أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - الماوية : نظرية و ممارسة - 5 - الثورة الماوية فى النيبال و صراع الخطين صلب الحركة الأممية الثورية















المزيد.....



الماوية : نظرية و ممارسة - 5 - الثورة الماوية فى النيبال و صراع الخطين صلب الحركة الأممية الثورية


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 3275 - 2011 / 2 / 12 - 12:31
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الماوية : نظرية و ممارسة - 5 - الثورة الماوية فى النيبال و صراع الخطين صلب الحركة الأممية الثورية


بقلم : شادي الشماوي




------------------------------------------- فهرس الكتاب-----------------------------------------------------
1- "ثورة النيبال :نصر عظيم أم خطر عظيم!" ، الحزب الشيوعي الإيراني (الماركسي –اللينيني-الماوي).

2- وثائق الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية :

مقال "الثورة "عدد160 : بصدد التطورات فى النيبال و رهانات الحركة الشيوعية :
- بعض الخلفية التاريخية.
- الوضع الراهن.
- التحوّل إلى التحريفية ، جذوره وإنعكاساته.
- الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) يردّ على الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية عمليا و نظريا.
- سويسرا جنوب آسيا أم قاعدة إرتكاز للثورة؟
- مساومة مع التحريفية فى الوقت الذى يحتاج فيه إلى قطيعة راديكالية .
- رهانات هذا الصراع و الحاجة الآن إلى تقديمه إلى العالم.
رسائل الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة:
-1: فى رسالة جانفى 2009، بعد عرض مقتضب جدا لما سبق من مراسلات و صراع منذ 2005 ، تعلم اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الثوري الولايات المتحدة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي النيبالي الموحّد ( الماوي) عزمها نشر الرسائل علنيا إذا لم تتصل بردّ شافي أو بسبب مقنع فى حدود منتصف فيفري2009.
-2 : رسالة أكتوبر 2005 إلى الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي) :
- الديمقراطية : الشكل و المضمون.
- الديمقراطية الشكلية فى ظلّ الإشتراكية.
- الجمهورية الشعبية أم أشكال إنتقالية؟
- التكتيك و الإستراتيجيا.
- إقتراح يبعث على التساؤل.
- حول "المجتمع الدولي".
- النيبال و النظام الإمبريالي العالمي.
- الديمقراطية و الفئة الوسطى.
ملاحق رسالة أكتوبر 2005 :
- ملحق 1: "التطوير الخلاق للماركسية-اللينينية-الماوية ، ليس للتحريفية".
- ملحق 2 : "مزيدا من التفكير حول : الدولة الإشتراكية بما هي دولة من نوع جديد".
-3 : رسالة 19 مارس 2008 إلى أحزاب و منظمات الحركة الأممية الثورية :
- تكتيكات مربكة تطبيقا لخطّ إيديولوجي و سياسي خاطئ.
- ما الهدف : "إعادة هيكلة الدولة " أم "تحطيمها"؟
- الديمقراطية البرجوازية و الديمقراطية الجديدة.
- الديمقراطية البرجوازية "النسبية " أم نظام الديمقراطية الجديدة ؟
- الأرض لمن يفلحها.
- حول الدستور و الحكم الطبقي.
- الممارسة الثورية.
- من يخدع من ؟
- تسليح الجماهير بالحقيقة أم نسج الإرتباك عمدا؟
- توغلياتي و توريز.
- إعادة كتابة تاريخ الحزب.
- مزيد التنكّر للحقائق التاريخية.
- البعد العالمي.
- "مزج الإثنين فى واحد " أم "إزدواج الواحد" ؟
- الدفاع عن الإنتقائية.
- جوهر المسألة - الخطّ الإيديولوجي و السياسي.
- ما هو نوع التلخيص الإيديولوجي الذى نحتاج إليه؟
رسالة نوفمبر 2008 إلى الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي ) و إلى كافة أحزاب و منظمات الحركة الأممية الثورية:
- المشكلة هي خطّ الحزب
- الديمقراطكية الجديدة والإشتراكية حجرين أساسيين فى الطريق نحو الشيوعية.
- معجزة الإنتخابات؟
-"دون جيش شعبي لن يكون هناك شيئ للشعب "
- جزء من إعادة بعث الشيوعية الثورية أم جزء من قبرها ؟
- تلخيص جديد أم ديمقراطية برجوازية قديمة ممجوجة ؟
- "محرّرو الإنسانية" أم مشيّدو سويسرا جديدة ؟
- صراع خطّين أم صراع " الخطوط الثلاثة" ؟
- خلاصة القول : لنقاتل من أجل إنقاذ الثورة !
3- رسالة الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الثوري،الولايات المتحدة الأمريكية:
1 جويلية 2006

-الإطار التاريخي.
- التجربة التاريخية و جهودنا.
- الدولة ، الديمقراطية و دكتاتورية البروليتاريا.
- الجمهورية الديمقراطية- شكل إنتقالي.
- الإستراتيجيا و التكتيك.
- الجمهورية الديمقراطية الجديدة للنيبال و الجيش .
- نقاط ملخصة.
- خاتمة.
4-" لنقاتل من أجل إنقاذ الثورة فى النيبال"، الشيوعيون الثوريون الألمان :

1- دور النظرية و الأخطاء الإستراتيجية التاريخية.
2- الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) و النظرة المادية للمجتمع و التاريخ.
3- الهجوم الإستراتيجي ، "حلّ سياسي" و المنهج العلمي الشيوعي.
4- مسألة الإستراتيجيا ،إتفاق السلام الشامل وإفتكاك السلطة عبر البلاد بأسرها.
5- الواقع وواقع المزج القاتل بين الإختزالية و البراجماتية.
6- الخاتمة.
5- رسالة مفتوحة إلى الحزب الشيوعي النيبالي الموحّد ( الماوي) من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي) :

1- تحديد طبيعة الدولة فى النيبال و آفاق إنهاء الثورة.
2- بصدد الحكومة الإئتلافية.
3- بصدد قواعد الإرتكاز و نزع سلاح جيش التحرير الشعبي.
4- بصدد ديمقراطية القرن الواحد و العشرين.
5- بصدد طريق الثورة فى البلدان شبه المستعمرة شبه الإقطاعية : نظرية المزج.
6- بصدد مرحلة الثورة فى النيبال.
7- بصدد فهم الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي) للتوسعية الهندية.
8- بصدد الفيدرالية السوفياتية لجنوب آسيا.
9- بصدد طريق برانشندا.
10- بصدد الأممية البروليتارية.
11- لن يتمكّن خط ثوري من إعادة تركيز نفسه و إنجاز الثورة النيبالية إلاّ عبر خوض صراع صارم ضد الخطّ الإنتهازي اليميني الذى تتبعه قيادة الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي).

6- ملاحق :

1- حول طرد الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) من الحركة الأممية الثورية.
2- بعض الوثائق النيبالية المتصلة بالإنتخابات و نتائجها فى النيبال:
3- تصريحات ماويين آخرين حول النيبال:
============================================
مقدّمة:
للمرّة الثانية تشهد الحركة الأممية الثورية التى تشكلت فى 1984 صراع خطين عميقا وعلنيّا. فقد خاضت الحركة فى غالبيتها صراع خطين ضد الخطّ الإنتهازي اليميني داخل الحزب الشيوعي البيروفي الذى ظهر للعيان عقب إعتقال زعيم الحزب غنزالو و قياديين آخرين بداية التسعينات داعيا إلى إيقاف حرب الشعب و حلّ قواعد الإرتكاز و الإندماج فى إطار النظام القائم بتقنين الحزب، فى إنتظار فرص أخرى للإنطلاق مجدّدا فى حرب الشعب. و صدر عددا خاصا من"عالم نربحه" (عدد 21) خصّص لدحض مقولات الإنحراف اليميني و كانت أهم وثيقة فيه تلك التى صاغها الرفاق الإيرانيون / سربداران بطلب من قيادة الحركة.
منذ سنوات يخاض صراع خطين بشأن توجه الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) الذى صار يسمى الآن الحزب الشيوعي النيبالي الموحّد( الماوي) إثر توحّده مع الحزب الشيوعي النيبالي – (ماشال) الذى طردته الحركة الأممية الثورية من صفوفها فى التسعينات( أنظر الملحق 1) . و منذ أواخر مارس 2009 بنشر الحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية الرسائل المتبادلة مع الماويين النيباليين و دعوته لخوض صراع الخطين عالميا إكتسى الأمر طابعا أمميا علنيا.
و مذّاك درس الكثيرون الواقع و الوثائق و صرّحوا بمواقفهم إزاء هذه القضية.
و تنبغى الإشارة إلى أن الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي) لم يكفّ منذ سنوات عن إتخاذ موقف ناقد علني - بيانات و تصريحات و حوارات صحفية، و مقالات...- لما يعدّه إنحرافا عن المبادئ الماوية. و قبل بضعة سنوات ، وجّه الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي-اللينيني-الماوي) رسالة إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي) (نشرت على الإنترنت سنة 2008) فيها شرح قراءته للتطورات فى الصراع الطبقي و داخل الحزب النيبالي و نقد التوجهات التى إعتبرها إنحرافا عن مبادئ الماركسية -اللينينية-الماوية و لاحقا كتب بيانا نقديا بمناسبة فوز الماويين النيباليين بإنتخابات أفريل 2008. كما توجّه الماويون الأفغانيون بالنقد المباشر للحكومة النيبالية التى كان يقودها الماويون لإبقائها الجيش النيبالي بأفغانستان يعمل ضمن القوى الإستعمارية و فى خدمتها ضد الشعب الأفغاني... أمّا المنعرج و نقطة التحوّل فى مسار الصراع الداخلي ضمن الحركة إلى صراع علني جماهيري فكان نشر الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية للرسائل المتبادلة مع اللجنة المركزية للحزب النيبالي و لتعليق و نداء لخوض الصراع المبدئي حول المسائل الخلافية الغاية فى الأهمّية وذلك فى العدد 160 من جريدة "الثورة "، نهاية مارس2009.
و مذّاك تتالت البيانات و البحوث و النقد و نشرت علنيا المواقف المتباية و أحيانا المتناقضة من قبل عدد لا بأس به من التنظيمات والأحزاب الماوية سواء تلك المنتمية للحركة الأممية الثورية أو التى خارجها. و يهمنا هنا أن نعرض بصورة خاصة ، مثلما يقتضيه عنوان الكتاب ورغم أن هناك نصوص قيمة صاغها أشخاص او صاغتها مجوعات أو تنظيمات وأحزاب لا تنتمى للحركة الأممية الثورية ، جملة من أهمّ الوثائق الصادرة عن الماويين المعروفين بإنتمائهم إلى الحركة الأممية الثورية ، بإستثناء الحزب الشيوعي الهندي (الماوي). ويعزى هذا الإستثناء لأمرين إثنين أولهما أنّ "مركز الوحدة الماوية" الذى شكّل هو و "حرب الشعب " هذا الحزب الشيوعي الهندي (الماوي) كان قبلا عضوا بالحركة و ثانيهما أنّ هذا الحزب تربطه بالماويين النيباليين المنتمين للحركة علاقات متينة لسنوات سيما و أنهما ناضلا معا ضمن إطار تنسيقية التنظيمات و الأحزاب الماوية لجنوب آسيا و من هنا رأينا أنه لزاما علينا أن نورد واحدة من أهمّ وثائقه المتعلّقة بالموضوع الذى نحن بصدده ضمن الوثائق المعروضة عليكم فى هذا الكتاب.
قد يقفز إلى الأمام بعض الإنتهازيين المتأثّرين بالنظريات الدغماتحريفية الخوجية ليقولوا مهلا صراع خطين من جديد! لأنور خوجة الحقّ فى إتهامه للماويين بالتنظير لصراع الخطين و التشجيع عليه داخل الأحزاب بما يتنافى مع الماركسية-اللينينية. و الإجابة الماوية على هكذا ترهات خوجية قديمة الآن و عناصرها الأساسية هي أنّ صراع الخطين حقيقة موضوعية على كلّ مادي جدلي الإعتراف بها لا إنكارها و دراسة تاريخ تطوّر الحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي زمن لينين و ستالين و العشر صراعات خطين فى الحزب الشيوعي الصيني لوحدهما يؤكّدان هذه الحقيقة الموضوعية التى لا يدير ظهره لها إلاّ المثاليون الميتافيزيقيون. و الماويون بما هم ماديون جدليون يعترفون بالواقع الموضوعي كخطوة أولى تفسيرا للعالم من أجل تغييره. و تغيير الواقع الحزبي المتضمن لصراع الخطين تغييرا ثوريا و من وجهة نظر البروليتاريا يقتضى إضافة إلى الإعتراف بالواقع خوض الصراع بوعي تام و وفق منهج الشيوعية و أهدافها كي يتمّ الحفاظ على اللون الثوري البروليتاري للحزب و لا يسقط بين أيدى الإنتهازيين فيتغيّر لونه ليغدو حزبا برجوازيا و إن ظلّ لفترة يقدّم ذاته على أنّه شيوعي فى الكلام فقط طبعا بينما يمارس التحريفية و يخدم البرجوازية لا البروليتاريا و مصالحها الآنية و الإستراتيجية. و تكفى هنا نظرة على ما حصل لحزب العمل الألبانى ذاته زمن أنور خوجا و بعد ذلك لإثبات صحّة النظرة الماوية و خطأ الخوجية فى هذا الصدد.
يقول الرئيس ماو :" إن تضاد الأفكار المختلفة و الصراع بينها فى صفوف الحزب ينشأ على الدوام ، وهو إنعكاس داخل الحزب للتناقضات بين الطبقات و التناقضات بين القديم و الجديد فى المجتمع" ( "فى التناقض" المؤلفات المختارة لماو تسى تونغ" باللغة العربية ، المجلّد 1، صفحة 462 ).

و تعتبر نظرية وممارسة صراع الخطين واحدة من أهمّ مساهمات ماو تسى تونغ فى علم الثورة البروليتارية العالمية إذ سمحت هذه النظرية بفهم أعمق لحياة الحزب و كيفية تغيّر طبيعته و أجابت على نحو صحيح تماما على مسألة من أعوص المعضلات التى لم يفهمها غالبية الشيوعيين فى أواخر الخمسينات- و لن يفهمها بالتأكيد الخوجيون المثاليون الميتافيزيقيون المؤمنون بالحزب "النقي" الخالي من صراع الخطين- ألا وهي كيف تحوّل حزب لينين و ستالين البروليتاري إلى حزب خروتشوف الخادم للبرجوازية الجديدة منها و القديمة. كما سمح هذا الإختراق الماوي بتسليح الثوريين ورفع وعيهم و يقضتهم و إستعدادهم لخوض صراع خطين عن وعي لصيانة الخطّ الثوري دفعا للثورة نحو الهدف الأسمى الشيوعية عبر العالم قاطبة.
و ليس صراع الخطين سوى تطبيق للقانون الجوهري للجدلية و نقصد التناقض أو وحدة الأضداد على الحزب كأحد الظواهر الحيّة . "إن أسلوب التحليل هو الأسلوب الديالكتيكي. و نعنى بالتحليل تحليل التناقضات الكائنة فى الأشياء. و بدون معرفة تامة بالحياة و فهم حقيقي للتناقضات المراد بحثها، يستحيل إجراء تحليل سديد." (" مقتطفات من أقوال الرئيس ماوتسى تونغ" ، ص226.) و" تعتبر الفلسفة الماركسية أن قانون وحدة الأضداد هو القانون الأساسي للكون. وهو قانون مطلق الوجود سواء فى الطبيعة أو فى المجتمع البشري أو فى تفكير الإنسان. فبين الضدين فى تناقض ما توجد وحدة و صراع فى آن واحد، و هذا ما يبعث الحركة و التغيير فى الأشياء. إن التناقضات موجودة فى كلّ شيئ ، إلاّ أن طبيعتها تختلف بإختلاف طبيعة الأشياء. فالوحدة بين الضدين فى التناقض الكائن فى كلّ شيئ محدد هي ظاهرة مقيّدة ، و موقوتة ، و إنتقالية، وهي لذلك نسبية، أمّا الصراع بينهما فإنه يبقى مطلقا دون تقييد." (المصدر السابق ، ص 225- 226.)
لا يتمّ صراع الخطين من طرف الماويين، كما يدعى الخوجيون زورا، بغية تحطيم الحزب و تفكيكه بل بالعكس الهدف الدائم للماويين الشيوعيين الثوريين حقا هو خدمة الثورة الشيوعية محلّيا وعالميا و إن إستدعت الضرورة ، بعد بذل الجهد اللازم لمعالجة المرض و إنقاذ المريض أي نقد الخطّ الخاطئ والرفاق المخطئين و مطالبتهم بتقديمهم لنقدهم الذاتي ، يطرد الإنتهازيون المتشبثون بالخطّ التحريفي بما قد يضعف الحزب عدديا فى لحظة ما لكنّه يقويه و يعزّزه إيديولوجيا و سياسيا ليخدم على أفضل وجه الثورة . و هكذا تكسر وحدة مؤقتة نسبية لتشكّل وحدة مؤقتة نسبية أرقى عبر الصراع الذى هو ماديا جدليا مطلق دائم و قد لخّصت هذه السيرورة خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فى الصين الماوية (1966-1976) فى صيغة وحدة – صراع –تحويل.
و من يتطلّع إلى نقاش و تفسير دقيق و عميق لصراع الخطين من المنظور الماوي الحق فإنّ على سبيل الذكر لا للحصر، مضامين العدد 21 من مجلّة الحركة الأممية الثورية "عالم نربحه" قد توفّر شيئا لا بأس به من المادة المطلوبة.
و نشدّد على أنّه ثمة ضرورة ملحّة و أكيدة لدراسة هذا الصراع منهجا و مضمونا و المساهمة فى خوضه قدر الإمكان فمصيرالحركة و مستقبلها مرتبط به وإنعكاساته ستكون عالمية لا محالة هذا فضلا عن كونه مدرسة للتعلّم و رفع مستوى وعينا الإيديولوجي و السياسي وإستخلاص دروس مفيدة لنا نظريا وعمليا. وفى هذا المضمار نستحضرجملا للينين وردت فى "ما العمل؟" بشأن أهمية النضال النظري و"صحة الخط الإيديولوجي و السياسي أم خطأه هي المحدّدة فى كلّ شيئ" كما عبّرعن ذلك ماو تسى تونغ: فإضافة إلى الجملتين الشهيرتين "لا حركة ثورية دون نظرية ثورية " و "لا يستطيع القيام بدور مناضل الطليعة إلاّ حزب يسترشد بنظرية الطليعة " لدينا فقرتان قد نسيهما أو تناساهما البعض على الرغم من كونهما فى منتهى الدلالة هما :
1 – "إنّ الحركة الإشتراكية - الديمقراطية [ لنقرأ الشيوعية ]هي حركة أممية فى جوهرها. و ذلك لا يعنى فقط أنه يتعيّن علينا أن نناضل ضد الشوفينية القومية . بل ذلك يعنى أيضا أن الحركة المبتدئة فى بلاد فتية لا يمكن أن تكون ناجحة إلاّ إذا طبقت تجربة البلدان الأخرى. و لبلوغ ذلك لا يكفى مجرّد الإطلاع على هذه التجربة أو مجرّد نسخ القرارات الأخيرة .إنّما يتطلب هذا من المرء أن يمحص هذه التجربة و يتحقّق منها بنفسه."
و 2- " و ينبغى للمرء أن يكون قصير النظر حتى يعتبر الجدال بين الفرق و التحديد الدقيق للفروق الصغيرة[ فما بالك بالكبيرة!] أمرا فى غير أوانه أو لا لزوم له. فعلى توطد هذا "الفرق الصغير" أو ذلك قد يتوقف مستقبل الإشتراكية-الديمقراطية الروسية [ الشيوعية العالمية فى حالنا اليوم] لسنوات طويلة، طويلة جدّا."( لينين :"ما العمل؟" ضمن فقرة "إنجلس و أهمية النضال النظري").


=====================================

1- "ثورة النيبال :نصر عظيم أم خطر عظيم!" ، الحزب الشيوعي الإيراني (الماركسي –اللينيني-الماوي).

