتجاوز أعمارهن الخمسة و العشرين سنة. و بما أن تطوير قدرات القيادة فى جيش لا يمكن أن تكون إلا نتيجة عمل طويل الأمد مرتبط إرتباطا وثيقا بممارسة صارمة و مديدة فإن قلة التواصل التى تعترى النساء (نظرا لواقع أدوارهن التناسلية ) من الممكن أن تحرمهن من بلوغ مراكز قيادية. و هذا يفسر فى جزء منه تقلص عددهن مع الصعود فى هرم جيش التحرير الشعبي .
بينما تحدد الدولة القديمة القائمة (الرسمية ) السن الأدنى لزواج النساء بثمانية عشرسنة ، رفع جيش التحرير الشعبي السن الأدنى لزواج النساء إلى العشرين مما سمح للعديد منهن فعلا بان تخصص مرحلة أهم لتحصيل معارف و قدرات جديدة بيد أنه لأن جيشنا لم يحدد السن الأدنى للإنجاب فإن البعض منهن شهدت حملا سريعا و بالتالى تأثرت مواصلتهن للعمل العسكري . تقف عديد العوامل فى خلفية هذه الظاهرة و ينبغى الخوض فيها على المستوى الفلسفي و الإيديولوجي و الجسدي و أيضا العملي.
و من هنا ،لاحظنا أن شركاءهن هم الذين عادة ما يلحون على النساء كي تنجب أطفالا و هن فى سن مبكرة . و يبدو أن خطر الإصابة بجروح و الشك بشأن بقاءهم على قيد الحياة فى وضع حرب هو الذى يدفع الرجال إلى إرادة التأكد من إمكانية أن يبقوا أثرا جسديا. قد يسمح لهم نضج سياسي اكبر بفهم ان أثرهم الإيديولوجي أهم . و لو أن المقاتلات عموما لا تحبذ أن تصبح أمهات و هن صغيرات السن فإنهن تنتهى إلى القبول بالوضع و تنجب على الأقل طفلا . و هذا بالرغم من الدرجة العالية لإحتمال فقدانهن الحياة و الإصابات بالذات كمقاتلات.
هكذا حتى و إن كان المقاتلون و المقاتلات لا تنقصهم الشجاعة و مستعدون لتقديم حياتهم للثورة فإنهم يترددون فى التضحية بأبوتهم /أو أمومتهم .
نظريا ، تطرح مشكلة مواصلة تطوير القيادة فى صفوف جيش التحرير الشعبي بمعانى حتى أكثر تعقيدا بإعتبار أن على النساء أن تعالج تقسيما للعمل طبيعيا مرتبطا بأدوارهن التناسلية . و مسائل الحرية و الضرورة التى ينبغى طرحها يتعين معالجتها بصورة صحيحة و بطريقة جدلية . تتطلب الحياة الصارمة و التى يكتنفها الشك من جانب فقدانها ،هذه الحياة التى يفرضها وضع الحرب، تتطلب من الرجال و النساء أن يوافقوا على التضحية بالأبوة و الأمومة ،على الأقل لفترة محددة . لكن هذا لا يمكن فرضه بالقوة فلا يمكن أن يكون إلا نتيجة وضوح إيديولوجي أكبر.
عمليا ، يجب أن نشير كذلك إلى أن الإستعداد الضعيف و الثقة المهتزة فى إجراءات تخطيط الحمل ساهمت هي الأخرى فى حصول حمل غير مرغوب فيه . ثم إضطر عبء العناية بالأطفال الذى يقع على كاهل النساء غالبا بصورة إحادية و غياب خدمات الحضانة المناسبة ، إضطرا بعض النساء إلى مغادرة جيش التحرير الشعبي . لحسن الحظ ، خول تطور حرب الشعب تطوير خدمات حضانة لعائلات الشهداء و الشهيدات
و المقاتلين و المقاتلات لكامل الوقت الأنصاريين و الأنصاريات فى المناطق الجهوية الخاصة التى أقيمت للغرض لا سيما فى محافظتي رولبا و روكوم. و فى مناطق أخرى فتحت أيضا دور حضانة .
علاوة على ذلك ،سمح التوسع السريع لجيش التحرير الشعبي بإرساء أقسام تابعة حيث يستطيع الرفاق
و الرفيقات التوجه مؤقتا فى حال التعرض لإصابة أو مرض و حيث تستطيع النساء بصورة خاصة أن تنقل عندما تصبح حوامل دون أن يتعين مع ذلك مغادرة صفوف الجيش . لما يحدث ذلك و رغم أنهن تفقدن بعض المهارات التى إكتسبتها على الجبهة العسكرية ، تستطيع على الأقل إستغلال الفرصة لإكتساب مهارات أخرى . و تحافظ المقاتلات اللاتى توجد فى هذا الوضع إضافة إلى ذلك على موقعهن الكامل فى صفوف الجهاز العسكري و تبقى على رابطة مع ما يجدّ على الجبهة . ومن هنا بإمكانهن العودة للإندماج بصورة أيسر و أسرع إلى مهامهن عندما يسمح الوضع بذلك.
المشاكل الصحية :
تعد المشاكل الصحية تقريبا الأهمّ ضمن المشاكل التى تواجه المقاتلات و المقاتلين . لحسن الحظ ، يبدو أننا صرنا أكثر فأكثر حساسية للمشاكل الصحية للنساء . و يتكشف بوجه خاص أن النساء اللاتى تلتحق بصفوف جيش التحرير الشعبي قد عانت على نحو أقسى من الرجال من نقص التغذية قبل الإلتحاق بالجيش . صرامة الحياة العسكرية و عدم إنتظام التموين بالغذاء يجعلهن هكذا حتى أكثر عرضة للمشاكل . و هذا بديهي بالخصوص فى فترة العادة الشهرية حين تكون لهن حاجيات غذائية إضافية .
عموما ، نسجل أننا لم نعر بعدُ بما فيه الكفاية إنتباها للمشاكل الصحية التى تتعرض لها النساء . ذلك أننا بعدُ ننزع إلى عدم أخذ الإضطرابات المرتبطة بالعادة الشهرية بعين الإعتبار و إلى عدم معالجتها . و لو أن بعض التدخلات و الإجراءات الوقائية البسيطة للغاية من شأنها أن تحسن الوضع .
حدث أن أخفت النساء عمدا مشاكلهن أو آلامهن (حتى عندما كان المفوضون و القادة الرجال مهتمين براحتهن بوضوح) فقط لأنهن كن يخشين الإضطرار إلى الغياب عن تمرين عسكري أو عن عملية واسعة النطاق . و يبلغ الأمر بالنساء غالبا إلى حد أن تفكر بأن منبع "ضعفهن" هو الرحم ذاته ،و أن الصعوبات التى تواجههن أثناء فترة العادة الشهرية "تؤكد" أنهن أضعف من الرجال وأن الرجال أقوى لأنهم أطول و أكبر حجما و أكثر عضلات إلخ .
غير أنه ما ينبغى فهمه هو أن العادة الشهرية ذاتها و الحماية التى توفرها للرحم ضد الأمراض الوبائية تجعل النساء فى الواقع بيولوجيا أقوى من الرجال. و الشيئ نفسه ، لئن كان صحيحا أن الرجال قادرون عموما على إظهار قوة أكبر لمدة قصيرة ،فإن النساء غالبا ما تبين قدرة تحمل أكبر . لذا من غير المجدي مقارنة قوة الرجال بقوة النساء بالتحديد لأن القوتين من طبيعة مختلفة . و بالتالي ، ينبغى أن نرتقى بمعارفنا داخل جيش التحرير الشعبي بعلم التشريح و خصوصيات الرجال و النساء فى ميدان الصحة كي ندرك جيدا أين تكمن قوة و ضعف كل منهما و أيضا كي نكف عن النفخ فى المشاكل التى تواجه النساء فى فترة العادة الشهرية ،بينما يتم الصمت عن المشاكل التى تطرأ للرجال حينما يكونون فى القتال ( يحدث أن يبدى الرجال رغبة فى التبول)...
من الصحيح التأكيد على أن مفاهيم "الجنس الضعيف" و "الجنس القوي " مفاهيم ذاتية تماما . و هذه المفاهيم التبسيطية تخلف آثارا تضر بكل من الرجال و النساء . على كل حال، ليس الرجال و النساء فى مناظرة ضد بعضهما البعض : إنهم و إنهن مطالبون بالتكامل عوض التخاصم .
جميع هذه التحديات التى تواجه النساء المقاتلات فى صلب جيش التحرير الشعبي يجب تناولها بجدية خاصة
و أن من أدوات الثورة الثلاث ،فى جيش التحرير أين بالتأكيد تجرى التغيرات بأوفر سرعة . نسق التغيرات التكتيكية التى تتم و الحركية و المرونة المتطلبة تجعل من جيش التحرير الشعبي مركز و محور التناقضات
و إمكانيات التغيير و التحويل . و بالفعل غالبية التناقضات رجال-نساء وجدت صداها داخل جيش التحرير الشعبي . و حلها سيساعد على المدى البعيد فى معالجة التناقضات من ذات النوع التى ستطفو على الجبهات الأخرى. لهذا يمثل القرار الأخير الذى إتخذه الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي ) ببعث قسم للنساء داخل جيش التحرير الشعبي خطوة إلى الأمام قيمة للغاية .
مسائل الخط السياسي و إنعكاساتها على النساء فى الجيش :
" صحة الخط الإيديولوجي و السياسي أو خطأه هي المحددة فى كل شيئ . إذا كان خط الحزب صحيحا، سيسوى كل شيئ .[...] لكن إذا كان الخط خاطئا ، سنخسر حتى ما كنا كسبناه ." ماو تسى تونغ ، "ملخص أحاديث مع رفاق مسؤولين فى أماكن مختلفة" ، 1971.
الحرب أرقى أشكال معالجة التناقضات بين الطبقات و/أو الأمم التى تتعارض . و الموقف الطبقي الذى يتبناه جيش يتكشف بالتالى مطلق الحيوية بالنسبة للجيش الثوري كما بالنسبة للجيش المعادى للثورة . من أجل القيام بالثورة و كبح الثورة المضادة ،من الأساسي إذا تسييس الجيش الشعبي.
مع ذلك ، لا يمكن لخط سياسي أن يكون كافيا فى حد ذاته لضمان النجاح لو لم يعكس كذلك على المستوى التنظيمي . و هذا صحيح فى حال الجيش الشعبي ففى الوضع الحالي ،تتجاوز مسائل الضرورة فى الغالب مسائل الحرية مما يمكن أن يسفر عن تطور نوع من الأفكار المحافظة العسكرية الضارة بمشاركة المرأة . حاليا ، ثمة ثلاثة إتجاهات كبرى فى صفوف جيش التحرير الشعبي : 1- الإنهزامية اليمينية و2- الدغماتحريفية
و 3- التطبيق العلمي و الخلاق للماركسية –اللينينية –الماوية وما نسميه "طريق براشندا" . (9)
الخطر الرئيسي الذى يواجه الحركة الثورية راهنا يتأتى من الخط الإنتهازي اليميني الذى يغالي فى قوة العدو و يستهين بقوة الشعب . و فى جيش التحرير الشعبي ، تساهم الإستهانة بقوة النساء فى هذا التيار الذى يتمظهر كذلك فى الإتجاه نحو إستعمال النساء كقوة مساعدة فقط و هكذا ، لا تستغل طاقتهن إلا على المستوى التكتيكي بينما القدرات الخصوصية التى حصلتها و ميزاتهن الخاصة مع ذلك ذات أهمية إستراتيجية بالنسبة لجيش التحرير الشعبي.عوض البعث بهن إلى الجبهة ، يتم حبس النساء فى أدوار المساندة ،مثل جمع المعلومات
و المراسلات و الرعاية الطبية إلخ. و عندما يصادفهن الحظ فى الإلتحاق بالجبهة فإن أقل تردد أو أقل عارض من العوارض يستعمل ل" تبيان " عدم قدرتهن على القتال .
إن المقاربة الإنتهازية اليمينية براغماتية للغاية و هذا أكثر بداهة بصدد الجنسانية الأنثوية . لا يبذل اليمينيون أي مجهود لمحاولة تأخير الزواج و لتخطيط الحمل مع أن لهما تأثيرا مباشرا على قدرة النساء القتالية . و حينما تصبح إمرأة حاملا ، يعتبر الأمر مشكلا يهمها هي "شخصيا" و يصبح تعلة لنقلها إلى قسم مدني من أقسام جيش التحرير الشعبي أو لمنظمة جماهيرية يقودها الحزب .
بالإعتماد بثقل على كون هذا النوع من المشاكل جزء من الواقع الموضوعي الذى تعيشه النساء (واقع ناتج أساسا عن البطريركية الإقطاعية السائدة فى النيبال ) يهمل الإنتهازيون اليمينيون وضع السياسة فى مصاف القيادة ، لفائدة سياسة براغماتية تبحث عن إيجاد "حل" خاص لكل مشكل يظهر و يطال النساء فى صفوف الجيش و فى نهاية المطاف ، تنتهى هذه المقاربة ببساطة إلى إنكار الدور الإستراتيجي لمشاركة النساء فى جيش التحرير الشعبي .
و نظرا لأن الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) حاليا فى حالة حرب فإن التوجه الإستسلامي اليميني لا يتجرأ دائما على التعبير عن نفسه بصراحة لذا يتخذ غالبا شكل الدغماتحريفية التى تبدو ظاهريا على اليسار أكثر لكنها مع ذلك يمينية فى الأساس. و لا يتردد هذا الإتجاه فى تقديم توجيهات راديكالية و مواقف تبدو متطرفة ،لا سيما بالقَسَم فقط بالطبقة العاملة و فقط بها .
لا يأخذ الدغماتحريفيون بعين الإعتبار إلا ما قرأوه فى المؤلفات الكلاسيكية و يهملون كذلك المشاكل الخصوصية التى تواجهها النساء و التمييز الجنسي الذى هم ضحيته فى مناطق الحرب. إنهم يعتبرون الأمومة و المسائل المرتبطة بالتناسل فرصة أخرى كي تبرهن النساء على صلابتهن ( "فى ساحة المعركة و فى ساحة المهد" يقولون ) . ويذكرنا هذا بمفهوم المرأة الخارقة للعادة /سوبر إمرأة الذى طوره الرأسماليون منذ زمن بعدُ (المرأة الكاملة، فى المكتب كما فى المطبخ).
بإسم نوع من الرومانسية الثورية ، يهمل المدافعون عن وجهة النظر هذه الصعوبات العملية الحقيقية التى تواجهها النساء و من هنا حينما لا تتوصل المقاتلات إلى كافة النتائج المرجوة ،يتم سحبهن من الجبهة تدريجيا ، لنقلهن إلى مكان آخر، كل هذا بدعوى الضرورة . مثلهم مثل اليمينيين ، يسقط الدغماتحريفيون هم أيضا فى فخ نفي الدور الإستراتيجي للنساء فى الجيش الشعبي بالإعتماد على الجهود الذاتية فحسب الهادفة لطلب مشاركتهن دون أخذ الواقع الموضوعي بعين النظر. ويخفق الدغماتحريفيون فى تحويل إيديولوجيتهم (هذا إذا بالكاد أظهروا إيديولوجيتهم على الورق) إلى قوة مادية حقيقية و يشجعون على تطور مفاهيم عسكراتية داخل جيش التحرير الشعبي .
أولئك و تلك اللاتى يطبقون الماركسية –اللينينية –الماوية و طريق براشندا بشكل خلاق يحللون المشاكل و التحديات التى تواجه النساء فى جيش التحرير الشعبي بطريقة ديالكتيكية . ينبغى أن نواجه المشاكل المرتبطة بالإضطهاد الخاص بالنساء فى إطار أوسع للإيديولوجيا الماركسية –اللينينية-الماوية . يعتبر الماويون الحقيقيون الأمومة و مسائل التناسل لا كمسائل خاصة بالنساء بل كتحديات تهم الثورة بأسرها و بالتالي الحزب بأسره. إنهم وإنهن سيعملون على معالجتها بشكل جدلي بالتخطيط للحمل و مراقبته أو بجعل الحمل بعيدا زمنيا عن الذى يليه، حسب مستوى وعي النساء و المهام التى تنهض بها و المواقع التى تحتلها و الوضع الملموس السائد فى المكان و الجهة الذين توجد بهما إلخ .
بهذه الطريقة ، يتوصل الماويون إلى أن يبينوا فى وجه هذا المجتمع الإقطاعي أن مصير النساء لا يجب أن يحدد بوظائفهن البيولوجية ! كون أن فى كل وقت يمكن أن يوجد مقاتلو و مقاتلات جيش التحرير الشعبي فى وضع حياة أو موت يجعل منهم و منهن أناسا أقوياء للغاية من وجهة النظر الإيديولوجية مما يحث على تطوير ثقافة جديدة و أفكارا جديدة ستلقى القبول بأكثر سهولة بقدر ما تكون علمية .
خاتمة
" نحن من دعاة القضاء على الحرب ، إلا أنه من غير الممكن القضاء على الحرب إلا بواسطة الحرب."
ماو تسى تونغ " قضايا الحرب و الإستراتيجيا "،1938.
إن حرب الشعب حرب دفاعية. و عليه عوض الدخول فى سباق التسلح بلا حدود و القاتل (مثلما تفعل ذلك الدول الرجعية فيما بينها ،لا سيما البلدان الإمبريالية )،تبحث حرب الشعب الماوية قبل كل شيئ عن أن تنزع سلاح جيش العدو (خاصة لتتسلح ). هذه الطبيعة الدفاعية فى جوهرها لحرب الشعب تشجع على مشاركة النساء.
واقعيا ، تمثل الحرب فى حد ذاتها عملا عنيفا تجاه الرجال و النساء . و بالفعل، هي عمل عنيف ضد الإنسانية جمعاء. فكرة وجود دائم لجيش منعزل عن بقية المجتمع فى حد ذاتها فكرة ضارة جدا على المدى البعيد بالنسبة لكل مجتمع يستحق هذا الإسم و بالنسبة للمقاتلات و المقاتلين هم ذاتهم . بيد أنه فى عالم أكثر فأكثر إستقطابا
و إنقساما على أسس طبقية ، غدت الحرب ضرورة لا مفر منها بالنسبة للبروليتاريا . فى مرحلة أولى ، الحرب ضرورية للنضال ضد صانعى الحروب الإمبرياليين ثم ستكون ضرورية كذلك حين يتعلق الأمر بحماية الديمقراطية البروليتارية المحققة عبر صراع مريرضد أسماك القرش الإمبرياليين الذين سيسعون إلى مهاجمتها باللجوء إلى تدخل عملاءهم .
و تمسى الحرب حتى أكثر إلحاحا بالنسبة للنساء المضطهَدات ضحايا العنف الطبقي و الإمبريالي و الأبوي .
و تشعر النساء حتى بأكثر عمق بالحاجة إلى خوض حرب لوضع حد لكافة الحروب كيما تحول دون التقاتل بين الجماعات وتصون مستقبل الإنسانية .
نعلم أنه فى وضع حرب ، من المناسب بصورة خاصة مهاجمة العدو فى النقطة الأضعف. و فى البلدان الإقطاعية مثل النيبال ، تمثل قضية المرأة بالضبط نقطة الرجعية الأضعف. وهو ما يمكن ملاحظته من الصعوبة التى تجدها جيوشها فى إنتداب نساء ( و حين تتوصل إلى ذلك ، مثلما مر بنا ، فإن النساء قلما تضطر للقتال لأسباب متنوعة ) .
و بالعكس ، يعتبر الجيش الثوري أن مشاركة النساء مسألة إستراتيجية . و عليه يشجع النساء على التحول ليس إلى مقاتلات فحسب و إنما كذلك إلى منظمات سياسية و إجتماعية . و بالفعل ، ولدت مشاركة النساء فى جيش التحرير الشعبي فى النيبال كمّا من الفرص الجديدة فى الصراع فى سبيل تحريرهن وأثرت بصورة كبيرة تجربة الحركة الثورية .
لن تستطيع الإيديولوجيا الرجعية التى تستمد قوتها من النظام الأبوي و من الملكية الفردية و من الدين أبدا أن تقود النساء إلى مستوى مشاركة مثلما تسمح به حرب الشعب . فى غياب إيديولوجيا علمية ، تعتمد الرجعية على الدين و القيم الأبوية لترفع من معنويات جيشها مشجعة هكذا جنودها على مهاجمة حتى بأكثر وحشية النساء الثائرات (بالإغتصاب و التعذيب و الإغتيالات ). وقد أبرزت الجرائم التى إقترفها الجيش الرجعي النيبالي بوضوح كبير طابعه الطبقي و أيضا طابعه الجنسي العميق. و من هنا ساهمت هذه الجرائم و تساهم فى تعزيز التحالف الطبقي بين الرجال و النساء . كما ساهمت ايضا فى فضح دور الجيش الملكي الذى يقدم نفسه كحارس للمصالح الوطنية للبلاد و لكنه ،واقعيا ، يخوض حربا طبقية عنيفة لا سيما ضد النساء ، بعيدا عن ما يدعيه من توفير الحماية لهن. بذلك بيّن الجيش أنه فقد كل شرف و كرامة .
و تعيد تجربة النساء فى جيش التحرير الشعبي كذلك طرح الرؤى الحسيرة النظرللمدافعات عن المرأة السكتاريات-الإنعزاليات اللاتى لا ترى النساء إلا ضحايا للحرب عوض فاعلات فى التغيير و التحويل . و تحطم صورة النساء المسالمات التى تحاول هذه المدافعات عن النساء تقديمها . أما النساء الثوريات فلا تساند سلم المقابر المؤبدة و المطلقة : إنهن ترنون إلى التوصل إلى سلم عبر الصراع المرير ، بالنضال ضد النظام الأبوي و الأعداء الطبقيين . بالسكوت عن الإغتصابات الجماعية والتعذيب و الجرائم المقترفة ضد النساء الثوريات لأجل مهاجمة العنف الذكوري الأسرى فحسب ، أظهرت هذه المدافعات عن النساء الطابع المزيف لوجهة نظرهن التى تدعي مهاجمة "جميع الرجال " (ما عدا العسكريين بالطبع) و توحيد "جميع النساء " ( لكن بالخصوص غير الثوريات...).
إن المدافعات عن النساء السكتاريات ينبغى أن تعي مع ذلك أن الإغتصاب و التعذيب و الإغتيالات التى تقترفها الدولة الرجعية تفرز بالعكس تلطيفا للإنقسامات الموجودة فى صفوف الشعب بين الرجال و النساء .
و من جهة أخرى يوفر جيش التحرير الشعبي إطارا يمكن للنساء فيه ان تعبر مباشرة عن شعور الإنتقام من الذين إعتدوا عليهن و إغتصبوهن و عذبوهن و أهانوهن . و هذا يتضارب على نحو كبير مع المقاربة الإصلاحية للأحزاب و التنظيمات غير الحكومية التى تدعو إلى التحالف مع الطبقات الرجعية ،هذه المقاربة التى تنتهى بالتنكر لإمكانية أن تحقق النساء العدالة بإرجاء الإمكانية إلى زمن غير مسمى . فى الواقع ، وفر جيش التحرير الشعبي أسنانا لحركة النساء ، جاعلا من تحريرهن ممكنا و عمليا !
لقد إستخلصنا من التجربة الماضية أنه مثل الدولة الثورية ذاتها ، يمكن لجيش شعبي أن يفسد هو الآخر ،بعد إنجاز الثورة و أن يتبقرط و أن يغترب عن الجماهير . وسيلة من وسائل محاربة هذا التوجه هي وضع الدولة
و الجيش الشعبي تحت المراقبة المستمرة و سلطة و تدخل الشعب . عسكرة الجماهير تتنزل ضمن هذا الأفق .
و هذا أهم حتى فى العالم الإحادي القطب الذى نعيش ضمنه اليوم حيث السعي ل "زعزعة"حكومة قائمة أينما كانت على الكوكب من قبل أي حركة مقاومة ثورية أو وطنية مهما كانت، لا يمكن إلا أن يستدعي تدخل الإمبرياليين اليانكيين . و قد رأينا أنه أينما تدخلوا ، لا يفرقون بين القوى الثورية و الجماهير : فى العراق كما فى أفغانستان لا يتردد الإمبرياليون فى الإغتيال العنيف لجماهير الشعب .
فى هذا الإطار ، تمسى مشاركة النساء فى القتال حتى أكثر أهمية إستراتيجية . إذ تمثل النساء المجموعة المضطهَدة الأوفر عددا ذلك أننا نجدها ضمن جميع شرائح المجتمع . و هن أيضا فى موقع القلب من الهيكل الإجتماعي .إذن تقدر النساء أن تساهم بيسر أكبر فى عسكرة الجماهير الشعبية . و بما أن النساء هن الأخيرات فى كسب تحررهن ، فإنهن لن تتردد فى المثابرة على القتال النشيط لدفع الثورة إلى النهاية ،أي إلى بلوغ التحرر التام . و هكذا ، ستفرز مشاركتهن فى جيش التحرير الشعبي ليس التسريع فى حدوث الثورة فحسب و إنما أيضا التسريع فى سيرورة مواصلة الثورة .
فضلا عن ذلك ، ستساعد مشاركتهن فى الحيلولة دون بقرطة جيش التحرير الشعبي بما أن هذه البقرطة ستذهب فى الإتجاه المعاكس لمشاركتهن . و ستثبط مشاركة النساء عزيمة الإتجاهات نحو تطوير جيش متخندق منعزل عن الجماهير و ستشجع بالأحرى خلق جيش حقيقي من المشاة. و من المحتمل أنها ستساعد كذلك فى دمقرطة الجيش الشعبي. وهذا جميعه سيساهم ،على المدى البعيد ، فى إضمحلال الجيش نفسه مما سيوجد ظرفا مواتيا لإضمحلال الدولة .
نستشف عندئذ إلى أي درجة مشاركة النساء مطلقة الأهمية الإستراتيجية بالنسبة لجيشنا للتحرير الشعبي !
----------------------------------
1- والأدهى أن واحد فقط كان يعمل فى الواقع و كنا نسميه بلطف "الشيخ".
2- فى أوت الماضى ، بعد نشر هذا المقال ، أعلنت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) تشكيل فيلق ثالث فى صفوف جيش التحرير الشعبي .
3- جوشوا س قولدشتاين ، الحرب و الجندر، المملكة المتحدة ، كمبريدج ،(الناشر) ،2001 ،ص65.
4- مارى آن تتروولت " النساء و الثورة فى فتنام " ضمن كتاب كهلين بارى "نساء فتنام فى مرحلة إنتقالية " لندن ،صحافة مكميلان ، ،1966 ص 47.
5- منظر عسكري من الصين القديمة غالبا ما إستشهد به ماو .
6- مصدر 3، ص 86 .
7- سنتوش سنغ " مهانات حتى كجنديات : فيلق النساء فى س ر ب ف" فى "مانوشى " عدد135، 2003، ص16.
8- الرفيقة يلو التى قادت الهروب من سجن غوركا و التى كانت بعدُ قائدة فرقة قبل سجنها ، روت لى شخصيا أن الرفاق الذكور أضاعوا حينها فرصة الهروب فقط لأنهم لم يكونوا على ثقة بالمخطط الذى أعدته السجينات ! لقد حفرت هذه الأخيرات حتى نفقا خاصا للسماح للرجال بالهروب . لنتذكر بأنه خلال هذا العمل البطولي الذى حدث سنة 2001 ، هربت ست نساء من سجن على درجة عالية من الحراسة .
9- "براشندا" هو الإسم الحربي للقائد الرئيسي للحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) . يحدد الحزب طريق براشندا ب" مجموعة الأفكار التى تطورت إلى الآن من خلال تطبيق الماركسية –اللينينية –الماوية على الظروف الملموسة للنيبال" .
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------














=======================================================
الفصل الرابع
======================================================

