أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - -الإشتراكية أفضل من الرأسمالية و الشيوعية ستكون أفضل حتى !- لريموند لوتا ( فصل من كتاب : عالم آخر، أفضل ضروري و ممكن، عالم شيوعي ... فلنناضل من أجله!!!)















المزيد.....



-الإشتراكية أفضل من الرأسمالية و الشيوعية ستكون أفضل حتى !- لريموند لوتا ( فصل من كتاب : عالم آخر، أفضل ضروري و ممكن، عالم شيوعي ... فلنناضل من أجله!!!)


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 3279 - 2011 / 2 / 16 - 01:15
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


"الإشتراكية أفضل من الرأسمالية و الشيوعية ستكون أفضل حتى !" لريموند لوتا
( فصل من كتاب : عالم آخر، أفضل ضروري و ممكن، عالم شيوعي ... فلنناضل من أجله!!!)
ترجمة شادي الشماوي

مقدمة
1- الإشتراكية و الشيوعية .
2- الثورة التى هزت العالم بأسره هزا .
3- تجربة أولى فى بناء الإشتراكية .
4- الثورة الصينية تنجز إختراقا آخر .
5- القطع مع النموذج السوفياتي .
6- الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى صراع بين الطريق الإشتراكي و الطريق الرأسمالي .
7- هزيمة الصين الإشتراكية و الدروس المستخلصة للمستقبل .
8- البناء على أساس الموجة الأولى من الثورات الإشتراكية .
يتضاعف عدد المنشغلين بالوضع العالمي و بمستقبل الإنسانية. هل من الطبيعي أن تحدث الأشياء كما تحدث ؟ من البديهي أن الإجابة هي لا. و بالفعل هنالك بديل للعالم الذى نعيش فيه
و هذا البديل هو المشروع الشيوعي.
إن البرجوازية لا توفّر أبدا فرصة إلا و كرّرت على مسامعنا أن الإشتراكية قد فشلت و أن الرأسمالية تظلّ الأفضل فى العالم . و نشأ جيل جديد تماما لم يسمع تقريبا شيئا آخر عن الإشتراكية سوى أنها كابوس مريع . و أثرت إعادة قراءة التاريخ هذه من وجهة نظر رأسمالية كذلك على عدد هام من المثقفين بما فيهم حتى الأكثر تقدمية. [ و نضيف أن التأثير بلغ مناضلين و مناضلات شيوعيين فعمّ لدى الكثيرين التشّوش الإيديولوجي و السياسي و أخذوا فى التنازل تلو التنازل منحرفين عن الهدف الشيوعي ].
و بغاية المساهمة فى خوض صراع ضد الهجوم البرجوازي و الرجعي عموما المناهض للشيوعية نقترح عليكم هذا المقال المتضمّن لإجابات و ردود على الكذب الذى نشر حول الشيوعية و الثورة البلشفية و الصينية و ماو و الثورة الثقافية إلخ .
مقدمة :
مما لا شك فيه أن فى صفوفكم الكثيرين الذين يودّون بديلا عن النظام السائد فى العالم حاليا . إنكم تتمنّون القيام بشيئ ما له دلالته بالنسبة للإنسانية . و تعتقدون أنه من الممكن تجاوز مرحلة الإستغلال و التقسيم الإجتماعي للعمل و أنه بإمكان الإنسانية أن تتجه صوب مجتمع خال من الطبقات و عالم فيه يجتمع البشر بحرية ، بإختصار عالم شيوعي . هذا بالضبط ما ترنو الثورة البروليتارية إلى تحقيقه و قد أنجزت الخطوات الأولى فى هذا الإتجاه فى القرن الماضي مع الثورتين الروسية و الصينية . و قد منيت هاتين الثورتين بالهزيمة لكنها غنيّة بالدروس و الإلهام .حينما ننظر إليها عن كثب ، يصبح واضحا أن الشيوعية فعّالة أكثر من أي وقت مضى!
ما سنتحدث عنه سيثير جدالا. نعيش مرحلة حيث يعلن خلود الرأسمالية إذ يقولون لنا أن الحكم الذى صدر فى نهاية القرن العشرين وهو نهائي و لا رجعة فيه هو فشلت التجربة الإشتراكية وهو مآلها المحتوم . يطلقون علينا قنابل مفادها أنه ليس ثمة بديل و أن الرأسمالية أمر طبيعي و أنه يمكن أن نقبل بأن الرأسمالية تؤدى إلى بعض المشاكل لكنهم يسرعون إلى الإضافة بان محاولات التخلص منها مهما كانت ستزيد الأوضاع سوءا كما لو أننا وضعنا عنوانا تحذيريا على أية وجهة نظر تتطلّع إلى التأثير على مستقبل الإنسانية . خطر! كل فكرة تضع الرأسمالية موضع السؤال هي فى أفضل الأحوال حكم ضبابي و فى أتعسها يوتوبيا غير قابلة للتطبيق لن تستطيع فرضها إلا بطريقة سلطوية و لن تنتهى إلا إلى كابوس . إنتبهوا ! مشروع القيام بالثورة و تشييد إقتصاد و مجتمع يشجعان على الرفاه الجماعي و يخدمانه ضد الطبيعة الإنسانية و ضد المنطق الإقتصادي و حتى ضد مسيرة التاريخ. و تذكير : بلغنا نهاية التاريخ ! إذ يمثل المجتمع الغربي قمّة ثورة الإنسانية و نهايتها.
بألف طريقة و طريقة – بعض هذا كذب صريح و بعضه أكثر حبكة- الرسالة التى يردّدونها هي أن القرن العشرين هو قرن مصيبة و فضائع الثورة الإشتراكية و إنتصار الرأسمالية و الديمقراطية البرجوازية . و هذه الرسالة نقرأها و نشاهدها و نسمعها فى كافة وسائل الإعلام . و نعثر على الرسالة ذاتها فى بحوث واسعة الإنتشار . و يدرسونها فى المدارس و المعاهد و الجامعات و نجدها كذلك فى خطاب المثقفين . إلا أنه ثمة مشكل صغير مع كل هذا هو أن
" الحكمة الشعبية المتعلقة بالشيوعية ليست أقل من كونها خاطئة . فهي قائمة على قلب تام للحقيقة التاريخية للثورة الإشتراكية . يطلقون علينا بلا إنقطاع الأكاذيب و التشويهات إلى درجة تمريرها على أنها الحقيقة فى حدّ ذاتها . و علينا أن نعترف بأننا عادة ما نتعجب من كمية ما يجعلوننا نبتلعه بما فى ذلك و للأسف ما يبتلعه بعض الناس الذين يدعون الشرف و الإستقامة و الإنضباط الفكريين . تأويلات مغرضة و إحصائيات تقريبية و طرق تقييم لا يأخذها أحد مأخذ الجد إذا ما طبّقها على نشاطه هو و ثقة عمياء فى مؤلفات ذاتية جدا كتبها أشخاص يعملون وفق أجندا سياسية محدّدة ، كل هذا يتحوّل فجأة إلى شيئ مقبول تماما كلّما تعلّق الأمر بالشيوعية .
و مثال ذلك السيرة الجديدة المعنونة "ماو: الحكاية غير المعروفة " التى وضعها جونغ تشانغ و إيوان هوليداي ، و التى تحضى الآن بعناية غير قليلة . إنها هجوم مسعور مناهض للشيوعية هستيري حقا! فبإمكاننا أن نقرأ فيها الجمل التالية :
" لا وجود لمدرسة واحدة فى الصين حيث لم ترتكب فظاعات ". ما هو مصدر هذا الإدعاء؟ لا يذكر المؤلفان أي مصدر ، فقط يكتفيان بتأكيد ذلك . لن تثقوا بلا شك فى مثل هذه الجمل إن تعلقت بأية موضوع آخر لكن بما أنها تخص الثورة الثقافية فإن الذهنية النقدية تبدو فى عطلة ...
كم مرّة سمعتم قول إن ماو كان "ضد التعليم" ؟ مع أن الحقيقة هي أن الصين الماوية شهدت مرور نسبة التمدرس من حوالي 15 بالمائة فى 1949 إلى ما يناهز ال80 بالمائة فى 1976 . و مثل هذه الوقائع يتم تجاهلها ببساطة و إخفاؤها تحت ركام التشويهات . و مع ذلك عليكم أن تعلموا أن أمل الحياة فى الصين حين إنتصرت الثورة الصينية فى 1949 كان 32 سنة و أنه فى 1975 تضاعف تماما إذ صار 65 سنة !
علينا أن نقول الأشياء بصراحة و أن نعلي الحقيقة. نهدف من العرض التالي دحض كافة التشويهات المتعلقة ب"الموجة الأولي" من الثورات الإشتراكية . و نشير هنا بوجه خاص إلى تجربة الجماهير الشعبية فى الإتحاد السوفياتي حينما كان بلدا إشتراكيا حقيقيا أي من 1917 إلى 1956 و كذلك إلى الصين سنوات 1949 إلى 1976 . و كانت هذه المحاولات الأولى و الأكثر إلهاما فى التاريخ المعاصر محاولات تشييد مجتمعات حرّة من كافة أشكال الإستغلال و الإضطهاد .
سنتطرق لأسباب هذه الثورات و إلى ما شرعت الجماهير فى إنجازه و التغييرات المذهلة التى تمخضت عن ذلك و سنتحدث كذلك عن الصعوبات التى واجهتها . و سنخوض أيضا فى ما نسميه " قوس التعلم " من الثورة الشيوعية أي كيف تعلم ماو من تجربة الثورة البلشفية و لخّص أخطاءها و نواقصها و فتح آفاقا جديدة للمضي أبعد و إنجاز ما هو أفضل بمواصلة الثورة .
و الآن نشهد بداية مرحلة جديدة من الثورة البرولياتارية ...
بالنسبة للشيوعيين لا تشكل الحقيقة مشكلا. فنحن نستطيع مواجهة الواقع ومن واجبنا أن نواجهه و أن نفهمه. و بالفعل ، بهذه الطريقة و هذه الطريقة وحدها بإمكان نظرة فى آن معا أشمل و أدقّ أن تبرز بالإستناد إلى ما يمكن و من الضروري واقعيا إنجازه فى هذه المرحلة من تاريخ الإنسانية .
بالتأكيد ، وجدت مشاكل فى هذه "الموجة الأولى " من الثورات الإشتراكية . و لا يجب أن نخشى مواجهتها لكن علينا أن نبحث على أن نخرج بمفهوم يكون وفيا للحقيقة. و هذه الحقائق التي تدفعنا أحيانا إلى أن نحار يمكن كذلك أن تصبح دافعا قويا للقيام بما هو أفضل. و بالعكس ، من مصلحة الذين يمسكون العالم بين أيديهم الآن أن يلجؤوا إلى الكذب ... سواء تعلق الأمر بالشيوعية أم بأسلحة الدمار الشامل !
لماذا إذا من الأهمية بمكان أن نكشف حقيقة الثورات الروسية و الصينية ؟
ببساطة لأن مستقبل الإنسانية فى موقع القلب من هذا الجدال :
- نحن نعيش فى عالم فيه يموت كل يوم 35 ألف طفل بسبب نقص الغذاء أو الأمراض الممكن معالجتها .
- نعيش ضمن نظام عالمي فيه الثلاث الأمريكان الأغنى يسيطرون على رساميل تفوق الناتج الداخلي الخام ل40 بلدا الأكثر فقرا معا
- نعيش على كوكب فيه النظام البيئي مهدّد جراء السير الأعمى لنظام إقتصادي يعتبر الربح فى آن معا مقياس التطوّر و محرّكه.
- نعيش فى [عالم ] أحد مجتمعاته فيه رجل أسود فى سن العشرين من ثمانية رجال سود مودع فى السجن [ فى الولايات المتحدة الأمريكية ].
و يثار السؤال التالي : هل نحن مجبرون على الحياة هكذا ؟ هل من الممكن حقا تغيير الأشياء راديكاليا؟
بصورة ملحّة ينبغى الشروع فى نقاش حيوي واسع بصدد هذه المسائل و بصدد الرهانات المطروحة.
---------------------------------------------------------
(1) الإشتراكية و الشيوعية :
تصوّروا مجتمعا فيه يتعلم الناس تغيير العالم على نحو واع ... فيه لن نكون مكبلين بالعادات و الجهل ...فيه يتعاون الناس لإنتاج ضرورات الحياة و يتشاركون بسعادة فى كافة المجالات الأخرى الفنية و الثقافية و العلمية ...مجتمعا فيه يغذى العلم و الخيال بعضهما البعض ... فيه يوجد سويّة تضامن و تنوّع و نقاشات عميقة و صراع إيديولوجي مستمر لتحديد الإتجاه الذى ينبغى السير فيه ...مجتمعا تكون فيه علاقات الناس متميزة بالإحترام المتبادل و التعاون الحقيقي من أجل مستقبل الإنسانية ...و عالما يأخذ بعين النظر البيئة و يعتنى بها : هذا ما سيكونه المجتمع الشيوعي !
الشيوعية مجتمع علمي فيه يكون قد تم تجاوز الطبقات و الإختلافات الطبقية و فيه يكون قد تم القضاء على علاقات الإستغلال و المؤسسات الإضطهادية و العلاقات الإجتماعية غير العادلة ،على غرار الميز العنصري و الهيمنة الذكورية و فيه يكون قد تم مسح الأفكار و القيم المتخلفة من على وجه الكوكب.
و الشيوعية تفترض كذلك مجتمع وفرة و تملك جماعي لجميع الموارد.
و حين نتحدث عن الشيوعية نشير عادة إلى الإيديولوجيا الشيوعية. و عندما يسمع الناس كلمة " إيديولوجيا " يفكرون عامة فى جملة من الأفكار المرتبطة بأجندا سياسية محدّدة عليها تنبنى النظرة إلى العالم . ب" إيديولوجيا شيوعية " نحيل فى الواقع إلى مفهوم للعالم و إلى منهج علمي بروليتاريين بفضلهما بإمكاننا فهم القوى المحّركة للمجتمع و للطبيعة . تبين لنا الإيديولوجيا الشيوعية الدرب الذى ينبغى أن نسلكه حتى تتمكّن الإنسانية من تحقيق تقدّم جديد فى قدرتها على فهم هذه القوى الإجتماعية و الطبيعية و تغييرها . إنها تحدد نوعا من الأخلاق تتناسب مع القفزة الكبرى التى شرعت بعدُ فى إحداثها الإنسانية.
و الشيوعية ليست مجرد حلم ضبابي أو يوتوبيا و الإنسانية على عتبة تحوّل تاريخي.
فى الواقع ، تطوّرت قوى الإنتاج التى تتضمن ليس الآلات و التجهيزات و التكنولوجيا فحسب و إنما أيضا البشر و معارفهم إلى مستوى يسمح للإنسانية بتجاوز المجاعات و تلبية الحاجيات الأساسية للجميع و إنتاج فائض وفير يمكن أن يخصّص للتطوّر الإجتماعي المستقبلي.
قوى الإنتاج إجتماعية إلى درجة كبيرة فإنتاج كل ما يستعمله المجتمع الإنساني يقتضى عمل الآلاف بل ملايين الناس معا . بالإضافة إلى ذلك ، هذه القوى الإنتاجية الإجتماعية مندمجة على مستوى عالمي فالمواد الأولية و الآلات و الأدوات ولإنتاج الراديو فى منطقة من العالم تدخل فى سيرورة الإنتاج منطقة أخرى. ومع ذلك رغم هذه الصبغة الجماعية المتقدمة تظل قوى الإنتاج تحت سيطرة طبقة الرأسماليين الذين يستولون على ثمرة عملية الإنتاج .
هذا هو المشكل الأساسي للعالم الذى نعيش فيه اليوم و هذا هو التناقض الذى تسعى الثورة البروليتارية إلى معالجته. و البروليتاريا طبقة ظهرت ضمن المجتمع الرأسمالي على أساس الطابع الجماعي لقوى الإنتاج . وهي تمثل الجهود و العمل التعاونيين المتناسبين مع هذه الظاهرة و تمثل القاعدة المادية التى ستسمح بتنظيم الإنتاج بطريقة مغايرة راديكاليا و كذلك بتنظيم المجتمع بأسره.
و الآن ، ماذا نقصد بالإشتراكية ؟ على عكس ما يعتقد البعض ليست الإشتراكية دولة عناية إلاهية عظمى و لا تعنى أيضا دولنة الإقتصاد الرأسمالي. فالإشتراكية مرحلة المرور من الرأسمالية إلى الشيوعية أي إلى مجتمع خال من الطبقات. الإشتراكية هي مرحلة التحويل الذى تنجزه البروليتاريا و حلفاؤها – الذين يمثلون الغالبية الساحقة فى المجتمع – للهياكل الإقتصادية و العلاقات الإجتماعية و الأفكار التى تهدف إلى تأبيد الإنقسامات الإجتماعية و الإنقسامات الطبقية . و تسمح الإشتراكية بتحرير القدرة الخلاقة و المبادرة لدى الذين تبقى عليهم الرأسمالية في قاع المجتمع.
و ستؤسس الثورة الإشتراكية نظاما سياسيا جديدا تماما هو دكتاتورية البروليتاريا . و هذا النظام سيضع الطبقات الإستغلالية القديمة و الأشخاص الذين يعملون بنشاط على قلب النظام الجديد تحت مراقبة شديدة . أما بالنسبة للجماهير فستوفّر دكتاتورية البروليتاريا الحق و القدرة على تغيير العالم و المساهمة فى جميع المجالات الإجتماعية و على التحول إلى سادة المجتمع..
و ستركز الثورة الإشتراكية إقتصادا جديدا مخطّطا ، قائما على الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج و سيتعاون الناس لضمان تلبية حاجيات الجميع. وفضلا عن ذلك سيجرى تحديد أولويات إقتصادية و إجتماعية جديدة . و ستمارس البروليتاريا دكتاتوريتها على الرأسماليين و ستحلّ محلهم نظاما يشجع على القضاء على الرأسمالية. و على الجماهير و نواتها القيادية أن تدافع بضراوة عن سلطتها الجديدة و لكن هذا لن يكون غاية في حدّ ذاته إذ يتعين أن تستعمل السلطة الجديدة لفائدة الإنسانية جمعاء و من أجل إيجاد ظروف توفّر إمكانية ظهور المجتمع الشيوعي.
هذه هي المبادئ التى قادت لينين فى المعركة التى أفضت إلى أول ثورة بروليتارية فى1917.
---------------------------------------------------
( 2 ) الثورة التى هزّت العالم بأسره هزّا :
فى فيفري ،إجتاحت موجة الإضرابات و المظاهرات العمالية الجماهيرية ما يسمى اليوم بيتسبورغ ، فأطاحت بالقيصر. وسرعان ما أظهرت حكومة التحالف الليبرالي التى خلفته عدم قدرة على تلبية الحاجيات الأساسية و الطموحات الجماهيرية و حافظت على مشاركة روسيا فى الحرب العالمية الأولى فكانت التبعات كارثية . و بعد بضعة أشهر ، فى أكتوبر ، خطّط البلاشفة و قادوا إنتفاضة مسلّحة كنست نهائيا النظام القديم .