ثورة النيبال: نصر عظيم أَم خطر عظيم!
(" حقيقات " عدد 40 - 30 ماي 2008)
النصر الأخير للحزب الشيوعي للنيبال (ماوي) في إنتخابِ الجمعية التأسيسيةَ وإعلان إنهاء الحكم الملكي بعمر 240 سنةً ، في جلسة جمعيته التأسيسيةِ الأولِ (28 ماي 2008)، وبداية "جمهورية النيبال الفيدرالية " مرةً أخرى شدّ الإنتباه إلى التَطَوّراتِ في هذه البلادِ. فسيطرت الغبطةُ على العديد مِن الثوريين والقوى التقدميةِ فى العالم وأرسلت العديد مِن الأحزاب اليسارية من حَولِ العَالَمِ رسائلَ التهاني إلى الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي ) لهذا النصرِ الإنتخابيِ.
من النظرة الأولى، هذه الغبطةِ مفهومةُ. فالكثير سعداء لأن راية الشيوعية رفعت كسلطة مرةً أخرى في القرنِ الجديدِ. إنهم يَشْعرونَ بأن نصر الماويين النيباليين وجّه الأفكار مجدّدا إلى الشيوعيةِ كبديل. لكن السؤالَ هو ما مدى تبرير هذه الغبطةِ وما هي قاعدتها الموضوعية؟ وهل أنه بوسعنا قول إن مستقبل الثورةِ في النيبال على هذا الطريقِ مستقبل وضاء؟
بالطبع سقوط الحكم الملكي في النيبال وإلغائه كقاعدة للهندوسيةِ من خلال كفاحِ العُمّالِ والفلاحين فى النيبال بقيادةِ الماويين، نصر و حدث سعيد. لكن تحوّل النيبال إلى "جمهورية" لا يحلّ التناقضاتَ الطبقية الأساسيةِ التى إستهدفت حربَ الشعب معالجتها.
لم يعلن حزبنا إبتهاجا بهذا النجاحِ الإنتخابيِ. و أثارت هذه المقاربة الكثير مِنْ الأسئلةَ في عقولِ الناسِ، بإعتبار كون حزبِنا، سويّة مع الحركةِ الأممية الثوريةِ وكُلّ أحزابها ومنظماتها، كَانَ مؤيدا قويا لحربِ الشعب في النيبال. و يعزى هذا خصوصاً لأنه إثر حركة أفريل الشعبية في النيبال (2006) وتطور قوّةِ حربِ الشعب، متجهة مِن الريفِ إلى المُدنِ، تَوقّعت إفتتاحية "حقيقات" (30 - أكتوبر 2006) نصرَا ممكنا لثورةِ النيبال و أفق تركيز دولة إشتراكية هناك. و بالرغم من أن ذلك العدد من "حقيقات" أشار بشكل صحيح إلى المشاكلِ الموضوعيةِ التي كَانت في طريقِ هذه الثورةِ وإلى وجودِ بَعْض التشويشِ في التفكير الإستراتيجي للحزب الشيوعي النيبالى (الماوي) يَتعلّقُ بمميزّاتِ دكتاتوريةِ البروليتاريا – إنطلاقا من الدروس الإيجابيةَ والسلبيةَ لأعظم تجربتين فى القرنِ العشرونِ، التجربتين الروسية والصينية- بثّت الإفتتاحية (وعنوانها بشكل خاص) الوهمَ بأن الماويين النيباليينِ كَانوا سيَستولونَ على السلطةِ عبرالبلادِ قريباً. و بيّن سير الأحداثُ أن ذلك تنبؤ غير ناضج وأحادي الجانب. عملياً، واجهت الثورةَ النيباليةَ مشاكلا حادّة ومعقّدةَ جداً وتوقفت عمليةَ سيرورة إفتكاك السلطة .
ما يَجِبُ التأكيد عليه هو أنّ الثورةَ في النيبال ملك لبروليتاريى و شعوب العالم. و على الحركة الشيوعية العالمية و بوجه خاص الأحزاب الماوية ، بينما تتَعَلّم مِنْ تلك الثورةِ و تبتهج لإنتصاراتها ، أن تفتح عيونَها وتَرى العوائق السياسيةَ والإيديولوجيةَ الخطرةَ في طريقِها وأن تنهض بالدوراللازم بهذا الخصوص. وقد أدلى حزبُنا بدلوه فى هذه المهمّةِ إلى الآن وسيفعل أكثرَ. فأيّ نوع من اللامبالاةِ وقلةِ تفحص الغطاءِ اليساريِ (لكن ذى الطبيعةِ اليمينيةِ العميقةِ) يشبه الدَعوة إلى "ثورة أخرى" أَو بالأمنياتِ يُؤكّدُ بِسذاجة" خبرةِ الحزب الشيوعي النيبالى التكتيكية في القيام بالتحليل الملموس للواقع الملموس " يعنى الإنحراف عن المهام الأممية ، و إتخاذ موقف لامبالاة تجاه الدفاع عن مكاسب الثورةِ الأكثر أهميةً في بداية القرنِ الواحد والعشرينِ، وعدم قدرة على موَاجَهَة المشاكلِ الحقيقيةِ التي تواجهها الثوراتِ البروليتارية فى الوقت الراهن .
---------------
إنه لمن الواضح أن نصرِ الماويين في الجمعية التأسيسيةِ والتَحَوُّل إلى الحزب الحاكم في الحكومةِ لَيسَ مساويا لإفتكاك السلطة السياسيةِ. فمشاركة الشيوعيين النيباليينِ في النظامِ لا يعنى ولادةَ دولة ثورية جديدة. مشاركتهم فى دولة إقطاعية كمبرادورية لا يحوّل تلك الدولة إلى دولة ثورية بقيادة البروليتاريا. إنّ الإختلافَ بين الدولة والحكومةِ أحد أهمّ العناصرِ الأساسيةِ لنظريةِ الدولة والثورةِ في علم الماركسيةِ الثوري. إن الدولة أداة هيمنة سياسية و إقتصادية و إجتماعية لطبقة على طبقة أخرى. والحكومة شكل يمكن أن تتخذه أيّة دولة في إطارالظروف السياسيةِ التاريخيةِ المختلفةِ. وعلى سبيل المثال، حكومات الطبقة البرجوازية الحاكمةِ يُمْكِنُ أَنْ تَأْخذَ أشكالا مثل الجمهوريةِ البرجوازيةِ،الحكم الملكي، أَو أنظمة تيوقراطية فاشية (مثلما هو الحال في إيران ). و كذلك يُمْكِنُ للدول البروليتارية أَنْ تَأْخذَ أشكالَ الجمهورية الديمقراطية الشعبيةِ أَو الجمهوريةِ الإشتراكيةِ السوفيتيةِ أَو الأشكال الفيدرالية. و تغيير شكل نظام حكم إلى آخر لا يَعْنىَ تغييرَ نظام الدولة. من الناحية التاريخية، رَأينَا حالات عديدة جرى خلالها تغييرأنظمةَ (أَو حكومات) دون تغيّر الطبيعة الطبقية للدولة مطلقاً. في ثورةِ 1979 بإيران، تمّ إسقاط نظام الشاه دون تحطيم حكم الطبقات الرأسمالية الكمبرادورية والإقطاعية. فقد جرت الإطاحة بنظام الشاهِ دون تركيز دولة الطبقة العاملة وحلفائها من الشغالين و الكادحين الآخرين. فقط بواسطة إمتِلاك هذا النوعِ مِن الدولة من الممكن إعادة تنظيم المجتمعِ على أساس ثقافي وإجتماعي وإقتصادي جديدة كلّياً. ونظام الدولة الذي إعتمدَ عليه نظام الشاه (بالملموس الجيش، والنظام الأمني وأجهزته، السجون، و المحاكم، والعلاقات الدولية، الخ. ) لَمْ يقع فقط تحطيمه و إنما أعيد تنظيمه كجزء من سيرورة تعزيز نظام حكم ديني رجعيِ. والنظام الجديد ما كَانَ سلطة سياسية جديدة، و إنما في الحقيقة، برمزه الديني، أصبحَ أكثر رجعية و أكثرَ كفاءة مِن ذى قبل في قَمْع أغلبيةِ المُضطهَدينِ فى إيران وقمع النِساء بشكل خاص. لم يقع المسّ من الأساس الإقتصادي - الإجتماعي للدولة و أيضاً بسبب آمالِ الناسِ حول "الثورةِ"، نجى مِن هجماتِهم الغاضبةِ وبهذه الطريقة كسب وقتا لإعادة بناء وتوطيد نفسه. وتبعيته العميقة للرأسماليةِ الإمبريالية التي شكّلت الدولة الإيرانية لم تبق فحسب سليمةُ بل أخفيت عن عيونِ الجماهيرِ بغطاء "الإستقلالِ". إنّ سببَ تشديدنا على هذه التجربةِ هوأَنْ نُشيرَ إلى أنّ تَغْيير حكومة لا يَجِبُ أَنْ يخلط مع تغييرِ طابع و طبيعةِ الدول. لِهذا على الدوام عرّف الشيوعيون نصرَ ثورة ب "التَحْطيم الكامل للدولة".وفي النيبال، لم تولد بعدُ دولة ثورية جديدة من تَحْطيم الدولة القديمةِ.
في 2006 ، وقّعَ الحزب الشيوعي للنيبال إتفاقيةً سُمّيت "إتّفاقية سلام شامل" مع الأحزاب البرلمانيةِ فى تلك البلادِ. و كان هدف هذه الإتفاقيةِ تركيز السلامِ والشروع فى عملية سلمية لتَأسيس الجمعية التأسيسيةِ وتشكيل جمهورية برجوازية قائمة على إنتخابات تشارك فيها أحزاب عديدة و من بينها الحزب الماوي. وأعلنَ الماويون بأنّ حربِ الشعب إنتهتْ وبأن جيش التحرير الشعبي وُضِعَ فى معسكراتِ تحت مراقبة الأُمم المتّحدةِ.
في ذلك الوقت، كَتبت اللجنة المركزية لحزبِنا رسالة خاصّة إلى الحزب الشوعي النيبالي ( الماوي ) تَنتقدُ بجدية وتُحذّرَ من هذه السياسةِ بينما تُشيرُ للحقائقَ التي كَانت ولدت من التجاربِ المرّةِ والداميةِ مِن نضلات بروليتاريا شعوب العالمِ ، بما فيها تجربةِ ثورةِ 1979 في إيران. (2). في معارضةِ لتكتيك الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) المستند على " إتّفاقيةِ السلام الشامل" حذّرت قيادتنا من خطر أن :
"… تكتيك حزبكم هذا يُمْكِنُ أَنْ يعيد الحياة لأعداء الثورةِ ويُساعدُهم على العودة بإستراتيجية ذكية لبناء دولة حيوية وفعاّلة. لا تَنْسِوا أنّ واحد من أهم أسبابِ قدرة حرب الشعب على الإنتشار بسرعة كان عدمِ إستقرار هذه الدولة و تفككها."
"… لم تستطع التحالفات الطبقية الرجعية اللاشعبية التي حَدثت في النيبال منذ 1990 فى شكل ديمقراطيةِ برلمانيةِ، لم تستطع أَنْ تعزّز الدولة بحكم التناقضاتِ المتأصّلةِ فى تلك التحالفِات ولدرجة أكبر بفعل حربِ الشعب. والآن، يُحاولونَ أَن يُنفّذوا سيرورة التعزيزِ من خلال، من ناحية، إبعاد الملكَ وإبعاد حرب الشعب، من الناحية الأخرى. وإذا نجحوا فى هذا فإن النتيجةِ سَتَكُونُ دولة جمهوريةِ إقطاعية كمبرادورية. و يُمْكِنُ أَنْ تشهد هذه السيرورة الكثير مِن التقلباتِ، بما أنه يَجِبُ عليهم أَنْ يُقنعوا الملكَ و يَجِبُ عليهم أَنْ يَرضوا تيارات مثل "الحزب الشيوعي النيبالي الموحد (الماركسي –اللينيني ) (الحزب التحريفي العامل ضمن النظامِ)، أَو طرده الخ. لكن، الشيء الرئيسي في القضية بأسرها هو دفع الماويين إلى هذه السيرورة و تجنيد مساعدتهم في تَطبيقها." (2)
وحذّرت تلك الرسالةِ أيضاً من الأهدافِ التي تريد تحقيقها الأحزاب الحاكمةِ في النيبال والهند من خلال تَوْقيع هذه الإتفاقيةِ:
"هدفهم إستبعاد كلّ من الملك و السلطة الشعبية الثورية التى تشكلت عبرعقد الحربِ الشعب في مناطق الإرتكاز؛ و إعادة تنظيمِ الدولة القديمةَ كجمهورية إقطاعية كمبرادورية و محورِها حزبِ المؤتمر (الحزب الحاكم الموالى للهند) والماويون- بالطبع إذا تحوّل الماويون مِن حزب يخوض حربَ الشعب إلى حزب سياسي ضمن النظامِ "" (2)
تَسْألُ رسالةُ اللجنةِ المركزيةِ قيادةِ الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي ):
"هَلْ يستحيل عليها (الطبقات الحاكمة للنيبال والهند والإمبريالية الأمريكية) تحقيق هذا؟ لا! بالطبع من المحتمل أن يقاوم الملكُ و جزء من الإقطاعيين و الكمبرادوريين الذين يمثلون قاعدةَ الملكِ بالإضافة إلى الجنرالاتِ العسكريينِ النيباليينِ هذه الخطةِ. لكن، حتى في مثالِ إيران في 1979 رَأينَا أنّ الجنرالاتَ الأمريكانَ أقنعوا جنرالاتَ الجيش الإيرانيينَ لتَرْك الشاهِ يَذْهبُ ويَأْخذُوا جانبَ خميني. في النيبال من المحتمل أيضاً أن يترك الجنرالاتُ النيباليونُ الملكَ يَذْهبُ ويَأْخذواُ جانبَ حزبِ المؤتمر." (2)
ثمّ تثيرالرسالة سؤالاً آخر:
"هَلْ يستحيل عليها السماح للماويين بالإنظمام إلى هيكل دولة جديد لَهُ شكل الجمهوريةِ لكن محتوى دكتاتوريةِ الطبقة البرجوازية الكمبرادورية ؟ "
"نحن مدركون أن الدولة الهندية وجزءَا من الطبقات الإقطاعية و الكمبرادورية النيبالية الذين يمثّلهم حزب المؤتمر يَعتقدانِ بأنّ هناك فرصة جيدة لتحقيق ذلك. نَعْرفُ بأنّ الطبقات الحاكمةَ للهند قامت بهذا قبل ذلك في الهند وهي مدركة للقوةِ السحريةِ لكَسْب الشيوعيين السابقينِ إلى هيكلِ الدولة وبذلك يُمْكِنُ أَنْ يَعطوا حياة جديدة إلى الدولة القديمةِ. خلال تاريخِ حكمها، إستطاعت الطبقات الحاكمة للهند أَنْ تُعيدُ تنظيم دولتها وتُجدّدُها من خلال كَسْب الشيوعيين السابقينِ وجزءِ من ممثلي حركاتِ المُضطهدينِ إلى دولتها القائمة. بهذا، إستطاعت التحوّل مِنْ دكتاتوريةِ غير كفأة وغير مستقرةِ إلى دكتاتورية رجعية فعالة أكثر ضدّ الجماهيرِ. والدور الخانق للأحزاب "الشيوعيةِ" المُخْتَلِفةِ في الهند في تَسكين الإندفاع وتمرّد الجماهيرِ ما كَانَ أقل مِنْ الدورِ التدميريِ للدينِ والعناصرِ الإيديولوجيةِ الأخرى للطبقات الرجعيةِ. فالطبقات الرجعية الهندية خبيرة في تحويل الشيوعيين مِنْ خصومِ قدامى إلى شركاءِ حاليينِ. والآن هم يسعون للقيام بالشيئ نفسه في النيبال."
و تقول الرسالة، بعد تَحليل الخطةِ الإستراتيجيةِ للعدو في تَوْقيع إتّفاقيةِ السلام الشاملِ مَع الماويين:
"هذه الخطةِ الإستراتيجيةِ تقوم على نجاح جزئين متكاملين من التكتيك. أولا، تحويل هذا النظامِ الإقطاعي الكمبرادوري المؤقت إلى نظام دائم بعد إنتخاباتِ الجمعية التأسيسيةَ. ثانيا، فصل ماويي النيبال عنْ الثوريين في الهند وحول العالمِ."
وتُصرّحُ الرسالة بشكل واضح بأنّ، "إستعمال الطبقات الحاكمة لمثل هذه الإستراتيجيةِ ليس بالشيئ الجديد. و لقد سَمّاه لينين "حلّ دستوري" من قبل الدولة القديمة لنهاياتها المسدودةِ وأزمةِ شرعيتهاِ." (2)
لا تُغيّرُ مشاركة الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) في الحكومةِ المؤقتةِ للنيبال الطبيعة الطبقية الإقطاعية الكمبرادورية لتلك الدولة. وبالإلغاءِ القانونيِ للنظام الملكيِ وإعلانِ الجمهوريةِ، لَنْ تَتغيّرَ طبيعة تلك الدولة. فأي تغيير في شكلِ الحكومةِ لا يعنى تحطيم دولة الطبقات الإقطاعية الكمبرادورية والقطع مع السيطرة الإمبريالية. هذه حقيقة عادة يجب على قيادة الحزبِ الماويِ أَنْ تَعْرفَها وعليها أَنْ تُعلمَ بها صفوف الحزب والجماهيرِ الثوريةِ والمُضطهَدةِ فى النيبال.
حتى إذا صادقت الجمعية التأسيسيةِ على بَعْض "الحقوقِ" الإقتصاديةِ والإجتماعيةِ والسياسيةِ للعُمّالِ و الفلاحين والنِساء والقوميات المُضطهَدة وعَيّنتهم كسادة المجتمعِ، طالما أن قلب الدولة الرجعيةِ - وبمعنى آخر الجيش الرجعي - بَقى سليماَ، فإن المعنى الحقيقي لهذه القوانينِ سَيكُونُ نشر الوهمِ بين الجماهيرِ والإلتفاف على الحقوقَ الحقيقيةَ التي كَسبتها خلال حربِ الشعب. وطالما أن الجيش في أيدي الطبقات المستغِلة ووسائلَ الإنتاج الرئيسيةَ تحت ملكيتِها وسيطرتِها، فإن وعودا دستورية حول حِماية مصلحة الشعب عديمة الأساس. إنّ دورَ الدستورِ في الجمهورياتِ البرجوازيةِ هو بالضبط أَنْ يضْمنَ ويخْدمَ أسس الإستغلالِ الإقتصاديِ. و حتى في أكثر الجمهورياتِ البرجوازيةِ ديمقراطيةِ، حقوق الناسَ منحصرة في هذا الإطارِ. وإذا صارت الوعود المقدمة للشعب فى تناقضِ مع الهدفِ الجوهري فإنه سيداس بسهولة.
بشكل واضح، أطلقَ شيوعيو النيبال حرب الشعب لإنجاز المهمة العالمية لكل الثورات البروليتارية أي "تحطيم آلة الدولة " و إفتكاك السلطة. و طبّقوا هذا الخَطِّ لعقد من الزمن. لكن اليوم، نظرا للصعوباتَ التي طرأت في الطّريق، يَعتقدونَ بأنّهم يُمْكِنُ أَنْ يبلغوا هدفَ إرساء دولة ثورية عبر الطريق السلمي. لكن هذا مستحيل! تاريخيا لم تفتكّ أية طبقة السلطة السياسية بطريقة سلمية. وكذلك القوَّةِ الكبيرة التى كُسِبتْ لم تكسب إلا فى خضم عقد مِنْ حربِ الشعب التى خاضها العُمّالِ والفلاحون فى النيبال بقيادة الماويين. و القوَّةِ الكبيرة لَمْ تظهر من خلال المقاعدِ التى كسبت فى الجمعية التأسيسيةَ لكن أساسا من خلال التغييرات الثورية السياسيةِ منها والإقتصاديةِ التي أُنجزتْ أثناء عشْر سَنَواتِ مِنْ الكفاح المسلّحِ. لكن هذه القوَّةِ، بدون تحقيق السَيْطَرَةعلى البلادِ بأسرها، غير مستقرُّة ويحدق بها خطر فقدانها إلى الأبد. إنّ السؤالَ المركزيَ، هل أن المُشَارَكَة في الدولة ومحَاوَلَة تَغييرها مِنْ الداخل سيعززالقوَّة السياسيةُ والإقتصاديةة للعُمّالِ والفلاحين فى النيبال، أَم سَيُؤدّي إلى إبادتها الكاملة؟ هَلْ ستُستعمل عشْر سَنَواتِ مِنْ حربِ الشعب لتحسين أداء الدولة الرجعيةِ أَم لتحطيمها؟ إذا كانت النتيجةِ تأسيس جمهورية برجوازية، فإن تضحيات الجماهيرِ سَتستعمل لتحسين أداء الدولة وتحديثَ وسائلِ إضطِهاد الجماهير و ليس تركيز مجتمع جديد له سلطة سياسية جديدة و إقتصاد جديد و علاقات إجتماعية جديدة و ثقافة جديدة.
إذا إستمرّ الرفاقِ فى النيبال على الطريقِ التى يتبعون فإن مُعظم القوّة السياسيةِ والإقتصاديةِ التى كَسبها العُمّالِ والفلاحون فى النيبال سوف لَنْ تتعزز بل ستتلاشى. وبدلاً مِن ذلك سيكون هناك جمهورية إقطاعية برجوازية تابعة للهند أوالصين أَو لكلاهما.
--------------------
لإثْبات هذا، سَتَكْفي الإشارة إلى ميزانِ القوى المهيمنِ. فالجيش الملكي ظلّ سليما فى الأساس ويَتمتّعُ بدعمِ الهند والولايات المتّحدة والأحزاب الحاكمة الكبرى. وتَوقّفتْ حرب الشعب قبل تَحْطيم العمود الفقري للدولة القديمةِ. وإذا ألقينا نظرة على الوضع الإقتصاديِ للبلادِ، و على كَيفَ أن هذه البلادِ الصغيرةِ بين أنيابِ الدولة الهنديةِ والمراكزِ الإقتصاديةِ العالميةِ، فإن الأبعاد الحقيقية لميزان القوى هذا غيرالمناسبِ ستظهر. هَلْ من المحتمل قَطْع هذه الأنيابِ فقط بالمشاركة في الحكومةِ، ودون دولة بروليتارية ؟
ما هي المهمة الضرورية للسلطة السياسية ولدولة دكتاتوريةِ / ديمقراطية البروليتاريا ؟ إنها ضرورية لتَحْطيم الإقطاعيةِ والرأسماليةِ البيروقراطية و التبعية للإمبرياليةِ، وتحويلِ النيبال إلى قلعة حمراء ثورية بروليتارية في العالمِ. لِهذا تحطيم آلة الدولة القائمة لا يُمْكن أنْ يُحدّدَ أو يقلّص إلى الإطاحة بالحكم الملكي. إنّ هدفَ الثورةِ الديمقراطيةِ الجديدةِ هو الطبقات البيروقراطية- الكمبرادورية و الإقطاعية بأسرها و مؤيديها الأجانب و الإمبرياليين وليس فقط الجزء الملكي منها. شعار إلغاءِ الملكية كان وهو صحيحُ لكن هذا يَجِبُ أَنْ يكون جزءا من ثورة ديمقراطية جديدة و تركيز دولة جديدة.
لا يمكن للمرء أن يختزل الإقطاعيةِ في النيبال فى مؤسسةِ الحكم الملكي. فالإقطاعية علاقاتُ ملكيةِ الأرضَ ونمط ماقَبْلَ رأسماليَ للإستغلالِ. لأجل تحرير الفلاحين ، بالتأكيد يجب تحطيم علاقاتِ الملكيةِ هذه. و فى نفس الوقت ينبغى القضاء على السيطرة الإقتصادية-السياسية للدولة الهنديةِ على النيبال نيابة عن الرأسماليةِ العالميةِ. و من غير الممكن تَنفيذ هذه السيرورة دون الإعتماد على الجماهيرِ العريضة ووعيها و نضالها المُنظَّمِ.
في عصرِ الإمبريالية من غير الممكن إجْتِثاث الإقطاعيةِ دون أن ننزع فى الوقت ذاته ملكية الرأسماليةِ البيروقراطية. فهذه الرأسماليةِ أيضاً يَجِبُ أَنْ تُصادرَ؛ يجب تغيير طبيعة الأملاك الرأسمالية المصادرة لتخدم مصلحة تطور إقتصاد مكتف ذاتيا هدفه تلبية حاجيات الشعب .
أَيّة طبقة وبأية خطة إقتصاديةِ سَتديرالمصارف والثروات الأخرى فى البلادِ؟ هل سَيَستخدمُ البنك الدولي وصندوق النقد الدولي خيوط "المساعدة الماليةِ" و"الإستثمار الأجنبي" ليَستمرّا بإدارة إقتصادِ النيبال؟ لو ظلّت هذه المؤسساتِ الماليةِ تُسيّرُ الأمورَ و بقيت الهند تخنق البلادِ، فإن حتى الإقطاعية لا يُمْكن أنْ تُلغي، لأن، في عصرِ الإمبرياليةِ، ليس للإقطاعية حياة مستقلة ومنفصلة عن نشاط الرأسماليةِ. فالرأسمالية البيروقراطية (المعتمدة على النظام الرأسمالي العالميِ) والنظام الرأسمالي عموماً (سواء كان عبرالرساميل الهنديةِ أَو الصينيةِ، أَو عبر "مساعدةِ" البنك الدولي) حوّلا ودمجا نمطَ الإستغلال الإقطاعي لخدمتِهما. ومهما بقي من نمط الإستغلال الإقطاعي (بما فى ذلك علاقاتَه الإجتماعيةَ) بات فى خدمة ربح الرأسماليةِ البيروقراطية. واليوم، يَتطلّبُ إِجْتِثاث الإقطاعيةِ في النيبال توزيعَا ثوريَا للأرض في تيراي (المنطقة التي تعدّ المصدر الرئيسي لتغذيةِ الشعبِ النيباليِ. ). بذلت حرب الشعب وسعها في الجبالِ والتلالِ. لكن لمَنْع إحياءِ الإقطاعيةِ بأشكال معدّلة أَو إحلال الإستغلال الرأسمالي محلّ الإستغلال ما قبل الرأسمالي ، يَجِبُ أَنْ تَكُونَ السلطة بأيدي دولة دكتاتوريةِ/ديمقراطية البروليتاريةِ لكي تُنفّذَ حركة الملكيةِ الإشتراكيةِ في المناطقِ حيث تحدث ثورة زراعية.
لا حكومة إئتلافيةَ بمشاركة أجزاءِ من البرجوازية (أَو مشاركة جزءِ من بقايا النظامِ السابقِ) سَتُطبّقُ مثل هذه الخطةِ، لأن الملكيةِ الخاصّةِ تنهض بدور مركزي في النظام الرأسمالي وبرجوازية بلاد مثل النيبال عِنْدَها صلاتُ عميقةة بملكيةِ الأرضِ. علاوة على ذلك، لن تساند الطبقات المستغِلّة، بسبب خوفِها العام مِنْ فقراء الريفِ، إصلاحا زراعيا ثوريا. و صحيح أن برنامجِ الإصلاح الزراعي الثوريِ ما زالَ ضمن حدودِ الديمقراطيةِ البرجوازيةِ بيد أن تطبيقَه بطريقةٍ ثورية لا يمكن أن تقوم به سوى البروليتاريا. بهذه الطريقة فقط يُمْكِنُ للطبقة العامِلةَ الصغيرةَ الحجم فى النيبال أن تُرسي قاعدةَ تطورِ مستقلِ وسريعِ للبلاد.و ثورة زراعية وحدها بإمكانها أَنْ تُمسي أساسا للتطويرِ السريعِ، وللتعاون وللتعاونيات الطوعية، و لهذا دور مركزي في رَفْع مرحلةِ الثورةِ إلى المرحلةِ الإشتراكيةِ.
لو أريد تحقيق إنتصار، ليس بمقدور المرء قطع الطريق على هذا البرنامج أَو إختراع "مرحلة إنتقالية" لتَطبيقه. و لا يمكن جعْل "الإنتقالِ" إلى الثورةِ الديمقراطيةِ الجديدةِ يعتمد على الجمهوريةِ البرجوازيةِ. و مثلما عبّرت عن ذلك رسالة قيادتِنا إلى الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي ):
"ما ستنجزونه بإعادة هيكلة الدولة من خلال هذه الخطوةِ "المؤقّتةِ" سوف لَنْ يَكُونَ حتى جمهورية برجوازية. سَيَكُونُ جمهورية إقطاعية كمبرادورية. وهذه الجمهوريةِ سَتُضعفُ النيبال الجديد الذى ولد خارج النيبال القديم بقوةِ العنفِ الثوريِ ولكنه لحدّ الآن لَمْ يقدر على تَحْطيم الدولة القديمةِ بالكامل. إن الحكومة المؤقّتة سَتَفْتحُ الطريق أمام إبتلاع النيبال الجديد مِن قِبل النيبال القديم "(2)
تركيز جمهورية برجوازية "إنتقالية" لَيس تكتيكا بوسعه أَنْ يَخْدمَ لدَفْع إستراتيجيا الثورةِ الديمقراطيةِ الجديدةِ و إنما هو تكتيك يَخْدمُ إستراتيجياَ إصْلاح الدولة الإقطاعية الكمبرادورية. وهو تكتيك قاتل و مدمّر للغاية ويُمْكِنُ أَنْ يقضي على كُلّ آمال وإنجازات الشعبِ النيباليِ. و حصر الجيش الشعبي فى معسكرات و الدعوة إلى دمجه مع الجيش الملكي لتشكيل جيش جديد مظهر من أكثر مظاهر هذا التكتيك ضررا". (3).
--------------------
التهاني والتقديرات التى أرسلتها الأحزاب الشيوعية و المنظمات و الشخصيات اليسارية والتقدمّية إلى الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي ) لهذا النصرِ الإنتخابيِ لا تعدو كونها تغطّي قضايا أساسيةَ مَذْكُورةَ أعلاه. فدون فَهْم عميقِ وشامِلِ للعقبات الموضوعيةِ في طريقِ الثورةِ في النيبال، لا يَستطيعُ المرء مُسَاعَدَة الرفاقِ فى النيبال.
و القيام بالثورةِ في بلاد فقير و صغير و متخلف إقتصاديا مثل النيبال التي يجد نفسه محصور بين دولتين كبريين مثل الصين والهند، ويحدق به خطرِ إجتياح مِن قِبل الهند في أيَّةِ لَحظَةٍ، يشهد الكثير مِنْ التعقيداتِ. علاوة على ذلك، الثورة في النيبال لوحدها في العالمِ وميزانِ القوى عالمياً لَيسَ لصالحها. و إلتقاء مجموعة هذه العواملِ وضع قيودَا عديدةَ على تقدّمِها وتَطَوّراتِها. (4) في أيّة ثورة، تَرْفعُ خطوطَ مختلفةَ رؤوسَها عندما تُواجهُ الثورات الصعوباتَ والتعقيداتَ للردّ على ذلك الوضع. ولكن ما يبعث على القلق أكثر من غيره بالنسبة للقوى الشيوعيةِ عالمياً هوالخَطُّ الذي تبناه الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) بخصوص كَيفية التقدّم بالثورة في تلك البلادِ. لقد بيّنت لنا التجربةَ التاريخيةَ بأنّ الثوراتِ يُمْكِنُ أَنْ تُهْزَمَ حتى إذا لَمْ يرتكب الثوريون الأخطاءَ. في هذه الحالةِ، سبب فشلِهم سَيَكُونُ ميزان قوى غير مناسب. لكن عندما يرتكب الحزب الذي يَقُودُ الثورةَ أخطاءا ويَخطئ في التَمييز بين الأصدقاءِ والأعداءِ، فإنا لثورة سَتَفْشلُ بالتأكيد. هذا هو الخطرُ الرئيسيُ! سيعزّزالخَطّ السياسي و السياسات الخاطئة العواملَ غير المناسبةَ لدرجة أكبر حتى وسَيَجعل ميزان القوى غير مناسب لدرجة أكبر. فالتوجّه الإستراتيجي يُؤثّرُ على ميزانِ القوى إيجابياً أَو سلبياً، لأنه عاجلاً أم آجلاً يُغدو قوة مادية. و حين يكون التوجه الإستراتيجي و تكتيكاته المناسبة خاطأ، فإنه لا يدفع فقط إلى حركة لولبية تنازلية فى السيرورة الثورية بل على المدى البعيد يُؤثّرُ هذا الإرتدادِ على الشيوعيين سلبياً ذلك أنه يزرع بذورِ تشويشِ الأفكار و يوطّد التحريفية فى صفوفهم.
الثورة فى النيبال يتهددها خطر عظيم. و من الواجب الأممي لجميع شيوعيي العالمِ الإنتِباه إلى هذا. و بلا شك،النضال من أجل مُوَاجَهَة الأخطارِ التي تُهدّدُ الثورةَ في النيبال مِنْ الداخل والخارج، سَيرْفعُ من فَهْم كُلّ الشيوعيين في العالمِ لتعقيداتِ وصعوباتِ القيام بالثورةِ في عالمِ اليومِ.
لكن نهايةَ الثورةِ في النيبال لَمْ تُكْتَبُ بعدُ. فقد مرّت هذه الثورةِ بالعديد مِنْ المنعرجات و الإلتواءات ودون أن نريد تَوَقُّع مستقبلِها، بالنَظْر إلى الصورةِ الأكبرِ، أي إلى التغييرات في الوضع العالمي الذى يشكّل إطار الثورةِ فى النيبال، يُمْكِننا بعدُ أَنْ نَرى تَعزيز عاصفةِ فى الأفق. هذه الثورةِ يُمْكِنُ ويَجِبُ أَنْ تَستمرَّ.
وافقت الأحزاب البرجوازية في النيبال على مسك الماويين بزمام نظامِهم في وقت ينبأ بالندرة والجوع بسبب طرقِ عَمَل النظام الرأسمالي. ونظّمَ الرجعيون النيباليون مجموعات شبه عسكرية فاشية لتَنفيذ خطةِ إغْتياَل ماويين ثوريينِ. وأوقفتْ الدولة الهنديةُ تصديرَ الأرز إلى النيبال بتعلّة َمْنع مجاعة في الهند. إنها، بمعية الإمبرياليين الأمريكان، يوَدّونَ أَنْ يضعوا عبءَ المشاكلِ الإجتماعيةِ على كاهل الماويين وأن يُحوّلوا غضبَ الجماهيرِ نحو الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي ). و فى نفس الوقت، عن طريق المؤامراتِ، يُحاولونَ إستعمال إنقسامات حاليةَ فى صفوف الشعب (مثل الإنقسامات القومية) لكي يشعلوا نيرانَ النزاعِ فى صفوفه و بطرق ووسائل متنوعة، أن يعزّزوا عدمَ الأمان وعدمَ الإستقرار في البلادِ. من الممكن أن مثل هذه الأزماتِ يُمْكِنُ أَنْ تغيّرَ "التطور السلمي الثورةِ" إلى تطور"غير" سلمي. و قد تساعد الحقائق الصعبة للصراع الطبقي الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي ) على القطع مع الطريقِ الحاليِ بأسرع ما يمكن. و دائماً يَتطلّبُ تَصحيح مسيرة خوض صراع إيديولوجي و سياسي واعي وشامِل.
في النيبال وبين صفوف الحزب الشيوعي النيبالي( الماوي ) لَيس سِرّا أنّ هناك إختلافات و صراع خطين بين الماويين فى العالمِ بشأن المسار الذى يسلكه الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي). فقد أشارَ قادة الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي ) ناطقون رسميون بإسمه إلى هذه الإختلافاتِ في منشوراتِهم العلنية عدّة مرات. وعلى سبيل المثال فى مقابلة صحفية فى 2007 تحدّث براشندا رئيس الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي ) عن معارضةِ الحركة الأممية الثوريةِ والحزب الشيوعي الهندي (الماوي) للخَطِّ الحاليِ للحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي ). وقال زعيم ماوي آخر في النيبال، في مقابلة صحفية مع "النجم الأحمر":
"بالنسبة إلينا نقد بوب آفاكيان ( رئيس الحزب الشيوعي الثوريِ، بالولايات المتحدة الأمريكية) وغانابثي (رئيس الحزب الشيوعي الهندي - الماوي) ألطف وأكثرُ فعالية مِنْ التقديراتِ الواردة مِنْ جورج بوش والحكومة الهندية."
و تجدر الملاحظة أن الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) كَشفَ عادة صراع الخطين صلب الحركةِ الشيوعيةِ العالمية وصلب زعماءِ الحزب، لمؤيدي الحزب، وكَانَ مثالا جيدا بهذا الخصوص. لكن إعلام الجماهيرِ و تقاسم الأخبار معها شيءُ وتنظيم نقاش واسع ومُناقشات وجدالات نظرية جدّية فى صفوفها حول هذه الخلافات الخطية التى تمثّل مسألة حياة أو موت بالنسبة للحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) ، شيءُ آخر.
واليوم، الواجب الرئيسي للحركةِ الشيوعيةِ العالمية إزاء الثورةِ في النيبال ليس كيل المديح لإنتصارات جزئيةَ ومؤقتةَ. حتى عندما تصبح الجماهير (وزعماء الثورةِ) مَسْحُورةً بمثل هذه "الإنتصاراتِ" وتغلق عيونَها عن مصالح المدى البعيدِ ، يَجِبُ علينا أَنْ نَجْلبَ االإنتباهَ إلى الحقائقِ والقوانينِ الأساسيةِ التي تَحْكمُ الصراع الطبقي خاصة وأن هذا "النصرِ" سمّ مدسوس فى عسل يُمكنُ أَنْ تكون له عواقب وخيمةَ على هذه الثورةِ وبالطبع على البروليتاريا العالمية بأسرهاِ. و مثلما قِيلَ في أخبار " عالم نربحه" فى مقالةِ عنوانها "فى الذكرى الثانية عشرة لحربِ الشعب في النيبال ونتيجتها المجهولة" (11 فيفري 2008):
"في أي وقت كان، ليس هناك ضمان لنصرِ الثورةِ في النيبال أَو أيّ بلاد أخرى. لَكنَّه يُمْكِنُ أَنْ يُقالَ مع ذلك إنه مهما كان الطريق صعبا ومروّعا لبلوغ النصر الكامل للثورةِ ، يظلّ، ذلك الطريقُ هو الطريق الحقيقيُ والممكن الوحيدُ لتَغيير النيبال. و من الضروري للشيوعيين أن يُثابروا على هذا التوجهِ وأن يَقودوا الجماهيرَ في تَكريسه."
"حقيقات " عدد40 ، الحزب الشيوعي الإيراني (الماركسي –اللينيني- الماوي ) / 30 ماي 2008
الهوامش:
1 - إنه لأمر مهمّ مُلاحَظَة أن أغلب الأحزاب المهنِّئة لم تدعم أو لم تدعم كثيرا السَنَواتَ الـعشر مِنْ حربِ الشعب بقيادة الماويين في النيبال. والبعض مِنهاْ مَدح هذا النصرِ الإنتخابيِ كثيراً مدحا لم يسبق أن كاله لجزء من الإنتصاراتِ الماضيةِ للماويين في النيبال! هَلْ أن هذا النوع من الأحزاب سعيد لأنه يُمكنُ أَنْ يَكُونَ المرء فى آن "شيوعي" ويَنضم إلى الألعابِ السياسيةِ البرجوازيةِ النموذجية ؟ لأنه من الممكن أَنْ يَحْلم المرء بإنشاء مجتمع جديد جذريا ،لكن في نفس الوقت يضع حدا للصراع الطبقي الطويلِ والصعبِ؟
يُمْكِنُ أَنْ نَرى أوهاماَ خطيرة في هذه الرسائلِ التهنيئيةِ (خصوصاً في تلك الصادرة عن الأحزاب الشيوعية): وهم أن الكفاحِ من أجل التغييرِ الثوريِ للمجتمعِ يُمْكِنُ أَنْ يَمُرَّ عبرالإشتراكِ في التسييسِ البرجوازيِ السائدِ. وأسوأ حتى، وهم أنَّ هدف الكفاحِ الثوريِ هو أَنْ نصبحَ مقبولين إلى دوائرِ السياسةِ السائدةِ ونحْصلُ على الإعترافِ مِنْ النظامِ. لكن هذه الطرقِ إختبرت مرات عديدة قبلُ في التاريخِ وأثبتت فشلها. فهذا الطريقِ نفسهِ سلكه الحزب الشيوعي الأندونيسي. و كانت النتيجة أن واجهَ الحزب الأندونوسي هزيمة كبرى إلى درجة أنه لم يَستطع أَنْ يرْفعَ رأسهَ ثانيةً. علاوة على ذلك، لَمْ يَبْقَ تأثير تلك الهزيمةِ الكارثيةِ ضمن حدودِ أندونيسيا بل كَان خطيرا على الحركةِ الشيوعيةِ قاطبة في العالمِ وحتى مثّل ضربة كبيرة وجهت إلى الصين الإشتراكية. فالنصر في أندونيسيا كان يُمْكِنُ أَنْ يؤثّرَ على ميزانِ القوى إيجابياً لمصلحة الشيوعيين لكن الهزيمة قلبت الوضع و أفادت الإمبرياليين.
2 - هذه الرسالةِ بعثت مِنْ اللجنةِ المركزيةِ للحزب الشيوعي الإيراني (الماركسي –اللينيني-الماوي) إلى اللجنةِ المركزيةِ للحزب الشيوعي النيبالي(الماوي) في نوفمبر 2006. نَصّها الكامل سَيَنْشرُ فى الوقتَ المناسب.
3 - أحد بنود إتّفاقيةِ السلام الشامل في 2006 كَانتْ أَنْ يوضع جيش التحرير الشعبي فى معسكرات و توضع أسلحتُه تحت مراقبةِ الأُمم المتّحدةِ. و أسبغ هذا أكثر مِنْ أيّ شئ آخر شرعيةً على جيشِ العدو. و أراد الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) أيضاً أَنْ يدمج الجيشين ويُشكّل منها جيشا واحدا. لكن هذا ما كَانَ ليحدث ولَمْ يَحْدث. ففي جانفي 2008 عارضَ رئيس القوات العسكريةِ الرجعيةِ هذا الإقتراحِ بشكل مفتوح بما يُبيّن أنّ الرجعيين أبداً لا خلط لديهم بصدد أكثر وسائلِهم محوريةِ لمُمَارَسَة السلطةِ.
4 – لمزيد نقاش هذه المسألة يُمْكِنُكم العودة إلى المقالاتِ السابقةِ في "حقيقات":
- مقالات مختلفة في حقيقات عدد 30 - أكتوبر2006
- الثورة فى النيبال: المشاكل المعقّدة؛ الأجوبة السهلة!" حقيقبات" عدد 31
- تعقيدات ثورة تُصبحُ تبريرا لمُهَاجَمَة الماويين. "حقيقات" عدد32
- الذكرى الثانية عشرة لحربِ الشعب في النيبال ونتيجتها المضطربة؛ 11 فيفري 2008. أخبار" عالم نربحه".
- النيبال، أفق توقّعِ الشعب يتسع . 14 أفريل 2008, أخبار" عالم نربحه"
وهذه المقالاتِ متوفرة على موقعِ أنترنت الحزب الشيوعي الإيراني (الماركسي –اللينيني -الماوي)
=============================


2- وثائق الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية :

حول التطورات فى النيبال و الرهانات أمام الحركة الشيوعية :
رسائل إلى الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) من الحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية 2005-2008 ( مع ردّ من الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي)-2006) - مارس 2009-
يتساءل الكثيرون حول العالم اليوم عن كيفية تقييم التطورت الأخيرة التى شهدتها الثورة فى النيبال حيث بعد عقد من حرب الشعب الملهمة بقيادة الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي)[ الح الش الن (الم) ]، إنتهت هذه الحرب ، و الح الش الن (الم) الآن هو الحزب القيادي فى المجلس التأسيسي المنتخب فى المدّة الأخيرة و رئيس الحزب ، براشندا، هو الوزير الأوّل للحكومة. هل يمثّل المسار الراهن فى النيبال الذى سلكه الح الش الن (الم) شيئا جديدا تاريخيا ، إنتصارا و إختراقا فى التقدّم بالثورة الشيوعية فى القرن 21 ، كما يدّعى البعض، أم ، كما يخشى عديد الآخرين ، يمثّل تراجعا و خيانة لأهداف الثورة و النضال البطولي المخاض لتحقيقها ، و إنحرافا جدّيا عن قضية الشيوعية التى يدّعى الح الش الن (الم) أنّه يقاتل من أجلها؟
للجواب على هذا أهمّية كبرى و يمكن التوصّل إليه بالتعمّق فى المسائل المفاتيح للخطّ الإيديولوجي و السياسي المعنيين و هذا يحتاج أن ننظرفيه فى إطار مفترق الطرق الذى يواجه الحركة الشيوعية العالمية و الذى يركّز على المسألة الجوهرية، كما صيغت فى "الشيوعية : بداية مرحلة جديدة، بيان عام للحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية " : أن نكون طليعة المستقبل أم بقية الماضى.
و هذا المقال أردناه أن يكون مقدّمة لتبادل رسائل بين الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية[ح ش ث] و الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) (1) طوال فترة من سنوات عديدة بين أكتوبر 2005 و نوفمبر 2008 – ثلاث رسائل كتبها خلال هذه الفترة الح الش الث و ردّ من طرف الح الش الن (الم) – تتناول الخلافات المتفاقمة بصدد مسائل مفاتيح للمبادئ الشيوعية و الإستراتيجيا الثورية. ( و هذه الرسائل يمكن العثور عليها على الأنترنت بموقع الح الش الث) .
بعض الخلفية التاريخية :
فى عالم اليوم، نادرة للغاية هي الثورات ، لا سيما ثورات المضطهَدين بقيادة شيوعيين حقيقيين - فى عالم يصرخ بيأس من أجل ثورات من هذا القبيل. و كلّما ظهر نضال يهدف إلى معارضة وضع الإمبريالية يدها على جزء و لو كان صغيرا من العالم، و كلمّا كانت غاية هذه الثورة تغيير العلاقات الجوهرية التى تأسر الإنسانية اليوم ، فإن نجاح أو فشل هذا النضال يكتسى أهمّية كبرى و تداعياته عميقة. فى فيفري 1996 ، تجرّأ الح الش الن (الم) على إطلاق هكذا نضال ، شانّا حرب الشعب الثورية و رافعا الراية الحمراء للثورة الشيوعية على " قمّة العالم". فنجمت عن ذلك آمالا ليس فقط لدى الشعب فى النيبال و لدى شعوب تلك المنطقة من العالم ، لكن كذلك لدى كافة الذين يطمحون لخوض هذا النوع من النضال التحرّري و الوصول إلى سلطة دولة جديدة ثورية ، فى عديد الأماكن الأخرى من العالم. فى الوقت الذى كان يروّج فيه للشعوب أكذوبة موت الشيوعية ، و أنّه لا وجود لإمكانية حقيقية للتحرّر من مخالب الإمبريالية ( وعلاقات الإستغلال و الإضطهاد عموما)، فى الوقت الذى يكرّر بإستمرار أنه لا وجود لبديل قادر على البقاء، بديل للنظام الوحشي الرأسمالي-الإمبريالي، ألهمت عديد الناس إلى حدّ كبيرالجرأة و الأهداف السامية التي رفعها هؤلاء الثوريين.
طوال سنوات عشر، كانت المعركة محتدمة مدّا و جزرا فى مملكة الهيمالايا، لكن رغم القمع الخبيث ، نمت القوى الثورية و طردت القوى المسلّحة للدولة القديمة من غالبية الريف و أرست مناطق إرتكاز حيث الفلاحين و الأقليات الأثنية و النساء و ملايين المضطهَدين الآخرين تذوّقوا الطعم الأوّل للتحرير الفعلي. و كان الهدف المعلن لحرب الشعب القضاء على النظام الملكي الذى حكم النيبال لأكثر من 200 سنة و إرساء دولة الديمقراطية الجديدة ، دولة تنجم عن الإطاحة بالإمبريالية و الإقطاعية و القوى الرجعية المتحالفة و تجسّد حكم البروليتاريا ، بقيادة الطليعة الشيوعية ، على رأس تحالف مع جماهير الفلاحين و الطبقات و الفئات الأخرى التى توحّدت فى النضال ضد الإمبريالية والإقطاعية- و ثمّ التقدّم بالثورة نحو الإشتراكية فالشيوعية. و كان الح الش الن (الم) يعتبر هذا بصراحة جزءا و مساهمة فى الثورة العالمية .
و قد دعّم الشيوعيون الثوريون عبر العالم ، بما فيهم الح الش الث ذلك سياسيا و إيديولوجيا. و قد قام حزبنا بجهود ذات دلالة لينشر وسط الشعب النضال البطولي و الأهداف الشيوعية لتمرّد الجماهير الأكثر إضطهادا فى النيبال ، بقيادة رفاق الح الش الن (الم). و قد تابعنا عن كثب إلتواءات و إنعراجات حرب الشعب و الأشياء الجديدة الثورية التى أفرزها النضال. و قد أولينا عناية لكيفية تطبيق القيادة للمبادئ الأساسية للماركسية على الظروف الملموسة التى كانت تواجهها، بتركيز خاص على كون هذه القيادة كانت تنشر شعبيا الهدف النهائي للشيوعية و إرساء سلطة دولة ثورية كخطوة ضرورية تالية نحو الهدف النهائي، و كيف كانت الديمقراطية الجديدة- فى تعارض مع الديمقراطية البرجوازية- هي الغاية ،و كيف كانت ترتئى الجبهة المتحدة فى ظلّ قيادة البروليتاريا، و المسائل الإستراتيجية لظفر الثورة و تركيز سلطة دولة ثورية جديدة.
مع تقدّمها ، واجهت الثورة ،كما هو متوقّع، صعوبات و تحدّيات جديدة تمحورت حول كيف نحقّق فعلا إفتكاك سلطة الدولة ، و كيف نغيّر إقتصاد بلد متخلّف فى عالم تهيمن عليه الإمبريالية و خاصة تهدّده بلدان جيران قوية ، الهند و الصين ( و الأخيرة لم تعد بلدا إشتراكيا و إنّما هي دولة رجعية يحكمها الشيوعيون بالإسم و الرأسماليون بالفعل)، و كيف نشكّل جبهة متحدة جاذبين إلينا الفئات الوسطى للمجتمع فيما نركّز على الأهداف الثورية و مواصلة توفير قيادة شيوعية. هذه هي أنواع التحدّيات التى ستواجه كلّ نضال ثوري حقيقي ، و لا وجود أبدا لأجوبة بسيطة ، أو صيغ جاهزة، يمكن تطبيقها لمعالجة هذه المشاكل المعقّدة. و فى هذا الإطار، وفى الإطار الأوسع لهزيمة المرحلة الأولى من الثورة الشيوعية فى العالم ( التى إنتهت مع الإنقلاب على الثورة و إعادة تركيز الرأسمالية فى الصين ، بعيد وفاة ماو تسى تونغ فى 1976) ، و تلبية لحاجة مزيد التطوير ، نظريا و عمليا ، لمرحلة جديدة من الشيوعية قادرة على مواجهة هذه التحديات، ظهر صراع حول ما هي الأهداف الفعلية للثورة و كيفية بلوغها.
و قد أولى حزبنا إنتباها لكافة هذه التطورات ، فى إرتباط بتوجهنا الأممي الجوهري- فهمنا لمسؤوليات كافة الشيوعيين لمقاربتهم للثورة كسيرورة عالمية من النضال العالمي-التاريخي الذى يجب أن يهدف إلى و فى النهاية أن يبلغ الشيوعية على النطاق العالمي. من هذا المنطلق صرنا بصورة متزايدة مفزعين بالتوجه الذي كانت تتخذه قيادة الح الش الن (الم) ، فى كلّ من صياغاتها النظرية و فى إرتباط بذلك من التخلّى العملي عن الأهداف الأصلية للثورة. و قد تمحورت الخلافات حول:
1) طبيعة الدولة ، والحاجة خاصّة إلى إرساء دولة جديدة بقيادة البروليتاريا وطليعتها الشيوعية، في تعارض مع إستراتيجيا مرتكزة على المشاركة فى و ما يعادل "تحسين" الدولة الرجعية ( ناقص النظام الملكي، فى حال النيبال)،
2) بصورة أخصّ ، الحاجة كخطوة أولى إثر الإطاحة بالنظام القديم ، إلى إرساء لدولة ديمقراطية جديدة تضطلع بتطوير القاعدة الإقتصادية و ما يتناسب معها من مؤسسات أمّة تحرّرت من الهيمنة الإمبريالية و العلاقات الإقطاعية، بالإعتماد على العلاقات الإقتصادية و الإجتماعية الجديدة التي نمت إبّان سيرورة حرب الشعب، فى تعارض مع تركيز جمهورية برجوازية تشدّد على تطوير الرأسمالية و إيجاد مكان داخل شبكة العالم الإمبريالي،
3) الدور الديناميكي للنظرية و صراع الخطّين ( صراع داخل الأحزاب الشيوعية و ضمن الشيوعيين عموما حول مسائل الخطّ الإيديولوجي و السياسي) مقابل الإنتقائية و البراغماتية و محاولات التعويل على "البراعة التكتيكية" و ما يعادل السياسة الواقعية البرجوازية – متحركين ضمن إطار الهيمنة الإمبريالية ( و قوى عظمى أخرى) و العلاقات الإستغلالية و الإضطهادية القائمة.
فى علاقة بكلّ هذه الأبعاد الحيوية الثلاثة ، أكّدت قيادة الح الش الن (الم) بصفة متصاعدة على النظرة و المقاربة الخاطئتين ، بما أدّى مأساويا إلى التخلّى عن و خيانة القضية التى كانت فى البداية تقاتل فى سبيلها. إزاء هذه التطوّرات المحزنة ، واجهتنا الحاجة لخوض صراع حاد ضد هذا المسار الكارثي، و قد رأينا بصفة متناسقة أن أفضل السبل و أكثرها مناسبة هو جعل نقدنا معلوما لدى الح الش الن (الم) و الأحزاب و المنظمات التى تكوّن الحركة الأممية الثورية لخوض صراع يمثّل عمليا مساندة سياسية و إيديولوجية للثورة و لا يساعد الإمبرياليين و الرجعيين ، و هم أشدّ الأعداء لتحرير المضطهَدين (و فى الأخير الإنسانية جمعاء) و يبحثون بإستمرار عن تقسيم صفوف القوى الثورية و إلحاق الهزيم بها و سحقها.
فى مقاربة هذا الصراع بين الخطين ، إنطلق الح الش الث من فهم أنّ الشيوعيين عبر العالم ليسوا مسؤولين على تطبيق الشيوعية على مشاكل القيام بالثورة فى "البلد الخاص" فحسب و إنما كذلك ، لإستعمال كلمات لينين، على دعم "هذا النضال، وهذا الخطّ وحده فى كلّ بلد دون إستثناء". من واجب الشيوعيين أن يدركوا على أفضل وجه المسائل الحيوية للخطّ السياسي و الإيديولوجي على النطاق العالمي ،و القيام بكلّ ما فى وسعهم لمساعدة الخطّ الشيوعي الثوري فى إلحاق الهزينة بالتأثير التحريفي ( خيانة الشيوعية بإسم الشيوعية) فى كلّ بلد ، لا سيما عندما تكون نتيجة الصراع حول الخطّ الإيديولوجي و السياسي لها أبلغ التأثير على تقدّم النضال الثوري ذاته مثلما هو الحال فى النيبال.
و قد جرى صراع الخطين هذا بطريقة جدّية و منضبطة، و حتى عندما قام الح الش الن (الم) بمزيد من الخطوات لتحطيم الثورة التى يقودها ، واصل الح الش الث خوض الصراع سرّا، على ضوء كون الح الش الن (الم) أعلن بوضوح أنّه يفضّل هكذا مقاربة ، و بهدف تحديد قدرة الإمبرياليين و الأعداء الآخرين على اللعب على الخلافات فى صفوف الشيوعيين و فى خلق الظروف الأكثر مواتاة للح الش الن (الم) ذاته ليناقش و يصارع حول مسائل الخطّ هذه. و لسوء الحظّ أخفقت قيادة الح الش الن (الم) فى الإجابة الفعلية على ، أو فى أن تتناول بطريقة قيمة المسائل الجوهرية المعنية خلال هذه الفترة بأسرها، و عوض ذلك شدّدت على أن لبّ المسألة هو التكتيك و ليس المبادئ الجوهرية و التوجه الإستراتيجي الذى منه يجب و ستنبع التكتيكات: و فعلا ، وضعت جانبا النقد الخاص بالمسائل الجوهرية برسالة متكررة كانت فى حدّ ذاتها تعبيرا فاضحا عن البراغماتية و التجريبية: نثمّن إنشغالكم ، لكن لا داعى للخوف – صدّقونا- لقد نجحنا إلى حدّ الآن ، لذا ما نقوم به يجب أن يكون صحيحا.
عند هذه النقطة ، مع ذلك ، جعلت التطورات داخل الح الش الن (الم) و بخاصة مزيد تسارع الإنحلال التحريفي لخطّه ، من الضروري إنهاء تلك السياسة التى سلكها إلى الآن الح الش الث و المتمثّلة فى فقط خوض الصراع سرّا إذ لم تعد صحيحة. ونعتقد أنّه من اللازم من هنا فصاعدا جعل هذا الصراع علنيا، بهدف تسليح الحركة الثورية عبر العالم و الناس الذين يساندون الثورة و الشيوعية ( أو الذين يتجادلون حول مسالة أن الثورة و الشيوعية ليستا فقط ضروريتان بل ممكنتان) بفهم دقيق و شامل قدر الإمكان لطبيعة و تطوّر صراع الخطين الحيوي هذا.
الوضع الراهن :
و اليوم ، نتيجة للإنتخابات المنظمة فى أفريل 2008، الح الش الن (الم) هو الحزب القائد فى المجلس التأسيسي المشكّل حديثا فى النيبال. و بصوت عالى يعد قادة الحزب المركزيين بأن يكونوا أوفياء و ملتزمين ب" الجمهورية الديمقراطية الفيدرالية " الجديدة ، أي الدولة البرجوازية القائمة على والمحافظة على العلاقات الطبقية الرجعية فى النيبال، و يضاعف هؤلاء القادة من ضماناتهم "للمجتمع الدولى" ( إقرأ الإمبريالية و الدول الرجعية مثل الولايات المتحدة و بريطانيا و الهند و الصين) عن نيتهم الإبقاء على النيبال منغرسة بصلابة ضمن النظام الإمبريالي العالمي .
لقد وقع تفكيك أجهزة السلطة الشعبية المبنية فى ريف النيبال عبر الحرب الثورية، وأرجعت قوات الشرطة القديمة إلى الريف. و جرى نزع سلاح جيش التحرير الشعبي رغم أنّه لم يهزم أبدا فى ساحات المعارك. ووضع فى " ثكنات " فيما الجيش الرجعي القديم ( سابقا الجيش الملكي النيبالي، و الآن صار يحمل إسم الجيش النيبالي) الذى كان قبلا يخشى المخاطرة بالخروج من ثكناته إلاّ ضمن مجموعات كبيرة مدجّجة بالسلاح، يجد نفسه الآن حرّا فى التنقّل عبر البلاد، بمباركة وزير الدفاع المنتمى إلى الح الش الن (الم) . و قد أذهل التنكّر المفضوح للمبادئ الشيوعية من قبل الح الش الن (الم) - مثل الحاجة إلى تحطيم الدولة البرجوازية القديمة و تركيز سلطة بروليتارية جديدة ، و دكتاتورية البروليتاريا ، و الهدف الفعلي للشيوعية ذاتها ، لإحداث قطيعة راديكالية مع كلّ العلاقات و الأفكار التقليدية ، فى الكلام و فى الأفعال- قد أذهل الكثيرين داخل النيبال و خارجها. و ضمن الح الش الن (الم) ذاته ، نفر الكثيرون من هذه التمظهرات المفتوحة للتحريفية المستعملة لبعض الشعارات و الكلمات الشيوعية لحجب ما هو جوهريا نظرة و برنامجا سياسيا برجوازيين. و خارج النيبال ، إستبشر التحريفيون عبر العالم ، و القليل منهم قد ساندوا حرب الشعب أبدا، لمسار الأحداث و طفقوا يكتبون المقال تلو المقال مادحين الح الش الن (الم) و الخطّ الراهن الذى يكرّسه. هذا من جهة و من جهة أخرى ، وجد الذين ساندوا حرب الشعب على أمل أن تفرز نظاما إجتماعيا جديدا و أن تخدم الثورة العالمية ، أنفسهم بصورة متصاعدة محبطين و مخذولين بالتطورات في النيبال.
و بينما وجدت معارضة داخل الح الش الن (الم) ، فإنه صار لسوء الحظّ بديهيا وبشكل متزايد ، لا سيما إثر الندوة الوطنية لنوفمبر 2008 ( وهو أمر سنتطرّق إليه لاحقا) أنّ قوى المعارضة الأساسية داخل الح الش الن (الم) التى أزعجها التخلّى عن الثورة أضحت هي ذاتها غير قادرة على تطوير نقد متناسق للخطّ التحريفي و بالنتيجة غالطت نفسها وهي على الأقلّ موضوعيا تستعمل لمغالطة الآخرين فى ما يتصل بالبرنامج و الطبيعة الراهنين للح الش الن (الم) ،كحزب ينزع نحو التخلّى التام عن قضية الشيوعية فى الواقع ، فيما (على الأقلّ لفترة من الزمن) يرفع رايتها فى الكلام.
التحوّل التحريفي ، جذوره و تداعياته :
فى الحقيقة ، الثمار المُرَّة التى نراها اليوم فى النيبال ليست عملا خيانيا فجئيا من بضعة قادة و إنّما هي النتيجة المنطقية و المتوقعة لسيرورة نشأت داخل الح الش الن (الم) طوال عدّة سنوات، سيرورة خلالها جرى تعويض الخط الشيوعي الثوري الذى قاد ( مهما كانت نقاط ضعفه و نواقصه) إلى الإنطلاق فى حرب الشعب و التقدّم بها، داخل الح الش الن (الم) بخطّ تحريفي فى جملة كاملة من المسائل . " ب"الخطّ" نقصد النظرة و التوجّه ،المفهوم و المنهج الإستراتيجيين الذين يقودون النشاط السياسي فى إتجاه أو آخر. و جدّ التحوّل الحاسم فى أكتوبر 2005 حين وقع "حلّ" صراع حاد داخل الحزب بشكل تحريفي، كما سنناقش أدناه. و تبيّن هذه التجربة بأسرها مرّة أخرى مدى الرؤية الثاقبة لماو تسى تونغ عندما شدّد على أنّ الخطّ الإيديولوجي و السياسي هو المحدّد. كما وضع ذلك ماو :" إذا كان الخطّ خاطئا فإن سقوطنا حتمي، حتى مع التحكّم فى القيادة المركزية و المحلّية و الجيش. و إذا كان الخطّ صحيحا، حتى إذا لم يكن لدينا جندي واحد في البداية سيوجد جنود،و حتى إذا لم تكن لدينا سلطة سياسية سنكسب السلطة السياسية. و تنبع هذه الحقيقة من التجربة التاريخية لحزبنا و التجربة العالمية للحركة الشيوعية منذ ماركس...جوهر المسألة هو الخطّ. هذه حقيقة لا يمكن دحضها ".
حينما إندلع صراع الخطين لأوّل مرّة ، تركّز حول ما قد ظهر للعديد كمسائل مجرّدة للديمقراطية و تجربة الثورة الإشتراكية و عديد الشيوعيين فى النيبال و حول العالم أخفقوا فى فهم تداعيات حياة أو موت هذه المسائل المعنية بالنسبة لتوجه الثورة و مصيرها. لكن المسائل المعنية بالصراع الإيديولوجي بشأن الثورة فى النيبال، هي جوهريا و فى آخر التحليل، مسألة ما إذا كنا نقاتل من أجل عالم شيوعي ، أو "نحسّن " العالم القائم الذى تهيمن عليه الإمبريالية، ما إذا كنّا نقبل بمقترح تنظيم المجتمع إلى أجل غير معلوم على أساس رأسمالي أو ما إذا كنا نقاتل من أجل الإطاحة بهذا النظام و بناء نوع مختلف تماما من المجتمع دون طبقات و إستغلال. و ليس من المفاجئ أن إطار الصراع فى النيبال لم يعبّر عن نفسه بصورة مفتوحة بهذه الطريقة ، و حتى أقلّ من ذلك فى المراحل الأولى منه. بينما أعلن بعض القادة ، وخاصة بابوران باتاراي ، بصوت عالى تبنيهم ل"الديمقراطية" - بمعنى نوع الديمقراطية البرجوازية - و عبروا عن حكم سلبي على كافة الموجة الأولى من الثورة البروليتارية ، فإنّ غالبية قادة الحزب المركزيين الآخرين بصوت عال كذلك أعلنوا مساندتهم لأهداف تركيز ديمقراطية جديدة فإشتراكية فشيوعية فى حين أكّدوا على أنّ تحديد النضال فى القتال من أجل جمهورية "إنتقالية" (إقرأ برجوازية) ليس سوى "تكتيك". و بالفعل عموما و بإستمرار سعى قادة الح الش الن (الم) لتركيز النقاش على مسألة "التكيتيك" ، كما لو أنّ المسألة الأساسية هي كيف تحقّق "جمهورية ديمقراطية فيدرالية" ، و ليس أي نوع من الدولة ، و بأكثر جوهرية أي نوع من النظام الإجتماعي ، يحتاج إليه النيبال و العالم.
فى رسائله ، لم يركّز الح الش الث على المسائل التكتيكية الخاصّة المهنية بل عوض ذلك ركّز على المسائل العامة للخطّ و التوجّه العام ، فى حين واصل الإستماع إلى و تفحّص حجج الح الش الن (الم) بصدد كيف أن تكتيكه ، فى ظروفهم الملموسة ، يمكن أن يفضي إلى حلّ ثوري للمشاكل الحقيقية التى واجهتها الثورة. ليس الأمر أنّ مسائل إيقاف إطلاق النار و المفاوضات و حتى المشاركة فى إنتخابات المجلس التأسيسي غير هامة، المسألة الحيوية هي أن صحة أو عدم صحّة هكذا تكتيك لا يمكن تفحّصه و تقييمه خارج السياق الجوهري لما كان الحزب يبحث عن تحقيقه و أية وجهة نظر و توجه كان يرشد هذه النشاطات و الذين عارضوا التوجه الذى ينتهجه الحزب لكنهم ركّزوا على المسائل التكتيكية كمجال حاسم ، مثلما شدّدت عليه قيادة الح الش الن (الم)، صاروا مشلولين ، غير قادرين على تطوير نقد واضح لخطّ الحزب ووجدوا أنفسهم فى بلبلة و إضطراب في كلّ منعرج أو إلتواء فى الوضع السياسي فى النيبال أو إزاء آخر الإجراءات السياسية التى إتخذتها قيادة الحزب.
يتطلب إدراك المخاطر المحدقة و المواجهة للثورة فى النيبال فعلا التعمّق فى الأمور مع تطوّر الأحداث و القدرة على إستعمال النظرة و المنهج الشيوعيين للنفاذ إلى ما وراء سطح الظاهرة لفهم المسائل الجوهرية المعنية. حتى الآن ، فى الوقت الذي يبدو فيه الأمر أسهل -على الأقلّ بالنسبة للذين حافظوا على توجّه ثوري- رؤية المآل غير الثوري لمسار الح الش الن (الم) طوال السنوات القليلة الماضية ، فإنّ كلّ من يكتفى بالعزل السهل لنشاطات الحزب دون تفحّص جدّي للحجج السياسية المعلّلة و المعقلنة لهذه النشاطات ، يجازف بالسقوط فى فخّ مماثل بأشكال جديدة فى المستقبل. لكلّ هذه الأسباب و ليس لمجرّد أو بالأساس العناية بتسجيل التاريخ ، من الضروري للتبادل الهام للرسائل بين الح الش الث و الح الش الن (الم) أن يدرسه كافة الذين تعنيهم مشاكل القيام بالثورة.
إندلاع الصراع :
ما هو الوضع فى 2005، عندما إندلع صراع الخطين أولا و بصفة تامة؟ كانت القوى التى يقودها الح الش الن (الم) قد حرّرت غالبية الريف فى النيبال و تقدّمت معا عسكريا و سياسيا ، إلى نقطة حيث أخذ أفق إنتصار عبر البلاد بأسرها يلوح فى الأفق . إزاء هذا مركز الملك الحاكم ، الملك غيانندرا، جميع السلط السياسية بين يديه و حلّ البرلمان و قمع الأحزاب البرلمانية الأساسية فى محاولة للتجميع القسري للطبقة الحاكمة للنيبال كلّها لتحطيم حرب الشعب. كان الجيش الملكي النيبالي تحت قيادة غيانندرا مسنودا من قبل الولايات المتحدة و الهند و الصين و بريطانيا و دول رجعية أخرى. و فى ساحة المعارك ، حدث قتال شرس بنتائج مختلطة: كسب جيش التحرير الشعبي بعض المعارك وفى حالات أخرى كان قادرا على التصدّي لهجومات واسعة النطاق أو مضطرّا إلى التراجع متكبّدا خسائرا هامة. مسألة من سيكسب ، الدولة القديمة ، ممثلة فى الملك، أم الدولة الجديدة التى تبنى فى المناطق المحرّرة من النيبال كانت مسألة واقعية و ملموسة جدّا. و إكتست مسألة ما الذى ستفعله الطبقات الوسطى المدينية فى وادى كتمندو ، أهمّية خاصة مع بروز إمكانية "نهاية اللعب".
و لا غرابة فى أنّ الصراع العسكري و السياسي على الساحة كان يساعد على التركيز على الصراع النظري و الإيديولوجي فى صفوف الحزب ذاته.أي نوع من نظام الدولة ستضعه الثورة فى السلطة عندما يتمّ إلحاق الهزيمة بسلطة الملك؟ كيف سيكون مشابها و كيف سيكون متباينا مع الدول الإشتراكية للقرن 20 ، الإتحاد السوفياتي فى ظلّ لينين و ستالين و جمهورية الصين الشعبية فى ظلّ ماو؟ ما نوع الديمقراطية التى ستمارس فى مثل هذا النظام؟ ماذا سيكون دور الأحزاب السياسية و دور الإنتخابات؟ أي نوع من التغييرات الإقتصادية و الإجتماعية ستنجز و بأية وسائل؟ كيف ستكون العلاقة بين حكومة ثورية شعبية فى النيبال و الدول الإمبريالية و الرجعية ؟ كيف ستخدم نيبال ثورية الثورة العالمية و هل ستخدمها ؟
فى فيفري 2004، نشر مقال فى العدد 9 من مجلّة الح الش الن (الم) الناطقة بالأنجليزية ، "العامل" ، عنوانه مسألة بناء نوع جديد من الدولة " ،كتبه بابوران باتاراي. قدّم "الدولة الجديدة" سلسلة من الحجج حول الديمقراطية و الدكتاتورية و كيف ترتبط بالصراع فى النيبال ، قال عنها الحزب الشيوعي الثوري إنّها " ستؤدى ، إن جرى إتباعها ، ليس إلى تركيز دكتاتورية البروليتاريا أو إلى التخلى عنها إن جرى تركيزها". زمن نشر ذلك المقال ، وجدت أيضا إشارات لصراع داخلي بين باتاراي و عدد من المتجمعين حوله ،من جهة، و من جهة أخرى، القيادة المركزية للحزب بقيادة رئيس الحزب براشندا. و قد أفزعته المواقف المعروضة فى مقال "الدولة الجديدة" و لكن أيضا آملا أن يقدر الصراع الداخلي للحزب أن يستغل سبيلا ليعيد الح الش الن (الم) تأكيد و توضيح فهمه لأهداف النضال ، دعا الح الش الث الح الش الن (الم) إلى أن "يقطع مع تلك المظاهر في فهمه السابق و خطّه السياسي التى تذهب ضد التوجّه الأساسي الصحيح" الذى ميّز خطّ الح الش الن (الم) و قيادته إلى حينها ، و أهّله لقيادة التقدّم الحاسم و الملهم.
لقد وضع مقال "الدولة الجديدة" فى الأساس إمتداد الديمقراطية الشكلية ( بما فى ذلك الإنتخابات إلى جانب تنافس الأحزاب السياسية) فى موقع القلب من المرحلة الإنتقالية الإشتراكية و كنوع من "الضمان" المفترض لمنع إعادة تركيز الرأسمالية و إقترح أن عند بلوغ الإشتراكية يمكن تفكيك الجيش النظامي و تعويضه بمليشيا و بصورة عامة قدّم نموذج كمونة باريس ، إنتخابات مباشرة و إقالة الموظّفين ، على أنّه نموذج أكثر إيجابية من تجربة دكتاتورية البروليتاريا فى الإتحاد السوفياتي و الصين.
لقد تحدّت رسالة الح الش الث فى أكتوبر 2005 النظرة الشكلية كعامل مفتاح فى سلطة الدولة الجديدة و مستشهدة ببوب آفاكيان ، أشارت إلى أن :" فى عالم يتميّز بإنقسامات طبقية ولامساواة إجتماعية عميقين ، الحديث عن "الديمقراطية" دون الحديث عن الطبيعة الطبقية لهذه الديمقراطية ، بلا معنى وأسوأ. طالما أنّ المجتمع منقسم إلى طبقات ، لن توجد "ديمقراطية للجميع" : ستحكم طبقة أو أخرى وستدافع عن وتروّج لهذا النوع من الديمقراطية الذى يخدم مصالحها و أهدافها. المسألة هي : ما هي الطبقة التى ستحكم وإذا ما كان حكمها ونظام ديمقراطيتها، سيخدم تواصل أو فى النهاية القضاء على الإنقسامات الطبقية و علاقات الإستغلال والإضطهاد و اللامساواة المتناسبة معه."
و بطبيعة الحال لا يسمح المجال لرسائل الح الش الث أن تتعمّق فى ديناميكية المرحلة الإنتقالية الإشتراكية ، لذلك أحالت على مؤلفات بوب آفاكيان التى تناولت بالبحث هذه القضايا بعمق كبير و أفرزت إعادة تصور راديكالية للشيوعية عالجت عديد نواقص الموجة الأولى من الثورة البروليتارية العالمية. إلاّ أنه أشيربحيوية أنّه كان من الخطإ الجدّي جعل الديمقراطية الشكلية المسألة الأكثر جوهرية فى المرحلة الإنتقالية الإشتراكية ( و ترجمتها فى الإنتخابات ، و تنافس الأحزاب و ما شابه) و أنّ هذا سيعزّز التوجهات نحو التخلى عن دكتاتورية البروليتاريا. و الحجج المقدّمة فى "الدولة الجديدة" التى غدت تميّز المقاربة العامة للح الش الن (الم) ، نفت الحاجة إلى دولة بروليتارية قوية قد تسمح عمليا للجماهير بتغيير العالم- و بتغيير ذاتها- كجزء من المعركة الأوسع للإطاحة بالإمبريالية عبر العالم، و إجتثاث و إقتلاع كلّ علاقات الإستغلال و الإضطهاد ، و تحرير الإنسانية جمعاء.
و خلصت الرسالة الأولى للح الش الث إلى إستنتاج جدّ صحيح و هام بأنّه " تمّ تصوير دكتاتورية البروليتاريا فى مقال "الدولة الجديدة" ، فى أفضل الأحوال "كشرّ لا بدّ منه" . و ثارت بطريق الحتم مسألة : بهكذا مقاربة ، هل سيكون من الممكن للح الش الن (الم) أن يخوض معركة الصعود العسيرة التى يتطلبها تحطيم الدولة القديمة و الإطاحة بقرون من هيمنة الطبقات المستغِلة على المجتمع و إرساء الحكم البروليتاري، مع كافة التضحيات المؤلمة التى يتطلبها ذلك؟
يحلّل البيان العام للح الش الث "الشيوعية : بداية مرحلة جديدة " الصادر فى سبتمبر 2008 ، أنّه فيما ظهر تياران متعارضان فى صفوف الحركة الشيوعية العالمية – إمّا التمسّك الديني بكلّ التجربة السابقة و النظرية و المنهج المرتبطين بها ( جوهريا ، إن لم يكن فى الكلام) أو التخلّص منها جميعها- و فى نفس الوقت "، هذه التوجهات "المتناقضة تناقض إنعكاس المرآة " الخاطئة تشترك فى كونها تحوّلت إلى أو إنسحبت إلى نماذج من الماضي، من هذا النوع أو آخر( مع أن النماذج الخاصة يمكن أن تختلف) : إما متعلّقين بدغمائية بالتجربة الماضية للمرحلة الأولى من الثورة الشيوعية ( أو بالأحرى ، لفهم ناقص إحادي الجانب وفى النهاية خاطئ) أو الإنسحاب إلى مجمل العصر الماضي والثورة البرجوازية ومبادئها : عائدين إلى ما هو فى الجوهر نظريات القرن18 للديمقراطية (البرجوازية ) بقناع او بإسم " شيوعية القرن 21 " وفى الواقع مساوين "شيوعية القرن21 " هذه بديمقراطية مفترضة " نقية " أو " لاطبقية " ، ديمقراطية فى الواقع ، طالما وجدت الطبقات ،لايمكنها إلآ أن تعني ديمقراطية برجوازية ودكتاتورية برجوازية "(2)
لئن فهمت على نحو صحيح الإنقلابات على الثورة فى الإتحاد السوفياتي ( أواسط الخمسينات) و فى الصين ( بعد ذلك بعشرين سنة) ، فلا يجب و لن توفّر تبريرا لهذا النوع من العودة إلى الماضي ، بشكل أو آخر . كما حاججت رسالة الح الش الث فى أكتوبر 2005:
" من الصحيح تماما أنّ وجود الدولة البروليتارية ذاته و حزب بروليتاري طليعي ، و جيش قائم إلخ، يمكن أن يتغيّروا إلى نقيضهم- دولة برجوازية تضطهد جماهير الشعب. و الشيئ نفسه يمكن قوله عن الثورة ذاتها فلا ضمان أنها ستتقدّم بإستمرار نحو الشيوعية. يمكن و لسوء الحظّ حصل أن أجهضت ثورات أو تحوّلت إلى أضدادها. لكن فى النهاية لا حجّة لعدم القيام بالثورة . ترتهن مواصلة دولة التقدّم نحو الهدف النهائي للشيوعية و إضمحلالها الذاتي الممكن بما إذا و كيف ستقاتل تلك الدولة لتغيير الواقع المادي الموضوعي و الظروف الإيديولوجية التى تجعل من وجود الدولة بعدُ ضروريا. ليس هناك طريق سهل بهذا الصدد. و التعويل على المؤسسات و الممارسات الديمقراطية الشكلية لن يعالج المشكل فلن يضع جانبا التناقضات التى تجعل من دكتاتورية البروليتاريا ضرورية تماما،و لن يفعل سوى تعزيز سلطة القوى التى تبحث عن الإطاحة بدكتاتورية البروليتاريا ،و التى تستطيع أن توطّد قوّتها إنطلاقا من اللامساواة المتبقية فى المجتمع الإشتراكي و من وجود الدول الرجعية و الإمبريالية التى لوقت ما من الأرجح ستكون فى موقع "محاصرة" للدول الإشتراكية لمّا تولد عبر النضال الثوري. حفاظ البروليتاريا و حزبها الطليعي على إحتكار السلطة السياسية أو تقويضها- بأي شكل كان ، بما فى ذلك بانتخابات يوضع فيها الحزب الطليعي و دوره أمام قرار الإنتخابات العامّة- لكلّ هذه الأسباب التى أتينا على ذكرها هنا ، سيقود إلى خسارة البروليتاريا للسلطة و لإعادة تركيز سلطة دولة رجعية و ما يعنيه كلّ ذلك."
معالجة صراع الخطين و "مزج" الإثنين فى واحد:
لسوء الحظّ ، فى ذلك الوقت جرت معالجة صراع الخطين على أساس سيئ للغاية من قبل إجتماع اللجنة المركزية المنعقد فى أكتوبر 2005 ، حتى مع وصول رسالة الح الش الث، بعيدا عن دحض حجج مقال "الدولة الجديدة " لباتاراي، تبنّت اللجنة المركزية لبّ هذه الحجج. و فى بلاغ للجنة المركزية للح الش الن (الم)، إستبعدت الخلافات داخل الحزب على أنّها "سوء تفاهم" و جرى تبنى خطّة التوجّه نحو "جمهورية إنتقالية " ، شرط أن يكون ذلك فقط "تكتيكا" بينما جرى التأكيد على أن الحزب يظلّ متمسّكا بأهدافه البعيدة المدى للثورة الديمقراطية الجديدة و الإشتراكية و الشيوعية. و تمّت إعادة إدماج باتاراي فى قيادة الحزب على هذا الأساس. و قد إعتبرت طريقة التوحيد هذه للرأيين المختلفين مكسبا عظيما و نموذجا للحركة الشيوعية العالمية بأسرها.
لطالما كان هذا الشكل الخاص من التحريفية –الإنتقائية ، أو محاولة التوفيق بين الأضداد المتنافرة ، و مزج الماركسية (فى الكلام) مع التحريفية جوهريا- مشكلا فى تفكير قادة الح الش الن (الم) لكنه صار متجذّرا و مدافعا عنه كمبدأ عقب "الصراع الداخلي للحزب" سنة 2005. وهذا الخطّ و التوجه السياسيين هما اللذان قادا الح الش الن (الم) خلال الفترة اللاحقة من الصراع الطبقي العاصف فى النيبال.
الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) يجيب الحزب الشيوعي الثوري عمليا و نظريا :
لم تردّ قيادة الح الش الن (الم) على رسالة الح الش الث المؤرخة فى أكتوبر 2005 إلى حدّ جويلية 2006 . لكن حتى قبل وجود إجابة فى مجال النظرية عن الحجج التى قُدّمت ، ظهرت التداعيات العملية لخطّ الح الش الن (الم).
واحدة من الأطروحات المفاتيح التى قدّمها الح الش الن (الم) فى إجتماع اللجنة المركزية لسنة 2005 الذى تبنّى لبّ مواقف "الدولة الجديدة" كانت مفهوم أنّ الهدف المباشر فى النيبال ليس الثورة الديمقراطية الجديدة - وهي شكل لدكتاتورية البروليتاريا مناسب للأمم المضطهَدة الذى كان ماو من روّاده- و إنّما عوض ذلك ،هو "جمهورية إنتقالية". و قد شرحت رسالة الح الش الن (الم) فى جويلية 2006 التفكير الذى يقف وراء ذلك قائلة :
" رأى حزبنا الجمهورية الديمقراطية لا كجمهورية برجوازية برلمانية و لا مباشرة كجمهورية ديمقراطية جديدة. ستنهض هذه الجمهورية ،مع إعادة هيكلة واسعة لسلطة الدولة بغاية معالجة المشاكل المتصلة بالطبقية و القومية و الجهوية و الجندرية السائدة فى البلاد، بدور جمهورية إنتقالية متعدّدة الأحزاب. بالتأكيد ،ستحاول الطبقة الرجعية و أحزابها أن تحوّل هذه الجمهورية إلى جمهورية برلمانية ، بينما سيحاول حزبنا البروليتاري تحويلها إلى جمهورية ديمقراطية جديدة."
و مثلما فسّرت رسائل الح الش الث بعمق أكبر ممّا يمكن التوغّل فيه هنا ، فإنّ مفهوم "الجمهورية الإنتقالية" و الفهم الكامن بأنها نوع من الجهاز المحايد يمكن تحويله إلى دولة برجوازية أو إلى دولة بروليتارية ، ينكر حقيقة ماركسية أساسية هي أن هذا ليس مسألة نوع من الدوغما المتكلّس لكنّها ترسّخت و أثبتت مرّة فمرّة من خلال التلخيص العلمي للتجربة الواسعة النطاق و العميقة و المتكرّرة و الحادة فى المجتمع الطبقي على طول القرون : لا وجود لدولة ليست فى النهاية جهازا لحكم طبقة لطبقة أخرى. ما هي الطبقة التى سيخدمها الجيش و ستخدمها أجهزة مؤسسات السلطة الأخرى فى هذه "الجمهورية الإنتقالية"؟ هل ستخدم نضال الجماهير فى سبيل إجتثاث أسس إضطهادها و القتال لأجل التقدّم بالثورة العالمية، أم ستكون بأيدى و ستكرّس و تعزّز مصالح الطبقات الرجعية ؟ و قد شدّدت رسائل الح الش الث على الطبيعة الطبقية للدولة وأشارت، من عديد الزوايا المختلفة ،إلى أن فى عالم اليوم ، سيكون لكلّ دولة طابع طبقي و ستعزّز مصالح طبقية معينة ، مصالح البروليتاريا أو مصالح طبقة رجعية ( أو نوعا من المزيج من الطبقات الرجعية). و فى ضوء هذا ، تطرّقت الرسائل و دحضت حجّة الح الش الن (الم) بأنّ وجود النظام الملكي يجعل من النيبال حالة إستثنائية، ما يبرّر ليس جبهة متحدة مؤقتة ضد النظام الملكي و إنما الوحدة مع القوى المناهضة للنظام الملكي فى"جمهورية إنتقالية" و "إعادة هيكلة الدولة" وهي بمثابة مرحلة برمتها ، منفصلة عن و ليست بعدُ ديمقراطية جديدة.
و قد قرّر الح الش الن (الم) القبول بموقف "الدولة الجديدة" و بهدف "الجمهورية الإنتقالية" ، ليس من المفاجئ أن يضحى هذا التوجه و الإلتزام من جانبه بذلك عاملا هاما فى الحياة السياسية فى النيبال. و جرى التوصّل إلى سلسلة من الإتفاقيات مع الأحزاب السياسية الرجعية التى أبعدها من السلطة الملك غينندرا بحلّه للبرلمان فى غرّة فيفري 2005. لقد أوضح الح الش الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية أن هذا التوجّه – و جوهر نقده- لا يعنى مقاربة طفولية تستبعد التوصّل لإتفاقيات حتى مع أحزاب سياسية رجعية لتحقيق أهداف معينة ،مثلا فى معارضة النظام الملكي و مع ذلك فى حال الح الش الن (الم)
يمكن ملاحظة أن هذه الإتفاقيات قامت على و عكست الأطروحات التى تبناها قادته حول "الجمهورية الإنتقالية" و المسائل المرتبطة بها. بكلمات أخرى الإتفاقيات مع الأحزاب الرجعية قامت على نبذ الأهداف و المبادئ الشيوعية كما جرى التعبير عنها فى القبول ب "جمهورية ديمقراطية"( برجوازية) كهدف للصراع و التى مرّة أخرى تتناسب عمليا مع مرحلة برمتها، منفصلة عن الديمقراطية الجديدة.
و على خلفية هذه الإتفاقيات السياسية – و تطوّر معارضة واسعة لقمع الملك للحقوق الديمقراطية و مع تواصل تقدّم حرب الشعب و مركزها الريف- فى أفريل 2006،هبّت حركة جماهيرية هائلة فى المراكز المدينية للنيبال موجهة ضد النظام الملكي. و لم تشارك فى هذه الحركة البروليتاريا و فقراء المدن فحسب بل شاركت كذلك قطاعات واسعة من الطلبة و المثقفين و العاملين بالمغازات و عناصر من الطبقات الوسطى عموما فى المدن. و قد ساندت أهمّ الأحزاب السياسية البرلمانية – مثل الح الش الن (الم-الل) التحريفي الذى بينما هو شيوعي فى الكلام، كان مناهضا خبيثا لحرب الشعب، و حزب المؤتمر النيبالي الذى له روابط مع الطبقات الحاكمة للهند و كان الحزب السياسي التاريخي للبرجوازية الكمبرادورية النيبالية ( فئة من البرجوازية المحلية مرتبطة بالإمبريالية و القوى الأجنبية و فى خدمتها) - هي الأخرى هذه الحركة و بذلت جهدها لقيادتها. فى مواجهة التدفقات الجماهيرية فى المناطق المدينية، و بصفة خاصة فى العاصمة ، كتمندو، فى قمّة حرب الشعب ، قرّرت الطبقات الحاكمة للنيبال و مساندوها الأجانب فى الولايات المتحدة و الهند و غيرها من الأماكن ، أنّه بات من الضروري التخلّص من سياسة التعويل على الملكية المطلقة لإعادة تركيز النظام. و أوقف إطلاق النار و إنطلقت مفاوضات بين الأحزاب البرلمانية و الح الش الن (الم) الشيئ الذى أدّى فى نوفمبر من نفس السنة إلى إتفاق سلام شامل، مرسية حكومة إنتقالية بمشاركة الح الش الن (ال)، ووضع جيش التحرير الشعبي فى ثكنات و حدّدت الإجراءات العملية لإنتخابات مجلس تأسيسي مكلّف بكتابة دستور جديد للبلاد.
بوضوح ، أوجد إنفجار الحركة الشعبية المدينية و نهاية النظام الملكي المطلق ظروفا جديدة هامّة للنضال الثوري فى النيبال، و بالتأكيد كان من الضروري بالنسبة للشيوعيين أن يأخذوا هذه الظروف الجديدة بعين النظر ، و أن ينجزوا التغييرات الضرورية فى تكتيكاتهم و سياساتهم و أن يجتهدوا لكسب الفئات المدينية المتذبذبة التى نهضت ضد الملك بيد أنّها كانت تسيطر عليها أوهام أن "العودة إلى الديمقراطية" ستحلّ مشاكل البلاد.