مقدمة المترجم:
لئن كان الشيوعيون والشيوعيات من الروّاد فى تبنى قضية تحرير المرأة كجزء من تحرير الإنسانية قاطبة من كافة أشكال الإضطهاد و الإستغلال وفى تنظيم صفوف النساء للنضال بوعي وفعالية فى سبيل إنعتاقهن وفى دفع معركة جعل يوم 8 مارس يوما عالميا للمرأة ، فإن الحركة الشيوعية العالمية ظلّت تشكو نواقصا شعر بها وإعترف الكثيرون فى فهم العلاقة الجدلية لنضال تحرّر المرأة و تحرّر الإنسانية فعادة ما ربط الشيوعيون الحركة النسوية- حين لم يؤجلوا الخوض فى الموضوع معتبرينه ثانويا للغاية - بحركة الطبقة العاملة أو بالتحرّر الوطني ربطا تبعيا وذيليا ولم يدركوا خصوصيات هذه الحركة و مدى أهميتها فى الصراع الطبقي فى ظلّ الرأسمالية أو الإشتراكية نحو بلوغ الشيوعية التى لوحدها قادرة على إلغاء جميع العلاقات و الأفكار الإضطهادية و الإستغلالية.
ورغم الخطوات الجبارة التى قطعتها التجارب الإشتراكية السابقة لا سيما منها السوفياتية زمن لينين و ستالين و الصينية زمن ماوتسى تونغ على طريق تحرير المرأة فإن الحركات النسوية الثورية كانت نوعا ما ملحقة بالسياسات العامة و البرامج التى رسمها الحزب و لم تكن تتمتع ببرامجها وسياساتها الخاصة وإن فى إطار الثورة لأجل رفع ليس فقط وعي ومشاركة النساء فى الحزب البروليتاري تنظيرا وقيادة و الدولة الإشتراكية بناءا للمجتمع الجديد و تكريسا للدكتاتورية على أعداء الثورة وإنما أيضا لصنع آلاف بل ملايين الكوادر الثورية البروليتارية النسائية التى تساهم كما ينبغى فى صراع الخطين داخل الحزب ( الخط الثوري و الخط التحريفي الذى يظهر بلبوس متنوعة) وفى صراع الطريقين داخل الحزب و الدولة البروليتاريين الطريق الإشتراكي و مواصلة الثورة فى ظل دكتاتورية البروليتاريا للتقدّم صوب الشيوعية من ناحية ومن ناحية ثانية الطريق الرأسمالي الساعي إلى إعادة تركيز الرأسمالية وتحويل لون وطبيعة الحزب و الدولة لجعلهما حزبا و دولة برجوازيين، خاصة وأنه مثلما أثبتت التجارب التاريخية، تكبدت النساء أفدح الخسائر بهزيمة البروليتاريا فى الإتحاد السوفياتي و الصين .
مستخلصين الدروس من تنظيرات وممارسات الموجة الأولى من الثورة البروليتارية العالمية ومجتهدين فى تخطى هنات الحركة الشيوعية العالمية و التحريفية ومنطلقين من الأهداف المنظورة و البعيدة المدى فى آن معا ،التكتيكية و الإستراتيجية ، ومطبقين الماركسية- اللينينية- الماوية على واقعهم الملموس تقدّم الرفاق الشيوعيون الماويون فى النيبال فى فهم قضية المرأة بعلاقاتها المتشعبة و صنع القائدات الشيوعيات بالآلاف فى خضم صراع طبقي محتدم وحرب الشعب. وهنا نذكّر فحسب بأن الشيوعيين الماويين النيباليين ولأول مرّة فى تاريخ الحركة الشيوعية العالمية شكلوا قسما خاصا بقضية تحرير النساء داخل اللجنة المركزية للحزب بإشراف إمرأة يهدف ضمن ما يهدف إليه إلى مناقشة و صياغة و تطبيق مخططات تعمّق تحرير المرأة داخل الحزب وخارجه من منظور بروليتاري حاضرا ومستقبلا. ومن يرنو الإطلاع على دقائق مشاركة المرأة فى حرب الشعب و تشكيل قائدات شيوعيات فعليه/عليها بالعودة إلى الوثائق المترجمة فى الغرض.
وفى هذا الفصل نلفى الشيوعين الماويين الإيرانيين يخوضون فى المسألة من الناحية النظرية و تحديدا من ناحية الجذور المادية لإضطهاد المرأة و التقسيم الإجتماعي للعمل. وهم مستندون بثبات و صلابة على التحاليل المادية لماركس و إنجلز، أعادوا و شرحوا وعمقوا ألق الأطروحات المادية المفسرة لإضطهاد النساء تاريخيا وفى عهد الرأسمالية وأوضحوا إرتباط ذلك بالنضال من أجل الشيوعية...
ويشدّد الرفاق الشيوعيون الماويون الإيرانيون على ضرورة تجديد الحركة الشيوعية فى هذا الصدد كما يشدّدون على الأهمية القصوى لفهم القضية على الوجه السليم و الصائب وقيادة الحركات النسوية الثورية لتعبئة النساء وبوجه خاص البروليتاريات كواحدة من الركائز العتيدة إذا ما رمنا النهوض بالحركة الشيوعية الثورية وإطلاق الموجة الجديدة من الثورات البروليتارية العالمية وغايتها لا اقلّ من بلوغ الشيوعية .
لقد بيّن واقع الصراع الطبقي وحرب الشعب التى يقودها الشيوعيون الماويون فى البيرو و الفليبين و الهند وغيرها أن النساء لم تبل البلاء الحسن فحسب بل كانت تشكّل عموما أو فى فترات معينة الغالبية ضمن المقاتلين الحمر من أجل تحرير الإنسانية. و اليوم تتعزّز حقيقة أنه لا ثورة شعبية حقا ديمقراطية جديدة كانت فى السمتعمرات الجديدة وأشباه المستعمرات أم إشتراكية فى الدول الرأسمالية الإمبريالية دون مساهمة جماهيرية للنساء فى المجالات جميعها ومنها الجيش الشعبي و المليشيات الشعبية و ما إلى ذلك. و القاعدة المادية لهذه الحقيقة تتوطّد أكثر حينما ندرك أنّ الفقر بات يسحق النساء على وجه الخصوص (تأنيث الفقر) و أن النساء فى قطاعات وبلدان عديدة باتت المكوّن الأساسي للطبقة العاملة.
من رحم آلام وعذابات النساء كجزء من الشعب فى أفغانستان وإيران بسبب الجمهوريات الإسلامية وبفضل مقاومتهن للإضطهاد و الإستغلال وبقيادة شيوعية ماوية ولدت – ضمن منظمات أخرى ثورية منها ماكيباكا فى الفليبين– منظمة نساء 8 مارس (إيران –أفغانستان) لتكرّس الخط االماركسي- اللينني- الماوي المتقدّم من أجل الثورة البروليتارية بتياريها ضد الإمبريالية وكافة أرهاط الرجعية وهي على حداثتها وبحكم وضوح آفاقها وبرامجها ومنهج عملها ونشاطاتها آخذة فى التحوّل إلى منارة من منارات النضال الثوري بلا مساومات داخل البلدين المذكورين وخارجهما و فى أوروبا وأمريكا أيضا.
ونحن من خلال هذه النصوص المترجمة نرمى إلى التوعية بداية بمدى أهمية هذه المسألة والحاجة إلى إعارة الإهتمام اللازم لها فى علاقة بالثورة البروليتارية العالمية بتياريها التى بها نحلم و من أجلها نعمل وتاليا نتطلع إلى بذل طاقتنا لإرساء الأسس النظرية و العملية لإطلاق غضب النساء من أجل الثورة.
------------------------------1/ واقع يستدعى الثورة------------------------------------
الفظائع التى تلحق بالنساء فى العالم "الحديث" للعولمة الرأسمالية.
( جريدة " الثورة " لسان حال الحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية)
هذه هي وضعية النساء فى عالم اليوم "الحديث" للعولمة الرأسمالية :
• تجارة الجنس عبلر الكوكب.مئات آلاف النساء تختطف و تضطهد و تباع و تشترى فى إطار عبودية الجنس كلّ سنة.
• فى الهند هناك 400 إلى 500 ألف طفل مومس.و فى تيلندا 800 ألف طفل و مراهق أجبروا على الدعارة.
• وكلّ يوم فى الولايات المتحدة ، يتمّ قتل أربعة نساء على أيدى الأزواج و الأخلاء.
• وكلّ يوم فى الولايات المتحدة ، على الأقلّ إثنان إلى أربعة مليون إمرأة تتعرّض للضرب.وكلّ سنة حوالي 132 ألف إمرأة تقع ضحية الإغتصاب أو محاولة الإغتصاب.و يقدّر أن عدد النساء اللاتى تتعرّض للإغتصاب و لا تعلن عن ذلك يفوق ذلك ب2 إلى 6 مرّات.
• يتمّ إنتهاك وإهانة ملايين النساء حول العالم ، فى محلات العمل الشاق ،و فى المواخير وفى بيوتهن الخاصة ، تعامل كالسلعغ تباع وتشترى.و ملايين النساء يجرى إمتلاكهن و السيطرة عليهن كأشياء و ليس كبشر.
تعتمد الولايات المتحدة على الطبقات الإقطاعية المتخلفة لتفرض شروطها الإجتماعية والسياسية للسيطرة الإمبريالية . وتدمج الإمبريالية العلاقات الإقطاعية المستبدّة الأكثر تخلفا فى تركيبتها للهيمنة و الإستغلال. وهذا كابوس بالنسبة للنساء حيث تحصل الظاهرة المنحرفة التالية :نساء فلاحات تعمل فى الأعمال الشاقة ذات التقنية العالية ، إخضاع النساء المتعلّمات للزواج المرتب ، لوحات إعلانية لمّاعة تروّج لكعوب الحذاء العالية ،والجراحة التقويمية و التجميل بينما تتطلّب التقاليد الإقطاعية المتخلّفة من النساء تغطية أجسادهن من الرأس إلى أصابع القدمين.
فى العراق ، فى ظلّ الإحتلال الأمريكي ، تقوم مليشيات شيعية بتشجيع من الولايات المتحدة بدوريات فى شوارع ومدن العراق الرئيسية و تهاجم النساء و اللواتي لا تلبس أو لا تتصرّف كما تريد هذه المليشيات. فى البصرة ، ثانى أكبر مدن العراق ، طبقا للتقارير الرسمية ، قتلت ومزّقت تمزيقا أجساد 133 إمرأة فى السنة الماضية و جرى التخلّص من الجثث فى صناديق النفايات مع تحذيرات أخرى ضد "إنتهاك التعاليم الإسلامية" .يقول سائقو سيارات الإسعاف المستأجرون لقيادة السيارات عبر الشوارع المدينية مبكّرا فى الصباح لجمع الجثث بأن العدد أكبر بكثير.
وفى 2007 ، كانت دعاءخليل أسود إمرأة بعمر 17 سنة تعيش فى كردستان العراق . وقد ضربتها و رجمتها حتى الموت غوغاء رجال متعصبين – أقرباء و جيران ينفذون ما يدعى "قتل من أجل الشرف" . وقد قتلت دعاء لوقوعها فى حبّ شخص لم ترض عنه عائلتها.
فى العراق، تعتبر النساء اللواتى إإتصبن مجلبة للعار للعائلات .وأكثر من نصف ال 400 إغتصاب التى ذكرت منذ الإحتلال الأمريكي ، إنتهت الباقيات منهن على قيد الحياة إثر الإغتصاب بالقتل على أيدى عائلاتهن. وفى ظلّ الإحتلال الأمريكي ،إرتفع عدد "جرائم الشرف "هذه. وهي منتشرة فى بلدان ما يسمى بالعالم الثالث حول العالم.
وتقف وراء هذه الممارسات الشنيعة ضد النساء عادات مماثلة وعلاقات ملكية فى المجتمع الأمريكي المعاصر فى يومنا هذا. هنا تدعى "جرائم العاطفة" حيث الحكم لا يستند إلى الجريمة و إنما إلى "مشاعر" ( أوما يوصف ب"شرف الذكر") مقترف الجريمة. ففى 1999 ،حكم قاضى بالتكساس على رجل بأربعة أشهر سجن لقتل زوجته وجرح عشيقها أمام طفلهما بعمر 10 سنوات. أليس هذا نسخة أمريكية من "جرائم الشرف"صادقت عليها الدولة ؟
إن العنف ضد النساء والإغتصاب و الدعارة تولّدها وتروّج لها علاقات التفوّق الذكوري القائمة فى هيكلة الجيش الأمبريالي الأمريكي.هنالك قصّة مرعبة لعبير حمزة ، ذات ال14 سنة من العمر وهي فتاة عراقية إغتصبها جنود القوات الأمريكية.قتلت عبير سوية مع أختها و أبويها فى بيتهم حرقا لتغطية الجريمة.
ولم ينفذ الإعتداء الجنسي و الإغتصاب ضد شعوب البلدان المحتلَّة فحسب و إنما كذلك داخل الجيش الأمريكي.فأكثر من نصف نساء إحتياطي الحرس الوطني تعرّض للإغتصاب والإعتداء والتحرّش الجنسي أثناء أداء الواجب. و فقط 2 إلى 3 من المعتدين يخضع لإجراء تأديبي جدّي كالمحكمة العسكرية. وعادة يتخذ ضد الجناة فقط تأنيب خفيف معتدل مثل القيام بواجب إضافي أو الحصول على توبيخ.
فى الولايات المتحدة ، يقصفالشعب بصورة ثابتة بالإعلانات والتلفزة والأفلام حيث تصوّر النساء أكثر بقليل من الأشياء التى لها "نداء جنسي"يستعمل لبيع أي سلع من السيارات إلى الأغاني المصوّرة. ماذا يحصل للنساء و الرجال عندما تكون هذه المادّة بصورة ثابتة فى وجوههم؟ هل هناك مدعاة للتعجّب أن تعاني أجسام عديد النساء من إضطرابات فى التغذية أو تشعر بالحاجة للجراحة التقويمية ، أو أن يتمّ التعامل مع أجساد النساء كملكية خاصة من قبل الرجال الذين تحبهم؟
أي نوع من المجتمع هذا المجتمع الذى تصبح فيه نعوت الإحتقار مرادفة للنساء؟ أوالذى لا تستطيع فيه النساء الخروج فى الليل دون خوف من إغتصابهن؟
وثمّة التفكير و الممارسات الأصولية المسيحية المعادية للنساء وهي رسمية وتفرضها المحكمة العليا و البيت الأبيض. ويريد المسيحيون الفشيون وهم قوّة شديدة ضمن الطبقة الأمريكية الحاكمة ، فرض قراءة حرفية للتوراة ،بما يعنيه من أن النساء ستعتبرن تابعات ، وخادمات للرجال و ملكية خاصة.
ليس هؤلاء الناس مجرّد مجانين ذلك أن شعارات "القيم العائلية" شعارات كلّ من الديمقراطيين و الجمهوريين. لماذا؟ جميع هذه القوى المختلفة ضمن الطبقة الحاكمة تقرّ بالخطر الذى يشكّله إضعاف " المبادئ الأخلاقية التقليدية"وضمنها دورها فى إضطهاد المرأة، على النظام الرأسمالي الإمبريالي.
لقد جرى بصفة منظّمة تقليص حق الإجهاض فى الولايات المتحدة ، من المحكمة العليا إلى الأسفل فى الوقت الذى تملأ فيه أفلام معيّنة مثل فلم جينو رؤوس الشابات بالكذب اللاعلمي بأن "الجنين طفل" وأن "الإجهاض جريمة". و سنويا واحدة من خمس مصحات تتعرّض لعنف المناهضين للإجهاض المتطرّفين الذين يستعملون التفجيرات و التهديدات بالقتل و الحرائق. و كل المجموعات المناهضة للإجهاض تعارض كذلك إستخدام وسائل منع الحمل.هذا ما يجدّ بشأن سيطرة النساء على أجسادهن وبشأن الإنجاب.
أي عالم هو هذا العالم الذى بقدر ما تزداد فيه الثروة بقدر ما ينزلق إلى الهاوية فبدلا من تقدّم الإنسانية النتيجة هي مأساة كبرى يعيشها الملايين؟ أي نوع من العالم هو هذا العالم حيث يقال للنساء دائما بقوّة بأن خيارهن الوحيد – إن كان لهن خيار- هوبين الكابوس الإقطاعي الذى تجسّده تقاليد كافة الأديان الرئيسية أو النسخة التحريرية المسلعنة ل "الجنس فى المدينة" أين تملك "الحكم الذاتي" لتسويق نفسك –كسلعة ، فى عالم لا زال قائما على التبعية اليومية و الإذلال و العنف ضد نصف البشرية؟ و الجواب هو عالم ما فتأت تسيطر عليه الرأسمالية والإمبريالية.
إن إضطهاد المرأة تطوّر سوية مع تقسيم المجتمع إلى طبقات وظهور الملكية الفردية و الإستغلال . فى ظلّ هذه الظروف ، تحوّل ما كان تقريبا تقسيما عفويا للعمل بين الجنسين إلى تقسيم إضطهادي وهيمني. وبينما شهدت هذه العلاقات الإجتماعية تغييرات على مرّ السنين ، فإن دينامية إضطهاد النساء تنسج بعمق فى منسج المجتمع الطبقي اليوم ، معزِّزة الأشكال الأخرى من الإضطهاد وو معزَّزة بها.
ليس الإضطهاد الفظيع للمرأة فى كافة أنحاء هذا الكوكب ضروريا البتّة. ولا ينبغى أن تتمّ الأمور على هذا النحو. و السبب الوحيد فى ذلك هو العلاقات الإقتصادية و الإجتماعية التى يفرزها بإستمرار المجتمع الطبقي ، و نظام يمكن أن يعمل فحسب من خلال إستغلال وإضطهاد الأغلبية الساحقة للإنسانية.
تحتاج الإنسانية للثورة و الشيوعية .نحتاج إلى مجتمع إشتراكي حيث تستنهض جماهير الشعب إستنهاضا حقيقيا لتفكّر و تعمل بصفة مشتركة ، لتقتلع كلّ العلاقات الإقتصادية والإجتماعية للمجتمع الطبقي و لتحويل العالم و ذواتنا و التخلّص من كافة أشكال الإضطهاد بما فيها إضطهاد النساء. /.
---------------------------2/ فهم مادي ماركسي- لينيني- ماوي-------------------