لقد وصف الصحفي الأمريكي جون ريد بجوارحه كل البطولة و الحماس اللّذان ميّزا ثورة أكتوبر : تنظيم عمال السكك الحديدية و الإجتماعات المنعقدة فى ظلّ الضغط الكبير فى المصانع و عديد التصريحات و الإعدادات للإنتفاضة و البحارة و فيالق العمال المسلحين فى كرونشتاد الذين كانوا رأس حربة الهجوم الأخير على مراكز قيادة الحكومة ...
و تشكّلت حكومة ثورية جديدة أصدرت على الفور مرسومين مدهشين حقا حيث وضع المرسوم الأول حدّا لمشاركة روسيا فى الحرب العالمية الأولى بينما سمح الثاني للفلاحين و الفلاحات بإفتكاك الأراضى الشاسعة التى كانت فى حوزة القيصر و النبلاء و الكنيسة. فمثلت هذه الإجراءات تغييرا إجتماعيا و سياسيا عظيما بالنسبة للجماهير . و قد عَنيا أن ساعة الجماهير قد أزفت . و عقب أيام عدّة حينما شنّت بقايا الحكومة المطاح بها هجوما فى محاولة أخيرة لإستعادة السلطة ، هبّت الآلاف المؤلفة من العمال و العاملات من المصانع و الأحياء البروليتارية للذود عن الثورة.
إفتراء من عديد الإفتراءات التى نسمعها فى غالب الأحيان بصدد ثورة أكتوبر – إلى حد تحوّله لازمة فى الأدب المناهض للشيوعية – هو أنها كانت أساسا نتيجة إنقلاب و مؤامرة من البلاشفة. و هذا عموما ما يلوكه التاريخ الرسمي : فراغ سياسي أوجده تداعي النظام القديم ، يستغلّه لينين فيستحوذ على السلطة بصورة غير قانونية و مع ذلك بفضل المغالطة و السياسات السلطوية نجح فى الحفاظ على موقعه فى الحكم.
جوهريا ، ثمة على الأقل عيبان إثنان فى هذه القراءة للتاريخ.
هنالك أولا أمر أنها تغطّى و تغضّ الطرف عن الظروف الخانقة للغاية ،هذه الظروف التى دفعت ملايين الناس إلى الإنتفاضة. علم من أعلام البرجوازية ، ريتشارد بيبس ، كتب التالي فى إحدى أعماله الرئيسية : " إن الذين عاشوا الثورة الروسية لم يعرفوا أبدا العودة إلى الحياة العادية. فقد كانت الثورة بداية عذابهم لا غير ." كما لو أن الأشياء كانت على ما يرام قبلا و أن الجماهير لم تكن تشعر بأي "عذاب " فى تلك الفترة !
بالمناسبة لنلق شيئا من الضوء على الوضع قبل الثورة. ففي الريف حيث كانت غالبية الناس تعيش ، كانت العربات الخشبية منتشرة الإستعمال و كان الدين و الخرافات يلعبان دورا جوهريا في الحياة اليومية. و كانت عملية الزراعة محدّدة بأيام مقدّسة . و كان العنف الأسري مرضا ضارب الجذور.
و فى المدن ، كانت الأمراض الوبائية تحصد حياة الناس حصدا و الحياة الإجتماعية منقادة للأرستقراطية و خاضعة لها بصورة مطلقة إعتمادا على شبكة واسعة من البوليس و السجون و المراقبة. وكانت لغات و ثقافة الأقليات القومية ممنوعة.
هذه هي إذا "الحياة العادية" السائدة قبل الثورة ! هذه هي حياة البؤس التى صارت لا تحتمل حتى أكثر حين قررت روسيا الدخول فى الحرب إذ تم تجنيد الفلاحين بالقوّة فى الجيش القيصري و تحوّل العمال إلى كبش فداء .
سيناريو الإنقلاب الذى حاكه لينين يحجب كذلك أن الثورة صنعتها بعمق حركة العمال
و الفلاحين و تطلعاتهما الجماعية . لقد تطوّرت فى إطار من الإحتقان الإجتماعي الشديد
و المقاومة الجماهيرية و الغليان الفكري الكبير.
إذا ماذا عن لينين و الحزب الطليعي الذى كان يقوده ؟
لقد كان هذا الحزب مستعدّا للتحرّك و النهوض بدور قيادي أكثر من أية قوة أخرى فى المجتمع الروسي . فقد كانت للحزب البلشفي جذورا عميقة فى القاعدة و فى لجان المصانع و فى صفوف قوات الجيش و فى السوفياتات (الجمعيات أو " المجالس " غير القانونية ، المعارضة للحكومة و التى كانت تجمع فى صفوفها العاملات و العمال المناضلين من أجل السلطة فى المدن الكبرى ). و كان للبرنامج و للآفاق التى يدافع عنها البلاشفة صدى فى المجتمع بأسره . وفقدت المُثل العليا للنظام القديم و مؤسساته مصداقيتها إلى حد كبير . أما السلطة البروليتارية الجديدة فسمحت بظهورمُثل إجتماعية جديدة و علاقات جديدة إقتصادية و إجتماعية ثورية .
لقد عَنوَن جون ريد عرضه الذائع الصيت لثورة أكتوبر ب : "عشرة أيام هزّت العالم" وهو فى هذا لا يبالغ .
فعبر أوروبا التى دمّرتها الحرب ، كان الجنود و البحارة و العمال المتعبين فى البلدان المتحاربة تلقوا خبر أن بلدا إنتصرت فيه الإشتراكية ينادى بإيقاف المجازر و تحقيق السلم – سلم دون إلحاق فوق ذلك . و تمّت الإستجابة للنداء بشكل واسع . فى كيال و همبورغ ، إنتفض متمردو البحرية الألمانية عندما أمروا بمواصلة الحرب و رفعوا الراية الحمراء و شكلوا " مجالسهم الخاصة " ، على غرار السوفياتات الروسية راجين أن يجروا البلاد قاطبة على هذا الطريق.
و فى نفس الوقت تقريبا ، فى الجزء الآخر من العالم ، فى سياتل ، إنتفض العمال لمدة تجاوزت خمسة أيام ، أثناء إضراب 1919. فعمّ الفزع الطبقة الحاكمة المحلية التى إعتقدت أن ذلك يمثّل بداية إنتفاضة و أن سياتل ستتحول إلى بيتسبورغ أخرى! و رغم أن هذا الإضراب كان جدّ بعيد عن مثل تلك النهاية فإنه من الصحيح أن تأثير نموذج الثورة الروسية كان حاضرا إلى حد كبير فى أذهان المضربين. و فى السنة نفسها ، لمّا أرادت حكومة الولايات المتحدة أن تبعث بذخيرة إلى سيبيريا كإعانة للثورة المضادة هناك رفض ببساطة عمال رصيف سياتل شحنها بالباخرة...
عندما إندلعت الثورة الروسية ، و إتخذت منعرجا راديكاليا فى أكتوبر ( أي حين أكد الشيوعيون و ليس فقط البرجوازيون الديمقراطيون " المحدثون" قدرتهم على قيادة المجتمع كافة ) إرتجّ العالم بأسره . عادت المعارك القديمة للظهور فجأة تحت ضوء جديد. فقد شعر المضطهٍدون بالفزع بينما رأي المضطهًدون فى ذلك بريقا جديدا من الأمل . و قد قرّر عاملات و عمال حتى تعلم القراءة لا لشيئ إلا للحصول على أخبار ما كان يحدث هناك و قد شرع الآلاف فى الإجتماع فى مجموعات صغيرة ، إثر العمل ، لتفكيك محتوى الجرائد و لا سيما لتعلّم معنى كل تلك المفردات الغريبة التى كانوا يسمعونها لأوّل مرة : سوفياتات ، إشتراكية إلخ دون الحديث عن أسماء كانت غريبة بالنسبة لهم : لينين و ماركس و ستالين .
فى ما بعد ، أشار ماو تسي تونغ إلى أن طلقات مدافع ثورة أكتوبر البلشفية جلبت الماركسية إلى الصين.
لعلّكم تتساءلون إلى أي درجة مثّلت ثورة أكتوبر زلزالا؟ لنستمع لما صرّح به ونستون تشرشل فى 1949 ، عقب ثلاثين سنة من إفتكاك البلاشفة للسلطة : " لعدم قدرتنا على خنق البلشفية فى المهد و على دفع روسيا المنهكة ،بوسيلة أو أخري، إلى داخل نظامنا الديمقراطي الواسع ، وزن ثقيل اليوم ."
و قدّم المؤرخ إيريك هوبسباوم ملاحظة غاية فى الأهمية بهذا المضمار . لقد ذكر بأنه إذا كانت الحرب الأهلية الأمريكية أكبر حرب حدثت بين 1815 و 1914 و أنها تبقى فى الدرجة الأولى من الأهمية فى تاريخ الولايات المتحدة ، فإنه لم تكن لها سوى تداعيات محدودة على خارج البلاد. مقارنة بالثورة البلشفية ، فإن هذه الأخيرة ظلّت ظاهرة عبرت الحقبات التاريخية و تداعياتها طالت أرجاء العالم لما عنته بالنسبة لشعوب روسيا و شعوب العالم و الطبقات المهيمٍنة و الرجعيين فى كل مكان و كذلك لما كان لها من تأثير على الأحداث العالمية .
من هنا فصاعدا ، لم يستطع العالم الرأسمالي أن يتطوّر كما كان يتطوّر قبلئذ. سُدُس العالم سُحب الآن من دائرة الإستغلال الإمبريالي . و قلق الإمبرياليون فى الحال من "العدوى الإيديولوجية " التى ستترتب عن الثورة البلشفية . وهو ما مثل عاملا هاما فى تقديم بعض الإمتيازات للعمال و العاملات بغية كسب السلم الإجتماعية فى البلدان الرأسمالية الغربية لقد قام الإمبرياليون بكل ما فى وسعهم لسحق الثورة السوفياتية و سعوا لخنقها فى المهد. و لم يكفوا أبدا فى ما بعد عن مهاجمتها. و فرضوا عليها ضغوطات إقتصادية مستمرة – خاصة أول حصار على البترول فى التاريخ. و قد هدّدوها عسكريا . و قمعوا بعنف القوى الثورية المجاورة فى أوروبا الوسطى و الشرقية . وقد شجّعوا تطوّر قوى المعارضة داخل الإتحاد السوفياتي .
كان هذا ردّ فعل الإمبرياليين تجاه الثورة البلشفية .
ثورة إجتماعية بقيادة البروليتاريا :
من 1917 إلى بدايات الخمسينات ، لم يكف الإتحاد السوفياتي أبدا عن أن يكون فى حالة حرب . ولم تعاني أية دولة أخرى مثل هذا النوع من الإمتحان بطريقة مستمرّة كهذه. مما أثّر على تطوّر الثورة و الخيارات السياسية التى توخّتها القيادة و الصراعات التى دارت فى المجتمع ككلّ و كذلك فى صفوف الحزب .
مثاليا ، نودّ أن نشيد مجتمعا جديدا فى ظروف مثالية . غير أن المضطهَدين شأنهم فى ذلك شأن الذين يقودون الثورة لا يختارون الظروف التى تحدث فيها . و قد كانت روسيا بلدا متأخرا بالكاد خرج من العبودية قبل جيل. و كانت الثورة الروسية ظاهرة جماهيرية حصلت على مساندة قوية من الفلاحين و الفلاحات. و مع ذلك كانت قبل كل شيئ من فعل الجماهير المدينية فى بلد رغم ذلك ذي أغلبية ريفية . و سرعان ما واجهت الثورة الروسية ضرورة كسب الفلاحات و الفلاحين و التوسع إلى الريف. و كان عليها أيضا أن تتعامل مع قطاعات أكثر تخلفا. و لم يكن الأمر قطعا مأدبة عشاء . فقد خرّبت الحرب المجتمع الروسي و بالإضافة إلى ذلك أخذت الثورة تنجز تغييرات لم يكن لها نظير قبلئذ.
و منذ 1918 ، شجعت قوى سياسية و عسكرية رجعية ثورة مضادة بغاية إعادة تركيز النظام القديم . و شكّل 17 بلدا بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية ( التى نشرت فيالقها فى سبيريا ) جيش تدخّل مهمته مساندة الثورة المضادة . و قد ورثوا إقتصاد حرب على حافة الإنهيار ، إستطاع البلاشفة مع ذلك أن يقودوا الجماهير للدفاع عن الثورة و التقدم بها. و قد ظفرت الثورة فى النهاية عقب حرب أهلية صعبة . لكن الإنتصار كلّف الكثير إنسانيا و إقتصاديا . و قد كان على الدولة البروليتارية الجديدة و الثورة الإجتماعية التى شُرع فيها أن يصارعا من أجل البقاء .
لم يكف المؤرخون المناهضون للشيوعية عن تشويه الثورة البلشفية و عن قول إن أنصارها كانوا مهووسون بالسلطة. و الكلمة المحورية التى يستعملونها لوصفهم هي الكليانية. يروون أن الهدف الوحيد للشيوعيين كان تركيز سيطرة مطلقة على سكان وديعين قدر الإمكان .
ما هي إذا إنجازات النظام البروليتاري الجديد؟
تحرير المرأة :
إستعملت دكتاتورية البروليتاريا لإلحاق الهزيمة بإضطهاد المرأة . ففي 1918 ، صدر قانون جديد يؤسس للزواج المدني ذلك أنه فى المجتمع القديم ، كان على الزواج أن يتم برعاية الكنيسة . و تم كذلك تيسير الحصول على الطلاق . ووقع إلغاء السلطة القانونية للرجال على زوجاتهن و أولادهن. ووقع تجريم الخيانة الزوجية. و صارت النساء تتمتّع بالمساواة في الأجور. و أُقرت مجانية العلاج بالنسبة للولادات و العناية بالمرأة. ثم في 1920، صار الإتحاد السوفياتي أول بلد أوروبي يقنّن الإجهاض . و في الجرائد و المدارس ، شُجّعت النقاشات حول الزواج و العائلة و الأدوار التقليدية للرجال و النساء. و صيغت مؤلفات نشر فيها تصوير لنماذج جديدة من العلاقات الإجتماعية .
و جرى نقد العادات البطريكية القديمة ووضعت موضع السؤال بشكل نظامي . وفى الجمهوريات الجديدة بآسيا الوسطى، شُجّعت النساء على نزع الخمار الذى كانت مجبرة على إرتدائه لأجيال متتالية. عوض الإستمرار فى وضع دوني تتسبب فيه العائلة و الكنيسة و الدولة، تم حثّ النساء من هنا فصاعدا على النضال من أجل تحررهن.
فكّروا فى كل ما يعنيه هذا فى تلك الحقبة حيث لم يكن أي مجتمع بذلك التقدّم فى تغيير العلاقات بين الرجال و النساء.


تخطّى إضطهاد الأقليات القومية :
إستُخدمت السلطة البروليتارية الجديدة للقضاء على إضطهاد الأقليات القومية . و بالفعل ، أوجدت الثورة البلشفية أول دولة متعدّدة القوميات فى العالم معتمدة على المساواة بين هذه القوميات. فإعترفت الدولة الإشتراكية الجديدة تماما بحق تقرير المصير للقوميات التى كانت قبل ذلك مضطهَدة ضمن الإمبراطورية القيصرية القديمة. وفى قانون نشر سنة 1917 ، إعتُرف لجميع الأقليات القومية بحق التعلّم باللغة الأم فى المدارس و الكليات .
و كان النظام مصمّما أيما تصميم على معالجة هذا المشكل و على إتخاذ إجراءات ملموسة لمواجهته. و هكذا ، تم تسهيل تطوير الألفباء بالنسبة للأقليات التى لم تكن تملك سوى لغة شفاهية. و خصّصت الدولة موارد هامة لإنتاج الكتب و المجلات و الجرائد و الأفلام و الموسيقى الفلكلورية و المتاحف فى المناطق أين كانت الأقليات القومية متجمعة. و فُرضت تسمية قائدات و قادة من السكان الأصليين بدلا من المسؤولين الروس. و هكذا جرى تكوين أناس بشكل نظامي لقيادة الحزب و الحكومة و المدارس و المصانع . قبلا و لمدة طويلة كان الروس الأمة المسيطرة و مذاك فصاعدا قُدّم جزء من الأرض الروسية للجمهوريات غير الروسية و بالإضافة إلى ذلك دُعي الروس إلى توسيع آفاقهم و تعلم لغات أخرى. ووضع النظام حدّا لإضطهاد اليهود. فطبع هذا التوجه المساواتي الإتحاد السوفياتي منذ نشأته إلى درجة التحوّل إلى طبيعة أساسية للمجتمع الجديد و الدولة الحديثة التشكّل .
و وقع كذلك إطلاق حملات واسعة للتعليم و للصحة. ففى الفترة الممتدّة بين الحربين ، لم ينجز أي بلد أفضل ممّا أنجز الإتحاد السوفياتي بصدد رفع عدد الأطباء نسبة إلى مجموع السكان. و فى 1939 ، بلغت نسبة التمدرس أكثر من 80 بالمائة مقارنة مع 30 بالمائة قبل الثورة .
هل حدث هذا فى بلد آخر فى تلك الحقبة ؟ أبدا لم يحدث فى أي بلد آخر. بالعكس ، نتذكر جيّدا الوضع السائد حينها فى الولايات المتحدة الأمريكية مثلا. حين زار جول روبسون الممثل و المغنى الكبير الأفروأمريكي ،الإتحاد السوفياتي لأوّل مرّة، قال إنه إنبهر بعمق بالجهود المبذولة للنضال ضد العنصرية و التمييز العنصري إذ لم يكن أي أحد يتعرض للإعدام العسفي فى الإتحاد السوفياتي عكس ما كان عليه الحال بالنسبة للسود فى جنوب الولايات المتحدة . فى الواقع الولايات المتحدة الأمريكية و الإتحاد السوفياتي كانا يمثّلان عالمين مختلفين كليا.
-----------------------------------------------
(3) تجربة أولى فى بناء الإشتراكية :
على إثر وفاة لينين فى 1924 ، إضطلع ستالين بقيادة الحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي و كان يثار حينها سؤال: هل من الممكن حقا بناء الإشتراكية فى بلد متخلف مثل ذلك و دون أي يقين بأن الثورة ستنتصر فى أماكن أخرى ؟
بالنسبة لستالين ، بإمكان الإتحاد السوفياتي و من واجبه أن يتّبع طريق الإشتراكية و إلا لن يستمر الإتحاد السوفياتي قيد الحياة و لن يستطيع أن يساند الحركة الثورية فى البلدان الأخرى. و إنطلاقا من هذا التوجه العام، شرع ستالين إذا فى الصراعات الحادّة و المعقدة لا سيما بهف مشركة الملكية الصناعية و مشركة الفلاحة.