فى هذا الإطار، مع نهاية النظام الملكي المطلق، جاء أخيرا ردّ قيادة الح الش الن (الم) على الح الش الث فى رسالة مؤرخة فى 1 جويلية 2006. و قد إستبعد ، بغضب ردّ الح الش الن (الم) حجج الح الش الث على أنّها مجرّد تكرار ل"أبجديات الماركسية"- أي أنّها حقيقة جوهرية ترسّخت عبر التحليل و التلخيص العلميين للتجربة الواسعة و عادة ما كانت مريرة ، وكانت تداعيات التنكّر لها مأساوية . وفى إرتباط بهذا ، تطرح المسألة نفسها بحدّة: حتى لو كان حقيقة - وهو ليس كذلك- أنّ نقد الح الش الث للح الش الن (الم) مجرّد ترديد لبعض الأبجديات الماركسية ، بما فى ذلك الطبيعة الأساسية للدولة ، فكيف سيبرّر ذلك التخلى عن هكذا مبادئ أساسية ( "أبجديات") مثلما فعل الح الش الن (الم)؟
فى ردّه ، بحث الح الش الن (الم) عن الإلتفاف على ذلك بالتصريح بأنّه بالطبع يتفق مع الح الش الث بشأن أن "إستراتيجيا" العلاقات الطبقية هي التى تحدّد طبيعة الدولة ، لكنه بعدئذ يواصل ليحاجج بأن مطالبته بجمهورية إنتقالية هو عمليا مجرّد "شعار تكتيكي". لكن هذه الحجّة مع ذلك هي كشف ذاتي لمكوّن آخر من مكوّنات المشكل. فجأة، لم يعد هدف النضال الثوري تحطيم الدولة الرجعية الكمبرادورية-الإقطاعية المدعومة من طرف الإمبريالية و إرساء حكم ديمقراطية جديدة فى ظلّ قيادة البروليتاريا و إنّما صار إرساء نوع من الجمهورية الديمقراطية يفترضون أنه ليست لها طبيعة طبقية جلية، دولة ستسعى كلّ من البرجوازية و البروليتاريا كلاهما إلى إستعمالها. لكن بإنتقائية كلاسيكية ، يحاجج بأنّ هذا لا يراجع/ يحرّف جوهر الفهم الماركسي للدولة لأن هذا ليس سوى "تكتيك" و تبيّن الأحداث منذ 2005 بوضوح أن الإنتقائية و الفهم المشوّش للدولة يعكسان فى هذا الشعار ("الجمهورية الإنتقالية") الذى يذهب أبعد من مجرّد "تكتيك"- و ليس من المفاجئ أن نجد مقالات فى "النجم الأحمر" ( الجريدة النصف الشهرية على النات و التى تقدّم وجهات نظر الح الش الن (الم) باللغة الأنجليزية) بعد بضعة سنوات تشدّد على أن الدولة الحالية فى النيبال هي " دكتاتورية مشتركة لكلّ من البروليتاريا و الطبقة البرجوازية " ( "النجم الأحمر" عدد15 ، "سقوط سلالة/ديناستي كويرالا") .و قد أعلن أن هذا تجديد نظري عظيم. لكن فى الواقع لا شيئ عظيم أو تجديدي بشأن دولة قائمة على المجتمع القديم ، بأوجه جديدة فى مواقع سامية لجهازها يدّعون أن بإمكانهم إستعمال تلك الدولة لتلبية مصالح "الشعب". و فى الحقيقة ، مفهوم الدولة هذا البعيد عن الإنقسامات الطبقية للمجتمع هو ذات الخدعة التى تستعملها الطبقات المستغِلة لإخفاء هيمنتها الطبقية. و فى الحركة الشيوعية كذلك ، مثّل التخلّى عن دكتاتورية البروليتاريا ، لفائدة "دولة الشعب بأسره" حجر الزاوية فى التحريفية. على غرار الجهود التحريفية من هذا الطراز فى الماضى ، لا يمكن فى النيبال لمحاولات تطبيق هكذا مفاهيم و التكتيكات التى تترافق معها إلاّ أن يؤدّي إلى المزيد و المزيد من التراجع فى القضية الثورية و نزع سلاح القوى و الجماهير الثورية إيديولوجيا و أيضا بصور أخرى و يعدّها للكارثة. و الحقيقة الجوهرية التى يقدر أي "تكتيك" مرتأى خاطئ أن يغيّرها أو يتجاوزها ، هي أن حكم البروليتاريا لا يمكن تركيزه إلاّ بتحطيم و تفكيك - و ليس بالبحث عن "تحسين" أو "إعادة هيكلة" – الدولة القديمة ، الرجعية ، و مصالح جماهير الشعب لا يمكن خدمتها إلاّ بإجتثاث جذور المجتمع الطبقي، فى حين أنّ حكم و مصالح الإمبرياليين و الرجعيين الآخرين يمكن أن يوجد و يخدم فقط بتعزيز هذه الجذور الإستغلالية و الإضطهادية بالذات.
فى مارس 2008، أجابت الرسالة الكبرى الثانية للح الش الث على حجج الح الش الن (الم) و طوّرت أكثر عديد مواضيع الرسالة السابقة للح الش الث ( رسالة أكتوبر2005) فى إطار الوضع السياسي المتطوّر فى النيبال. و على الرغم من السيرورة التامة من الإجراءات و المساعي لتطبيق الإتفاقيات التى جرى التوصّل إليها بين الح الش الن (الم) و الأحزاب السياسية الأخرى، إنتخابات المجلس التأسيسي فى النيبال، تمّ فى النهاية تحديد تاريخ أفريل لإجرائها. فمرّت مسألة "الجمهورية الإنتقالية" من كونها فقط مبدأ أساسيا و نظريا ، كما كانت فى 2005 ، إلى مسألة عملية مباشرة كذلك، مع إعداد البلاد كافة للتوجّه إلى صناديق الإنتخاب فى أفريل 2008 لإنتخاب مجلس تأسيسي.
و تعالج رسالة الح الش الن (الم) لمارس 2008، نداء الح الش الن (الم) ل"إعادة هيكلة الدولة" و تحاجج بأنّه بمثابة نداء ل"تحسين جهاز الدولة القائمة" - وهو يخدم فى الواقع الطبقات الرجعية- من كونه نداءا لتحطيم الدولة الرجعية ( لإستعارة صيغة ماركس). و قد وقع الإعتماد على عديد الأمثلة التاريخية، فى محاججة الح الش الث بصدد هذه النقطة الحيوية- الثورات الديمقراطية البرجوازية فى أوروبا فى القرن 18 و19 و ثورات القرن العشرين ( أو تغيير الأنظمة) فى روسيا و إيران إسبانيا و بلدان أخرى- للتدليل المرّة تلو المرّة على أن الصراعات الثورية أخفقت فى تحرير المضطهَدين لأنهم رسموا هدفا لهم تخليص جهاز دولة من مظاهرمتقادمة ،مثل النظام الملكي، لم تعد تتناسب و التطوّر التاريخي- و /أو لحاجيات الطبقات الرجعية حينئذ- عوض تحطيم هذا الجهاز كلّيا و فسح المجال لإرساء حكم الذين كانوا مستغَلين و مضطهَدين فى المجتمع القديم.
و تواصل رسالة الح الش الث هذه معالجة لماذا بلدان مثل النيبال التى من الضروري أن تخوض الصراع المناهض للإقطاعية (و الذى يعنى فى النيبال خصوصا ، توحيد أوسع القوى ضد النظام الملكي) ستتطلّب شكل ثورة "على مرحلتين" و لماذا لا يمكن السماح للمرحلة الأولى و التى تتناسب مع تحقيق المهام الديمقراطية البرجوازية من مثل الإطاحة بالإقطاعية ( و جديد ، فى حال النيبال، إلغاء النظام الملكي)- أن تسقط تحت قيادة القوى البرجوازية و أن تنتهي بإرساء جمهورية برجوازية رأسمالية (مهما كان القناع و مهما كان الإسم) بل يجب أن تتمّ قيادتها من قبل الشيوعيين ،ممثلين المصالح الجوهرية للبروليتاريا ، و يجب أن تنتهى إلى إرساء دولة ديمقراطية جديدة، مبنية بوعي كجزء من الثورة العالمية. فى النيبال ، الرأسمالية التى تطوّرت بدفع من النظام الإمبريالي العالمي ، متداخلة مع الأشكال الإقطاعية للإستغلال و الإضطهاد ، و لا يمكن أن توجد أية ديمقراطية من نوع رأسمالي دون "رائحة عفنة للإقطاعية". و هكذا دون الثورة الديمقراطية الجديدة أي أنصاف حلول ستعنى أن البلد و جماهير الشعب لن تخفق فقط فى كسر قيود الهيمنة الأجنبية و تواصل التبعية ضمن إطار العلاقات الإمبريالية العالمية ،مع كافة الإفرازات الفظيعة لذلك، لكن كذلك ستبقى مظاهر هامّة من الإقطاعية - فى الواقع ، و بصرف النظر عن تصريحات و نوايا أي إنسان ، إلى جانب ذلك ، مهما كان التقدّم الذى يتأتى تحقيقه فى تحسين جهاز الدولة الرجعية ، فإنه لن يقود إلاّ إلى مزيد من تركيز أتمّ لجمهورية برجوازية وصفها لينين بأنها "الغطاء الأفضل " لنموّ الرأسمالية.
هنا مجدّدا مبدأ أساسي ، نعم من "أبجديات" الماركسية ، وهو مبدأ تأكّد تكرارا أنّ التنكّر له كارثي- أن كسر سلاسل قبضة الطبقات الرجعية و إلغاء الإستغلال و الإضطهاد لا يمكن إنجازهما عبر نوع من المقاربة التدريجية ، و إنما فقط عبر قطيعة راديكالية ، الإطاحة بأجهزة السلطة السياسية القديمة التى تخدم المجتمع القديم و القطع معها و تركيز أجهزة سلطة سياسية جديدة راديكاليا تخدم و تتقدّم بالتغيير الراديكالي لكلّ مجال من مجالات المجتمع كجزء من الثورة البروليتارية العالمية ككلّ.
و مثلما تحاجج رسالة الحزب الشيوعي الثوري المؤرخة فى مارس 2008:
" واحدة من المسائل السياسية المحورية التى أثرناها فى نقاشنا من الح الش الن(الم) هي هل أنّ مرحلة الصراع الراهن هي مرحلة تركيز جمهورية الديمقراطية الجديدة ، أي ، شكلا من أشكال دكتاتورية البروليتاريا مناسبا لظروف النيبال ، أم أنّه على الثورة أن " تمرّ عبر" سيرورة تعزيز جمهورية ديمقراطية برجوازية. و هذه المسألة التى كنّا ناقشناها نظريا ، إتخذت ، فى السنتين الأخيرتين تجسيدا حيّا. ظهرت دولتان فى خضم العشر سنوات من حرب الشعب : الدولة الرجعية القديمة الكمبرادورية -البيروقراطية الرأسمالية الإقطاعية بقيادة النظام الملكي فى تحالف مع الإمبيريالية ، و دولة نواة الديمقراطية الجديدة التى ظهرت فى البلاد على أساس قوّة جيش التحرير الشعبي. موضوعيا، تواجه النيبال مسألة أية واحدة من هتين الدولتين ستنتصر و تتعزّز على النطاق الوطني و أيهما ستمنى بالهزيمة. و المأساة الكبرى هي أن الخطّ السياسي و التفكيرالمشوّش لرفاق الح الش الن (الم) قد نزع إلى درجة كبيرة شرعية الدولة الثورية التى نشأت فى الريف و أعاد الشرعية لدكتاتورية الطبقات الرجعية المرتبطة بالنظام الإمبريالي العالمي."
و بالفعل قد نجحت بعدُ حرب الشعب فى تحقيق تقدّم حقيقي فى تغيير العلاقات الإجتماعية و الإقتصادية فى المناطق المحرّرة، على أساس السلطة السياسية الحمراء المقامة هناك. و بيّنت هذه التغييرات العملية كيف أنّه فقط بكنس سلطة الدولة القديمة من خلال الثورة الديمقراطية الجديدة من الممكن إنجاز مهام ديمقراطية برجوازية أساسية ، مثل التخلّص من نظام الكاست و إحداث قفزة حقيقية نحو إجتثاث اللامساواة و الإضطهاد اللذان تواجههما النساء و الأقليات القومية و توزيع "الأرض لمن يفلحها" و تركيز إستقلال وطني حقيقي عن الهيمنة الإمبريالية.
و هذه النقطة الأخيرة حاسمة : دون جيش شعبي و دولة ديمقراطية جديدة بقيادة البروليتاريا ، سيكون من غير الممكن كسر قيود الهيمنة الإمبريالية. و تحاجج رسالة الحث الش الث فى نوفمبر 2008:
" مرّة فمرّة رأينا العلاقة التى لا تنفصم عراها فى البلدان المضطهَدة بين تحقيق التحرّر الإجتماعي للجماهير و خوض الصراع ضد الإمبريالية... و بالضبط لأنّ الإمبريالية نظام عالمي يتغلغل على الدوام أكثر فأكثر بعمق فى كافة مظاهر البنية الإقتصادية- الإجتماعية ، من غير الممكن بالنسبة للتغيير الإجتماعي ذى المغزى أن يحدث دون قطيعة راديكالية مع الإمبريالية ".
سويسرا جنوب آسيا، أم قاعدة إرتكاز للثورة؟
تحاجج رسالة الح الش الث فى نوفمبر 2008 بحدّة ضد الطريق الذى ينتهجه الح الش الن (الم) و المختزل فى وعده بجعل النيبال "سويسرا جنوب آسيا" -وعد برز أيما بروز فى حملة الحزب الإنتخابية فى بداية تلك السنة. أوّلا ، ينبنى هذا الوعد على وهم أنّ مشاكل النيبال يمكن حلّها بمزيد من الإندماج فى النظام الإمبريالية العالمي( وأساس مفتاح فى هذا الوعد هو جعل النيبال " قطب الرحى التجاري" بين الصين و الهند) عوض قطع النيبال مع هذا النظام الذى ضمنه عانت الأجيال من الهيمنة و تشوّه الإقتصاد و المجتمع ككلّ ، فى تناغم مع مصالح و أوامر الإمبرياليين و المستغٍلين الآخرين. و هذا وهم يتبخّر بسرعة فى خضمّ الأزمة الإقتصادية العالمية الراهنة ، و النيبال تعانى من تصاعد حاد لأسعار الضروريات الأساسية كالطاقة و القمح. و حتى أكثر جوهرية ، ما علاقة هذه الرؤية بالشيوعية فى المقام الأوّل؟ فسويسرا بلد إمبريالي صغير يقع قرب قمّة سلسلة الغذاء الإمبريالية ، مغذية النهب العالمي لهذا النظام الطفيلي. هل هذه هي الرؤية التى ينبغى أن تلهم الشيوعيين- أم أنّه ينبغى أن تكون الرؤية التى شدّد عليها بوب آفاكيان، رئيس الح الش الث : أن نكون "محررى الإنسانية"؟
مرّة أخرى ، قد دلّلت قواعد إرتكاز حرب الشعب فى النيبال ببلاغة بعض التغييرات الثورية التى إستطاعت الجماهير إنجازها عندما أمسكت السلطة بيديها. تصوّروا المساهمة الهامة لتركيز دولة ثورية ، حتى فى بلد صغير و فقير نسبيا مثل النيبال ، فى إمكانية إختراق النظرة الشاملة و الواسعة الإنتشار القائلة بأنّه لا بديل فى عالم اليوم عن الديمقراطية البرجوازية الخادمة للرأسمالية و الإمبريالية.
لقد إنغمس الح الش الن (الم) كلّيا فى الحملة الإنتخابية وعلى عكس توقعات تقريبا كافة الملاحظين ، بما فى ذلك الح الش الث ، خرج من الإنتخابات كأوّل حزب. و قد إنتشى بهذا الإنتصار، وضع الح الش الن (الم) نفسه على رأس تحالف حكومي مع عدد من الأحزاب البرلمانية الأساسية الأخرى.
و مثلما تمّت الإشارة إليه ، لم يمثل هذا خُطوة نحو التحرير بل خطوة للإنحراف عنه ذلك أن هذه الإنتخابات بيّنت فى الواقع أنّها طريقة قويّة لإصباغ الشرعية على الدولة الرجعية القديمة التى لم تحطّم أو تهزم و إنّما فقط جرى تحسينها بفعل كافة سيرورة المجلس التأسيسي. و بصورة أعمّ ، تصريح الح الش الن (الم) بأنّه يستعمل الدولة القائمة فى النيبال مجرّدة من مظاهرها الملكية ، كرافعة للتحرير غاية فى الخطورة. و كما وقع التشديد عليه بصفة متكرّرة- لكن لا يمكن التشديد على ذلك بما فيه الكفاية من المرّات، نظرا للعدد الكثيف من المرّات التى كان فيها مصدرا للأوهام القاتلة - فالدولة الرجعية ليست جهازا لاطبقيا يمكن أن يخدم على حدّ السواء البروليتاريا أو البرجوازية، و ذلك مرتهن فقط بمن يمسكه بيديه. الدولة ليست ذات الشيئ و الحكومة و بصورة خاصّة فى الأنظمة البرلمانية- التى كما أشار إلى ذلك لينين، يمكن حلّها فى الحال ، و إذا إعتبر لبّ الطبقة الحاكمة من مصلحته القيام بذلك. والدولة من جهة أخرى ، جهاز مندمج متطوّر تاريخيا من سلطة الجيش و بيروقراطية تعكس و تجسّد و تخدم العلاقات الإجتماعية و الإقتصادية المهيمنة و الطبقة الحاكمة ( أو الطبقات) التى تقوم عليها. و فكرة أن جهاز الطبقات المستغِلة بوسعنا إفتكاكه كما هو ، أو "إعادة هيكلته" - و ليس تحطيمه و تفكيكه- و ثمّ بوسعنا إستعماله لغايات تحرير المضطهَدين ، و فى النهاية الإنسانية جمعاء، تتنافى و التلخيص العلمي للطابع الطبقي لكلّ دولة و لعدد لا يحصى من التجارب حيث العكس هو الذى وقع بالضبط: الذين إنطلقوا بتطلعات ثورية لكنهم سقطوا فى هذه الأوهام حول الدولة إبتلعوا مرّة فمرّة و تحوّلوا إلى مساندين للنظام ذاته الذى يضطهد الجماهير و /أو وقع سحقهم بلا رحمة. و قد تطرّقت رسالة مارس 2008 للح الش الث للتجارب المريرة للحركة الشيوعي فى فرنسا و إيطاليا و إستخلصت بأنّ :
" لمّا يتمّ القبول بشرعية إطار مؤسسات الدولة البرجوازية ، بالتالى جهود الشيوعيين لتنظيم البروليتاريا و الجماهير لتدافع عن مصالحها ضمن هذا الإطار ( عبر كلّ من الطرق الإنتخابية و غير الإنتخابية)، لها تأثير موضوعي على تقوية و تحسين المؤسسات الرجعية ذاتها."
و ليس من قبيل الصدفة أن تبقى الحكومة التى يقودها الح الش الن (الم) مؤسسة لم تلحقها تقريبا أية تغييرات ، هي الجيش النيبالي ، العامود الفقري للدولة القديمة. بيد أنّه فيما ظلّ الجيش النيبالي الذى خاض حربا خبيثة مضادة للثورة لسنوات ، و سجّل أرقاما قياسية فى دوس حقوق الإنسان فى العالم ، ظلّ كما هو تماما ، جرى نزع سلاح جيش التحرير الشعبي ووضع فى ثكنات تحت مراقبة الأمم المتحدة لمدّة ثلاث سنوات وهو الآن مهدّد بالتصفية عبر سيرورة الإدماج فى الجيش النيبالي. غالبا ما دفع الثوريون بأنفسهم إلى الأوهام عوض مواجهة الحقيقة الأساسية التى لخّصها ماو أدقّ تلخيص: " بدون جيش شعبي لن يكون هناك شيئ للشعب".
هذا من جهة و من جهة أخرى ، لم يخفق الرجعيون و الإمبرياليون أبدا فى الإبقاء على قبضتهم الحديدية على المسألة الأساسية لسلطة الدولة. و بينما يتحدّث الح الش الن (م)) بإستمرار عن الجيشين كما لو أنهما يحتلاّن المكانة ذاتها ، قد تحدّث طويلا فى الواقع عن وضع أن فكرة الجيش النيبالي يدمج فى جيش التحرير الشعبي، عوض العكس ، وه أمرغير موجود فى الخطاب أمام العموم ، و فى كواليس السلطة فى كتمندو ما سيتحدثه ذلك من إجابة وحيدة هي الضحك المربك.
تسوية مع التحريفية فى الوقت الذى يحتاج فيه إلى قطيعة جذرية معها :
خلال الفترة الموالية للإنتصار الإنتخابي للح الش الن (الم) ، شرع عدد متنامي من كوادر الحزب فى النفور من التوجه الذى إتخذه الحزب. و شنّوا صراعا داخل الحزب، و تجمعت نوع من "المعارضة" حول بعض الوجوه القيادية القديمة فى الحزب التى رفعت نقدا بأنّ الحزب ينخرط فى السياسة البرلمانية فى كتمندو و ينسى مواصلة الثورة ، ومشاغل هامة أخرى.(3) و قد شهد الصراع أوجه فى الندوة الوطنية المنعقدة فى أواسط نوفمبر 2008. و لسوء الحظّ ، فى تلك الندوة لم يحدث القطع الجذري مع الخطّ السائد فى الحزب و نبذ الديمقراطية البرجوازية و الإنتقائية اللذان أضحيا يميّزان خطّ الحزب ككلّ و اللذان أدّيا إلى المستنقع الذى تسبّب فى غضب عديد الكوادر.
و بالفعل ، يبدو أنّ أغلب قوى المعارضة ذاتها بقيت غارقة فى هذه المقاربة عينها لأنصاف الحلول، و الوسطية ( محاولة إيجاد موقع تسوية بين الشيوعية و التحريفية و الإنتقائية)، وعوض خوض صراع حيوي سقطت فى تسوية إنتقائية ( حال كلاسيكي من "مزج الإثنين فى واحد" كما تفحّص ذلك تفحصا جيدا الح الش الث). لقد تمّ دمج النقاط الأساسية للوثيقتين اللتين قدممهما رئيس الح الش الن (الم) براشندا و قائد المعارضة كيران، فى أرضية مشتركة واحدة. و إنطلاقا من هذه الأرضية المشتركة ، يواصل الحزب التوجه نحو حكومة تحالف، لكن عمل الحزب سينجز الآن من خلال جبهة ثلاثية الفروع ، ممثلة فى "الحكومة و المجلس التأسيسي و الشارع " ( و حتى الإسم الجديد الذى يقترحونه – جمهورية وطنية ديمقراطية شعبية فيدرالية – يكشف الحلّ الإنتقائي لهذا الصراع).
و تبيّن هذه التسوية مدى حدود فهم قادة المعارضة لما هو خاطئ فى الخطّ العام الراهن للح الش الن (الم) . و مهما كان قدر ما يصرّح به المرء فى الكلام بأن "الشارع " سيكون الرئيسي ، فإنّه طالما تواصل وجود سلطة الدولة بأيدى الطبقات الرجعية فى النيبال و مسانديها الإمبرياليين ، ما يحدّد المجتمع النيبالي و يحدّد التطوّر المستقبلي للبلاد ، لن يكون "الشاره" و إنما سير النظام الرأسمالي - الإمبريالي العالمي و فى النيبال. و الحال هذه، لن يكون "الشارع" نهائيا أكثر من مجموعة ضغط على السياسة البرلمانية ، يطلق أو يلجم إعتمادا على سير هذه العوامل الأكثر جوهرية ، و مقتصر على بلوغ إصلاحات داخل الإطار العام الرجعي – حتى إن إحتلّ المرء موقع الوزير الأوّل ، فإنّ القوانين التى سيضطرّ المرء للعمل وفقها ، و الإتفاقيات التى عليه عقدها، و المصالح التى على المرء أن يدافع عنها أو يخدمها ستمنع "الشارع" من أن يكون شيئا آخر أكثر من مجموعة ضغط تستعمل للضغط و المفاوضة.
نبّهت رسالة الح الش الثوري فى نوفمبر 2008 إلى أنّ :
" إحدى خصوصيات الوسطية و الإنتقائية هي رفضها التمييزالواضح بين الماركسية و التحريفية ، و عوض ذلك ، تحاول أن تنحت موقف "نصف الطريق" بين الإيديولوجيا و السياسات الشيوعية الثورية و الرأسمالية و الإنتهازية التامين. فى النيبال ، هذا الشكل من الوسطية التحريفية هو الذى أضحى الخطر الأكبر ، و ليس أولئك الذين يعلنون بلا خجل إنخراطهم فى إيديولوجيا الديمقراطية المتعدّدة الأحزاب و تعظيم الرأسمالية. و المعزوفة تكرّر بأنّه يوجد خطر التحريفية أو اليمينية "من جهة" لكن كذلك خطر " الدغمائية" من جهة أخرى و انّه بالمناورة بإتقان بين هذين الحاجزين إستطاع الحزب أن يمضي من نصر إلى نصر. و فى الواقع، بينما هناك إعتراف فى الكلام بالمبادئ الجوهرية، "أبجديات الماركسية"، الحاجة إلى تحطيم جهاز الدولة القائمة ، فإن سياسة الحزب العملية تذهب كلّيا ضد هذا الهدف. "
و بصورة خاصة ، كان بابوران باتاراي يحاجج بوضوح من أجل مرحلة مديدة من التطوّر الرأسمالي فى النيبال، و كان هدفا لغضب أوسع صفوف الحزب لبعض الوقت الآن (4). لكن العائق الأكبر فى المدّة الأخيرة هو الإنتقائية و أنصاف الحلول التى أمست تميّز خطّ رئيس الحزب ، براشندا و القوى الملتفة حوله ، التى مرّة فمرّة مزجت التطمينات الكلامية لصفوف القطاعات الغاضبة من القيادة ، بنوايا الحزب فى المضي بالثورة إلى الإنتصار بينما واصلت تكريس الخطّ التحريفي فى الأساس و السياسات التى دعا إليها باتاراي. و يعدّ هذا "المزج" للأثنين فى واحد"مساهمة كبرى فى الماركسية ، تحت يافطة "تجنّب الإنشقاقات" و لكنه فعليا بمثابة تجنّب للصراع و القطيعة الضروريين و الحادين و الحيويين بإتجاه مختلف جوهريا ، وبإتجاه خطّ ثوري و توحيد كلّ من يمكن توحيدهم عبر صراع الخطين هذا. و بات من الواضح بصفة متصاعدة عمليا أن "تجنب الإنشقاقات" و بشكل أعمّ الإنتقائية التى هي جزء منها، يعنى فعلا التخلى عن المصالح الجوهرية للبروليتاريا و الجماهير المضطَهدة الأخرى بإسم الوحدة مع الطبقات المستغِلة و ممثّليها السياسيين و إيديولوجيتهم، والتخلى عن مهمّة البروليتاريا فى القضاء على الإمبريالية و الرجعية فى النيبال كجزء من التقدّم بالثورة البروليتارية العالمية.
فى هذا الوضع ، من الحيويّ ، لا سيما بالنسبة للذين يريدون بناء معارضة ضرورية للخطّ التحريفي المهيمن الآن داخل الح الش الن (الم) ، إجراء قطيعة جذرية بتحديد هذا النوع من أنصاف الحلول الوسطية و الإنتقائية و القطيعة مع التوجه الذى أطّر النضال ضمن ديمقراطية لاطبقية وواهمة لا يمكن أن تعني سوى نوع الديمقراطية البرجوازية التى حدّد الحزب نفسه ضمنها. و عوض ذلك، يعنى إتخاذ أنصاف الحلول و التسوية بعدُ مرّة أخرى مع التحريفية ومع الإنتقائية تعزيز هذه النظرة الخاطئة، ممّا أدّى إلى وضع أفرز تمرّدا فى المرحلة الأولى.
فى ظروف تقتضى التوجه بحيوية للبحث فى أسباب المرض ، أسرت المعارضة الإنتباه مرّة أخرى ببساطة فى عوارض المرض. و على سبيل المثال ، ردّت "المعارضة" بأنه من المتوقّع أن يغوص الحزب فى الإصلاحية البرلمانية لكن ظلّت تعتبر إنتصار إنتخابات أفريل 2008 نجاحا كبيرا. و كانت التسوية الناجمة عن ذلك فى الندوة الوطنية لنوفمبر، على غرار "إنتصار "إنتخابات أفريل 2008 ، ليست حجر إنطلاق نحو وضع الحزب على طريق أكثر ثورية ، و إنما هي بالعكس تسوية مع التحريفية ، آخذة كلّ الغضب و التمرّد اللذان ظهرا فى صفوف قطاع هام من الحزب و من جديد دافعة إياهما داخل دائرة خطّ خاطئ إجمالا و كما جاء فى رسالة الح الش الث فى 2008 :
" علينا أن نذكّر رفاقنا بانّ كلّ حزب تحريفي عادة ما يملك "يسارا" دوره موضوعيا تقديم مخرج لغضب الجماهير و قطاعات من صفوفه، بينما تبقى ذات هذه القطاعات مرتبطة بالبرنامج السياسي لقيادة الحزب."
و أتت المزيد من الدلائل على عدم وجود تغيّر هام فى مسار الحزب إلى السطح تقريبا مباشرة ، حين ، فى جانفى 2009 أتمّ الح الش الن (الم) سيرورة توحّد مع الح الش الن – مركز الوحدة (ماشال). و هذا الحزب الأخير كان إفرازا لإنشقاق سابق داخل الحركة الشيوعية النيبالية قبل إنطلاق حرب الشعب. و بالفعل ، كان الإنشقاق عن هؤلاء و غيرهم من التحريفيين جزءا ضروريا و حيويا من سيرورة الإعداد لشنّ حرب الشعب فى البداية. و إعادة الح الش الن (الم) التوحّد الآن مع هؤلاء التحريفيين العنيدين ، و إعتباره ذلك مكسبا كبيرا على طريق توحيد "كافة الشيوعيين النيباليين" ، يمثّل خطوة أخرى فى وضع حرب الشعب و الثورة التى جسّدتها و أشاعتها ، فى متحف للتاريخ القديم. و بالفعل، تعامل حرب الشعب بصفة متصاعدة ، رغم كونها أوجدت شرعية للحزب ضمن القطاعات الفقيرة من الشعب ، على أنّها عملية لا فائدة ترجى منها مستقبلا.
ووفّر عدد جديد من "النجم الأحمر " مؤشرا آخر عن الطريق الذى ينتهجه الح الش الن (الم) و ما يسفر عنه. فضمن العدد 21 يوجد مقال لصحفي من "النجم الأحمر" ، روشان كيسون، معنون "نفي النفي" ذهب بإنتقائية الح الش الن (الم) و تحريفيته إلى أعماق جديدية إذ هو ينبذ كافة تاريخ الحركة الشيوعية العالمية و المساهمات الإختراقات لرموزها القيادية ، بداية من ماركس . إنّه ينقض حقيقة كلّ الصراعات الكبرى بين الثورة و الثورة المضادة تقريبا. و نتيجة مقال كيسون هي عمليا تصفية جميع خطوط التمايز فى تجربة الحركة الشيوعية العالمية، كما لو أنّ لا شيئ تمّ تعلمه منذ صعود البروليتاريا إلى مسرح التاريخ، كما لو أنّ نضال و تضحيات مئات الملايين الذين قاتلوا ببطولة و كافحوا من أجل بدايات عالم جديد خارج قبضة المستغِلّين الرأسماليين كان عدما تماما
هذه الإستهانة لمكاسب الحركة الشيوعية ، تاريخا و عالميا، و الدروس المستخلصة بهكذا ثمن باهض ، تتمّ خدمة للإستسلام التام ، فإستنتاج كيسون هو أنّه لا يمكن القيام بأية شيئ فى النيبال اليوم سوى بناء الرأسمالية وهو موافق على ترديد صدى تعليق لباتاراي مفاده أنّه" يجب ترك الشيوعية لأحفادنا". و المسألة رغم ذلك هي أن الأجيال القادمة لن تبلغ أبدا الشيوعية إلاّ إذا أنجز الثوريون الخطوات الأولى و الحاسمة التى تذهب فى إتجاه الإشتراكية و فى النهاية الشيوعية.
و النزوع بأقصى سرعة نحو الرأسمالية لن يفعل سوى تأخير و تقويض النضال من أجل الشيوعية و فى إرتباط بالنيبال بصفة خاصة سيعنى تفويت الفرصة العظيمة التى وفرتها سيرورة حرب الشعب ، فرصة فتح الباب للإشتراكية و المستقبل الشيوعي.
و لا عجب فى أنّ كيسون يخصّص طلقته الكبرى لبوب آفاكيان لأنّ مؤلفات آفاكيان الهادفة لإنقاذ الشيوعية من تحويلها إلى تحفة فى متحف- و لإعادة إحيائها و تعزيزها كنظرة و منهج علميين قادرين على قيادة الجماهير للتقدّم بالنضال الثوري نحو الهدف الشيوعي - و هذا يعدّ أكبر خطر على هذا القطاع من التحريفية "الواقعية المنافقة". و الح الش الن (الم) نفسه لم يتبنّى - بعدُ- هذا الرهط من التصفوية التامة لكن بتوفيره أرضية للتحريفيين ليبثوا سمومهم فى هذه الجريدة التابعة للحزب كما فعل مع كيسون، يعكس خطّا المضي بالحزب بعيدا على طريق تصفية المضمون الشيوعي فى خطّه.
رهانات هذا الصراع و الحاجة الآن إلى نشره عبر العالم :
ينشرالحزب الشيوعي الثوري هذه الرسائل للعموم ، فى هذه اللحظة بالإعتماد على تقييمه لأفضل سبل خوض الصراع قدما للقيام بما يتأتى القيام به لإنقاذ الثورة فى النيبال، و لدعم آخرين حول العالم فى التعلّم من هذه التجربة لتعميق الفهم العام لخطوط الإختلاف التى صارت بديهية داخل الحركة الشيوعية العالمية . هذا ليس زمن التلطّف فى الكلام : لقد غرقت الثورة فى النيبال فى رمال متحرّكة و لن تستطيع أن "تصحّح بنفسها" أخطاءها ما لم يوجد نبذ واعى و قوي للخطّ الإيديولوجي و السياسي الذى أفضى بها إلى هذه الكارثة.
عند تقرير نشر هذه الرسائل، إنطلق الح الش الث من الفهم الراسخ بأن الشيوعيين ليسوا ممثلى هذه الأمّة أو تلك ، و إنّما هم ممثلو البروليتاريا العالمية ، و قضيتهم هي قضية تحرير الإنسانية جمعاء . من هذا المنطلق ،على الشيوعيين أن ينتبهوا بصفة خاصة إلى و أن يركّزوا فى الدعم و المساندة السياسيين و الإيديولوجيين ،على تلك الصراعات التى توفّر أكبر الفرص للقيام بإختراقات ثورية ضد الإمبريالية. و بالتالى رأي الح الش الث نموّ النظرات التحريفية داخل الح الش الن(الم) بمنتهى الجدية و الإنشغال، و سعى بجهد لبلورة كيفية خوض الصراع مع الح الش الن (الم) بطريقة صريحة متناغمة مع المبدأ الشيوعي و توفّر أكبر أمل فى نهاية إيجابية.
لقد سخر بعض النقاد من الح الش الث على "صمته" بصدد النيبال إلى الآن. لكن تبادل الرؤى بين الأحزاب و المنظمات الشيوعية -بما فى ذلك أحيانا خلافات حادّة حول مسائل مبدئية- يحدث فى إطار صراع فى منتهى التعقيد و رهاناته هائلة ، ضد أعداء شرسين ، و هذا أمر لا بدّ على الدوام من أخذه بعين الإعتبار من قبل إي إنسان جدّي بشأن التقدّم بهذا الصراع. لقد إنطلق الح الش الث من قاعدة فهم أنّ " عمل الشيوعيين و النضالات الثورية التى يقودونها مسائل ذات أهمية عميقة بالنسبة للجماهير الشعبية ، ليس فقط فى البلد المعني مباشرة لكن بالفعل فى العالم بأسره" و أن إفشاء الإختلافات ينبغى أن يقاس ويتعاطى معه بإنتباه شديد ، لأنّ القيام بذلك "يمكن بسهولة أن يساعد الإمبرياليين و الرجعيين الذين يبحثون بلا هوادة عن سحق النضالات الثورية و القوى الشيوعية الطليعية. " ( من "أسرى "الحاضر الرأسمالي الفظيع" أم صياغة طريق للمستقبل الشيوعي ، ردّ على الرسائل التسع لمايك آلي").
يجب أن تكون الحركة الشيوعية العالمية مفعمة بالنقاش و الصراع الحيويين ، لكن لا ينبغى أن يتحوّل ذلك إلى مجرّد نادى للنقاش. فقط عندما صار الح الش الث مقتنعا تمام الإقتناع بأنّه لم يعد ممكنا عبر القنوات المتوفرة لديه إقناع قيادة الح الش الن (الم) أن تتراجع عن الطريق الكارثي الذى تتبعه ، عندئذ صدر قرار فتح الصراع على النطاق العلني.
و لا شكّ فى صحّة أنّ الح الش الن (الم) قد أوقع نفسه فى حفرة وهي تتعمّق . صراحة من الصعب جدّا عمليا لحزب أن يخرج نفسه من هكذا عمق. لكن الشيوعية لن يتمّ بلوغها أبدا دون مواجهة الشيوعيين لعوائق كبرى و تجاوزهم لصعوبات هائلة، لأجل تحقيق إختراقات لم يسبق لها مثيل- و هذا ما ندعو إليه اليوم. و أوّل ما يتطلّب القيام به هو الإقرار بواقع أن المشكل هو الخطّ الأساسي للحزب . إنّها التحريفية و الوسطية و الإنتقائية و نشر الأوهام حول الديمقراطية اللاطبقية هي التى أفضت بالحزب إلى المستنقع، و ما يقتضيه ذلك هو قطيعة راديكالية ممّا يعنى قبل كلّ شيئ إعادة تأكيد المبادئ و الأهداف الشيوعية الأساسية و معناه فى النيبال خوض- عبر وسائل ثورية و ليس عبر التعويل على و تشجيع الأوهام التدريجية و الخطط الإصلاحية - الصراع لإتمام الثورة الديمقراطية الجديدة كخطوة أولى نحو الإشتراكية و الهدف النهائي الشيوعية.
ليس الرفاق فى النيبال لوحدهم فى مواجهة هذا التحدّى ، لكن إجراء القطيعة الضرورية يقتضى القطع نهائيا مع القومية و التجريبية و البراغماتية - و كتعبير خاص عن هذا ، إعلاء التجربة الشخصية ، مهما كانت النجاحات التى يمكن أن تكون حققتها إلى حدّ ما ، على أنّها فوق النقد و على أنّها أهمّ من المبادئ الأساسية للشيوعية ،هذه المبادئ المستخلصة من و التى تمثّل تلخيصا لجملة واسعة من نشاطات الإنسان و صراعه، فى حقل الثورة و فى شتى الميادين الأخرى من التفكير و النشاط الإنسانيين. و مثلما أشارت رسالة الح الش الث فى نوفمبر 2008 :
" إعتقاد أنّ الممارسة المتقدّمة للثورة النيبالية جعلت من غير الضروري التعلّم من الفهم المتقدّم لرفاق آخرين جزء من البراغماتية و التجريبية اللذان للأسف كانا جزءا متناميا فى التوجّه الإيديولوجي لقيادة الح الش الن (الم) لبعض الوقت الآن. و أي جهد لمعالجة الأزمة فى الح الش الن (الم) فقط "بحلوله الخاصّة" و على أرضية قومية أو تجريبية لتجاهل أو مقاومة الفهم الشيوعي الثوري المتقدّم المتطوّر فى مكان آخر سيفضى بقساوة إلى إعاقة النضال من أجل خطّ صحيح. و على وجه الخصوص ، نتمنّى بصراحة أن يولي رفاق الح الش الن (الم) إهتماما جدّيا لدراسة مجمل أعمال بوب آفاكيان و منهجه و مقاربته و التلخيص الجديد الذي تقدّم به."
---------------------
هذه المقدّمة والعرض للجدال بين الحزب الشيوعي الثوري،الولايات المتحد الأمريكية و الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) لم تتعرّض إلاّ لبعض النقاط الهامة العديدة التى أثارتها الرسائل و منها العلاقة بين الإستراتيجيا و التكتيك ، و البعد العالمي للثورة فى النيبال، و العلاقة بين الديمقراطية الشكلية فى ظلّ الإشتراكية ، و تاريخ الح الش الن (الم) و كثير من المسائل الأخرى. غير أنّ هناك أمر واضح ألا وهو أن التبادل الجدالي يمثّل أحد أهمّ صراعات الخطين التى حدثت داخل الحركة الشيوعية العالمية لسنوات عدّة. و شأنه شأن غيره من الصراعات الكبرى ، فهو يشمل رهانات عميقة و تفرعات بعيدة المدى وهو "مدرسة ثورية" هامة يمكن أن تساعد جيلا جديدا على تعلّم ما تعنيه السيرورة المعقدة اللازمة للثورة و ما يتطلبه الإنجاز الفعلي للثورة على طول الطريق نحو الظفر- و على هذا الأساس المساهمة فى القيام بما هو ممكن لإنقاذ الثورة فى النيبال. و مثلما ورد فى ختام رسالة الح الش الث فى مارس 2008 :
" هذه معركة غاية فى الأهمية كجزء من سيرورة أكبر هي سيرورة إنقاذ المشروع الشيوعي بالطريقة الوحيدة التى يمكن بها إنقاذه ، بمواجهة المسائل الإيديولوجية و السياسية للثورة فى القرن 21 ، متجرّئين على البحث و إعادة البحث فى مفاهيمنا و فهمنا و صياغة حلّ لمشاكل الإنسانية. لقد أقنعتنا خطواتنا الخاصة فى هذه السيرورة ، أكثر من أي زمن مضى، بحيوية الثورة الشيوعية و ضرورتها."
------------
الهوامش :
1- قد غيّر الح الش الن (الم) إسمه إلى الح الش الن الموحّد (الم) إثر الوحدة فى جانفى 2009 مع الح الش النيبالي –مركز الوحدة (ماشال) التحريفي.
2- نودّ أن نقترح على قرائنا أن يدرسوا "الشيوعية: بداية مرحلة جديدة .بيان عام للحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية" الذى يوضّح التيارات السياسية الرئيسية داخل الحركة الشيوعية العالمية فى سياق تلخيص كامل الموجة الأولى للثورة الشيوعية و الحاجة إلى إطلاق موجة جديدة تامة.
3- أنظروا مقالات الرفاق كيران و غوروف ضمن آخرين فى أعداد "النجم الأحمر" المنشورة من سبتمبر إلى نوفمبر 2008.
4- يحاجج باتاراي أن على النيبال أوّلا أن تطوّر قوى الإنتاج قبل أن تستطيع الثورة مزيد التقدّم و أن الرأسمالية وحدها بوسعها تحقيق ذلك. و فى حين يقارنه البعض بدنك سياو بينغ الصين ، يمكن أن يقال إنّ هكذا لجوء إلى " نظرية قوى الإنتاج" فى النيبال ، فى ظروف حيث ، على خلاف الصين ، لم تبلغ بعدُ الإشتراكية حتى، مثال كلاسيكي عبّرت عنه جملة ماركس الساخرة و القائلة إنّ المرّة الأولى تراجيديا و المرّة الثانية مهزلة.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
من الحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية
إلى الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي)
29 جانفي 2009
الرفاق الأعزّاء،
مثلما تعلمون قد كنّا نتابع التطورات فى بلادكم و فى حزبكم بإنشغال و إهتمام كبيرين. خلال السنوات الطوال من حرب الشعب ، دعّمنا و نشرنا بإستمرار نضالكم فى صفوف الحركة الثورية و فى صفوف شعب بلادنا ، و ساهمنا فى القيام بالشيئ نفسه على النطاق العالمي. فقد قمنا بذلك من صميم القلب مقتنعين بأنّ النضال فى النيبال يمثّل صفعة ليس للطبقات الرجعية الحاكمة للنيبال ذاتها فحسب لكن يمكن أن يصبح قلعة متقدّمة للنضال ضد النظام الإمبريالي العالمي و بأنّ ، فى ظلّ قيادة حزب طليعي شيوعي حقيقي ، لهذه الثورة قاعدة ليس فقط لتحرير النيبال لكن أيضا للمساهمة فى نشر الشيوعية الثورية فى المنطقة و عبر العالم.
نكتب هذه الرسالة لإعلامكم بأننا توصّلنا إلى إستنتاج أنّه بات الآن ضروريا أن ننشر علنيا الصراع الذى خضناه لعدّة سنوات حول مسائل مبدئية شيوعية محورية و الإختلافات التى برزت الآن بحدّة.
منذ أكتوبر 2005 إنشغلنا بصورة متصاعدة بتطوّرات خطّ حزبكم. و إنطلاقا من فهمنا للأممية البروليتارية ، بذلنا جهودا عدّة لخوض الصراع بشأن المسائل الحيوية للخطّ الإيديولوجي و السياسي المعني. و بصفة خاصة كتبنا ثلاث رسائل أساسية فى لحظات مفصلية عارضين بطريقة صريحة فهمنا للأمور المبدئية التى ظهرت فى علاقة بتطوّر الثورة فى بلادكم، و لم نتطرّق لهذه المسائل على مستوى الإجراءات التكتيكية الخصوصية التى إتخذتموها فى ظروف شتّى و إنّما تطرّقنا لتلك المتصلة بالخطّ العام الإيديولوجي و السياسي الذى يرشد ممارسة حزبكم – و الذى يدفع بالثورة نحو هاوية سحيقة.
لقد صغنا رسالة فى أكتوبر 2005، و ثانية فى 19 مارس 2008 و ثالثة فى 4 نوفمبر2008. و من هذه الرسائل الثلاث إخترتم الردّ على الأولى فقط ، لذلك نشعر بخيبة الأمل و بالجزع إلى حدّ كبير لكونكم لم تعتبروا الرسالتين الأخيرتين لسنة 2008 تستحق الردّ. و المسائل التى أثرناها نحن و آخرون تركّز بجلاء على المسائل التى تحتاج أن تُناقش داخل الحركة الأممية الثورية و الحركة الشيوعية العالمية وهي موضوع إهتمام مشترك بين جميع الذين يطمحون إلى التخلّص من الإمبريالية و الرجعية ، و العمل بإتجاه مستقبل شيوعي.
ينبغى أن يكون بديهيا لماذا تسبّب التغيّر فى التوجه السياسي و الإيديولوجي القائد لحزبكم و سياساته المتوخاة فى كمّ هائل من التساؤل و الإرتباك فى صفوف أصدقاء الثورة النيبالية فى بلادنا و فى أماكن أخرى. و رغم مشاغل قطاعات من الجماهير و مطالب متكرّرة بالتعرّف إلى رأينا ، كنّا حذرين للغاية لتجنّب النقد العلني لحزبكم فى صحافتنا و فى منابر عامة أخرى إلى الآن. لقد شعرنا بأنّ تلك هي المقاربة الصحيحة لأنكم قد أوضحتم لنا تفضيلكم ألاّ يجري هذا الصراع فى العلنية و لأنّنا كنّا نأمل صراحة أن الإبقاء على هذا الصراع داخليا فى صفوف حزبينا و أحزاب و منظمات حركتنا سيوفّر أفضل الظروف لحزبكم ،