الإعداد للثورة الشيوعية مستحيل دون النضال ضد إضطهاد المرأة !
و تحرير المرأة مستحيل دون بلوغ المجتمع الشيوعي!
الحزب الشيوعي الإيراني (الماركسي-اللينيني-الماوي)/ مارس2008
لماذا تعتبر المرأة جنسا غير متساوي مع الرجل الذى يسيطر عليها و يلحقها به؟ لماذا يتمّ تشويه صورة المرأة فى اللغة والثقافة و الأدب ؟ولماذا يهتمّ الدين و القانون بالهيمنة على سلوكها الجنسي وسلطة الولادة لديها؟ لماذا تعدّ جميع الأديان المرأة مذنبة؟ لماذا تواجه المرأة عصا القوانين الرسمية و الضغط الإقتصادي و العنف و التهديد بالقتل من قبل العائلة؟ لماذايجرى رجم النساء لممارستهن الجنس خارج إطار الزواج؟ لماذا تنحصر هويّة المرأة فى كونها أمّ أو زوجة؟ لماذا فى غالبية المجتمعات ينتقص من إحترام المرأة التى ليس لديها أطفال و تعتبر عديمة القيمة؟ لماذا تشترى النساء وتباع بإسم الزواج؟ لماذا أغلب الأغاني تتمحور حول الحبّ بين الرجل والمرأة وإلى حدّ الآن فى كافة المجتمعات وضمن كافة الطبقات الإجتماعية ،تتميّز العلاقات بين النساء و الرجال فى الغالب بالسخط و الكراهية المتبادلة وحتى بالعنف؟لماذا يموت عدد أكبر من النساء بين سنّ 14 و 55 سنة بسبب العنف الذكوري منه بسبب السرطان و الحرب؟(1)لماذا ،فى جميع الحروب الرجعية ، عادة ما تغتصب النساء؟ لماذا تقوم النساء بثلثي العمل فى العالم و تحصل على 10 بالمائة من الدخل وتتمتّع بواحد بالمائة من الملكية؟(2)ورغم ذلك تنسب الطبقة العاملة إلى "الرجال"؟
كلّ هذه المسائل المثارة تتكثّف فى سؤال واحد هو ما هي الأسس المادية لإضطهاد النساء ؟
قلّما تمّت دراسة مسألة إضطهاد على مستوى القيود الثقافية والتقاليد. ومن الضروري تجاوز ذلك لأن الثقافة و الدين و التقاليد جميعها تعبيرات عن علاقات الإنتاج المادية فى المجتمع و فى الحقيقة هي نتاج لهذه العلاقات الإنتاجية المادية. ففى كلّ يوم نلاحظ تراتبية الرجل –المرأة بتنويعات عديدة ، ضمن كافة الطبقات الإجتماعية ،سواء فى البلدان المتخلفة أوفى البلدان الرأسمالية المتقدّمة.و البنية الفوقية السياسية والإيديولوجية المهيمنة على العالم و فى مختلف البلدان ،تولّد هذه العلاقات التسلطية وتملى موقع كلّ فرد رغم رغباته الشخصية.
ما هي الأسس المادية لهذا الوضع؟ المسألة هي:
ما هو الإقتصاد السياسي لإضطهاد النساء؟
تختلف الماركسية فى ذلك عن كل النظريات الإجتماعية السابقة عليها فلأول مرّة فى التاريخ شرحت تاريخ المجتمع الإنساني ماديا أي على أساس قاعدة الإنتاج المادي حيث حلّل ماركس أنه على الناس ( على نقيض الحيوانات) من أجل بقائهم على قيد الحياة وإنتاج حاجيات حياتهم المادية أن يدخلوا فى علاقات إنتاج وتعاون .و سمّى ماركس هذه العلاقات التى تشكّل قاعدة التقييم الإجتماعي للعمل و العلاقات التى تشكّل قاعدة التشكيلة الإجتماعية للناس بعلاقات الإنتاج .وأثبت ماركس بأن جميع الإختلافات الطبقية و جميع الإختلافات الإجتماعية وجميع البنية السياسية والثقافية تقوم على تلك القاعدة. و بيّن أن مفتاح فهم البنية الإجتماعية هو فهم القاعدة الإقتصادية. لكنه لم يعنى ب "الإقتصاد " ما يفهم عفويا من ذلك. فب" القاعدة الإقتصادية " قصد طبيعة العلاقات التى يدخل فيها الناس عند إنتاج و إعادة إنتاج حاجياتهم المادية. بكلمات أخرى قصد "التقسيم الإجتماعي للعمل". لهذا سماه "الإقتصاد السياسي" . و الملكية و توزيع الثروات وموقع كلّ فرد فى العمل هي المفاهيم الأخصّ لمفهوم "التقسيم الإجتماعي للعمل". فى كلّ فترة تاريخية مرتبطة بتقدّم القدرات الإنتاجية للنماس ( معرفتهم و مهاراتهم فى إنتاج الحاجيات المادية) إتخذت هذه العلاقات أو هذا التعاون وتقسيم العمل بين الناس أشكالا متنوعة. ففى المراحل البدائية لم توجد إختلافات مالكين وغير مالكين و مدير ومنتج و مفكر و منتج . لكن فى مرحلة معيّنة من تطوّر المجتمع ظهرت هذه الإختلافات وإنقسم المجتمع إلى طبقات. وبظهور المجتمع الطبقي ، صار التعاون بين الناس علاقات إنتاج إستغلالية بما يعنى أن بعض الناس يسيطرون على عمل الناس الآخرين و على منتجات ذلك العمل.و بالنتيجة ، فى المجال السياسي ، ( مثلا، على مستوى إدارة المجتمع) صارت العلاقات إضطهادية هي الأخرى. وولد جهاز يسمّى الدولة ودورها ليس الإنتاج و إنما ممارسة دكتاتورية الطبقات المالكة على المنتجين و الحفاظ على علاقات الإنتاج الإستغلالية.
فى المجتمع الطبقي ، تمتلك الطبقات المالكة "ظروف العمل" ( وسائل الإنتاج مثل الأرض والماء و المصانع إلخ) و من خلال ذلك تصادر إنتاج عمل الآخرين وتوزيعه. ففى ظلّ المجتمع العبودي ،كان إمتلاك "ظروف العمل" يشتمل على إمتلاك المنتج المباشر نفسه / نفسها ( العبيد) لأن أهمّ وسيلة من وسائل الإنتاج هي قوّة جسم الإنسان. وفى ظلّ الإقطاعية أهمّ وسيلة من وسائل الإنتاج هي الأرض و المالك العقاري بتركيز ملكية الأرض فى يديه الخاصة يسيطر على عمل الفلاحين. وفى ظلّ الرأسمالية تغيّرت علاقات الإنتاج و أمسى العامل لأول مرّة عاملا "حرا".و الرأسمالي ، من خلال ملكية وسائل الإنتاج ،يشترى قوّة عمل العامل مثل أية سلعة أخرى و يحوّلها إلى {اسمال فى سيرورة الإنتاج ويستحوذ على القيمة (الثروة) التى تنتج فى هذه السيرورة. والموقع الإجتماعي الدوني للعمال وفقدانهم للحقوق السياسية و حرمانهم من إنتاج الفكر وفرض التغذّى من الأفكار التى تنتجها الطبقات السائدة ، كلّ هذا تمليه هذه العلاقات الإجتماعية الإستغلالية.
فى جميع هذه الحالات ،تستعمل الطبقات المستغِلة رافعة الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج لكي تسيطر على عمل الآخرين وإنتاج ذلك العمل. هنا نرى تقسيم العمل بين المنتجين المباشرين ومالكي وسائل الإنتاج وهوتقسيم عمل إجتماعي عدائي.و الطبقة المستغَلَة هي فى الوقت نفسه الطبقة المضطهَدَة بما يعنى أنها طبقة ضعيفة والطبقة المستغَلَة و المضطَهَدة تقع فى ذات الوقت تحت الهيمنة الثقافية للطبقة المسيطرة و"التشريع" والثقافة و "القانون" و "الأخلاق" هم تشريع وثقافة وقانون و أخلاق الطبق المسيطرة. و العلاقات الإقتصادية ( الملكية و توزيع الإنتاج و الموقع فيه ) هي القاعدة المادية للثقافة السائدة.
ومن هذه المقدمة ، نخلص إلى هذه المسألة: مذا قال ماركس بصدد القاعدة الإقتصادية (التقسيم الإجتماعي للعمل) لسيطرة الرجل على المرأة ؟ كيف يجب أن نحلّل الإقتصاد السياسي لإضطهاد المرأة ؟ وما هي الدعامات المادية لضعف المرأة فى تسلسل مراتب السلطة وصورتها المحتقرة فى ثقافة المجتمع؟
إن إضطهاد المرأة إنعكاس لعلاقات الإنتاج الإستغلالبية فى المجتمع الإنساني، ولهذا الإضطهاد دور مركزي فى إعادة إنتاج حياة المجتمع وفى تشكيل الهيكلة الطبقية و تركيبة تسلسل مراتب الإمتيازات .و لكن الماركسية لم تعالج هذه المسألة على أهميتها. لقد وضع ماركس و إنجلز حجر الزاوية فى تحليل ماركسي للمسألة فى عملهم الرائع المهنون ب "الإيديولوجيا الألمانية" وهويندرج ضمن محاولاتهما الأولى لتطوير فهم مادي لمؤسسات المجتمع الإنساني لإلا أنهما لم يواصلا البحث فى هذا فى العمل الرائع "رأس المال" . وفى السنوات ال150 الأخيرة لم تعالج الحركة الشيوعية هذه النقيصة.
عند تطويره فهما ماديا لتاريخ المجتمع الإنساني ، سمّى ماركس العلاقة بين المرأة و الرجل ، أوّل تقسيم إجتماعي للعمل بين الناس وأشار إلى أن هذا التقسيم للعمل ذاته حمل فى طياته بذور عبودية المرأة وبظهور الالمجتمع الطبقي غدت المرأة عبدا وغدت العلاقات بين الرجل و المرأة علاقات عدائية. وهذه العلاقات التى تقام بواسطة الرجل أُنتجت و أعيد إنتاجها فى كافة المجتمعات الطبقية وخدمت تملّك الإنتاج الإجتماعي من قبل أقلية من الطبقات المالكة. واليوم هي عماد من الأعمدة الرئيسية لإنتاج و غعادة إنتاج المجتمع الرأسمالي.
قال إنجلز فى " أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة " الذى يمثّل دراسة تاريخية لظهور الدولة والعائلة إن تقسيم العمل الأول بين الرجل و المرأة كان من أجل إنتاج البشر وفى نفس المؤلَّف قال إن فى مؤسسة العائلة الرجل هو البرجوازية و المرأة هي البروليتاريا.
و ماركس و إنجلز فى مؤلفهما "الإيديولوجيا الألمانية" بينما أوضحا المظاهر الرئيسية للنشاط الإجتماعي حدّدوا ثلاثة منها هي إنتاج الحاجيات المادية وإنتاج الحاجيت الجديدة و إنتاج البشر (العائلة/الأسرة). وبعد شرح كلّ واحدة منها ، قالا:"وممّا لا ريب فيه أنه لا يجوز إعتبار هذه المظاهر الثلاثة للنشاط الإجتماعي على أنها ثلاث مراحل مختلفة ،بل على أنها ثلاثة مظاهر فحسب ،أو ...ثلاث "لحظات" توطدت منذ فجر التاريخ و منذ البشر الأولين،وهي لا تبرح تتظاهر فى التاريخ اليوم." ( "الإيديولوجيا الأمانية" ،صفحة 38 ،الطبعة العربية )
و إستطردا قائلين:"إن إنتاج الحياة ،سواء حياة المرء الخاصة بالعمل أم الحياة الجديدة بالتناسل، تظهر لنا إذن منذ الآن على أنها علاقة مزدوجة، علاقة طبيعية منجهة واحدة، وعلاقة إجتماعية من جهة ثانية. و إننا نقصد بالعلاقة الإجتماعية التعاون بين أفراد عديدين كائنة ما كانت الشروط،وبأية طريقة كانت، ولأية غاية كانت. و يترتب على ذلك أن نمطا معينا للإنتاج ، أو مرحلة صناعية معينة ،تتداخل على الدوام مع نمط معين للتعاون، أو مرحلة إجتماعية معينة ،وهذا النمط للتعاون هوبحدّ ذاته "قوة منتجة". (مصدر سابق ص 38).
ويوضّح ماركس و إنجلزأن التقسيم الإجتماعي للعمل بين الناس كان فى البداية مجرّد تقسيم عمل جنسي بين المرأة و الرجل على أساس القوّة الجسدية و الحاجيات و الفرص إلخ. لكن بتطوّر قوى الإنتاج بات هذا التقسيم للعمل أكثر تعقيدا و فى الأخير ظهر تقسيم بين العمل الفكري و العمل اليدوي. و بالنتيجة شهد التقسيم افجتماعي لعمل الناس إنقساما إلى الذين يقومون بعمكل يدوي والذين يقومون بعمل فكري ؛ الذين يعملون و الذين يتمتعون؛ الذين ينتجون و الذين يستهلكون.
ويواصلان القول:"إن هذا التقسيم للعمل ،الذى تنطوي فيه جميع هذه التناقضات ،و الذى يرتكز بدوره على تقسيم العمل الطبيعي فى الأسرة وإنفصال المجتمع إلى أسر مفردة ومتعارضة ، يتضمن بصورة متواقتة توزيع العمل ومنتجاته،وهو توزيع غير متكافئ فى واقع الأمر،كميا وكيفيا على حدّ سواء؛ وبالتالى فإنه يتضمن الملكية التى تقوم نواتها ،شكلها الأول،فى الأسرة حيث الزوجة والأولاد عبيد الرجل,إن هذه العبودية ،بالرغم من أنها لا تبرح بدائية جدا وكامنة فى الأسرة ،هي الملكية الأولى ، لكنها تقابل على أكمل وجه ،حتى فى هذه المرحلة الباكرة ،تعريف الإقتصاديين المحدثين الذين يسمونها القدرة على التصرف بقوة عمل الآخرين. وفيما عدا ذلك فإن تقسيم العمل و الملكية الخاصة تعبيران متماثلان،يعبر الأولفيما يتعلق بالنشاط عما يعبر الثاني عنه فيما يتعلق بنتاج هذا النشاط." (مصدر سابق ، ص 41).
وهذا التحليل الماركسي المادي الرائع هو الأساس النظري للموقع الدوني للمرأة فى المجتمع الطبقي.الأساس المادي للموقع الدوني للمرأة هو التقسيم الإجتماعي للعمل الذى فرض فى البداية "طبيعيا " و "عفويا" وحمل فى طياته بذور إستعبادها و لا يزال الأمر كذلك إلى يومنا هذا .(3) المرأة فى آن معا وسيلة إنتاج (إنتاج الإنسان العامل) و قوّة عمل . فى المجتمع الطبقي يتمّ حصر المرأة فى "ظروف العمل" (شأنها شأن الأرض) و بالتالى وجب أن تُمتلك و تستغَلّ. وسيلة الإنتاج المتميّزة هذه على نقيض الأرض والآلة ،ذكية! هذا هو أساس العلاقات العدائية المتفجّرة بين المرأة وعلاقات الإنتاج المسيطرة كافة ، و بين المرأة و الرجل.
كانت العبودية فى العائلة الشكل الأولي للملكية و التملّك و إدارة قوّة عمل الآخرين. وكان تعزيز عائلة الزواج الإحادي أمرا ساعد على الهيمنة على قوّة عمل المرأة و الأطفال. تاريخيا ، كان هذا أوّل إخضاع لعمل الآخرين لمراكمة الثروة. إن العائلة الأبوية تقع فى قلب المجتمع الطبقي.وعرفت العائلة الأبوية تغييرات كثيرة نتيجة للتحويلات الثورية منمجتمع العبودية إلى الإقطاعية ثمّ إلى الرأسمالية.غير أن أساسها لم يشهد تغيّرا.إعادة إنتاج الحياة من قبل المرأة هو المنبع الرئيسي لتزويد الرأسمالية العالمية بالقوى العاملة و عمل المرأة كأمّ وزوجة لا يزال المصدر الرئيسي لتقديم الخدمات للحفاظ على قوّة العمل هذه.
فهم سائد ...لكن خاطئ :
فى محاولتها لتحليل جذور إضطهاد المرأة ، لم تتجاوز الحركات اليسارية فى إيران وكذلك فى العالم ، عادة تحويل هذه المسألة إلى أثر من الآثار الجانبية للعلاقات الإستغلالية عامل-رأسمالي، أثرجانبي سيختفى بعد إلغاء عبودية الأجر. ونادرا ما تجد هذه الحقيقة الإجتمعية العملاقة طريقها إلى "التحليلات" "الطبقية" لليسار. وحينما تحاول إنجاز تحليل طبقي لإضطهاد النساء ،ببساطة تقسّم النساء إلى "إمرأة عاملة" و إمرأة فلاحة" و "إمرأة برجوازية" . و بالطبع تقسيم النساء إلى طبقات إقتصادية حقيقة و من المهمّ الإعتراف بها لكن إضافة إلى هذه الحقيقة هنالك علاقة إنتاج أخرى وعلاقة سلطة أخرى فى المجتمع تسمى علاقة جندرية /نوع إجتماعي لها دور حيوي فى إنتاج و إعادة إنتاج الطبقات ،و الكفاح ضد هذه العلاقة الجندريةالإستغلالية و الإضطهادية جزء هام من النضال للقضاء على المجتمع الطبقي. و النضال ضد إضطهاد النساء جبهة من جبهات الحرب الطبقية! و ينبغى أن يشار إلى أنه حينما تنجز قوات اليسار تحليلا للتشكيلة الإقتصادية –الإجتماعية للمجتمع ،نادرا ما تنظر ل"لإضطهاد المرأة" كعامل رئيسي فى وجود تلك التشكيلة ! ( فى الحركة الشيوعية فى إيران يمثّل حزبنا إستثناءا).
ومن نتائج نواقص الحركة الشيوعية فى إجراء تحليل طبقي لإضطهاد المرأة أنه تمّ تعويض التحاليل المادية التاريخية لمارككس وإنجلز بعلم الإجتماع .و لحسن الحظّ أن بعض العلماء الماركسيين من أنصار الحركة النسوية تخطّوا ذلك مقيمين بحوثا حول التفوّق الذكوري وإضطهاد المرأة فى مجالات الثقافة و علاقات السلطة ( وهي بحدّ ذاتها غاية فى الأهمية ) وأنتجوا أعمالا مهمّة بشأن العلاقة بين إضطهاد المرأة والملكية وإنتاج الثروة فى ظلّ الراسمالية. و ينبغى دراسة هذه الأعمال بعناية و دمجها نقديا فى معرفتنا العلمية الشيوعية. و على الحركة الشيوعية أن تصحّح أولا فهمها لهذه القضية و أن تطوّره. و يجب أن نعتمد على التحاليل المادية التاريخية لماركس و إنجلز و ليس على تحاليل علم الإجتماع بصدد جذور إضطهاد المرأة و إلى ذلك يجب أن نتجاوز نظريات ماركس و إنجلز و أن نطوّرها أيضا.
وضمن عديد شيوعييى إيران (و العالم) هناك سوء فهم أنه بما أن "المرأة" ك "إمرأة" لا ترتبط بالإنتاج ليس بمستطاع المرء دراسة إضطهادها فى مجال الطبقات ،وأن المرأة ليست مستغَلّة بل فقط مضطهَدَة !لكن التعمّق فى واقع هذا العالم يبيّن أن المرأة تنتج وهي تملك و يحصل هذا الإنتاج فى إطار علاقات إستغلالية(4) (هنا المقصود هو ملكية وسائل الإنتاج). ولادات المرأة وعملها فى صيانة العائلة إنتاج. وهذا الإنتاج يخدم مراكمة الثروة فى المجتمع الرأسمالي. وقوع هذا الإنتاج فى إطار نمط إنتاج ما قبل رأسمالي أورأسمالي موضوع يقتضى التعمق و البحث فيه.
حقيقة كون نساء الطبقة البرجوازية تملك وسائل إنتاج وهي مستغِلة لا يغيّر من دور مؤسسة إنتاج النظام الرأسمالي الإقتصادي والإجتماعي ككلّ. فى الواقع هذا إستثناء يؤكد القاعدة. وهذه النساء فى تعزيزها لهيمنة الذكور فى العلاقات الجندرية ،واقعيا ،تدافع عن مصالحها الطبقية.وفى ما يتعلّق بهذه النساء فإنهن تحمل عبئا أخفّ بكثير فى علاقات الرجل-المرأة الجندرية من غالبية النساء.
الإنتاج الرأسمالي إنتاج سلعي متوسع وقد جلبت الرأسمالية أجزاء كبيرة من الإنتاج الإجتماعي إلى دوائر الإنتاج السلعي بإستثناء الولادة و الشغل المنزلي.
هذا الإنتاج إنتاج للإستعمال المباشر وليس له "وقت عمل ضروريإجتماعيا" مكافئ. فى مجتمع يُعطى فيه المال قيمة لكلّ شيئ ، عمل المرأة ليس له قيمة لأنه للإستعمال و ليس للتبادل.فى المجتمع الرأسمالي يقومون بعمل أقلّ قيمة ( عمل غير قابل لأن يكون ذو قيمة تبادلية) لامكافئ له! هنا تكمن العلاقة بين إنتاج المرأة وموقعها الإجتماعي الدوني. تعُدّ النساء 52 بالمائة من سكان العالم غير أنهن تنفّذ 75 بالمائة من الحفاظ على جميع سكان العالم"(5).
ليس لغالبية عمل المرأة فى البيت (تنشأة الأطفال وتربيتهم وتغذيتهم و العناية بصحّتهم و إدارة الإقتصاد العائليوحلّ الأزمات العائلية وإدارة العلاقات بين العائلات ومئات الأعمال الصغيرة الأخرى ) قيمة سلعية وليس جزءا من الإنتاج السلعي الرأسمالي لكن هذا لا يعنى أنه ليست له علاقات بالمراكمة الرأسمالية. بالعكس ،له مكانة مهمّة جدا فى المراكمة الرأسمالية على النطاق العالمي. الوقت غير المحدود و عمل المرأة غير مدفوع الأجر ركيزة من ركائز المراكز الإقتصادية العالمية فى تطوير السياسات الإقتصادية الشاملة. و بشكل خاص تعتمد السياسات "الليبرالية الجديدة" على الخدمات الإجتماعية غير المحدودة (24 ساعة) كوقت متوفّر لدى المرأة فى البيت. كما يعتمد صانعو السياسات "الليبرالية الجديدة" على اليد العاملة الرخيصة من النساء خارج البيت ويخططون على ذلك الأساس.
للرأسمالية توجّه نحو جلب النساء إلى سوق الشغل (العمل المدفوع الأجر) وجعلهن تنجز ثلاث أعمال ( الولادة والأشغال المنزلية والعمل خارج المنزل). ويشدّد الرأسمال من ناحية على عمل المرأة فى البيت ل"رفع كفاءة السوق" ومنناحية أخرى يجلبها إلى سوق الشغل. وهذا الواقع يحوّل المرأة إلى عامل له خصوصياته يرزح تحت نير أشكال متعدّدة من الإستغلال (نمط ما قبل رأسمالي وكذلك نمط رأسمالي) .
وإنها لحقيقة أن الرأسمالية تتجه نحو عصرنة العلاقات العائلية. بيد أنه عليها فى نفس الوقت أن تسيطر على سلطة المرأة فى الولادة وعملها غير المدفوع الأجر. لذا تفرض مراكز القوى بوعي هيمنة العلاقات الذكورية على مستوى البنية الفوقية. ويجب أن نشير إلى أن إنتشار تأثير الدين جزء من "الجهاد" ضد النساء.
و التراكم الرأسمالي على النطاق العالمي لا يعتمد فقط على إستغلال العمال بل أيضا على العمل غير مدفوع الأجر. و الرأسمالية وإستعمال العلاقات ما قبل الرأسمالية ايسا خاصّة. يشبه البعض من الباحثين الماركسيين أنصار الحركة النسوية دور عمل النساء غير مدفوع الأجر فى المراكمة الرأسمالية ب "المراكمة البدائية" ، بنوع من المراكمة التى يفترض أنه كان لها دور فى فجر الرأسمالية ولايزال يلعب هذا الدور(7).
و من الواضح أن العديد من الأشغال المنزلية دخلت إلى دوائر الإنتاج السلعي ذو القيمة التبادلية ،مثل جلب الماء و الكهرباء و الغذاء فى المطاعم ،و الطعام الجاهز والصحّة و التربية إلخ. لكن حتى فى البلدان الصناعية المتقدّمة ، معظم السلعنة ليست سوى جزء صغير من الأشغال المنزلية.وعلاوة على ذلك على إمتداد ما يسمى بالعالم الثالث ما زال جلب الماء و الخشب للتدفئة جزء لا يتجزأ من الأشغال المنزلية للنساء.
ويعتقد البعض بانه إذا حصلت النساء على أجور مقابل الأشغال المنزلية فإن عبء الإستغلال سيضحى أخفّ. لكن يجب الإشارة إلى أن أولا ،نزعة الرأسمالية نحو أقصى الإستغلال نزعة قوية جدّا تمنع سلعنة الأشغال المنزلية و قوّة عمل المرأة فى الإنتاج المنزلي. وثانيا، للمرّة الأولى الأجر مقابل الأشغال المنزلية طالب به العمّال الذطور فى القرن 19 فى شكل "أجر عائلي". جادل العمال بأن "أجرا عائليا " ينبغى أن يمنح لأجل إبقاء المرأة فى المنزل لتنشأة الجيل الجديد من العمّال. وقد إستجابت الرأسمالية لهذا المطلب وساعدت على تعزيز الهيمنة الذكورية ضمن عائلات البروليتاريا. وثالثا ، سلعنة الأشغال المنزلية تتواصل عبر سيرورة مختلفة :خروج النساء و عملهن فى الأعمال الخدماتية (المطاعم ودور الحضانة و المستشفيات إلخ). ولا حاجة إلى عرض و شرح أن هذه السيرورة لم تخفض من عمل النساء غير مدفوع الأجر وادّت ببساطة إلى إرتباط النساء بوظيفتين. رابعا، حتى و إن تمكّنت الرأسمالية من حساب قيمة الأشغال الخدماتية للنساء فى العناية بالمنزل ومن دفع أجر لهن مقابل ذلك (كما تطالب بذلك بعض القوى اليسارية) فكيف ستسلعن تربية الأطفال؟ لو كانت الرأسمالية تستطيع سلعنة إنتاج الحياة بالضبط مثل سلعنة الملابس والأحذيةبالتأكيد لقامت بذلك بعدُ.جسد المرأة هو" وسيلة الإنتاج " الوحيدة التى لا يمكن مكننتها و تحويلها إلى الإنتاج بالجملة! و هذا الوضع ذاتته يقود الرأسمالية إلى قسوة و عنف لايتصوران من أجل السيطرة على سلطة الولادة لدى المرأة.
وثّق بعض الباحثين الماركسيين أنصار الحركة النسوية أربعة قرون من التاريخ الرأسمالي منهذه الزاوية :من "محاكم التفتيش " فى اقرن 16 إلى القوانين المناهضة للإجهاض فى القرن الحادي و العشرين،و كان ذلك كلّه يهدف إلى السيطرة على جسد المرأة وعمل إنتاج الحياة. و كان العنف الذى مورس ضد المرأة عنفا بلا رحمة وشاملا لأن الطبقة المستغِلة لا تستطيع أن تنتزع وسائل الإنتاج من هذا المنتج و عليها أن تمتلك جسده وعمله فى نفس الوقت. لكن وسيلة الإنتاج هذه وسيلة ذكية.ليست آلة. وعمق النزاع فى العلاقات الإجتماعية ينبع من هنا.
من بداياتها الأولى ،قسمت الرأسمالية البروليتاريا إلى شرائح متنوعة وجعلت مصالحها متضاربة ونفذت إستغلالها من خلال هذا النوع من التقسيم. ويرى العديد هذه الحقيقة حصرا بشأن العمال فى المصانع أو مختلف فروع الإنتاج. لكن أكبر تقسيم وإنشقاق بين الشغالين هوذلك الذى بين الرجل و المرأة. وهذا لاينتبه إليه الكثيرون. وهنالك عمى جندري عميق بين قوى اليسار بهذا المضمار ،خصوصا فى صفوف ذلك الجزء الذى يدّعى نفسه "عماليا".فالنظام الرأسمالي يخصّ الرجل بموقع مميّز نسبة للمرأة. و إضافة إلى "رأس المال" عموما يستفيد العامل ( سواء العامل أو الفلاح أو البرجوازي الصغير) من عمل المرأة غير المدفوع الأجر. دون معرفة هذه الحقيقة لا نستطيع توحيد شغالي المجتمع والعالم و لا نستطيع خوض صراع ضد هذا النظام الذى ولّد مثل هذه الهيكلة الإجتماعية المريضة ؛ دون مثل هذا الفهم لا نستطيع أن نحارب بنجاح هذا النظام.
فى الحقيقة تلك النساء منقسمة إلى طبقات مختلفة مثل البرجوازية والعمال والفلاحين. إلآ أن هذا لا يُغيّر الحقيقة الشاملة أن غالبية نساء العالم تقع تحت الإستغلال و الإضطهاد المتعدّدى الأشكال و الأنماط.ونساء الطبقة البرجوازية هي أيضا مضطهَدة كنساء. بيد أن إضطهادهن نوعيا مغاير لإضطهاد أغلبية النساء.ومن البديهي أن نساء البرجوازية لا تقوم بالأشغال المنزلية أو لا تقوم بكثير منها. غير أن هذا ليس العامل الأهمّ.و السمة الأهمّ لنساء البرجوازية هو دعمها إضطهاد المرأة والموقع الدوني فى المجتمعإعتبارا لمصالحها الطبقية.والدعم الواعي لنساء الطبقات الحاكمة للجمهورية الإسلامية الإيرانية ونساء منظمة مجاهدى خلق للقوانين البطريركية فى الإسلام موقف وسياسة طبقيين.
المرأة فى سوق الشغل :
يسحب التطوّر الرأسمالي أكثر فأكثر منتجو العالم خارج حقل الإنتاج ما قبل الرأسمالي ويربطهم بدوائر الإنتاج الرأسمالي. وفى كلّ منعرج فى تطوّّر الرأسمالية يتمّ إجتثاث ملايين الفلاحين ويقذف بهم إلى المدن. و نطبق هذا على النساء أيضا. فمنذ ثمانينات القرن الماضي فى ما يسمى بلدان العالم الثالث بات عشرات ملايين الفلاحات بروليتاريات تعمل فى محلات العمل الشاق. لكن هذا هو شغلهم الثالث. الشغلان الأولان ( تربية الأطفال و الأشغال المنزلية) ينفذان رئيسيا فى إطار علاقات الإنتاج ما قبل الرأسمالية.و تدخل هذه النساء سوق الشغل فى حين أن الهياكل الإقتادية مميّزة للغاية ضد النساء ؛ فالمجتمع ث5قافيا مناهض للمرأة والهرسلة الجنسية فى العمل واسعة الإنتشار. وهكذا تملى عليهن الظروف القبول بأية درجة من أقصى الإستغلال. ومتوسّط الأجر الذى تستلمه نساء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو 28 بالمائة من متوسّط أجر الرجل. (اليونيسيف2007). و تعزى هذه الفجوة المدهشة إلى أن تلك النساء تحصل على أجور أقل قيمة بكثير وأغلب الوقت تدفع إلى الوظائف ذات الأجر المنخفض. وجلّ ساعاتهن النشيطة فى اليوم تؤثث بالأشغال المنزلية غير مدفوعىة الأجر.وبالتالى ، لديهن أقلّ وقت للعمل خارج المنزل وعندما تكسب أجورهن بأنفسهن لهن سيطرة ضئيلة على دخلهن. وكلّ هذه العوامل تجعل الأمر مستحيلا على العاملات مراكمة الأموال لتجاوز الفقر. وعلاوة على ذلك، تضمن القوانين المميّزة فى الملكية والميراث بقاء النساء "غير مالكات". تنتج النساء حوالي 75 بالمائة منحبوب غذاء العالم كما تنتج حوالي 50 بالمائة من كافة الغذاء إلا أنهن الأكثر فقرا فى العالم إلى درجة أنه "تمّ تأنيث الفقر"(1).
و منهنا يمكن أن نرى أن المرأة صنف خاص ومهمّ جدّا من الطبقة العاملة مستغَلّ بطرق و أشكال متعدّدة.
تجديد الحركة الشيوعية :
منذ سنتين ، أكّد حزبنا على ضرورة تجديد الحركة الشيوعية فى إيران وكذلك عالميا و أشار إلى أن جزءا هاما من هذا التجديد هو تغيير نظريتنا وممارستنا الخاصتين بقضية إضطهاد المرأة. ومرّت الآن 160 سنة على نشر "بيان الحزب الشيوعي" وبإمكان المرء أن يتجاسر على قول إن فهم الشيوعيين لهذه القضية لم يتجاوز ما عرضه ماركس و إنجلز فى "الإيجديولوجيا الألمانية " و"أصل العائلة..."وحتى ذلك المستوى من الفهم لميصبح جزءا منوعي قادة وأعضاء الأحزاب و التنظيمات الشيوعية.إننا نشهد مرحلة ينتشر فيها تمرّد النساء ضد الإضطهاد عالميا وهويتعمّق بأبعاد جديدة. وفى مناطق عدّة يتخطى هذا التمرّد مستوى "إستجداء العدالة" إلى مستوى ثوري وجريئ ليمسي طليعة التغييرات الإجتماعية الكبرى.ومن الواضح أن تمرّد النساء ضد الإضطهاد سيوفّر جزءا كبيرا من القوّة المتفجّرة للموجة الجديدة للثورات الإشتراكية. و علينا تطوير معرفتنا و فهمنا المتقدّم فى نفس الوقت للمساعدة على تطوير حركة نسوية ثورية أممية فى العالم. و هذه إحدى الجبهات الرئيسية للصراع الطبقي الذى من خلاله يمكن للحركة الشيوعية أن تجدّد نظرياتها وكذلك ممارستها ؛ و من الممكن تحويل الإيديولولجيا و البرنامج الشيوعيين إلى قوّة مادية شديدة البأس.
شعار "ليس للبروليتاريا ما تفقده ...سوى قيودها و أغلالها، و تربح ... عالما بأسره "عميق للغاية بشأن هذا القسم من البروليتاريا العالمية. فى المجتمع الطبقي يمسك دائما الذين يملكون وسائل الإنتاج وظروف العمل بالسلطة السياسية كذلك. النساء... تنطوي على أكبر قوّة عمل فى العالم تخضع لطرق و أشكال متعدّدة من الإستغلال وتتحمل عديد ضروب الإضطهاد.هذا هو القسم الأضعف و الأكثر فقدانا للحقوق ضمن البروليتاريا وهو مهمّش حتى من طرف الأحزاب والمنظمات و النقابات اليسارية ! لذا لا عجب فى أن النظرية الشيوعية ،بالتشريح و البحث العميقين لطبيعة إضطهاد المرأة ،يمكن أن تتعمّق هي ذاتها و أن تصبح أصحّ و أكثر نظارة و يمكن أن تصير قادرة على قيادة نوع الثورة التى ستغيّر جذريا حقا التنظيم الإجتماعي للإنسانية حتى الآن و لا تعيد مجرّد ترتيبه بشكل آخر.
للتحليل المادي لإضطهاد النساء إنعكاسات هامة على تطوير و رفع مستوى الصراع الطبقي فلإطاحة بالنظام الرأسمالي عبرالعالم وفى مختلف بلدان العالم. تعميق وتطوير الفهم الماركسي للمسألة سيحدث بالتأكيد تغييرا فى المفاهيم السائدة داخل الحركة الشيوعية بشأن الصراع الطبقي و الطبقات و تنظيم قوى الثورة و الحركات النسوية وتلك الحركات النسوية التى ترنو إلى المثابرة على إجتثاث هذا الإضطهاد
ستكتشف بصورة مأكّدة أن الإطاحة بالنظام الرأسمالي برمته وإرساء المجتمع الشيوعي مجتمع هو شرط الإنعتاق الشامل للنساء.ففى المجتمع الشيوعي يكون تقسيم و تبادل العمل بين الناس ،سواء فى شكل سلعة-أجر أو شكل لاسلعة و "لاأجر" قد ألغي ودخل الناس طوعا فى تعاون لإنتاج و إعادة إنتاج حياتهم المادية وتكون المعرفة تطوّرت إلى درجة أن جسد المرأة لن يعود وسيلة إنتاج الحياة الجديدة. نعم ،سوية مع العلاقات الإجتماعية الإضطهادية ، ستمسى إعادة ولادة الحياة من خلال جسد الإنسان جزءا من التاريخ.
------------------------------------------------------------------------------------------
الهوامش:
1- فى فجر القرن الحادي و العشرين ،فى حرب كوسوفو، لمدّة طويلة، إغتصاب النساء لضمان حملهن كان سياسة واعية إنتهجها الجيش السربي بهدف "تلويث" عنصر الكوسوفو. وجدّت هذه الجريمة حقا فى قلب أوروبا المتحضّرة ممّا جعل "محكمة العدل الدولية" تردّ الفعل وتعلن الإغتصاب "جريمة ضد الإنسانية".و بالطبع لسنوات عدّة لم يدفع حدوث المجزرة نفسها فى أفغانستان أولا عنطريق الجيش السوفياتي المحتل وبعد ذلك عن طريق الجيوش المتنافسة من مجاهدي أمراء الحرب ، "العالم المتحضّر" إلى الإدانة.
2- ريتشارد روبنس"المشاكل العالمية و الثقافة الرأسمالية"،1999 ، صفحة 345.
الرابط على الأنترنت
www .glabalissues.org/HumanRights/WomenRights.asp ?p=1
3- فى المجتمع العبودي ، كان تقسيم العمل بحيث أن مالك العبد يستملك الثروة المنتجة من خلال إمتلاكه للعبد. وقد فرضت علاقات الملكية هذه عبر القسر السافر.وفى المجتمع الرأسمالي ، صارت علاقات الإنتاج بين المنتج المباشر و المتملّك سلعة تبادل "حرّ" بين العامل و الرأسمالي ؛ يفتقر العامل إلى أية ملكية لوسائل الإنتاج مقابل أجر وفى الأثناء ليس له أي حق فى ما يحدث لقوّة عمله /عملها و إنتاج إستعمال قوّة العمل.
4- "الإيديولوجيا الألمانية"صفحة 38 ،الطبعة العربية.
5- "العمل المنزلي فى ظلّ الرأسمالية وعمل الأمهات غير المدفوع الأجر" ل سيدنى ليرندال ، 2004.
6- هنا نقصد فقط "ملكية وسائل الإنتاج" العمل لا يمكن أن ينتج إلاّ بدمجه مع وسائل الإنتاج.
7- يشير ماركس فى "رأس المال" إلى أنّ بدايات الرأسمالية كانت معتمدة على سيرورة مسمّاة "المراكمة البدائية" ، مفرزا عددا ضخما من السكان دون ملكية عبر المصادرة و المصادرة الخاصة للأرض ومنابع الثروة العمومية وعبر سياسات الدولة ؛ سكّان لا يملكون شيئا يبيعونه سوى أنفسهم(قوّة عملهم).وجزء مهمّ من "المراكمة البدائية" أنجزت فى الأراضى البعيدة عبر السيطرة على الأراضي الخصبة فى المستعمرات ،وإستعباد السكاّن الأصليين وتجارة العبيد. قال ماركس :"يمثّل إكتشاف الذهب و الفضّة فى أمريكا ،وإستعباد السكان المحليين ودفنهم فى المناجم ،وبداية غزو جزر الهند الشرقية ، و تحويل أفريقيا إلى أرض صيد العبيد ...بزوغ فجر الرأسمالية".
دافيد هرفاي (محلّل إقتصادي يساري) يشير إلى أن المراكمة عبر مصادرة الأملاك لا تزال تلعب دورا مهمّا فى المراكمة الرأسمالية العالمية.
يشير ماركسيين من أنصار الحركة النسوية إلى أن الحملات المناهضة للمرأة فى فجر الرأسمالية كانت تهدف لدعم سيرورة الولادة ؛ وإغتصاب نساء العبيد فى المستعمرات كان لإنتاج عمال وفى النهاية أقصى إستغلال للمرأة تحت مظهر خادع من وجود"جنس ضعيف" وتملّك الرأسمالية لأشغال النساء المنزلية غير مدفوعة الأجر...يشبه "المراكمة البدائية".ويعتقدون أن تقسيم العمل بين الرجل والمرأة كان من العوامل المهمّة فى المراكمة البدائية و لا يزال يلعب دورا هاما فى المراكمة الرأسمالية. وفضلا عن ذلك يسمح للرأسمالية بشقّ صفوف الطبقة العاملة.

3/ مساهمات فى تغيير الواقع ثوريا-2008-

اليوم العالمي للمرأة - الخيار لنا ! الخيارَ لك !
(منظمة 8 مارس للنساء –إيران /أفغانستان)

، في 8 مارس/آذار 2008، نَنْوى أن نعلنها"كفاية!". نحن لَنْ نتَحَمُّل الجحيمِ الذى خَلقتْه الأنظمةِ الأبويةِ الممتدُّة مِنْ كوسوفو إلى العراق، ومن أفغانستان إلى الفلبين، ومن الولايات المتحدة الأمريكية إلى فرنسا، ومن بريطانيا إلى تركيا ومن إيران إلى باكستان.
كَانتْ السَنَة المنقضة سَنَة مُرّة لأغلبيةِ النِساءِ في العالمِ :
على الرغم مِنْ كُلّ الأعمال الوحشية، لَمْ تُسكَتْ نِساء إيران والعراق وكردستان وتركيا وأفغانستان. في قلبِ الشرق الأوسطِ، يَسْعي نِساءُ إيرانيات لإرْسال أخبارِ كِفاحِهم ضدّالنظامِ الدينيِ المعدي للنساء في إيران إلى القوى التقدميةِ في جميع أنحاء العالم. تحاول ربط كِفاحِهن ببحر كفاح النساء العالمي .
تعرض علينا الأنظمةَ الرجعيةَ في كلّ من الولايات المتحدة الأمريكية وإيران نسخا مختلفة مِنْ الجحيمِ : أمّا الرجم حتى الموت،و المشنقة، وفرض الحجاب والتعرّض للإغتصابَ مِن قِبل "حرّاس الثورة" في إيران، أَونظام على شاكلة النظام العراقي , نظام مدعوم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائه الذين فرضوا بالعقوبات الإقتصاديةِ والقصف والهجمات العسكرية –يستعبد بصرة واضحة النساء. هَلْ نَسْمحُ لصفوف حركةِ النِساءَ أَنْ نُحطّمَ بالخيارين المُخيفينِ بين الإمبرياليين والنظامِ الإسلاميِ الرجعيِ في إيران؟ أَم يَجِبُ أَنْ نَعتمدَ على السَنَواتِ الـ28 مِنْ التجربةِ والمعرفةِ وكِفاحِ النِساءِ الإيرانياتِ لإثْبات أن كلا القطبين العدائيين نسخ من الأنظمةِ الأبويةِ المعادية للنساءِ وأيّ دعم لواحد منهماسيقوّى الآخر حتماً؟
هل يُمْكِنُ أَنْ نُبلغَ الناسِ في جميع أنحاء العالم طلبات أغلبيةِ النِساءِ الإيرانياتِ، تصميمهن على بناء مستقبل مستقل عن كلّ النظام الإسلامي والقوات الأبوية للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائه؟ هَلْ يُمكنُ أَنْ نكُونَ حاملات الأخبارِ الإيجابية ِبأن النِساءِ الإيرانياتِ إختارت إنتهاج طريقَ مستقلَ عن النظام العالمي الرجعيِ المهيمنِ؟
الخيارُ لنا! الخيار لك!
في 8 مارسِ، سَنَكُونُ في الشوارعِ لإعْلان خيارنا: إننا مصمّمات على كِتابَة الصفحاتِ الجديدةِ مِنْ تاريخِ إيران المُعاصر بتحقيق إنعتاقِنا ومساواتِنا. طلباتنا الدنيا هي إلغاءَ كُلّ القوانين البربرية وغير المتساوية ضدّ النِساءِ، ومنها الإعدامِ بالرجم، وفرض الحجاب، و التفرقة العنصريةبين الجنسين. إننا مصمّمات على الحُصُول على حقَّ الطلاق، وحضانة أطفالِنا بعد الطلاقِ، وتحقيق حقّ التحكّم التام فى أجسامِنا، وحقّ إخيار شركائِنا كمتغايرات الجنس أَو سحاقيات، وإزالة أيّ سيطرة دينية أَو تدخلِ في مختلف أوجه حياة النِساءِ. إننا نطالب بحريةَ النساء وإنعتاقَهن مِنْ أيّ ظلم وإستغلال. هذه الطلباتِ لن تتحقّق إلا بسقوط النظامِ الإسلاميِ في إيران.