كيف كان الوضع الإقتصادي فى السوفياتي ؟
كان الإنتاج الفلاحي بعدُ غير كاف بصفة واسعة حتى يلبى الحاجيات الأساسية للسكان . أما بالنسبة للإنتاج الصناعي فكان ضعيفا بحيث لا توفّر الآلات الضرورية لتعصير الإقتصاد. قبل الثورة ، كانت روسيا مجتمعا غير متعلّم ،لا يشكل فيه المثقفون إلا جزءا يسيرا من السكان . زيادة على ذلك ، كانت البلاد تواجه تهديدا مستمرا بهجوم إمبريالي .
هذه هي التناقضات الإقتصادية و الإجتماعية الواقعية التى كان أمام أناس ليسوا أقل واقعية لكن مصمّمون على تغيير العالم و مواجهته...
التخطيط الإقتصادي :
فى ظلّ الإشتراكية ، لم تعد وسائل الإنتاج ملكية خاصة لأقلية بل صارت موضوعة تحت قيادة جماعية للمجتمع كما يعبر عن ذلك عن طريق الدولة البروليتارية . و لم تعد مختلف الموارد تستخدم فى توفير الربح للرأسمال بل صارت مستعملة لتلبية حاجيات الجماهير و خدمة الثورة العالمية. و لم يعد الإنتاج يتطوّر بطريقة فوضوية و غير متوقعة و إنما إنطلاقا من أهداف محدّدة بوعي و بطريقة متناسقة .
فى الإتحاد السوفياتي،أرسى المخطط الخماسي فى 1928 .حينها تقرّر التأكيد على إنتاج الحديد و الفولاذ. فوقع إنشاء مركبات صناعية جديدة من الصفر . و أعطيت الأولوية الكبرى لبناء مصانع الجرارات التى كانت تتكشّف ضرورية للغاية. وإضافة إلى ذلك فى حالة حرب ستستطيع هذه المصانع أن تتحوّل بسرعة إلى إنتاج المدرّعات الهجومية. و بسرعة تم الترفيع فى إنتاج الآلات – الأدوات حتى لا يكون الإقتصاد مرتبطا بحجم توريد كبير.
كان شعار المخطط الخماسي الأول : " لنشيّد عالما جديدا ". و جرت تعبئة ملايين العمال و العاملين و الفلاحات و الفلاحين بهذه الذهنية. فى المصانع و القرى،وقع حث الناس على النقاش و على الإدراك الجيد للتغييرات التى سيؤدى إليها تطبيقها، عمليا بالنسبة لهم و بالنسبة للشعوب الأخرى. و عبّرت القواعد عن توقعاتها و ناقشت ما يتعيّن القيام به لتحقيقها.
و صيغت مخططات محلية ووضعت بين أيدى وكالات التخطيط المركزية ليجري تنسيقها مع المخطط الوطني قبل أن تعاد إلى القواعد . و فى المصانع، نظمت الندوات كيما يقدر العمال و العاملات أن يناقشوا إعادة تنظيم سيرورة الإنتاج. و تطوّع البعض ليساعدوا على بناء سكك حديدية فى الأماكن الأكثر تخلفا. وإختار آخرون عن طواعية إطالة ساعات عملهم لأجل المساعدة على المصلحة العامة. و لم يسبق أبدا أن شاهدنا مثل هذه التعبئة الشعبية قصد تحقيق الأهداف الإقتصادية و الإجتماعية المخطّط لها جماعيا و عن وعي .
هذه الحيوية و هذه الحماسة مختلفان للغاية عمّا كان يحدث فى أي مكان آخر. فى بداية الثلاثينات ، كان الإقتصاد الرأسمالي العالمي يتخبط فى أزمة كبيرة إذ كانت نسب البطالة تبلغ أكثر من 20 بالمائة و أحيانا حتى 50 بالمائة. و فى الوقت نفسه ، قضى الإتحاد السوفياتي على البطالة الواسعة. و فى الواقع، وجد حتى نقص فى اليد العاملة ...و كان الإنتاج الصناعي يتصاعد بمعدل 20 بالمائة سنويا إلى درجة أن مساهمة الإتحاد السوفياتي فى الإنتاجية الشاملة للصناعة إرتفعت من 2 بالمائة فى 1921 إلى أكثر من 10 بالمائة فى 1939.
مشركة الفلاحة :
فى 1929 ، أطلق الحزب الشيوعي حملة واسعة لتشجيع مشركة الفلاحة. و يسجّل التاريخ الرسمي المناهض للشيوعية من هذه المرحلة أنها حالة بديهية من " الشمولية الستالينية ". يقولون لنا إن ستالين كان يودّ أن يوطّد سلطته المطلقة و لذلك كان عليه أن يسحق الفلاحين و يجوّعهم. بيد أن هذا تشويه مغرض ! الحقيقة هي أن المشركة كانت تجيب على التناقضات الإجتماعية و الإقتصادية القائمة فى الأرياف و عن الحاجيات الملحة للثورة . و فعلا ، القصة الحقيقية وراء كل هذا هي أن المشركة كانت الشرارة التى ولّدت نهوضا لجماهير الفلاحات و الفلاحين التى كان تقليديا يكبّلها الفقر و العلاقات الإجتماعية العبودية .
حين ظهرت هذه الفكرة ، كان الإتحاد السوفياتي يعرف مشكلا جديا فى التزويد نظرا من جهة إلى تطوّر الصناعة و إلى الإرتفاع السريع لسكان المدن. فضلا عن ذلك ، تطوّرت المشاكل الإقتصادية و الإجتماعية الهامة فى الأرياف. فبعد الثورة وقعت إعادة تقسيم الأرض على الفلاحين و الفلاحات لكن الفلاحين الأغنياء الذين كانوا يسمّون أيضا الكولاك قد وجدوا أنفسهم أقوياء ضمن إقتصاد مطبوع بالإنتاج الفلاحي الخاص الصغير. و كانت القطع المملوكة للكولاك أكبر. كانوا يملكون بصورة خاصة مطاحن القمح و يسيطرون على الجزء الأكبر من سوق الحبوب. و كان العديد منهم ينشطون كمرابين. كل هذا كان يساهم فى جعل الإستقطاب الطبقي فى الأرياف يحتدّ.
ثمة إذا خطر حقيقي أن توجد الفلاحة فى ظروف ما قبل الحرب العالمية الأولى. و ينبغى أن نقول إن الكولاك لم يكونوا مجرّد أبرياء. فالعديد منهم أنشأوا مجموعات و ميليشيات كانوا بها ينشرون الرعب. و قد مثّلوا قوّة منظمة ضد النظام السوفياتي و كانوا يسعون إلى تجميع قوى أخرى معهم.
فكانت المشركة بمثابة إجابة قدمتها القيادة الثورية على هذا الواقع . حُولت الأراضى و الآلات الفلاحية إلى ملكية جماعية. و بين 1930 و 1933 توحّدت ليس أقل من 14 مليون ملكية صغيرة ريفية غير ذات فاعلية فى ما يقارب 200 ألف مزرعة كبرى ذات ملكية جماعية ووفرت لها الدولة الجرارات و الآلات. و بالمقابل، كانت المزارع تضع إنتاجها بين أيدي الدولة. هذه هي العلاقة السلعية الأساسية التى ربطتهما.
و كانت ردات الفعل على المشركة متباينة. فقد قابلها الفلاحون الفقراء عموما بالترحيب. و لم تُرد قطاعات أخرى الإلتحاق بها. فتوجّب عندئذ إستعمال طرق قسرية لإجبارها على ذلك . إجمالا، كانت المشركة حركة إجتماعية هائلة. توجه عاملات و عمال من المدن إلى الجبهة. و إضطر البعض إلى لعب دور هام فى إدارة المزارع الجديدة.
و فى أماكن عدّة، إنتفض العمال الفلاحيون و الفلاحون الفقراء الذين كانوا فى السابق يرتعدون خوفا من الكولاك ليستولوا على الأراضى ذلك أن الدولة الآن تسندهم. و وجدت النساء اللاتى كنّ إلى حينها تحدّد حياتهم التقاليد الأبوية نفسهن فجأة تقود الجرارات. و أرسلت مكتبات متنّقلة إلى كل فريق عمل. و فى بعض المزارع تم بعث فرق مسرحية. ووقع وضع الدين والتقاليد ... موضع السؤال . جوهريا، إستطاع الذين كانوا فى السابق فى قاع السُلّم الإجتماعي أخيرا رفع الرأس و المشاركة فى المجتمع ،لا سيما عند نقاش المخططات و الأحداث الوطنية.
و من البديهي القول إن الكولاك قاوموا بشراسة هذه التغييرات. و التاريخ كما يرويه أعداء الإشتراكية يذهب دائما فى إتجاه واحد. حسب هؤلاء كان الكولاك أساسا "ضحايا". لكن الكولاك لم يتردّدوا فى قتل الشيوعيين و قد نظّموا هجمات ضد المزارع الممشركة و خرّبوا المحاصيل و أطلقوا جماعاتهم التى قامت بإبتزازات عديدة مغتصبة النساء و مرتكبة مجازرا فى حق الفلاحين الفقراء. و فى النهاية لحقت الهزيمة بالكولاك و تم إيقاف الكثير منهم و أبعد عدد آخر خارج البلاد ووقع القضاء على عدد هام منهم.
و لكن هذا ليس نتيجة " قسوة " ستالين أو " الستالينية ". فقد وضعت المشركة موضع السؤال مستقبل الأرياف فى الإتحاد السوفياتي : هل سيتواصل التصنيع و تتواصل التغييرات الإجتماعية أم هل أن الرأسمالية ستكسب المعركة ؟ لقد كانت المشركة محور صراع حاد كان هدفه سلطة الدولة .
فى الواقع ، تمثل مشركة الفلاحة عنصرا هاما فى بناء الإقتصاد الإشتراكي. و فى النهاية سينقد ماو مع ذلك بحدّة كبيرة الطريقة التى توخاها ستالين فى المشركة. فقد نقد بخاصة كونها حدثت قبل أن يحصل الفلاحون على تجربة دنيا من التعاون، على مستوى تنظيم العمل و تقاسم أدواته. إضافة إلى ذلك ، لم يُقم ستالين المشركة بما فيه الكفاية على إلتزام سياسي و إيديولوجي صلب للفلاحين الذين كان من اللازم تعبئتهم بوعي لتحقيق الملكية الجماعية. و كان من رأي ماو كذلك أن الدولة إقتطعت كمّية أكبر من اللازم من المحاصيل ممّا أثّر على العلاقات بين المدن و الأرياف. و إنطلاقا من هذه التجربة ، كان على الصين الماوية أن تتعاطى مع المشركة بطريقة مختلفة جدا كما سنرى ذلك بعد قليل .
مع ذلك ، تبقى مشركة الفلاحة فى الإتحاد السوفياتي محاولة قوية حالمة و تجديدية لإيجاد طريقة للخروج من النظام القديم للفلاحة الخاصة الصغيرة و التوجه نحو بناء الإشتراكية . فقد زرعت الأمل لدى الفلاحين الفقراء و دونها لم يكن الإتحاد السوفياتي ليستطيع مقاتلة النازيين بنجاح مثلما فعل فى النهاية.
الحرب العالمية الثانية و نتائجها :
أواسط ثلاثينات القرن العشرين، كانت سحب الحرب السوداء تظهر فى الأفق. بعدُ فى 1931 ، كانت اليابان قد غزت منشوريا – منطقة صينية واقعة على حدود الإتحاد السوفياتي . و فى 1934 ، بعد سحق الحزب الشيوعي، أنهى هتلر وضع يده على السلطة و طفق يعسكر الإقتصاد الألماني.
هكذا بلغت الثورة السوفياتية لحظة حرجة إذ صار خطر حرب إمبريالية ملموسا أكثر فأكثر. كيف إستعد له الإتحاد السوفياتي على النطاق الإقتصادي و العسكري و السياسي و الإجتماعي؟
رأى ستالين و غالبية القادة السوفيات أن الوقت قد حان لتعزيز المكاسب السياسية و الإجتماعية للثورة. و كانت الدولة البروليتارية تواجه الظروف الموضوعية الصعبة و غير المسبوقة. فكان يتعين بالتأكيد إتخاذ عديد التعديلات. لكن حصلت أخطاء فى الطريقة التى تمّ بها التعاطى مع ذلك. حين تمّ تحويل نظام الملكية، وقع التشجيع على مزيد الإنضباط من أجل الترفيع فى الإنتاج فى المصانع. من هنا ، توصل إلى إعتبار ان تطوير قوى الإنتاج ضمان لتحقيق الإشتراكية. و أمست قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي أقل فأقل إعتمادا على التعبئة الواعية لمبادرة الجماهير. ووقع كبح التجريب الإجتماعي و الثقافي الراديكالي الذى طبع عشرينات و ثلاثينات القرن العشرين. و إجمالا ، كان للطريقة التى أنجز بها هذا أن وطّدت العلاقات التقليدية. و من البديهي أنه كان من الواجب الدفاع عن الإشتراكية بيد أن قيادة الحزب إتجهت نحو الخلط بين الدفاع عن الإتحاد السوفياتي و مصالح الثورة العالمية و شيئا فشيئا تقدمت الوطنية القومية على الأممية البروليتارية.
" التطهيرات الستالينية الكبرى" :
تَصاعُد خطر الحرب بين الدول الإمبريالية و إمكانية هجوم إمبريالي ضد الإتحاد السوفياتي أعدّا أرضية ما أسماه المثقفون الغربيون ب " التطهيرات الكبرى" فى صلب الحزب الشيوعي السوفياتي. قليلة هي مواضيع التاريخ المعاصر التى كانت عرضة لمثل هذا الكمّ الهائل من التشويهات. و يؤكد التاريخ البرجوازي أن ستالين، و قد بات منتشيا بالسلطة ، أراد الحصول على السلطة المطلقة بالقضاء على الذين كانوا على خلاف معه.
لكن الواقع هو أن الثورة فى تلك الحقبة كانت تواجه ضغوطات و تحديات جديدة. فى هذا الإطار يجب أن نضع إشتداد حدّة الصراعات السياسية داخل الحزب و الدولة. و كانت هذه الصراعات تتعلّق بكل من المسائل السياسية الداخلية و المسائل العالمية الكبرى كمسألة التحالفات والرهان كان مسألة قيادة الثورة و كان يثار سؤال حتى إذا ما كانت الثورة ستقدر على الصمود.
يًقال لنا إن ستالين كان مهووسا. بيد أن الثورة كانت تواجه أعداءا حقيقيين لحما و دما ! و كانت تنشط بالإتحاد السوفياتي حركات هدامة. و ثمة أيضا حركات إجتماعية كانت تودّ إرجاع المجتمع إلى الخلف. و التهديد الألماني الذى كان يتعرض له الإتحاد السوفياتي كان أكثر من واقعي. و فى 1934 ، وقع حتى إغتيال رقم الإثنين فى الحزب ، الذى كان وثيق الإرتباط بستالين. هذا هو إذا الجوّ السائد فى تلك الحقبة.
و فى ما يخص التطهيرات ، علينا أن نقول إنه ينبغى بصراحة إجراء بحوث أوفر لمعرفة ما حدث حقا فى صفوف الحزب الشيوعي السوفياتي خلال الثلاثينات غير أنه ما يبدو لنا مع ذلك بديهيا هو أنه فى الوقت الذى كانت فيه التوترات العالمية تحتدّ، كان لستالين و القادة من حوله أسباب وجيهة لينشغلوا بحالة الحزب و الجيش. و فى الوقت الذى كانت فيه البلاد تتجه مباشرة نحو حرب من المعلوم أنها ستكون فى منتهى الصرامة، كانت للقادة المركزيين أسباب وجيهة للشك فى ولاء بعض كوادر الحزب الجهوية.
و لهم الحق أيضا فى التساؤل حول الثقة فى القيادة العليا للجيش. فبعد الحرب العالمية الأولى، عقدت ألمانيا و الإتحاد السوفياتي إتفاقيات تعاون عسكري. و كانت هذه الإتفاقيات تقضى بالتدريب المشترك لبعض الضباط و تبادل للأسلحة.
و يتعين التفكير فى أن بعض عناصر العاملين السامين بالجيش السوفياتي يمكن أن يكونوا قد طوّروا علاقات وطيدة مع نظرائهم الألمان . هل كان من الممكن التعويل عليهم حقا فى حال نشوب حرب ضد الإمبريالية الألمانية ؟
هذه بعض الظروف التى حفّت بالتطهيرات الشهيرة صلب قيادة الحزب و الجيش. و قد قاتل ستالين للدفاع عن الثورة و لم يكن بالتأكيد ليسمح بأن يعود الإتحاد السوفياتي إلى حضيرة الرأسمالية أو أن تسحقه الإمبريالية. و على أصعدة عدة ، مع ذلك ، كان فهم ستالين لتناقضات المجتمع الإشتراكي و صراعاته يشكو هنات حيث كان فهمه مطبوعا بالمادية الميكانيكية و ليس الديالكتيكية. و الطرق التى لجأ إليها لمعالجة الوضع أدت إلى مشاكل جدية و فى النهاية كانت لها إنعكاسات مضادة للأهداف المرجوة.
عوض إستنهاض الجماهير و تعبئتها كي تمسك بناصية المسائل السياسية و الإيديولوجية الكبرى المرتبطة بالتوجه الذى يجب أن ينتهجه الإتحاد السوفياتي ، إختار ستالين التعويل على التطهير و الطرق البوليسية لمعالجة المشاكل. و كان على ماو لاحقا ان ينقد مقاربته مشدّدا على أن ستالين كان يتجه نحو عدم التفرقة بين نوعين كبيرين من التناقضات هما التناقض بين الشعب و العدو من جهة و التناقضات فى صلب الشعب من جهة ثانية. و القمع الذى ما كان يجب أن يمارس إلا ضد أعداء الشعب، إستعمل ضد أناس يمكن أن نصفهم على النحو التالي : البعض قد إقترف ببساطة أخطاء بينما لم يفعل الآخرون سوى التعبير عن إختلاف مع سياسة الحكومة .
البطولة السوفياتية و هزيمة النازيين :
فى جوان 1941 ، غزى أخيرا النازيون الإتحاد السوفياتي و إختاروا بعث الجيش الأكثر عصرية فى العالم و الجزء الأعظم من فيالقهم ضد السوفيات. و شرح هتلر بجلاء لفيالقه أنه يتوقع منها أن تضع جانبا المبادئ الإنسانية مهما كانت فى ما يبدو حقا حرب إبادة .
و قاتل السوفيات بجسارة تقريبا لا يمكن تصورها، منزلا منزلا فى ستالينغراد و فى المعارك البطولية فى المناطق التى هجرت بسبب البرد الشديد المخيم عليها. و عندما غزاه الألمان ، تمكن الإتحاد السوفياتي من تفكيك و إعادة تركيب ليس أقل من 1500 مصنع كبير و من نقلها إلى مناطق آمنة ، غرب البلاد فى بالكاد أسابيع . مثل هذا العمل الباهر لم يكن ليغدو ممكنا إلا بالنظر إلى الطابع المخطط للإقتصاد .