و خاصة لقيادته، لتدرس و تناقش و تصارع بجدّية القضايا التى أثرناها نحن و رفاق آخرون داخل الحركة العالمية.
إنّنا مجبرون على إستنتاج أنّ سياسة الإبقاء على هذا الصراع داخليا لم تعد مناسبة فى ظلّ الظروف الحالية. عندما تبيّن أن قيادة الحزب لم تول أية إهتمام بمواصلة الصراع بصدد المسائل الجوهرية للخطّ الإيديولوجي و السياسي و حيث أنّ الخطّ و السياسات القائدة للحزب ذاته تهرول فى إتجاه خاطئ، سيعنى إلتزام الصمت موضوعيا القبول بهذا الطريق عينه. و بالعكس تتطلّب الظروف نقاشا علنيا حيويا للمسائل المحورية الإيديولوجية و السياسية المعنية.
لم نتخذ هذا القرار عن طيب خاطر بل بالأحرى بأعمق إنشغال بمستقبل الثورة فى النيبال و إنعكاساته على نضال البروليتاريا الثورية عالميا.
بالضبط فى الوقت الذى قرّرنا فيه أنّه من الصائب الآن سلوك هذه الخطوة ، نشر مقال كتبه روشان كيسون فى جريدتكم باللغة الأنجليزية "النجم الأحمر" ( عدد21) أين أنكرالماركسية إنكارا كلّيا، بداية بماركس ذاته، و نبذ صراحة كافة تجربة الثورة البروليتارية إلى حدّ الآن و أعلن بلا مراء بانّ الثورة فى النيبال لا تستطيع أن تفعل أكثر من بناء دولة رأسمالية عصرية، مأجّلة مسألة النضال فى سبيل الإشتراكية و الشيوعية إلى أجيال المستقبل.
و كجزء من الهجوم المسعور المعادي للشيوعية ، فى العدد 21 من " النجم الأحمر" ، يشنّ كيسون هجوما خبيثا و لا مبدئيا
و تشويها شخصيا ضد قائد حزبنا، رئيس الحزب بوب آفاكيان، وهو أمر يستحق التأنيب وغير مقبول. إنّنا نحتجّ بشدّة على هذا المقال المناهض على طول الخطّ للشيوعية. و يُعدّ نشر هكذا مقال فى جريدة تصل كافة أنحاء العالم بما هي وسيلة للترويج لخطّكم ووجهة نظركم تشجيعا لوجهات نظر هي تماما معارضة للأهداف و المنهج الشيوعيين الذين ينبغى أن تدافع عنهم الحركة الشيوعية العالمية.
سنقُدِم على نشر الرسائل الكبرى الثلاث المشار إليها أعلاه إلى جانب الردّ الوحيد التى وصلنا منكم ،إلاّ إذا إتصلتم بنا قبل 15 فيفري 2009 و قدّمتم لنا سببا مقنعا لعدم القيام بذلك.
تحياتنا الأممية البروليتارية ،
اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
رسالة الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية
إلى الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) ،
(أكتوبر 2005)
الرفاق الأعزّاء،
لقد أولى حزبنا و لا سيما قيادته عناية فائقة لتطوّر حرب الشعب فى بلادكم و لتطوّر تفكير حزبكم. و قد ثمّننا بالخصوص توجه الرفيق براشندا و رأي أنّ الماركسية-اللينينية-الماوية تتقدّم فى القرن ال21 و أنّه ينبغى تلخيص الموجة العظيمة الأولى من الثورة البروليتارية التى بدأت مع كمونة باريس و تواصلت إلى هزيمة الثورة البروليتارية فى الصين.
و مثلما تعلمون جعل رئيس حزبنا ، بوب آفاكيان، من دراسة هذه التجربة أحد أهمّ إهتماماته. و فى عديد المسائل المهمّة ، لاحظنا توافقا بين المواقف التى صاغها حزبكم و التوجهات التى رسمناها نحن أيضا. و مع ذلك لفترة من الزمن الآن شغلتنا و حيرتنا بعض المواقف السياسية و التعليلات النظرية التى تبناها حزبكم أو ، على الأقلّ، بضعة قادة من حزبكم. والكثير ممّا نعدّه مواقفا غير صائبة، أو متداخلة أو إنتقائية ، توجد ضمن العدد التاسع من "العامل" و بصفة خاصة ، و ليس حصرية فى مقال الرفيق بابوران باتاراي حول "مسألة بناء نوع جديد من الدولة" ( لاحقا سيشار إليه ب "الدولة الجديدة").
إنشغالنا المتزايد بمسائل الخطّ و النظرة السياسيين – بخاصة بمسألة دكتاتورية البروليتاريا و الديمقراطية- ليست مجرّد نقاط نظرية مجرّدة إنّما هي متعلّقة شديد التعلّق بالمسائل المفاتيح فى الخطّ وهي بدورها مرتبطة بالمهام المباشرة للثورة فى بلدكم حيث الدولة القديمة على فراش الموت و تثار مسألة ما إذا ستنتصر الثورة إنتصارا تاما، و أي نوع من الدولة سيعوّض النظام الملكي ، وما الدور الذى ستنهض به هذه الدولة الجديدة فى السياسة العالمية و كيف سيدعم نضالكم تقدّم الثورة البروليتارية العالمية.
يتمحور صراع الخطّين الذى إندلع فى صفوف حزبكم حول ، تحديدا، هذه المسائل حيث كانت مواقفكم ، حسب رأينا، غير واضحة ،إشكالية أو إنتقائية. "إزدواج الواحد" أو على الأقلّ يبدو كذلك، يوفّر فرصة كبرى للحزب لنبذ هذه المظاهر من فهمه و خطّه السياسي السابق التى يذهب ضد التوجه الصحيح جوهريا الذى إتبعه حزبكم عبر المسار الطويل و المعقّد لحرب الشعب.
فهمنا المركزي الخاص لمسألة الديمقراطية و الدكتاتورية يُعبّر عنه عنه أفضل تعبير فى المقتطف التالى لبوب آفاكيان :
" فى عالم يتميّز بإنقسامات طبقية ولامساواة إجتماعية عميقين ، الحديث عن "الديمقراطية" دون الحديث عن الطبيعة الطبقية لهذه الديمقراطية ، بلا معنى وأسوأ. طالما أنّ المجتمع منقسم إلى طبقات ، لن توجد "ديمقراطية للجميع" : ستحكم طبقة أو أخرى وستدافع عن وتروّج لهذا النوع من الديمقراطية الذى يخدم مصالحها و أهدافها. المسألة هي : ما هي الطبقة التى ستحكم وإذا ما كان حكمها ونظام ديمقراطيتها، سيخدم تواصل أو فى النهاية القضاء على الإنقسامات الطبقية و علاقات الإستغلال والإضطهاد و اللامساواة المتناسبة معه."
سنتفحص مركزيا مستويين أساسيين. أوّلا ، يغضّ الفهم النظري للديمقراطية فى ظلّ المرحلة الإنتقالية الإشتراكية الذى يصاغ فى "الدولة الجديدة" يغضّ النظر عن المشاكل الأكثر جوهرية لتقدّم المجتمع الإشتراكي نحو الشيوعية ،و بصفة خاصة، يقوّض إدراك كونه من غير الممكن تحويل المجتمع و التقدّم بإتجاه المستقبل الشيوعي دون دكتاتورية البروليتاريا. ثانيا، و هو جزئيا ناجم عن الفهم الخاطئ لدكتاتورية البروليتاريا فى "الدولة الجديدة"، تصاغ حجج تنزع إلى إنكار ضرورة تركيز دولة الديمقراطية الجديدة (جمهورية شعبية) كهدف مباشر لحرب الشعب فى النيبال و عوض ذلك يحاجج من أجل مأسسة نوع من الجمهورية الديمقراطية البرجوازية كخطوة إجبارية
الديمقراطية : الشكل و المضمون:
فى مختلف وثائق "العامل" عدد 9 ، ثمّة قدر كبيرمن التشديد على أهمّية الديمقراطية فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا خلال الإنتقال إلى الشيوعية. و فى غاية الأهمّية أن يشدّد حزبكم على الدولة كشكل إنتقالي إلى الهدف النهائي الشيوعي. و من الصحيح كذلك التشديد على أنّ الإجراءات و السياسات الملموسة و مظاهر نظام الدولة التى تطوّرت فى الفترة الإنتقالية يجب أن تكون غايتها تحقيق هذا الهدف النهائي.
وجهة النظر التى يدافع عنها مقال "الدولة الجديدة " هي أنّ مجرّد توسيع الديمقراطية الشكلية هو المظهر الأساسي فى القيادة نحو "إضمحلال الدولة". ولدعم هذه الحجّة يستشهد بلينين و قوله " بقدر ما تكون الديمقراطية أتمّ بقدر ما تقترب لحظة غدوّها غير ضرورية". لكن هنا ينبغى أن نوضّح عدّة نقاط. 1- أثبتت التجربة فى الإتحاد السوفياتي و الصين و الثورة العالمية عموما أنّ الحاجة إلى تطوير و بناء آلة دولة قوية ليس بالشيئ الذى يمكن بسرعة الإستغناء عنه إثر إنتصار الثورة فى بلد معيّن. ففى عالم لا تزال تهيمن عليه الإمبريالية، من غير الممكن تماما تصوّر أنّ الحاجة إلى جيش دائم قوي ،لأخذ مثال معبّر ذكر فى "الدولة الجديدة" ، ستضمحلّ بسرعة. لقد تبيّن بوضوح أنه بات سيرورة طويلة الأمد ، أطول ممّا تنبّأ فى الأصل ماركس و إنجلز و حتى لينين عندما كتب "الدولة و الثورة"، غداة الثورة البلشفية.2 - لمّا كتب لينين عن "الديمقراطية " فى الفقرة المذكورة فى "الدولة الجديدة" فإنه بجلاء لم يكن يتحدّث بالأساس عن الديمقراطية الشكلية ، كالإنتخابات و الحق فى التصويت، بالأحرى كان يؤكّد على أنّ غالبية المجتمع س" تكون قد تعلّمت إدارة الدولة بنفسها" . هذا أيضا ليس بالشيئ الذى يتحقّق بسهولة و سوف يستغرق أجيالا لإنجازه على النطاق العالمي، لا سيما مع القوّة الباقية للإمبريالية العالمية. لكنّه يوفّر إجراءا هاما جدّا لتحديد إلى أي مدى دولة البروليتاريا هي حقّا ديمقراطية بالمعنى الأعمق للكلمة و خصوصا ، على نحو منسجم مع البروليتاريا و يخدم حكمها و التقدّم ، فى ظلّ هذا الحكم ، صوب هدف الشيوعية و بتحقيق الشيوعية و ليس قبلها ، صوب إلغاء الدولة و "إضمحلالها". الفهم البرجوازي للديمقراطية هو أنّ الإنتخاب والحقوق الشكلية هو المظهر الأساسي للديمقراطية. و الفهم التحريفي الكلاسيكي هو أنه طالما أنّ الدولة تعمل ل"صالح الشعب " يمكن إعتبارها ديمقراطية سواء أقامت إنتخابات أم لم تقم. لكن ماو عيّن المشكل الأساسي و الجوهري فى مجال آخر هو مشكل إلغاء ما يشير إليه الرفاق الصينيون ب"الأربعة كلّ" فى إحالة على الإستشهاد الحيوي بماركس عندما قال إنه يجب على الثورة الشيوعية أن تهدف إلى إلغاء : كلّ الطبقات و الإختلافات الطبقية عموما ، و كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها ، وكلّ العلاقات الإجتماعية المناسبة لها ، وكلّ الأفكار التى تنتج عن هذه العلاقات الإجتماعية .
طالما أنّ الإختلافات الثلاث الكبرى موجودة و طالما أنّ علاقات الإنتاج ليست بعدُ حرّة كلّيا من الحقّ البرجوازي ، و طالما لا تزال توجد إختلافات و لامساواة متأتية من المجتمع القديم، و طالما يظلّ قائما الإنتاج و التبادل السلعي و قانون القيمة ،حتى و لو جرى تحديدهما ، فبالتالى ثمّة إمكانية ظهور أشكال جديدة من الإستغلال و سيوجد ممثلون يبرزون للدفاع بإستماتة عن علاقات الإنتاج الإستغلالية و فى النهاية سيحاولون تركيز حكم طبقي مغاير. ومع وجود مختلف هذه التعبيرات عن اللامساواة الإجتماعية و الحق البرجوازي ، لمدّة طويلة ، ستوجد فى نفس الوقت و فى ترابط مع – و ستتفاعل مع و تتعزّز بطرق شتى- وجود و تأثير الدول الإمبريالية و الرجعية و مساعيها المتصلة للإطاحة بدكتاتورية البروليتاريا حيث وجدت . إن القضايا التارخية-العالمية المرتبطة بهذا كلّه ، و أسباب التشديد على الحاجة إلى دكتاتورية البروليتاريا ، إلى بلوغ الشيوعية، عالميا، و المسائل الحيوية المتعلقة بكيفية ممارسة دكتاتورية البروليتاريا ، و فى نفس الوقت، من أجل مواصلة تغيير المجتمع نحو الهدف الشيوعي ، فى إتحاد وفى علاقة جدلية بالثورة العالمية ، و تطوير دكتاتورية البروليتاريا كدولة مختلفة راديكاليا عن أشكال الدول السابقة- هذه القضايا و الأسئلة المرتبطة بها هي فى موقع القلب من و توفّر الأساس و الإطار لكيفية وجوب فهم و مقاربة المسألة الخاصة بالديمقراطية، و طابعها الطبقي فى مختلف المجتمعات، فى ظلّ شتى أنظمة الحكم الطبقية، و فى علاقة بهدف تجاوز كافة إطار – و كما وضع ذلك ماركس الأفق الضيّق – الحقّ البرجوازي ، سواء فى العالم المادي أو فى تفكير الناس.
الديمقراطية الشكلية فى ظلّ الإشتراكية :
يعدّ تلخيص جميع تجربة الثورة البروليتارية و دكتاتورية البروليتاريا إلى يومنا هذا موضوعا محلّ إهتمام مشترك بين حزبينا. و من الأكيد أنّه لن نستطيع االقيام بالثورة فى القرن 21 إن أخفقنا حقّا فى معالجة تجربة طبقتنا فى هذا الصدد ،الإيجابية منها و السلبية ، و من عديد الزوايا و بعمق.
فى هذه الرسالة ليس بوسعنا التعمّق فى هذه المسألة الحيوية لفهم المرحلة الإنتقالية أي دكتاتورية البروليتاريا. لقد كتب الرفيق آفاكيان كمّا لا بأس به بهذا المضمار ، و نودّ جلب إنتباهكم بصورة خاصّة إلى مقالة "الديمقراطية : أكثر من أي زمن مضى بوسعنا و علينا أن نصنع أفضل منها" فى دحض لأفكار ك. فينوفى، العدد 17 من "عالم نربحه" ، و مقال " الدكتاتورية و الديمقراطية و الإنتقال الإشتراكي إلى الشيوعية " و مقال " نقاش مع الرفاق حول الأبستيمولوجيا- حول معرفة العالم و تغييره" ).revcom.us( أنظروا موقع على النات مقتطف منه قُدّم للنشر فى العدد القادم من مجلّتكم باللغة الأنجليزية "العامل".
لأجل بلوغ مستوى أرقى من تلخيص قضية الإنتقال الإشتراكي ، حتى و نحن نرفض بصفة صحيحة أن يستثنى أي شيئ من إعادة الفحص النقدي، يظلّ من الضروري الدفاع بصلابة عن بعض مبادئ فهمنا، بما فى ذلك الأطروحة الماركسية المركزية عن طبيعة الدولة و الحاجة إلى الإبقاء على دكتاتورية البروليتاريا. و فى حين أنّه يقع الدفاع عن دكتاتورية البروليتاريا بالكلام
فى مقال "الدولة الجديدة" ، فإن هذا المقال يروّج إلى توجه ديمقراطي برجوازي ، إذا ما إتبع ، سيقود إلى عدم إرساء دكتاتورية البروليتاريا (1) أو إلى التخلّى عنها إذا أرسيت.
تتطرّق مقالات "العامل" عدد9 للمسألة الصعبة لأشكال القوانين و الإنتخابات و ما إلى ذلك التى يجب أن تكرّس فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا. و نشعر أنّ جعل أهمّ مسألة هي مسألة الديمقراطية الشكلية ، و تعبيرتها فى الإنتخابات، و تنافس الأحزاب السياسية و ما شابه، خطأ جدّي سيعزّز التوجهات نحو التخلّى عن دكتاتورية البروليتاريا أو الإطاحة التامة بها من قبل المناهضين للثورة. و تحرف هذه النزعة فعليا الإنتباه عن المصدر الأساسي لإعادة تركيز الرأسمالية و تبعده عن أهمّ وسائل إشراك الجماهير فى مزيد تثوير المجتمع.
و فى النهاية ، يجب أن نشير إلى أنّ الإنتخابات فى المجتمع الإشتراكي ليست ضمانا بالمرّة ضد ظهور التحريفية فى جهاز الدولة أو تحويله إلى آلة إضطهاد ضد الشعب. و بالطريقة ذاتها التى توجد البرجوازية بها فى الغرب عموما الديمقراطية البرجوازية المناسبة لممارسة دكتاتوريتها، بالفعل الشكل "المناسب أكثر" كما عبّر عن ذلك لينين، فإنّ مستغِلِين جددا ،ينشأون ضمن المجتمع الإشتراكي ، و بالخصوص داخل الدولة والحزب القائد للدولة ، سيكون بإمكانهم أن يبقوا على الجماهير جاهلة ، غير ناشطة سياسيا و مضطهَدة بينما يسمحون لها بوضع ورقة إنتخاب كلّ بضعة سنوات.
هل يعنى هذا أنّنا نحاجج أنّه لا أهمّية للحقوق الديمقراطية الشكلية فى ظلّ الإشتراكية ، أو أنّه لا يجب أن يوجد دستور و توجد جملة قوانين ، و قواعد تأخذ بعين النظر حقوق الشعب؟ لا. هذا ليس فهمنا. لقد أكّد الرفيق آفاكيان فى كتاباته الحديثة بهذا المضمار أهمّية مثل هذه الضمانات فى إتباع الفهم الماوي أنّه حتى فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا ، سيبقى التناقض بين الشعب و الدولة ، و لو أنه يتخذ أشكالا مغايرة لتلك فى ظل حكم الطبقات المستغِلّة. و كذلك تناول بالبحث إمكانية السماح بتنافس الأحزاب السياسية و إستعمال الإنتخابات و ما إلى ذلك كجزء من نظام الدولة الإشتراكية.
و فى نفس الوقت ، قُدّمت هذه الإمكانيات فى إطار ما يحيل عليه الرفيق بوب آفاكيان ب " اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة" – اللبّ الصلب هو دكتاتورية البروليتاريا بقيادة حزبها الطليعي. و دون هذا " اللبّ الصلب" تتحوّل المرونة إلى التعدّدية الديمقراطية البرجوازية التى سرعان ما تقود إلى إعادة تركيز الرأسمالية و دكتاتورية حقيقية على السواد الأعظم من الشعب. ومجدّدا ، فى هذه الرسالة لا يمكننا إلاّ بإقتضاب أن نحيل إلى هذه النقاط الهامة و نشخصها و علاوة على جلب إنتباه الرفاق إلى خطاب " الدكتاتورية و الديمقراطية " و الإنتقال الإشتراكي إلى الشيوعية لرئيس حزبنا آفاكيان فإنّ"مزيدا من التفكير العميق حول : الدولة الإشتراكية كنوع جديد من الدول" و " التطوير الخلاّق للماركسية –اللينينية-الماوية ، ليس التحريفية " يتناولان مسائل متصلة بطبيعة الدولة ،الدولة البروليتارية بخاصة، و الإنتقال إلى الشيوعية.
نرى ذلك مقاربة متباينة مع تلك المدافع عنها فى "الدولة الجديدة" و بعض الوثائق الأخرى. مثلا ،هناك إقتراح أنه يمكن على نطاق واسع تبنى طرق الحكم المباشرالمستعملة فى كمونة باريس أو تسريح الجيش القائم. لكن لن توجد دكتاتورية بروليتاريا فى ظروف عالم اليوم دون جيش دائم و بالفعل ، تسريح الجيش القائم الثوري ، عندما يتمّ تركيز الإشتراكية و تعزيزها- إلى مستوى أوّلى معيّن فقط ، فى علاقة بالمهمّة الإستراتيجية البعيدة المدى للتقدّم عبر الإنتقال الإشتراكي إلى الشيوعية، على النطاق العالمي- تسريح الجيش الشعبي فى هذه الظروف سيكون بمثابة إستدعاء ،و فى الواقع، سنكون غير قادرين على الدفاع عن أنفسنا ضد، هجوم على أيدى المعادين للثورة داخل البلاد الإشتراكية و الدول الإمبريالية و الرجعية ، بنتيجة موضوعية هي أنّ المجتمع الإشتراكي سيسحق و يقضى عليه وستكون الجماهير من جديد عرضة لأهوال حكم الإمبريالية و الطبقات الرجعية . و لن يكون ممكنا إستعمال أشكال الكمونة كالإنتخاب المباشر لكافة الموظفين كمبدأ عام فى تسيير الدولة. فقد دلّل التاريخ أنّه دون قيادة حزب بروليتاري حقيقي لن يوجد إفتكاك للسلطة أو إمكانية تعزيزها و الحفاظ عليها بعد إفتكاكها.
إنّ الإستشهاد بنقد روزا لكسمبورغ سنة 1918 لثورة أكتوبر ، المضمّن بإستحسان فى "الدولة الجديدة" يحاجج بأنّ قيادة الحزب ستقود حتما إلى دكتاتورية الحزب. من الصحيح تماما أنّ وجود الدولة البروليتارية ذاته و حزب بروليتاري طليعي
و جيش قائم إلخ، يمكن أن يتغيّروا إلى نقيضهم- دولة برجوازية تضطهد جماهير الشعب. و الشيئ نفسه يمكن قوله عن الثورة ذاتها فلا ضمان أنها ستتقدّم بإستمرار نحو الشيوعية. يمكن و لسوء الحظّ حصل أن أجهضت ثورات أو تحوّلت إلى أضدادها. لكن فى النهاية لا حجّة لعدم القيام بالثورة. ترتهن مواصلة دولة التقدّم نحو الهدف النهائي للشيوعية و إضمحلالها الذاتي الممكن بما إذا و كيف ستقاتل تلك الدولة لتغيير الواقع المادي الموضوعي و الظروف الإيديولوجية التى تجعل من وجود الدولة بعدُ ضروريا. ليس هناك طريق سهل بهذا الصدد. و التعويل على المؤسسات و الممارسات الديمقراطية الشكلية لن يعالج المشكل فلن يضع جانبا التناقضات التى تجعل من دكتاتورية البروليتاريا ضرورية تماما، ولن يفعل سوى تعزيز سلطة القوى التى تبحث عن الإطاحة بدكتاتورية البروليتاريا، و التى تستطيع أن توطّد قوّتها إنطلاقا من اللامساواة المتبقية فى المجتمع الإشتراكي و من وجود الدول الرجعية و الإمبريالية التى لوقت ما من الأرجح ستكون فى موقع "محاصرة" للدول الإشتراكية لمّا تولد عبر النضال الثوري. وحفاظ البروليتاريا و حزبها الطليعي على إحتكار السلطة السياسية أو تقويضها- بأي شكل كان ، بما فى ذلك بانتخابات يوضع فيها الحزب الطليعي و دوره أمام قرار الإنتخابات العامّة- لكلّ هذه الأسباب التى أتينا على ذكرها هنا ، سيقود إلى خسارة البروليتاريا للسلطة وإلى إعادة تركيز سلطة دولة رجعية و ما يعنيه كلّ ذلك.
و يحاجج مقال "الدولة الجديدة" بأنّ الدول البروليتارية الماضية ، عوض أن تخدم الجماهير و تعمل كأدوات ثورة مستمرّة ، تحوّلت إلى أسياد على الشعب و أدوات للثورة المضادة، و عوض التقدّم بإتجاه الإضمحلال تحوّلت إلى بيروقراطيات كليانية هائلة و أدوات قمع". يعوز هذا الوصف معالجة طبقية للدولة وهو بالأحرى يعكس الإعتقاد البرجوازي الصغير بأنّ الإضطهاد ينبع من التناقض بين المجتمع و الدولة، بدلا من الفهم الماركسي بأنّ الدولة توجد لضمان هيمنة طبقة على طبقة أخرى فى المجتمع. و كي نكون صريحين، إنّه يردّد صدى تشويهات البرجوازية عينها لدكتاتورية البروليتاريا و يسقط إلى درجة لها دلالتها ، فى قبول نظرة و منهج البرجوازية و "أحكامها" المناسبة ضد الثورات التى تقودها البروليتاريا من خلال أحزابها الشيوعية وهي تهدف إلى تحقيق الإشتراكية و فى النهاية الشيوعية. و بينما نشاطر حزبكم فهم أنّه من الحيوي العمل بعمق لإنجاز تلخيص شامل لتجربة المجتمع الإشتراكي و دكتاتورية البروليتاريا ، من الحيوي أيضا أن ننهض بهذا من وجهة نظر
و إنطلاقا من المنهج العلمي للم-الل-الم و ألاّ نسمح لتأثير نظرة البرجوازية و "أحكامها" أن يشوّه و يقلب مثل هذا التلخيص العلمي رأسا على عقب.
تُصوّر دكتاتورية البروليتاريا فى "الدولة الجديدة"، فى أفضل الأحوال ، ك "شرّ لا بدّ منه". و فى الواقع، سلطة الدولة بأيدى البروليتاريا و الطبقات الحليفة لها مكسب إيجابي هائل بمقدوره عمليا أن يخوّل للشعب أن يغيّر العالم و ذاته خلال السيرورة. و ما من داعي لأن نعتذر عن هذا. فى النيبال عينها شاهدنا التغييرات فى الظروف الإجتماعية و الثقافة التى قد حدثت بعدُ فى المناطق المحرّرة ، وهي توفّر مقدّمة لأشياء أعظم حتى ستنجز حينما تغدو السلطة عبر البلاد بأسرها بأيدى الجماهير تحت قيادة حزب البروليتاريا الطليعي.
و بإمكاننا أن نرى من المثال الواضح للغاية للصين الثورية بأنّ دكتاتورية البروليتاريا لم تكن "بيروقراطية كليانية" . لمّا كانت الدولة ، و ضمنها الجيش، تحت قيادة ماو و الثوريين الحقيقيين ، أمكن تحقيق تغييرات ثورية هائلة ،منها، و هذا فى غاية الأهمية ، إدماج متصاعد للجماهير فى إدارة الدولة عبر مختلف الوسائط ( " لجان الثلاث فى واحد" و هكذا). فالصين لم تصبح ببساطة رأسمالية أكثر فأكثر ،"كليانية" أكثر فأكثر ، مع زيادة قوّة الدولة. من أجل تغيير نحو الرأسمالية ، ينبغى أن يفتكّ أتباع الطريق الرأسمالي سلطة الدولة وهو ما قاموا به من خلال إنقلاب عقب وفاة ماو.
و الشيئ نفسه ، للأسباب التى عرضناها هنا ، فإنّ حلّ لكسمبورغ المتمثّل فى الإنتخابات العامة و "الحرية غير المحدودة للصحافة و الإجتماع" ، و إلغاء الدور القيادي للحزب لن يفعل سوى ضمان أنه عوض "بضعة عشرات" من قيادات الحزب يقودون الدولة البروليتارية، فإن بضعة عشرات ( أو أقلّ ) من الإنتهازيين و أتباع الطريق الرأسمالي سيحتكرون الدولة و سيستعملون ذلك الإحتكار لسلطة الدولة لضمان أن لا توجد ديمقراطية حقيقية لجماهير الشعب ، كما أثبت ذلك التاريخ مرّة تلو المرّة.
لا نستطيع أن نجعل من التنافس بين مختلف الأحزاب السياسية أمرا مطلقا فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا – لا يمكن أن يرفع أعلى و لا حتى أن يوضع على قدم المساواة مع حاجة الدولة لمواصلة أن تكون إنعكاسا و أن تعزّز و تعمّق أهداف الثورة البروليتارية ، فى الدفاع عن ما تحقّق من مكاسب عبر النضال الثوري، و مواصلة مزيد تثوير المجتمع، فى القاعدة الإقتصادية و البناء الفوقي السياسي-الإيديولوجي، و مساندة النضالات الثورية عبر العالم ، و التقدّم نحو تحقيق "الأربعة الكلّ" و هدف الشيوعية ، على نطاق عالمي. أن تكون أو لا تكون دولة ، فى مظهرها الرئيسي، تعمّق هذه الأهداف ( و ليس أن تكون أو لا تكون ، أو إلى أية درجة ، هناك إنتخابات ذات أحزاب متنافسة إلخ) هو الأساسي فى تحديد ما إذا كانت أم لا الدولة ، فى الواقع، تمثّل المصالح الجوهرية للبروليتاريا و جماهير الشعب. و مرّة أخرى، بينما بمستطاعنا أن نعترف بدور و أهمّية ، فى المجتمع الإشتراكي ، أشياء مثل الإنتخابات حتى مع نوع من مظهر التنافس بين التيارات و حتى قوى منظّمة متباينة ، و بينما نعترف بأهمية الدستور و القوانين و ما إلى ذلك ، الذين يعطون تعبيرا عن الديمقراطية ، بمعنى واسع ، بالنسبة لجماهير الشعب، على قاعدة حكم البروليتاريا، و كافة هذه الأشياء أيضا مرتهنة ب و تجد دورها فى علاقة بتلك المسألة الجوهرية لما إذا كانت الدولة عمليا تعمّق الأهداف التى إليها أشرنا هنا أم هي فى الواقع تعمل ضد مزيد تثوير المجتمع و تحقيق "الأربعة الكلّ" و الشيوعية عالميا موطّدة ،عوض ذلك، قواعد إعادة تركيز الرأسمالية، موسعة نطاق و تأثير الحق البرجوازي ، فى علاقات الإنتاج و العلاقات الإجتماعية و البناء الفوقي السياسي و الإيديولوجي للمجتمع، و فى علاقة المجتمع بالوضع العالمي و الصراع بين الثورة و الثورة المضادة عبر العالم.
بالتأكيد أنّ الثوريين البروليتاريين الحقيقيين لا يمكن و لا يجب أن يسمحوا بالإطاحة بدكتاتورية البروليتاريا من خلال التصويت. و من الممكن التنبؤ بظروف حيث حتى فى إطار حكم البروليتاريا ، يمكن لغالبية الجماهير، فى ظلّ ضغط النظام الإمبريالي العالمي و كذلك الطبقات الرجعية المحلّية ، أن تصوّت ضد مصالحها الطبقية الخاصّة. و هنالك أمر أكيد هو أنه إذا عادت الطبقات الرجعية إلى السلطة عبر التصويت ، ستبقى فى السلطة و لن يوجد "تداول" ديمقراطي بين البروليتاريا و سلطة الدولة الرجعية. و مجدّدا لا ينبع هذا من النصح بدرجة معينة من التنافس الإنتخابي فى ظلّ الإشتراكية لكن أيّا من هذه الإجراءات يجب أن تتمّ داخل إطار دكتاتورية البروليتاريا – لا يجب أبدا أن "تقف فوق" الصراع الطبقي الفعلي فى كلّ من داخل البلاد المعني أو على الصعيد العالمي و التداخل الجدلي و التفاعل بين الإثنين.
نعم ،هناك مشكل حقيقي و صعب لكيفية الحفاظ على حياة سياسية و ثقافية تنبض نشاطا و حيوية و كيفية تدريب جماهير الشعب لتأخذ أكثر فأكثر شؤون الدولة بأيديها، و كيفية تسليحها بالقدرة على الحكم ، لإستعمال تعبير لماركس. هناك قدر كبير يجب تلخيصه بشأن الصعوبات التى واجهتها طبقتنا فى إدارة ذلك على نحو صحيح فى الماضي و قدر كبير ممّا سنتصارع حوله و نتعلّمه . بيد أنّ من الأكيد أنّه من غير الممكن معالجة هذه المشاكل دون أن تكون سلطة البروليتاريا قوية. و من جديد ، بمقدورنا رؤية الجدلية بين سلطة ماو فى الصين ، و التى نعلم أنّها تعزّزت بصورة معتبرة خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و الإزدهار الفذّ للديمقراطية الجماهيرية الذى شوهد كذلك.(2) أمّا بالنسبة للذين عارضوا دور ماو "الدكتاتوري" فنعرف إلى أين قاد نوع ديمقراطيتهم الشعب.
الجمهورية الشعبية أم "الأشكال الإنتقالية":
فى مقال "الدولة الجديدة" المسألة هي أنه " لا ينبغى أن نستبعد إمكانيات المرور عبر أشكال متنوّعة و مزدوجة و إنتقالية من الديمقراطية فى سيرورة المضيّ من النظام الملكي الأوتوقراطي عبر الديمقراطية البرجوازية إلى الديمقراطية البروليتارية."
و تحاجج هذه الجملة ( أو على الأقلّ " لا تستبعد ") أنّ الثورة فى النيبال ذات النظام الملكي يجب أن "تمرّ عبر الديمقراطية البرجوازية كمرحلة متميّزة تتطلب شكلا متميّزا من حكم دولة، قبل التمكّن من تركيز الديمقراطية البروليتارية. و هذا الموضوع عينه قد ظهر فى وثائق أخرى للحزب كذلك ، خاصة فى مقال موجّه إلى "أصدقائنا الأمريكيين" و فيه يشدّد على وجه الخصوص على أن الهدف المباشر للثورة فى النيبال ليس جمهورية شعبية و إنّما بالأحرى جمهورية ديمقراطية برجوازية محيلا على الجمهورية البرجوازية التى أرساها جورج واشنطن إثر حرب الإستقلال فى الولايات المتحدة الأمريكية. و من المؤكّد للغاية أن هذا ليس نوع المجتمع و نوع الدولة اللذان إليهما تحتاج جماهير النيبال و الولايات المتحدة و غيرها فى هذه المرحلة من تاريخ العالم .
و يتعيّن أن نشير بعجالة إلى أن هذا المقال كريم فوق الحدّ إزاء ديمقراطية برجوازية الولايات المتحدة فالجمهورية البرجوازية المركزة إثر الإستقلال عن بريطانيا لم تلغ حتى العبودية إلى أن إندلعت حرب أهلية دموية بعد ذلك بثمانى سنوات. و على الدوام ، قد عنت الديمقراطية البرجوازية الدكتاتورية الفعلية على جماهير الشعب بما فى ذلك القمع بالقتل الموجّه للطبقة العاملة و القوميات المضطهَدة فى الولايات المتحدة.
نرى أن فى "الدولة الجديدة" يوجد إرتباك نظري حول الديمقراطية ، لا سيما التشديد المبالغ فيه على أشكال الديمقراطية البرجوازية ( التنافس بين الأحزاب، الإنتخابات و ما إلى ذلك) يفضى إلى التخلّى عن الفهم الماوي للثورة الديمقراطية الجديدة. و يعلم جميعنا أنّ مرحلة الثورة فى النيبال هي مرحلة ثورة تكمّل الثورة الديمقراطية البرجوازية ، كما كان الحال فى الصين و كما هو عموما الحال فى بلدان ما يسمّى بالعالم الثالث. غير أنّ ما يخفق هذا المقال فى تناوله هو أن المهام الديمقراطية البرجوازية تحلّ فى ظلّ قيادة البروليتاريا، وأنّه يجب أن تؤدّي ليس إلى إرساء جمهورية برجوازية و إنما بالأحرى إلى جمهورية ديمقراطية جديدة أو شعبية، و هذا ، فى جوهره، شكلا من أشكال دكتاتورية البروليتاريا فى تحالف مع كافة قطاعات المجتمع الثورية و التقدّمية ، بما فيها البرجوازية الوطنية.
و يعلّق المقال محاججته بالأساس على الظروف الخاصّة بالنيبال، لا سيما كون له نظام ملكي ، ممّا يستوجب نوعا من مرحلة أدنى خاصة من الصراع. و لا شكّ فى أنّ وجود النظام الملكي عامل مهمّ ينبغى أخذه بعين النظر فى تحليل النيبال و تطوير و تكريس الإستراتيجيا و التكتيكات المناسبة للتقدّم بالثورة فى النيبال، لكن سيكون من الخطإ أن يستخلص من هذا أنّ النيبال يوجد فى نوع مرحلة مغاير تماما للبلدان المضطهَدَة الأخرى بآسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية و أنّ المسائل السياسية المتعلّقة بمرحلة الثورة مختلفة جوهريا.
سيكون لكلّ بلاد خصوصياتها ففى إيران تتخذ دكتاتورية البرجوازية شكل التيوقراطية (3) وفى عديد البلدان الأخرى
من ما يسمّى بالعالم الثالث توجد دكتاتورية الحزب الواحد ببرلمان أو بدونه و فى بعض البلدان هناك حكم عسكري ،
و هناك بلدان أخرى أنظمتها ملكية. و مجدّدا تحتاج الخصوصيات إلى التحليل و الأخذ بعين النظر كجزء من تطوير إستراتيجيا ثورية حقيقية و تكتيكات مناسبة فى كلّ بلاد، لكنّنا قد رأينا مرّة تلو المرّة أن الحجج المقدّمة أن هذه الأشكال الخاصّة تتطلّب مرحلة خاصّة من تركيز ( أو " أن تمرّ عبر" لإستعمال كلمات "الدولة الجديدة") جمهورية ديمقراطية برجوازية "نقية" و فقط حينها يمكن للثورة التقدّم نحو مرحلة بروليتارية. و لم تساهم فى أي مكان هكذا حجج فى – أو إستطاعت محاولات تكريس هكذا برنامج أن تفضي إلى – إنتصارفى النهاية للثورة الديمقراطية الجديدة و التقدّم صوب المرحلة الإشتراكية من الثورة.
يتحدّد دور و طبيعة الطبقات الحاكمة و ممثّليها السياسيين ، كالأحزاب البرلمانية ، جوهريا ليس بعلاقتها بالنظام الملكي و إنّما بعلاقتها بالإمبريالية و الإقطاعية.
لا يمكن لهدف الثورة الديمقراطية الجديدة أن يكون جمهورية برجوازية و نظام الدولة التى تركّزه لا يمكن أن يكون ديمقراطية برجوازية و بالفعل كان هذا أحد أهمّ الإختراقات النظرية لماو الذى قاد تركيز جمهورية الصين الشعبية. و قد أكّد على أن البرجوازية تتخفّى على الدوام وراء مفهوم "المواطنة" لتطمس الإختلافات الطبقية الحقيقية فى المجتمع كما أكّد على أنه بالرغم من الديمقراطية البرجوازية ، من الضروري إرساء هيكلة دولة قائمة على "المركزية الديمقراطية " لأنّ :" الحكومة القائمة على نظام المركزية الديمقراطية تستطيع وحدها أن تعبّر تعبيرا كاملا عن إرادة كلّ الشعب الثوري و أن تقاتل أعداء الثورة بأكثر فعالية " ( "حول الديمقراطية الجديدة") .
و يذكر "الدولة الجديدة" فقرة هامة للينين:"إنّ الإنتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية لا بدّ و أن يعطي وفرة و تنوّعا هائلين من الأشكال السياسية ،و لكن فحواها ستكون لا محالة واحدة: دكتاتورية البروليتاريا" ثمّ يستطرد قائلا فى الفقرة التالية إنّ : " فى الفترة الإنتقالية من مجتمع متخلّف مثل النيبال ، حيث الإنتقال يجب أن يقع من الأوتوقراطية شبه الإقطاعية عبر الديمقراطية البرجوازية إلى الشيوعية، ستوجد بالطبع أكثر تنوّعات و تعقيدات ".
الصيغة أعلاه تنمّ عن مقاربة خاطئة فى الأساس لفهم المرحلة الإنتقالية . ذلك أن قيادة البروليتاريا تعنى أنّ المهام الديمقراطية البرجوازية – تحرير البلاد من الإقطاعية و الإمبريالية الأجنبية – يمكن أن تنجز دون إيجاد دولة ديمقراطية برجوازية . إنّه النظام الديمقراطي الجديد ذاته هو التكريس العملي و الفعلي لوجهة نظر لينين:" الوفرة والتتنوّع الهائلين من الأشكال السياسية " لدكتاتورية البروليتاريا. الديمقراطية الجديدة شكل من أشكال دكتاتورية البروليتاريا خاص بالبلدان المضطهَدة وهو يتمّم الثورة الديمقراطية البرجوازية و يحوّلها بلا إنقطاع إلى مرحلة الإشتراكية.
فى عصرنا هذا ، تحرير البلدان و الأمم لا يمكن أن يتمّ عبر الثورة الديمقراطية البرجوازية من النوع القديم. و هذه ليست مجرّد رؤية "أكاديمية"- أو أسوأ حتى ، تشديد دغمائي على الإستراتيجيا مطلّقة عن الظروف الملموسة - بل مبدأ جوهري يعتمد على الواقع و تأكّده التجربة الغنية ، كلّ من التجربة الإيجابية و غالبا التجربة السلبية التى دفع ثمنها دماء الجماهير، والتراجع الحاد للصراع من أجل تحرير الجماهير. و هذا بالأساس بفعل قوّة الإمبريالية العالمية التى تعزّز ربط الأمم المضطهَدة و كجزء من هذا تتجه نحو الحفاظ على المظاهر المتخلفة للقاعدة الإقتصادية –الإجتماعية و للبناء الفوقي و إستعمالها ، كالإقطاعية و النظام الملكي فى النيبال ، حتى بينما يقوّض تدخّل الرأسمال الإمبريالي بعض مظاهر المجتمع ما قبل الرأسمالي و يجعل الصراع الطبقي محتدّا. و بالضبط لأنّ الإمبريالية نظام عالمي و لأنّ فى آخر التحليل فقط نظام عالمي آخر ، الشيوعية، بمقدوره فى النهاية أن يعوّضه ، فى هذه الحقبة ، لا يمكن لأية دولة أن توجد ، على الأقلّ ليس إلى أي فترة زمنية ذات دلالة ، ليس بقيادة سواء البروليتاريا أو الطبقات الرجعية المرتبطة بالنظام الإمبريالى عينه. البرلمان أو النظام الملكي ، دكتاتورية عسكرية أو حزب واحد، كافة أشكال الأنظمة المختلفة الرجعية الكمبرادورية البيروقراطية الرأسمالية فى بلدان ما يسمّى بالعالم الثالث تتقاسم مظاهرا طبقية مشتركة و علينا بالفعل أن " نستبعد" ( لإستعمال كلمات "الدولة الجديدة") أي "شكل إنتقالي" ليس قائما على دكتاتورية البروليتاريا. و فعلا بيّن التاريخ أنّه حين يشارك الشيوعيون فى مثل هذه الحكومة لن يتمّ الإنتقال إلى الإشتراكية و الشيوعية و إنما بالأحرى يتمّ إنتقال الحزب إلى المساهمة فى كارثة.
إن وقع تركيز جمهورية ديمقراطية برجوازية بأيدى من ستكون سلطة الدولة و بالخصوص، الجيش؟ هل سيكون بأيدى الجماهير الثورية بالنيبال، الجماهير التى قد ناضلت و ضحّت أو هل ستكون بأيدى الطبقات الرجعية ، فى النيبال و عالميا، هذه الطبقات التى خاضت حربا معادية للثورة ؟ للأسف ، عادة ما كان الحال أنّ الطبقات المضطهَدَة و قياداتها بما فيها الشيوعيون ، لم تنشد سحق مقاومة الأعداء ، لكن لم يحصل أبدا أن أخفقت الطبقات المستغِلة فى إستعمال سلطة الدولة لمحاولة قمع الجماهير الثورية. ما هي السياسات التى ستنتهجها مثل هذه الدولة و فى أي إتجاه سيسير المجتمع؟ هل ستكون الدولة متحالفة مع الجماهير الثورية عبر العالم أم ستمسى الدولة الجديدة ذاتها جزءا من " المجتمع الدولي" الذى يقوده و يشكله الإمبرياليون؟ و ليس فقط من المبادئ الأساسية للنظرية الماركسية لكن الحياة عينها هي التى تبيّن بإستمرار أنّه ليس هناك شيئ إسمه دولة لا طبيعة طبقية لها ، و ليس أداة بأيدى طبقة لقمع طبقة أخرى.
التكتيك و الإستراتيجيا:
لقد ركّزنا على ما نعتبره المسائل الأساسية للخطّ السياسي و الإيديولوجي التى برزت فى نقاش الديمقراطية و الدكتاتورية فى حزبكم. الوضوح حول المسائل الإستراتيجية بصدد طبيعة الثورة و مرحلتها و مهامها أساسية فى قيادة أي حزب للتبنّى الضروري لسياسات و تكتيكات التقدّم فى الدوامة المعقّدة للثورة. وليس بوسعنا إصدار آراء حول تكتيكات معيّنة يمكن أن يرسمها و يطبقها حزبكم – مثلا لسنا فى موقع معرفة هل أنّ إيقاف إطلاق النار الإحادي الجانب الساري المفعول الآن و الذى أعلنه حزبكم صحيح و مفيد و لا نشعر أنّنا مخوّلين لتشكيل آراء نهائية حول هكذا مسائل مثل "الهجوم الإستراتيجي" أو الشكل المحدّد للتحالفات الطبقية أو كافة المناورات السياسية الخاصة التى تتخذونها. و من جهة أخرى ، نشعر فعلا بأنّ التكتيك فى السيرورة الثورية فى بلد معيّن يمكنه و أحيانا يصبح مركّزا لمسائل كبرى للخطّ السياسي و فى هذه الحال يقع على عاتق الرفاق فى الحركة الأممية أن يفهموا هذه المسائل فهما تاما قدر الإمكان ، حيث يشعرون بالحاجة إلى ذلك ، و أن يبدو مشاغلهم أو إختلافاتهم الكبيرة. و حتى أهمّ ، هناك مبادئ أساسية متصلة بالعلاقة بين الإستراتيجيا و التكتيك المشتركين بين كافة السيرورات الثورية و نعنى مبادئا أساسية فى الماركسية-اللينينية-الماوية.
فى العادة نقول : " صلابة فى المبادئ و مرونة فى التكتيك ". و هذا يصف بدقّة وحدة الأضداد بين الإستراتيجيا و التكتيك.