حضور كل واحدة مِنّا في مظاهرةِ 8 مارس سَيُعزّزَ مطالبنا وتصميمَنا على نيلها.
-----------------------------------------------------------------------------------------
بيان الحزب الشيوعي الماوي الإيطالي بمناسبة اليوم العالمي للمرأة
( نشر بجريد " البروليتاري الشيوعي ")
فى كافة أنحاء إيطاليا ستتظاهر نساء بروليتاريات و الحركة النسوية بطرق متنوعة كثيرة من إضرابات العاملات إلى المسيرات فى الشوارع دفاعا عن حقّ الإجهاض و جميع حقوق النساء التى هي الآن موضع هجوم البرجوازية و حكوماتها و أحزابها. إن النساء تواجه هجمات على معيشتهن و على ظروف عملهن فهن يفتقرن إلى ضمان الشغل و هنّ أوّل من يتعرّض للطرد و يصبح معطّلا عن العمل . تحارب إرتفاع نفقات الحياة و تخفيضات الخدمات الإجتماعية التى تجعل حياتهن صعبة لدرجة أكبر و تخضعهن إلى ظلم مضاعف. تحارب إشتداد العنف الجنسي ضمن الأسرة الناشئ عن أشكال جديدة و قديمة من الهيمنة و الذكورية الأبوية الشوفينية الإضطهادية الشديدة ، تحارب الهجوم الفاشي للكنيسة على حق الإجهاض مستلهمة [ الكنيسة] موقفها من البابا راتزنغر و مدعومة بطرق شتى من قبل أحزاب يسار الوسط و كذلك من قبل يمين الوسط.
لقد تظاهرت مئات الآلاف من النساء ضد كلّ ذلك ، فى الفترة الأخيرة فى 24 نوفمبر الماضي. وقد عزلت و أبعدت من مواكبها "الوزيرات" "اليساريات " بحكومة برودي وأحزاب يمين الوسط. لهذا وقعت مهاجمتها على أنها " عنيفات" و حتى "إرهابيات". وحاولت القوى الإصلاحية وقادة البرجوازية الوسطى و الصغيرة جعل هذه الحركة متوافقة مع النظام القائم خلال التجمّع الضخم فى 12 جانفي و يومي إجتماعات الورشات فى فيفري ،لكن غالبية النساء و المنظمات النسوية ،وضمنها عديد النساء الشابات ، رفضت رؤيتها.
من البداية ، وجدت النساء فى الحركة النسوية البروليتارية الثورية مرجعا لها يمكن أن يدافع و يدعم أكثر قضاياها العادلة جذرية و يكافح لتوحيد العاملات والبروليتاريات و الحركة النسوية لأجل التقدّم بالنضال ووعيهن و تنظيمهن.
وقد جلب هذا التيار البروليتاري و الثوري قوات جديدة إلى الحركة النسوية.
ويؤكد هذا التقدّم ، فى أتون الصراع الطبقي والإرتباط الوثيق بالجماهير، قدرة الشيوعيين البروليتاريين من الحزب الشيوعي الماوي الإيطالي على إنجاز تحليل ملموس للواقع الملموس و على تطوير خطّ جماهيري و على تحديد و تطوير طريق إطلاق العنان لغضب النساء كقوّة جبارة من أجل الثورة فى بلد إمبريالي مثل إيطاليا.
وبالعكس ، طوّر المجموعات والأحزاب الشيوعية المزيفة ، خطّا دغمائيا إنتهازيا ،قزالب ماركسية وممارسة تحريفية تفصل بينها وبين جماهير النساء وتساهم فى إستمرار الهيمنة التحريفية و الإصلاحية و البرجوازية الصغيرة فى صفوف الحركة النسوية.
عاش 8 مارس اليوم العالمي لنضال النساء !
عاشت الذكرى المائوية ل8 مارس !
أيتها المرأة ،لا تتوقفى عن الكفاح، إذ يجب أن يتغيّر كلّ شيئ فى هذه الحياة !
لنطلق عنان غضب النساء كقوّة جبارة من أجل الثورة !
الفليبين : بيان ماكيباكا بمناسبة اليوم العالمي للمرأة/8 مارس 2008
لننتهج طريق الثورة
فى تاريخ الأمة ، لم تثر إمرأة أخرى غضب الشعب الفليبيني مثلما فعلت غلوريا ماكاباجال آرويوو لا علاقة لهذا بالجندر/ النوع الإجتماعي وإنما يتعلّق الأمر بفسادها و غشها وأكاذيبها و جرائمها التى ميّزت سنوات حكمها.
لقد فاقت جرائم آرويو جرائم الإدارات السابقة فحتى إيملدا روملداس ماركوس لم تحرز إمتياز تلقيبها ب "الشرّ" زمن حكم ماركوس. تمثّل آرويو الشرير رقم واحد من نوع فريد .
بمناسبة اليوم العالمي للمرأة ،8 مارس، أقسمت النساء الفليبينيات فى كافة مناحي الحياة ومن جميع أنحاء العالم على الظهور بأعداد كبيرة للإنضمام إلى عشرات الآلاف الذين يريدون إبعاد آرويو من قصر مالاكانغ. إن الصفقة بين زد تى أن – إن بى أن ليست سوى قشة النجاة الأخيرة. فقد تراكمت أعمال الغشّ و الرسوم و الدفعات مشيرة ليس فقط إلى رجال الرئيس بل إيضا إلى زوجها وإليها هي نفسها.و يوميا ، ترتفع أصوات الشكّ فى أخلاق النظام و شرعيته و توقظ غضب الأمة. و ليس بإمكان آرويو أن تفعل شيئا لإستئصال مدّ الإحتجاجات التى تؤدى إلى إبعادها ما عدا ربما إستعمال القوّة العسكرية بتطرّف.
لكن لا يجب أن نخطأ بهذا الصدد .كلّ يوم يظلّ فيه هذا النظام فى السلطة يزيد تقريب نساء الفليبين من طريق الثورة المسلّحة. فعلى نحو متزايد ، تدرك النساء غشّ و فاشستية الأنظمة السابقة ونظام آرويو. و بطريق الحتم تعزّزت صفوف الجيش الشعبي الجديد بمشاركة النساء.وزاد إنضمام النساء للحركة الثورية فى المدن علنيا وسرّيا ،و تشكيل منظّمات و إطلاق تحرّكات إحتجاجية و التعلّم والتعبئة و تقديم الدعم للأنصتريين / الفدائيين و القيام بأعمال المخابرات و العناية بالرفاق و الرفيقات المرضى أو المجروحين فى المعركة وإرسال دعم مادي إلى المقاتلين الحمر فى الريف. و بقدر ما تتمسّك آرويو بالسلطة بقدر ما تذكى نار الثورة.
إن الإطاحة بنظام آرويو مسألة حياة أوموت بالنسبة للنساء و عائلاتهن.وفى ظلّ هذا النظام كلّ الحديث عن تعزيز موقع النساء و تقدّمهن كذب. فنظرة بسيطة إلى فقر البلاد ،و البطالة و الهجرة الجماعية و العنف المسلّط على النساء تفنّد كافة إدعاءات النظام بتحرير النساء.
فى هذا اليوم ، 8 مارس، تدعو ماكيباكا ،نساء الفليبين إلى : لننتهج طريق الثورة ! تحرّر النساء ممكن عندما تتحرّر الأمة.و الإطاحة بنظام آرويو خطوة هامة فى هذا الإتجاه.فلنقف جنبا إلى جنب مع الرجال ونحرّر هذه المة من براثن الفساد و الإستبداد و القمع. ولنساهم على الخطى البطولية لغابريلا سيلانغو تندانغ سوراو لورينا باروس ،فى ولادة حكومة ديمقراطية شعبية ملتزمة بتحقيق الرفاه و السلام و الإزدهار للشعب.
طريق الثورة طويل ومتعرّج .بيد أنّ كلّ خطوة فى الكفاح ضد نظام فاسد وإستبدادي تضعف النظام الرجعي. وقوّة التغيير تحقّقةمكاسب على الأرض وفى النهاية سينتصر الشعب.وعلى النساء ،بصوت أعلى وأقوى أن تدفع نحو تحريرهن بأكبر درجة من الحماسة,
إن المستقبل وضاء بالنسبة للنساء لكنه مظلم وحالك الظلام بالنسبة للنظام.
- يسقط نظام آرويو!
- لندفع إلى الأمام الثورة الوطنية الديمقراطية!
- إلى الأمام على طريق تحرير النساء!
ماكيباكا- الجبهة الوطنية الديمقراطية الفليبينية( ماكيباكا منظمة نسوية ثورية حليفة للجبهة الوطنية الديمقراطية الفليبينية)
===========================================
تقرير حول 8 مارس فى بروكسال.
شارك أكثر من ألف شخص ،أغلبيتهم الساحقة نساء ، فى مسيرة طافت شوارع بروكسال يوم السبت 8 مارس للإحتفال باليوم العالمي للمرأة . تجمّع نساء و رجال من بلجيكا و إيران و تركيا وكردستان وأفغانستان و كذلك من النيبال و العراق و شمال أفريقيا و بلدان أوروبية أخرى ليحتجوا على إضطهاد النساء بشتى أشكاله ،من نكران الحقوق الأساسية تحت الأنظمة الإسلامية وفى بلدان غربية أين كسبت النساء مساواة قانونية ، على درجة أو أخرى، لكنها لا تزال يضطهدها النظام و الثقافة الرأسماليين.
هذه المسيرة نظّمتها المجموعة الإيرانية كرزار ( حملة إلغاء قوانين اللامساواة و العقوبات الإسلامية ضد النساء الإيرانيات )، بالتعاون مع الحزب الإشتراكي اليساري البلجيكي. ودعمتها أيضا مجموعة كردية من تركيا ،إنضمت على المظاهرة.
بدأت المسيرة بإجتماع أمام سفارة الولايات المتحدة الأمريكية و مرّت بالبرلمان الأوروبي وإنتهت إلى أمام سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية. فى البداية ، أدانت نساء مختلف الجنسيات الحرب العدوانية الأمريكية و طبيعتها المناهضة للنساء. ومن اللاتى ألقت كلمة إمرأة من العراق و أخرى من أفغانستان واصفة الوضع المتدهور للنساء تحت الإحتلال بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. وفضحت هذه الخطابات نفاق الإدعاءات الأمريكية بأنها غزت هذه البلدان لتحرير النساء و نشر الديمقراطية فى صفوف الشعب.
حمل الطريق الذى إنتهجته المسيرة رسالة سياسية مفادها إحتجاج على الإمبريالية (الأمريكية و الأوروبية) و أيضا على النظام الإسلامي فى إيران. و بينما وقف المتظاهرون ضد نظام تبرّر عقيدته الأصولية الدينية الإضطهاد غير المقنّع للنساء ، أعلنوا كذلك أنه لا نيّة لهم فى التعويل على أيّ من الإمبرياليين الذين ينتظرون إغتنام الفرصة وإستغلال قضية النساء و نضالات الشعوب فى ما يسمى بالعالم الثالثوفى الشرق الأوسط على وجه الخصوص و مضمون الرسالة هو أيضا أن النساء فى البلدان الإمبريالية بما فى ذلك بلجيكا ، على الرغم من المساواة القانونية ، تتعرّض للإضطهاد كذلك. إنهنّ تواجه تمييزا و لامساواة فى مجال الشغل و الأجور و غيرها من المجالات. يضطهدهن النظام الأبوي /البطريركي ،بعبئ رعاية الأطفال و الأعمال المنزلية الموضوعة بشكل كبير على كاهلهن و هنّ مهدّدات بالعنف عبر المجتمع. و تتمّ معاملتهن كأشياء جنسية ،ليس كبشر و إنما كسلع سواء فى صور تعتبر مقبولة تماما من قبل المجتمع أو بتجارة النساء و الدعارة.
وإنتهت هذه المسيرة بتشابك أيادي المحتجين الشباب من مختلف الجنسيات و رفعها جماعيا ،مجطلقين صرخة "تسقط الجمهورية الإسلامية الإيرانية" و "يسقط النظام المناهض للنساء" كما رفعوا أصواتهم مردّدين أغنية منظمة كرزار . و هذا الجانب من المسيرة كان بوجه خاص مرضيا للمحتجين لأنه خلال الأسابيع السابقة ، قالت الشرطة إنها لن تسمح لهم بالتوجه إلى السفارة الإيرانية فنجمت عن ذلك إعتراضات و إحتجاجات من المنظمين و عديد الناس الآخرين. و الفاكسات و رسائل البريد الألكتروني ورسائل الإحتجاج من جميع أنحاء أوروبا وأنحاء أخرى من العالم ،بضمنها الولايات المتحدة ، أغرقت مكتب رئيس البلدية المحلي الذى كان حسب الشرطة مسؤولا عن المنع. و كانت لجنة إعداد المسيرة على وشك تنظيم مسيرة أمام مكتب رئيس البلدية و كانت الصحافة تتابع الخلاف ، فتراجعت الشرطة و رئيس البلدية و رخّصا لهذه المرحلة من الأخيرة من المسيرة.
إثر المسيرة ، تجمّع المتظاهرون فى قاعة فى جامعة بروكسال الحرّة ( يو بي أل) واقعة قبالة السفارة الإيرانية. وجرت قراءة رسائل تضامن من أفغانستان (مجموعة 8 مارس للنساء ، حركة الشباب الثورية و المنظمة الديمقراطية للآجئين الأفغانيين فى أوروبا) ولجنة نساء مجموعة من الأتراك و الأكراد فى بلجيكا و مجموعة إيرانية (هو بي ) و من الحزب الشيوعي الإيراني (الماركسي-اللينيني-الماوي). و قرأت كذلك رسالة تضامن من الولايات المتحدة الأمريكية عنوانها " اليوم العالمي للمرأة 2008 : نقف إلى جانب النساء الإيرانيات " وقعتها أكثر من مائة من النساء الناشطات و المثقفات والفنانات و الشخصيات.و برمجت مسيرة تضامن فى شوارع لوس أنجليس سوية مع تحرّكات أخرى فى سانفرانسيسكو و نيو يورك.
ورد فى هذه الرسالة ،جزئيا: " نحن نساء من الولايات المتحدة الأمريكية فخورات بالوقوف إلى جانب النساء الإيرانيات اللواتى تواصل الكفاح على جبهتين : الإضطهاد المناهض للنساء من طرف الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتهديدات حكومة الولايات المتحدة بالحرب. عندما يتمّ ضرب إمرأة فإن أجسادنا أيضا تشعر بالألم. و عندما يتمّ رجم إمرأة فإن دمنا يسكب. ما يحدث لأخواتنا و أية فظاعة بطرييركية تحدث فى إيران أو فى أي مكان آخر ،تأثّر علينا جميعا. عندما يتمّ إذلال إمرأة واحدة أو يفرض عليها الصمت أو تنتهك أوتقتل فإن كافة النساء تتأذّى ".
و الجزء الأخير لبرنامج 8 مارس كان أمسية ثقافية فيها عكست القصائد التى كتبتها و ألقتها النساء تمرّد النساء ضد سجنهن فى الأسرة و المجتمع. و عرضت أيضا مسرحية قصيرة تحمل عنوان "زهرة" لمخرج تقدّمي سيروس كافاييى. و جيسو شاكري الملحنة المغنية والناشطة ضمن الحملة ،أدّت أغانيها بالكردية و باللوريى(لغة فى إيران) و بالأفغانية و الفارسية.
فى اليوم السابق للمسيرة ،عقدت ندوة لنقاش تحرير النساء و عمل كرزار طوال السنوات الثلاث منذ نشأتها. أكثر من مائة شخص، غالبيتهن نساء ، شاركوا فى الندوة .وبينما عالج جلّ المتدخّلين إنجازات كرزار وتأثيرها على حركة النساء الإيرانيات ،فإن النقاش الرئيسي إنصبّ على العقبات أمام تقدّم كرزار. و تركّز معظم النقاش على العلاقة بين النضال من أجل تحرير المرأة والنضال الثوري بشكل عام. وقد وجدإيمان قوي جدا ضمن الحركة اليسارية فى إيران بأن النضال من أجل الإشتراكية فى حدّ ذاته كاف وأنه لا حاجة اليوم لنضال خاص لتحرير النساء أو لحركة نسوية. ومثلما أشار إلى ذلك البعض ، تتغاضى هذه الفكرة عن حقيقة أن إضطهاد النساء ميزة مركزية من ميزات المجتمع الطبقي و أن تحرير الإنسانية غير وارد دون تحرير الجنس المضطَهَد. وبالفعل ،كما قال لينين ، مقياس مدى عمق أية ثورة هو درجة تعبئتها للنساء وتحريرهن. كما وُجّه نقد آخر للميل نحو المبالغة فى التشديد على أهمية المطالب الإقتصادية للنساء و إلحاق حركة النساء ب"حركة العمال" على أنها حركة للمطالب الإقتصادية للعمال، كما لوأن أهمّ هدف للبروليتاريا ليس تحرير الإنسانية قاطبة.
و لتوجّه تصفية تحرير المرأة بإسم "الصراع الطبقيط بأشكال يمينية أو "يسارية" تأثير هدّم على الحركة الثورية فى إيران. فعلى سبيل المثال ، بعد الثورة التى أطاحت بالشاه ، لمّا هاجم آية الله خمينى ونظامه حقوق النساء ، لم تأخذ العديد من المنظمات اليسارية الأمر على محمل الجيدة. وبدلا من إستنهاض النساء و الرجال للدفاع عن حقوق النساء الأساسية ، جادلت بأ على النساء أن تتحلّى باكثر تسامح مع هذا النوع من الإضطهاد "لأن الصراع الطبقي أهمّ من لبس الحجاب". و لمسنا نتائج مثل ذلك الموقف ذلك أنه تمّت خيانة الثورة و النظام الراهن لا يمثّل سوى شكل جديد من الحكم والإضطهاد الرجعيين.
و إعتبرت هذه النقاشات بشكل واضح مجدية لمستقبل كرزار. وقد حفّزت كثيرا فكرة ورغبة المشاركين فى مواصلة الخوض فى هذه القضايا مستقبلا.
وإنتهت الندوة بتقديم عرض عن سيمون دي بوفوار فى الذكرى المائوية لهذه المفكّرة الفرنسية التى لأعمالها تأثير كبير على الحركة النسوية الحديثة./.
كاتا ،الباكستان : النساء الأفغانيات تحتفل باليوم العالمي للمرأة.
بمناسبة اليوم العالمي للمرأة ، عقد قسم أفغانستان لمنظمة 8مارس للنساء إجتماعا فى كاتا، مدينة شمال الباكستان ، قرب الحدود مع أفغانستان ،لإحياء الذكرى المائوية لهذا اليوم الإحتجاجي ولإدانة العنف المتزايد ضد النساء فى أفغانستان. ,غنتظم الإجتماع الجماهيري بالتعاون النشيط مع مجموعة أفغانية أخرى هي حركة الشباب الثورية. أكثر من 800 شخص غصّت بهم القاعة و 200 آخرين لم يتمكّنوا من الدخول لعدم توفّر الأماكن.
غالبية المشاركين كانت نساء وشابات ،جلهن طالبات.و من المشاركين الذكور ، الغالبية كانت كذلك من الطلبة.فى مداخلات الشابات من المنظمتين وقع فضح الوضع المزري للنساء فى أفغانستان تحت الإحتلال بقيادة الولايات المتحدة.إذ صارت أفغانستان أحد أسوأ الأماكن فى العالم منناحية العنف ضد النساء. فبالإضافة إلى المعاناة من الجوّ العام من فقدان الأمان ، إغتصبتهن و إختطفتهن القوات المسلحة. إنهن ضحايا أومهددات بأن تكون ضحايا الإغتصاب فى السجون وفى ملاجئ النساء. و تواجه الموت رجما لسلوك غير إسلامي . وتعانى كذلك من العنف فى بيوتهن و من عائلاتهن،مثل الضرب و القتل من قبل الأزواج أو ما يسمى جرائم الشرف على أيدى أعضاء العائلة الذكور. واحتلال الولايات المتحدة وحلفائها للبلاد بإسم تحرير النساء لم يحسّن من الوضع بل فى عديد السمات ،و على وجه الخصوص بشأن الإضطهاد العنيف للنساء ، أمست الأمور أتعس. و لا شيئ ينقل هذه الحقيقة بصورة بليغة أكبر من واقع إرتفاع عدد حالات النساء المنتحرات بحرق نفسها حدّ الموتخلال السنوات الخمس الماضية.
وإشتمل البرنامج أيضا على الموسيقى والغناء و الرسم و الشعر لشجب العنف ضد النساء الذى يقترفه المحتلون و القوات المسلحة الأفغانية وأسر النساء. و قدّم عدد كبير من الشابات و الشبان عرضامسرحيا . وقد لقي البرنامج تفاعلا إيجابيا من المشاركين.
و تلقى الإجتماع المديد عشية يوم 9 مارس رسائل تضامن ودعم من تقريبا جميع المعاهد المحلّية و المؤسسات التربوية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة.
لقد دأب قسم منظمة 8 مارس للنساء ( إي دبليو دي ) على عقد تجمعات جماهيرية فى كاتا كلّ سنة منذ 1998 فى ظروف مغايرة.وهذه السنة كانت الفعاليات الأفضل تلقيا من قبل الجماهير الفقيرة للأحياء فى كاتا أين يعيش عشرات الآلاف من الأفغانيين.
-----------------------4 / صرخة من أجل الثورة ----------------------------
النساء الثوريات يصرخن: الثورة هي المخرج للإنسانية
منظمة نساء 8 مارس (إيران –أفغانستان) / مارس 2009
توقفوا وإسألوا أنفسكم:أي نوع من المجتمع ( في العالم) هو هذا الذي فيه يضع نصف الإنسانية في تبعية لنصف الإنسانية الآخر كأحد أهم ركائزه و شرائعه الأخلاقية؟ أي نوع من العالم نعيش فيه هذا العالم الذي يستعمل طرف لآخر وينظّم (عبر عقاب الدولة) إضطهاد النساء و الجهل الديني للإبقاء على "التماسك الإجتماعي"؟ ينتشر قتل الشرف و الرجم و حتى الموت اوالزواج الإجباري في أجزاء من العالم مثل أفغانستان و إيران وباكستان و الهند بينما يقتل العنف المخفي في الغرب "المتحضّر" النساء في صمت ، و لحدّ الآن يقال إن كلّ هذا ناجم عن "ضعف القيم العائلية" و "الإجهاض" و "ضعف الوازع الديني" .هذه هي ميزات عالمنا الواسعة الإنتشار إلى حدّ بعيد.
إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي الدولة المضطهِدة الأكثر رجعية التي واجهها نساء إيران. و لكن الطبقات الحاكمة للولايات المتحدة التي تهيئ لحلقات جديدة من العدوان و الحروب في الشرق الأوسط ليست أفضل منها و محاولتها تبرير جرائمها في الشرق الأوسط بالكلمات المنافقة حول تحرير النساء تبعث على القرف.إنهم على حدّ السواء يستفيدان من إضطهاد النساء في الولايات المتحدة و عبر العالم, وفى الواقع هذا الإضطهاد أساس من أسس نظامهم الرأسمالي العالمي.
والتجارة بأجساد النساء كسلعة رأسمالية أخرى تشترى وتباع مقبولة قانونيا. لقد قال ماركس إن الرأسمالية تعمّم الدعارة. وبالفعل، هذا ما نشاهده اليوم. ففي إيران و أفغانستان البلدان اللذان احكمهما جمهوريتان إسلاميتان ، يرجم النساء للنوم مع الرجل الخطإ لكن الدعارة في تزايد وهي أكثر الوظائف المعروضة على النساء.
لا يمكن للظروف العامة للنساء في المجتمعات عبرالعالم إلا أن توصف بأنها عبودية معاصرة. وليس هذا بالرغم من نظام المجتمع الإنساني عموما اليوم في كافة أنحاء العالم ،و إنما بالأحرى بسببه! ليس ضررا "عرضيا" للنظام و إنما إضطهاد النساء منحوت في كل خلية من خلايا الأنظمة الإجتماعية الحالية.
توقفوا وإسألوا أنفسكم : لماذا يصبح إضطهاد النساء أحدّ مع كلّ منعطف من منعطفات النظام الرأسمالي ،ومع كلّ حرب من الحروب العدوانية التي تشنها الإمبريالية؟ لماذا مع الحركات المتموجة لسوق الأسهم المالية"يملكونهن".ايد إضطهاد النساء وصعود نجم الفكر الكهنوتي في العالم؟في هذا العالم يبيع الآباء بناتهم الشابات فهم «يملكونهن".لقد حوّلت الرأسمالية الأطفال إلى سلع والعقائد الدينية الضاربة في القدم تمّ إنعاشها لإصباغ الشرعية عليها و لطلائها بوجه "أخلاقي".
إن إضطهاد النساء مرتبط وثيق الإرتباط بالأنظمة السياسية والإقتصادية و الإجتماعية و العقائدية الإضطهادية التي عفا عليها الزمن و التي تسيطر على بلداننا و على العالم.وقد غزت الإمبريالية الأمريكية أفغانستان و العراق بإسم "الحرب على الإرهاب" و "تحرير النساء". وإنتهى الأمر إلى صبّ جام الإرهاب على شعبي أفغانستان و العراق و تعزيز السلطات الدينية و العشائرية و الأبوية. فقبل الإحتلال الأمريكي للعراق ،كانت النساء تتمتّع بأكثر مساواة إذ كانت تستطيع التحرّك بسهولة في المدن ،دون حجاب إسلامي. والآن، على النساء العراقيات أن تقبل بمنتهى الإذلال بإخفاء أجسادهن وشعرهن بشكل مخزي عن الرجال الذين لا يمتلكونهن. وفى أغلب دول الخليج في الشرق الأوسط التي تديرها الإمبريالية الأمريكية (وشيوخها الإسلاميون) تحرم النساء حتى من قيادة سيارة. وإعلانات الس أن أن حول جزر الأحلام بدبي لا تخبرنا عن ما هو جزء لا يتجزأ من سوق العقارات و الكازينو العالمي الكبير ألا وهو تجارة الشابات من إيران و العراق و الفلبين وأفغانستان إلخ كمومسات. وإحتلال العراق جعل تجارة العبيد هذه تزدهر عبر الشرق الأوسط.
وهذا كلّه مؤشر عميق على كون النظام الذي يسيطر على العالم نظام متعفن و نتن ويدعونا للإطاحة به.
توقفوا وإسألوا أنفسكم : أي نوع من النظام يتحكم في مجتمعنا الإنساني؟ لماذا يجب أن نتحمله؟ لماذا يجب أن نتواطأ مع هذا الوحش و أن نسلك سلوك "السير العادي للأشياء"؟
إننا نقترب من 8 مارس وهو يوم نضال ضد إضطهاد النساء ورسالة تذكير لكل شخص بأن لحركتنا لإجتثاث إضطهاد النساء كلمتها في كافة أنواع الإضطهاد الذي يكرسه النظام ضد مختلف المجموعات الإنسانية.
لقد وعد أوباما بأن يكون مختلفا عن نظام بوش، وقال إنه سيتابع فقط الحروب "الجيد’" ! ويطالبنا بأن نحترم ما إقترفته إسرائيل من محرقة في حقّ الشعب الفلسطيني . هل من المفترض أن هذه المحرقة "جيدة" مقابل محرقة "سيئة" بمجرد أنها نفذت من طرف أطفال ضحايا المحرقة النازية الفاشية؟
أي نوع من العالم هو هذا العالم الذي يمكن فيه لمشعلى الحروب أن يقدّموا أنفسهم ك"أنصار للسلام" و يقدمون الحروب العدوانية على أنها "دفاع عن النفس"؟ هذا هو ذات النظام المريض الذي يجعل الناس يحترمون إضطهاد النساء بإسم إحترام "الحياة" ويضع "القيم العائلية" الأبوية /البطريركية في موضع القلب من مبادئه الأخلاقية.هذا هو ذات النظام المريض الذي يجعل الناس يحترمون الظلامية الدينية على أنها "روحانية إنسانية" خالدة.
هذا النظام يقوم بتحطيمنا بوسائل شتى و حينما نثور عليه ، يقمعنا جلادوه ثمّ يقدّمون لنا صندوق الإقتراع السحري الذي من المفترض أن يحمل مفتاح إنعتاقنا. يقولون لنا إنه علينا أن نجعل آمالنا مرتبطة بديمقراطيتهم و إنه علينا أن نساعد على النهوض بأسواقهم الرأسمالية لأنها تفترض قمة الإنجازات الإنسانية. يسرقون جميع إنسانيتنا وبدلا منها يقدّمون لنا رئيسا مظهره مختلف ويدعون أن ذلك "ثورة"! بيد أن هذا النظام الجشع و المحب للحرب يتطلب و لا يمكن إلا أن ينتج زعيما دمويا و عديم الرحمة و أوباما لن يثبت أنه إستثناء.
فقط فكروا قليلا: كيف يمكن لأمريكي ذو أصول إفريقية ( أو إمرة أيضا) يجلس على قمة نظام إستغلالي وإضطهادي أو كيف يستطيع أن يغيّر وضع الإضطهاد والإستغلال؟ ليس بإمكانه إلا أن يجعلنا نغفو لفترة. وذات اللعبة المنافقة تلعب في إيران فزعماء الجمهورية الإسلامية الإيرانية يحاولون أيضا الإلتفاف على المزاج التمرّدي للجماهير ضد دولتهم الدينية المتعفنة بإستعمال لعبة الإنتخابات. فتارة يجيئون بخيار "ملا معتدل" وطورا بزعيم "محبّ للعدالة". لكن هذه ليست أكثر من ضروب مختلفة من السموم المعروضة على الجماهير.
الأصوليون الإسلاميون شأنهم شأن الإمبرياليين قوى رجعية. ولا وجود ل "مضطهِدين جيدين" و"مضطهِدين سيئين". وهذا درس عميق على شعوب العالم إستخلاصه من التجربة الدامية للنساء في إيران و أفغانستان.
إنه النظام الذي نواجه! إنه النظام الذي يفرز و بإستمرار معاداة النساء و عبوديتهن و الفقر و الخوف من الإنسان والميز العرقي و الجندري و عمل الأطفال و عبادة الدين و الحروب و المحارق و الإبادات الجماعية .
بينما تضع الرأسمالية و تدمج العالم بأسره تحت نيرها، فقد بلغت قمة وجودها المتعفن. إنها لا توفر بالتأكيد طريقا للإصلاح أو لعصرنة طريق عملها .لكن هذا النظام لن يغادر بمحض إرادته. يجب أن تمسحه من الوجود الشعوب الواعية. إننا نعلن أنه إذا عاش هذا النظام لمدّة أطول فإنه سيشدّ أنشوطته حول رقابنا و ستصبح حياة غالبية شعوب العالم مفزعة لدرجة أكبر وضمن هذه الشعوب كالعادة ستتحمّل النساء القدر الأكبر من الوطأة.
في بلدينا إيران وأفغانستان وفى الشرق الأوسط عموما ، تدعى القوى الأصولية الإسلامية أنها بديلا للنظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي. لكن الأصوليون الإسلاميون في الشرق الأوسط وكذلك الأصوليون المسيحيون في الولايات المتحدة الأمريكية الذين هم جزء من صميم الطبقة الحاكمة الأمريكية ،يشتركون في المبادئ الأساسية للنظام الرأسمالي الإمبريالي ومنها قوانين الملكية الخاصة المقدّسة ولإضطهاد النساء إلى جانب إستعمال الجهل المنظّم لمغالطة الشعوب و تضليلها.و يعتمد المجتمع المثالي بالنسبة للأصوليين الإسلاميين على التبعية الكلية للنساء للرجال في كافة مستويات المجتمع.والمبادئ الأخلاقية لمجتمعهم المثالي تقوم بالتأكيد على معرفة النساء للدور الذي خصّص لهن كأجسام جنس من أجل الرجال الذين يملكونهن وكمنتجات للنسل بشكل نشيط- لا سيما للذكور.
لأكثر من مائة سنة ناضلنا و لا نزال ضد وضعنا الدوني و التبعي المفروض فرضا. و من خلال تقلبات هذه المعركة أدركنا طبيعة الأنظمة الطبقية التي تأبّد هذا الإضطهاد. وصرنا نعرف أنه يجب علينا أن نحارب بطريقة منظمة. وصرنا نعرف أكثر أنه علينا أن نمتلك أفقا واضحا وضوح الشمس لمعركتنا الحيوية لأنه في الحالة العكسية سيتمّ تحويل طاقاتنا القتالية في إتجاهات خاطئة مثل إعادة هيكلة بسيطة لظلم النساء والإبقاء على النظام السائد سليما. إننا لا نستطيع السماح لأنفسنا أن نخدع بالوعود الكاذبة و الطرق الخاطئة. الثورة مخرجنا الوحيد. و النساء تكسب الكثير من الثورة. فالإضطهاد المتفشى يجعل النساء عبر العالم جيشا كبيرا قويا من بؤساء الأرض الذين ليس لهم ما يخسرونه و لهم عالم يربحونه. إضطهاد النساء إضطهاد عالمي و النضال لإجتثاثه يجب أن تكون طبيعته أممية.
طريق النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي مهّده إستعباد النساء. وطريق إلغائه يعتمد بعمق على نساء العالم اللاتي يثرن ضدّه بوعي.
لذا ، لنكن هذه قناعتنا عند إحتفالنا باليوم العالمي للمرأة 2009 في الولايات المتحدة وعبر العالم .
لنتحد ونقرّر رفع التحدّى :لنكن النداء الصرخة من أجل الثورة في هذا الزمن من الثروات المذهلة والوحشية السائدة و الميز و اللامساواة و الدمار.
لنتجرأ على كسر قيودنا و لنكن محررى الإنسانية.
================================================================
لننظّم مظاهرات لمساندة النساء المقاتلات فى شوارع طهران.
لنحتفل باليوم العالمي للمرأة لسنة 2010 لمساندة النساء الإيرانيات اللاتى كنّ فى الثماني أشهر الأخيرة تجترح البطولات فى معارك الشوارع ضد قوات الشرطة و المليشيا الفتّاكة التابعة لجمهورية إيران الإسلامية، نظام من أكثر الأنظمة على كوكب الأرض عنفا و كرها للنساء. العديد منهنّ تمّ إيقافهن أو جرحن و حتى قتلن فى معارك الشوارع هذه و أخريات إختطفتهن قوات الأمن من مراكز عملهن و أقسامهن و المبيتات الجامعية. تحتاج هذه النساء التى تتحدّى الموت ليس أقلّ من الإطاحة التامة بجمهورية إيران الإسلامية- و هذا شعور متنامى. و فى قيامهن بذلك تحتاج إلى الدعم الأممي و حبّ أخواتهن- و إخوانهن- حول العالم.و إن حققت ذلك فسيشرق يوم جديد فى الشرق الأوسط و فى إنتصار حركة تحرير النساء و فى إنهاء كافة الإضطهاد فى العالم.
لقد نشأ نظام الجمهورية الإسلامية قبل 31 سنة نتيجة لهزيمة ثورة الشعب الإيراني المناهضة للنظام الملكي. لقد أجهضت الثورة حين إستولى الأصوليون الإسلاميون الرجعيون و على رأسهم آية الله الخميني على قيادة الجماهير و إستعملوا طاقتها و تضحياتها لتركيز دولة تيوقراطية رجعية. و قد فتحت الولايات المتحدة الأمريكية و قوى غربية أخرى المجال للأصوليين الإسلاميين ليفتكّوا السلطة. و بعد أقلّ من شهر من إفتكاك السلطة ، أصدر آية الله الخميني قانونا يعلن الحجاب كلباس إجباري للنساء. عندئذ نزل عشرات الآلاف من النساء إلى الشوارع فى طهران فى ما بات معروفا بإنتفاضة الأيام الخمس. قاتلن و صرخن: لم نقم بالثورة لنعود إلى الوراء. و كانت هذه الإنتفاضة بمثابة نداء لكافة الفئات الأخرى من الشعب كي تستفيق غير أنّ غالبية الناس لم تر حقيقة أنّ إضطهاد النساء مظهر حيوي لدى جميع الدول الرجعية و النظم الإجتماعية و أنّ تحرير المرأة مظهر محدّد فى أي ثورة حقيقية. و قد دفع مجتمعنا ثمن هذا الجهل غاليا.
و الآن عادت النساء الإيرانيات إلى الهجوم. و نضالاتهن الباسلة فى شوارع طهران قد أثلجت صدور عديد الناس حول العالم و ألهمتهم. بيد أنّ طريق المضي قدما مليئة عقبات و مخاطرا.و الخطر السياسي يكمن فى كون النساء تقاتلن ببطولة ضد حراس القانون و النظام الرجعيين لكن غالبيّتهن غير مسلحات بفهم لما يقتضيه الأمر لتحقيق التحرّر و حتى أهمّ مطالبهنّ ضاعت فى خضمّ الحركة العامة التى تعانى هي بدورها من ذات المرض .
و من أهمّ العوائق التى تعترض طريق حركة تحرير النساء هي القيادة الرجعية الخضراء و على رأسها موسوي. فهذه القيادة تعمل على حصر تطلّعات الشعب و الحركة فى إطار "إصلاح" جمهورية إيران الإسلامية. إنّها تروّج فى صفوف الشعب أنّ عصر التغيير الراديكالي( الثورات) قد ولّى و أنّ الآن العصر هو عصر التغيير التدريجي للغاية- أي أوّلا على الناس أن يضحّوا بحياتهم ليضعوا هؤلاء فى كراسي الحكم و يضعوا فيهم ثقتهم و يثقوا فى كونهم سيحسّنون تدريجيا النظام. و يدعو هؤلاء القادة الناس لأن يعاملوا ميليشيا الباسيج و حرس البزدران بحبّ و تعاطف وهم يتعرّضون لهجومهم ممّا يعنى بالنسبة للنساء معاملة مغتصبيهن بحبّ و تعاطف حتى حين يتمّ إغتصابهنّ. كما يدعون الناس إلى عدم التنظّم و بالعكس الذهاب إلى إحتجاجات الشوارع حينما تناديهم القيادات الخضراء فرادى، بالضبط مثلما يقصدون صناديق الإقتراع فردا فردا للإنتخاب!
و هم يحذّرون من مناقشة مختلف برامج و طرق مجتمع المستقبل فى صفوف الشعب و يعدون بأن البون الشاسع القائم بين أجندتهم و طموح الشعب سيعالج لاحقا عبر "سيرورات إنتخاب حرّ فعلي". و يعدّ إلغاء و شطب القيادة الخضراء لأي مطلب أو شعار يساند إلغاء الحجاب الإجباري و الدستور و القوانين الجزائية المستلهمة من الشريعة المعادية للنساء، مؤشّرا قويّا على طبيعتها و أجندتها الرجعيين. فقد كان موسوي ذاته وزيرا أوّلا فى العقد الأوّل لجمهورية إيران الإسلامية و عمل بكلّ ما أوتي من جهد لتعزيز الموقع الدوني للنساء فى ظلّ جمهورية إيران الإسلامية. و برنامج موسوى و شعاره ، كما أعلن ذلك هو نفسه مرارا، هو : "جمهورية إسلامية- لآ أكثر و لا أقلّ". بيد أنّ الجمهورية الإسلامية التى يتبناها ويعشقها نظام رجعي قائم على إلحاق النساء بالرجال، و تغطية النساء من الرأس حتى أصابع القدمين أحد ركائز نظامه الأخلاقي و إحدى آلياته، و رجم النساء التى تحتكّ بالرجل "الخطإ" ضامن "لإنسجامه الإجتماعي".
ينبغى على الذين لا يريدون رفع راية هكذا نظام إجتماعي رجعي أن يتخلّصوا من القيادة الخضراء أيضا.و لا يجب أن ننسى أن "حملة المليون إمضاء" و المنخرطين فيها يعملون كسلاح بأيدى القيادة الخضراء فى صفوف الحركة النسوية.
تنزع صفوف من القوى الرجعية إلى سحق و خنق جديدين لنضال النساء الإيرانيات من أجل الحرّية و المساواة. و لا يجب السماح بذلك. و يجب سلوك طريق مغاير، طريق ثوري. تفكّر النساء الثوريات مجدّة فى هذه الشؤون و تنادي النساء و فئات أخرى من الشعب لأن تتبنّى أفقا ثوريا واضحا و لا غبار عليه و تحذّر من أنّه دون هذا الطريق ستمسى تضحياتنا ذخيرة بأيدى زمرة أخرى من الرجعيين لأجل إعادة تركيز هذا النظام و حتى أسوء.
ليست القوى السياسية الرجعية المحلّية وحدها هي التى تراوغ لإستغلال غضب الشعب و مقاومته نحو أجندتها هي الخاصّة فالقوى العظمى فى العالم تبذل قصارى جهدها كي تمنع أن تكون هي و مصالحها هدفا لهذا النهوض.وبنشاط تناقش الكتل الحاكمة فى الولايات المتحدة الأمريكية كيفية إستعمال الإنتفاضة الراهنة فى إيران بغرض التقدّم فى خدمة مصالحها فى إيران و فى الشرق الأوسط.
إنّ جمهورية إيران الإسلامية أكثر دولة رجعية إضطهادية عرفتها نساء إيران. إلاّ أنّ الطبقات الحاكمة الإمبريالية الأمريكية التى ما إنفكّت تسحق الشرق الأوسط بحروب دموية قاسية للغزو و النهب ، ليست بأفضل منها و محاولاتها تبرير جرائمها فى الشرق الأوسط بكلمات منافقة حول تحرير النساء تبعث على الغثيان. و هي كذلك تستفيد من إضطهاد النساء فى الولايات المتحدة و عبر العالم. ففى الواقع يجرى هذا الإضطهاد فى إطار نظامها الرأسمالي الإمبريالي العالمي. لقد غزت الإمبريالية الأمريكية أفغانستان و العراق بإسم "الحرب على الإرهاب" و "تحرير النساء"و إنتهت إلى صبّ الرعب على رأس الشعب الأفغاني و الشعب العراقي و تعزيز كافة السلط البطرياركية و القبلية و الدينية. وفى غالبية دول الخليج فى الشرق الأوسط التى تديرها الإمبريالية الأمريكية ( و شيوخها الإسلاميين)، تحرم المرأة حتى من سياقة السيارات. و ما تقدّمه الس آن آن حول جزر الأحلام بدبي لايُعلم الناس أنّ جزءا لا يتجزأ من هذا السوق الحقيقي الكازينو العالمي يتضمّن التجارة فى شابات من إيران و العراق و الفليبين و أفغانستان إلخ كعاهرات. و قد غذّى غزو العراق و إحتلاله تجارة العبودية هذه عبر الشرق الأوسط.
فى بلداننا ، إيران و أفغانستان وفى الشرق الأوسط ككلّ ،تدّعى القوى الأصولية الإسلامية أنّها بديلا للنظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي، لكن للأصوليين الإسلاميين فى الشرق الأوسط ذات المبادئ الجوهرية للنظام الرأسمالي الإمبريالي و من ذلك تقديس قوانين الملكية الخاصّة و إضطهاد النساء إلى جانب إستعمال الجهل المنظّم.
علاقة إضطهاد النساء بالأنظمة الإضطهادية السياسية و الإقتصادية و العقائدية التى إنقضى وقتها و المهيمنة على بلداننا و على العالم علاقة وطيدة. و الظروف العامة للنساء فى المجتمعات عبر العالم لا يمكن إلاّ أن تفرز عبودية معاصرة. و هذا ليس بالرغم من أن طريقة كافة المجتمعات الإنسانية منظمة فى يومنا هذا على نطاق عالمي، و إنما بالأحرى بسبب ذلك. إضطهاد النساء مسجّل فى كلّ خليّة من خلايا أنظمتنا الإجتماعية الحالية- سواء كانت مجتمعات تحكمها القوى الأصولية الإسلامية أو الإمبريالية كره النساء و عبودية النساء ،و الفقر و خوف الإنسان من الإنسان و العنصرية و الميز العنصري و الجندري و عمل الأطفال ،و عبودية العقول الدينية و الحروب و المحارق و الإبادة الجماعية ما برح هذا النظام يفرزها.
هذا النظام يحطّمنا بوسائل شتى . و عندما نتمرّد يقمعنا منفّذوه ثمّ يشيرون علينا بصناديق الإقتراع السحرية التى من المفروض أنّها مفتاح تحرّرنا. يقولون لنا يجب أن نعلّق طموحاتنا على ديمقراطيتهم و يجب أن نساعد على دفع أسواقهم الرأسمالية فهم يفترضون أنّها قمّة ما بلغته الإنسانية. لكن الرأسمالية بلغت قمّة وجودها المتعفّن. مطلقا هي لا توفّر طريقا للإصلاح و لعصرنة نمط حياتنا الرهيبة. و هذا النظام لن ينحلّ بمحض إرادته. ينبغى أن يخرجه من الوجود الشعب الواعي.
نعلن أنّه إذا ظلّ هذا النظام قائما فإنه سيزيد فى شدّ الأنشوطة حول رقابنا و ستغدو حياة أغلبية شعوب العالم حتى أفظع و ضمنهم ،كالعادة، ستنال النساء معظم العذاب.
لعقود ناضلنا و لا زلنا نناضل ضد دونيتنا و موقعنا التبعي المفروضين فرضا. و عبر مدّ و جزر هذه المعركة إستوعبنا على نحو أفضل طبيعة الأنظمة الطبقية التى تأبّد إضطهادنا. و توصّلنا إلى معرفة أنّه علينا أن نقاتل بطريقة منظّمة. توصّلنا إلى معرفة أفضل لكون إمتلاك أفق واضح تمام الوضوح و لا مساومة فيه لمعركتنا أمر حيوي،لأنه فى الحالة العكسية سيقع حرف طاقتنا القتالية نحو إتجاهات خاطئة كمجرّد إعادة هيكلة لإضطهاد النساء و إبقاء النظام كما هو ، سليما. ليس بوسعنا أن نسمح بأن تخدعنا الوعود الكاذبة و الطرق الخاطئة. الثورة طريقنا الوحيد . ومكاسب النساء من الثورة هي الأكبر.
يجعل عامل الإضطهاد المشترك بينهن من نساء العالم جيشا كثيفا و قويا يهزّ الأرض هزّا لمصلحة الذين ليس لديهم ما يخسرون و لهم عالم يربحونه. إضطهاد النساء إضطهاد عالمي و النضال لإجتثاثه يمكن و يجب أن يكون طابعه أمميا.
نحن على أبواب 8 مارس ،يوم نضال ضد إضطهاد النساء و نذكّر الجميع أنّ حركتنا من أجل إقتلاع الإضطهاد من جذوره لها ما تقوله بصدد كافة ألوان الإضطهاد الذى تكابده غالبية فئات الإنسانية جراء النظام السائد.
لنحي اليوم العالمي للمرأة 2010 فى الولايات المتحدة و حول العالم بهذه القناعة و لنساعد النساء المقاتلات فى إيران على كسب معركتهن فى هذه المرحلة و التى هي الإطاحة بجمهورية إيران الإسلامية و إفتكاك حريتهن و مساواتهن بنضالهن الخاص فى إتحاد مع كافة المضطهَدين الآخرين فى إيران.
لنتّحد و نقرّر أن نكون بوقا صادحا للثورة فى هذا العصر من الترف المذهل و الوحشية العارمة و الميز العنصري و اللامساواة و الخراب. لنتجرّأ على كسر سلاسلنا و نكون محرّري الإنسانية./.

