إجمالا ،فَقَدَ عشرون مليون سوفياتي حياتهم أثناء الحرب العالمية الثانية ،أي حوالي مواطن عن كل عشرة مواطنين. و رغم كل ما يروى عن اليوم المعين و إنزال الفيالق الأمريكية و البريطانية فى نرمنديا فإن معركة ستالينغراد مثلت المنعرج الحقيقي فى الحرب العالمية الثانية. فكان السوفيات القوة الرئيسية و المحدّدة فى هزيمة هتلر. و هذه الخاتمة لم تكن لتكون ممكنة دون التصميم الهائل و التضحيات الجسيمة للشعب السوفياتي فى ظلّ قيادة ستالين للإتحاد السوفياتي. و تعتبر هذه المرحلة البطولية إحدى أعظم إنجازات الثورة السوفياتية .
و خرج الإتحاد السوفياتي مظفرا من الحرب العالمية الثانية عسكريا. غير أن الثورة خسرت من قوتها إيديولوجيا و سياسيا. فقد تعزّزت القوى و التيارات المحافظة صلب الحزب و الحكومة و كذلك صلب المجتمع ككل. و فى 1953 ، إثر وفاة ستالين تحرّكت القوى البرجوازية الجديدة التى ظهرت فى صفوف الحزب لتفتك السلطة و فى 1956 لما خلفه فى النهاية خروتشوف ، عززت الطبقة الرأسمالية الجديدة سلطتها و قامت بإعادة هيكلة صارمة للإتحاد السوفياتي ضامنة إنتصار رأسمالية الدولة. و هكذا سجلت نهاية أول دولة بروليتارية فى التاريخ.
لابدّ من وضع الأمور فى إطارها :
من وجهة نظر تاريخية ، يمكن أن نعتبر الثورة السوفياتية إختراقا أوّليا مزلزلا فى النضال العظيم من أجل تحرير الإنسانية المضطهَدة. و على عكس ما كان منتظرا ، أنجزت الجماهير أشياءا مدهشة تماما و شرعت فى تشييد عالم جديد. و قد ألهمت هذه الثورة المضطهًدين عبر العالم. بإستثناء كمونة باريس (قصيرة العمر زمنيا) ، جسّدت الثورة السوفياتية الخطوات الأولى على الطريق الطويل للتحرّر، نحو عالم يكون فيه الإضطهاد و الإستغلال قد إضمحلا.
و ظلّ هذا المشروع التحرّري يتطوّر. ففرض قادة ثوريون جدد يملكون نظرة علمية أنفسهم و إستخلصوا الدروس من هذه التجربة الأولى ليطوّروا مفاهيما جديدة أكثر تقدما و ليصيغوا حلولا جديدة لرفع تحدّى بناء مجتمع خال من الطبقات . و من هؤلاء سيكون ماو تسى تونغ بالتأكيد هو الذى سينجح فى المضي قدما بالمشروع الشيوعي إلى أبعد حدّ ممكن.
------------------------------------------------------
(4 ) الثورة الصينية تنجز إختراقا آخر :
فى أكتوبر 1949، توجه ماوتسى تونغ بخطاب إلى ملايين الصينيين المجتمعين بساحة تيان آن مان ، فى بيكين. و موجها كلامه إلى الجماهير الغفيرة و للعالم بأسره صرح :" ... بات الشعب الصيني واقفا! " و صدح الحاضرون بصيحات الفرح. و لكن مع مشاطرتهم الإحساس بالإنتصار العظيم الذى يحرّكهم ، شدّد ماو تسى تونغ على وضع الأمور فى آفاقها قائلا :
" الثورة الصينية بعدً ثورة كبرى و لكن الجزء الأعظم من الطريق لا يزال أمامنا والأصعب يظلّ أمامنا."
ذلك أنه بالنسبة إلى ماو لا ينبغى للثورة أن تقف عند هذا الحد. كان لزاما المرور إلى مرحلة جديدة حيث ينبغى أن نضمن التحويل الإشتراكي للإقتصاد و إيجاد مؤسسات سياسية جديدة و صياغة قيم جماعية جديدة بغاية التوصل فى النهاية إلى الشيوعية و المجتمع الخالي من الطبقات على النطاق العالمي. بيد انه وجد آخرون ضمن قيادة الحزب ينظرون للأشياء بصورة مغايرة ! فبالنسبة لهم ، مثّل إفتكاك السلطة نهاية الثورة و المهمة المركزية هي الآن جعل الصين قوّة عصرية.
إضافة إلى ذلك ، لم يكن الملاكون العقاريون الكبار و الرأسماليون الذين تمّت الإطاحة بهم ليقبلوا عن رضا مصيرهم . و كذلك كان موقف الإمبرياليين الذين هيمنوا على الصين فى السابق .
و فى أقل من سنة بعد ذلك ، شنت الولايات المتحدة حرب كوريا التى بلغت الحدود الصينية و هدّدت بالهجوم عليها بالسلاح النووي. فقدمت الصين مساعدة عسكرية و بعثت بمتطوعين إلى كوريا قبل أن تنجح فى النهاية فى إيقاف تقدم الجيش الأمريكي. لكنها مع ذلك قد فقدت 200 ألف رجل و إمرأة و جرح 900 ألف آخرون.
لمواجهة الصين ، نشرت الولايات المتحدة سلسلة تامة من القواعد العسكرية فى تيوان
و كوريا الجنوبية و اليابان. و خلال عشرين سنة منعت الصين من التجارة مع عديد البلدان نتيجة للحصار الإقتصادي الذى كرّسته الولايات المتحدة الأمريكية و بلدان غربية أخرى .
أسباب الثورة :
قبل الثورة ، كانت الغالبية العظمى من الشعب الصيني متكوّنة من الفلاحات و الفلاحين و أكثريتهم لا يملكون أية قطعة أرض خاصة. كانوا يعيشون تحت هيمنة الملاكين الذين كانوا يسيطرون على الإقتصاد المحلي و حياة الناس. و كان الفلاحون يناضلون بياس للبقاء على قيد الحياة. و فى أتعس السنوات، كان على البعض أن يتغذوا بأوراق الشجر و غلافها و إضطرّ آخرون إلى بيع أطفالهم. و كانت الفلاحة فى دائرة لا تنتهى من الجفاف و الفياضانات. فعانت الصين من معدّل مجاعة كبرى سنويا و لقي مئات الآلاف من الناس حتفهم فى 1921 و 1943.
و بالنسبة إلى النساء، كانت الحياة جهنّما حقيقية إذ كان أزواجهن يضربونهن و تعرّضت العديد منهن إلى العادات البربرية للأرجل الموثقة و الزواج المدبر. و إضطر عدد كبير من النساء الشابات إلى أن تصبح سًرية الملاكين العقاريين و أمراء الحرب.
و كان تطوّر الإقتصاد منعدما تقريبا. و هكذا فى مدينة نانكين، من جملة سكان يعدّون 700 ألف كان لا أقل من 200 ألف شخص يعملون فى المنازل و خدم و عاهرات أو يقودون جرارت نقل أشخاص. و فى نفس الوقت ، كانت المدينة تعد أقل من 16 ألف عامل صناعي .
فى شنغاي ، فى مصانع النسيج ، كانت العاملات الشابا تُّوصد عليها الأبواب ليلا. و كان الناس يعيشون مكدسين فى أكواخ بئيسة من غرفة واحدة و إلا فى الشوارع. و كانت مجموعات الصحة العمومية تجمّع معدّل أكثر من 25 ألف جثة سنويا ! وفى نفس الوقت، كانت الأحياء المخصّصة للأجانب مجهزة و بها نزل و علب ليلية غاية فى الأناقة .
و بالرغم من أن الطب التقليدي كان منتشرا، لم تكن الصين ما قبل الثورة تعدّ أكثر من 12 ألف طبيب نسبة إلى سكان يعدّون 500 مليون نسمة. و كان 4 ملايين من الناس يموتون سنويا بسبب أمراض معدية و طفيلية. و كان أكثر من 90 مليون مدمنين على المخدرات.
لهذا إلتحق الشعب بالثورة و إفتك السلطة ! بالضبط فى ظلّ قيادة ماو و الحزب الشيوعي بذلت الثورة الصينية جهدها لتغيير الوضع .
تغيير حيوي :
عندما سيطر الجيش الأحمر على المدن الكبرى ، إفتك أولا البنوك و المصانع و المؤسسات الكبرى من أجل إعادة تنظيم الإنتاج خدمة للإقتصاد الجديد. فقاد الحزب تعبئة الجماهير لتساهم فى سيرورة التغيير الثوري. ووقع القضاء على عمل الأطفال و قلّصت ساعات العمل اليومي من 12 أو 16 ساعة قبل الثورة إلى 8 ساعات.
لمّا هزم الجيش الثوري جيوش تشانكاي تشاك و الملاكين العقاريين، جرى قلب النظام الإقطاعي بسرعة. و بالفعل بدأت السيرورة بعدُ فى المناطق المحررة أثناء الحرب الثورية حيث دخلت مجموعات عمل يقودها الحزب الشيوعي الأرياف لتنجز نشاطات تربية سياسية و تعقد إجتماعات مع الفلاحين و الفلاحات. و شجعوهم على النهوض و التنظّم و إفتكاك الأراضي .
عقب الإنتصار ، صارت الثورة الزراعية قانونا و إنتشرت عبر الصين كافة. فتقاسم الفلاحون و الفلاحات الأرض و الأدوات و الحيوانات. فى بلاد حيث لم تعامل النساء أبدا بمساواة ، حصلن على حصة عادلة من تقسيم الأرض.
فى 1950، جاء قانون جديد ليضع حدا للزواج كرها. و ضَمِن هذا القانون أيضا حق الطلاق للنساء و الرجال معا. لكن بالنسبة لماو ، الثورة أكثر من إصدار قوانين جديدة . إذ ينبغى تغيير طريقة تفكير الناس و كان يلزم تحطيم العلاقات الإجتماعية القديمة المرهقة و مكافحة الأفكار و القيم المتخلفة.
يقول مؤلفو السيرة المعادية لماو الهستيريين مثل يونغ تشانغ و ييون هليداي إن ماو كان منتشيا بالسلطة لكن فى الواقع، يعارض هؤلاء أن تكون الثورة قلبت سلطة الملاكين العقاريين و الرأسماليين الكبار الكمبرادوريين و القوى الأجنبية و أن تكون أرست شكلا من دكتاتورية البروليتاريا. لقد خولت الثورة للعمال و الفلاحين الشروع فى قيادة المجتمع و إلغاء المستغِلين القدماء منهم و الجدد.
يقولون لنا إن ماو قتل ملايين الناس بينما فى الواقع حرّرت الثورة مئات ملايين الناس و أنقذت عددا لا يحصى بفضل النظام الإقتصادي و الإجتماعي الجديد الذى أنشأته الثورة الماوية.
------------------------------------------------
(5) القطع مع النموذج السوفياتي :
إثر انتصار الثورة، كان هدف ماو إيجاد إقتصاد إشتراكي جديد مرتكز على التعاون و الملكية الإشتراكيين :
+ يلبى الحاجيات المادية و الإجتماعية للسكان ،
+ يعالج مشكل المجاعة المزمنة و سوء التغذية اللذان ميزا تاريخ الصين،
+ يحثّ على العلاقات المتبادلة بين الصناعة و الفلاحة عوض ضخّ موارد الفلاحة نحو الصناعة ،
+ يعمل على تقليص و فى النهاية تجاوز البون بين المدن و الأرياف و اللامساواة الجهوية ،
+ يشجّع و يساند التحكم الجماهيري فى سيرورة الإنتاج ،
+ يكون قادرا على مواجهة هجوم إمبريالي.
و من البديهي أن بناء إقتصاد جديد من هذا النوع لا يمكن أن يعتمد على إعانة أو قروض من الإمبريالية و أنه لا يمكن ببساطة أن يعوّل على متطلبات السوق الرأسمالية العالمية .
وقد عملت الثورة الماوية إذا فى سبيل تطوير نظام تعليمي جديد يهدف إلى تلبية الحاجيات الجوهرية للسكان و إلى المساهمة فى تثوير المجتمع برمته. و تم أيضا تشجيع تطوير ثقافة جديدة مع النضال ضد طرق التفكير القديمة.
و أرسوا هذا النظام واضعين نصب أعينهم الهدف النهائي ألا وهو الشيوعية أي إيجاد مجتمع خال من الطبقات و حرّ من كل ضروب الإضطهاد .
بالإستناد إلى التحالف بين العمال و الفلاحين، سمحت الدولة الجديدة بالقيام بخطوات حيوية فى تغيير الظروف الفظيعة التى كانت سائدة سابقا. فقضي على آفة الإدمان على المخدّرات بالمعالجة و التربية الجماهيريين. و شُنّت حملات كبرى لتنظيف المدن. و قضي على الكوليرا و الأمراض الوبائية الأخرى أو وقعت السيطرة عليها. و أنشأت مصانع جديدة و مساكن جديدة لأجل العمال و العاملات. و شيّدت مستشفيات و معاهد طب. و هكذا، فى 1965، كوّنت الصين الثورية لا أقل من 200 ألف طبيب جديد. و أرسي نظام تعليم جديد و شُنّت حملات محو الأمية و بالنتيجة فى أواخر 1950، حصلت غالبية الفلاحات و الفلاحين على معارف أساسية فى القراءة.
قطيعة ضرورية :
يتعلق الأمر بإنجازات قيّمة بالتاكيد. بيد أن صراعا هاما بدأ فى البروز فى صفوف الحزب الشيوعي بشأن الطريق التى ينبغى سلوكها. و أحد المشاكل الكبرى التى كانت محلّ رهان كانت مشاكل معرفة كيف يجب تطوير الإقتصاد و تعصيره .
كان البعض يرتئى برنامج تصنيع سريع. و كانت مقاربتهم ترمى إلى تركيز الموارد فى المصانع العصرية الكبرى التى تتمتع بتقنية عالية التطوّر. كانوا يودّون تطوير مناطق مدينية فى المصاف الأول. و بالنسبة لهم ، سيعود هذا التطوّر بالفائدة على المناطق الريفية. و كان هؤلاء يدّعون أنه من الضروري لقيادة الإقتصاد أن نملك جهازا هائلا للتخطيط المركزي و أنه يجب تشكيل جيوش من الأخصائيين و المختصين لتأطير الإقتصاد الجديد و تسيير الأجهزة الإدارية. و كانوا يقولون أيضا إن أفضل طريقة لحث العاملين فى المؤسسات هي المحافظة على أجور متباعدة و إستعمال الحوافز المالية.
فكان هذا البرنامج يعكس تأثير الإتحاد السوفياتي، هذا التأثير الذى ظلّ كبيرا فى الصين خلال الخمسينات من القرن العشرين.غير أن ماو وجد النموذج السوفياتي إشكاليا فى كل من الطريقة التى طبق بها فى الإتحاد السوفياتي و فى طريقة إرادة نسخه فى الصين. لقد رفع الطريق السوفياتي التقنية و الإختصاص أعلى من مبادرة الجماهير و تعبئتها تعبئة واعية. رفض ماو أن يربط الفلاحة بتطوّر الصناعة و المدينة. فى سبيل أن تقدر الصين على التصدي لهجوم محتمل و لغزو إمبريالي، كان يجب حسب رأيه عدم مركزة الإنتاج و تجنّب تركيز التطوّر الصناعي فى المدن و فى المناطق الساحلية الأكثر عرضة إلى الخطر.
فى الحقيقة ، ما كان ماو يحاول صياغته هو نهج جديد مختلف فى رؤية التطوّر الإقتصادي و الإجتماعي. و يمكن أن نلخص المسألة فى التالي : إثر إنتصار الثورة فى 1949، كان على ماو أن يناضل ضد مشكلتين إثنتين . أولا كان من اللازم النضال ضد الضغط و التأثير المستمرين للرأسمالية و الإمبريالية الغربية و ثانيا ، كان من اللازم القطع مع الإرث السوفياتي فى ما يخص التطوّر. فى هذا الإطار ، طوّر ماو مفهوما تعرض لكثير من التشويه ألا وهو" القفزة الكبرى إلى الأمام " .
القفزة الكبرى إلى الأمام :
كانت القفزة الكبرى إلى الأمام فى 1958-1959 أوّل خطوة جريئة قام بها ماو لفتح الطريق أمام التطوّر الإجتماعي و الإقتصادي الإشتراكيين فى الصين. و كان تشكيل الكمونات الشعبية يحتلّ موقع القلب من هذه السيرورة فكانت هذه الكمونات تعتنى معا بالنشاطات الإقتصادية و الإدارية و الإجتماعية و كذلك بالمليشيا و صارت قواعد إرتكاز بالنسبة للسلطة البروليتارية فى الأرياف.
ظهرت حركة الكمونات الشعبية فى ختام سيرورة من الصراع الإجتماعي و الإقتصادي المعقدين و الديناميكيين و قد نضجت مع تعبئة الجماهير لتغيير المجتمع الصيني. فمنذ بداية الثورة، شكّل الفلاحون و الفلاحات بمساندة الحزب فرق تعاون للبذور و الحصاد. و إثر التحرير، تشكّلت تعاونيات و مع أنها كانت جماعية إلا أن الإنتاج كان يوزّع آخذين بعين الإعتبار كمية الأرض و الأدوات و الحيوانات و العمل المقدّمين من طرف العائلة .
و حوالي أواسط الخمسينات، طفق الفلاحون و الفلاحات عفويا فى تطوير الطابع الجماعي للإنتاج. و العديدون كانوا يتمنون حتى التخلّص من ملكيتهم الخاصة لفائدة التعاونية بما أنهم تعوّدوا على فلاحة الأرض و تقاسم الأدوات و الحيوانات جماعيا. غير أن هذه الظاهرة كانت تتطوّر بصورة لامتكافئة إذ إلتحق بعض الفلاحين بالحركة إلى درجة أنه وجدت حتى قوائم فلاحين إختاروا أن يضعوا فعلا أراضيهم و عملهم فى خدمة التعاونية و هكذا غيّروا وجه الإنتاج الفلاحي. و سمح هذا للفلاحين الذين لم يشاهدوا أبدا عربة حديدية إلى حينها بإستعمال الجرارات و الآليات الأحدث.
هذه هي الحركة التى مثّلت قاعدة القفزة الكبرى إلى الأمام.
ولادة الكمونات :
إنطلقت حركة الكمونات الشعبية عفويا. و فى 1957، فى محافظة هونان ، قرّر عدد من التعاونيات الفلاحية توحيد جهودها بغاية إنجاز مشروع ضخم لإيصال المياه عبر سلسلة من الجبال لأجل ري الأراضي الأكثر جفافا. و هكذا قرّر الفلاحون و الفلاحات أن يدمجوا تعاونياتهم و يوجدوا شكلا جديدا من التنظيم الإقتصادي و السياسي فى إطاره إستطاع عشرات الآلاف من الصينيين إرساء حياة جماعية. و توفرت لماو فرصة زيارة المنطقة و فى ما بعد إستعمل كلمة "كمونة " ليصف ما كان يحدث هناك.
تهاجم القفزة الكبرى إلى الأمام عادة على أنها تجربة مثالية و غير معقولة بيد أن هذا المشروع بالعكس كان فى منتهى المعقولية إقتصاديا و سياسيا و من وجهة نظر تحرير جماهير الفلاحين و الترفيع فى قدراتها الإنتاجية .