و المظهر الرئيسي لهذا التناقض ، المظهر الذى يحدّد طبيعته ، هو الإستراتيجيا . لهذا يمكن أن يكون لذات التكتيك معنى مختلفا فى إرتباط بأي إستراتيجيا يخدم و عن أية إستراتيجيا يصدر. لقد رأينا عند دراستنا للمفاوضات فى علاقة بالبيرو أنّ الإختلاف الجوهري هو بين "التفاوض من أجل القتال" و "القتال من أجل التفاوض". بكلمات أخرى ، كلّ من الإستراتيجيا الثورية و التحريفية تفسح المجال لكلا التكتيكين للقتال و التفاوض ( و عديد الأشكال الأخرى من النشاط السياسي كذلك) . لكن من منظور ثوري ، إستراتيجيا التحطيم التام للدولة الرجعية القديمة تقود و تحدّد متى و إذا و كيف أن تكتيك التفاوض و المساومات ضروري. فى الإتجاه التحريفي، مثلا الإستراتيجيا التى حاجج من أجلها بصراحة بيالوبوس من الحزب الشيوعي الفليبيني فى الثمانينات ، كان الهدف منها بلوغ إتفاق على المستوى الإستراتيجي، "السلطة الجزئية" حيث ستتقاسم البروليتاريا السلطة مع الطبقات الرجعية ( "نموذج نيكاراغوا" الشهير). و يتطلّب "نموذج نيكاراغوا " الكفاح المسلّح كتكتيك ، وكذلك ، المفاوضات لأجل تحقيق هدفه الإستراتيجي "السلطة الجزئية".
و هكذا نرى أن النموذجين ، الطريقين، يستعملان كافة التكتيكات تحقيقا لأهداف إستراتيجية معيّنة. لكن لا يمكن أن نستخلص من هذا أنّ أي إستراتيجيا تبرّر أي تكتيك. مثلا ، عادة ما يدرس ضباط عسكريون رجعيون ماو تسى تونغ ليس فقط لفهم تكتيكات الشيوعيين لكن أيضا ،أحيانا على الأقلّ ، يحدوهم أمل تطبيق بعض المبادئ و التكتيكات الماوية فى حربهم الخاصة المعادية للثورة. وعلى سبيل المثال ، ليس من العسير فهم ميزة أن يكون السكّان إلى جانب جيشكم فى توفير المعلومات المخابراتية فى ما يخصّ مكان وجود القوى المعارضة و ما إلى ذلك. خلال حرب الفتنام سمّى جيش الولايات المتحدة هذه السياسة بسياسة "كسب قلوب و عقول" الناس. و طبعا، كانوا غير قادرين تماما على "كسب القلوب و العقول" و صارت هذه الجملة موضوع سخرية و إزدراء من قبل ملايين الناس فى الولايات المتحدة و كذلك عبر العالم. لكن هل يعنى هذا أنّ الولايات المتحدة لم ترد أو لم تعتن فعلا ب"كسب القلوب و العقول" و أن هذا لم يكن سوى نفاق و دعاية فجّة لتغطية المذابح والتعذيب ؟ لا ، لقد أراد الجيش الأمريكي و إحتاج كثيرا إلى كسب الجماهير فى الفتنام، لكن الأهداف الإستراتيجية – الحفاظ على الحكم الرجعي فى الفتنام وإخضاع الأمّة الفتنامية للإمبريالية الأمريكية- كانت فى تناقض عدائي مع تكتيكات كسب الشعب. و عوض ذلك تطلّب الهدف الرجعي تكتيكات الإبادة الجماعية و التعذيب و الإغتصاب.
و الغاية من ذكر هذا المثال هي مرّة أخرى تقديم نموذج للعلاقة بين الإستراتيجيا و التكتيك. بينما عديد و حتى غالبية التكتيكات يمكن أن تستعملها أية قوّة طبقية، ثمّة بعض التكتيكات لا يجب أبدا أن تستعملها البروليتاريا- مثل الإبادة الجماعية و التعذيب و الإغتصاب. و ثمّة تكتيكات مثل التعويل على الجماهير، و مقاسمتها الأفراح و الأحزان ،و ممارسة الديمقراطية فى الجيش لا يمكن أن يطبّقها فعليا الرجعيون حتى و إن أرادوا ذلك. المسألة ليست فقط ، أو أساسا ، مسألة نوايا ذاتية ، و إنما إلى حدّ كبيرمسألة طابع طبقي و أهداف طبقية تحدّد فى النهاية التكتيكات الخاصّة.
إن كان الهدف هو "الحلّ السياسي" فبالتالى يصبح من الممكن و الضروري لجعل الحرب تخدم هذا الهدف الإستراتيجي و يمكن أن يتخذ هذاغالبا شكل إيقاف و شنّ القتال، و جعل التكتيكات العسكرية تهدف إلى نتائج سياسية خاصة و آنية. و بوسعنا رؤية هذا ضمن القوى التقدّمية و أنواع العمليات العسكرية التى عادة ما يستعملونها ( مثل الإختطاف ، و الهجمات على مدنيي القومية المهيمنة إلخ). و ينبغى أن يكون هدف ثورة تقودها طليعة ماركسية-لينينية-ماوية ترشدها غاية التحويل الإجتماعي الراديكالي والتقدّم نحو الإشتراكية و فى الأخيرالشيوعية عبر العالم، التحطيم الكلّي للدولة الرجعية القديمة وهكذا يتعيّن على التكتيكات المستعملة ، أولا، أن تحدّد وفق القوانين الإستراتيجية للحرب.
هل يؤثر التكتيك و الإستراتيجيا فى بعضهما؟ نعم يؤثران فى بعضهما البعض. و بصورة خاصّة هناك خطر تحوّل التكتيك إلى إستراتيجيا. والرفاق فى الحزب الشيوعي الماوي لتركيا و كردستان لخّصوا هذا المشكل ك " التكتيك الذى يبتلع الإستراتيجيا " و سياسة "السياسات تأكل السياسة ". هناك خطر تحوّل التناقض بين التكتيك و الإستراتيجيا إلى تناقض عدائي،
و فى هذه الحال يتعيّن تغيير التكتيك و جعله ينسجم مع الإستراتيجيا و إلاّ هناك خطر أن تغدو الإستراتيجيا شيئا مختلفا. فى حال حرب الشعب ، هناك خطر أن تبدأ الحرب بإرادة إنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة عبر البلاد كافة و تتحوّل إلى حرب هدفها تحقيق "سلطة جزئية". و لا يمكن فقط أن يحدث هذا التغيير ، خاصة فى وضع فيه يسعى الحزب إلى التوحّد مع الطبقات الوسطى و المتذبذبة، بل إنّ هذا التغييرالسلبي ، من توجه ثوري إلى توجه إصلاحي، ينزع بالأحرى للحدوث إلاّ إذا ناضلت القيادة الواعية، الثوريون البروليتاريون، بلا هوادة لضمان أن يتناسب تكتيك النضال مع الأهداف الإستراتيجية الثورية.
"القتال من أجل التفاوض" أو "التفاوض من أجل القتال" هذه مسألة جوهرية و خطّ تمايز واجهتها حركتنا بحدّة فى الصراع حول كيفية تقييم تكتيك "إتفاق السلام" الذى تقدّم به الخطّ الإنتهازي اليميني فى الحزب الشيوعي البيروفي. بوضوح، التفاوض أو عدم التفاوض، إيقاف إطلاق النار أوعدم إيقاف إطلاق النار، لا يمثّل المسألة المركزية. لقد قدرت التحريفية على إستعمال الكفاح المسلّح و المثال النيكاراغوي بكامله هو بالضبط نموذج لهذا ، لا سيما كما إرتقى به فيالوبوس من الحزب الشيوعي الفليبيني إلى مستوى النظرية بحجّة أن الهدف يجب أن يكون "السلطة الجزئية". والسلطة الجزئية تعنى القبول بالإلتزام بعدم التحطيم الشامل لجهاز الدولة القديمة، و بعدم التغيير الجوهري للهيكلة الإقتصادية و الإجتماعية للبلاد، و بعدم إرساء دكتاتورية البروليتاريا( مهما كان الشكل و كانت التحالفات المعنية تاريخيا فى بلد معطى).أحيانا يصرّح التحريفيون و الإنتهازيون بصفة مفتوحة بهدف "القتال من أجل التفاوض" لكن أن يطبّق أو لا يطبّق مبدأ " القتال من أجل التفاوض" أو " التفاوض من أجل القتال" ليس فقط مسألة إرادة ذاتية للقيادة. إنّه وثيق الإرتباط بشكل لا ينفصم بالخطّ الإيديولوجي و السياسي المطبّق من قبل الحزب.
مقترح يبعث على التساؤل :
فى العدد 9 من "العامل" يوجد الموقف التالى: " فى الإطار القائم لوجود إيديولوجيتين و جيشين و دولتين فى البلاد ، يوافق الحزب على تسريح كلا الجيشين و تنظيم إنتخابات المجلس التأسيسي فى ظلّ مراقبة منظّمة الأمم المتحدة و منظمات حقوق الإنسان العالمية. " فى رأينا هذا "التكتيك" متناقض تناقضا عدائيا مع هدف الثورة الديمقراطية الجديدة. إذا ما تمّ إتباعه ، أي إذا قَبِلت الحكومة الملكية و قَبِلَ "المجتمع الدولي" بهذا المطلب و إذا جرى تسريح جيش التحرير الشعبي و فى النهاية حلّه فإنّ ذلك سيؤدّى إلى تراجعات جدّية للغاية فى الصراع الثوري و من الممكن تماما سحقه عمليا على أيدى الرجعيين. ( و بالفعل، الدفاع عن إمكانية قبول الأعداء الطبقيين لهكذا مقترح سيكون إلحاق مثل هذا التراجع بالثوريين). و هذا مثال جلي عن عدم إنسجام التكتيك مع الإستراتيجيا الثورية ذاتها و تناقضه العدائي معها.
والوعد ب "إنتخابات شاملة و عادلة" لا سيما فى ظلّ ظروف مراقبة الأمم المتحدة أو المنظمات الإمبريالية الأخرى و البروليتاريا تضع على الرفّ أو "تروّج بلطف" مطالبتها بجمهورية شعبية ، يؤدّى إلى إصطفاف قوى طبقية غير مناسب و يعزّز إمكانية سلبية و حتى على الأرجح كارثية تطال الحزب و جماهير الشعب التى قادها لعشر سنوات فى حرب الشعب، خاسرا خلال هذه السيرورة من الإنتخابات ما كسبه بفعل النضال البطولي والتضحيات الجسام ، فى ساحة المعركة- خسارة هذا فى زمن وجود إمكانية التقدّم بهذا النضال نحو الهدف ، و إنجاز قفزة كبرى ،لإفتكاك السلطة عبر البلاد كافة غدت أوضح فى الأفق و أقرب للمسك، تحديدا بفضل تقدّم حرب الشعب.
و كيف سيكون الحال لو رفض الحزب الإعتراف بنتائج إنتخابات تحت " إشراف " إمبريالي؟ الطبقات و الفئات ذاتها التى تنوون إجتذابها إلى رأيتكم ستشعر بأنه تمّت خيانتها. و تكتيككم سيعود عليكم بالوبال.
هل كونه لن يتمّ على الأرجح تبنّى هذا التكتيك – أي أنه فى الوقت الراهن ليست الطبقات الحاكمة تنزع إلى قبول هكذا مقترح – يبرّره؟ هل أنّ للشيوعيين الحقّ فى قول أو الوعد بأي شيئ إذا لم يكونوا مقتنعين أنّهم لن يطالبوا بإنجاز وعودهم؟ لا، هناك واجب أساسي على الشيوعيين ألا وهو الحديث و تقديم الحقيقة. ( مثلا، لا يمكننا أن نقول إنّه إذا تمّ تركيز دولة إشتراكية لن يوجد بعدُ فقرا فى النيبال- لكن يمكننا أن نقول إنّ فى ظلّ الإشتراكية سيقع القضاء على الحدود الإجتماعية التى تمنع الناس من إستعمال جهدهم و طاقتهم ليعالجوا خطوة خطوة مشاكل الجماهير، بطريقة نوعية). زيادة على ذلك ، إطلاق الوعود التى لا يمكن للشيوعيين الوفاء بها و لا يريدون الوفاء بها قد يفتح الباب لتراجعات ممكنة مع نتائج كارثية واردة.
هناك كذلك خطر أن ما يبدو اليوم غيرممكن قد يضحى ضروريا بالنسبة للرجعيين فيقرّونه فى الغد، و فى هذه الحال سيقوّض النداء السابق إلى درجة كبيرة قدرة الحزب على توحيد الجماهير ضد نوع "الخلّط " الذى يقدّم الآن فى الكلام على الأقلّ. مقتنعون تمام الإقتناع هم الرجعيون فى بلادكم و أسيادهم فى العالم بأنّ أي "إستقرار" قابل للدوام يمرّ عبر و يجب أن يعني تحطيم حزبكم الطليعي ( و فقط بعدها سيمكن أن يسمح لعناصر حزبكم الضعيفة عسكريا و سياسيا و إيديولوجيا بموقع" قانوني" فى "العملية السياسية" التى تقودها الرجعية ). لكنّها يمكن أن تجبر على إستنتاج أنّ الطريق الوحيد لتجنّب هزيمتها هي الساحقة هي القبول بنوع من الحلّ وفق الخطوط المقترحة فى الموقف المذكور فى "العامل" عدد9 . و تجب الإشارة إلى أنّه لو قِبِلَ العدوّ بهكذا "حلّ سياسي" من الممكن أن يترافق أو يُسبق بالتعويل على الوسائل العسكرية لفرض حلّ عسكري، مثلما رأينا كثيرا فى التاريخ ( أندونيسيا، الشيلي، العراق فى 1965) .
و فى نفس السياق، النقطة التى شدّدنا عليها أعلاه حول خطر تعريض الثورة لهزيمة ساحقة ، نودّ أن نأكّد على أنه حتى و لو لم يظهر أي شيئ من هذا "التكتيك" فإنّ له بعدُ إنعكاسات سلبية بما أنّه يدعو إلى فهم خاطئ لطبيعة الدولة ( كلّ من الدولة الرجعية القائمة و مستقبل دكتاتورية البروليتاريا بأية شكل نشأت هذه الأخيرة فى النيبال). و تاريخ حركتنا منذ بدايتها يزخر بعديد الإنحرافات و الهجمات على الفهم الأساسي للديمقراطية و الدكتاتورية و هناك أسباب مادية و إيديولوجية تفسّر لماذا سيكون هذا الصراع طويل الأمد و أنّه سيحدث مرارا و تكرارا بما فى ذلك بأشكال جديدة. و قد تبيّن أيضا أنّه ليس من السهولة بمكان إلحاق الهزيمة بالخطوط الإنتهازية و التحريفية فى هذه النقطة. وعبر تكتيكنا ، إذا نشر الشيوعيون الثوريون أنفسهم الضبابية و الإنتقائية، أو حتى وجهات نظر خاطئة تماما بشأن النقطة الحيوية، فسيكون من الأصعب تحقيق الإنتصار على التشويهات التحريفية و الإنتهازية حينما تظهر.
عن "المجتمع الدولي" :
لا مجال للشكّ فى أنّ "المجتمع الدولي" يعنى – فى الجوهر الإمبريالية العالمية" و الدول الرجعية الموجودة تحت سيطرتها
و تأثيرها و رجال الدولة و الشخصيات العامة، و الصحفيين و المثقفين المرتبطين بالنظام الإمبريالي العالمي. هل يعنى هذا أنّ "المجتمع الدولي" لا تشقّه تناقضات هامّة و نامية ضمن الإمبرياليين و هناك قطاعات هامّة من الإنتليجنسيا و غيرها تنقد و تعارض مختلف مظاهر النظام الإمبريالي- تناقضات تجعل من الصائب و الضروري بالنسبة لحزب البروليتاريا أن يستعمل التناقضات فى صفوف العدوّ وأن يكسب بعض "صانعي الآراء" المرتبطين عادة بالطبقة الحاكمة. لكن هنا، كما فى كلّ الأمور، يتعيّن أن نكون واضحين حول المظهر المبدئي- المظهر المحدّد ل "المجتمع الدولي" – ليس فقط بشكل عام لكن تحديدا فى علاقة بحرب الشعب فى النيبال.
و قد نشر مقال فى الصحافة الهندية فى صائفة 2005 يقول إنّه "وجد إتفاق غير مكتوب ضمن المجتمع الدولي على أنّه لا يجب أن يسمح للماويين بالوصول إلى السلطة". هل هذا تلخيص دقيق لموقف مختلف الدول الرجعية التى هي جوهريا كمظهر محدّد لها تشمل "المجتمع الدولى"؟ نعتقد أنّه دقيق للغاية . فضمن القوى الإمبريالية، مثلما إعتاد الرفاق الصينيون أن يشدّدوا ، ثمّة نزاع و تواطؤ . لكن فى علاقة بحرب الشعب فى النيبال التواطؤ هو الرئيسي نسبة للنزاع- فالتناقضات صلب القوى الإمبريالية لم تحتدّ إلى درجة أن ،و لم يتفاقم الوضع العالمي إلى حدّ أن بلدان إمبريالية عظمى تخرج عن الصفّ على نحو جوهري فى ما يتصل بالسياسة فى النيبال.
من الصحيح أنّ مختلف العاملين على الساحة العالمية ينهضون بأدوار متنوعة، و يقدّمون خطابات متنوّعة إلخ بما فيها الهند و الصين و بريطانيا و الولايات المتحدة . فى حال الولايات المتحدة و أنجلترا قد تبيّن مرّة فمرّة أن مصالحها الإمبريالية مترابطة شديد الإرتباط بعضها ببعض و أنّ الإستراتيجيا الإمبريالية كلّها لأنجلترا قائمة على القبول بالهيمنة العالمية للولايات المتحدة و خدمتها. والتبعية المخزية لتونى بلار لجورج بوش فى حرب العراق كانت فقط آخر دليل لهذه العلاقة الخاصّة. ما يفرّق بين الولايات المتحدة و أنجلترا هو أنّه حتى حين يكونان متحدين تماما فى سلبهم الإمبريالي، لديهما أدوارخاصّة مختلفة ، على وجه الخصوص فى مجال الرأي العام، تواصل انجلترا تجميل الإمبريالية بجمل معسولة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ، بينما تستعمل الولايات المتحدة هذه الكلمات أيضا، تقدر و تتطلب بصفة مفتوحة أن تلوّح ب"حجتها" الأضخم، قوّتها الإقتصادية و خاصة العسكرية الهائلة. وهذا ليس بالشيئ الجديد فحتى غداة إنتصار الثورة الصينية ، تحدث ماو عن تقسيم العمل بين هذين الوحشين. ومن الواضح رؤية أنّه فى أوضاع معيّنة فى عالم اليوم تلعب انجلترا والولايات المتحدة دوري "الشرطي الجيد" و"الشرطي السيئ".
و ماذا عن بلدان مثل فرنسا و ألمانيا اللذان كانت معارضتهما لحرب العراق سجلت نموّا للنزاع مع الإمبريالية الأمريكية ؟
نعم ، هذه التناقضات حقيقية و نامية إلاّ أنها لا تعنى أن هذه البلدان بصورة جوهرية، معارضة لسياسة هيمنة الإمبرياليين و الرجعيين تجاه النيبال. وكلّنا يعلم طبيعة الهند و الدور الذى تلعبه فى علاقة بحرب الشعب، و حتى إعادتها لرفاق إلى جلادي النيبال الملكية.
دعوة هذه القوى و شبيهاتها- و هذا بالضبط ما تعنيه الأمم المتحدة- ل "مراقبة الإنتخابات" فى النيبال لعبة خطيرة لن تكون لها فائدة إيجابية و إنّما لها قدرة تامة على الإيذاء و يمكن حتى أن تقود إلى هزيمة نكراء.
يمكننا إستخلاص الدروس من غزو العراق. و حتى فى تلك الحال ، عندما كانت البلدان الإمبريالية منقسمة حقّا بحدّة و كانت لنظام صدّام علاقات منذ زمن طويل وعلاقات واسعة مع مختلف البلدان الإمبريالية ، ساعدت الأمم المتحدة فى إعداد الأرضية لعدوان الولايات المتحدة. و فى اللحظة الأخيرة، حين رفض مجلس أمن الأمم المتحدة إعلان موافقته على الحرب، لم تفعل أي شيئ للتنديد بها ، ناهيك عن النضال ضدّها. فى هذه اللحظة من التاريخ، و بخاصة فى علاقة بالنضال الشعبي الثوري الحقيقي ، لا إمكانية لأن تلعب الأمم المتحدة أي دور يعارض جوهريا مصالح و أهداف الإمبريالية الأمريكية.
و حتى المواقف الحالية لفرنسا و ألمانيا فى علاقة بالعراق دليل على ذلك. نعم، كان الغزو خاطئا ، و ربّما غير قانوني وغير عادل، يقولون، لكن الآن و قد حصل " ليس لنا خيار" سوى تمنّى أن " تنجح" الولايات المتحدة بما أنّ السيناريو البديل ، أي إخراج الولايات المتحدة من العراق ، سيترك تلك المنطقة الهامة من العالم غيرمستقرّة و " دون شرطي".
إن وجدت أية فكرة عن كون "المجتمع الدولي " سيكون أكثر تسامحا مع الماويين منه لنقل مع صدّام حسين، فهي وهم خطير يجب التخلّى عنه بسرعة. من هو الديمقراطي ، من هو الذى يتعدّى على حقوق الإنسان، من هو الطاغية أو الإرهابي و من هو القدّيس بأعين "المجتمع الدولي" لا يعتمد على ما إذا كانت القوى أو الأنظمة السياسية "ديمقراطية" أم لا، و إنما على ما إذا كانت القوّة معتبرة ضارة لمصالح النظام الإمبريالي العالمي. شاهدوا الترقية الحديثة للكولونيل القذّافي من ليبيا من إرهابي إلى رجل دولة مسؤول، أو شيطنة روبار موغابى من ثوري سابق إلى طاغية دموي إثر قتل ستّة (نعم ، ستّة! ) مزارعين بيض فى سيرورة الإصلاح الزراعي إلخ. و كون لحزبكم علاقات عميقة ووطيدة مع الجماهير، وكونه يتمتع بمساندتها والتعويل عليها ، و كونكم بنيتم جبهة متحدة واسعة شاملة الغالبية الغالبة للمجتمع، لا شيئ من هذا سيعنى منحكم مكانة شرعية لدى"المجتمع الدولي". لقد نعت ماو والشيوعيون الصينيون بأنهم "كليانيون" خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فى الوقت الذى كانوا منغمسين فى ما يظلّ أعظم تعبئة سياسية للجماهير فى أي مجتمع و أوسع ديمقراطية حقيقية بمعنى حقّ النقد ،والصراع و تغيير المجتمع.
النيبال و النظام الإمبريالي العالمي :
فى الواقع دعوة مراقبة "المجتمع الدولي" تعنى موضوعيا إعلان أن الثورة لن " تزعج" الوضع السائد فى العالم، و أنّ نوع الدولة الذى يجتهد الثوريون للحصول عليه، لتعويض النظام الملكي فى النيبال يمكن أن "يركن" فى إطار العلاقات الدولية كما هي الآن. و بينما من الأكيد أنّ الثورة الديمقراطية الجديدة فى النيبال ليس بوسعها ،بحدّ ذاتها، أن تلغي النظام العالمي القائم، من الصحيح كذلك أنّ النظام العالمي القائم لن يقبل بدولة شعبية ديمقراطية حقيقية.و بالطبع، ينسحب هذا بالخصوص و مباشرة على حال الهند.
إذا كان على الثورة أن تفعل ما عليها فعله ، أي الإبحار فى تغيير الظروف الإجتماعية القائمة و بناء نظام إقتصادي لا يعتمد على "الإندماج" و فى الواقع الإرتباط بالنظام الإمبريالي العالمي، إذا إستجابت لضرورة مساندة الصراع الثوري عبر العالم، بالتالى فإنّه لا مجال للشكّ فى أنّ الإمبرياليين و الدول الرجعية –"المجتمع الدولي"- ستعارضكم بقسوة و ستبذل وسعها لمنعكم من بلوغ السلطة فى مرحلة أولى و للإطاحة بحكمكم إذا نجحتم فى بلوغ السلطة و سوف يتضمّن هذا بالأحرى ألوانا شتّى من العدوان العسكري و كذلك التخريب و الحصار الإقتصاديين، و النشاطات الإستخباراتية و تمويل و تدريب المعادين للثورة و كلّ هذه "أعمال عادية" للدول الإمبريالية و الهند أيضا ، بهذا المضمار.
أي إنتخابات "يراقبها" هؤلاء النهابين الإمبرياليين و الدول التابعة لهم لن تسمح أبدا بظهور دولة ثورية حقيقية. لننظر فقط فى ما يعتبرونه إنتخابات "عادلة". تعتبر الإنتخابات فى العراق ، فى ظلّ الإحتلال الأمريكي عادلة جدّا- حتى من قبل الذين فى السلطة مثل فرنسا و ألمانيا الذين لم يساندوا الغزو فى البداية. و إعادة إنتخاب مبارك أخيرا فى مصر تعدّ "نموذجا" حتى و إن كان فقط 16 بالمائة من السكان فكّروا أنّ الأمر يستحقّ الذهاب إلى صناديق الإقتراع. و لكن عندما لا تعطى الإنتخابات النتائج المرجوّة ، مثلما حدث فى الزنبابوي أو فينيزويلا تعتبر "عيبا" أو "غير مقبولة" و حتى فى هذه الحالات ،رؤساء الدول الذين جرى إنتخابهم لم يكونوا حتى معادين للإمبرياليين على نحو صريح و شامل ناهيك عن أن يكونوا ثوريين حقيقيين و شيوعيين. و فى النيبال إنتخابات لا تمثّل إلاّ سدّا فى وجه ظهور جمهورية شعبية ستكون مقبولة بالنسبة " للمجتمع الدولي".
و ما ذكرناه أعلاه ليس سوى الطريقة المباشرة و الأكثر إنفتاحا التى بها يراقب " المجتمع الدولي " السيرورة العملية للإنتخابات ذاتها. هناك طرق أعمق و اهمّ عبرها يتحكّم "المجتمع الدولي" ( "يراقب") السيادة المستقلّة المفترضة للناس بإستعمال قوّته الإقتصادية و الدبلوماسية و السياسية و العسكرية " لتشكيل" أراء الناس و أصواتهم. مثلا، فى الثمانينات، أجبر النظام السانديني فى نيكاراغوا على إجراء "إنتخابات حرّة". و عني هذا أن الولايات المتحدة كانت حرّة فى ضخّ كميات هائلة من المال إلى مرشحى المعارضة و عني كذلك أنّ الإنتخابات جرت فى ظروف حيث التصويت لصالح النظام عني التصويت لصالح الحرمان الإقتصادي الشديد و مواصلة تدخلات و عنف الثورة المضادة و التهديد حتى بتدخّل عسكري أكبر و أكثر تحطيما من قبل الإمبرياليين و الرجعيين و ما إلى ذلك، بينما التصويت ضد النظام عني نهاية الحصار ووعد "السلام" و تحسين مستوى العيش. فى ظلّ هكذا ظروف ليس من المفاجئ أن يصوّت عدد كبير من الناس و ليس فقط ضمن الأكثر تخلفا ، و"بحرّية " ضد النظام السنديني.
وجهة نظرنا ليست أنّ الحزب و الدولة الجديدة التى ينشئها يجب القبول بها بسلبية- بالتأكيد ثمّة دورهام ينبغى أن يضطلع به الصراع فى النيبال وعالميا ضد التدخّل الإمبريالي والرجعي ضد حرب الشعب- يتعيّن أن يصبح "إرفعوا أيديكم عن شعب النيبال" صرخة للجماهير الثورية و الأعداد النامية من الناس عبر العالم بشكل أوسع ، لا سيما فى الولايات المتحدة و الهند و بلدان أخرى متدخّلة بصفة مباشرة أكثر- لكن على الحزب ألاّ ينشر أبدا الخيالات فى هذا المجال و أن يخفق فى تفسير الوضع الحقيقي بوضوح لأعضاء الحزب و للجماهير فأن تكونوا "ديمقراطيين" أو "إرهابيين" بأعين "المجتمع الدولي" هو عموما مسألة لا تتعلّق بطبيعتكم و إنّما مسألة طبيعتهم هم. لهذا شدّد ماو ، بصورة صحيحة ،على كون هجوم العدوّ علينا و تصويرنا دون أيّة فضيلة علامة على أن عملنا جيّد و أنّه إذا لم يهاجمنا على هذا النحو ، إذا كان العدوّ يمدح جانبنا "الديمقراطي" فإنّ ذلك ينبغى أن يكون مدعاة للحذر و الإنتباه. والمقالات و الدعوات المشوّهة لطبيعة الأمم المتحدة و "المجتمع الدولي" نشرت البلبلة فى ما يتصل بالطبيعة الحقيقية لهذه القوى و تقويض قدرة القوى و الجماهير الثورية فى وقوفها الصارم فى وجهها.
الديمقراطية و الفئات الوسطى:
من الواضح جدّا أن من أوكد مهام الثورة الديمقراطية الجديدة، لا سيما قصد إفتكاك السلطة السياسية عبر البلاد كافة ،هي كسب البرجوازية الوطنية فى المدن و الطبقات و الفئات الواقعة تحت تأثيرها. فهذه الفئات فى البلدان المضطهَدَة التى هي الأكثر إفتتانا ببهارج الديمقراطية الشكلية بينما الجماهير الأساسية ، خاصة فى الريف، حيث حياتهم ستسير تقريبا ببرلمان أو دونه، أقلّ حساسية لهذه الأوهام.
نظرا للطبيعة الديمقراطية البرجوازية للثورة الديمقراطية الجديدة ، فى آن معا من الممكن و الضروري كسب هذه الفئات و ضمان أن تحفظ مصالحها لفترة ملموسة من الزمن ( و حتى بعد تقدّم الثورة إلى مرحلتها الإشتراكية يعبّد الطريق لتغيير و قيادة أفراد تلك الطبقة فى إعادة تشكيلها و إيجاد مكان لها فى المجتمع المستقبلي ).
لكن من الواضح أيضا أنّه هناك عديد مظاهر البرجوازية الوطنية تجعل من الصعب عليها الوحدة مع البروليتاريا:
1- إنّها تعيش من الإستغلال الرأسمالي 2- لها علاقات بالنظام الإمبريالي العالمي الذى عليه تعوّل فى الإمدادات و التكنولوجيا و أحيانا حتى الأسواق3 – هي مرتبطة أيضا بملكية الأرض. و كلّ هذا يعنى أنّ البرجوازية الوطنية ستواصل التذبذب إلى ما بعد إنهاء الثورة الديمقراطية الجديدة.
و هذا الطابع المزدوج للبرجوازية الوطنية يحدّده الطابع الطبقي و ليس جوهريا سياسة الشيوعيين. و بالطبع ، ما سيفعله الشيوعيون سيكون له تأثير هام على ما إذا و إلى أية درجة ستتّحد البرجوازية الوطنية و القطاعات الأخرى المرتبطة بها إيديولوجيا و عمليا مع الثورة،إلاّ أن موقفها تجاه الثورة سيرتهن بالأساس بالقوّة الملموسة للكتل المتنازعة و طبيعتها و مصالحها الطبقية الخاصّة.
و من الطبيعي تماما كذلك أنّه الآن مع بروز إمكانية إلحاق الهزيمة بالنظام الملكي فى الأفق، ستكون البرجوازية الوطنية مضطربة. فبعض أفرادها يشعرون بأنّه من الممكن الآن عمليا تحقيق جمهورية برجوازية ، و حتى بعض الرجعيين يمكن أن يعتقدوا أنّ النظام الملكي صار الآن عبئا ينبغى التخلّص منه. والكثيرون بلا شكّ فرحون برؤية الثورة على وشك أن تفتكّ السلطة، و آخرون يمكن أن لا يكونوا متأكّدين من ذلك تمام التأكّد.
فكرة جمهورية ديمقراطية برجوازية فى نيبال متحررّ من الإمبريالية والإقطاعية وهم يلوّح به أمام الجماهير. لكن البرجوازية الوطنية و حتى بعض فئات البرجوازية الصغيرة و المثقفين المرتبطين بها يعتقدون عمليا فى هذا الوهم. لا يهمّ كيف أنّ التاريخ فى النيبال و فى العالم فنّد هذه الإمكانية ، فالموقع الطبقي لهذه الفئات مرفوقا بالتأثيرات الإيديولوجية للإمبريالية يعنى أنّ هذا الوهم سيعمّم بإستمرار.
بإعتبار أنّ وهم ديمقراطية (برجوازية) نقية فى البلدان المضطهَدة هو فعلا مجرّد وهم، فإنّ الواقع ما ينفكّ يقحم هذه الفئات، ممليا عليها أن تحدّد موقعها فى ما يتصل عمليا بسلطة الدولة القائمة و القوى الطبقية المتنازعة. ومفاد هذا أنّه مهما كانت إمكانية أن تعارض بعض العناصر البرجوازية الوطنية و تلك الفئات المرتبطة بها أو المتأثّرة بها الأوساط الحاكمة الرجعية ، سيستمرّ وجود تياّر قوى داخل هذه الفئات يبحث عن إتفاقية مع الرجعية و الإمبريالية. لكن حين تواجه بديلا حقيقيا و ملموسا لسلطة الدولة ، يمكن للأشياء أن تتغيّربصورة فجئية. فى النيبال رأينا أن الأحزاب البرلمانية إصطفت موضوعيا مع النظام الرجعي، عبر مشاركتها فى البرلمان و الحكومة و بطرق أخرى، بأكثر جوهرية عبر معارضتها لحرب الشعب. والآن و قد بيّنت الثورة قدرة واضحة على إفتكاك السلطة عبر البلاد بأسرها، ثمّة قاعدة صلبة بالنسبة لعديد المتشكّكين والمتذبذبين السابقين من الفئات الوسطى لكسبها لدعم الثورة و لجعل الشكّ و التذبذب ينتشر ضمن الفئات التى كانت قبلا صلبة فى معارضة الثورة. كلّ هذا هام و ميزة جيّدة للثورة.
لكن المفتاح فى هذا هو قوّة القوى الشعبية و صلابة تصميم البروليتاريا على مواصلة الثورة إلى النهاية من جهة و من جهة أخرى ، إفلاس متصاعد للنظام القديم. كلّ هذا يجبر المجتمع بأسره على الإختيار بين أي مستقبل و أية سلطة دولة سيتحالف معها. دون ذلك الدفع لإختيار مصير أو آخر، فإن كافة أوهام البرجوازية الوطنية و البرجوازية الصغيرة المدينية ستعود و ستحوّل إلى برامج سياسية و إلى سياسات.
الثورة عمل عنيف من خلاله قطاع من المجتمع يبحث عن الإطاحة بقطاع آخر. وحتى و إن كانت الثورة فى مصلحة الشعب، و حتى فى مصلحة البرجوازية الوطنية إلى درجة كبيرة، لا يزال بعدُ و بالفعل يجب إيجاد وضع تجبر فيه مختلف القوى الإجتماعية، حتى ضمن الناس ذاتهم على الإختيار. مثلا، لمّا ينطلق النضال المسلّح فى البلاد أو يُستهلّ فى منطقة جديدة فهو سيعارض حتما بهجوم مضاد خبيث من قبل الطبقة الحاكمة الرجعية. و حتى هذه الفئات من الجماهير التى لم تستنهض فى البداية فى الثورة سرعان ما ستدفع إلى "إختيارالخندق" و بحكم طبيعتها الطبقية و مصالحها، وكذلك بحكم عمل الشيوعيين السياسي و الإيديولوجي و التربوي، فإنّ غالبية العمّال و الفلاحين سيقفون إلى جانب الثورة. إلاّ أنّ الفئات الوسطى كالبرجوازية الوطنية ، ستتردّد بين الخندقين و ستواصل البحث عن مخرج وهمي من الخيار الأساسي الذى يواجه المجتمع.
أيمكن أن يوجد أي شكّ فى كيفية تصويت غالبية الطبقات الوسطى لو منحت" خيارا حرّا " فى 1996 : أيجب على الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) أن ينطلق فى حرب الشعب أم عليه أن يتبع هدفه بوسائل "معقولة أكثر"؟ و اليوم قطاع كبير من هذه الفئات قد كُسب إلى جانب الثورة، قد إختار دعم سلطة الدولة الجديدة فى الريف على حساب سلطة الدولة القديمة فى العاصمة. لكن إن وضع أمام هذه الفئات خيار آخر- فرصة التصويت على أوهامها- ثمّة إمكانية قوية أن يتحوّل الدعم المتردّد إلى معارضة.
نخشى أن تتجه السياسات التى يتوخّاها حزبكم تجاه البرجوازية الوطنية كما تنعكس مثلا فى نداءات إنتخابات من أجل مجلس تأسيسي، إلى التعالى على الواقع الأساسي. فعوض دعوة البرجوازية الوطنية إلى الإلتحاق بجهاز الدولة الذى سيكون بوضوح تحت قيادة البروليتاريا ، هناك نزعة شديدة نحو الوعد بأن تحترم البروليتاريا شكل دولة جمهورية برجوازية ستناسب موضوعيا مصالح البرجوازية و نظرتها.
هكذا جمهورية برجوازية لن تخفق فقط فى معالجة المشاكل الجوهرية للجماهير بل ستخفق أيضا ببؤس فى معالجة حتى المهام الديمقراطية البرجوازية للمرحلة الأولى للثورة، مرحلة التحطيم التام للإقطاعية و كسر قبضة الإمبريالية على البلاد. حتى و إن أراد قادة مثل هذه الجمهورية البرجوازية أن يحرّروا حقّا البلاد من الإمبريالية و الإقطاعية و الرأسمالية البيروقراطية ، لن يستطيعوا القيام بذلك بالضبط لأنّ دولة برجوازية ستعكس و تعزّز علاقات الإنتاج فى المجتمع القديم و العلاقات بين النيبال والنظام الإمبريالي العالمي. ألم نرهذا المرّة تلو المرّة فى العالم؟ كما لا يجب أن نخدع أنفسنا بتفكير أنّه إذا كان الشيوعيون يقودون أو يلعبون دورا فى قيادة جمهورية برجوازية ، فإن النتائج ستكون مغايرة جوهرياّ. "شيوعيو آلاندى" أو "شيوعيوآرستيد" وقعوا فى أحبولة طبيعة الجمهورية ذاتها التى ترأسوها، و لم يقدروا على أن يغيّروا على نحو جوهري العلاقات فى المجتمع ، و لم يقدروا على القطع مع القبضة الإمبريالية الخانقة و أجبروا سواء على تحويل أنفسهم إلى ممثّلى علاقات الإنتاج الرجعية و /أو سحقوا.
لن تكون جمهورية برجوازية فى النيبال " قنطرة" لجمهورية شعبية . كلّ ما علينا فعله هو النظر حول العالم إلى كافة الجمهوريات الرجعية لرؤية ما هي المظاهر الأساسية لمثل هذه الدول التى ستكون عليها أو تصبح عليها و ما الذى سيعنيه ذلك بالنسبة لغالبية الشعب.
فى رأينا الفهم الخاطئ للعلاقة بين دكتاتورية البروليتاريا و الديمقراطية المعبّر عنه فى "الدولة الجديدة" يترافق مع فكرة أنّه على الثورة أن تمرّ عبر مرحلة من تركيز جمهورية برجوازية. فى كلا الحالين، تعامل الديمقراطية بإنفصال عن مشكل الحكم الطبقي ، شيئ يقف نوعا ما فوق إنقسام المجتمع إلى طبقات متناقضة عدائيا. وهذا ترجمة لنظرة ديمقراطية برجوازية ، وليس لنظرة الشيوعية المادية الجدلية للعالم.
يتعيّن علينا تعلّم الكثير ذى الأهمية الكبيرة من كيفية معالجة ماو لتناقضات مشابهة فى الأشهرالأخيرة للحرب الأهلية مع تشانكاي تشاك(4)
عندما إستخلص الإمبرياليون أنّ نظام الكيومنتانغ يكاد يتداعى ، وضعوا آمالهم تحديدا فى هذه القطاعات من البرجوازية الوطنية و الأنتليجنسيا التى كانت متردّدة بين الخندقين.
"إنّ قسما من المثقفين يفضلون الوقوف موقف المنتظر. يدور فى خاطرهم : الكومينتانغ ليس حسنا ، و ما أدراك أن الحزب الشيوعي هو حسن، فلننتظر إذن قليلا. إن بعضهم يعلنون تأييدهم للحزب الشيوعي بالكلام و لكنهم، فى قرارة نفوسهم، يقفون موقف المنتظر. هؤلاء الناس بالضبط هم الذين يحتفظون بأوهام عن الولايات المتحدة. فهم لا يريدون التمييز بين الإمبرياليين الأمريكيين الحاكمين و الشعب الأمريكي الذى ليس فى الحكم. و هم يخدعون بسهولة بأقوال الإمبرياليين الأمريكيين المعسولة، حتى يخيل إليهم أن من الممكن أن يعامل هؤلاء الإمبرياليون الصين الشعبية على أساس المساواة و النفع المتبادل، دون أن يكون علينا أن نخوض نضالا طويلا و مريرا. و ما زالت فى أذهان هؤلاء المثقفين أفكار رجعية عديدة، أي معادية للشعب، و لكنهم ليسوا من رجعيي الكومينتانغ ، بل هم العناصر الوسطية أو الجناح اليميني فى الصين الشعبية. إنهم أنصار ما يسميه أتشسون "الفردية الديمقراطية". و مناورات أتشسون و أضرابه الخادعة ما زال لها فى الصين أساس إجتماعي مهلهل." ( "أنبذوا الأوهام و إستعدّوا للنضال" ماو تسى تونغ ، المؤلفات المختارة ،باللغة العربية، المجلّد الرابع ،صفحة 542)
أليس هذا شبيها فى أوجه هامة منه بالوضع فى النيبال اليوم؟ الشيئ الهام الذى يجب الإشارة إليه فى المقتطف أعلاه و عديد المقتطفات الأخرى من تلك الفترة ، فقط أشهر قبل الإنتصار النهائي للثورة الصينية، هو أنّ ماو يعترف بأنّ هذه القوى الوسطية من الضروري كسبها و أنّه لا يمكن معاملتها ك" رجعيي الكيومنتانغ" لكن فى نفس الوقت هي قادرة إلى حدّ كبير على التحوّل إلى أدوات بأيدى الإمبريالية العالمية، لا سيما بسبب أوهامها الديمقراطية البرجوازية. و رغب ماو فى كسب هذه القوى إلاّ أنه لم يدع هذه الأنواع من القوى تحدّد الإطار. بالأحرى ، بالتقدّم فى الثورة واصل إجبارهذه القوى على أن تختار أن تقبل أو لا قرارات الشعب ، قرارات الثورة الديمقراطية الجديدة ، و ثمّ قام بكلّ شيئ يستطيع القيام به لتشجيع هذه القوى على إختيار الطريق الصحيح.
و كان ماو واضحا أيضا بصدد أنّه حينما يكون رجعيو الكيومنتانغ مُنيوا بالهزيمة ، ستبحث الإمبريالية العالمية عن التعويل على مساندى "الفردية الديمقراطية" كما سمّاهم أتشسون. لقد رأينا المنوال ذاته فى زمننا كذلك، حيث تبحث الإمبريالية عن و تدفع القوى التى لوحدها يمكن أن تكون قد لعبت دورا إجتماعيا إيجابيا فى ظلّ بعض الظروف. و هذا هو الحال اليوم مثلا، فى العراق و الزنبابوى و فينيزويلا و أيضا مثال نيكاراغوا المذكور سالفا- فى كلّ هذه الحالات وجدت الإمبريالية بعض البرجوازيين الوطنيين و فئات أخرى ( و نضع جانبا حال الرجعيين كليا ) أمكن لها أن تستند إليها أو تحوّلها فى الإتجاه السلبي. ألم نشاهد فى البلد تلو البلد، على سبيل المثال، كيف أنّ أجهزة المنظمات غير الحكومية قد إستعملت بالذات لتحويلها و توجيهها هي عادة الأحاسيس التقدّمية الحقيقية لبعض قطاعات الفئة الوسطى إلى برامج تنسجم موضوعيا مع الهيمنة الإمبريالية؟ و ذات الموقف الطبقي لهذه القوى، و إيديولوجيتها المهيمنة و برنامجها السياسي يجعل مساندى "الفردانية الديمقراطية" حساسين لطلقات العسل من البرجوازية. و بالفعل علينا أن نعترف بوضوح و أن ندرّب الجماهير على أنّ "الديمقراطية" و "حقوق الإنسان" هي آلة حربية إيديولوجية للعالم الإمبريالي حتى حين يشجّع الإمبرياليون أنفسهم إجارءات ضد الديمقراطية فى بلادهم و فى الخارج. نعم، من واجبنا أن نفضح التناقض بين أقوال الإمبريالية و أفعالها الخبيثة، بيد أنّنا لا نستطيع أن نتجنّب كون الديمقراطية البرجوازية إيديولوجيا تتناسب مع نمط إنتاجها عالميا، وليست تلك التى نقاتل من أجل إيجادها.و بينما نعارض مؤسساتها اللاديمقراطية و سياساتهاو أفعالها اللاديمقراطية ، لا ينبغى علينا إراديا أو لا إراديا أن نمدح الديمقراطية البرجوازية و الهياكل السياسية الديمقراطية البرجوازية من الطراز القديم ،التى شُيّدت و إندمجت بالنظام الرأسمالي العالمي.
و علينا نحن أن نكون واضحين و أن نساعد الآخرين على فهم أنّ الإيديولوجيا الديمقراطية البرجوازية لا يمكن أن تقود الثورة فى الإتجاه الذى يجب أن تذهب فيه إن كانت حقّا لتحرّر الجماهير و تتقدّم كجزء من السيرورة العالمية صوب الشيوعية. لن ننجح أبدا إذا رفعنا رايتهم على أنّها رايتنا ،أي ، حاججنا بأنّ الشيوعيين و ليس الإمبرياليين و البرجوازية هم "الديمقراطيين البرجوازيين الحقيقيين الصرحاء". بالأحرى ، أي محاولة للقيام بهكذا أمر ستفضى إلى إرتباك فى صفوفنا و كذلك فى صفوف الشعب بشكل أوسع و تجعل من العسير النضال بصورة صحيحة و التوحّد مع أولئك الذين لهم توجه طبقي و إيديولوجيا يظلاّن فى إطار الديمقراطية البرجوازية.
نتقدّم بهذه الرسالة كجزء من ما نعتقد أنّه مسؤوليتنا البروليتارية الأممية فى مساندة حزبكم و حرب الشعب التى تخوضون بأفضل طريقة و أكثرها مناسبة فى مقدورنا القيام بها. حزبانا متحدان ضمن الحركة الأممية الثورية و لدى كلانا فرصة و مسؤولية الصراع حول المسائل الحيوية للثورة فى كلّ بلد من بلدينا و فى العالم قاطبة. لسنا متحدين فقط فى بذل قصارى الجهود لبلوغ الهدف المشترك الشيوعية، بل إنّ تقدّم الحركة الشيوعية العالمية و الصراع الطبقي فى هذا الظرف التاريخي يجعل من الضروري و الملحّ أن تواصل أحزابنا بنشاط جهودها لفهم العالم على الوجه الأكمل بغاية رفع التحدّيات التى تواجهنا. إنّنا متأكّدون أنّكم ستتعاملون مع ملاحظاتنا و نقدنا الذى صغنا فى هذه الرسالة من هذا المنظور و بهذه الروح.
تحيّاتنا الشيوعية الصريحة ،

الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية / أكتوبر 2005
ملاحق:
1/ " مزيدا من الأفكار بصدد الدولة الإشتراكية كنوع جديد من الدول" لبوب آفاكيان.
2/ " تطوير خلاّق للماركسية-اللينينية-الماوية، ليس للتحريفية" لبوب آفاكيان.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
رسالة 19 مارس 2008
(من الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية إلى الأحزاب و المنظمات المنخرطة فى الحركة الأممية الثورية )
الرفاق،
لبعض الوقت الآن ، كان حزبنا مضطربا للغاية بسبب التوجّه الذى إنتهجه الحزب الشوعي النيبالي( الماوي) فى ما يخصّ مواقفه السياسية و الإيديولوجية و السياسات الناجمة عنها. و قد عبّرنا عن عديد مشاغلنا حول المسائل الجوهرية فى رسالة بعثناها إلى رفاق الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي) فى أكتوبر 2005. و قد صيغت تلك الرسالة قبل الحركة المناهضة للنظام الملكي فى أفريل 2006 و ما تلاها من إيقاف لإطلاق النار و تبنّى إتفاق السلام الشامل و الإلتحاق بالحكومة الإنتقالية النيبالية و تطوّرات أخرى. و رغم أنّ عديد الرفاق من الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي) صرّحوا بأنّ حزبنا ببساطة غير قادر على فهم " تكتيكاتهم الخلاّقة" ، فإن نقاشنا مع الح الش الن(الم) فى الواقع تمحور حول نقاط نظرية و الخطّ السياسي الذى قاد ممارستهم طوال السنتين الماضيتين. للح الش الن(الم) نظرية تقود إلى سلسلة خطوات فى طريق نهايته صارت أبرز فأبرز بصورة أحدّ. إنّما هو خطّ الح الش الن(الم) السياسي و الإيديولوجي و ليس هذا التكتيك أو ذاك هو الذى كان و يظلّ محور إهتمامنا فى هذا الصراع.
واحدة من المسائل السياسية المحورية التى أثرناها فى نقاشنا من الح الش الن(الم) هي هل أنّ مرحلة الصراع الراهن هي مرحلة تركيز جمهورية الديمقراطية الجديدة ، أي ، شكلا من أشكال دكتاتورية البروليتاريا مناسبا لظروف النيبال ، أم أنّه على الثورة أن " تمرّ عبر" سيرورة تعزيز جمهورية ديمقراطية برجوازية. و هذه المسألة التى كنّا ناقشناها نظريا ، إتخذت ، فى السنتين الأخيرتين تجسيدا حيّا. ظهرت دولتان فى خضم العشر سنوات من حرب الشعب : الدولة الرجعية القديمة الكمبرادورية –البيروقراطية الرأسمالية الإقطاعية بقيادة النظام الملكي فى تحالف مع الإمبيريالية ، و دولة نواة الديمقراطية الجديدة التى ظهرت فى البلاد على أساس قوّة جيش التحرير الشعبي. موضوعيا، تواجه النيبال مسألة أية واحدة من هتين الدولتين ستنتصر و تتعزّز على النطاق الوطني و أيهما ستمنى بالهزيمة . و المأساة الكبرى هي أن الخطّ السياسي و التفكيرالمشوّش لرفاق الح الش الن (الم) قد نزع إلى درجة كبيرة شرعية الدولة الثورية التى نشأت فى الريف و أعاد الشرعية لدكتاتورية الطبقات الرجعية المرتبطة بالنظام الإمبريالي العالمي. و يركّز الحزب عمله الآن على المجلس التأسيسي القادم الذى سيتولى بالضبط مهمّة تعزيز جمهورية الديمقراطية البرجوازية ، مع كلّ ما يعنيه ذلك فى ظروف بلدان مضطهَدَة.
طوال السنتين الماضيتين و أكثر ، خاض حزبنا صراعا متواصلا مع رفاق الح الش الن (الم) فى إطار الحركة الأممية الثورية و سوف نواصل ذلك بأفضل ما نقدر عليه.
إننا على قناعة بأنّه إن لم ينجز الح الش الن(الم) قطيعة راديكالية مع مساره الحالي ، إن لم ينبذ جملة من المفاهيم التى قادته فى الفترة الماضية، فإن المكاسب العظيمة لحرب الشعب فى النيبال ستبدّد ، و الآمال العريضة التى عقدتها على الثورة الجماهيرفى النيبال و فى عديد البلدان الأخرى من العالم ستتبخّر مرّة أخرى. و بالفعل ، سيرورة تفكيك الثورة و تحويلها إلى شيئ آخر قد مضت بعدُ بعيدا.
و بالرغم من هذا المسار المجزع، بات متأخّرا لكن ليس متأخرا جدّا لرفاق النيبال أن يغيّروا توجهاتهم تغييرا راديكاليا. هذه هي المهمّة الإستعجالية و الراهنة التى بدونها من غير الممكن قيادة الثورة إلى نهاية مظفرة.
و من نافل القول أنّ مآل الصراع الجاري الآن فى النيبال ستكون له تداعيات أبعد من حدود تلك البلاد. كان الرفاق فى النيبال مكوّنا هاما من الحركة الأممية الثورية منذ تشكيلها و كانت حركتنا تخوض بعمق فى المسائل الإيديولوجية و السياسية التى ظهرت فى إرتباط بإنطلاق و تطوّر حرب الشعب فى تلك البلاد. و مثلما إعتاد رفاق الح الش الن (الم) قول ذلك ، مآل الثورة فى النيبال مسؤولية مشتركة للحركة الأممية الثورية برمتها.
بهذه الروح ، يواصل حزبنا الصراع من أجل أن يأثّر تأثيرا بناءا على الوضع فى النيبال و القتال لأجل الحركة الأممية الثورية و كافة الأحزاب التى تكونها لتنهض بمسؤولياتها فى خوض صراع شرس وحقيقي ضد الخطّ الذى يقود الح الش الن(الم). مع كلّ ذلك قد أعلنت الحركة الأممية الثورية عن صواب أنّها نواة المركز السياسي للقوى الماوية عبر العالم و سعت للإضطلاع بهذه المهمّة العظيمة. ما معنى هذا إذا ظلّت حركتنا صامتة و سلبية ، أو أتعس حتى منشرحة ، فى حين أنّ حزبا هاما من حركتنا يتخذ قرارات ذات بعد مأساوي و لها تبعات عميقة للغاية بالنسبة للثورة الغالية علينا. ما معنى "الأممية البروليتارية" و "التضامن الأممي" إن لم يكن حجر زاويتهما الحاجة إلى أن نصرخ "قف" حينما يتمّ تحطيم مكاسب ثمينة للثورة ؟
من ناحية ، مواقف و سياسات الح الش الن( الم) خلال السنتين الماضيتين هي أو يجب أن تكون معروفة كإنحراف عن المبادئ الأساسية للماركسية –اللينينية- الماوية و الأسس ذاتها التى على قاعدتها نشأت حركتنا. إنّ لإمضاء إتفاق سلام شامل فى نوفمبر 2006 بموجبه وقع تفكيك أجهزة السلطة السياسية التى نشأت بفضل عقد من حرب الشعب ، و بموجبه وقع وضع جيش التحرير الشعبي فى ثكنات و أقفل على غالبية أسلحته تحت مراقبة الأمم المتحدة، و "إصباغ الشرعية" على الجيش القديم و البرلمان القديم و الدولة القديمة عموما، معيدا تحديد هدف حرب الشعب بإعتباره إرساء "جمهورية ديمقراطية فيدرالية" (برجوازية) تحت شعار أطلقه الح الش الن(الم) " إعادة هيكلة الدولة ")، و تشجيع جملة من المواقف الخاطئة حول مسائل حيوية تخصّ طبيعة الدولة، و الإنتخابات و ما إلى ذلك، إنّ كلّ هذا قد أحدث و يجب أن يحدث لدى كلّ شيوعي و شيوعية حالة من التيقّض. و بالفعل عبّر عدد كبير من الرفاق بشكل أو آخر عن "إنشغالهم" أو تحفظاتهم بصدد إتجاه الأحداث فى النيبال. لكن الشكل الخاص للخطّ القائد للحزب ، كما سنشرح ذلك ، يتميّز بالأساس بالإنتقائية فلسفيا- مزج و الأضداد و التوفيق بينها، ببساطة "دمج الإثنين فى واحد" عوض المنهج الماركسي "إزدواج الواحد". و الرفاق فى الح الش الن (الم) يستمعون بأدب ل "مشاغل" الرفاق و يشكرون الذين يعبرون عنها و يأكّدون للآخرين إلتزامهم بأهدافنا الشيوعية المشتركة و ثمّ ينغمسون حتى أكثر فى الرمال المتحرّكة. وللأسف ، كان ردّ فعل عديد الرفاق من الأحزاب الأخرى القبول بالتأكيدات الفارغة لقيادة الحزب.
فى الفترة الأخيرة الأقرب، مع رفع الحزب لنسق حملته الإنتخابية للمجلس التأسيسي، بلغ الترويج لمواقف تحرفية قمما جديدة. عندما أشار حزبنا فى رسالته السابقة لإعتباره أن خطّ و سياسات الح الش الن (الم) كانت خاطئة و مناهضة للمبادئ الماركسية ، قيل لنا إنّ كلّ ما قمنا به هو تكرار "لأبجديات الماركسية". و هذا صحيح إلى درجة هامّة: تعويض هدف الثورة الديمقراطية الجديدة بقيادة البروليتاريا ب" جمهورية ديمقراطية فيدرالية " أمر يمكن لكلّ شخص له أقلّ علم بالماركسية ، أن يتعرّف عليه بسهولة نوعا ما على أنّه مناقض للمبادئ الماركسية. لاحقا ، سنعالج سبب كون عديد أحزاب و منظمات الحركة الأممية الثورية تجد على ما يبدو أن هذا الإنحراف عن "أبجديات الماركسية" مسموح به إن لم يكن مدعاة للمديح.
مثلما تمّت الإشارة إلى ذلك قبلا، فإنّ صراعنا مع رفاق الح الش الن(الم) لم يبدأ بقرارهم إمضاء إتفاق سلام شامل مع تحالف الأحزاب السبعة وهي أهمّ ممثلى ( بإستثناء الملك، الطبقات الرجعية فى النيبال). لقد إحتدّ جدال داخل الح الش الن (الم) فى 2005 وصفه الحزب بأنه "صراع خطّين". و بصفة خاصة ، نشر أحد أهمّ المشاركين فى هذا الصراع ، الرفيق بابوران باتاراي، مقالا شاملا عنوانه " مسألة بناء دولة من طرازجديد" وقد مثّل فى رأينا إنحرافا عن الفهم الماركسي الصحيح للدولة و للديمقراطية و لدكتاتورية البروليتاريا. و على أمل المساهمة فى النقاش الجاري حينها داخل الحزب ، كتبنا نقدا للمقال ، إلى جانب نقدنا لمقترح " تسريح جيش التحرير الشعبي و الجيش الملكي " و إمكانية توحيد الإثنين فى واحد (1). و تقريبا فى الوقت نفسه الذى وصلت فيه رسالتنا ، كان الح الش الن (الم) يعقد إجتماعا للجنته المركزية لمعالجة صراع الخطّين بما يمثّل ، فى تقديرنا، تبنىّ خطّ جرت المحاججة من أجله فى مقال " الدولة الجديدة " بشكل إنتقائي.و تفسير قرار ذلك الإجتماع كان أنّ الخطّ الذى جرى تبنيه أي التوجه نحو "الجمهورية الديمقراطية" و "الدولة الإنتقالية" لم يكن سوى "تكتيك " بيد أنّ "الإستراتيجيا" تظلّ إستراتيجيا الديمقراطية الجديدة و الإشتراكية و الشيوعية .
و تنعكس هذه الإنتقائية فى السياسة و الإيديولوجيا فى كتابات و ممارسات الح الش الن (الم) فى الفترة الأخيرة. والأنكى حتى، وجود توجه متصاعد نحو مماثلة "الجمهورية الديمقراطية البرجوازية" التى هي بكلّ تأكيد ، جمهورية برجوازية ، و إلغاء الإستغلال و الطبقات. و يترجم التوجّه نحو "دمج الإثنين فى واحد" فى إنحدار نحو نشر صور لقادتهم ملطّخى الجبين بالدهن الأحمر(2) مرفوقة بشرح أنّ "الأحمر هو لون البروليتاريا".
لاحقا، سنعود بصورة مفصّلة للمسألة الحيوية للإنتقائية و النزعة نحو "دمج الإثنين فى واحد" . و نكتفى الآن بمجرد التذكير بكلمات لينين : "يستعاض عن الديالكتيك بالمذهب الإختياري [ الإنتقائية – المترجم] ، و هذا التصرّف حيال الماركسية هو الظاهرة المألوفة للغاية و الأوسع إنتشارا فى الأدب الإشتراكي –الديمقراطي الرسمي فى أيامنا. و هذه الإستعاضة ليست طبعا بدعة مستحدثة ، فقد لوحظت حتى فى تاريخ الفلسفة اليونانية الكلاسيكية. إن إظهار الإختيارية بمظهر الديالكتيك فى حالة تحوير الماركسية تبعا للإنتهازية ، يخدع الجماهير بأسهل شكل، يرضيها فى الظاهر، إذ يبدو و كأنّه يأخذ بعين الإعتبار جميع نواحى العملية ، جميع إتجاهات التطوّر، جميع المؤثرات المتضادة إلخ.، لكنه فى الواقع لا يعطى أي فكرة منسجمة و ثورية عن عملية تطوّر المجتمع. " (" الدولة و الثورة " دار التقدّم ، موسكو ، بالعربية ، صفحة 22-23).
التكتيكات المضطربة نتيجة خطّ إيديولوجي و سياسي خاطئ:
تتضمّن عدّة مقالات ووثائق الح الش الن (الم) تعبيرا عن هدف الثورة بإعتباره تحقيق جمهورية "ديمقراطية فيديرالية و نسبية" . لكن من الصحيح أنّه ثمّة مقالات و خطابات أخرى ، حتى لا نشير إلى التطمينات غير الرسمية المتكرّرة ، كما هو الحال فى الرسالة الموجهة للحزب الشيوعي الثوري ، بأنّ الحزب " يفهم" أو يهدف إلى تحقيق الديمقراطية الجديدة و الإشتراكية و الشيوعية. هنا تلعب الإنتقائية دورها فى تخفيت حذر الشيوعيين و الجماهير المتقدّمة. مبثوثة هنا و هناك هي الوعود بالهدف النهائي لكن الإجراءات العملية هي إنتخابات المجلس التأسيسي و دفع الحزب برمّته فى هذا الخضمّ.
لن نتناول كافة الحجج التى صغناها فى رسالتنا السابقة بصدد العلاقة بين الإستراتيجيا و التكتيك و خطر أن يلتهم التكتيك الإستراتيجيا و ما إلى ذلك، و لكن بالأحرى نحثّ الرفاق على إعادة قراءة رسالتنا السابقة على ضوء تطوّرات السنتين الأخيرتين. و بهذا المعنى الواسع ، التكتيك أو بأكثر دقّة ، السياسة المتوخاة ، محور نقاش و جدال ضروريين و مناسبين فى صفوف حركتنا.مع ذلك ، فإنّ المسألة الشاملة للخطّ السياسي و الإيديولوجي و ليس التكتيك و السياسة التى توخاها الح الش الن (الم) هي القضية المركزية و الحيوية.
فى ردّ الح الش الن (الم) على رسالتنا ، يذهبون إلى حدّ جعل إنكار هذه النقطة مبدأ. فالمشكلة مع رفاق الحزب الشيوعي الثوري[ الح الش الث] ، وفق الرفاق النيباليين ، هي أنّنا نعالج فقط مستوى "الإستراتيجيا" بينما ، يشدّد الرفاق على ذلك، لا
تنتصرالثورات أو تهزم على المستوى الإستراتيجي و إنما على المستوى التكتيكي. يحاجج الرفاق : " صراحة ، من السهل عدم السقوط فى أخطاء فى الإستراتيجيا... إمتحان الثوريين ، بما فى ذلك حزبكم ، يكون بالأحرى ، تكتيكيا، و ليس إستراتيجيا. لذلك يتوقف مصير الثورة كليا ليس على الإستراتيجيا وحدها ، بل على أيّ صنف من التحركات التكتيكية التى تتخذ فى شتّى ظروف الثورة لبلوغ الهدف الإستراتيجي."
فى الواقع ، يثبت التاريخ العكس تماما. أحيانا تهزم الثورات ليس جراء أخطاء الثوريين بل جراء ميزان القوى غير المناسب. لكن فى هذه الحالات حيث كان العامل الذاتي ، أي ، فهم الثوريين و نشاطاتهم هو العامل الأهمّ فى إخفاق الثورة ، فإنه عادة ما تعلّق الأمر تحديدا بكون الشيوعيين لم يحدّدوا كما يجب المهام الإستراتيجية للثورة و أخطأوا فى تصنيف الأعداء و الأصدقاء ، أو إنحرفوا عن الطريق الجوهري. و على العكس ، فإن خطأ تكتيكيا عادة يمكن تجاوزه إلاّ إذا كانت له إنعكاسات إستراتيجية.
فى هذا السياق ، يعزى إنزعاجنا من كثير من تكتيكات و سياسات الح الش الن (الم) فى الفترة الأخيرة إلى كون هذه التكتيكات تذهب موضوعيا ضد الهدف الإستراتيجي لإنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة. و رغم إتهام الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) لحزبنا بالدغمائية و فقدان المرونة، فإننا واعون تمام الوعي بالحاجة ، لا سيما فى فترة نهوض ثوري، إلى المرونة التكتيكية و إستعمال التناقضات صلب العدوّ و بلوغ قطاعات أوسع من الجماهير و مبادرات خلاقة و جسورة لمصلحة الثورة البروليتارية. مثلا، دافع حزبنا عن إمكانية إيقاف إطلاق النار و مفاوضات فى سيرورة حرب الشعب فى النيبال .و بوجه عام ،(3) فى ظروف خاصة سادت عقب إنهيار النظام الملكي المطلق فى أفريل 2006 ، من المحتمل جدّا أن يكون من الصعب و ربّما من غير المحبّذ مواصلة الكفاح المسلّح بلا هوادة ضد الجيش الملكي النيبالي أو رفض الدخول فى مفاوضات مع تحالف الأحزاب السبعة.فنظرا لإرهاب القمع خلال حرب الشعب، إنحصرت علاقات الحزب بالجماهير ، على وجه الخصوص فى المناطق المدينية. ما من شكّ أنه كان من الضروري للحزب أن يستغلّ على أفضل وجه أزمة الطبقات الحاكمة و مؤسساتها السياسية لينشر برنامجه للمجتمع المستقبلي و ليعدّ الجماهير للحلّ الثوري للأزمة المؤسساتية. لكن للأسف لم يقم الحزب بهذا، بصفة أساسية. و الأرضية الوطنية و حتى العالمية التى إكتسبها الح الش الن (الم) بفضل عقد من حرب الشعب و عقبها حركة أفريل 2006 ضد النظام الملكي و الأزمات السياسية و المؤسساتية لم تستغلّ للإشادة بالشكل الجديد من الدولة فى النيبال ، الدولة التى شيّدت فى مناطق الإرتكاز، ،و لم يفضح إفلاس القوى الطبقية الحاكمة بأكثر تحديد لم يرسم خطّ تمايز بين دكتاتورية البرجوازية و الديمقراطية البرجوازية ، من جهة و دكتاتورية البروليتاريا و ديمقراطية البروليتاريا من جهة أخرى. و سنمضى إلى أبعد من ذلك حتى ، إلى تأكيد أنّ قرار المشاركة فى إنتخابات المجلس التأسيسي يمكن أن يكون ضروريا و مبرّرا لو كان جزءا من خطّ سياسي مختلف و بالفعل مناقض لدى قيادة الحزب .(4)
و لا شيئ ممّا ذكرنا أردناه لتبرير السياسة و التكتيك الحاليين للح الش الن (الم). ما نقوله هو إنّ هذه التكتيكات لوحدها بغضّ النظر عن إطارها العام السياسي و الإستراتيجي ، لا يمكن أن تكون أساسا للحكم على خطّ الح الش الن (الم) وتوجّهه. والعكس كذلك صحيح : العودة إلى قتال مفتوح أكثر ، لن يجيب ، فى حدّ ذاته، على مسألة الخطّ السياسي و الإيديولوجي. من الأكيد أنه من المنتظر انّ نهاية الأزمة المؤسساتية العميقة فى النيبال لن تكون سلمية. و حتى الإنتخابات البرجوازية من السويّة العادية فى ما يسمى ببلدان العالم الثالث، غالبا ما يرافقها قمع دمويّ. و فى النيبال ، ثمّة أسباب وجيهة لتوقّع إنفجارات إجتماعية و إنتفاضات و إحتداد للصراع الطبقي فى إرتباط بإنتخابات المجلس التأسيسي ( إن تمّت) أو إثرها.
يبدو أن سببا من أسباب شلل حركتنا إزاء ظهور خطّ خاطئ للح الش الن(الم) هو صعوبة التوغّل إلى أبعد من السياسات الراهنة و النظر على نحو أعمق فى التوجّه الإيديولوجي و السياسي الذى يقودها. عوض الإنشغال فى الوقت الذى توجد فيه مكاسب الثورة فى خطر ثمّ العودة إلى الطمأنة عندما تحتّد النزاعات و القفز مرّة أخرى إلى الإنشغال مع التغيرات السريعة فى الوضع السياسي فى النيبال؛ يجب على الرفاق ، و نعيد جملة ماو، أن يتخذوا المظهر فقط كعتبة و يستعملوا المادية الجدلية لفهم الجوهر.
صحيح أنّ الذين يوجدون خارج النيبال لن يقدروا أبدا على أن يفهموا الوضع على نحو جيّد كفاية ليصيغوا آراءهم بقوّة حول الكثير من المسائل الخصوصية التى تظهر فى مسار الثورة. وينهض جدالنا مع الح الش الن (الم) ليس على هذا التكتيك أو ذاك و إنّما على المسائل الجوهرية للثورة و بأكثر تحديد على طراز الدولة التى ينبغى أن تركزها الثورة. بفعل الأخطاء الجوهرية على هذا النطاق ، و بفعل طمس أو حتّى إنكار الأهداف الجوهرية للثورة ، فقد تبنّى الح الش الن(الم) أوّلا تكتيكا فآخر خاطئا و ضارا بما جعله ينحرف عن تحقيق أهداف الثورة.
ما الهدف : "إعادة هيكلة الدولة" أم "تحطيمها" ؟
من المقاطع المتداولة فى كتابات الح الش الن(الم) نداء " إعادة هيكلة الدولة". و فى الواقع ، يلخّص هذا النداء بشكل عميق خطأ البرنامج السياسي للح الش الن(الم). و من المهمّ العودة إلى ما سمّوه بشكل خبيث للغاية "أبجديات الماركسية" فى هذا الصدد. فمنذ تلخيص تجارب مختلف ثورات القرن 19 فى أوروبا ، صاغ ماركس ملاحظة عميقة للغاية مفادها "إن جميع الثورات أكملت /حسّنت هذه الآلة بدلا من أن تحطمها"( التشديد منّا)(5). ماذا كان ماركس يقصد بهذا.
كان يشير ، على وجه الخصوص، إلى كون عديد الثورات فى أوروبا و لا سيما فى فرنسا ( 1789، 1830و1848) أفرزت تغييرا فى آلة الدولة لتتماشى مع القاعدة الإقتصادية الرأسمالية و "أكملت" قدرتها على النهوض بدورها كأداة فرض لدكتاتورية البرجوازية. بوضوح ، يشير ماركس إلى إلغاء النظام الملكي فى غالبية أوروبا و تعميم الديمقراطية البرجوازية ك"تحسين" للدكتاتورية الرأسمالية التى تمثّلها الدولة.لاحقا، سيستخلص ماركس بوجه خاص درس أنّ الكمونة لم تكن فى جوهرها ، مجهودا لمزيد " تكملة"/"تحسين" جهاز الدولة البرجوازية فى فرنسا بل بالأحرى مجهودا أوليا و إن كان متردّدا أحيانا غير مصمّم و فى النهاية محاولة غير ناجحة لتحطيم آلة الدولة البرجوازية و تعويضها بدولة مختلفة نبعت من الصراع البروليتاري الثوري.(6)
رهان الجدال الراهن فى النيبال هو ما إذا، و قد قيل و فعل كلّ هذا، ستخدم العشر سنوات من حرب الشعب تحطيم آلة الدولة الرجعية أم تحسينها. لصياغة ذلك بصورة مباشرة أكثر إذا كانت نتيجة الحرب تعزيز الجمهورية البرجوازية ، فإن النتيجة المأساوية ستكون أنّ تضحيات الشعب لم تخدم لتركيز شكل جديد من حكم البروليتاريا و إنّما فقط " لتعصير" و "تحسين" ذات الآلة التى تبقيهم مضطهَدين. والقاعدة النظرية لهذا الخلط بين "تحطيم" و "تحسين" جهاز الدولة يمكن رؤيته بجلاء تام فى قرار اللجنة المركزية فى أكتوبر 2005 الذى " حلّ" صراع الخطين داخل الحزب و أقام أساس السياسات التالية للحزب. فى ذلك القرار ، يحاجج بأنّه لم يوجد أبدا فى التاريخ أن قضي على النظام الملكي دون تفكيك و إلحاق الهزيمة ب" الجيش التى عليه تقوم سلطة الدولة "(7).
و هذا يعكس فهما خاطئا جدّا لما كانت عليه التجربة التاريخية، و خاصّة تجربة ماركس بالذات التى تتمّ الإحالة إليها فى الإستشهاد المذكور أعلاه حول تجربة "كافة الثورات السابقة". فى غالبية البلدان الكبرى بأوروبا ، إستطاعت الدولة الجمهورية البرجوازية أن تتعزّز دائما دون أن تُحطّم تحطيما تاما جهاز الدولة المرتبط بالأرستقراطية بالذات لأنّ العلاقات البرجوازية نمت فى ظلّ النظام الملكي و بات النظام الملكي السابق نظاما ملكياّ برجوازيا إلى درجات متنوعة. و بالطبع ، لم تحدث هذه السيرورة بنعومة و إستدعت ثورات و تقدّم و تراجع. ففى بريطانيا العظمى لم تحدث ثورة بعد الثورة العظيمة ل 1688-1689 ووجدت سيرورة تدريجية من أقلمة و إعادة تشكيل لتكون فى خدمة الرأسمالية ، وهو الحال الذى يمتدّ إلى يومنا هذا. و فى بلدان أخرى مثل فرنسا و المانيا و إيطاليا ، وجدت إنفجارات ثورية متكرّرة و كلّ من الثورات المضادة البرجوازية ( فرنسا فى 1814 أو ألمانيا بعد 1848) و كذلك تعزيز برجوازي سلمي نسبي لنظام الدولة غداة الإنفجارات الثورية ( لويس نابليون فى فرنسا 1852) و نتيجة هذه السيرورة المعقّدة و المتنوّعة عبر القرن19 وجد ، مع ذلك، بالضبط كما وصف ذلك ماركس ، تعزيز و تحسين للنظام الديمقراطي البرجوازي، ببقايا نظام ملكي أو بدونه، فى كافة البلدان الرأسمالية المتقدّمة. و حتّى فى فرنسا ، موطن المثال الأكمل للثورة البرجوازية لم يجر "تحطيم" تام أبدا للجيش الرجعي للنظام الملكي و رأت البرجوازية من المفيد المحافظة عليه أو إدخال مظاهر من النظام الملكي فى الإطار البرجوازي حتى حين واصلت الصراع ضد بقايا الإقطاعية فى الداخل و الخارج. و كان نابليون الأوّل مثالا جليا جدا عن ذلك. بإختصار ، تأكيد أنّ لا جمهورية تركّزت دون التحطيم التام لجهاز الدولة الذى يخدم النظام الملكي لا يعتمد على الوقائع و يستعمل لحجب المهام الحقيقية للثورة فى علاقة بالدولة. و هذا نموذج من الخلط و الإنتقائية السائدة فى الحزب حيث يتمّ مزج الإستراتيجيا الثورية للثورة الديمقراطية الجديدة و إستراتيجية إصلاحية حقّا ( الآن تقدّم بقناع "تكتيك") للنضال من أجل جمهورية برجوازية "إنتقالية".
و أبعد من ذلك ، كيف نوفّق بين التوصيف الذى يقدّمه الح الش الن (الم) و تجربة الثورة الروسية؟ ألم يكن الحال هو أنّ ثورة فيفري 1917 أرست جمهورية ديمقراطية برجوازية دون" تفكيك و إلحاق الهزيمة" بجيش القيصر و بيروقراطيته؟ فى الواقع ، كانت الحكومة المؤقتة بقيادة كيرنسكي تمثّل بدرجة كبرى "تحسين" جهاز الدولة البرجوازي فى شكل جمهوري. و لا ينبغى أن نفاجأ بأن هذا "التحسين" يشتمل أيضا على إدماج و حماية عديد المظاهر الرجعية للشكل السابق للحكم و كذلك بأن بعض القوى المتجمعة حول القيصر تآمرت ضد الحكومة المؤقتة ذاتها، مثل تمرّد كونيلوف فى جويلية 1917 حينما حاولت هذه القوى عينها أن تعكس السيرورة الثورية برمتها فى روسيا. و كان خطّ لينين واضحا – مهمّة الثورة لم تكن تعزيز جمهورية برجوازية و إنّما بالأحرى القتال من أجل "تحطيم" جهاز الدولة البرجوازية و تركيز نوع مختلف تماما من الدولة. و هذا بالطبع و بالضبط ما قام به.
و فى التاريخ الأحدث كذلك ، راينا أنظمة ملكية أطيحت بها و عُوّضت بأشكال شتى من الجمهوريات دون أن يتطلّب الأمر تحطيم الدولة. و يمكن معاينة ذلك فى ثورة 1979 فى إيران حينما أطيح بنظام الشاه الأوتوقراطي و ركّزت مكانه جمهورية إسلامية. و لم يقع نهائيا تحطيم جهاز دولة الشاه و خاصّة الجيش لكن بالأحرى تمّ إصلاحه كجزء من تعزيز جمهورية إيران الإسلامية الرجعية هي بدورها.
و فى حين أنّ الإتجاه العام للتاريخ كان أن تنشأ جمهوريات عوض الأنظمة الملكية ، ثمّة حالات حيث عمل فيها نظام ملكي برجوازي كغطاء مناسب أكثر من الجمهورية لتحسين أداء الدولة الديمقراطية البرجوازية. و أفضل مثال على ذلك إسبانيا أين عاشت دكتاتورية فرانكو وبيّنت صلوحيتها للبرجوازية وعملت كأفضل وسيلة للحيلولة دون الإنفجار الثوري و ضمان إنتقال إلى ديمقراطية برجوازية حديثة و فعّالة عبر إعادة تركيز نظام ملكي على رأسه خوان كارلوس. و ينبغى قول إنّ الإنتقال إلى إسبانيا الحديثة من الدولة البرجوازية الفاشية إلى نظام ملكي ديمقراطي كان ناجحا خاصة و قد زاد من تحسين فعلي للدولة خدمة للبرجوازية و النظام الإمبريالي العالمي ككلّ.
لذا لماذا يؤكّد الح الش الن (الم) هذا التأكيد على رسم صورة تعتمد على الحاجة إلى"تفكيك و إلحاق الهزيمة" بالقوات المسلحة التابعة للنظام الملكي؟ ينسجم تحليلهم مع الجهود المستمرّة للح الش الن (الم) لتصوير أنّ الصراع الجوهري فى البلاد صراع بين القوى الرجعية المتجمعة حول النظام الملكي من جهة و القوى التى تناضل من أجل الجمهورية. و فى الواقع ، تمزج هذه الصورة المرسومة عديد التناقضات. لقد مُزج إنتقائيا التناقض بين الجماهير و الأعداء الطبقيين( الإقطاعية و الرأسمالية الكمبرادورية-البيروقراطية و الإمبرايالية) مع التناقض الثانوي ضمن الطبقات الرجعية ذاتها، بين المساندين بعناد للنظام الملكي و قطاعات أخرى من المستغِلِين الذين يعتقدون الآن بأنّ النظام الملكي تهديد لحكمهم المتواصل. و بالتأكيد لا يمكن إستبعاد تحرّك النظام الملكي و قطاعات من الجيش ضد المجلس التأسيسي، لكن التوجّه الأساسي ضمن الطبقات الحاكمة للنيبال و مساعديهم من الخارج هو حاليا لصالح المجلس التأسيسي و إعلان الجمهورية.
تحليلهم هذا يقوم على شكل خاص من الإنتقائية حيث يأخذ الح الش الن(الم) المفهوم الماركسي الشهير و المركزي بصدد ضرورة تحطيم جهاز الدولة و يضيّقه و يسيئ إستعماله على مؤسسة النظام الملكي. يبدو و كأنّ التأكيد على التحطيم الشامل للنظام الملكي غاية فى الثورية لكن فى الواقع هذا يغطى على أنّ هدف الثورة الديمقراطية الجديدة ليس النظام الملكي بل بالأحرى كافة الطبقات البيروقراطية –الكمبرادورية و الإقطاعية و مسانديها الأجانب و الإمبرياليين. النظام الملكي النيبالي ينبغى إجتثاثه التام من قبل الثورة الديمقراطية الجديدة . و بالتأكيد من غير المفاجئ أن تنزع الطبقات الرجعية نحو إدماج عديد عناصر النظام الملكي أو حتى الملك ذاته فى الدولة الرجعية الجديدة. بهذا المعنى من الصحيح تماما بالنسبة للشيوعيين أن يدعو إلى الإجتثاث الصريح للنظام الملكي و قيادة الجماهير فى إقتلاع النظام الملكي من جذوره كجزء من الثورة الديمقراطية الجديدة و إنشاء سلطة دولة جديدة. و لكن هذا ليس ما يحاجج به الرفاق أو يقومون به. عوض ذلك ، يواصلون التشديد على أن الإجتثاث التام للنظام الملكي و تركيز "ديمقراطية برجوازية نقية " بأحزاب تمثّل مصالح الطبقات الرجعية خطوة أولى ضرورية قبل أن تتمكّن الثورة من التقدّم نحو أهدافها الديمقراطية الجديدة أو على إعادة تحديد الديمقراطية الجديدة على أنّها واقعيا لا تختلف عن الديمقراطية البرجوازية. و لا يهمّ عمليا لا إذا ما إعتبرت هذه الخطوة خطوة لازمة إستراتيجيا كما يحاجج فى "الدولة الجديدة" أو مجرّد خطوة "تكتيكية" كما يحاجج قرار 2005 فكلا التأويلان يؤديان إلى جعل تحقيق الجمهورية المقدّمة الضرورية لمزيد التقدّم.
لنا إجابتان على هذا. أوّلا أية جمهورية برجوازية كمبرادورية –إقطاعية تركّز فى النيبال يجب و سوف تجمع كلّ ألوان المظاهر الرجعية للنظام السابق ذلك أنّ هكذا جمهورية سوف و يمكن فقط أن تكون ،بالمعنى الأكثر جوهرية ، مواصلة للدولة السابقة ( الملكية) بالضبط لأنها ستحافظ و تعزّز حكم الطبقات الرجعية ذاتها. لا يمكن أن القضاء أبدا على الملك و نتانة الإقطاعية التى كان رمزا لها و أهمّ ممثليها دون إتمام ثورة الديمقراطية الجديدة. و إجابتنا الثانية و الأكثر جوهرية هي أنّ الجمهورية البرجوازية كما وضع ذلك لينين ، هي " الغلاف الأكثر مناسبة " لنموّ الرأسمالية حتى و إن كانت البرجوازية و الأحزاب البرجوازية الرئيسية ( بما فيها الأحزاب الإصلاحية و التحريفية) يمكن أن ترتجف خوفا من فكرة وقوفها لوحدها دون حماية النظام الملكي. مهما يكن فإن النظام الملكي كان عماد كافة النظام الكمبرادوري –البيروقراطي الإقطاعي فى النيبال و بالتالى فإن للبرجوازية و حتى للتحريفيين موقفا ملتبسا إزاءه. هذا هو بالضبط موقف ماركس بأن الثورات إلى حدّ الآن حسنت جهاز الدولة البرجوازية حتى و إن قامت عادة بذلك فى تعارض مع البرجوازية ذاتها ( أو على الأقلّ قطاعات واسعة منها) . إنّ الطبيعة الإستغلالية للبرجوازية و نزعتها إلى المساومة مع غيرها ، حتى الأكثر قدما و أشكال إستغلال عادة ما قادت إلى تذبذبها و أحيانا إلى شللها ، حتى فى ثورة هي موضوعيا بطبقتها و نمط إنتاجها المستفيدة منها فى النهاية. فى التاريخ عادة ما أوصل "الشعب" البرجوازية إلى السلطة حتى حينما كانت البرجوازية أو غالبيتها ترتعد خوفا.
بكلمات أخرى ، هدف البرجوازية الديمقراطية "النقي" نظيف من رائحة النظام الملكي ، فى آن معا، غير ممكن التحقيق و غير مرغوب فيه. مع ذلك ، عوض أن يعترفوا و يعلنوا للجماهير أن ّ النظام الذى يتعزّز فى النيبال عبر سيرورة المجلس التأسيسي برمّتها هو بالضبط هذا النوع من الديمقراطية الخادعة و المشوبة بالإقطاعية و الخائنة للوطن ، "أفضل" ما يمكن الحصول عليه دون الإطاحة بالطبقات الرجعية ، وعوض الإشادة بالديمقراطية التى بنيت فى خضمّ حرب الشعب و الدعوة لإرساء هكذا نظام دولة ،هكذا ديمقراطية و هكذا دكتاتورية ، على نطاق البلاد بأسرها، ذهب الرفاق فى النيبال إلى البحث عن نشرتعظيم الديمقراطية "النقية" ، مكتشفين بإستمرار مثياس فآخر من المقاييس الديمقراطية البرجوازية غير المنجزة، و محاولين التشديد على هذه القاعدة التى تضيق على الدوام.
الديمقراطية البرجوازية و الديمقراطية الجديدة :
لقد طوّر ماو نظرية الثورة الديمقراطية الجديدة و إرتأى بوضوح أنّها ، فى مرحلتها الأولى، ذات طبيعة ديمقراطية برجوازية بمعنى أنّ هدفها هو القضاء على الوضع الذى يبقى الأمم المضطهَدة متخلفة و ترزح تحت هيمنة القوى الأجنبية ، لا سيما العلاقات شبه الإقطاعية و الرأسمالية الكمبرادورية و البيروقراطية المرتبطة بالقوى الإمبريالية الأجنبية و الخادمة لها و بصفة هامة فى حال النيبال ، الجارة الهند. و الثورة الديمقراطية الجديدة ليست إشتراكية بما أنّها لا تبحث مباشرة عن التخلّص من كافة الإستغلال الراسمالي و إلى مدى و درجة معيّنة، حتى تفتح الباب أمام نموّ الرأسمال الوطني . و كلّ هذا معروف جدّا. لكن ماو كان واضحا عندما أكّد أنّ الثورة الديمقراطية الجديدة ليست جزءا من الثورة الديمقراطية القديمة للبرجوازية و إنّما جزءا من الثورة البروليتارية العالمية الهادفة إلى الإشتراكية و فى النهاية إلى الشيوعية. لم يكن هذا ببساطة إعلانا فارغا من لدن ماو، بل إنعكاسا للتحليل الطبقي للصين الذى أنجزه و لفهمه البرنامجي لمهام الثورة الديمقراطية الجديدة. و شدّد كثيرا على "العناصر الإشتراكية" داخل الثورة الديمقراطية الجديدة التى ترسى أسس تحويل الثورة الديمقراطية الجديدة فى المستقبل إلى ثورة إشتراكية.