================================================================ الفصل الخامس
( 1)
الثورة البروليتارية و تحرير النساء
مقتطفات من البرنامج الجديد للحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية
( موقع "الثورة " على الأنترنت)
عبر السيروة الثورية جميعها ، لأجل إيجاد الظروف للشيوعية ، يجب أن يخاض بإستمرار النضال لتجاوز و إجتثاث اللامساواة و كلّ العلاقات و التقاليد الإضطهادية التى تستبيح النساء . لن تقف البروليتاريا الواعية طبقيا إلى جانب أي شيئ أقلّ من التحرير التام لنصف الإنسانية.
إنّ إضطهاد النساء فظاعة و عائق كبير أمام التطوّر الشامل للبشرية و المجتمع و لأوّل مرّة فى التاريخ المديد للمجتمع الطبقي ، يجد الناس متناولهم إمكانية تخطّى الإنقسامات من الزمن السحيق التى تبقى النساء فى وضع تابع. النساء نصف السماء!
النساء و الرأسمالية :
تعكس العلاقات الإجتماعية المهيمنة بين الرجال و النساء فى هذا المجتمع تماما العلاقات الإقتصادية-الإستغلالية. و بينما لقرن أو حوالي القرن منذ أن كانت النساء فى الولايات المتحدة ببساطة و تماما ملكية لأزواجهن أو آبائهن ، بطرق عديدة لا تزال هذه العلاقات موجودة بعدُ. و الأخلاق التقليدية و "حق الزوج" فى "أن يكون العَرفُ" فى منزله ،و اللامساواة فى قوانين الطلاق و إساءات قانون الزواج الذى يستبيح النساء ، كلّها أمثلة على هذا.
و الإغتصاب و الإساءات الجسدية هي أشكال من العنف المستعمل لممارسة السلطة و مراقبة النساء-واحدة من أربع نساء فى الولايات المتحدة ستواجه شكلا ما من الهجوم الجنسي فى حياتها.و اليوم أخطر مكان بالنسبة للمرأة هو ، لسخرية القدر ، منزلها الخاص.
و معايير الجمال"مقاس صفر" ،و أحباء النحيفة الجائعة عادة ما تستعمل لترويج "الحلم الأمريكي " ،و المستقبل الذى يرتهن بأن تكون سلعة جنسية ناجحة ، يجعلون غالبية النساء تشعر بأنّه لا قيمة لهنّ إلى درجة أنّ مشاكل الأكل و أمراض تدمير ذاتي أخرى منتشرة الآن ضمن النساء الشابات. و تقلّص توفّر الإجهاض و القيود على سيطرة النساء التامة على التكاثر –كلّ هذا يبيّن مدى صغر حجم ما تسيطر عليه النساء، حتى فى علاقة بأجسادهن الخاصّة.
يشكّل النساء الآن زهاء 50 % من قوّة العمل ،و الغالبية الساحقة للنساء يعملن فى فترة ما من حياتهن – معاينة التمييز العنصري فى الأجر ،و تصنيف العمل ،و فرص الترقيات،و تغطية البرامج الصحّية إلخ...و كذلك الهرسلة الجنسية فى الشغل. غالبية النساء ،بالفعل، تقوم بعمل آخر ...فى المنزل ، معتنية بالأسرة و الشؤون المنزلية.
النساء فى ظلّ الرأسمالية :
إنّ الأسرة النواة فى ظلّ الرأسمالية هي الوحدة الأساسية للمجتمع. وهي المفتاح فى المحافظة على السيطرة و الوحدة الإجتماعية و علاقات الملكية القائمة : تعتنى و تلد الأجيال التالية ، و تنهض بالكثير من التنشأة الإجتماعية للأطفال ؛ و تورّث الملكية و تنشر القيم التقليدية. و الدور التقليدي للمرأة هو ركيزة الحفاظ على هذه الوحدة الإجتماعية و الإقتصادية و لهذا فكرة "مكان المرأة هو المنزل" مقدّسة على درجة كبيرة بالنسبة للطبقة الحاكمة و الحركات الرجعية.
طوال العقود العديدة الأخيرة ، تداعى بصفة هامة "نموذج" الأسرة النووية التقليدية. فغالبية النساء الآن تعملن و لم تعد تمضى كامل الوقت بالمنزل. 50% من الزيجات تنتهى بالطلاق . و عادة ما يجب على عائلات المهاجرين أن توجد وراء الحدود . و عديد العائلات ترأسهن الآن نساء ،وواحد من ثلاثة أطفال يولد اليوم "خارج العلاقات الزوجية".
إنّ التغيير فى دور النساء و العائلة و حاجة الإقتصاد الإمبريالي العالمي لجلب مزيد من النساء إلى قوّة العمل تدخل أكثر فأكثر فى تعارض مع حاجة الإمبرياليين لتعزيز القيم التقليدية و الحفاظ على وحدة العائلة. و هذه التغيرات و الحاجيات المتناقضة للرأسمالية تشبه تنازع صفيحتين من الطبقات الجيولوجية للأرض – قادرة على التسبّب فى زلازل و إنفجارات.
و من هذا الخليط تنشأ الحركات الرجعية لدفع النساء إلى الخضوع و الطاعة لسلطة الرجال. لكن كذلك غضب النساء و تمردهم عبر المجتمع- و النضال التحرّري للبروليتارياالذى يمكن و يجب أن يطلق الغضب و القوّة الشديدين للنساء كقوّة جبّارة للثورة.
معيار دقّة و نجاح أية ثورة هو درجة تعبئة النساء و تحريرهن :
عقب رؤية الدور القوي للنساء فى كمونة باريس – أوّل ثورة بروليتارية- صرخ برجوازي مفزع آنذاك ، "لو كانت الأمّة الفرنسية أمّة نساء ، فأيّة أمّة فظيعة ستكون". البروليتاريا هي أوّل طبقة فى التاريخ التى من مصلحتها الإطلاق التام للغضب الشديد للنساء كقوّة للتغيير الثوري- و ستبنى البروليتاريا على هذا الأساس ، بطريقة لا تقوى و لن تقوى عليها البرجوازية قط.
إنّ قضية المرأة أي ،موقف و دور النساء فى المجتمع ، و بالأخصّ إلغاء إضطهاد النساء ، هي أكبر من مجرّد مسألة ديمقراطية و مسألة مساواة. إنّها تعنى الحاجة إلى المساواة و ستشرع الدولة البروليتارية فى تحقيق هذا منذ المراحل الأولى من الثورة. لكن تحرير النساء يذهب أبعد من ذلك ، إنه أعمق من تحقيق الحقوق الديمقراطية .
إنّ إخضاع النساء محوري و أساسي لتقسيم المجتمع إلى طبقات . إنّه مرتبط بالتاريخ الشامل للعلاقات الطبقية العدائية وهو مظهر جوهري للإنقسامات الإضطهادية للعمل عبر تاريخ الإنسانية كلّه. و تحرير النساء مرتبط بإلغاء كلّ هذا ، و بلوغ الشيوعية . إنّها مسألة جوهرية.
لهذا ، لن يقتصر النضال من أجل تحرير النساء على أي مجال لوحده، بل سيعمّ المجتمع. فى كلّ مجال ،من الشغل إلى الثقافة ، من الجيش الثوري إلى الرياضة ، من التعليم إلى العلم ، إلى مواقع المسؤولية فى الدولة الجديدة ، ستطرح هذه المسألة التامة للنساء فى المجتمع الإشتراكي. و دور النساء فى النضال لتحرير أنفسهن سينهض بدور كبير و مركزي فى الثورة البروليتارية. سيكون مصدرا عظيما للقوّة فى التقدّم بهذه الثورة إلى بلوغ الشيوعية.
غداة إفتكاك السلطة ، ستخوض التغييرات الأساسية غداة إفتكاك السلطة :
غداة إفتكاك السلطة ، ستخوض البروليتاريا نضالا لكسر القيود التى تشدّ النساء إلى الوراء بعيدا عن دور كامل فى المجتمع. سيلغى فورا أي تمييز من أي نوع ضد النساء ، بما فى ذلك فى الشغل و الأجر و كذلك فى كلّ مجال آخر من المجتمع.
وفى نفس الوقت ، ستتخذ إجراءات خاصّة للتعامل مع مشاكل و حاجيات خصوصية للنساء العاملات، مثل الحمل. سيشجع التحكّم فى الولادات حتى تتمكّن النسياء من تجنّب الحمل غير المرغوب فيه، لكن التحكّم فى الولادات لن يكون مسؤولية للنساء لوحدهن. سيعار الإنتباه لتطوير طرق للتحكّم فى الولادات لا تضع فى خطر أو تثقل كاهل النساءفوق الحدّ. وسيضمن حقّ الإجهاض ،و سيجهز على السياسة الرأسمالية للتعقيم المفروض ،الموجه ضد النساء الفقيرات و بالخصوص نساء القوميات المضطهَدة.
لن يقبل بالإساءات الجسدية للنساء و الأطفال. و سيعاقب الإغتصاب بشدّة لكن و أكثر أساسية –عبر سياسات و عمل صارم للدولة البروليتارية و عبر التعليم ، و الصراع الإيديولوجي و التحويل و إستنهاض جماهير النساء و الرجال- ستوجد ظروف فيها سرعان ما يغدو الإغتصاب نادر الوقوع و فى النهاية سيضمحلّ تماما.
وطرق الفلغاء الحقيقي للإساءات الزوجية ستكون ممكنة بالتعويل على النضال السياسي و التعليم الذين يدفعون هذه القضية إلى وضح النهار ،بينما كذلك يعبّؤون تدخّل المجتمع إستنادا إلى الدولة البروليتارية. و ستكون النساء قادرات على تمضية أيام حياتهن بعيدا عن الهرسلة الجنسية و المشي فى الشوارع ليلا دون خوف.
سيلغى الإستنقاص من شأن النساء فى الثقافة الشعبية و الإشهار الذى يعامل النساء كسلع و يستغلّ الصورة الجنسية لتسويق السلع و الأفكار. كما ستلغى البرنوغرافيا و الدعارة و الإعتداء الجنسي على الأطفال ، بالقوّة و لن يسمح بإعادة ظهورها. و المومسات السابقات و غيرهن ضحية الحطّ من المقام سيوفّر لهنّ عمل منتج. و ستحرّر من منبع إضطهادهن المباشر ، فى حين تجرى تربية بشكل واسع فى المجتمع لفضح الرأسمالية كمنبع لهذا الحطّ من المقام للنساء و لمواجهة النزعة نحو توبيخ الضحايا أو النظر إليهن بإزدراء.
و عامل مفتاح فى تحقيق هذه التغييرات هو التعويل على و إطلاق الدور الديناميكي الواعي للجماهير ، نساءا و رجالا، فى تحدّى مؤسسات و ممارسات التفوّق الذكوري. و سيتطلّب هذا حركات جماهيرية لإيجاد أوضاع جديدة و علاقات إشتراكية جديدة. و ستجرى تعبئة النساء و الرجال للنقد و للنضال ضد الأفكار و السياسات و الأعمال التى تبقى النساء فى وضع دوني.
و كمبدأ عام ، سيكون من الضروري – و من الممكن بما أنّه ليس مجتمعا رأسماليا – أن نعالج مختلف ضروب المشاكل الإجتماعية و حلّها بطرق مختلفة. و هذا سيعنى التمييز بين التصرّفات الإجرامية القارة و /أو المرضية ، من جهة نو من جهة أخرى، الإيديولوجيا و الممارسات المتخلّفة التى تمثّل تناقضات ضمن الشعب. و النوع الأوّل من المشاكل سيعالج بطرق أكثر قسلاية أمّا النوع الثاني فسيعالج بالأساس عبر الصراع و النقد و التحويل.
ستضطلع النساء بالأدوار القيادية فى كافة مجالات المجتمع، من الجيش الثوري للبروليتاريا إلى الحزب و الحكومة. و فى كلّ هذه المجالات التى قد إستبعدت منها النساء فى السابق ، و قد إستخفّ بدورهن و قدراتهن- من القتال والرياضة ، على المسائل الفكرية الأكثر تعقيدا- فإنّ البروليتاريا ستركّز نهائيا أن النساء مساويات للرجال و أن النساء نصف السماء.
الأسرة فى ظلّ الإشتراكية :
سيتمّ الإقرار بالأسرة كما هي : ليست شيئا مقدّسا يتمّ الحفاظ عليه أبديّا. الأسرو شأنها شأن الدولة ،مؤسسة نشأت كلإفراز لتطوّر المجتمع الإنساني و ستضمحلّ فى يوم من اليّام ، عبر قفزات . هذا من جهة ،و من جهة أخرى فى ظلّ الإشتراكية، الأسرة مؤسسة تتناسب عموما مع مستوى المجتمع. و ذلك لأن لفترة من الزمن قادمة ستوجد بعدُ بقايا الرأسمالية بما فى ذلك الحاجة إلى تلبية عديد الحاجيات و بعض الخدمات الإجتماعية عبر الأسرة. و لهذا ستلعب بعدُ الأسرة دورا هاما فى المجتمع الإشتراكي ، ومن ضمن ذلك تنشأة الأطفال. لكن الأسرة ستغدو و بصورة متصاعدة شكلا ثانويا- حتى أكثر منها فى ظلّ الرأسمالية – لتنشأة الأطفال.
ستوفّر العناية بالأطفال نفى إرتباط سواء بالأحياء أو العمل كي تمسي تنشأة الأطفال إجتماعيا مهمّة المجتمع كلّه فى بيئة أين تضمن صحتهم و قدرتهم على تطوير إمكانياتهم.
بالنسبة للبروليتاريا ، الإنسان أثمن مصدر و الأطفال هم المستقبل . و فى المجتمع الجديد ، كلّ من السرور و مسؤولية تنشأة الجيال القادمة لن تكون فقط على كاهل الأم ،و لا حتى الأولياء. سيُعنى المجتمع ككلّ بهذا. و ستوجد أشكال مبدعة و جماعية لتسمح بهذا و تعبّر عنه- بما فى ذلك بالنسبة للذين لا يستطيعون ،أو يقرّرون عدم ولادة أطفال- حتى يمكن لأي فرد أن تتوفّر له فرصة المشاركة و الإرتباط عن كثب بما هو جديد صاعد.
و بينما ستظلّ للأولياء مسؤولية هامة تجاه أطفالهم ، فإنّ هذا لا يعنى أنّهم "ملكهم" ،و سيخاض النضال لمنع الأولياء من فرض القيم القديمة و التفكير غير الثوري على أطفالهم. لن يكون على النساء الشابات أن تنجب أطفالا للحصول على درجة من الإحترام أو الحب. سيُشجّع الناس على عدم الإنجاب فى سنّ شابة للغاية ، حتى لا يقع إثقال كاهل لا سيما النساء بمسؤولية تنشأة الأطفال قبل الحصول على فرصة إطلاق تام لطاقة شبابهن و للعب دور نشيط و حيوي فى الثورة.
ستتحوّل الأسرة فى ظلّ الإشتراكية جذريّا . و الأشياء التى يبحث عنها الناس فى علاقاتهم الأسرية. مثل الأمن نو السلامة و الحبّ –لكن التى عادة ما ينكرها و حتى يسخر منها واقع الأسرة فى ظلّ الرأسمالية ،سيميّز بصفة متنامية العلاقات بين الناس فى المجتمع ككلّ. سيتغيّر التقسيم التقليدي للعمل داخل الأسرة ،خطوة خطوة. وو يعدّ إتخاذ هذه الإجراءات لكسر التقسيم التقليدي للعمل أساسي لضمان أن تتمكّن النساء من تركيز طاقتهن و إهتمامهن على المشاركة فى التغيير الأشمل للمجتمع.
لن تحنق بعدُ النساء بالحدود الضيقة لشؤون العمل. لن يتمّ النضال مع الرجال ليتقاسموا بمساواة هذا الحِمل فقط ، بل ستتمكّن البروليتاريا بسرعة نسبية من تشريك الناس فى حلول إجتماعية متنوّعة – مثل الغسالات الجماعية ،و المطاعم ،و أنواع مختلفة من التسهيلات التى يمكن أن توفّر أطعمة صحية جاهزة و فى المتناول.
و فى إطار أشكال جماعية جديدة تتطوّر فى الأحياء عبر النضال و التجربة ، سيقع تركيز أنواع مختلفة من إجراءات الحياة المشتركة بين الناس الذين كانوا بلا مأوى و الذين يعيشون بمفردهم ، و الأرامل أو اليتامى و ضمن الأسر التى ترغب فى تقاسم المسؤوليات و الموارد . و ستقدّم للمسنين و العجزة الرعاية بما هم مصدر ثمين فى المجتمع و لن تغلق دونهم الأبواب أو يتركوا فقط للأسرة ليوّلوا عليها فى العناية بهم .
العلاقات الحميمية و الجنسية :
غداة إفتكاك السلطة و عبر السيرورة الثورية ،ستشجّع البروليتاريا أخلاقا و تخلق ظروفا لعلاقات شخصية و أسرية و جنسية قائمة على الحبّ و الإحترام المتبادلين و على المساواة. لن تظلّ بعدُ النساء عرضة للهجوم الجنسي أو جوائز أو تذكار نصر تعرض؛ لن تعامل بعدُ النساء بمعايير منافقة مزدوجة ؛ و لن تعامل بعدُ الجنسانية و الأحاسيس الإنسانية كسلع تشترى و تباع.
و سيتمّ الدفاع عن حقّ الطلاق لتعزيز الطابع الحرّ و الإرادي للزواج. فى ظلّ الإشتراكية ، سيحرّر الناس بصفة متصاعدة من حِمل علاقات الملكية التقليدية التى تضطهد النساء و التى تفسد و تشوّه العلاقات الأكثر حميمية بين البشر. و سيسمح للرجال و النساء بصفة متنامية بإقامة علاقات أساسها الحبّ و الحرارة الإنسانية و القرب المتبادلي فى العلاقات الجنسية و أيضا بين الرفاق و الأصدقاء.
إنّ العلاقات الجنسية و الحميمية بين الرجال و النساء فى المجتمع البرجوازي تعكس على نطاق واسع و تهيمن عليها إيديولوجيا التفوّق الذكوري و "الحقّ الذكوري" ؛ إنّها توجد ضمن وهي تتأثَر بالإطار العام للعلاقات الإجتماعية التى فيها إضطهاد النساء جزء لا يتجزأ و جزء جوهري . كلّ هذا شيئ ستستنهض البروليتاريا الجماهير لتغييره راديكاليا فى سيرورة إجتثاث إضطهاد النساء و كلّ الإضطهاد و الإستغلال. وفى حقل العلاقات الحميمية ن سيُشجّع المجتمع الإشتراكي الناس على بذل الجهد للتوصّل إلى معايير تكون متناسقة مع و تساهم فى إجتثاث إضطهاد النساء.
المثلية الجنسية :
فى ظلّ الإشتراكية ، لن يتعرّض الناس إلى إلصاق وصمات عار لأنهم مثليون أو بسبب توجههم الجنسي. لن يقبل بالتمييز العنصري و سيعارض بصلابة و ستتمّ معالجة القمع و العنف ضد المثليين اللذان كانا مسيطرين فى المجتمع الرأسمالي.
و فى نفس الوقت ، من المهمّ إدراك أنّ العلاقات الجنسية المثلية ليست منفصلة عن و ليست خارج الأسرة و العلاقات الجنسية القائمة و الإيديلوجيا المناسبة لتفوّق الذكور الذى يضطهد النساء فى هذا المجتمع. بطرق مختلفة النظرة التى تميّز ثقافة المثليين الذكورية فى المجتمع البرجوازي ليست منفصلة عن – و بالفعل هناك عناصر فيها يتركّز- الحق الذكوري. و مثلية النساء بطرق عدّة هي إجابة على إضطهاد النساء فى المجتمع الطبقي ، لكن بحدّ ذاتها ليست حلاّ جوهريا لهذا الإضطهاد. والنظرة القائلة بأن الشريك فى علاقة حميمية يجب إستنقاص قيمته و الهيمنة عليه و الإساءة إليه، أو يملك هي إنعكاس لإضطهاد النساء فى المجتمع ، و ستكون أشكال الحق الذكوري ، فى كلّ من العلاقات المختلطة أو المثلية ، موضوع نقد و تغيير.
وفى مجال العلاقات الحميمية و الجنسية ، كما فى كافة العلاقات بين البشر ، ستجتهد البروليتاريا لتطبيق و مزيد تطوير أخلاق بروليتارية جديدة: أخلاق تعتمد على النضال لإنهاء إضطهاد النساء ، و تعتمد على القضاء على كلّ الإضطهاد و الإستغلال. لن تسمح الأخلاق الجديدة بكره النساء و كره الرجال سيتمّ النضال ضدّه.
و ستكسر الأدوار الجندرية التقليدية القديمة التى لها ثقل آلاف السنين من التقاليد وراءها وهي قائمة على التقسيم الإضطهادي للعمل بين الرجال و النساء ستتغيّر. لن يكون على الناس بعدُ القبول بالمفاهيم السخيفة و غير العلمية بأن النساء العنيفات فى لغتهن و المستقلات و الجريئات أو الرياضيات " تشبه الرجال إلى حدّ كبير"؛ أو أنّ الرجال الذين يطمحون لأن يكونوا مبدعين و حساسين و مربين "يشبهون النساء".
ستثمّن هذه الميزات لدى البشر و سيروّج لها فى صفوف الناس من الجنسين ،و لن يشعر الأطفال الناشؤون بأنهم لا يتناسبون مع المفاهيم الجندرية التى هي بعدُ متقادمة و موضوعيا عائقا أمام تطوير الإنسانية لمرحلة جديدة كاملة فى التاريخ. و مهمّة الثورة الإشتراكية هي خلق نوع مختلف تماما من المجتمع و الأخلاق لكي يستطيع الناس فى يوم ما النظر إلى الوراء و التساؤل كيف أنّ هكذا أشخاص و هذه "الأدوار الجندرية التقليدية" قد وجدت أصلا.
مع إنتشار الثورة الإشتراكية و التقدّم صوب الشيوعية عالميا، سيتحرّر الناس حقّا ،لأوّل مرّة منذ آلاف السنين من قهر نصف البشرية ، القهر الذى طبع و أفسد العلاقات الإجتماعية و الجنسية منذ ظهور الملكية الفردرية ومعها تبعية النساء للرجال.
" بطرق عديدة ،و بالخصوص بالنسبة للرجال ، قضية النساء و ما إذا كنّا نبحث عن القضاء التام أو الحفاظ على علاقات الملكية و العلاقات الإجتماعية القائمة و ما يتناسب معها من إيديولوجيا تستبعد النساء ( أو ربّما "فقط جزء قليل" منها) مسألة محكّ ضمن المضطهَدين أنفسهم. إنّه خطّ تمايز بين القتال للقضاء على كافة الإضطهاد و اتلإستغلال – و بالذات تقسيم المجتمع إلى طبقات- و البحث فى آخر التحليل عن الحصول على جزئك من هذا ".
بوب آفاكيان، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية.
(2)

الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية
(موقع "اثورة على الأنترنت)
ألقوا نظرة على الكرة الأرضية. فى كلّ زاوية منها تشاهدون أن النساء يعاملن بدونية و يوضعن فى موقع خلفي.
من الصين...
حيث يحيّى الأطفال الذكور بحشود الإحتفال و البهجة . و الأطفال الإناث ، بالمناسبة ، تجلب التعازي و فى أغلب الأحيان توجه لنفايات القمامة وسط تلال القمامة السيئة...(1)
إلى السلفادور...
حيث تمنع النساء من دخول غرف إستعجالي المستشفيات إذا تمّ الشكّ فى أنهنّ أجهضن و حيث سجلاتهن الطبيّة إستولت عليها الدولة و حتى أرحامهن إستعملت كدليل للزجّ بهنّ فى السجون(2).

من بانكوك و بنغلور و مولدافيا...
حيث يجرى تماما إختطاف شابات أو تبيعهن عائلاتهن الجائعة ،أو يغرّر بهنّ بوعود تشغيل ثمّ يجرى بيعهن عبر الحدود إلى تجارة عبيد الجنس على نطاق غير مسبوق تاريخيا...
إلى الصين و فتنام و سليكون فالي ، الولايات المتحدة ...
حيث زوّد عمل النساء فى شبكة محلات العمل الشاق العالمية العقدين الأخيرين من التوسّع الرأسمالي ... و حيثن تعود الآن هذه النساء ذاتهن إلى منازلهن بيد فارغة و الأخرى لا شيئ فيها و قد إستهلكن جسديا ،و هنّ واقعات فى رحي الأزمة الرأسمالية.

من جيوب الإمتياز فى الضواحي...
حيث يجب على بنات الطبقة المتوسّطة أن تمضي حياتهن فى إصدار رسائل خاصّة متعارضة – أن تكون جذابات جنسيا لكن تحافظن على "نقاوتهن" ، أن تتسلّقن سلّم الترقية المهنية لكن عليهن التذكّر بأن الشيئ الأكثر أهمّية الذى يمكنهن القيام به أبدا هو أن تصبحن أمهات تضع عائلاتهن فوق كل شيئ آخر- و حيث فى بعض الأماكن يتجذّر تقديس توراتي للبكارة، بآباء يعطون لبناتهم "خواتم نقاوة" و الملايين تعلن "وعود الإمتناع" ، و حيث المراهقات يقطعن من غذائهن و يجوّعن أنفسهن إلى حدود الوباء.
إلى الشوارع البائسة لوسط المدن ...
حيث ضمن الأكثر إضطهادا ، نشأ جيل عل ثقافة تسخر من النساء و تعتبرهن "كلاب"و"ملك رجل" ،و بوضوح تشجّع على الدعارة و العنف ضد النساء ، و حيث على الرغم من إفتخارها ب "الحريات العظيمة" ، فإن الولايات المتحدة تضع بين جدران سجونها ثلث السجينات فى العالم(3)، وحيث يتمّ إقناع المراهقات بأن المعنى الوحيد و الذى له قيمة فى الحياة يكمن فى إمتلاك طفل ثم تجبر على تحمّل الفاقة و الإذلال و فى أغلب الأحيان تتخذ إجراءات يائسة و مذلّة لتغذية أطفالهن و حيث نساء من المكسيك وبلدان أخرى من أمريكا اللاتينية تواجه خطر الإغتصاب ، أو خطر الجوع و الموت فى الصحراء للمرور إلى "الشمال" لتتمكّن من العمل لساعات لا تنتهى لإعالة أسرهن فى وطنهن الأصلي ، وهنّ غالبا عُرضة للتحرّش الجنسي من قبل وكلاء الهجرة ورؤساء العمل و رجال آخرون يعلمون أنهن ضعيفات لا تمتلكن أوراقا قانونية.

من الأراضى التى مزّقتها الحروب...
حيث فى الكنغو كما فى البوسنة قبلها ، كان إغتصاب النساء جزءا منظما من الحرب الأهلية و حيث عشرات آلاف النساء
و الشابات إغتصبن بقسوة إلى درجة تمزّق دواخلهن و عدم قدرتهن على حمل مثاناتهن أو أمعائهن.(4)
إلى موقد العائلة ...
سواء فى الولايات المتحدة ،حيث تضرب إمرأة من قبل شريكها كلّ 15 ثانية و تقتل ثلاث نساء كلّ يوم من قبل الأحباء الغيورين و الأزواج القساة...(5)
أو فى مناطق من أفريقيا ،حيث تملى العادات أن تمزّق الأسر أطفالها ، قاطعة الأعضاء الجنسية للبنات البالغات لبتر الإحساس الجنسي مدى الحياة و "لتهيئتهن" لموقع "زوجة مناسبة و موالية" لا يغرّر بها للإبتعاد عن زوجها... أو الهند ، حيث مئات ، لعلّ آلاف النساء تحرق و تقتل سنويا من طرف الأزواج أو النساء ، بعد دفع المهر ( المال المدفوع لعائلة العروس) ...أو عبر العالم بأسره ،حيث تحثّ الأصولية الدينية و العلاقات الإجتماعية المتخلّفة ، على قتل الإخوة و الآباء للنساء لو "جلبن العار" للعائلة.

من "النذور المقدّسة"...
حيث "الملكة ليوم" ، العروس تلبس "الأبيض العذري" ضمن طقوس يوم الزفاف ، و قد تعزّزت تلك العادة اليوم إلى حدود الجنون فى بلدان مثل الولايات المتحدة . فى الواقع يسجّل ذلك اليوم مرور المرأة فى الغالب إلى حياة الكدح و التبعية المنزلية ،سواء كانت أم لم تكن تعمل كذلك خارج المنزل و غالبا حتى و إن كانت تتمتّع بمستوى تعليمي متقدّم و بموقع مرموق فى مهنة ما.
إلى " النصوص المقدّسة"...
التى فى كلّ دين من الأديان الرئيسية يتمّ تقديس إخضاع النساء عبر الأسطورة ( سواء تتسبّب فى " سقوط الرجل") و عبر الرمز ( القرآن و الشريعة اللذان يقدمان شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل و يسمح للرجل بضرب زوجته و إستعمال السوط ضدّها لإبقاءها مطيعة) و عبر الصلاة ( صلاة اليهودية لرجل يشكر الإلاه لأنه لم يولد إمرأة).

من المهد...
و فيه منذ ولادتها تجد البنت نفسها فى مسار – رغم دعاوى أن فى البلدان "الحديثة " مثل الولايات المتحدة الأمريكية ، ليس هناك من حدود لما يمكن للبنات أن تصبحن- سيكون فى الواقع متميّزا بعديد القيود و المهانات ، يفرضها المجتمع على البنات و النساء.
إلى "الشيخوخة"...
حيث المرأة المسنّة فى كثير من الأحيان ، منسية و محتقرة و موضع سخرية و بخس ...
إلى اللحد...
تموت النساء سدى ،عند الولادة و فى حالات الإجهاض غير الآمنة وبعدم تقديم الرعاية الصحية و الغذاء أو الماء النظيف. تموت النساء موتا عنيفا على أيدى الأزواج و الإخوة و الآباء و النسباء و الجنود الغزاة و القوادين . تموت النساء بلا قيمة : توضع فى مواقع العمل الأكثر خطورة و مناطق الحرب و الشوارع دون أسماء.

إن مصنع إضطهاد النساء منحوت بعمق بأيدى النساء السجينات فى محلات العمل الشاق فى الصين و الهندوراس . إنه ملتفّ على وجوه الشابات فى العربية السعودية و أندونيسيا. إنه ينزع من أجسام الفتيات فى مولدافيا و بنكوك ،هذه الفتيات التى تباع فى المباغى حول العالم، وهو يلبس كالجائزة من قبل المراهقات فى الولايات المتحدة و أوروبا اللاتى يتمّ تعليمهن اللباس و التحرّك مثل عارضات الجنس حتى قبل فترة طويلة من فهمهن ما هو الجنس . إن جذور هذا الإضطهاد ممتدّة فى التاريخ و هي تشمل العالم بأسره وهي مزروعة فى كافة الأديان و "القيم الأخلاقية" المهيمنة و متوغّلة فى جميع مسام المجتمعات الإنسانية. إنه حجاب ثقيل يشيع ظلام الإنقسامات الإضطهادية الأولى للإنسانية على الحياة و الأحلام و الآفاق فى كلّ زاوية من زوايا الإنسانية فى القرن 21.
لا يمكن تبرير العيش هكذا على هذا الكوكب فى القرن 21 و لا يمكن قبوله. لا يمكن أن نتحمّل أي شيئ من هذا أو نجد له عذرا و نصبر عليه...

تحتاج النساء للإنعتاق . تحتاج النساء للتحرّر من آلاف السنين من قيود العادات . هذا بيان عام قائم على الإعتراف الواضح بأنه لكي تتقدّم الإنسانية ككلّ ، يجب أن تحرّر نصف الإنسانية من قرون من وجودها ملكا للرجال و مستغلِّة بلا رحمة ، مهانة و مذلِّة بآلاف الأساليب.
النساء لسن مربيات. النساء لسن كائنات دونية. النساء لسن أشياء خلقت للمتعة الجنسية للرجال. النساء بشر قادرات على المساهمة التامة و على حدّ سواء فى مجالات العمل الإنساني كافة. عندما تهان النساء، فإن الإنسانية قاطبة تمنع من التقدّم. على النساء أن تكسب تحرّرهن و لا يمكنهن التحرّر إلا عبر تغيير العالم و تحرير الإنسانية جمعاء ثوريا و عبر التحوّل إلى قوّة محرّكة شديدة فى هذه الثورة.
فى الوقت الذى يعلن فيه الكثيرون أن إيجاد "أرضية مشتركة" مع الأصوليين الدينيين أمر ضروري ، أو حتى مرغوب فيه ، فإن هذا البيان يرفض و لن يساوم على إستعباد النساء . ليس لهذا البيان صبر على الذين يقولون لنا "كونوا واقعيين" فى حين أنّ ما يعنونه هو الإصلاح فى إطار الحدود المروّعة للعالم كما هو حاليا. يعلن هذا البيان الإفلاس الأخلاقي و الإيديولوجي للذين يدّعون عباءة تقدّم النساء و يعنون فقط "دخول" العالم كما هو. لخوض ما لا يمكن أن يكون إلا معركة خاسرة و منحرفة من أجل "حقوق" النساء فى المساواة فى إدارة إمبراطورية ، مستغِلَّة الآخرين، أو حتى أسفل إلى مستوى مذلّ من إمتلاك تسويق أجسادهن الخاصة كسلع جنسية.
مثلما يجرأ على قوله عدد قليل من الناس، فإن هذا البيان العام يدعو إلى شيئ غير مرئي لأجيال: سيل لا يساوم من النساء و الرجال فى العالم يرفضون رؤية النساء مضطهدات و عرضة للضرب و مسجونات و مهانات و مغتصبات و منتهكات و متحرش بهن جنسيا و مستغلات و مقتولات و مبصوق عليهن و مرمى عليهن الحامض و مجلوب عليهن العار و مبخوسات القيمة بصفة منظمة.
هذا البيان العام ينادى بالثورة – ثورة تتخذ من التحرير التام للنساء حجر زاويتها، ثورة تطلق العنان لغضب النساء كقوة جبارة ، و ثورة تدرك مدى مركزية هذه المسألة بالنسبة للقضاء على كافة العلاقات الإجتماعية الإستغلالية و الإضطهادية و على الإهانة و الإفكار التى تنسجم معها ،ضمن البشر ككلّ ،عبر العالم بأسره.
هذا البيان بيان شيوعي يدعو إلى حركة ثورية يقودها محررو الإنسانية. هذا و لا شيئ أقلّ منه هو التحدّى الذى نرفعه أمامنا.
إضطهاد النساء ليس " طبيعيا ": إنه مرتبط بإنقسام المجتمع إلى مستغِلِّين و مستغَلِّين و تنسجه و تؤبده الرأسمالية "الحديثة"...
و قد نشأنا فى مجتمع ما ، من السهل التفكير فى أن نمط عيشنا ، و الأفكار التى نعتنقها و العلاقات اليومية التى نعتاد عليها ، ببساطة فقط "طبيعية" أو حتى ،كما يقال لنا فى غالبية الأحيان أنها مقدّرة من إلاه ما و كائنات أو قوى خارقة أخرى. من المحتمل أنه ليس من مجال ينسحب عليه هذا قدر ما ينسحب على طريقة تفكير الناس بشأن الأسرة بالإضافة إلى العلاقات بين الرجال و النساء.
لكن لا وجود لشيئ ثابت، لا يتغير و لا وجود لنظام طبيعي – إلاهي أو بيولوجي . فتاريخ الأسرة مثل "الطبيعة الإنسانية" ذاتها، شهد تغييرات مستمرّة. كانت أكثر المجتمعات الإنسانية البدائية تنسب الأطفال إلى الأم. و بينما كان فى هذه المجتمعات تقسيم للعمل بين النساء و الرجال مستند بشكل كبير على دور النساء فى الولادة و ضرورة الرعاية المطولة للمولود فى ذلك الوقت ، فإنها لم تؤسس علاقات إضطهاد أو هيمنة بين الرجال و النساء . لكن فقط مع تطوّر قدرة المجتمع على إنتاج فائض على ما كان ضروريا لمجرّد البقاء قيد الحياة، و ظهور الملكية الخاصة على ذلك الأساس ، إنقسم الناس إلى مستغِلّين و مستغَلين و ظهرت الدولة لتفرض هيمنة طبقة على طبقة أخرى. وبإرتباط بذلك التطوّر حدث تغيير أعمق فى تقسيم العمل الأصلي بين الجنسين إلى علاقة إضطهاد و هيمنة ذكورية على النساء.
و ظهرت الأسرة و مؤسسة الزواج ، أولا ليس كمشاركة رومنسية بين الذكر و الأنثى و مجال لتنشأة الأطفال و الإهتمام بهم لكن كوحدة إقتصادية و إجتماعية دعمت علاقات الثروة و السلطة ضمن المجتمع بالإضافة إلى خطوط الميراث التى عبرها يحافظ على الثروة و السلطة المراكمتين، أو القليلتين من جيل لآخر. جذر كلمة "عائلة"/أسرة يكشف إلى حدّ كبير وظيفتها الأولى. فأصله هو الكلمة اللاتينية "فاميليا" ( بمعنى "عائلة العبيد") المستعملة فى روما القديمة و هو يشير إلى العائلة التى على رأسها ذكر وهي تتضمن ليس العبيد و الخدم فحسب بل أيضا الزوجات و الأبناء و تعدّ ملكا للرجل الذى كان له على الجميع سلطة الحياة و الموت.
منذ ظهور الملكية الفردية للثروة المنتجة إجتماعيا و سوية مع ذلك ، إنقسام الناس إلى طبقات ،إنقسام يقوم على الأدوار المختلفة فى إنتاج تلك الثروة و على الحصّة الصغيرة أو الكبيرة من الثروة التى يتمّ الحصول عليها، كان يتوقّع ان تحافظ النساء على بكارتهن قبل الزواج و ثمّ تصبح أمهات تلحق بصورة مطلقة و تحوّل آماهن و أحلامهن إلى إرضاء الزوج
و تربية أطفاله. و النساء اللواتى فشلن أو رفضن القيام بذلك إعتبرت "عاهرات" أو بطريقة أخرى جرى إذلالهن و إضطهادهن ،و أخضعت للإحتقار و غالبا للعنف و لا تعتبر مفيدة إلا كأجسام للمتعة الجنسية و للنهب، أو جميعها معا.
و عبر تشكيلة من الثقافات و الحقب و الأساطير الدينية ، من الوجوه التوراتية إلى مريم العذراء و جيزابال إلى "إيقونات موسيقى البوب" مثل بريتنى سبيرز و إنتقالها الذى غطته الصحف الشعبية ، من براءة الطفولة إلى الغاوية المحتقرة، هذان النموذجان ، من "المرأة العفيفة" و "العاهرة" قد ترسخا (و أحيانا جرى دمجهما بشكل منحرف كما هو الحال بالنسبة لصورة "العاهرة العفيفة" – "الفاتنة" على الدوام لكن بعيدة المنال- التى خلقها صانعو "الثقافة الجماهيرية" فى بلدان مثل الولايات المتحدة).و من الهجوم الديني الحالي على الإجهاض و مراقبة الولادات إلى الشبكات العالمية للإستعباد الجنسي و الدعارة ،هذان النموذجان يواصلان تشويه حياة البلايين على هذا الكوكب و يسممان الجوّ الذى يرتبط فيه كلّ ذكر و أنثى.
بهذه الطريقة ، لآلاف السنوات ، جيل بعد جيل من النساء و البنات، أي نصف الإنسانية، بدّدت و خنقت إنسانيتها و قدراتها و مزّقت نفسياتهن و حياتهن. تمّ تقليصهن إلى لا أكثر من قدرتهن البيولوجية على تربية الأطفال و فائدتهن للرجال.
هذا هو الجذر الحقيقي للأسرة الذى يدافع عنه على أنه حجر الزاوية فى البناء الإجتماعي . لهذا صارت حقيقة الحياة العائلية لعديد النساء سجنا مليئا بالمهزلة القاسية من الحبّ و الحنان و الدعم المطلوبين فى الأصل . لهذا حتى حيث يتجمّع الناس على أساس أواصر حبّ حقيقية و رغبة حقيقية فى المساواة و الإحترام ، فإن كيفية هيكلة العائلة و المجتمع ، كجزء من علاقات الهيمنة و الإستغلال و الإضطهاد الشاملين السائدين فى كلّ جزء من عالم اليوم ، تدفع الناس فى أغلب الأحيان إلى أدوار عاهدوا أنفسهم أنهم لن يقبلوا بها. لهذا كله العائلة، بالنسبة للعديد من النساء بالإضافة إلى الأطفال، مجال سحق و إذلال و رعب.
وحشية و قيود العائلة هذه ليست خيانة لمؤسسة رومانسية و محبوبة و عزيزة. إنها جذورها الفعلية و دورها المستمرّ فى مجتمعات اليوم ، سواء "المتخلّفة" أو "الحديثة" ، مفسدة و لاوية عنق حتى أفضل نوايا الناس.
يرتبط الإنقسام السابق للمجتمع إلى مستغِلين و مستغَلين ، مع بعض الناس يأسرون و يستعبدون البعض الآخر، بظهور العلاقات الإضطهادية بين الرجل و المرأة ( أخذ النساء "غنائم حرب" و إستعمالهن جواريا –عبيد جنس- لعب دورا هاما فى ظهور علاقات سيد/عبد. و جرى تقديس هذا ،و فى الحقيقة الإحتفال به، فى " النصوص المقدّسة" للأديان الكبرى، مثل الكتب المقدّسة "اليهودية –المسيحية" و قرآن الإسلام.
منذ زمن مجتمعات العبيد القديمة حيث كان الإقتصاد يعتمد على الزراعة و/أو تربية قطعان الماشية ،فإن إمتلاك عدد كبير من الأطفال كان مهمّا لمالكي الأراضي الذكور و الملاكين الآخرين كمصدر عمل لفلاحة الأرض أو رعاية القطعان و فى حال الذكور ، مصدر للمحاربين ينفذون الغارات و المعارك ضد القبائل و القرى المنافسة أو يشنون الحروب ضد الإمبراطوريات المنافسة. و الدور الأساسي للعائلة و بالخصوص للمرأة ( زوجة و أم) داخل الأسرة ، هو تزويد رئيس العائلة الذكر بالأطفال و تربيتهم لينهضوا بدورهم بأدوارهم "الخاصة" ، وفق تقسيم العمل فى المجتمع ، بما فى ذلك تقسيم العمل بين الرجال و النساء للحفاظ على و تأبيد علاقات الملكية السائدة ،التى فيها أطفال الرجل و كذلك زوجته ملك له،
و هذا يفرضه القانون أو على الأقلّ التقاليد و العادات و الأعراف السائدة. و هكذا كانت العائلة "خلية" للمجتمع الأوسع ،
و كانت حاسمة فى إعادة إنتاج ليس أفراد ذلك المجتمع فحسب بل أيضا لهيمنة العلاقات الإجتماعية ( بما فى ذلك الملكية أو عدم الملكية) ،علاقات لامساواة و إستغلال.
و حيث حلّ التصنيع و حلّت الرأسمالية محلّ الفلاحة و تربية قطعان الماشية كأهمّ قاعدة للإقتصاد ،واصلت العائلة لعب دور جوهري ك"خلية" للمجتمع، ناهضة بدور مركزي فى الحفاظ على وإعادة إنتاج العلاقات الإستغلالية و الإضطهادية التى تميّز الرأسمالية. و الرأسمالية شكل من أشكال المجتمعات فيه تنتج ضرورات الحياة و السلع و الخدمات عموما و يتمّ تبادلها كسلع، أشياء تشترى و تباع. و فى هذا المجتمع ،القدرة على العمل ( قوّة العمل) ذاتها تمسى سلعة : تباع القدرة على العمل ،إن أمكن العثور على العمل، إلى ربّ عمل رأسمالي ليستعملها لصالحه، مقابل أجر أو راتب.
و ينغمس الرأسماليون فى المنافسة الحادة مع الرأسماليين الآخرين و لا يستطيعون الهروب منها مدفوعين بضرورة التوسّع أو الموت.و يبحث الرأسماليون عبر سيرورة إستعمال قوّة عمل الآخرين (الذين لا يملكون راسمال) عن الزيادة المستمرة فى مراكمة راسمالهم. و فيما تتطلّب الرأسمالية فئات مختلفة من الناس يخدمونها و يخدمون نظامها السياسي و آخرين أدوارهم ضرورية ( و فى كلّ الأحوال تنسجم مع) الهيكلة و التواصل الشاملين للمجتمع الرأسمالي، بعضها يحصل على أجر جيّد، فى قاع السلّم الإجتماعي ، على نطاق واسع و مركّز يلقى الذين ينفذون سيرورة الإنتاج الفعلية ، مزيدا من الإستغلال بلا رحمة لهؤلاء العمال (البروليتاريين) ومن خلال ذلك يبحث الرأسماليون عن الزيادة المطّردة لقسمهم من رأس المال. و إذا لم يقوموا بذلك على أساس الضرورة فإنهم يعرضون أنفسهم للإنهيار. و مقابل هذا ، يحصل الذين يستغلهم الرأسماليون على هذا النحو على أجر يكفى فقط لبقائهم على قيد الحياة ولبقائهم فى ظروف تمكّنهم من مواصلة العمل – و الإستغلال- و لتنشأة أجيال جديدة تكون فى الموقع نفسه. هذه هي القاعدة و هذا هو المنطق الأساسيين للرأسمالية. و أحيانا ، فى توافق مع متطلبات مراكمة رأس المال، يصرف الرأسماليون جزءا من قوّة عملهم ، بينما يستغلون بأكثر حدّة الباقين أو يغلقون المصانع بأكملها و يوجهون رأس المال إلى مجالات الإقتصاد أو المناطق أو أنحاء العالم ،أين الناس أكثر عرضة للإستغلال و أين تبدو أفاق "إستثمار مربح" أكثر.
و اليوم أكثر من أي وقت مضى ، يحدث هذا على نطاق عالمي، و ضحايا الرأسمالية هم الناس الفقراء و المستغَلين بلا رحمة بشكل كبير فى ما يسمى بالعالم الثالث لأمريكا اللاتينية و أفريقيا و آسيا. لكن حتى داخل بلاد مثل الولايات المتحدة ، هناك جماهير المفقرين و المستغًلين و المضطهدين بمرارة ،و هم يعدّون عشرات الملايين.
فى إطار العلاقات الأساسية للرأسمالية ، أجر أو راتب المستخدمين "يمرّ" عبر مؤسسة العائلة : تلبى الحاجيات و المتطلبات عبر الأسرة ( إلى الدرجة الممكنة) و تربى الأجيال الجديدة و يعاد إنتاج مجدّد ليس فقط للسكان و إنما أيضا للعلاقات السائدة، للامساواة و الإستغلال، فى المجتمع ككلّ . و فى إطار الرأسمالية ،حتى حيث يمكن لعديد النساء أن تحصل على وظائف ، كاسبة أجرا و راتبا فإن جماهير النساء لا يمكنها الهروب من الإنقسامات الكبرى فى المجتمع، بما فى ذلك التقسيم الإضطهادي للعمل بين الرجال و النساء ، فيه تواصل النساء تولى المسؤولية الأساسية فى تربية الأطفال
( و تمنح العناية الأساسية لأعضاء الأسرة من كلّ الأعمار) و تقيّم جوهريا من ناحية فائدتهن للرجال، كأمهات و زوجات
و أجسام للمتعة الجنسية. و هذه العلاقات موروثة لآلاف السنوات عن المجتمع البطرياركي/الأبوي ( الذى يهيمن عليه الذكور) و تتعزّز ليس فحسب بتقاليد قوية لكن أيضا بسير الرأسمالية و تأثيراتها ذاتها،التى فيها كلّ شيئ حتى العلاقات الزوجية و العلاقات الجنسية ، علاقات جوهرية للملكية و لتبادل السلع و التى عبرها الجانب الوحيد و الجانب الذكوري هو الذى يواصل الهيمنة . حتى إن تركنا جانبا التعبير الفجّ لهذا ، فى أشياء مثل "إتفاقيات ما قبل الزواج" ، كم من الزيجات أو العلاقات الحميمة الأخرى بين الرجال و النساء فى هذا المجتمع ، لا تعنى ، من ناحية الرجل ، أن مطلب الجنس ( بالإضافة إلى صيانة العائلة و تربية أطفاله) مقابل أن يكون عائلا للأسرة ( و لربما نادرا ما يكون معينا فى الشؤون المنزلية) و من ناحية المرأة الإستسلام للجنس ( و "خدمات" أخرى للرجل) مقابل الأمن المالي ( أو ببساطة البقاء قيد الحياة)؟
لماذا نجد أن الدعارة ميزة مشتركة بين كلّ المجتمعات القائمة على الإستغلال و التى تشمل كجزء رئيسي من ذلك ، علاقات و تقاليد النظام الأبوي و الهيمنة الذكورية؟ لماذا نجد أن البرنوغرافيا سوية مع الدعارة ،و كل مهانة النساء التى تنطوى عليها ، واسعة الإنتشار جدا فى بلد مثل الولايات المتحدة ؟ لماذا توجد "معايير مزدوجة" حسبها تعتبر الأنثى التى لها علاقات جنسية مع عديد الناس مذمومة ك"فاسقة" فيما الذكر الذى يقوم بالشيئ نفسه يحتفى به ك" فحل" ؟ هذا إمتداد لعلاقات الملكية الأساسية بين الرجال و النساء و بالخصوص علاقات الزواج التى عبرها يبحث الرجال عموما عن مراقبة النشاط الجنسي لزوجاتهم و فى نفس الوقت يريدون – و يشعرون بأن "لهم حقّ" المتعة الجنسية و إذا إعتقدوا أن الجنس مع زوجاتهم لم يعد يرضيهم لا يحاولون التعامل مع هذا بالبحث عن علاقة أكثر حبا و ألفة مع زوجاتهم لكن بدلا من ذلك يشعرون بأنهم منقادون و قادرون و مشجعون على التوجه إلى نساء أخريات للمتعة الجنسية ،بما فى ذلك فى شكل الدعارة و / أو البرنوغرافيا. و يتفادى الرجال الزواج أو يأخرونه لما يفرضه عليهم نظريا من "تعقيدات" و " قيود" وضمنها "قيود" الزواج الأحادي ،و يفتشون عوض ذلك ،عن المتعة الجنسية دون إلتزامات، فى لقاءات مناسباتية و عبر البرنوغرافيا و/أو الدعارة. و لماذا هناك نساء متوفرات يمكن إستعمالهن و إنتهاكهن من خلال الدعارة و البرنوغرافيا؟ لأن كنتيجة للطبيعة الجوهرية و طرق سير النظام القائم على دفع الرأسماليين إلى المراكمة المستمرّة لمزيد من رأس المال –
و بالعلاقات الإضطهادية المرتبطة به ، لا سيما الهياكل و التأثيرات الإيديولوجية للنظام الأبوي و الهيمنة الذكورية،- هناك أعداد كبيرة من النساء الفقيرات و اليائسات و الضعيفات ، يمكن الإيقاع بهن و خداعهن و محاصرتهن و إختطافهن
و ضربهن و حقنهن بالمخدرات و طرق أخرى لإجبارهن على بيع أجسادهن و بسبب الثقافة المهيمنة التى تشجع عليها البلدان الرأسمالية ، فى كل مناسبة ، فكرة أن أجسام النساء سلعة و تكيف و تشجع ليس الرجال فحسب و إنما النساء ذاتهن على رأيتهن و إستعمالهن كسلع. و فى عالم اليوم ، هناك ظاهرة عالمية ، بملايين و ملايين النساء و حتى ببنات شابات تورّط و تعنّف فى تجارة جنس عالمية و فى "صناعة الجنس" التى هي مصدر بلايين الدولارات من الأرباح و رأس المال.
إلى جانب كلّ هذا ، ثمة حوادث شائعة للغاية ، فى بلد مثل الولايات المتحدة ،حيث تسعى المرأة للإنفصال عن زوج أو خليل سيّئ ، فيطاردها هذا الأخير و حتى يقتلها ،و أحيانا يقتل معها أطفالها. هذا أيضا تعبير ،بشكل متطرّف، عن العلاقات و التقاليد التى فيها المرأة و الأطفال ملك للرجل، إنه إفراز للعقلية القائلة إذا لم يعد يستطيع التحكم فى هذه الملكية فلن يتحكّم فيها أحد! هذه هي العقلية الأساسية وهي تعكس نفس نوع العلاقات الإضطهادية شأنها فى ذلك شأن ما يحدث فى ثقافات أخرى حيث تقتل المرأة أو البنت غير المتزوجة من طرف أعضاء ذكور من عائلتها الخاصة ،لأنها "فقدت عذريتها" و لذا ، حتى و إن كان ذلك نتيجة إغتصاب، تخفض قيمتها كملكية عائلتها و أبوها بشكل خاص يعوّل على تبادلها ضمن ترتيبات الزواج.
المسألة بشأن كل هذا ليست أنه جوهريا "خطأ " الرجال أو أن "الرجال هم الأعداء". بالأحرى ما يعكسه هذا و يكشفه هو أن العلاقات ضمن البشر التى تطوّرت طوال آلاف السنين ، منذ زمن ظهور الملكية الفردية للأرض (ووسائل إنتاج أخرى) و تقسيم المجتمع إلى مستغِلين و مستغَلين ،هو أنها كانت و تبقى قائمة على الإضطهاد ... و أن الرأسمالية هي الأخيرة و التجسيد المتطوّر جدا لهذه العلاقات الإضطهادية ... و أن الإطاحة بالرأسمالية و الإجتثاث مثل هذه العلاقات و القضاء المبرم عليها ، فى كلّ مكان من العالم ، لمصلحة الأغلبية الساحقة للبشر ، الرجال و كذلك النساء ... و أن تحرير النساء هدف حيوي و جزء حيوي أيضا و يجب أن يكون كذلك ، من النضال للقضاء النهائي على كافة هذه العلاقات الإضطهادية.
دمجت الرأسمالية بالخصوص كما تطورت على نحو متزايد كنظام رأسمالي إمبريالي عالمي ،ضمن سيرورتها الشاملة لمراكمة الثروة و رأس المال، عديد علاقات الإستغلال و الإضطهاد ما قبل الرأسمالية خاصة فى ما يسمى بالعالم الثالث ،الممتدّ ،و ضمنها إضطهاد النساء هذا بأشكال يشجعها بصوت عال المدافعون عن الرأسمالية "الحديثة" و "التنويرية" و "الديمقراطية" ،و فى نفس الوقت تزدهر هذه الرأسمالية "الحديثة" و "التنويرية" و "الديمقراطية" و ليس بمقدورها الإزدهار دون تلك الأشكال بالذات من الإضطهاد و التى تعمل بالتالى على الحفاظ عليها فى المناطق "المتخلفة "من العالم الذى تهيمن عليه و تستغلّه، إلى جانب الإبقاء على أنماط معينة من الإستغلال و الإضطهاد بما فيها إضطهاد النساء ، التى هي عميقة فى نسيج هذه البلدان الرأسمالية ذاتها. و يعدّ منتهى التفقير والمهانة اللذان تواجههما الجماهير الشعبية فى كافة أنحاء الأحياء الفقيرة والأرياف الممتدّة من ما يسمى بالعالم الثالث ، بمثابة شريان حياة نظام مصّاص الدماء ،النظام الرأسمالي الإمبريالي. و هذه الجماهير على ما يبدو مصدرا لانهائيا لليأس و أكثر قابلية للإستغلال و فى عيون المستغِلين بشر "لافائدة منهم بعد الإستعمال" ، و يستعملون و يستغلون متى كان الأمر مربحا و و للتخلص منهم عندما تبدو مصادر أخرى للإستغلال أوفر ربحا. و ضمن كلّ هذا ، إستغلال و إضطهاد النساء لا غنى عنه بالنسبة للرأسمال الإمبريالي، كمصدر ل"العمل الرخيص" و لتنشأة و تربية أجيال جديدة من "العمل الرخيص" . هذا بالأساس سبب عمل الرأسمال الإمبريالي "الديمقراطي" و "التنويري" على عدم القضاء بل بالأحرى على تأبيد ليس الأشكال "الحديثة" فقط و إنما أيضا "القروسطية" لإضطهاد النساء.
بإختصار : ورث المجتمع الرأسمالي "الحديث" ،أو فى الواقع النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي ، إضطهاد النساء من المجتمعات القديمة التى من صلبها ولدت الرأسمالية و بينما غيّر بعض أشكال إضطهاد النساء ،لم يُزل و لا يستطيع إزالة هذا الإضطهاد ، وأدمج الأشكال ما قبل رأسمالية لهذا الإضطهاد ،فى عديد مناطق العالم، لا سيما ما يسمى بالعالم الثالث،بالنظام العالمي الشامل للإستغلال و الإضطهاد وهو يؤبّد كلّ هذا عبر العلاقات الجوهرية ، وسيرورة المراكمة القائمة و السير العام للنظام الرأسمالي الإمبريالي ذاته.
إضطهاد النساء غير ضروري مطلقا :
الثورة طريق الخلاص و طريق المضي إلى الأمام
لم تعد توجد حاجة لأن يكون دور النساء فى المجتمع مفروضا بالدور البيولوجي فى الحمل و الولادة . لم تعد توجد حاجة للإنسانية أن تأسرها التقاليد الأبوية و الأخلاق الدينية الإضطهادية . اليوم، هذا جنون و قاسي مثلما هو غير ضروري بالمرّة .
لأول مرّة فى تاريخ الإنسانية ، من الممكن ليس الحلم فقط بل تحقيق عالم لا يتميّز بإخضاع نصف البشرية. و اليوم ، من الممكن كسر القيود التى تربط النساء بالإضافة إلى إجتثاث و تجاوز الإنقسامات الطبقية ذاتها و ما يتناسب معها من تقاليد تدافع عن إضطهاد النساء و تعزّزه.
الرأسمالية ، بتطويرها للتقنية و النقل و الإتصالات ووسائل الإنتاج الهائلة ،خلقت القاعدة المادية لكافة الإنسانية لتعيش فى وفرة جماعية – إذا سُحبت وسائل الإنتاج هذه من أيدى الطبقة الرأسمالية الحاكمة ووُضعت فى خدمة الإنسانية و إذا
غُيّرت العلاقات بين الناس و الأفكار كذلك تغييرا راديكاليا.
و هذا يتطلّب ثورة أي يتطلب الإطاحة بهذا النظام و الطبقة الرأسمالية –الإمبريالية التى تجسده و تسيّره و تركيز سلطة دولة ثورية جديدة.
مثلما يشرح ذلك " القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية ":
" على هذه السلطة الثورية الجديدة أن تصادر على الفور ممتلكات وسلطة الطبقة الرأسمالية-الإمبريالية. و على الفور ستشرع فى تلبية أكثر حاجيات الشعب إلحاحية و ستحلّ ما كانت تبدو إلى الآن مشاكلا "عصيّة على الحلّ". و ستقوم بكل هذا خدمة ل و كجزء من شيئ أعظم هو الثورة العالمية ، المؤدية للتحرير الشامل للإنسانية جمعاء. وهذه السلطة الجديدة كدولة إشتراكية متجذّرة فى النشاط الواعي لعشرات الملايين من الناس، ستنطلق فى سلسلة من النضالات الأخرى لإجتثاث جذور الإستغلال والإضطهاد فى كافة المجالات ، من الإنتاج إلى المؤسسات الإجتماعية إلى الأفكار، فى سيرورة مليئة بالتحدّيات العظيمة و بالحيوية و التنوّع الحقيقيين. " (6)