سمحت الكمونات بتعبئة و تنظيم المخزون الهائل من اليد العاملة الذى كانت تتمتع به الصين . و بفضل ذلك ، بات من الممكن تخطيط و تنسيق أشغال على نطاق واسع للري و السيطرة على الفياضانات و بناء الطرقات و إعادة التشجير و إعادة إستغلال الأراضي و مشاريع أخرى على هذه الشاكلة. و أرست مصانع صغيرة لإنتاج الطاقة الكهربائية. كما سمحت الكمونات لفرق من التقنيين و التقنيات والفلاحين و الفلاحات بالشروع فى أعمال تجريبية علمية و أعمال بحوث جيولوجية .
فضلا عن ذلك ، مكّنت القفزة الكبرى إلى الأمام النساء من الخروج من منازلهن و الإلتحاق بكل هذا الحراك الكبير الذى كان يجرى فى المجتمع بأكمله. و فتحت الكمونات مطاعم جماعية و حضانات و أقامت خدمات إصلاح و عناية منزليين و خدمات أخرى تلبي مختلف الحاجيات الإجتماعية. و ساهمت النساء فى بعث مصانع جديدة و مشاريع ري مثل مشروع قنال الراية الحمراء الذى به إلتحقت المجموعة الشهيرة المعروفة بإسم " فيلق النساء الحديدي".
ووُضعت القيم و العادات القديمة موضع سؤال. و جرى التشديد على الصراع الإيديولوجي ضد المعتقدات الباطلة و الأفكار المسبقة و القدرية و العادات الإقطاعية التى إستمرت فى الوجود، كالزواج المدّبر. و ركّزت الكمونات سلسلة من المدارس الإبتدائية و الثانوية و كذلك سلسلة من المصحات.
لقد شدّدت القفزة الكبرى إلى الأمام على المناطق الريفية بغرض ردم الهوة بين المدن و الأرياف و بين العمال و الفلاحين تدريجيا. و أنشأت صناعات خفيفة فى الأرياف و شرع الفلاحون و الفلاحات فى تملك ناصية التكنولوجيا و إنتشرت المعارف العلمية. و كانت المقاربة المتميزة خلال القفزة الكبرى إلى الأمام بالفعل بديلا تحرريا لسيرورة الإنحلال الريفي و النزوح الضخم نحو المدن الذين شهدتهما بلدان ما يسمى بالعالم الثالث التى تهيمن عليها الإمبريالية .
و إقتصاد مكتف ذاتيا يوسع طاقاته الصناعية و التقنية فى المناطق الريفية هو كذلك أفضل تجهيز لمواجهة هجوم محتمل أو غزو إمبريالي و لمعاضدة الثورة العالمية .
التشويهات الخبيثة :
فى كتابهمها الشهير المعنون " ماو : الحكاية غير المعروفة " يونغ تشانغ و ييون هاليداي يدّعيان أن القفزة الكبرى إلى الأمام و الكمونات لم تكونا سوى واجهة لإخفاء العبودية و يزعمان كذلك أن أكثر من 30 مليون شخص ماتوا بسبب السياسات الماوية. كل هذا يحتاج وضع النقاط على الحروف. بداية مثلما سبق و أن أشرنا، بعيدا عن أن تكون القفزة الكبرى إلى الأمام مشروعا غير منطقي ، كانت بالعكس مشروعا تقوده أهداف سياسية مترابطة منطقيا و دفع حماس جماهير الفلاحين .
هل وجدت بعض المشاكل ؟ نعم وجدت غير أن الصعوبات التى واجهها الصينيون خلال السنوات 1958 و 1959 مرجعها ظواهر أعقد من تلك التى يدّعيها هذان الكاتبان. فالصين عرفت إنخفاضا شديدا فى الإنتاج الغذائي فى 1959. و شهدت البلاد عندئذ أتعس ظروف مناخية طوال القرن كانت نتائجها مأساوية. و شملت الفياضانات من جهة و الجفاف من جهة ثانية بصورة خاصة نصف الأراضي الفلاحية .
و فى نفس الوقت، كان الصراع الإيديولوجي بين الصين الثورية و الإتحاد السوفياتي يحتدّ. إذ شرع ماو فى نقد تحريفية القادة السوفيات حيث إعتبر أنهم تخلّوا عن الطريق الإشتراكي و باعوا مصالح الثورة العالمية للإمبريالية الأمريكية . للردّ ، إختاروا أن يعاقبوا الصين بإيقاف برامج الإعانات و إسترجاع كافة المستشارين الذين عادوا إلى الإتحاد السوفياتي حتى بالمخططات و كشوفات مشاريع صناعية شرعوا فى إنجازها لكنها لم تكتمل بعدُ. حينها كان على الصين أن تدفع أموالا طائلة للإتحاد السوفياتي ممّا ضاعف الضغوطات على إقتصاد البلاد.
و من البديهي أن الماويين قد إرتكبوا كذلك أخطاءا ففى الكثير من المناطق، إضطر الفلاحون و الفلاحات إلى تمضية وقت أكثر من اللازم فى العمل بالمشاريع الملحقة، غير المرتبطة مباشرة بالإنتاج الفلاحي بما أثر على إنتاج الغذاء. و أفضت الروح الحماسية نوعا ما التى كانت سائدة حينها ببعض المسؤولين المحليين إلى النفخ إصطناعيا فى النتائج المحققة. ورهنت هذه الظاهرة بعد ذلك جهود التخطيط.
يؤكد تشانغ و هاليداي أن ماو لم يعر إنتباها للصعوبات و الآلام التى كان يعانيها الشعب الصيني و أنه عاند منكرا أن الناس فقدوا حياتهم. مع ذلك ، فى الواقع ، أقيمت بحوث و أجريت تعديلات و قلّص حجم الكمونات و تم تخفيض حصص الحبوب للدولة. و أعيدت بعض المشاريع غير الفلاحية إلى أحجام جعلت الناس يقضون مزيدا من الوقت فى إنتاج الغذاء. ووزّعت حصص الحبوب على النطاق الوطني و ضُمن أن الإعانات الإستعجالية بعثت إلى المناطق المنكوبة.
أما فى ما يتصل بالتهم الخاصة بال30 مليون وفاة فهي عبثية و خيالية. فهذا التقييم يعتمد على إحصائيات غير موثوق بها و على حسابات غير معقولة، تقارن مستوى السكان نسبة إلى العدد الحقيقي للسكان. بكلمات أخرى ، يضاف عدد أناس لم يولدوا إلى العدد الجملي من الوفايات ...
بإختصار، المسألة الرئيسية هي التالية : فى 1970، لأول مرة فى تاريخها ، نجحت الصين فى معالجة مشكل المجاعة ومنذ تلك السنة ، إستطاعت الصين الإشتراكية أن تضمن تغذية كافة السكان. و هذه النتيجة المذهلة مرتبطة بالقفزة الكبرى إلى الأمام و تشكيل الكمونات و مرتبطة أيضا بالتعبئة الجماعية لجماهير الفلاحين التى أنجزت أعمالا ضخمة للري و للحماية ضد الفياضانات و الذين زحفوا على الأراضي البور و حسنوا إنتاج الفلاحة و تملكوا تقنيات فلاحية جديدة و أنشأوا صناعات صغيرة فى الريف. و هذه النتيجة المحقّقة نجمت عن كون الثورة الإشتراكية عرفت كيف تشجّع روح العمل من أجل المصالح العامة.

(6 ) الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى صراع بين الطريق الإشتراكي و الطريق الرأسمالي :
نظرا للأزمة الغذائية و التقلبات التى حصلت فى غضون السنوات الصعبة للقفزة الكبرى و بينما كان السوفيات قد قرّروا قطع الإعانة التى كانوا يقدمونها للصين، أمسى ضروريا إنجاز تعديلات إقتصادية و تنظيمية. و فتح هذا الباب للقوي المحافظة داخل الحزب الشيوعي التى كانت دائما معارضة للقفزة الكبرى إلى الأمام.
فى مطلع الستينات من القرن العشرين، كسبت هذه القوى قوّة و أخذت تتجمع. و كانت تودّ أن تحدّد الأولويات بشأن الإستثمار حسب ربح المشاريع المختلفة. و كانت تعمل لأجل تعزيز الطابع الفئوي للنظام التعليمي و يجب أن نعلم أن التعليم العالي، فى الصين ما بعد 1949 ، تأثر إلى حد كبير بالنموذج السوفياتي التراتبي القائم على الأخصائيين و الإنتقائي. فضلا عن ذلك ، كانت القوى المحافظة ضاربة جذورها بقوّة فى المجال الثقافي. شعبية للغاية ، ظلّت الأوبيرا تحت سيطرة المواضيع القديمة و الشخصيات الإقطاعية.
وكانت القوى المحافظة تضغط لتركيز الموارد الصحّية فى المدن على حساب الأرياف. و كانت تقول للعمال و الفلاحين أن ينسوا النقاشات السياسية الكبرى و إنه يجب ترك ذلك للقادة "الخبراء" فى الحزب و عدم الإعتناء إلا بالكسب المادي المباشر.
كان لهذه القوى برنامجا متناسقا و أواسط الستينات، أخذت فى التآمر بجلاء للإستيلاء على السلطة .
عن بعض الأكاذيب المتصلة بالثورة الثقافية البروليتارية الكبرى :
أحد الأكاذيب التى تروى لنا عادة حول الثورة الثقافية هو أنها لم تكن إلا فرصة لتطهير متعصب أجراه ماو ضد أعدائه السياسيين. هذا ما يدعيه ضمن آخرين مؤلفا الكتاب الرجعي الحامل لعنوان " ماو : الحكاية غير المعروفة " اللذان يقولان إن ماو أراد بالخصوص أن ينتقم من قادة الحزب الذين تجرؤوا على معارضته.
لنوضح قبل كل شيئ أن ماو لم يكن ليخترع بعض الأعداء مهما كانوا . كانت قوى برجوازية قوية تنتظم بالفعل من أجل الإستيلاء على السلطة و تركيز نظام رأسمالية الدولة .
إذا إعتقدتم أننا نبالغ أو أن ماو هستيري فإن نظرة بسيطة على الصين الحالية ستقنعكم بنقيض ذلك فتلك هي بالضبط القوى البرجوازية التى صيّرت الصين جنّة المعامل ذات الظروف السيئة فى خدمة الرأسماليين .
لقد كانت الثورة الثقافية شيئا آخر مختلفا عن تطهير كبير . لقد لاحظ ماو بعدُ أن تطهيرات ستالين لم تحل دون إنتصار الثورة المضادة فى الإتحاد السوفياتي و أن الجماهير أجبرت على الموقف السلبي. فالتعويل على الإجراءات الإدارية من هذا الرهط لا يخول للجماهير أن تطور قدرتها على التفريق بين البرامج و المفاهيم التى يمكن أن تدفع إلى الأمام بالمجتمع صوب الشيوعية و البرامج و السياسات التى من شأنها أن تعيد المجتمع نحو الرأسمالية. و بالنسبة لماو، كان التحدى هو تحرير الطاقة الثورية للجماهير حتى تستطيع أن تنهض بدورها بوعي فى الصراع من أجل التقدم بالمجتمع نحو الشيوعية.
كان ماو يبحث عن معالجة مشكل مواصلة الثورة و الحيلولة دون الثورة المضادة. و بعد قليل فى 1967 ، كان عليه ان يشرح : " فى الماضي ، خضنا صراعات فى الأرياف و فى المصانع و على الجبهة الثقافية و أنجزنا حركة التربية الإشتراكية. لكن كل هذا لم يعالج المشكل لأننا لم نجد بعدُ طريقة و وسيلة لدفع الجماهير الواسعة من القاعدة إلى فضح الجوانب السوداء لمجتمعنا." و كان هكذا يتطرق لمشكل تاريخي واجه الثورة الشيوعية .
و يتلخص هذا المشكل فى كيف نتعامل مع محاولات الإطاحة بدكتاتورية البروليتاريا التى تتفاقم حتما مع تطوّر و تركيز مؤسسات الأشكال الملموسة التى تأهل الجماهير لممارسة السلطة فبقدر ما تتعزز الدولة البروليتارية بقدرما ينبغى أن تظهر الدولة مغايرة نوعيا لكافة أشكال الدولة التى عرفت فى السابق. بكلمات أخرى، يتعلق الأمر بتحديد كيفية التصدّى للثورة المضادة بطريقة تتماشى ووسائل و أهداف الثورة الشيوعية .
قبل نقاش تفاصيل أكثر عن الثورة الثقافية يتعيّن أن نعود إلى بعض المسائل النظرية التى تطرحها مواصلة الثورة فى الفترة الإشتراكية.
شدّد ماو تسي تونغ على أهمية النظرية و ردّد عادة أن الخط الإيديوبلوجي و السياسي محدّد فى كل شيئ و بالخط الإيديولوجي و السياسي كان ماو يقصد مفهومنا عن العالم و لا سيما ما ينبغى القيام به لتغييره : فهم نظري للقوانين التى تحكم الحركة و التطوّر الحقيقيين للعالم و المجتمع و الخط السياسي المنجر عن ذلك .
طوّر قادة الحزب الذين كانوا يودّون أن تنخرط الصين فى الطريق الرأسمالي نظرية للدفاع عن برنامجهم. و عارض ماو ذلك و عرف كيف يجمّع و يقود العناصر الثورية صلب المجتمع الصيني مقدّما هكذا مساهمة تاريخية للفهم الديناميكي للإشتراكية. و مثلت هذه المواجهة بين الأفقين النظريين المتعارضين كليا عنصرا أساسيا فى الصراع الطبقي فى الصين.
تناقضات المجتمع الإشتراكي :
بالقيام بتحليل طبقات المجتمع الإشتراكي و إستخلاص أن الصراع الطبقي بين البروليتاريا التى صارت الطبقة المهيمِنة و البرجوازية يتواصل على طول هذه الحقبة ، أنجز ماو إختراقا هاما فى ميدان النظرية الماركسية.
تكشّف الصراع ضد البرجوازية فى ظل الإشتراكية معقدا للغاية. هنا لا يتعلق الأمر بالرأسماليين التقليديين الذين يستعرضون وثائق ملكيتهم و بطاقات و أسهمهم ، بالتأكيد ستظل "بقايا" البرجوازية القديمة موجودة فى السنوات التالية لسقوطها. و سيحاول سياسيوها القدماء بلا أدنى شك أن ينظموا صفوفهم لقلب النظام الجديد و لكن بقدر ما تتقدم الثورة و يتوطّد الإقتصاد الإشتراكي نواجه طبقة برجوازية جديدة ستتطوّر أساسا فى العلاقات السياسية و الإقتصادية و الإيديولوجية التى تسود فى البناء الفوقي للمجتمع الإشتراكي.
سياسيا ، هي معركة فى منتهى التعقيد و كان الأمر ليكون هيّنا إن تقدم هؤلاء البرجوازيون الجدد للتلفزة و توجهوا صراحة للجماهير و قالوا لها أشياء مثل : " إننا نريد قلب النظام من أجل التمكن من إستغلالكم مجددا "! إلا أن البرجوازية الجديدة تنتظم و تبرز مصالحها و برنامجها فى إطار المؤسسات الإشتراكية متبنية خطابا ماركسيا زائفا.
اللامساواة فى المجتمع الإشتراكي :
تمثّل الإشتراكية قفزة كبرى إلى الأمام. و قد أشرنا أعلاه إلى بعض التغييرات الكبرى التى تحققها الإشتراكية غير أن الإشتراكية هي كذلك مجتمع إنتقالي يحمل الآثار الإقتصادية و الإجتماعية و الإيديولوجية للمجتمع القديم. فى ظل الإشتراكية تظل موجودة بعدُ إختلافات إجتماعية هامة بين الصناعة و الفلاحة ، و بين المدن و الأرياف ، و بين الجهات. و كذلك سيبقى هذا التقسيم الكبير ذو التبعات الهامة جدا بين العمل الفكري و العمل اليدوي ، ،بين الذين سيكونون ملتزمين خاصة بالعمل فى النشاطات الفكرية و الإدارية و الترفيهية و الذين سيعملون بعدُ بالأساس بأيديهم .
و سيوجد أيضا ، فى ظل الإشتراكية ، إختلافات فى مداخيل الأفراد. و ستستمر النقود و الأسعار فى لعب دور له دلالته على المستوى الإقتصادي .
لبلوغ الشيوعية، ينبغى أوّلا تقليص الإختلافات و اللامساواة الإجتماعية التى تنطوى عليها و كذلك المبادلات السلعية و هذا قصد القدرة فى النهاية على تجاوزها. والتأثير الذى يكون لهذا الموروث على قيم ووعي الناس ينبغى أن يكون موضوع صراع إيديولوجي مستمر لو أردنا فى النهاية بلوغ الشيوعية. و يتطلب كل هذا إذا سيرورة معقدة و مديدة من الصراعات و التغييرات الثورية.
بالنسبة لماو ، تمثل هذه الخلافات الإجتماعية و إستمرار العلاقات السلعية الأرضية التى تنطلق منها الشرائح الجديدة ذات الإمتيازات و فى النهاية تتطوّر على وجه الحتم برجوازية جديدة فى ظل الإشتراكية. وذهب ماو أبعد حتى مبيّنا ان نواة هذه البرجوازية الجديدة يقع صلب الحزب الشيوعي ذاته ، بما فى ذلك أعلى مراتبه.
الحزب الطليعي نقطة إلتقاء كافة التناقضات :
يجد الحزب الشيوعي نفسه المؤسسة السياسية الرئيسية فى ظل الإشتراكية وهو أيضا القوة الرئيسية التى تقود المجتمع. فالجماهير تحتاج إلى قيادة صلبة قصد النضال فى سبيل تثوير الإشتراكية و مثل هذه القيادة و الدولة البروليتارية ضروريتان كي تستطيع الجماهير أن تقود المجتمع و تنسق الإقتصاد لأجل مصلحتها و مصلحة الثورة العالمية. يجب أن توجد دولة بروليتارية تكون قوية حتى تواجه الإمبرياليين الذين سيسعون إلى الإطاحة بالنظام الشعبي
لكن هنا بالضبط يوجد بيت القصيد : بوجه الحتم ستوجد قوى داخل الحزب و جهاز الدولة ذاته و حتى فى أعلى مراتبه تدفع نحو إنتصار الخط البرجوازي. بخط برجوازي نقصد أفقا و سياسات معينة تهدف إلى توطيد نوع اللامساواة التى ذكرنا أعلاه . نقصد أفقا و سياسات تبحث عن تقليص مبادرة الجماهير.
و تعمل هذه القوى ضمن القيادة العليا لتحتل المواقع الإستراتيجية بغاية التمكّن من وضع برنامجها موضع التطبيق و تجسّد شيئا فشيئا سياساتها و تسعى لإعادة هيكلة العلاقات الإقتصادية و الإجتماعية فى إتجاه الرأسمالية. " أتباع الطريق الرأسمالي " مثلما سمّاهم ماو تسى تونغ فى الصين يوجدون فى مواقع منها يقدرون على تجميع و تحريك بعض القوى الإجتماعية حول برنامج رأسمالي جديد .
سيقول البعض :" لماذا إذا لا نتخلص من المشكل بالتخلص ببساطة من الدولة و الحزب الطليعي ؟ " غيرأنه مع ذلك لن يكون المشكل قد عولج ! لأن ذلك لن يقضي على التناقضات التى تقف وراء ظهور طبقة برجوازية جديدة. بالعكس سيحرمنا ذلك من وسائل هامة تخوّل لنا أن نواجه الطبقة البرجوازية الجديدة.
على الحزب الطليعي أن يناضل بإستمرار لأجل دفع السيرورة الثورية إلى الأمام. و فى نفس الوقت ، يجد نفسه مركز جميع التناقضات الكبرى التى تشق المجتمع الإشتراكي . و هكذا يمثّل الصراع صلب الحزب بين الطريق الإشتراكي و الطريق الرأسمالي نقطة إلتقاء الصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكية .
و هذا الإكتشاف الذى قام به ماو فى خضم الثورة الصينية يعدّ إختراقا نظريا عظيم الأبعاد.
و لم يكتف ماو بملاحظة هذه الظاهرة و إنما صاغ أيضا طريقة لحلّ هذا التناقض بتعبئة أوسع الجماهير قاعديا ليسحق سياسيا مركز القيادة العامة للبرجوازية صلب الحزب و لتثوير الحزب و المؤسسات الإجتماعية و الإقتصادية و بخوض الصراع الإيديولوجي لتغيير مفهومها عن العالم. و بذلك تتوفر إمكانية أن تقتلع من الجذور ما يفرز إعادة إنتاج الرأسمالية ذاتها.
الثورة الثقافية هزّة بركانية :
فى 18 أوت 1966 ببيكين ، وقف ماو تسى تونغ فى نفس المكان الذى خطب فيه فى الجماهير فى 1949 غداة انتصار الثورة. وقف هذه المرّة يستعرض التجمع العام الأول للشباب الثوري. و كان حاضرا أكثر من مليون من الذين سيسمّون بالحرس الأحمر. قبل أسبوعين ، كتب ماو دازيباو ( " جريدة حائطية ذات حروف كبيرة " نشر كمعلقة ) مدوى حمل من العناوين عنوان " أطلقوا النار على مركز القيادة ! ".
لم يسبق أبدا أن تجرأ قائد ثوري على تأكيد شيئ كهذا ، بعد إفتكاك السلطة. بهذا الدازيباو ، كان ماو يدعو الجماهير الشعبية إلى معارضة الهياكل الإضطهادية السائدة و إلى الإنتفاض و قلب المسؤولين فى الحزب و الدولة الذين يعملون على دفع الصين على الطريق الرأسمالي. و كان يدعو الجماهير الواسعة قاعديا ، إلى إسترجاع كافة أجزاء السلطة و الإقتصاد و الثقافة و النظام التعليمي التى لم تكن بين أيديها و التى كانت تحت سيطرة أنصار الرأسمالية.
وهو يقوم بذلك أطلق ماو ما سيتكشّف أنه ثورة حقيقية داخل الثورة .
الحرس الأحمر: المحفٍّزون :
أمام الحشود الهائلة المجتمعة فى ساحة تيان آن مان ، وضع ماو شارة حمراء وهي رمز الحرس الأحمر. و كان يودّ هكذا أن يعلن بوضوح مآزرته و تشجيعه للشباب الثوري. و كان يودّ أن تمسي الروح النقدية و الثورية للحرس الأحمر مدرسة. و من هنا فصاعدا سيلعب الحرس الأحمر دورا مفتاحا فى سيرورة الثورة الثقافية.
من المهم إدراك كيف كان الوضع فى الصين حينئذ فضمن مسؤولي الحزب و الإدارة العامة ، كان الكثيرون يبدون ثابتين فى أماكنهم و يشجعون على سياسة برجوازية و إن كانت مقنعة بطلاء ماركسي. و كانت غالبية العمال و الفلاحين يعتبرون من التحصيل الحاصل أن القادة على صواب دوما بما أنهم " شيوعيون ". و قد أراد ماو أن يحدث شرخا فى هذا التوجه إلى الرضا بالوضع السائد. و أراد كسر تبجّح أتباع الطريق الرأسمالي. و فى عديد الوحدات الإنتاجية (الصناعية و الفلاحية ) كان الناس فعلا يخافون نقد القيادة. حينها صعد الحرس الأحمر إلى الركح.
و أحدث الحرس الأحمر زلزالا حقيقيا داخل المجتمع الصيني. فقد نظم مظاهرات و إجتماعات من كل لون و شرعوا فى نقد بعض المسؤولين الكبار و الصغار. و دعا الحرس الأحمر إلى طرد مديري مدارس كانوا يتصرفون كطغاة .
إلتحق الجيل القديم بالثورة فى ثلاثينات و أربعينات القرن العشرين ، زمن مقاومة اليابان و قوى تشانكاي تشاك المدعومين من طرف الولايات المتحدة. و مذاك إلتحق جيل جديد تماما بالثورة . فسمحت الحكومة للشباب الثوري بالسفر بحرية و مجانا عبر القطارات. و إنتشر الحرس الأحمر فى الأرياف و فى كافة المناطق متنقلا عبر العربات العسكرية. فقد زاروا آلاف القرى ليلتقوا بالفلاحات و الفلاحين الذين طالما بقوا عنهم مقطوعين و علموهم قبلا أن ينتظروا إليهم من فوق. لذا كان الحرس الأحمر بمثابة محفٍّزين فقد حثّوا الجماهير على رفع رأسها و على أخذ الكلمة. و إليكم ملخصا عن وصول الحرس الأحمر و ما فعلوه فى قرية كما رواه فلاح :
" كان الحرس الأحمر غاية فى التنظيم. كانوا يقسمون أنفسهم إلى فرق صغيرة لمقابلة كل العائلات. و كانوا يقرؤون علينا مقتطفات من أقوال ماوتسى تونغ و يحدثوننا عما يحدث فى بيكين و شنغاي. لم يسبق لنا أن رأينا غرباء بهذه الكثافة فى القرية ! و كانوا يسألوننا عن ظروف حياتنا و يسعون للحصول على أوفر معلومات ممكنة من لقاءاتهم بنا. و حاولا التعرف على كيفية تنظيم فرق عملنا. ثم شرعوا فى النقاشات مع الكوادر الرئيسية لفرق عملنا. و سألوهم عن نظام التوزيع حسب العمل . و هكذا تحصلت على نسخة من الكتاب الأحمر الصغير الذى كان الحرس الأحمر يوزعونه بيتا بيتا. و فى النهاية، صار عند الجميع نسخا منه وكان للحرس الأحمر أهمية كبرى لدينا. و عقب مغادرتهم ، واصلنا قراءة مقتطفات من أقوال ماو تسى تونغ مثلما علمونا ذلك. كنا نقرأ و كنا نقارن محتوياتها بما كان يجرى عندنا و توصلنا عندئذ إلى إستخلاص أن هنالك بعدُ أشياء عديدة تحتاج التغيير". ( ييان ميردال و غون كاسل : الصين : الثورة المستمرة ، نيويورك ، فنتاج ، 1972 ص 106-107) .
التوجه الذى عنه دافع ماو تسى تونغ :
يكره الإيديولوجيون البرجوازيون الثورة الثقافية فهم يتحدثون عنها قائلين إنها كانت نوعا من العملية الكبرى من الدعاية " للسيطرة على تفكير" الناس. إنهم يصوّرون الحرس الأحمر كزمرة من الشباب الطائش قامت بالإعتداء على الممتلكات. و يغمروننا بدراسات و بحوث تتحدث عن الثورة الثقافية كمرحلة عنف و إنتقام. و لكن كل هذا لا يعكس مطلقا الواقع الجوهري لما كانت فعلا .
لنؤكد أولا أن الثورة الثقافية كانت أبعد ما يكون عن التميّز بالعنف و الخصومات التى لا تنتهى. ذلك أنه منذ البداية ، أصدرت القيادة الماوية توجيهات واضحة تحدد أهداف الثورة و طريقة القيام بها. و إحدى الوثائق الرئيسية بهذا المضمار يتعين على كافة الذين يعتنون بالمسألة أن يطلعوا عليها هي " قرار ال16 نقطة " الشهير الذى تبنته اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني فى 8 أوت 1966. و هذه مقتطفات منها :
" • فلتربى الجماهير نفسها فى هذه الحركة الثورية الكبرى و لتتعلم تمييز الحق من الباطل و أساليب العمل الصحيحة من الخاطئة.
• ركزوا كل القوى لضرب الحفنة من اليمينيين البرجوازيين الرجعيين المتطرفين و من التحريفيين المعادين للثورة . .. إن الهدف الرئيسي من الحركة الراهنة هو أولئك الذين فى داخل الحزب و يتبوّأون السلطة و يسيرون فى الطريق الرأسمالي
• يجب التمييز بدقة بين النوعين المختلفين من التناقضات : التناقضات بين الشعب و التناقضات بين أنفسنا و العدو. لا يجوز تحويل التناقضات بين الشعب إلى تناقضات بين أنفسنا و العدو.كما لا يجوز إعتبار التناقضات بين أنفسنا و العدو على أنها تناقضات بين الشعب. إنه أمر سليم أن تعتنق الجماهير آراء مختلفة ...الطريقة التى ينبغى إتباعها فى المناظرات هي عرض الوقائع و محاكمة الأمور بالمنطق و الإقناع من خلال المحاكمة العقلية. و لا يجوز إستعمال الإكراه لإخضاع أقلية تحمل آراء مخالفة . "
هذا هو إذن التوجه الذى عنه دافع الذين شنّوا الثورة الثقافية. يبقى هل حدثت إضطرابات ؟ دون شك حدثت. هل وجدت تجاوزات و عنف ضروريين ؟ طبعا بما أن الأمر يتعلق بثورة فعلا و حقا. بيد أنه طوال هذه الفترة المضطربة ، سعى الثوريون الماويون بإستمرار إلى صيانة الحركة و توجيهها فى الإتجاه الصائب بتشجيع النقاش و النقد و التعبئة السياسية الجماهيرية.
و تبين جيدا حلقة من أشهر حلقات الثورة الثقافية الدور الذى نهض به الماويون . فى جامعة تسنغهوا ،حدثت مواجهات جدية بين مختلف الكتل فى صفوف الطلبة و الطالبات و تفاقم عنف هذه المواجهات شيئا فشيئا. للتصدى لذلك بعثت القيادة الماوية بفرقة خاصة متكوّنة من عاملات و عمال غير مسلحين لتساعد الطالبات و الطلبة على معالجة الخلافات و تسويتها.
الثورة الثقافية صراع معقد و تحرري:
أحد أبرزالتشويهات التى يلحقونها بالثورة الثقافية هو أن ماو تلاعب و دبّر ما حدث. يقال إن ماو كان المسؤول عن كل عمل و صراع حدث. و يعتبر ماو مسؤولا عن أي و كل حالات العنف. و هنالك مفهوم أن كل شيئ منبعه سلطة واحدة و صانع قرا ر هو ماو .
شاركت قوى طبقية و إجتماعية متباينة فى الثورة الثقافية. ثمة ماويون حقيقيون فى الحزب و المنظمات الجماهيرية و ثمة مجموعات مناهضة للماوية داخل الحزب الذى نظم الطلبة و العمال و الفلاحين. و ثمة قوى عسكرية محافظة و مجموعات يسارية متطرفة وإنقسمت منظمات جماهيرية إلى كتل ثائرين و محافظين و عناصر مجرمة و غيرها. كانت مصالح إجتماعية و دوافع متنوعة محور الصراع . و إستعمل بعض الناس الثورة الثقافية لتصفية حسابات شخصية. و عموما كان أعداء ماو داخل الحزب هم الذين يستهدفهم الهجوم السياسي فيلجأون إلى تكتيك إدعاء الدفاع على ماو تسى تونغ و يحثون على الكتلوية و العنف بإسم الثورة الثقافية. إنهم يقومون بهذا بهدف حرف الصراع عن تصويبه نحوهم هم و بهدف إشاعة الريبة حول الحركة الثورية. و الحقيقة هي أن الثورة الثقافية صراع معقد محوره أي طبقة ستحكم المجتمع البروليتاريا و حلفاؤها الذين يمثلون الغالبية الساحقة للمجتمع و تواصل الثورة لتغيير المجتمع أم الطبقة البرجوازية الجديدة.
بعدُ ، فى خضم هذا الصرع ،كان ماو و القادة الثوريون قادرون على قيادته فى إتجاه معين مركزين على الصراع السياسي ضد أتباع الطريق الرأسمالي ذوى المراتب السامية و على مزيد تثوير المجتمع ووضع السلطة بيد الجماهير.
فكروا فى ما كان سيحدث. كان ماو يطلق مئات الملايين لجدال و نقاش توجه المجتمع و ليضطلعوا بمسؤولية مصير المجتمع . لم يحدث مثل هذا أبدا فى السابق تاريخيا . فى الولايات المتحدة الأمريكية و ديمقراطيات برجوازية أخرى تحدد الإنتخابات الحياة السياسية و مرة كل أربع سنوات يساهم الناس فى طقوس تعزز الوضع القائم و تبقيهم سلبيين. و هنا فى الصين الثورية هنالك جيشان و نهوض لا يصدقان وهو أمر جلل فى المجتمع. و فى هذا الوضع إنطلقت الأمور فى جميع الإتجاهات. وجد حرس أحمر إنحرفوا فى حماسهم لتخليص المجتمع من التأثيرات البرجوازية و قاموا بتجاوزات. فى هذا الجوّ ، كان على ماو و القادة الثوريون أن يقودوا الجماهير لمعالجة الأمور و تلخيص دروس الصراع و طرقه و توطيد المكاسب.
كان الصراع الطبقي فى المجتمع –إستمرار الصين على الطريق الإشتراكي أم العودة إلى الرأسمالية – مرتكز فى أعلي مراتب الحزب و الدولة. وهو يعالج هذا ، لم يكن ماو يحاول إفتكاك السلطة لمصلحته الخاصة كما يقال لنا عادة. كان بمقدوره ببساطة أن يوقف كافة معارضيه. لكن مثلما أشرنا فى ما مرّ بنا أعلاه ، لم يقم بذلك لأن ذلك لم يكن ليحل مشكل الحيلولة دون قلب الثورة. كان ماو يرمى إلى المجازفة بكل شيئ معوّلا على الجماهير و تعبئتها سياسيا لتمسك بأمهات المشاكل التى تواجه المجتمع. و قد أشار ماو إلى أن الثورة الثقافية كانت صراعا للإطاحة بأتباع الطريق الرأسمالي لكن فى مستوى أعمق ، تعلقت الثورة الثقافية بمسألة النظرة للعالم و تمكين الجماهير من الفهم الواعي و تغيير العالم و نفسها .


حركة جماهيرية لم يسبق لها مثيل :
شهدت الثورة الثقافية نقاشات و مساءلات جمّة. و حدثت المسيرات السياسية و المظاهرات الإحتجاجية و التجمعات السياسية الجماهيرية. و تم نشر الجرائد الصغيرة ففى بيكين وحدها وجدت أكثر من 900 جريدة. و تم إصدار عدد لا يحصى من الصحف الجدارية ووفرت الدولة الأدوات و التسهيلات لهذه النشاطات مجانا بما فيها الورق و الحبر و الفرشات و المعلقات و الطابعات و قاعات الإجتماعات و أجهزة صوت.
و ساعد الحرس الأحمر فى إيصال الحركة إلى البروليتاريا. وببلوغ الثورة الثقافية صفوف العمال شهدت منعرجا جديدا. ففى 1967-1968 شارك 40 مليون عامل فى صراعات جماهيرية حادة و معقدة و إنتفاضات لإفتكاك السلطة من أيدى إدارات المسؤولين المتمترسين فى الحزب و فى البلدية و المدينة التى كانت أوكارا للمحافظين . و عبر التجربة و النقاش و التلخيص و بقيادة ماوية ، شكلت الجماهير أجهزة جديدة من السلطة السياسية البروليتارية .
بهذا المدى و هذه الحدة ، لم يشهد التاريخ الإنساني مثيلا للثورة الثقافية .
لقد تم العصف بروتين الحياة اليومية و شارك فى النقاش الواسع أناس من كافة المستويات الإجتماعية. فكان الفلاحون يناقشون النهج و القيم الكنفيشيوسية القديمة و الرجعية التى ما إنفكت تأثر فى حياتهم . و كان العمال فى مصانع شنغاي يجربون أشكالا جديدة من المساهمة فى الإدارة.
و ما كان من شيئ أو أحد فوق النقد. و تمت مناقشة و محاسبة السلط السياسية و الإدارية و التعليمية التى باتت بعيدة عن الناس. و ما عاد الموظفون منقطعين فى المكاتب و لا يفعلون غير إصدار التوجيهات. و كان عليهم أن يخرجوا و يساهموا فى العمل إلى جانب العمال و الفلاحين. و دفعت الثورة الثقافية عميقا على التقييم الذاتي الإيديولوجي. و أكد ماو أنه لن توجد ثورة لو لم تغير التقاليد و العادات و طرق التفكير. على الثورة أن توجد أخلاقا جديدة و طريقة جديدة فى علاقات الناس. "خدمة الشعب" كان شعارا منتشرا خلال الثورة الثقافية وهو يختلف عن الفكرة البرجوازية للأعمال الخيرية تجاه الفقراء إنما يتعلق الأمر بخدمة حاجيات غالبية المجتمع و قضية الشيوعية عالميا و بتحدى الذهنية البرجوازية " أنا أولا" .
ما كان يشدد عليه ماو هو أنه بإمكانكم الحصول على إقتصاد إشتراكي إلا أنه لو لم يجرى تشجيع روح العمل للصالح الإجتماعي الأعم فإن الملكية الإشتراكية ستكون شكلا خاويا .
التأثير العالمي :
لا نستطيع أن نؤكد بما فيه الكفاية على تأثير الثورة الثقافية على الناس خارج الصين زمن النهوض الراديكالي و الثوري عبر العالم. و فى حين بات الإتحاد السوفياتي قوة معارضة من جميع الوجوه للثورة البروليتارية كان ماو يتقدم بنظرة شاملة للثورة الشيوعية.
الثورة الثقافية فى ميداني التعليم و الثقافة :
أهم رواية تقود أكثر الدراسات الغربية المعاصرة للثورة الثقافية و التى هي تقريبا " التاريخ الرسمي " الذى نشره النظام المعادي لماو فى الصين هي أن الثورة الثقافية دشنت " عصر الظلمات ". و بصورة منظمة يقع تشويه مكاسب الثورة الثقافية. و لكن الواقع يشهد بأن ما أنجز خارق للعادة.

التعليم :التوسيع و التجديد :
يمكن أن نشرع بالحديث عن التعليم بقول إن من التهم الرائجة أن ماو كان مناهضا للتعليم. يونغ تشانغ و ييوان هاليداي فى "ماو : الحكاية غير المعروفة " ذهبا بعيدا إلى حد إدعاء أن مقاربة ماو للتعليم هي حجز غالبية السكان فى مصير "عمال عبيد جهلة أو شبه جهلة ". و مرة أخرى يقلبون تماما الحقيقة رأسا على عقب .