وفى إنسجام مع كلّ ما قد أكدنا عليه أعلاه هنا ،سيكون أحد أحجار زاوية - و هدف جوهري و قوّة محرّكة -هذا التغيير التاريخي للمجتمع و بالفعل العالم كلّه ،الكفاح من أجل تحرير النساء تحريرا تاما.
☼ ☼
اليوم ، دُفن تاريخ الثورة الشيوعية و نُثر عليه الإزدراء .و إعتبره مدّعو أبطال التقدّم مشروعا فاشلا . لكن إذا وجب تقييم أي نظام على أنه فشل كبير لتبذيره و سلبه الإنسانية ككل و النساء بوجه خاص، فذلك النظام هو النظام الرأسمالي. و كما رأينا ، لم تحرّر الرأسمالية النساء ، بالكاد أخذت إضطهاد النساء الساحق فى القدم و جدّدته و دمجته ضمن أكثر الأشكال التنظيمية للإنسانية إضطهادا و تفقيرا جماهيريا عرفته الكرة الأرضية. و كلّ يوم توسّع الرأسمالية ثروتها و تطحن حياة
و أجسام الملايين و تدفعهم إلى النسيان كنفاية إنسانية ،وهي لا تترك أي منطقة من الكرة الأرضية بعيدة عن هذا المسار.
على الرغم من حقيقة هذا الرعب و حقيقة أنه نتاج النظام القديم العهد الذى نعيش ضمنه ، نجد الإنهيار و الإستسلام التام ل"حدود الممكن" من ناحية أولئك الذين رفعوا مرّة راية تحرير النساء.
فى الوقت الذى يتعلّق فيه الحق الأساسي للسيطرة على متى و ما إذا يجرى الحمل ، بخيط ،فى الوقت الذى يقع فيه الإجهاض و حتى مراقبة الولادات تحت النار ، نادرا ما تستطيع الحركة "النسائية" حتى أن تنبس بكلمة إجهاض و تعترف بصورة خاطئة و شنيعة بأن هناك شيئ خاطئ أخلاقيا. مثل هذه " التسويات " نسيت ، أو إبتعدت عن الحقيقة الجوهرية أنّ النساء اللاتى منعن حق و قدرة التقرير بأنفسهن ما إذا و متى يجرى الحمل ، و اللاتى لسن لهن حتى إجراء سيطرة على أجسادهن ، قد تحوّلت إلى وضع بمثابة العبودية.
زمن أزمات غذائية هائلة و أزمات إقتصادية شاملة و حروب إمبريالية تسلب حياة الملايين ، فى الوقت الذى هناك حاجة أكبر و أكثر إلحاحية من أي وقت مضى ، لإيجاد عالم مختلف راديكاليا فيه تكسر قيود الإنسانية جمعاء ، ها هي " القيادات النسائية " لا تهدف سوى إلى النضال من أجل تمكين النساء منفردات من " الحصول على" فوائد التواجد فى غمرة " كلب يأكل كلبا " و حتى اللاتى تكرّسن حياتهن لتحسين وضع النساء المضطهدات و الأفقر تقمن بذلك بآمال و جهود ما زالت مرتبطة بالنظام الإضطهادي الحالي ، وهي مهمّة يائسة و مثيرة للإحباط حقّا.
المساواة و تحرير النساء لم يتحقّقا و لا يمكنهما أن يتحققا فى ظلّ هذا النظام : ما أنجزته و ما لم تنجزه حركة تحرير النساء فى الستينات و بداية السبعينات
لفهم هذه النظريات المنخفضة الأفق ، من اللازم الحديث عن بعض التقدّم و كذلك نواقص حركة تحرير النساء التى شكلت ، إلى درجة هامة جدا ، الثقافة فى الولايات المتحدة فى الستينات و السبعينات و كذلك بعض التطورات الرئيسية منذ ذلك الحين.
أولا و الأهمّ هو أنه كان نضالا إيجابيا للغايةَ !
من الصعب على الناس الذين لم يعيشوا تلك الأوقات أن يفهموا كم كانت الأمور شنيعة حقّا بالنسبة للنساء فى الخمسينات فى الولايات المتحدة. وراء الوجوه الرومانسية ل " الأب يعرف أفضل" للنعيم المحلى ، كانت النساء تحيا حياة حنق ووحشية. كان الملايين منهن مقيدات فى كآبة عميقة و عزلة جنونية. و كان تفاعلهن الإجتماعي محدّدا ،إلى درجة كبيرة فى أبنائهن و كانت آفاقهن المفترضة لا ترتقى أعلى من "تدبير جيّد للمنزل". كان الإجهاض و تحديد النسل ( أو على الأقل عديد أشكال تحديد النسل) غير قانونية فى الكثير من الولايات و لم يوجد حق عام فى البلاد لمراقبة الولادات أو للإجهاض . و كانت النساء ممنوعات من عديد الوظائف و المتزوجات كانت لديهن سيطرة قليلة أو منعدمة على الملكية و التمويل بإستقلال عن أزواجهم و فى غالبية الولايات كان للأزواج حق إغتصاب زوجاتهم .
إنه لأمر جيّد جدّا بالنسبة لكافة الناس أن يتمّ تحدّى ذلك بقوّة فى الستينات و السبعينات! كان أمرا جيدا أن رفعت النساء رؤوسهن و طالبن بالمساواة . و قد ألهمها نضال تحرّر السود و مستعملة جلسات " الحديث عن المرارات " كتلك التى أقيمت ضمن الفلاحين المتمرّدين فى الصين الثورية ، شكّلت النساء مجموعات رفع الوعي حطّمت بفضلها عزلتهن.
و كسبت القوّة و الدعم لترك الزيجات السيئة و لتضع معاييرا جديدة يجب أن تتوفّر فى الشريك. و دخلت المدارس و كافة مجالات العمل بأعداد متزايدة . و تحدّت الأعراف التى خنقت العلاقات مكتشفة و متحدية الأفكار المسبقة عن الجنس لدى النساء . و من المهمّ للغاية أن ناضلت النساء من أجل – و كسبت- حقّ الإجهاض! و شرع الرجال كذلك فى التغيّر، فعدد كبير منهم غيّروا مواقفهم و أخذوا يرون نضال النساء من أجل تحرّرهن مفتاحا لأي نضال من أجل عالم أفضل. كلّ هذا أثار و أعطى المزيد من المبادرة لتغييرات حدثت فى هيكلة الولايات المتحدة و الإقتصاديات العالمية التى أخرجت المزيد من النساء من بيوتهن و حولتهن إلى قوّة عمل.
لكن هذا حدث على خلفية نهوض ثوري عبر العالم قاطبة. كان زمن ثورة إجتماعية كبرى و صراعات إيديولوجية هائلة و تضحيات جريئة بالذات و زمن كفاح. فى الولايات المتحدة ، نشأ جيل ساخط بعمق على حرب الفتنام – و عديد الفرق العسكرية تمرّدت- ، و هزّ نضال تحرير السود البلاد هزّا و من جذورها و كانت الثقافة طافحة بالتحدّى و الأحلام المحلّقة بعالم مغاير.
لكن حتى منذ إنطلاقها ، تنازع تياران مختلفان داخل الحركة النسائية، تيار كان برجوازيا يعزل مسألة منزلة المرأة عن الأشكال الأخرى من الإضطهاد و ناضل من أجل مجرّد إصلاحات و من أجل حق النساء فى المساواة صلب العالم كما هو حاليا. و كان التيار الآخر ، تيارا أكثر راديكالية بكثير مثّل الثوريون صميمه وهو يمتلك فهما جوهريا بأن إنعتاق النساء مرتبط بتحرير الإنسانية من الإضطهاد و الإستغلال من كلّ الأنواع ،و فى نفس الوقت ، أدرك أنه لا يمكن تحقيق تقدّم حقيقي إذا ظلّت النساء فى حالة تبعية.
لسوء الحظّ ، إنتهى النهوض الثوري لذلك الوقت قبل إنجاز الثورة . وهنا علينا أن نشدّد على أن بالثورة لا نقصد مجرّد تغيّر كبير فى المواقف أو ثورة إجتماعية هامة. تشير الثورة لإطاحة طبقة بطبقة أخرى و تركيز سلطة دولة جديدة بعلاقات إنتاج و علاقات عامة بين الناس جديدة راديكاليا. عوض ذلك ، بقي النظام الرأسمالي بقاعدته الإقتصادية و نسيجه الإجتماعي مفروضين بآلة سلطته و العنف ، سليما لذا إستحالت المتابعة أو حتى الحفاظ على معظم ما قد كُسب.
بسرعة كبيرة ، فى ظلّ رئاسة رونالد ريغان فى الثمانينات ، أطلق العنان لردّ فعل ضد كلّ شيئ إيجابي قد تحقّق.
و شرع العديد من الذين تطلّعوا فى وقت ما لإعادة تشكيل العالم فى أقلمة أحلامهم و تخفيضها. عبر المجتمع وفى كافة أنحاء العالم ، عُكست المبادرة . بالنسبة لحكّام الولايات المتحدة ، إعادة التأكيد على "العائلة التقليدية" و "القيم العائلية" صار جزءا لا غنى عنه ليس فقط لإعادة التأكيد على البطرياركية / النظام الأبوي لكن أيضا إعادة ترميم النسيج الإجتماعي الرجعي الذى قد تصدّع بصورة ملحوظة.
ونال الفاشيون المسيحيون دعما قويا من قبل القوى الطبقية الحاكمة فشنّوا، تحت غطاء " القيم العائلية"،حملات مطاردة و مضايقة للنساء اللاتى أردن الإجهاض. لقد ذهبوا بعيدا إلى حدّ تفجير العيادات و قتل الأطباء . و دفعوا خزي و جهل
" الإمتناع فقط" فى المعاهد العمومية و هاجموا تدريس الحقائق العلمية للتطوّر. و عملوا لتهميش الحقوق التى كسبها المثليون و لإعادة تشريع تزمت الخوف من المثلية. و بصفة منحرفة ، صار هذا التأكيد على الدين و البطرياركية حتى طريقة لجلب الكثيريرن الذين كانوا غاضبين بعمق و لا زالوا مضطهدين بمراراة إلى خندقهم الرجعي.
حيال ردّ الفعل هذا ، سوية مع إنحسار الحركات الثورية و توجّه القتال لأجل التغيير عبر الحركة السياسية الجماهيرية المستقلة ، أصبح التيار البرجوازي فى الحركة النسوية يعتبر المخرج الوحيد للمعنيين بالمنزلة اللامتساوية و الإضطهادية للنساء ،و تفاقم ذلك مع إرتباط و تبعية هذا التيار البرجوازي أكثر فأكثر بالطبقة الحاكمة ،و الحزب الديمقراطي بوجه خاص.
إبتلاع "الحركة النسوية الرسمية " من قبل الحزب الديمقراطي ،و تبعيتها المطلقة له حتى فى السياسات الإنتخابية ، أضرّ أيما ضرر بالحركة. طوال أكثر من عقدين الآن شجعت هذه "الحركة النسوية " و أثرت على أناس تقدّميين للتأقلم مع ديناميكية حيث غدا غضب الأمس "موقف مساومة" اليوم. و حدود الغد يمكن تخيلها. و ساهمت المواقف الدفاعية الجبانة لهذه الحركة تجاه الفاشيين المسيحيين بوجه خاص و رفضها قتالهم حقا بشأن أخلاقية الإجهاض ، لضرب مثال واحد معبّر، فى تضليل جيلين من النساء الشابات و كذلك الرجال.
وقادت هذه التطورات فى الثمانينات و بالخصوص ردّ الفعل الرجعي هذا ضد النساء عالميا إلى وضع وصفه قبل 20 سنة رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ، بوب آفاكيان ، وهو وصف يبدو فى جوانب شتى منه أقوى الآن :
" تطرح مسألة موقع و دور النساء فى المجتمع برمتها نفسها بأكثر فأكثر حدّة فى ظروف اليوم الشديدة للغاية ... ليس من المعقول أن يجد كلّ هذا أي حلّ آخر ما عدا الحلّ الأكثر جذرية...و المسألة التى تحتاج بعدُ للتحديد هي هل سيكون حلاّ جذريا رجعيا أم حلاّ جذريا ثوريا ، هل يتمّ السعي لتعزيز سلاسل الإستعباد أم لتحطيم أكثر الروابط حسما فى هذه السلاسل و فسح المجال لإمكانية إنجاز القضاء التام على كافة هكذا أشكال إستعباد ؟ " ( "رصاصات من كتابات بوب آفاكيان و خطاباته و لقاءاته الصحفية "، منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، 1985، ص 183).
و كلّ هذا موضع تحدّى ، من الضروري أن نفحصه و نفضح بعض الأساليب الخاطئة و النهايات المسدودة التى تقف فى طريق الإنعتاق.
حواجز فى طريق الإنعتاق:
1- الإمبريالية الأمريكية و الأصولية الإسلامية : خيار " خسارة/خسارة " و فخّ قاتل:
أكثر هذه الرؤى الخاطئة بذاءة هي تلك التى تكيل المديح للديمقراطية الإمبريالية للولايات المتحدة بإعتبارها أفضل المجتمعات الممكنة و التى تذهب حتى إلى حدّ إعتبار أن القوّة العسكرية للولايات المتحدة قوّة يمكن أن تحرّر النساء. يشير أصحاب هذه الرؤية إلى أن الأصولية الإسلامية عبء لا يطاق إذ هي ترجم النساء بالحجارة حتى الموت و تحبسهن فى بيوتهن و فى الخمار الذى يغطى من الرأس إلى أخمص الأصبعين، ك " دليل" على تفوّق" نمط الحياة الأمريكي" .
و يشيرون إلى صعود نساء مثل هيلاري كلينتون- التى ككاتبة دولة تشارك فى جهاز الولايات المتحدة للنهب و الموت
و الدمار الشامل- كخطوة عظيمة بإتجاه تحقيق المساواة للنساء.
فى الواقع ، لا "خيار" للنساء و الإنسانية بصورة أوسع بين الإمبريالية الأمريكية و الأصولية الإسلامية فالنساء مخضعات و مضطهدات أيضا فى البلدان الإمبريالية ، هناك الظاهرة البارزة لصعود الفاشيين المسيحيين فى الولايات المتحدة الذين هم كذلك رجعيون و معادون للمرأة و " قروسطيون" كأي رجل دين إسلامي و الذين يدافعون عن و يقاتلون بتعصّب من أجل ما هي فى الحقيقة أكبر قوّة إضطهادية فى عالم اليوم : الإمبريالية الأمريكية.
إضافة إلى ذلك ، لا يمكن أبدا لتحرير النساء أن يتمّ عبر أسلحة الجيش الإمبريالي و أحذيته و سفنه الحربية. بيان حديث لمنظمة نساء 8 مارس ( إيران- أفغانستان) يضع الإصبع بقوة على المسألة :
" قد غزت الإمبريالية الأمريكية أفغانستان و العراق بإسم "الحرب على الإرهاب" و "تحرير النساء". وإنتهى الأمر إلى صبّ جام الإرهاب على شعبي أفغانستان و العراق و تعزيز السلطات الدينية و العشائرية و الأبوية. فقبل الإحتلال الأمريكي للعراق ،كانت النساء تتمتّع بأكثر مساواة إذ كانت تستطيع التحرّك بسهولة في المدن ،دون حجاب إسلامي." (7)
بينما قد يبدوان مختلفين جدا ، فرضت الأصولية الإسلامية المتعصبة الخمار من جهة و "سير من الجلد" معلن على نحو واسع و مروّج له على أنه " لباس داخلي جنسي" بالنسبة للنساء فى المجتمع الرأسمالي "الحديث" ، من جهة أخرى، كلاهما رمزان و تجسيدان قبيحان لمهانة النساء . ما يجمعهما بالأساس هو أنهما مظهران لعالم متميّز بأشكال فظيعة من الإضطهاد معا " تقليدية " و "حديثة " ، عالم تهيمن عليه عامة الرأسمالية الإمبريالية ، عالم يحتاج إلى أن يقلب رأسا على عقب و يتمّ تحويله جذريا.
كما أشار بوب آفاكيان عند حديثه عن ظاهرة ما إنفكّت تشكّل حياة الملايين العديدة حول العالم :
" إن ما نراه فى نزاع هنا بين الجهاد من جهة و حرب /ماك العالمية من جهة أخرى ، هو نزاع بين فئة قديمة العهد تاريخيا ضمن الإنسانية المستعمَرة و المضطهَدة ضد الفئة الحاكمة قديمة العهد تاريخيا فى النظام الإمبريالي. و هذان القطبان الرجعيان يعزّزان بعضهما البعض ، حتى و هما يتعارضان. إذا وقفت إلى جانب أي منهما ، فإنك ستنتهى إلى تقويتهما معا".
من هذين النمطين "القديمي العهد" ، الطبقات الإمبريالية الحاكمة و طبقة الولايات المتحدة على الخصوص ،هي التى إلى حدّ بعيد ، تسببت بالأذى الأكبر للإنسانية وهي التى تشكّل التهديدات الأكبر لها. فى الواقع ، الهيمنة الإمبريالية ذاتها فى الشرق الأوسط و أندونيسيا و غيرها من المناطق ، إضافة إلى العراقيل و التفكيك اللذان ينجمان عن هذه الهيمنة و الفساد
و القمع الخبيث للحكومات المحلّية المرتبطة بالإمبريالية و الخادمة لها، يوفّر الوقود العظيم لنار الأصولية الإسلامية كردّ فعل على كلّ هذا و إن كان ردّ فعل رجعي. و كلّ من يستعمل أوراق إعتماد الدفاع عن النساء لتشريع أي جزء من العدوان الإمبريالي الوحشي للولايات المتحدة مفلس أدبيا. إذا إستطاعوا القيام بذلك فيما يعملون على الإبقاء على خداع أنفسهم بأن الذين يسيرون الأمور حقا فإنهم ربّما عبروا الجسر إلى عالم المجانين إجراميا.
ما نحتاج تقديمه على نحو ملحّ هو طريق آخر، طريق يعارض كلتا القوتين الرجعيتين القديمتي العهد .و بقدر ما ندفع هذا النوع من الحركة و المقاومة القوية إلى الأمام فى الولايات المتحدة ، بقدر ما يتوفّر متنفسا و مبادرة للثوريين الحقيقيين فى أنحاء العالم الذين يفيضون كراهية تماما للإمبريالية الأمريكية.
و المطلوب قبل كلّ شيئ ، هو ثورة لجرف الرأسمالية الإمبريالية و كافة الأنظمة و العلاقات الرجعية التى عفا عليها الزمن ... و كافة أساليب إهانة نصف الإنسانية و إضطهادها من قبل نظام متعفّن و مجرم تتحكّم فيه زمرة نسبية من المستغِلين العديمي الرحمة.
كما ناقشنا ، الرأسمالية، لا سيما فى هذا العصر من الرأسمالية الإمبريالية المعولمة جدا ، نظام إستغلال عالمي. و تجسّد الرأسمالية "الحديثة" و "الديمقراطية" مثلما يعبّر عنها فى بلدان كالولايات المتحدة ، و بالفعل تقوم على إستغلال جماهير الشعب و الهيمنة عليها جعلها تابعة لها و إهانتها و إغترابها ، بالضبط داخل حدودها ، و فى علاقة متلازمة مع و مرّة أخرى تقوم على ، حتى أشكال أتعس من كلّ هذا فى انحاء العالم ، خاصة ما يسمى بالعالم الثالث. و أية محاولة ل"إصلاح" و "تحسين" الأشكال الأكثر "حداثة " و " ديمقراطية " ضمن " الوطن " الإمبريالي مآلها الفشل فى إجتثاث أو فى إحداث تغيير جوهري للعلاقات الإضطهادية فى " الوطن". و أنكى حتى، سيقود ذلك فى الواقع إن لم يكن دائما فى النية ، إلى محاولة منحرفة للإلتحاق بنهب بقية العالم ، إلى " فى أحسن الأحوال" مساومة لتحسين وضع بعض المضطهدِين و المهمشين فى البلد الإمبريالي ذاته ، مقابل مساندة الحكام الإمبرياليين فى مسعاهم لتعزيز و توسيع إمبراطوريتهم للإستغلال و النهب. لن تخفق المحاولة فى تحقيق تحرير النساء و مضطهَدين آخرين فى أي مكان فقط بل ستؤدى إلى التواطئ مع الجرائم الشنيعة لهذا النظام و/أو إلى الإحباط و كسر الروح المعنوية . و يعزى هذا ، مرّة أخرى ، ببساطة و بصفة أساسية إلى كون هذا النظام الرأسمالي الإمبريالي يعتمد على و متجذّر فى علاقات الإستغلال و الإضطهاد و لا يستطيع العيش دون هكذا علاقات ، الأكثر " تقليدية " و الأكثر "حداثة ". لا يملك إمكانية إلغاء كلّ هذا لكنه مصدره الرئيسي و محرّكه و معزّزه فى عالمنا الراهن.
2/ بعدُ كفانا عبادة للأمومة !
بعد ثلاث عقود من هجمات الفاشيين المسيحيين و الطبقة الحاكمة لإعادة الأخلاق التقليدية ، ركنت " الحركة النسوية " على نحو متزايد إلى عبادة كاملة للأمومة. صارت هذه المناضلات النسائيات البرجوازيات فى موقع دفاعي حول الإجهاض
و بدأ الكثيرات بإختيار " الموجة " القادمة من الحركة النسوية ككفاح من أجل "حقوق الأمومة".
لكن بالرغم من أن أكثر من بضعة حالات حيث بعض النساء ،و خاصة نساء فقيرات و/أو جزء من الأقليات المضطهَدة، خُدعن أو أجبرن على التعقيم أو بطريقة أخرى حرمن من القدرة على أن يكون لديهن أطفال و هذا كذلك ينبغى أن نعارضه و نقاتله بشدّة، فإن المشكل الرئيسي فى عالم اليوم ، فى ما يتصل بإضطهاد النساء على وجه الخصوص ، بالكاد هو الهجوم على حقّ النساء فى أن يكون لهن أطفال. ملايين و ملايين النساء تجبر على الأمومة ضد إرادتهن على الدوام ! إنما هو حق ّ النساء فى أن تتحرّر بالكامل كبشر يواجهون خطر دفنهم.
النضال فى سبيل " حق النساء أن تحترم كأمهات" ليس تماما مثل النضال فى سبيل أن تكون عنصرا بشريا كاملا و متساويا مع غيره. إلى أن تقطعن مع فكرة أنّ الدور المحوري للنساء هو تربية الأطفال– و بالخصوص إن كنتن أنتن ذاتكن تدعون لهذه الفكرة ، حتى بأفضل النوايا، ستنتهين إلى تعزيز ذات الفظائع و الإهانات الموجهة للنساء و الأطفال التى تحركتن من أجل وضع نهاية لها ، لا غير.
لا شيئ مقدّس بشأن الأمومة . لقد شكّل الدور البيولوجي للنساء فى ولادة الأطفال بالضرورة التقسيمات الأولى للعمل فى المجتعات الإنسانية حيث عاش الناس مستهلكين ما ينتجونه مباشرة .إثر ذلك لآلاف السنين بأشكال متنوعة من المجتمعات الطبقية، تحوّل هذا التقسيم للعمل إلى علاقة إضطهادة و إخضاع ،مفروضة من قبل العائلات و التقاليد و الدولة . و قد تدعّم بالخرافة الدينية و إيديولوجيا التفوّق الذكوري. لكن اليوم ، تجاوزنا منذ مدّة طويلة كون الدور البيولوجي للنساء فى ولادة الأطفال يجب أن يكون الجزء المحدّد لحياتهن أو جزءا من دور النساء فى المجتمع بصورة أشمل. و هذا شي جيّد جدّا!
لم يعد "طبيعيا " بالنسبة للنساء أن تشارك فى تربية الأطفال و الشيئ نفسه بالنسبة للرجال. يبدو الأمر كذلك بفعل كيفية تنظيم المجتمعات لآلاف السنين – و كيف يتمّ تلقين الأطفال بإستمرار منذ ولادتهم. ليس الأمر كون الطريقة الوحيدة أو الفضلى لتنشأة و إزدهار الأطفال هي العائلة النووية و النساء أوّل المانحين للعناية الأساسية. فالروابط الإيجابية بين البشر لا تنجم عن الجينات أو عن الهرمونات و إنما تنجم عن الإهتمام و القرب و الإستماع و التعاطف و التعليم كما التعلّم،و عن الإشتراك فى الكفاح و السرّاء و الضرّاء و سيرورة الإكتشاف . كلّ هذا هو و يمكن أن يكون خصالا بشرية عامة و لا يجب أن يكون شيئا خاصا أو مهمّة خاصة لجنس واحد فقط.
حين ترفع راية الأمومة ك"موجة قادمة" من الحركة النسوية ، يكون الوقت قد حان لقول: يكفى! يمكن أن يتخذ هذا أمثلة صورة ميشال أوباما ، إمرأة ذات نفوذ كبير وذات مهمة نموذجية وهي تأكّد أنها "تضع أولادها فى المقام الأول". أو يمكن أن يتخذ شكل شخص خيالي فى فلم "بلوك باستن" "جونو" المتحدّث عن طالبة جامعية تختار أن تنجب طفلا عوض الإجهاض ثمّ تصوّر كبطلة لتقديمها الرضيع لإمرأة تشعر بأنها ستبقى ناقصة طالما لم تستطع أن تغدو أمّا. الرسالة التى تتكرّر بلا إنقطاع هي : الأمومة هي جوهر و تتويج تحقيق المرأة لذاتها. هذا مجرّد خزعبلات قديمة ، مداورة محدودة الجدّة نسبة للحياة الشديدة للخمسينات ، "مجدّدة " بعض الشيئ لكنّها لا زالت تمثّل نفس الحزمة الرجعية العامة.
كان لزاما، منذ زمن بعيد، أن يركّز معيار جديد. من المستحيل الدفاع عن دور الأم بإعتباره المحدّد لمنزلة النساء و أعلى المعايير دون القبول بكلّ شيئ يتوافق مع ذلك ، وضمنه سجن المرأة فى بيولوجيتها ، فى تربية الأطفال و التبعية للرجال و حكم ولائمة التفوّق الذكوري. على كلّ من يبحث بصدق عن تحرير النساء و الإنسانية جمعاء أن يقطع بصفة حاسمة مع عبادة الأمومة. و النساء بشر ، قادرات على المساواة مع الرجال و المساهمة التامّة فى كلّ مجال من مجالات المجتمع و يجب أن يقيّموا و أن يجدوا هويّتهم الخاصة طبقا لهذا.
من جديد ، من حق و حرية المرأة أن تقرّر متى و إن كانت تريد أن تنجب أطفالا،أو أن تتزوج أو لا تتزوج ، و أن تكسر الحدود الخانقة لتحديد هدف و قيمة المرأة بكونها زوجة أو أم ، أمر حاسم فى تحرير النساء من منزلة مساوية بأشكال عدّة لمنزلة العبيد و فى تصوّر و إدراك عالم مختلف راديكاليا و مستقبل أفضل بكثير للنساء و للإنسانية جمعاء.
3/ "العائلات القوية " ليست الحلّ بالنسبة للمضطَهَدِين :
هناك إعتقاد واسع الإنتشار ، إعتقاد يطرقه بشكل ثابت الناطقون الرسميون و شتى " ممثلى " الطبقة الحاكمة ، بداية من باراك أوباما ذاته، بأن المضطهَدين يحتاجون بالضبط الآن إلى "عائلات سليمة يرأسها الأب" . لقد تطرقنا للمسألة فى بيان لحزبنا هو " إضطهاد السود، جرائم النظام و الثورة التى نحتاجها " (" الثورة " عدد ممتاز ،عدد144 ،متوفّر على الأنترنت...)
" بينما هناك إنهيار كبير فى عائلات السود فى العقود الماضية الأخيرة ، نجم هذا أيضا عن سير النظام الذى دفع العديد من الرجال السود إلى هوامش المجتمع، فتقريبا مليون منهم فى السجن و أنتم تطالعون هذا. تبخّرت القاعدة الإقتصادية ل "أبوين مستقرّين". و يمكن أن يساهم كلّ أب أسود بنشاط فى العناية بكلّ طفل أسود لكن الواقع سيظلّ كما هو : لا يملك هذا النظام مستقبل لملايين و ملايين هؤلاء الشباب، بوجود أو عدم وجود آباء.
إذا إعتقدتم حقا بأن عائلة ب " أبوين مستقرين" ستعالج المشكل ، ألقوا نظرة إلى الوراء ، إلى سنوات إرهاب الكلو كلوكس كلان و أعمال القتل و التمييز العنصري فى الجنوب. حينها غالبية عائلات السود كانت عائلات أبوين تقليديين. لكن هذا لم يستطع ان يمنع التأثيرات المدمّرة لتفوّق البيض و الإستغلال و الإضطهاد الرأسماليين.
غير أنه هناك مشكل أعمق حتى مع عدم التفسير هذا ذلك أنه يوجه المضطهَدين نحو نظرة ستعزّز قيود الإضطهاد و تبعدهم عن التحرّر..."إعادة الرجل على رأٍس العائلة " يحجب حقيقة ما يعنيه ذلك بالنسبة للنساء اللاتى تعامل بالضبط مثل العبيد سواء تلك "المفضّلة " أو تلك التى تتعرّض للضرب ،و الإنتهاك و الخيانة و الإغتصاب ضمن "الحدود المقدّسة " للعائلة ( وهي هكذا عادة ما تنهار). عندما نتعمّق فى الأمر يتكشف لنا أن هذا " الدور الصحيح للرجل" هراء، مجرّد هراء ينمّ عن عقلية من يريد أن يكون سيد عبيد. و كلّ الكلام الآخر عن " ملك من؟ " و "كلاب" ...كلّ هذه الكراهية للمثليين و الحديث عن " الحزمات " و إضطهاد و ضرب و أحيانا قتل فعليين لكلّ من تشذّ مشاعره الجنسية عن "القاعدة " ... كلّ هذه المادة تمثل نفس العقلية التدميرية الملخبطة.
لسنا فى حاجة إلى هذا ، ولن يفضي أبدا إلى تحرير و إلى عالم أفضل!! بينما ستزيل الثورة الشيوعية على الفور العقبات التى وضعها المجتمع أمام تشكيل عائلات سود ولن تفعل ذلك على قاعدة العلاقات و الأفكار التقليدية السائدة فى المجتمع الرأسمالي ، بل على أساس المساواة و الحبّ و الإحترام المتبادلين، و العمل خارجها على إنجاز تغيير كافة المجتمع ، بما فى ذلك إطلاق العنان للمشاركة التامّة للنساء فى المجالات جميعها. و لا يحتاج الرجال السود و غيرهم إلى "إستعمال حقّ"هم لتأكيد هيمنتهم داخل العائلة على النساء و الأطفال بل يحتاجون إلى النهوض معا مع النساء فى مساواة كجزء من تحرير الإنسانية جمعاء.
و لا يحتاج الأطفال السود إلى "نماذج أدوار رجال" و إنما يحتاجون إلى وضع نهاية للظروف الشديدة التى تعرقلهم فى كلّ نقطة. يحتاجون إلى ثورة ،و يحتاجون إلى نماذج ثورية ، من النساء و الرجال معا. يحتاجون إلى رؤية الرجال و النساء الذين يكرسون الإحترام و المساواة اللذان يعكسان العالم الذى نقاتل من أجله : عالم جديد تماما متحرّر أين تكبر البنات قويات و دون خوف من الإغتصاب و الإهانة أو الإنتهاك و أين لا يعتبر أي طفل "غير شرعي" ، و أين يجد الرجال شأنهم شأن أي شخص آخر قيمتهم فى المساهمة فى تحسين وضع الإنسانية قاطبة عبر التغيير الثوري للمجتمع بأسره بدلا من المشاركة فى حتى قسط ضئيل من إضطهاد هذا العالم الكابوس" .
4/ أن تكون سلعة جنس ليس فى شيئ " خيارا " تحرريا
إحدى الأشياء العظيمة بصدد نضالات الستينات و السبعينات كان كيفية تحدّيها العار و الخزي اللذان خيّما بظلالهما على جنسانية النساء. كان ل "الثورة الجنسية " كما سمّيت ، عديد المظاهر الإيجابية إذ شجعت على الإنفتاح الصحّي بشأن جنسانية النساء و أجسادهن و المثلية و حتى حقّ النساء فى التمتّع بوضوح بالجنس و بإستكشاف جنسانية المرء دون التعرّض للذلّ بسبب ذلك.
و فى نفس الوقت ،كان هذا يحدث فى سياق أوسع من البطرياركية و السلعنة الرأسمالية لكلّ شيئ بما فى ذلك الجنس.
و بالنتيجة ، جرى حرف كلّ هذا و ليّ عنقه إلى أشكال متأنقة قليلا من تفوّق الرجل السحيق فى القدم . وصارت البرنوغرافيا منتشرة و إتخذت مظهرا جديدا من " الإحترام " ، حتى عندما أصبحت أعنف و أكثر إهانة و سادية. عوض النضال للتخلّص من التشييئ الجنسي و العلاقات الحميمة المتميّزة بالإستعمال و الإساءة معا ، كافح البعض من أجل "حق" النساء فى المشاركة فى هذا أيضا. و الذين عارضوا هذا إعتُبروا "متوترين" و "محتشمين" و "متزمتين".
و اليوم ، الأولاد من الكليات الخاصة إلى الجامعات فى المدن الصغرى يعلنون بجلاء قانون " روّح عن نفسك قبل أن تكون تابعا " . و تتعلّم البنات مبكّرا أنه إذا لم ترد أن تُستثنى من زملائهن يجب أن تجدن مكانتهنا فى المشهد الحقيقي ل"لالتقاط بالصنارة" المناسباتية و أعمال الترويح " بلا معنى" ( دائما وفق نفس الشرط).غير بعيد أبدا عن السطح ،توجد حقيقة أن النساء اللاتى لا تساهم "طوعا " كثيرا ما تجد نفسها مرغمات و مجبرات تماما على القيام بذلك مكتشفات عادة صورا و فيديو محطين من منزلتهن توزّع و تكون موضع سخرية على الهواتف و الفايسبوك.
بينما الأولاد الذين يشاركون فى هذا يصفعون على الظهر أو على الأقلّ يتمّ عذرهم ( " أنتم تعلمون ، الأولاد سيكونون أولاد ") ، توصم البنات بالعار و تعزل و تدفع للشعور بأنهن عديمات القيمة. و يثار هذا الخزي بخبث ثمّ يستغله الأصوليون المسيحيون الذين ينادون بأن قيمة البنات تنحصر فى بكارتهن و يؤكدون على أن يكون الآباء أكثر صرامة و يقضة فى مراقبة بناتهن.
ثمّ هناك على ما يبدو أكثر تطوّرا لكن مشوّش جدا ، جيل البنات " ما بعد الحركة النسوية " المربات على الجنس على طراز المدينة " الإنجاز النسائي" و العبودية النسائية. لكن فكرة شراء الأحذية الفاحشة الغلاء ،و ممارسة الجنس مع النصابين ،أصحاب الأموال الطائلة ،و الهوس بالجنس بشكل لانهائي مع ما يسمى "بالصديقات" هو نوع من " تقوية النساء" سيكون فقط بصراحة محرجا إن لم يكن سامّ للغاية. كل ما يفعله هذا هو تركيز نظر النساء الشابات على أن تكون فارغة و ضيقة الأفق ، ممحورة إهتمامتهن حول ذاتهن و راضيات جوهريا عن العالم كما هو ، و ضمن ذلك ليس أقلّ من وضعهن التبعي كنساء.
حتى تلك اللاتى ،لفترة، كانت قادرات على إقناع أنفسهن بأن هذا "الإختيار" يقوّى نوعا ما النساء لم تكن لتستطيع فعل ذلك بالقبول بشروط تذلّهن و نساء آخريات فى وضع تفوّق ذكوري. و حتى أعمق من ذلك، لا تحصلن على " حق أن تكون جذابة " أو أن تكون "مالكة جسدها كسلعة جنسية " دون عالم يفرز مفهوم أن النساء يجب أن تقيّم من خلال أجسادهن
و جاذبيتهن الجنسية، و يزدهر ذلك العالم و يأمر بشحن النساء فى مجموعات عبر الحدود كأثاث إنساني ، إلى المباغي
و " محطاّت الرفاهة " للفيالق العسكرية الأمريكية و كعرائس مطلوبة بريديا. لا ينبغى أن يقبل أي إنسان بهذا أو يساهم فيه.
سوية مع هذه الأفكار المخفضة الآفاق عن " تقوية " النساء ، ينتشر وهم يروّج على نطاق واسع أن فى البلدان مثل الولايات المتحدة ، النساء و بخاصة النساء البيض و من الطبقة الوسطى لا "حدود و لا قيود " عليهن فى التمكّن من أن تصبحن ما تردن ، فى حين أن فى الواقع آفاقهن و كذلك طموحاتهن تتكيّف و فى النهاية تنحصر فى العلاقات السائدة فى المجتمع، بالنسبة للنساء . و هناك عدد هام ، لا سيما ضمن النساء الشابات ،اللاتى تقعن فى مثل هذه الأوهام ،و فى الكثير
و الكثير من الحالات، يقودهن هذا إلى الإحباط و وهن العزيمة و الكآبة عندما لا يمكن أن تحقّق طموحاتهن و "أحلامهن" ... أو عندما ، فى أي حال، تصطدم آمالهن و أحلامهن بواقع أن الولايات المتحدة تظلّ مجتمعا متميّزا بالبطرياركية
و الهيمنة الذكورية و بالطرق العديدة التى يتمّ من خلالها "إحتقار" النساء و كذلك آخرين و يهانون فى مجتمع كهذا... الذى يحيط النساء ، ليس الأفقر فحسب بل حتى النساء الأكثر إمتيازات ، من كلّ جانب و يتسرّب إلى أكثر علاقاتهن الخاصة و الحميمة.
أكثر راديكالية- أكثر تحررا
إنّ الطرق الخاطئة و النهايات المسدودة التى فحصناها أسوأ من كونها عديمة الفائدة . إنها لا تخفق فى ما يتطلبه هذا الزمن و الإمكانية المتوفرة الآن لتحرير حقيقي فقط بل هي تنحرف عن الحلّ الحقيقي وهي تفضى بالناس إلى التفكير على نحو ضيّق كأفراد يهتمون بأنفسهم حصرا و يكتفون بالحدود المروّعة لواقع اليوم.
لم تجلب الرأسمالية تحرير النساء و لا يمكنها أن تجلبه . فالرأسمالية بالكاد غيّرت أشكال إضطهاد النساء و أخفت طبيعة هيكلة هذا الإخضاع النظامي و المنظّم الذى تواجهه النساء و غيرهن . فى حين أن النضال من أجل مساواة النساء جزء أساسي بالتأكيد فى تحرير النساء ، فإنه فى حدّ ذاته ليس تقريبا جذريا بما فيه الكفاية. إذا تحدّدت المعركة من أجل المساواة بالآفاق الضيّقة للعالم الرأسمالي و إذا بقي النظام الرأسمالي نفسه سليما ، ستغدو النساء " فى أفضل الأحوال" "مالكات" لذواتهن كسلعة ، أو يمكنهن كسب السيطرة على آخرين معاملات إياهم كسلع، بيد أنه لن يمكنهن مطلقا الخروج عن الحدود الضيقة و التتقلصة لهذا النظام الإستغلالي. بعد الإنقسام الأول للإنسانية إلى طبقات ، و فيما لا تستطيع الرأسمالية تحرير النساء ، خلقت قاعدة الثورة التى بوسعها فى النهاية أن تضع حدّا ليس لهذا الشكل أو ذاك من الإضطهاد أو الإستغلال فحسب و إنما للإستغلال و الإضطهاد ككلّ . إلاّ أنه لكي تنجز ذلك ، على هذه الثورة أن تتضمّن كمكوّن هام و محوري من مكوناتها تحرير النساء.
هذه الثورة و هذا المستقبل ممكنان. و هذه النظرة بالذات للعالم هي التى ينبغى أن تقودنا اليوم، فى كلّ من المكان الذى إليه نرنو الذهاب و فى كيفية الحياة و الترابط خلال النضال للتوصّل إلى ذلك.
و هذا يعنى اليوم أنه علينا أن نكسر كلّ الحواجز أمام التحرير التام للنساء فى كلّ مجال من مجالات المجتمع و مشاركتهن التامة فى كلّ مظهر من مظاهر النضال فى سبيل تغيير المجتمع. و هذا يعنى خوض نضال لتغيير كافة العلاقات بين النساء و الرجال لإيجاد جوّ ليس مساندا لمواجهة النساء و نفاذ صبرهن من أجل تحريرهن فقط ،لكن كذلك يشحذ حقّا و يرحّب بنفاذ الصبر كقوّة يمكن أن تدفعنا جميعنا إلى الأمام. و يعنى هذا أنّ على الرجال أن يغيّروا مواقفهم، الآن و ليس فى زمن لاحق فى المستقبل كيما يناضلوا من أجل عالم يستحق حقّا العيش فيه و لإيجاد أفضل الأجواء للنساء كيما تطلق العنان كلّيا فى الكفاح الراهن.
سلطة الدولة الثورية- أكثر الأشياء تحريرا
تصّوروا لو أطلق العنان للغضب المكبوت و كذلك للإبداع و التوق إلى طريقة جديدة فى الحياة اللذان يعتملان و يشتعلان كالنار فى دواخل النساء ،و قُدِّمت لذلك قيادة واعية ،ل و صار وقودا ليس لتحدّى أي و كلّ أشكال إضطهاد النساء فقط بل كذلك للمساهمة فى تطوير و تثوير المجتمع و العالم برمّته.
تصّوروا لو أن نصف الإنسانية لم يعد مجبرا على العيش بالمعرفة الدائمة الحضور أن فى أي وقت من النهار أو الليل ، فى المنازل الخاصة و فى الشوارع يمكن أن تقع مهاجمة النساء و إغتصابهن من قبل الجنود الغزاة و اللصوص الغرباء
و فى أغلب الأحيان من قبل ما يسمى "أحبابهم" ذاتهم. تصوروا ماذا سيكون شعور النساء اللاتى يمكنهن السير على الأرض و قد تخلصن من هذا النوع من الخوف.
ليس مجرّد حلم ، إنه ممكن التحقيق.
تصوّروا لو أنه لم تعد إمرأة أخرى تعرف ما كان أن تبيع جسدها كمخرج يائس أخير لتطعم نفسها و أطفالها أو بأية طريقة أخرى أو ما كان أن تجد نفسها مجبرة جبرا على الجنس.
تصوّروا ، بدلا من ذلك، لو أضحت الجنسانية و الألفة بالنسبة لكل إنسان شيئا يقوم به فقط حين يكون حرا ،و طوعيا و على أساس الإحترام المتبادل و المساواة و الرغبة المشتركة. تصوروا الشباب يكبر بتربية و دعم يحتاجه لإكتشاف العلاقات الصحّية و الجنس لمّا يكون مستعدّا لذلك ، متخلّصا من الخطر الطبيعي أو الأذى العاطفي غير الضروري.
ليس مجرّد حلم ، إنه ممكن التحقيق.
فكّروا فى ما يعنيه أن بالنسبة للرجال فى يومنا هذا لا وجود لشتيمة أقسى من أن يدعى " مرة " أو " فقير" . و الآن تصوروا يوما فيه ينظر الناس إلى الوراء نحو المفاهيم التقليدية اليوم عن الجنس ، عن معنى أن نكون "رجلا " و معنى أن نكون" إمرأة " كسخافات لامعقولة للماضي الإضطهادي للإنسانية.
تصوّروا مجتمعا حيث النساء لا تُقيّم على أساس معايير الجمال الجسدي و لا تكون قيمتها و قدراتها الإنسانية مقلّصة لجزء أو آخر من جسدها ، لكن بدلا من ذلك يجرى الإرتباط معها كبشر ، بأتمّ معنى الكلمة.
تصوّروا لو كان الإجهاض و مراقبة الولادات متوفّران لكافة النساء فى كلّ وقت دون خجل أو إعتذار . تصوروا أن كل إنسان حصّل العلم بشأن بيولوجيا النساء و كذلك العلم و المنهج العلمي بصفة أشمل ، لكي لا يتلاعب البعض و لا يسمّوا مرّة أخرى "رجال مقدّسون" بجهل الناس و شدّة وزن التقاليد و قيود الأمومة الإجبارية و خنق الخزي للنساء لممارسة أكثر حقوقهن جوهرية.
ليس مجرّد حلم ، إنه ممكن، وهو يصرخ بإلحاح لتحقيقه
لكن تصوروا أكثر من ذلك.
تصوّروا إذا تمّ التشديد على كلّ هذا ووفرت له دولة ثورية جديدة و قيادتها الشيوعية القيادة و المصادر.الآن تصوروا ، إذا أطلق العنان ، ى هذا السياق و على هذا الأساس ، لسيرورة كاملة فيها النقاش و المعارضة يشجعان فعليا عبر المجتمع حيث الذين كانوا متلهفين لنسق التغيير لا يقمعون و إنما يوفّر لهم مجال النقد و عنان التجربة. تصوروا أناسا من جميع نواحي المجتمع و من خلفيات متنوعة يعملون معا للقفز عاليا و ليغيروا راديكاليا كافة العلاقات الإنسانية المركزة عبر آلاف السنين من سلاسل التقاليد.
تصوّروا إذا بدلا من أن تكون مكانا فيه تحبط عادة حاجة الناس للحبّ و الحنان و يستهزأ بها حتى ، تشهد العائلات نفسها تغييرا جذريا . تصوروا الزواج و الشراكة يقامان على أساس طوعي فى إطار من الحب و الإحترام و الحنان و المساواة يميزون بصفة متصاعدة طريقة إرتباط الناس فى المجتمع . تصوروا لو كان للناس مجال خاص و عقل منفتح داخل بيوتهم و فى نفس الوقت ، يعرف كلّ فرد أنه لو واجه إساءة أو أشكال أخرى من المهانة سيدعمه المجتمع و مؤسساته إن تقدّم لفضح الإساءة و النضال ضدّها أو لقطع العلاقة.
تصوّروا لو أنّ الناس يهدفون للذهاب حتى أبعد مطوّرين أشكالا جديدة من التعاون و الأساليب التى من خلالها يعاضد بعضهم البعض و يزدهرون سوية ، و يحطّمون على نحو متزايد و يوجدون أساسا للتجاوز النهائي لمؤسسة العائلة القائمة على علاقات دموية و الروابط الحيوية الضيقة و المتمادية فى الضيق.
تصوّروا إذا ، كمرحلة إنتقالية إلى ذلك ، بسبل متنوعة ، من مختلف الجماعات و فى علاقاتها المتبادلة ، المجتمع ككلّ ،معا رجالا و نساءا، شرعوا فى تولّى مسؤولية تربية الأجيال الجديدة و ببهجة. لن يكون الأطفال ملكا لآبائهم و لن ينتظر منهم أن يحققوا أحلام آبائهم ولن يكونوا منحصرى الآفاق بسبب مشاق آبائهم،و فكرة " غير شرعي " تضمحلّ من الوجود و ينظر إليها كأمر عفا عليه الزمن و مفهوم شنيع فى حدّ ذاته. تصوروا جيلا جديدا كاملا ربّي على مسرح الحياة و لم تغرس فى العقول الصغيرة مفاهيم الأولاد أفضل من البنات أو أناس أفضل من آخرين. تصوروا كل جيل جديد يكبر متشبعا بأخلاقيات مجتمع جديد يفضّل المصلحة العامة بينما يطلق العنان للتفكير النقدي و الإبداع و التعبير عن الذات.
تصوّروا مجتمعا حيث الطاقات الإبداعية لا تحوّل إلى إنحدار دائم إلى طرق جديدة لإذلال النساء و التشديد من الإنقسامات الإجتماعية الإضطهادية، بل بدلا من ذلك ، دون قيود الجنس /النوع الإجتماعي أو إنقسامات إجتماعية إضطهادية أخرى، ينشأ الناس بشكل واسع ضمن سيرورة إبداع فنّي يرفع من وعي الناس و يتحدّاهم ليفكّروا نقديا و يوسّع آفاقهم. تخيلوا الأولاد و الرجال غير مطبوعين ب" ثقافة الرجل" الإضطهادية الغبيّة ولم يعودوا متأثرين بحياة قصف بصور أجساد نساء ، نصف عاريات و نصف جائعات تستعمل لتسويق كلّ شيئ من السلع الإستهلاكية إلى الإيديولوجيا و الحروب. و الأولاد
و الرجال قادرون عوض ذلك على الإرتباط بالنساء كبشر متساوين. تصوّروا إزدهار هذه الثقافة الجديدة الراديكالية
و المحرّرة، القائمة على المساواة و الإحترام المتبادل بين الرجال و النساء و بين مختلف الثقافات و الشعوب ، تعجّ بالتنوّع و مليئة بالمرح و كذلك بالجدية ، بمعنى إضافة الفكر النقدي للمرح و كذلك الإكتشاف و الجمال.
تصوّروا كيف أنّ كلّ هذا سيخلق جوّا مغايرا تماما فيه الناس يتلاقون و يترابطون و تصوروا النقاشات التى يفرزه و التفكير الجديد الذى يولّده. تصوروا إذا ، كما قالت إمرأة شابة إثر توسّع آفاقها بالإلتحاق بالحركة الثورية "تدخل المقاهي و تسمع الشابات تتحدّث عن الفلسفة و كيف تعالج أهمّ القضايا الكبرى للإنسانية عوض الحديث عن حجم أحذتهن." تصوروا كيف أن هذا سيساعد على دفع المبادرة وتشجيعها و التفاعل الإيجابي مع التحديثات فى العلوم و الرياضة و التعليم و الفلسفة و كلّ المجالات الأخرى للنشاط البشري و الفكري.
تصوّروا إذا لم يقع سحق نهوض النضال ضد بقايا إضطهاد النساء ،حتى و إن ذهبت ضد أو " عرقلت" جهود هامة أخرى لمعالجة حاجيات إجتماعية حقيقية ،و لم تقمع بل دفعت إلى الأمام و أحييت و مُكِّنت من لعب دور جوهري فى عملية تغيير العالم. إذا وفّرت القيادة لكي تصبح هذه التحديات ،كذلك ،جزءا من تعميق التعلّم حول التغييرات الإجتماعية الضرورية
و كيف يمكن تلبية حاجيات المجتمع بطرق جديدة ، طرق تتوافق مع و تمثّل تقدّما بإتجاه الهدف النهائي لعالم شيوعي ، خال