•1- إنتشرت الموارد التعليمية على نحو واسع فى المناطق الريفية.
بين 1965 و 1976 ، إرتفعت نسبة التسجيل بالمدارس الإبتدائية من 115 مليون إلى 150 مليون و إرتفع عدد المسجلين بالثانويات من 15 مليون إلى 58 مليون – تضاعف بما يناهز الأربعة مرات. و كان الفلاحون يتمتعون بشبكة من أنظمة المدارس القروية و ثانويات قروية مشتركة و معاهد عليا مشتركة. و فى المناطق الجبلية ، وجدت أقسام متنقلة. سنة 1973 ، 90 بالمائة من الأطفال فى عمر الدراسة مسجّلون بالمدارس. و إرتفع تسجيل العمال و الفلاحين فى الجامعات، فى السبعينات.
• 2- مهاجمة الفئوية فى التعليم العالي.
قبل الثورة الثقافية ، كانت الجامعات حكرا على أبناء و بنات أعضاء الحزب و الطبقات ذات الإمتيازات. و كان الشباب يتنافسون فى إمتحانات للدخول إلى مدارس و معاهد تحضيرية متصاعدة الإنتقائية . و كان للصين تاريخ طويل من النظام التعليمي الإقطاعي الكنفيشيوسي الذى ولد فئة صغيرة ذات إمتيازات ،مطلّقة عن عامة الناس و العمل المنتج فى المجتمع.
فقضت الثورة الثقافية على هذا النظام الباحث عن الفئوية و الإمتحانات التنافسية. و عند إتمام الدراسة العليا كان الطلبة يعيشون و يعملون فى مناطق ريفية أو يشتغلون فى المصانع . و إثر سنتين أو ثلاث كان بإمكان الطلبة من مختلف الخلفيات الإجتماعية أن يسجلوا فى المعاهد. و جزء من سيرورة القبول بالمعاهد تتطلب تقييما و توصيات من وحدات عمل الشباب. و تم وضع البيان بسيرة الشخص جانبا كجزء من القطع مع الفئوية ,و مزجت الدراسة و العمل المنتج . و أمسك الناس بالنظرية و السياسات الثورية. و جرى نقد طرق التدريس القديمة للطلبة الذين كانوا مستهلكين سلبيين للمعرفة ونُقد الأساتذة و المعلمون الذين كانوا معتبرين سلطة مطلقة.
و تحدت الثورة الثقافية فكرة الفئوية البرجوازية أن التعليم سُّلم ل"صعود" الأشخاص أو وسيلة لإستعمال قدراتهم و المعرفة للحصول على موقع ذى إمتيازات نسبة للآخرين. ليس هذا مناهضة للفكر و إنما هو بالأحرى مسألة وضع المعرفة فى خدمة المجتمع الذى يولد لامساواة إجتماعية .
•3- البحوث" المفتوحة الأبواب ".
أحد الإختراقات المثيرة التى حققتها الثورة الثقافية هو إختراق ما صار يسمى البحوث "المفتوحة الأبواب". ففى الريف ، أنشأت مراكز علمية قريبة من الحقول. و كان الفلاحون إلى جانب المختصين من المدن يجرون تجاربا على الحبوب الهجينة و الدراسات الموجهة لدورات حياة الحشرات و مظاهر أخرى من العلم الخاص بالميدان الفلاحي. و ساعد هذا الجماهير على التوصل إلى فهم القضايا العلمية و المنهج العلمي و ساعد العاملين بالمجال العلمي على كسب فهم أفضل للظروف الإجتماعية بما فى ذلك ظروف الريف.
و فى المدن ، طورت مؤسسات تعليمية و مؤسسات بحث ريادية علاقات مع المصانع و اللجان القريبة و منظمات أخرى. و كان الناس يذهبون للمخابر و كانت المخابر تذهب إلى الناس. و حصلت ترتيبات مجددة مثل إنتاج نساء مصانع مجاورة أجزاء للحواسيب المتقدمة- ليس كالعمل الإستغلالي حاليا فى ما يسمى بالعالم الثالث- لكن ضمن علاقة تعاون مع مخبر أو معهد و علاقة تحصيل المعارف العلمية ككل.
الأخصائيون يقصدون الريف :
أثناء الثورة الثقافية دُعي الفنانون و الأطباء و العاملون فى مجال التقنية و العلم و كافة أنواع العاملين إلى التوجه إلى العمال و الفلاحين لوضع قدراتهم فى خدمة حاجيات المجتمع و لمشاركتهم حياة الشعب الكادح و لتبادل المعارف و التعلم من القاعديين.
يقال لنا إن الذهاب إلى الريف كان شكلا من أشكال العقاب للأخصائيين. حسنا ، هل ينطبق ذلك على الفلاحين ؟ من سأل الفلاحين إن كانوا يودّون الحياة فى الريف ؟ الواقع هو أن سياسة بعث الأخصائيين للريف كانت جزءا من المحاولة الواعية للقطع مع التفاوت داخل المجتمع و لتقليص البون الثقافي و فى الموارد بين المدينة و الريف .
كيف طُبّقت هذه السياسة ؟ بالحديد و النار؟ لا .
أولا ، وجه نداء من أجل مصالح الشعب العليا و طموحات خدمة المجتمع .
و ثانيا ، خيض صراع إيديولوجي. فبات قضية جماهيرية : ما هو أهم أن يكون لطبيب متمرس "الحق" فى حياة ذات إمتيازات فى المدينة أم أن تتوفر الرعاية الصحية على نحو واسع؟
و ثالثا ، وجد عديد الناس الذين عانقوا هذا التوجه بحماس و إلتزام و أمسوا نماذج لغيرهم . و فى الأخير ، وجدت درجة من القسر. باتت سياسة بعث الناس إلى الريف سياسة مؤسساتية . غير أنه ليس كل شيئ سيئ . مثلا ، هل من الخاطئ أن تصدر قانون إبطال التفرقة العنصرية فى المعاهد ،حتى و إن عارضها البعض؟
الآن مثلما قلنا ، إستجاب عديد الأخصائيين و الشباب بحماس فياض لهذا النداء للتوجه إلى الريف. وأود أن ننصح بإلقاء نظرة على كتاب حديث "البعض منا " ( نيو برونسويك : صحافة جامعة روتجارس 2001) . ففى طياته مقالات عديدة كتبتها نساء صينيات ، تعشن الآن فى الغرب و قد شاركن فى الثورة الثقافية . إنهن تتحدث عن كيف أن تجربة التوجه للريف هذه كانت إيجابية و مغيّرة للحياة : و كيف تعلمن من الفلاحين و قمن بالأشياء التى لم تفكر فى أنها قادرة على القيام بها و كسبن معنى قوتهن كنساء و كيف شجعت الثورة الثقافية روح التفكير النقدي.
الثقافة :
لنمر الآن إلى الثقافة .
يقال لنا إن الثورة الثقافية أفضت إلى أرض قاحلة ثقافيا. بيد أن هذا يجانب الحقيقة تماما. فقد حصل إنفجار فى النشاط الفني ضمن العمال و الفلاحين ،شعرا و رسما و موسيقى و قصصا قصيرة و حتى أفلاما. و إنتشرت عروض الفن الجماهيري و إنجازات من نوع جديد شعبي و فني تعاوني بما فى ذلك فى الأرياف و المناطق البعيدة.
و بلغت أعمال نحت جماعي نطاقا واسعا مثل مجموعة رانت لوجه الساحة التى بلغت مستوى عال من التعبير الفني و المضمون الثوري. و أنتجت الثورة الثقافية ما سميت "نماذج أعمال ثورية ". كانت نماذج إستطاع الناس عبر الصين كافة أن يحتذوا بها فى تطويرهم أعمالا فنية شتى. ووضعت نماذج الأوبيرا و الباليه الجماهير على ركح المسرح و فى موضع القلب منه. و قد عرضت حياة الجماهير و دورها فى المجتمع و التاريخ . و كانت تلك الأعمال النموذجية من مستوى عال بصورة خارقة للعادة ، مازجة الأشكال الصينية التقليدية مع الوسائل و التقنيات الغربية. بصورة دالة تم تصوير النساء بوجه بارز قويات فى الأوبيرا الثورية.
و تجولت مختلف فرق أوبيرا بيكين فى الأرياف مساعدة المجموعات الثقافية المحلية على التطور و متعلمة من العروض المحلية. دعونا نقرأ مقتطفا مما رواه أحدهم متحدثا عن كيف أثرت الأعمال الثورية النموذجية و الإنتشار العام للثقافة الثورية فى قريته. قال: " لقد كنت شاهدا على نهوض غير مسبوق للنشاطات الثقافية و الرياضية فى قريتنا مسقط رأسي ، قرية غاو. نظمت القرى الريفية لأول مرة فرقا مسرحية عروضا مزجت مضامين و أشكال من الثماني نماذج من أوبيرا بيكين مع اللغة و الموسيقى المحلية. و لم يسلى القرويون أنفسهم فحسب بل تعلموا أيضا كيفية القراءة و الكتابة بالتوغل فى المسرحيات و نظموا لقاءات رياضية و مقابلات بين القرى. ووفرت هذه النشاطات جميعها للقرويين فرصة الإلتقاء و التواصل و التحابب. و ووّعتهم هذه النشاطات بمعنى الإنضباط و التنظيم و خلقت مجالا عاما حيث ذهبت التجمعات و الإتصالات أبعد من العائلة و القرية. و لم يحصل ذلك أبدا من قبل و لم يحصل بعدئذ." ( موبو غاو "نقاش الثورة الثقافية " بحوث آسيا النقدية ، 34:3 (2002 ) ص 427-428).
الثورة الثقافية : الرعاية الصحية و التغيير الإقتصادي :
لنلقى نظرة على الرعاية الصحية أثناء الثورة الثقافية و دعونا نعرض المسألة بكلمات بسيطة .
تمكّنت الصين الماوية التى لم تكن بلدا غنيا على إيجاد ما لم تستطع أن تقترب منه الولايات المتحدة الأمريكية أي نظام رعاية صحية عمومي شامل. و قد وفرت الخدمات الصحية مجانا أو بثمن رمزي و كان نظام الرعاية الصحية منقادا بمبادئ التعاون و المساواة.
فى الصين الماوية ،كان يتم التشديد على الوقاية و النظافة و إجراءات صحية جماهيرية عمومية. و خلال الثورة الثقافية ، تحول التركيز على توسيع و منح الموارد إلى الريف ، مع التحسين العام للرعاية الصحية فى المدن و حتى فى مناطق الريف البعيدة ، توفرت بعض الخدمات الطبية.
فى الريف، كان لكل كمونة شبكتها الصحية المتضمنة لمصحة أو مستشفى كبير و محطات صحية ومستوصفات فى مستوى القرية. و كان معدل الكلفة السنوي للخدمات الصحية للفلاحين دولارا أو دولارين. و أحد أهم التطورات المثيرة التى أحدثتها الثورة الثقافية هي حركة " الأطباء ذوى الأقدام الحافية ". كان هؤلاء فلاحون شباب و شباب مديني بعث إلى الريف فكانوا يدرّبون بسرعة على الرعاية الصحية الأساسية و المعدات الطبية لتلبية الحاجيات المحلية و الذين كانوا قادرين على معالجة أكثر الأمراض شيوعا. و كان الأطباء من المدن يقصدون المناطق الريفية ففى كل فترة كان ثلث الأطباء المدينيين يقضون مدة فى الريف.
و تحسنت الرعاية الصحية فى المدن أيضا. ففى بداية السبعينات ، كانت نسبة وفايات الأطفال اقل من النسبة المسجلة فى مدينة نيويورك حينها. و مثلما قلنا فى مفتتح كلامنا تضاعف أمل الحياة فى ظل ماو من 32 سنة سنة 1949 إلى 65 سنة فى 1976.
تسمعون عن كافة التهم حول عدد الموتى الذين كان ماو مسؤولا عنهم. لكن الواقع هو أن عشرات ملايين الأشخاص إنقذتهم فعلا الثورة الإشتراكية . لنجمع كافة الوفايات قبل الأوان و الممكن تجنبها بسبب سوء التغذية و الفقر و نقص الرعاية الصحية الأساسية و نقص الإستعداد و القدرة المؤسساتية على مواجهة الآفات . لا مقارنة .
تشير آمارتيا سان ، صاحبة جائزة نوبل ، إلى أن سنة 1949 كانت الصين و الهند متشابهة بصورة تجلب الأنظار فى تطورهما الإجتماعي و الإقتصادي . و تستطرد سان قائلة إنه فى العقود الثلاث التالية :" ثمة شك قليل فى ما يتعلق بالأمراض و الوفايات و أمل الحياة ، فى أن الصين تقدمت بشكل كبير و حاسم نسبة للهند". و بالنتيجة ، تقدّر سان أنه كان بالإمكان ألا يموت بالهند ما يناهز الأربعة ملايين شخص فى 1986 إذا كانت الهند إتبعت نظام الرعاية الصحية و شبكة توزيع الغذاء الماويين .
وهنالك البحث المعادي للشيوعية المسمى ب " الكتاب الأسود للشيوعية " الذى يتحدث عن ما يدعى أنه "الفشل الذريع" للشيوعية و يتهمها بالتسبب فى وفاة 100 مليون إنسان . حسنا حتى و إن كان ذلك الرقم صحيحا وهو غير صحيح فإن نعوم تشومسكى الذى قام بعملية حسابية مهمة مستعملا الأرقام التى قدمتها سان ذكر : فى الهند ،" تجربة "الرأسمالية الديمقراطية منذ 1947 تسببت فى عدد أكبر من الوفايات منه فى تاريخ كل"التجربة الشيوعية التى يقال أنها فشلت "فشلا ذريعا" فى كافة البلدان منذ 1917 أي أكثر من مائة مليون وفاة سنة 1979 و عشرات الملايين مذاك فى الهند فحسب."
التغيير الإقتصادي:
فى ما يخص الإقتصاد، سجلت الصين الماوية نجاحات مثيرة فقد بلغت تطورا سريعا فى الفلاحة و الصناعة و النقل و البناء. و قد نمت الصناعة بنسبة معدل سنوي من 10 بالمائة خلال الثورة الثقافية وهي نسبة عالية حتى بالمقاييس الرأسمالية. لقد شيّدت الصين قاعدة صناعية عصرية ، مازجة الصناعة الثقيلة و الخفيفة و دون التعويل على قروض أو إستثمارات أجنبية. و نمت الفلاحة بحوالي 3 بالمائة سنويا متماشيا مع النمو السكني. و ضاق البون بين المدينة و الريف و تحسنت المعيشة العامة للفلاحين.
و مثلما قلنا سابقا ، سنة 1970 إستطاعت الصين ان تنتج و توزع الغذاء اللازم للحيلولة دون الجوع و سوء التغذية. و تم هذا عبر نظام تخطيط مركزي جرى وفقه توجيه الصناعة نحو خدمة الفلاحة ، و نظام فلاحة جماعي شجع على جوهرية تعبئة الغذاء و مراقبته ،و إستثمار مستمر فى البنية التحتية الريفية و توزيع متساو للغذاء للفلاحين و توزيع حصص الغذاء الأساسي حتى يتم ضمان الحاجيات الدنيا للجميع. فكان هذا بمثابة قطيعة راديكالية مع ماضى الصين.
فى عالم حيث يشكو بليون إنسان سوء التغذية و الجوع هذه دروس عميقة جدا.
و قد إتبعت الصين الماوية نهجا فذّا فى التطور الإقتصادي فلم تكن سيرورة التصنيع سيرورة تشييد مدن فوضوية غير مخطط لها. و بذلت جهودا واعية لتقليص نمو المدن و حجمها و تطوير المدن الصغيرة و المتوسطة . و جرت عملية عدم مركزة الصناعة لتجاوز الإختلافات الجهوية . ووجهت الموارد إلى المناطق الأفقر و وقع التشديد على الجرارات و الآلات التقنية المناسبة للظروف الريفية . و كل هذا يمثل دروسا هامة لعالم اليوم .
تُنقد الإشتراكية على أنها تنتج أنظمة تخطيط عالية البيروقراطية. و نعم هذا خطر ينبغى الإعتراف به و تحديده. لكن فى الصين الماوية كرست المقاربة الأوفر مرونة لتخطيط قادر على المزج بين التنسيق الممركز و المبادرة و المراقبة المحليين. و تعاونت المؤسسات الصناعية و الفلاحية. و كانت الصحة و البيئة و سلامة العمل من مشاغل التخطيط المحلي. و حين ضربت أفات طبيعية ضربتها حشدت الدولة البروليتارية الموارد و عبئت الجماهير للعمل بصورة مشتركة و إنجاز مخططات منسجمة.
و إعتمد التطور الإقتصادي فى الصين الماوية أولا و قبل كل شيئ على الجماهير المسلحة بالفهم السياسي لأهداف الثورة الإشتراكية و تناقضاتها و بمعنى دورها الحاسم فى إعادة تشكيل المجتمع.
ويمثل نظام التخطيط المركزي الذى تقوده المبادئ الإشتراكية عالما آخر بعيدا كل البعد عن الإقتصاد الرأسمالي. فى ظل الرأسمالية ما ينتج و كيفية القيام بذلك يخضعان إلى الربح إذ تتنافس وحدات رأس المال خاصة كل منها متبعة مصالحها الخاصة و تتنافس على نطاق واسع الواحدة مع الأخرى. فى هذا النظام الفوضوي ،لا يوجد و لا يمكن أن يوجد تخطيط عقلاني على مستوى المجتمع بأسره للحاجيات الإجتماعية.
ولننظر إلى ما يفرزه العالم الرأسمالي. أنظروا إلى الفجوة بين الغني و الفقير و إلى مدن ما يسمى العالم الثالث الضخمة للغاية ذات الأحزمة من مدن الصفيح البائسة و أنظروا إلى مناطق الإستغلال المستحدثة خدمة للشركات العالمية و إلى السلعنة اللامتناهية للطبيعة – من الشركات المتحكمة فى البذور و أدوية الأعشاب الطبيعية إلى خوصصة الماء فى بلدان أفريقية قاحلة . كانت الصين الماوية تتجه فى طريق مختلف كليا.
(7 ) هزيمة الإشتراكية فى الصين و الدروس المستخلصة للمستقبل:
الصين لم تعد بلدا إشتراكيا :
لم تعد الصين المجتمع الذى وصفنا ، لم تعد بلدا إشتراكيا. ففى 1976 ، قاد دنك سياو بيتغ إنقلابا أطاح بالحكم البروليتاري. وتمكن أتباع الطريق الرأسمالي الذين كان ماو يقود الصراع ضدهم من الإنتصار .
و أدت سياسات هذه الطبقة البرجوازية الجديدة إلى منتهى الإستقطاب الإقتصادي و الإجتماعي. و تحولت الصين إلى أرض لليد العاملة البخسة تستفيد منها المؤسسات العالمية. نعم ، غدى البعض أغنياء جدا و بسرعة تتسع الطبقة الوسطى الجديدة بيد أن هذا كله مثّل التالي للجماهير الشعبية بإقتضاب :
• تخضع المصانع فى مناطق صناعية خاصة العمال إلى ساعات عمل طويلة لا تطاق و غذاء أقل من اللازم و أماكن نوم مكتضة و إساءة الإداريين للعمال .
• يخضع الفلاحون إلى آداءات مفرطة و عدم دفع الدولة لمقابل للمحاصيل. و الحكام المحليون فى إرتباط بالمقاولين و يشتركون معهم فى الإستيلاء على أراضى شاسعة مما تسبب فى موجات من إحتجاجات الفلاحين.
• يتجول 200 مليون عامل فلاحة جائبين الريف و منتهين فى المدن بحثا عن العمل و دون أي ضمان للعمل أو السكن.
• بين 1995 و 2000 فقط ، طُرد 48 مليون عامل من مؤسسات الدولة.
• و تنتشر العاهرات فى المدن. و بالصين توجد الآن سوق عالمية مزدهرة لأطفال إناث غير مرغوب فيهن.
• قاد حلّ الكمونات فى الريف إلى تداعي نظام الرعاية الصحية العمومي. فكان هذا عاملا كبيرا فى إنتشار طاعون السارس فى 2003 . وتجارة الجنس المزدهرة و تفاقم إستعمال مخدرات عن طريق الإبر و كون الفلاحين اليائسين يبيعون الآن دمهم للبقاء على قيد الحياة ، كل هذا ساهم فى أزمة مرض فقد المناعة / آيدس.
• إدخال ممارسات السوق الحرة فى الريف كان يعنى أن المدارس الريفية تموّل الآن برسومات التعليم والأسعار المطلوبة الأخرى. و النتيجة هي أن عديد القرويين الفقراء ما عادوا قادرين على توفير لوازم إرسال أطفالهم إلى المدارس.
• و التلوث يخنق المدن و الفضلات الصناعية تصب فى الأنهار و يستنزف إحتياطي الغابات- هذا هو الثمن البيئي لإقتصاد الطاغوت اللامبالي فى الصين و الذى تشيد به الحكومات فى الغرب .
حين رفع ماو شعار "خدمة الشعب " رفع دنك شعار " أن نكون أغنياء أمر عظيم "
لقد أعيد تركيز الرأسمالية فى الصين .
---------------------------------------------------------
(8 ) البناء على أساس الموجة الأولى من الثورات الإشتراكية :
سجلت هزيمة الثورة الصينية فى 1976 نهاية مرحلة. بلغت المرحلة الأولى من الثورات البروليتارية نهايتها. مثلت الثورة البلشفية لسنة 1917 أول إختراق فى إفتكاك السلطة و إستعمالها لأجل بناء مجتمع جديد. و مثلت الثورة الصينية قفزة نسبة للتجربة السوفياتية .
كان ماو تسي تونغ يبحث عن طريقة ووسيلة للحيلولة دون مسك الطبقة البرجوازية الجديدة بالسلطة. و قد إكتشف نهجا جديدا فى محاولة معالجة هذا المشكل و صاغ طريقا للتغيير الثوري كان تحرريا أكثر فأكثر تناسقا مع وسائل الثورة الشيوعية و أهدافها من التجربة فى الإتحاد السوفياتي لما كان بلدا إشتراكيا بين 1917و 1956. و مع ذلك منيت البروليتاريا فى الصين بالهزيمة. و اليوم لا وجود لدول إشتراكية فى العالم و نحن فى نقطة تطور إجتماعي حيث على الإنسانية أن تتجاوز الرأسمالية.
الرأسمالية ليست نهاية التاريخ بل هي فى الحقيقة أهم حاجز أمام تحقيق إمكانية عالم مغاير. لذا علينا ان نتعلم من الموجة الأولى من الثورات الإشتراكية. علينا أن نبني على أساس أفضل مظاهر التجارب السوفياتية و بخاصة الصينية غير أنه علينا أن ننقد الأشياء التى تقف فى الطريق المؤدى للشيوعية.
نحتاج إلى تلخيص و فهم ماركسي- لينيني- ماوي جديد. و هذه المهمة بالضبط هي التى نهض بها بوب آفاكيان،رئيس الحزب الشيوعي الثوري،الولايات التحدة الأمريكية وننصح و نشدّد على أن تكتشفوا مؤلفاته مثل "نهاية مرحلة و بداية أخرى" ، "الدكتاتورية والديمقراطية و الإنتقال الإشتراكي إلى الشيوعية"و"تجاوز القمتين الكبيرتين" و المؤلف المنشور فى الفترة الأخيرة "ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ،و العلم و الفلسفة".
خاتمة : طوّر بوب آفاكيان نموذجا جديدا من المجتمع الإشتراكي:
إن دكتاتورية البروليتاريا هي شكل سلطة الدولة و الحكم الطبقي الذى يخول للبروليتاريا و حلفائها المسك بناصية المجتمع ...و تغييره... و دفعه قدما صوب الشيوعية ، مجتمع من الأحرار المتعاونين. و نحتاج إلى قيادة صلبة و حالمة لتوجيه الصراعات المعقدة و الباعثة على التحدى لبلوغ هدف المجتمع الخالي من الطبقات. و نحتاج إلى مسك السلطة و لا نودّ أن نسمح للرأسماليين بإعادة إفتكاكها.
لكن كما يقول بوب آفاكيان ينبغى أن تكون السلطة الجديدة جديرة بالدفاع عنها. و على الإشتراكية أن تكون مجتمعا ينبض حياة و إثارة أين يبغى الناس العيش ... و أن تبسط الطريق نحو الشيوعية. و قد تطرق الشيوعيون الماويون إلى مختلف أوجه هذا التحدى بطرق وسعت آفاق الماركسية. و هنا نود أن نلقي الضوء على نظرة الشيوعيين الماويين إلى الحيوية و المعارضة الفكرية فى المجتمع الإشتراكي.
أهمية الحيوية الفكرية :
فى ظل الإشتراكية ، تطلق الجماهير الشعبية لتسيّر المجتمع و تغيره نحو الغاية الشيوعية. فى هذا المجتمع الإشتراكي نودّ و نحتاج التوحد مع و قيادة قطاعات عريضة من الشعب لتضع بين أعينها هدف إيجاد عالم جديد. فى هذا المضمار ، وجه الشيوعيون الماويون الإنتباه إلى أهمية المجالات الفكرية و الفنية و العلمية فى المجتمع الإشتراكي و الدورالخاص الذى يمكن أن يضطلع به المثقفون فى المجتمع الإشتراكي.
يمكن للمثقفين و الحيوية الفكرية أن يساهموا فى الديناميكية و روح الجدال التى يجب أن تميز المجتمع الإشتراكي. أحد المظاهر الأكثر إيجابية للحياة الثقافية هو الإتجاه نحو النظر إلى الأشياء بطرق جديدة و من نواحي جديدة لتحدى الوضع القائم والتفكير الضيق الأفق. و يحتاج هذا لأن يكون أكثر هو الحال السائد فى ظل الإشتراكية. إن الحيوية الفكرية و العلمية أساسيين للبحث عن الحقيقة و للناس لمعرفة العالم بشكل أعمق كي يستطيعوا تغييره بصورة أشمل.
تاريخيا ، كان الناس أسفل السلم الإجتماعي مبعدين عن خضم " الخوض فى الأفكار". يحدث المجتمع البرجوازي جزرا و جيوبا حيث بإمكان أقلية أن تخوض فى خضم الأفكار بينما تكون الغالبية الساحقة من الإنسانية مستغلة و ممنوعة من مواصلة النشاط الفكري. و على المجتمع الإشتراكي أن يغير هذا الوضع و أن يضع حدا للإستغلال و يأهل الجماهير الشعبية للخوض فى الأفكار و أن تفهم كافة أنواع الأسئلة و أن تشارك فى جميع المجالات الإجتماعية. و هذا شأن عالجته الثورة الثقافية بقوّة .
و فى نفس الوقت ، أشار آفاكيان إلى أن المجتمع الإشتراكي يحتاج إلى تقديم فرصة و مجال للمثقفين و الفنانين و العلماء. لا نريد أن نحافظ على و أن نعيد إنتاج قلاع عاجية كتلك الموجودة فى المجتمعات الرأسمالية و لا أن نخنق و نلجم المثقفين أيضا. نود أن نتحد معهم و أن نقودهم.
و هنا يتعين قول إنه وجد مشكل فى المجتمعات الإشتراكية السابقة. فقد ظهر توجه نحو النظر إلى النشاط الفكري الذى لا يخدم مباشرة أو ليس مرتبطا بأجندا الدولة الإشتراكية فى أي زمن معين على أنه غير ذى أهمية أو أنه يخل بهذه الأجندا. الآن و قد قدموا هذا الفهم و أشاروا إلى هذه الهنات ، يعيد آفاكيان رسم تجربة الثورة البروليتارية فى المجالات الثقافية و العلمية .
دروس مسألة ليسنكو :
مسألة ليسنكو شهيرة. كان ليسنكو عالم بعلم الزراعة. سوفياتي فى الثلاثينات ذو جذور بروليتارية. و قد دافع عن النظرية القائلة بأن الميزات المكتسبة يمكن أن تورث. و كانت هذه النظرية غير متناسقة مع البيولوجيا و علم الأجنة المعاصرين غير أنها كانت جذابة لأنها أعطت وعدا بالتوسع السريع لإنتاج الحبوب. و مثلما شددنا فى السابق حين ناقشنا التجربة السوفياتية ، وجدت حاجة حقيقية لمعالجة المشاكل الإقتصادية الكبرى. و شجع ستالين ليسنكو و أفكاره بشدة. و كان عديد العلماء الذين نقدوا ليسنكو من الحراس القدماء للأكاديمية و كان بعضهم رجعيا سياسيا فمُنع نقدهم و المشكل هو أنهم كانوا على صواب فى ما يخص العلم و كان ليسنكو مخطأ.
يرى الشيوعيون الماوين هذا مشكلا علامة فى الحركة الشيوعية العالمية إذ وجدت توجهات للتفكير بأن الماركسيين فحسب هم الذين يمسكون بالحقيقة. وجدت توجهات لإفتراض أن الشخص إذا كان رجعيا سياسيا فبالتالي يعنى ذلك أن الأفكار العلمية و الثقافية يجب أن تكون محل شك أو خاطئة.
و لكن هذه ليست مقاربة ماركسية للحقيقة. فالحقيقة هي الحقيقة ، لا يهم منبعها. و يمكن أن يمسك الرجعيون بجزء من الحقيقة. ليست الخلفية البروليتارية و لا الإلتزام بالماركسية و التغيير الثوري ضامنا للمسك بالحقيقة. و بالتالي علينا الحكم على النظريات على أساس علمي.
من الضروري أن تلج الماركسية مختلف مجالات البحث و تصل إليها و تطبق فيها بشكل خلاق لأن الماركسية هي الإنعكاس الأكثر صرامة و علمية للواقع المادي فى كل تبدلاته. و الماركسية تسمح بتلخيص الأشياء خدمة لمصلحة جماهير الشعب فى تغيير العالم. إلا أن الماركسية لا تعوض الجوانب الخصوصية للمجالات المعينة للمعرفة و الممارسة العلمية. و ليس الماركسيون على صواب دوما. و عادة يملك آخرون الحقيقة.
لذا علينا أن نبحث عن ديناميكية فى المجتمع الإشتراكي حيث يوجد هذا الصراع من أجل الحقيقة بكل غناه و تفاعلاته و حيث تشجع الماركسية و تطبق بشكل خلاق. علينا أن نتبع الحقيقة مهما كان الموقع الذى تؤدى إليه. و هذا جوهري كي نبلغ الشيوعية.
المخالفة فى الرأي و حقوق الشعب :
فى تجديد الرؤية الإشتراكية ، ما إنفك بوب آفاكيان يشدد على دور المخالفة فى الرأي فى المجتمع الإشتراكي . لقد قال إن الآراء المخالفة لا ينبغى السماح بها فحسب بل ينبغى تشجيعها بنشاط و هذا يشمل الأفكار المخالفة للحكومة .
و هذا أمر جديد تماما فى فهم الشيوعيين. لماذا نولى هذه الأهمية للأفكار المخالفة ؟ لأنها تكشف نواقص المجتمع الجديد و مشاكله...لأنها تساهم فى الفكر النقدي الفني الذى ينبغى أن يتخلل المجتمع الإشتراكي و يدفع البحث عن الحقيقة إلى الأمام ...و لأن الأفكار المخالفة يمكن أن تساهم فى الصراعات لأجل تعميق تغيير المجتمع. لن نبلغ الشيوعية دون هذا النوع من الزلزال .
الآن ما نناقشه هو فعلا مظهر من مظاهر الديمقراطية فى ظل دكتاتورية البروليتاريا. مع أنه لا يمكن أن نسمح للناس بأن تتنظم للإطاحة بالنظام ، فإننا لا نرغب فى وضع حيث يخشى الناس الكلام بصوت عال ضد النظام و يتعرضون للقمع مثلما حدث فى الإتحاد السوفياتي فى ظل ستالين. يجب أن يشعر الناس بأن لديهم مجالا للإختلاف مع الذين فى السلطة. و على المجتمع الإشتراكي أن يوفر اللوازم و المنافذ حتى يستطيع الناس التعبير عن هذه الآراء .
ينظم المجتمع الإشتراكي لأجل بلوغ القضاء على كافة الطبقات و الإختلافات الطبقية و تجاوز كافة الأنظمة و العلاقات الإستغلالية ،و تخطى جميع المؤسسات و العلاقات الإجتماعية كإستغلال النساء ، و تمكين الشعب من نبذ كافة الأفكار و القيم الإضطهادية و الإستعبادية. و يسجل هذا الهدف فى دستور المجتمع الإشتراكي. و سيقنن الدستور أيضا حق الغالبية الغالبة من المجتمع فى التعبير و المعارضة و الإحتجاج و ما إلى ذلك. لكن الطبقة الحاكمة المطاح بها و ممثلوها السياسيون و العمليون لن يتمتعوا بهذه الحقوق. و الذين يعملون بنشاط للإطاحة بالنظام الإشتراكي لن يتمتعوا بحقوقهم هذه أو سيضيق عليهم وفقا لجرائمهم فى المجتمع القديم أو فى المجتمع الإشتراكي الجديد.
و هذه الأمور لا يمكن تقريرها إعتباطيا فى المجتمع الإشتراكي بل سيجرى التعاطى معها و تقريرها عبر إجراءات و سيرورات دستورية قائمة و مفعلة. و لن تقمع وجهات النظر الرجعية السياسية و الإيديولوجية بما فى ذلك تلك التى تعارض النظام الإشتراكي و سياسات الحكومة إلا إذا شاركت أو كونت جزءا مباشرا من محاولات فعلية لتنظيم الإطاحة بالنظام الإشتراكي.
كتب آفاكيان أنه سيكون من المفيد السماح حتى للرجعيين بنشر بعض الكتب و الإجهار بالرأي فى المجتمع الإشتراكي فهذا سيساهم فى السيرورة التى ستتوصل من خلالها جماهير الشعب إلى معرفة العالم بصورة أشمل و القدرة على أن تفرز على نحو أشمل ما يتناسب و ما لا يتناسب مع الواقع و ما يتناسب و ما لا يتناسب مع مصالحها الجوهرية فى إلغاء الإستغلال والإضطهاد و اللامساواة الإجتماعية. هذه طريقة هامة ستأهل الجماهير بشكل أفضل للمشاركة فى تسيير المجتمع و العالم بأسره نحو الغاية الشيوعية.


رفع التحدى :
و إختصر هذا النمط من المجتمع الإشتراكي فى ما أسماه بوب آفاكيان " لب صلب مع كثير من المرونة "حيث يجب التمسك بالسلطة و التقدم بالمجتمع على الطريق المؤدى للشيوعية ، لا أن يعيد تركيز الرأسمالية. هذا هو اللب الصلب. و فى إطار مجتمع يتخطى كافة أشكال الإستغلال و الإضطهاد و اللامساواة ، يجب ان تتوفر مرونة أي نقاش واسع و حيوية و تجريب و زلزلة و أناس مندفعين فى كافة أنواع الإتجاهات الخلاقة و المتنوعة.
ما إنفك بوب آفاكيان يتفحصون تجربة الثورة الإشتراكية بهذه الطريقة النقدية و الباعثة على التحدى و يقومون بذلك من منظور تمكين الإنسانية من بلوغ الشيوعية. و قد أنتج جملة من الأعمال نشجع على الإبحار فيها. و نعتقد أنكم ستستفزون و ستفاجأون و ستستلهمون منها الكثير عند مطالعتها.
و نختم . بدأنا بالحديث عن الوضع الملح لهذه اللحظة من تاريخ العالم. هل ينبغى أن يحكم على الإنسانية بالعيش ضمن النظام القائم القاسي ؟ أم هل أن عالما آخر ممكن ؟ عالم مختلف راديكاليا، رائع ؟ نعم هذا العالم الرائع ممكن. و ما علاقة تجربة الثورة البروليتارية للقرن العشرين بكل هذا ؟ لها علاقة وطيدة للغاية ذلك أن هذه الموجة الأولى من الثورة سجلت بداية ، بداية تاريخية. حققت مكاسب عظيمة بيد أنه علينا أن نحقق ما أفضل. و علينا أن نمضي أبعد و أن نقوم بما هو أفضل .



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماوية : نظرية و ممارسة -5 - ملاحق كتاب - الثورة الماوية فى ...
- من مكاسب الثورة الماوية فى الصين( الفصل الخامس من كتاب - الث ...
- الماوية : نظرية و ممارسة - 5 - الثورة الماوية فى النيبال و ص ...
- الماوية: نظرية و ممارسة - 6- - جمهورية إيران الإسلامية :مذاب ...
- الماوية : نظرية و ممارسة - 4 - - الثورة الماوية فى الصين : ح ...
- إلى الأمام على الطريق الذى خطه ماوتسى تونغ ( نص للحركة الأمم ...
- الصين : من تحرير المرأة إلى إستعبادها( فصل من كتاب -الثورة ا ...
- من الصين الإشتراكية إلى الصين الرأسمالية
- الماوية: نظرية و ممارسة 2 - عالم آخر، أفضل ضروري و ممكن، عال ...
- الماوية : نظرية و ممارسة 4 - الثورة الماوية فى الصين : حقائق ...
- الماوية: نظرية و ممارسة 3 - لندرس الثورة الماوية فى النيبال ...
- خرافات حول الماوية
- الماوية : نظرية و ممارسة 1 - علم الثورة البروليتارية العالمي ...
- حقيقة ماو تسي تونغ والثورة الشيوعية في الصين
- الثورة الماوية فى الهند


المزيد.....




- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...
- اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك ...
- كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في المهرجان التضامني مع ...
- ال FNE في سياق استمرار توقيف عدد من نساء ورجال التعليم من طر ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - -الإشتراكية أفضل من الرأسمالية و الشيوعية ستكون أفضل حتى !- لريموند لوتا ( فصل من كتاب : عالم آخر، أفضل ضروري و ممكن، عالم شيوعي ... فلنناضل من أجله!!!)