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بصدد التطورات فى النيبال و رهانات الحركة الشيوعية = نقد الحز ...
- ثورة النيبال: نصر عظيم أَم خطر عظيم!(من كتاب - الثورة الماوي ...
- من تمرّد نكسلباري إلى الحزب الشيوعي الهندي (الماوي) ( مقتطفا ...
- لنقاتل من أجل إنقاذ الثورة فى النيبال! _ من كتاب -الثورة الم ...
- ليس بوسع أي كان أن يغتال أفكار -آزاد- ! ليس بوسع أي كان أن ي ...
- رسالة مفتوحة إلى الحزب الشيوعي النيبالي الموحّد (الماوي) من ...
- عملية الصيد الأخضر : إرهاب دولة فى الهند. (مقتطف من كتاب -مد ...
- شبح الحرب ضد إيران و التكتيك الشيوعي الماوي (الفصل الثاني من ...
- إنتفاضة شعبية فى إيران : وجهة نظر شيوعية ماوية(الفصل الثالث ...
- الإسلام إيديولوجيا وأداة في يد الطبقات المستغِلّة (الفصل الر ...
- مساهمات ماو تسى تونغ فى تطوير علم الثورة البروليتارية العالم ...
- حقيقة الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى( مقتطف من كتاب -ال ...
- تعتقدون أن الشيوعية فكرة جيدة لكنها غير قابلة للتطبيق؟ قوموا ...
- -الإشتراكية أفضل من الرأسمالية و الشيوعية ستكون أفضل حتى !- ...
- الماوية : نظرية و ممارسة -5 - ملاحق كتاب - الثورة الماوية فى ...
- من مكاسب الثورة الماوية فى الصين( الفصل الخامس من كتاب - الث ...
- الماوية : نظرية و ممارسة - 5 - الثورة الماوية فى النيبال و ص ...
- الماوية: نظرية و ممارسة - 6- - جمهورية إيران الإسلامية :مذاب ...
- الماوية : نظرية و ممارسة - 4 - - الثورة الماوية فى الصين : ح ...
- إلى الأمام على الطريق الذى خطه ماوتسى تونغ ( نص للحركة الأمم ...


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - الماوية : نظرية و ممارسة - 8 -تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتارية العالمية ،الماركسية – اللينينية – الماوية