و اليوم يوجد النيبال فى مفترق طرق بين الديمقراطية الجديدة والديمقراطية البرجوازية من الطراز القديم، و كلّ ما يعنيه ذلك فى ظروف بلد مضطهَد. و فى ظلّ هذه الظروف كان على المرء أن ينتظر من الشيوعيين أو يوضحوا خيارهم هذا للجماهير ، فاضحين الطبيعة الخادعة و الرجعية للديمقراطية التى تدعو إلى الطبقات الرجعية و مسانديها الأجانب ، مبرزين المكاسب التى تحققت بعدُ فى مسار الثورة الديمقراطية الجديدة فى الريف و منادين الشعب لتركيز هذا النظام عبر النيبال.لكن عوض الخيار الواضح موضوعيا، جرى طمس و تشويش ، لا سيما من قبل الدعاية ، شعارات و نشاطات الشيوعيين ذاتهم فى بحثهم عن "الديمقراطية النقية".
حين نلقى نظرة ملموسة على النيبال و كيف تطوّرت الثورة ، يمكننا أن نرى أنّه ثمّة مسائل حيوية هي ديمقراطية برجوازية فى طبيعتها لكنّها تتحدّى إطار نظام الهيمنة البيروقراطية –الكمبرادورية فى النيبال. و عديد هذه المسائل التى جرى التعبير عنها بقوّة فى الصراع الثوري خلال العقد من حرب الشعب هي :
1- القتال من أجل القضاء على إضطهاد النساء و 2- القتال من أجل القضاء النهائي على نظام الكاست و 3- القتال من أجل المساواة بين الأمم و 4- تحقيق "الأرض لمن يفلحها" و 5- تركيز إستقلال حقيقي عن الهند و القوى الإمبريالية. و لا واحدة من هذه المسائل ، فى حدّ ذاتها، ذات طبييعة إشتراكية لكنّها فى موقع القلب من الثورة الديمقراطية الجديدة و لا يمكن إنجازها إلاّ بثورة تقودها البروليتاريا عبر إستنهاض الشعب و التعويل عليه. فضلا عن ذلك، يحمل كلّ واحد من هذه التناقضات و الصراعات لمعالجتها ، فى طياته بذور إرساء قاعدة التحويل المستقبلي للثورة أبعد من المرحلة الديمقراطية نحو المستقبل الإشتراكي الشيوعي.
و من الواضح تمام الوضوح أنّ البرجوازية الرجعية و النظام الكمبرادوري الإقطاعي ، الجمهوري أم غير الجمهوري، لن يعالج أبدا على نحو تام أية مشكلة من المشاكل الديمقراطية المذكورة أعلاه. هكذا نظام يمكن أن يسعى إلى " تلطيف" بعض هذه التناقضات لكنه فى النهاية لا يستطيع النجاح مثلما يمكن رؤية ذلك فى مثال الهند المجاورة. إنّ " أكبر ديمقراطية فى العالم" مثال جيّد للطبيعة الرجعية للديمقراطية البيروقراطية –الكمبرادورية شبه الإقطاعية. فى الهند، التمييز حسب الكاست شكليا غير قانوني و تخصّص أراضي فى مراوض الحكومة للطبقات المضطهَدة ، و للنساء المساواة القانونية و المساواة بين اللغات و الطبيعة العلمانية للدولة تعلن شكليا. بيد أنّ الجميع يعلمون كم هي بعيدة هذه الإعلانات الشكلية عن الواقع اليومي من الإحتقار و الإضطهاد للداليت و الآديفاسيس و الهيمنة المستمرّة للهندوس تتخلّلها مجازر جماعية و عبودية للمرأة متميّزة بجرائم مهور كثيرة الوقوع و القائمة يمكن أن تطول. فى الواقع ، فى بضعة سنوات قصار فى النيبال، أفرز إستنهاض الجماهير فى حرب الشعب تحويلا للعلاقات فى صفوف الشعب و عديد الأفكار المناسبة التى لم تحقّقها أبدا البرجوازية الكمبرادورية و شبه الإقطاعية فى الهند. فمثلا العدد الضخم من الشابات المتطوّعات فى خدمة جيش التحرير الشعبي ، وصار العديد منهن قياديات ، مرتبط بكون النظام الثوري الجديد ، أو الديمقراطية الجديدة تمدّ جذورها فى الريف ، كان لها تأثيرا مباشرا و هائلا على وضع النساء - و قد وقع فعليا و عمليا وكذلك قانونيا إلغاء زواج الأطفال ووقع ضبط الفظاظات المناهضة للنساء و الكثير من الشبان و الشابات إختاروا شريك/شريكة الحياة دون إعتبار للكاست أو العائلة. هل يمكن للهند ،حيث 90 بالمائة من الزيجات تحترم حدود الكاست ، أن تقول الشيء ذاته؟ واحد من التغييرات فى الريف النيبالي هو توجيه ضربة شديدة لنظام الكاست. و بينما تصرّح الأحزاب السياسية فى النيبال فى الكلام بمعارضتها لنظام الكاست ، فقط الثورة إستطاعت أن تحدث إختراقا حقيقيا فى هذه الممارسة المتجذّرة منذ قرون. من كان فى الماضى مسحوقا يقف الآن مرفوع الرأس ناظرا مباشرة فى عيني أي كان. هذه هي المهمات الديمقراطية الحقيقية التى قد أنجزتها بعدُ الثورة إلى درجة هامة و التى يمكن تقديمها كنموذج للبلاد كافة. من مهازل القدر، البحث عن "الديمقراطية الحقيقية" الذى يمكن أن يعتبر فقط كلمة سرّ التطبيق الصريح ( "الحقيقي") للديمقراطية البرجوازية ، قد قوّض بالذات قوّة هذه الإنجازات الديمقراطية الثورية بالضبط لأنّ "الديمقراطية الحقيقية" لم يعد يمكنها فى النيبال مثلما هو الحال فى الهند أو أي بلد آخر من تلك المسماة بالعالم الثالث، أن تجتثّ صراحة الأشكال القديمة و المتخلفة من الإضطهاد و بالفعل عموما لا تدعو هذا "الديمقراطية الحقيقية" ، بالأحرى تركّز "الديمقراطية الحقيقية" على شكل الدولة و خاصة الإنتخابات المتعدّدة الأحزاب ، التى تقلّص إليها على نحو نظامي الديمقراطية.
لقد بيّنت التجربة عبر العالم ، المرّة تلو المرّة ، أن الإنتخابات المتعدّدة الأحزاب لن تمنع السلطة السياسية ، الدكتاتورية ، من أن تكون بصلابة بأيدى الطبقات المستغِلّة . إنّ الميزات التى تملكها هذه الطبقات من تجربتها فى الحكم و التعليم و المالية و علاقاتها بالنظام الإمبريالي العالمي ( و فى حال النيبال، العلاقة بالطبقات الحاكمة للهند) تعطى هذه الطبقات و ممثليها ميزة كبرى فى المنافسة الإنتخابية، حتى فى منافسة "عادلة" بالمعايير الديمقراطية البرجوازية، بغضّ النظر عن كافة المظاهر "الخارقة للديمقراطية" التى عادة ما ترافق الإنتخابات فى بلدان ما يسمى بالعالم الثالث- حشو صناديق الإنتخاب، الشرطة ، المؤامرات الأجنبية إلخ و بالطبع، هناك على الدوام "الفيتو" النهائي للقوى المسلحة الرجعية التى يمكن أن يفرض الحدث غير المتوقّع جداّ أن تهدّد نتائج الإنتخابات عمليا مصالح الطبقات الحاكمة و مسانديها الأجانب. و نكاد نشاهد هذه السيرورة ذاتها فى النيبال. فى ظروف اليوم ، من غير الوارد إلى أقصى حدّ أن يحصل الح الش الن ( الم) على الأغلبية فى إنتخابات المجلس التأسيسي القادمة، و أغلبية الثلثين الضرورية ليتمكّن من إدخال أي تغيير ملموس فى الدستور الإنتقالي. إنّ النتيجة الممكنة أكثر هي أن يمنى الح الش الن (الم) بهزيمة "عادلة" فى الإنتخابات. مع كلّ ذلك، إن لم يكن الرجعيون واثقين من هذه النتيجة فإنهم ببساطة سيأجلون الإنتخابات مثلما فعلوا فى جوان 2007 ، و سوف تخرج شرعية الدولة الرجعية الجديدة المعزّزة أقوى. و لو توصّل الحزب ، و هذا مستبعد جدّا ، لإحتلال المواقع المفاتيح فى الحكومة عبر هذه السيرورة الإنتخابية ، فإن التحالف اللازم و الوقوع ضمن المؤسسات السياسية البرجوازية إلى جانب "المجتمع الدولي" سوف تضمن عدم حصول إنتقال للسلطة للبروليتاريا و الطبقات المضطهَدة و لن توجد قاعدة للدولة لإنجاز التحويل الثوري للمجتمع.
نتمنّى ألاّ يقبل رفاق الح الش الن (الم) "نتيجة صندوق الإقتراع" بالرغم من التعهدات المتكرّرة و بالرغم من الضغط الهائل الذى سيتعرضون له "للقبول بحكم" الإنتخابات البرجوازية. و لكن حتى الحال المرحّب به من رفض الرفاق هذه النهاية ، فإنهم سيفعلون ذلك على أرضية ملموسة ضعيفة بما أنهم أعاروا سلطة الحزب إلى شرعية هذه السيرورة بأسرها. و يظلّ هناك المشكل الأساسي للفهم الإستراتيجي و الهدف الإستراتيجي للديمقراطية البرجوازية كدولة إنتقالية ، توجه يؤكد نفسه بإستمرار فى مجال الخيارات و السياسات التكتيكية. وحتى و إن قرّر الحزب بعد فوات الأوان أن ينتهج طريقا مختلفا - و سنواصل الصراع من أجل بالذات هكذا تحوّل راديكالي فى التوجّه- سيستمرّ الضغط للعودة إلى الطريق البرلماني بفعل بالضبط عدم الوضوح بشأن الأهداف الإستراتيجية. لن يكفي مجرّد التعديل التكتيكي مرّة أخرى فالأمر يقتضى نبذا حقيقيا للمقاربة و التفكير الذين قادا إلى هذا الطريق المسدود.
الديمقراطية البرجوازية "النسبية" أم نظام الديمقراطية الجديدة؟
النيبال حتى أكثر من عديد ما تسمّى ببلدان العالم الثالث "سجن أمم". فأقلية "النيبال السائدة" قد حكمت ودهست غالبية السكان على الأقلّ منذ تركيز مملكة غوركا فى 1768 من قبل بريثور نراوان شاه. و من أعظم مكاسب الثورة أن إستفاقت الأمم المضطهَدة للنيبال عبر البلاد كافة و تنظمت ضمن صفوف الثورة. و مع تطوّر الثورة ، تركّزت أجهزة سلطة فى مناطق تمركز مختلف القوميات ، مثلا منطقة ماغارات للحكم الذاتي التى أقيمت فى رولبا- روكوم ، قاعدة الثورة غربي النيبال. و من الأكيد أننا نودّ أن نفهم على وجه أفضل هذه التجربة و أن نتعلّم منها أكثر الأشكال الخصوصية للدولة و المنظمات الجماهيرية فى علاقة بتجاوز الإضطهاد القومي. ومع ذلك، من الواضح أن هذه الأشكال لقيت عموما تجاوبا واسعا من الجماهير.
و نودّ أن نشدّد على أنّه من البديهي أن لا شيئ من هذا كان ممكنا دون قوّة الجماهير المسلّحة و بخاصة إنتصارات جيش التحرير الشعبي على القوات المسلّحة للدولة الرجعية القديمة. على أساس القضاء على مراكز الشرطة و المحاكم و السجون و كذلك المجموعات الرجعية و مجموعات البروليتاريا الرثّة المنظّمة كان من الممكن تركيز حكم الشعب و إطلاق العنان للتعبير عن تطلّعات الأقليات القومية التى طالما تمّ خنقها.
هناك قدر كبير من التجربة بصدد كيفية معالجة مشاكل الأقليات القومية كجزء من دكتاتورية البروليتاريا خلال القرن العشرين. و تحتاج هذه التجربة لتلخيص عميق كجزء من التجربة الأوسع للثورة الإشتراكية. نقطة من النقاط التى إستخلصناها من التجربة الشاملة هي ، كما وضع ذلك الرفيق بوب آفاكيان ، الحاجة إلى " لبّ صلب مع الكثير من المرونة" أي ، مع تركيز السلطة البروليتارية و المسك بصلابة لسلطة الدولة ، من الممكن و الضروري السماح بتفتّح آراء سياسية و مجموعات سياسية متباينة. إنّ فهمنا المحدود لتجربة حكم الشعب فى رولبا- روكوم و غيرها من الأماكن المحرّرة من النيبال ترجّح أنّ هذا ينطبق على الأقلّ جزئيا على السيرورة القائمة هناك. خلقت سلطة الثورة المبنية على تمثيل أسمى مصالح الجماهير و القوّة العسكرية لجيش التحرير الشعبي أي الدكتاتورية على الطبقات الرجعية ، الظروف التى سمحت بإزدهار حقيقي للحياة السياسية ، بما فى ذلك إضعاف قوى متنوعة و أحيانا حتى ضمن مختلف المجموعات القومية. و طالما أنّ سلطة الحزب فى القيادة تمسك بصلابة و تترسخ، فإن القوى المتباعدة عن المركز لم تهدّد الثورة بل منحتها قوّة و حيوية إضافية .(8)
و من المعلوم جيّدا أن فى المدّة عقب إمضاء إتفاق السلام الشامل ووضع جيش التحرير الشعبي فى ثكنات ، حصلت بعض التطورات السلبية للغاية ، لا سيما فى منطقة ماديش ( مسمّاة أيضا تيراي) جنوب شرق النيبال. و تيراي موطن نسبة مائوية عالية من الشعب النيبالي وهي أهمّ منطقة لإنتاج القمح فى البلاد. وهي أيضا منطقة حيث عانى غالبية الشعب من أشكال شتى من الإضطهاد القومي على أيدى الدولة المركزية ممّا أفرز تجمعات سكّانية تركزت تاريخيا فى المناطق الجبلية.
و بصفة خاصة ، رفع الماديشيون مطلب النسبية التامة فى الدولة الجديدة ، طالبين أن يكون لديهم ممثلون فى المجلس التأسيسي ، ووظائف الدولة و ما إلى ذلك، تتماشي و نسبتهم ضمن السكّان.و صار الح الش الن (الم) هدفا لهذه الحركة بسبب مساندته سابقا للدستور الإنتقالي الذى ، بطلب من تحالف الأحزاب السبعة ، ورفضه نظام النسبية. وإستطاع الديماغوجيون أن يلهبوا الإحساس القومي للماديشيين ضد الح الش الن (الم) و حتى قتلوا عديد الرفاق ، خصوصا خلال مجزرة غاروور فى 31 مارس 2007. و لخّص الح الش النيبالي (الم) أنّه من الخطإ القبول بالدستور الإنتقالي الذى لم يوفّر التمثيل النسبي و مذّاك رفع الحزب هذا كعنصر حيوي فى معالجة مشاكل الماديش و القوميات المضطهَدة الأخرى .
لقد ركّز الح الش الن (الم) مطالبه بشأن الدستور الجديد على إيجاد "الجمهورية الفيدرالية" حيث حقوق المجموعات القومية
( و فى بعض الحالات ، مجموعات كاست) تضمن على أساس نسبي. و بالفعل ، من الممكن العثور على عديد المراجع أين يدعى أنّه " عندما تضمن الهيكلة الفيدرالية جمهوريات للحكم الذاتي القومي و الجهوي فإن مشكل تيراي و توترات أخرى ستعالج كذلك" (9).
لسنا مقتنعين تمام الإقتناع بأنّ الحكم الذاتي الجهوي و الهيكلة الفيدرالية النسبية سيعالجان مشاكل القوميات المضطهَدة. بالأحرى هذا التشديد هو إشارة أخرى على فقدان الح الش الن (الم) نظرة المسألة المركزية ألا وهي أي طبقة تحكم فى تحالف مع أي طبقات أخرى وعوض ذلك يتمّ التركيز على شكل الحكم ، و فى هذه الحال الفيدرالية و/أو النسبية و تناول المسألة بعيدا عن الإطار الطبقي و خارجه.
و من الأكيد أنّ إجراءات مثل الحكم الذاتي الجهوي يمكن و يجب ، فى ظلّ نظام الدولة بقيادة الطبقة العاملة ، أن تلعب دورا هاما فى النضال ضد اللامساواة القومية و تعبئة جماهير الأقليات القومية فى الثورة. و مثلما أشرنا إلى ذلك أعلاه، هذا فهمنا لما جدّ فعلا إلى درجة كبيرة فى قواعد الإرتكاز فى ظلّ قيادة الح الش الن (الم) حيث ، و يجب أن نلمح مرّة أخرى إلى أن سلطة الدولة كانت قائمة على قوّة جيش التحرير الشعبي فى ماداش كذلك، خلال مسار حرب الشعب، و رغم أنّ هناك بالتأكيد جهود من طرف الرجعيين و القوى التى تدعمها الهند لمحاولة تقسيم الجماهير وفق الخطوط القومية التى ظهرت فى الفترة الأخيرة. و عوض ذلك ، طلب الإعتراف بالحقوق القومية للماديشيين بالأساس جرى داخل و على أساس السلطة السياسية التى ركزتها الثورة فى ماديش و كذلك فى أماكن أخرى من البلاد و ضمّ جيش التحرير الشعبي فى صفوفه شبانا و شابات من مختلف المجموعات القومية. دون هذه السلطة السياسية الصلبة و دون اللبّ الصلب للقيادة و السلطة البروليتارية من غير الممكن ، و بالفعل لم يكن ممكنا ، الحفاظ على وحدة الشعب و التقدّم و إتخاذ إجراءات ملموسة حقيقية لإجتثاث اللامساواة و الظلم القوميين.
لا يمكن لنظام النسبية فى حدّ ذاته أن يُمثّل علاقة مفتاح و لا يمكنه أن يكون الحل المحوري لمعالجة الإضطهاد القومي أو لضمان وحدة الجماهير. فالبروليتاريا وحدها ( و آخرون من فئات أخرى كسبتهم إلى جانبها و درّبوا على نظرتها للعالم) يمكن أن تنهض فوق الإعتبارات القومية و تعارض عمليّا كل التمييز و اللامساواة القومية. لو قيل للجماهير أن تختار ممثليها حسب مصالحها الخاصة القومية ، فسيوجد فى كلّ مكان نزاع حتى ضمن الجماهير المضطهَدة ذاتها. و على سبيل المثال سيدخل الماديشيون فى الشرق فى نزاع مع الثاروس فى الغرب ، و سيقاتل الداليت الفلاحين الصغار و سيتنازع الباديس مع الآخرين جميعهم. ولن توجد مطلقا وحدة صلبة طوعية للمضطهَدين إذا نظرنا إلى هذه الوحدة وإرتأيناها كنوع من التحالف بين مختلف القوميات و القطاعات المضطهَدة.عاجلا أم آجلا ، و بالأحرى عاجلا ، ستأكد التناقضات الموضوعية فى المجتمع الطبقي ذاتها و ستنقسم الجماهيرإلى"خيمها" الخاصة. و ستشعل الديمقراطية البرلمانية البرجوازية هذه النزعة. حين يُقلّص مشكل القوميات و يُحدّد و يوجّه فى مجال البرجوازية ، حين يجرى تعزيز فكرة أنّ كلّ قومية ، أو مجموعة أثنية أو كاست يجب أن تقاتل لتمثيل مصالحها الخاصّة الضيّقة فى تنافس مع و معارضة للمجموعات أو القوميات الأخرى ، فإنّ النتيجة ستكون ما يمكن رؤيته بوضوح فى الجارة الهند، أين يقع بإستمرار إستنهاض مجموعات للحفاظ على مواطن عمل أو مواقع فى البرلمان.هكذا إجراءات لم تحدث أي إختراق حقيقي فى النظام الشامل للإضطهاد القومي و الكاست. و بالفعل شائعة هي المجازر فى "التنافس العادل" بين القوميات، بينما تظلّ اللامساواة الحقيقية على حالها. نشكّ كثيرا أن تنجم عن جمهورية فيدرالية فى النيبال نتائجا أفضل من تلك فى الهند.
و مجدّدا من المؤلم للغاية أن نرى مكاسب الثورة تتفكّك على مذبح جمهورية برجوازية ( أكانت فيديرالية و نسبية أم لا) . عوض أن ينشر الحزب جوهر نظام الدولة الذى ظهر فى خضمّ حرب الشعب ( دكتاتورية الديمقراطية الجديدة) و الدعوة إلى أن يركّز نظام الدولة عبر البلاد بأسرها، ينشر شكل أن سلطة الشعب تطوّرت فى النيبال ( جمهوريات حكم ذاتي) كحلّ لدمقرطة الجمهورية التى يقع تركيزها من قبل البرجوازية. و هذا مجال لن يطلق و لن يوحّد بتاتا حماس الجماهير على الأساس الصحيح.
الأرض لمن يفلحها:
فى الوقت الذى يرفع فيه الح الش الن (الم) "الأرض لمن يفلحها" فى حملته الإنتخابية فإن تعبئة جماهير الريف حول هذا المطلب المركزي ليست فى موقع القلب من عمل الحزب فى المناطق الريفية. و هذا مفاجئ للغاية بما أنّ الثورة الزراعية أكثر من أي شيئ آخر ، قادت كافة سيرورة حرب الشعب إلى الأمام. و بالطبع ينادى الح الش الن (الم) بالإصلاح الزراعي فى برنامجه و من الأرجح أنّ الجمهورية البرجوازية النيبالية الجديدة ستنجز نوعا من الإصلاح الزراعي. لكن التجربة فى عديد البلدان بيّنت الإختلاف بين الإصلاح الزراعي غير التام و اللاديمقراطي المنظّم بالتعاون مع الطبقات الحاكمة من جهة و الثورة الزراعية الحقيقية كتلك التى قادها ماو فى الصين و التى عوّلت على إطلاق العنان لحماس الفلاحين ، لا سيما فئاتهم الأكثر قهرا.
و من جديد توفّرالهند المجاورة مثالا جيدا حيث جرى فيها إصلاح زراعي له دلالته لكنّه أنجز على نحو تسوية مع الطبقات الإقطاعية. و قد طُبّق بطريقة غير متساوية و بالكاد طال بعض المناطق ، مبقيا على أفقر فئات الجماهير دون الكثير أو القليل من الأرض أصلا. و الأهمّ من وجهة نظر الطبقات الحاكمة هو أنّ ذلك مكّنها من تجنّب التمرّد الثوري بالريف. و فى أفريقيا الجنوبية كذلك ، أُعلن الإصلاح الزراعي بإعتباره أولوية وطنية لكن بعد أكثر من عقد من نهاية نظام الأبارتيد / الميز العنصري لا تزال غالبية الأرض بأيدى أقلية من الفلاحين البيض.
فى هذه المسألة أيضا النوعان من الديمقراطية- الديمقراطية البرجوازية و الديمقراطية الجديدة بقيادة البروليتاريا- متناقضان تناقضا حادا. بسبب الدور المركزي للملكية الخاصة فى النظام الرأسمالي و لأن فى بلدان مثل النيبال للبرجوازية علاقات بملكية الأرض، و بسبب الخوف العام من الفلاحين الفقراء ضمن كافة الطبقات الإستغلالية ، فإن البرجوازية ستدير ظهرها لبرنامج الإصلاح الثوري الحقيقي، حتى و إن كان"الأرض لمن يفلحها" لا يخرج عن نطاق الديمقراطية البرجوازية. (11) فى ظروف الأمم المضطهَدَة اليوم ، البروليتاريا وحدها بإمكانها أن تحقّق هذا المطلب الديمقراطي الأكثرمركزية بشكل ثوري و بالقيام بذلك توحّد الغالبية الساحقة من الفلاحين و القطاعات الواسعة من الطبقات الأخرى و كذلك كلّ من يستطيع أن يفهم أن هذا إجراء حيوي لإرساء حقيقي لقاعدة تطوّر مستقلّ و سريع للبلاد. زيادة على ذلك، بإمكان الثورة الزراعية أن تنشأ قاعدة التطوّر السريع للتعاون الطوعي و التعاونيات التى تنهض بدور مركزي فى دفع الثورة إلى أبعد من الديمقراطية الجديدة نحو المرحلة الإشتراكية.
هنا أيضا لمشكل الماديش أهمّية خاصة لأنه فى السهول الخصبة حيث يوجد قدر كبير من الملكية الإقطاعية و حيث ثمّة شكل هام بصورة خاصة لتوحيد الجماهير و معارضة مختلف أرهاط الإضطهاد القومي و الكاست. علاوة على ذلك ، يمكن أن يكون للثورة الزراعية تأثير مهمّ على الإقتصاد الوطني و كذلك على تحرير قدرات و حماس الجماهير للإنتاج. و من الممكن رؤية كيف أنّ سياسة ثورة زراعية معتمدة بالخصوص على الفقراء بوسعها أن توحّد غالبية السكّان رغم الإضطهاد القومي و الإنقسامات الضاربة فى القدم. أليست الثورة الزراعية أيضا مفتاح توحيد الماديش مع بقيّة البلاد؟ لذا بينما يبقى الح الش الن (الم) "الأرض لن يفلحه" فى برنامجه ، فإن ذلك ليس محوريا فى مقاربته الحالية للماديش و لمناطق ريفية أخرى. وعوض النداء الأساسي لنظام النسبية و الفيدرالية الذى لم يوحّد و لا يمكن أن يوحّد جماهير الفقراء حول البروليتاريا ، عوض ذلك يدفعها إلى أحضان المستغِلّين ( الكبار و الصغار) فى قومياتها الخاصّة.
و تبيّن تجربة الثورة فى النيبال ذاتها و أيضا التجربة التاريخية السابقة أنّ سلطة دولة البروليتاريا هي التى تجعل ممكنا الجبهة الموحّدة ، لا سيما تحالف العمّال و الفلاحين. و قد أشار لينين لذات النقطة غداة الثورة الروسية : "تحطيم هذه الآلة و كسرها يمثّل مصلحة"الشعب" الحقيقية، مصلحة أكثريته، مصلحة العمال و أكثرية الفلاحين – يمثّل "الشرط الأولى" للتحالف الحرّ بين فقراء الفلاحين و البروليتاريا، وبدون هذا التحالف لا تكون الديمقراطية وطيدة ولا يمكن إنجازالتحويل الإشتراكي "(12).
لقد أكّد التاريخ الراهن للثورة النيبالية هذه النزعة. إذ على أساس القضاء على سلطة الدولة القديمة ، و أكثر جوهرية ، على وجود و ذراع سلطتها العسكرية ، صار ممكنا توحيد الغالبية الساحقة للشعب حول قيادة البروليتاريا. لكن عندما تقوّض هذه السلطة البروليتارية و تعود قوى الجيش القديم و الشرطة القديمة مجدّدا فى القيادة ، فإنّ وحدة الجماهير هي أيضا ستُقوّض و سيكون للجماهير بالكاد خيار عدا البحث عن صيانة مصالحها ضد و فى منافسة مع كافة قطاعات الجماهير المضطهَدة و تدخل تحت جناح البرجوازية.
بصدد الدستور و الحكم الطبقي :
فى ردّهم على الحزب الشيوعي الثوري ، كتب الرفاق النيباليون :" لقد أثارت رسالتكم بتخوّف شديد مسألة إذا قًبل العدوّ بطلبكم ، على سبيل المثال، لمجلس تأسيسي فإنكم مجبرون على الموافقة و إلاّ ستفقدون ثقة الجماهير. نقدّرإنشغالكم. لكنّنا نفهم أنّ المجلس التأسيسي فى حدّ ذاته ليس حلاّ ، بيد أنّ مضمونه السياسي يمكن أن يكون حلاّ. مثلا، إذا إستطاع المجلس التأسيسي أن يضمن تفكيك الجيش الملكي، و إعادة تنظيم الجيش الوطني تحت قيادتها، و تطبيق الإصلاح الزراعي الثوري القائم على سياسة الأرض لمن يفلحها، وحقّ الأمم فى تقرير مصيرها و نهاية التمييز الإجتماعي و التطوّر و الإزدهارإلخ ، لماذا على المرء معارضته؟"
المشكل هو أنّ المجلس التأسيسي لن و لا يمكنه تحقيق المهام المذكورة أعلاه. هل ثمّة من يعتقد حقّا أن المجلس التأسيسي سيقود إلى "تفكيك الجيش الملكي" وليس إلى مجرّد تغيير فى الإسم ، ناهيك عن إعادة تنظيم الجيش الوطني ، تحت قيادة الحزب الشيوعي النيبالي (الم)؟ لا أحد ! هذا ببساطة غير ممكن شأنه فى ذلك شأن إدعاءات البرنامج التحريفي القديم للحزب الشيوعي للولايات المتحدة الأمريكية الذى إقترح القضاء على الإستغلال الرأسمالي عبر قرار دستوري. و إن وُجد أي شكّ حول ما هو ممكن و ما هو غير ممكن ، يكفى إلقاء نظرة على تطوّر السيرورة الراهنة. جيش التحرير الشعبي هو الذى وضع فى ثكنات و نزع سلاحه على نطاق واسع بينما التغيير الهام الوحيد بالنسبة للجيش الوطني النيبالي هو سحب نعت "الملكي" من إسمه.
لذا المسألة ليست لماذا على المرء "معارضة" مجلس تأسيسي يمكن أن ينجز مهام الديمقراطية الجديدة ، لكن بالأحرى لماذا على المرء أن ينشر وهما لا يمكن أن يتحقّق؟
و حتى الآن و نتائج هذه السيرورة تصبح مركز عناية ، يواصل الح الش الن (الم) بثّ الأوهام. مثلا :"الهدف هو أن تحلّ الأزمة السياسية عبر صياغة دستور جديد يمكن أن يعبّد الطريق لنظام تقدّمي جديد فى النيبال يمكن أن يقود البلاد إلى الأمام و لمزيد التقدّم بإيجاد مجتمع فيه تلغى كافة أشكال إستغلال الإنسان للإنسان ."(13)
و هكذا نرى أن الح الش الن (الم) يحاجج بالأحرى بوضوح ، على الملإ و بصورة غير رسمية أنّه من الممكن أن تعزّز سيرورة المجلس التأسيسي نظاما يمكن أن يتطوّر سلمياّ صوب الإشتراكية و الشيوعية. و بالطبع ، يبقى الحزب الباب مفتوحا لإمكانية أن يتوقّع من العناصر المتشدّدة ، على الأرجح من النظام الملكي ، أن تعارض مثل هذا الدستور و فى هذه الحال سيكون إستعمال القوّة من قبل الجماهير مبرّرا و ضروريا.(14)
و على هذا النحو ، نقاش شروط و كلمات دستور مستقبلي يدخل تحويرا على المسألة المركزية حقا: على أية سلطة ستعتمد الدولة الجديدة؟ عموما ، سيدافع دستور جديد عن "سيادة الشعب" و يعلن المساواة بين جميع المواطنين التى تقدّس فى مبدأ "شخص واحد صوت واحد" و يعلن حقوق حرّية التعبير و الإجتماع و ما إلى ذلك. و كذلك ببساطة من غير المرجّح، على الأقلّ ، أن يهاجم الدستور الذى سيفضى إليه المجلس التأسيسي بطريقة جوهرية ملكية الطبقات الحاكمة "(15)
فى حين يمكن أن ينهض دستور بدور هام فى أي نظام سياسي فإن وعود كون الدستور سيقود إلى مجتمع دون إستغلال طبقي إن كان الجيش الموجود بأيدى الطبقات المستغِلة و إذا كانت وسائل الإنتاج الرئيسية على ملكيتها و تحت سيطرتها لا تعدو أن تكون أوهاما.و بالفعل ، دور الدستور فى أي جمهورية برجوازية هو بالضبط ضمان أن لا يتعارض النظام السياسي مع و بالفعل أن يخدم أساس النظام الإقتصادي الإستغلالي. و الحقوق الديمقراطية الممنوحة للشعب توجد ضمن هذا الإطار و تحدّد بهذا الواقع. و عندما تتعارض الحقوق المعلنة و ضرورات النظام الإقتصادي-الإجتماعي القائم على الإستغلال فإن مصالح النظام الإستغلالي هي التى "تتخطّى" - تتجاوز حقوق الشعب. و يشير رفاق الح الش الن (الم) إلى إمكانية صدور دستور عن هذا المجلس التأسيسي يصون مؤسساتيا إنتصارات حرب الشعب. لكن هذه الإنتخابات تدور برعاية "المجتمع الدولي" ( أي النظام الإمبريالي العالمي و الهند) و الجيش النيبالي يحرس المباني و التلفزة و الصحف ممسوكة غالبيتها من الطبقات المستغِلّة. و نتيجة هذه الإنتخابات فى ظلّ هذه الظروف لا يمكن أن تعبّد الطريق للإشتراكية ، و المحاججة بأنه بإمكانها ذلك إمّا ديماغوجيا أو خداع للذات.
الممارسة الثورية :
إنها إستراتيجيا الجمهورية (البرجوازية) "الإنتقالية" هي التى تقود و توجّه التكتيك و ليس العكس. و من الصحيح أنّ أي سيرورة ثورية ستمزج أشكالا متنوعة من النضال و يمكن بسهولة رؤية انّ الحرب الثورية تمرّ عبر فترات من إيقاف إطلاق النار و المفاوضات. و على العكس من ذلك ، مثلما رأينا من مختلف التجارب تاريخيا و عالميا ، يبدو أن تكتيك الثوريين كان ، وهو عادة، يستعمل لخدمة إستراتيجيات غير ثورية صراحة مثل " القتال من أجل التفاوض" أو دعوة الجماهير إلى النزول إلى الشوارع لتشكيل ضغط لتحقيق مكاسب إنتخابية برجوازية و هكذا. (16)
و حتى الآن ، ليس جوهر المسألة كون الحزب غارق إلى العنق فى الإنتخابوية و البرلمانية. لن يكون الطريق " الثوري" إلى الجمهورية البرجوازية أفضل من طريق المساومة الذى شهدناه خلال السنتين الفارطتين. لكن هناك علاقة -هدف الجمهورية البرجوازية ، و علينا أن نضيف، جمهورية "مركّزة" فى إطار النظام الإمبريالي العالمي السائد، ستعنى أنّ نوعا من التكتيك سينزع إلى الهيمنة و سيدفع نحو الذهاب بإتجاه أكثر ثورية ، سواء ظهر ضمن الجماهير أو فى صفوف الحزب أو قطاعات من القيادة، سينزع إلى الإختناق. و بالفعل ، لم تنجز فى فترة السنتين الماضيتين، المخططات و الوعود التى تقدّمت بها القيادة لإستنهاض الجماهير للدفاع عن مصالحها الطبقية. و لا يجب رؤية هذا كنتيجة لفقدان الأمل بل بالأحرى هو نتيجة حتمية للطبيعة الطبقية للهدف -الجمهورية البرجوازية- الذى فرض نفسه على التكتيك المتّبع. ولا نحاجج من أجل تكتيك "ثوري" مطلّق عن تصحيح على مستوى الإستراتيجيا و على مستوى الهدف. و التاريخ زاخر ب"الإنتفاضات" إستعملت فى النهاية ك "غطاء يساري" لأهداف ضبابية أو غير ثورية. و فعلا ، فى أمريكا الوسطى ، فى الثمانينات إستخدمت شتى أصناف التكتيكات "اليسارية" و كذلك تلك الأكثر يمينية هيمنة. ونلفت الإنتباه مجدّدا إلى الخطّ الذى ظهر صلب الحزب الشيوعي الفليبيني المدفوع من قبل فيالوبس و الذى كان يتميّز بصياغة واضحة "للطريق القصير" نحو " النصر الجزئي" وهو طريق مناقض بصفة خاصة للطريق الماوي لحرب الشعب الطويلة الأمد من أجل "إنتصار تام" إعتبره فيالوبس غير قابل للتحقيق و/ أو غير مرغوب فيه.(17) بعبارات أخرى ، تركيز النقاش مع الح الش الن (الم) رئيسيا على التكتيك هو خطأ فى تشخيص مظهر المرض و قلب السبب و النتيجة.
من يخدع من ؟
و من أكثر الأشياء إيلاما بالنسبة لأصدقاء الثورة النيبالية رؤية كيف تمّ نزع سلاح جيش الشعب إلى حدود بعيدة ووضعه فى ثكنات معزولة عن الشعب، فى الوقت الذى توجد فيه القوات المسلحة الرجعية ،المسماة الآن الجيش النيبالي ، و التى لم تكن فى السابق تغادر التحصينات المعزّزة للغاية إلاّ فى بعثات كثيفة العدد ، حرّة فى التجوّل عبر البلاد. و أيضا ذو دلالة كبرى هي إعادة إرساء مراكز الشرطة المقيتة فى قلب قواعد الإرتكاز السابقة ، بينما جرى تفكيك هياكل سلطة الشعب التى شُيّدت فى خضمّ حرب الشعب.
تعود جذور هذا الوضع إلى ما قبل حتى إنتفاضة أفريل 2006 حيث يمكن أن نعثر عليها فى المقترح المنشور ضمن "العامل" عدد9 أين يقترح الحزب أن يجري تفكيك جيش التحرير الشعبي و الجيش الملكي النيبالي و تشكيل جيش وطني جديد. و مثّل هذا حجر الزاوية فى إتفاق السلام الشامل.
لفترة طويلة من الزمن ، كان الح الش الن (الم) يقول للرفاق المنزعجين إنّ أي إندماج للجيشين سيكون على أساس سلطة جيش التحرير الشعبي و الحزب و سيكون فى ظلّ قيادته. و بالطبع ، لم يخطر ببال الطبقات الرجعية و لو للحظة مثل هذا النوع من الإندماج. بالعكس ، كانت الطبقات الرجعية ومساندوها واضحين ، عكس المنتظر، أكثر بكثير من رفاقنا ، بشأن الدور المحوري للقوات المسلحة فى الدولة. لقد أصبغ إتفاق السلام الشامل الشرعية على إحتكار الجيش النيبالي للقوّة فهو ، فى النهاية مسموح له بصورة مفتوحة بأن يحافظ على كمّية كبيرة من أسلحته و توكل له مسؤوليات مراقبة حدود البلاد و طرق النقل و بصفة عامة يبقى حرّا فى التنقّل عبر البلاد حاملا السلاح. و فى جانفى 2008 ، قام القائد الأعلى للجيش بتصريح واضح بأنّه سيرفض إدماج مقاتلى جيش التحرير الشعبي فى الجيش الوطني.
و جاء ردّ الح الش الن (الم) حاملا بعضا من الفضح المحدّد و الصحيح للجيش النيبالي. مثلا ، موقف رئيس الحزب براشندا المنشور فى "النجم الأحمر" عدد 3 ، تساءل سؤالا بلاغيا لماذا تكون مجموعة من القتلة صالحة لتكون جزءا من الجيش الوطني لكن أبناء و بنات الشعب الذين قاتلوا من أجل التحرّر غير صالحين لذلك. لكن هذه هي المسألة . سيكون للجيش الوطني دورا مركزيا واحدا ألا وهو صيانة و تعزيز حكم الطبقات الإستغلالية. أن يطلب الح الش الن (الم) بإدماج مقاتلى جيش التحرير الشعبي ضمن هكذا جيش فى حدّ ذاته مؤشّر حقيقي على مدى إنحراف الحزب عن الفهم الماركسي للدولة. و من جديد ، لا ضبابية لدى الرجعيين. إنهم عاقدون العزم على الحفاظ على قبضة صلبة على جهاز الدولة و ليسوا على إستعداد للقبول بأن تلتحق أعداد كبيرة بالجيش،على الأقلّ إلاّ إذا و إلى أن يقدّم جيش التحرير الشعبي أدلّة مناسبة على أنّه تخلى و بصفة نهائية و تامّة عن هدف الثورة ،وهو شيئ لم يحصل و لا يجب أن يسمح بحصوله. لذا من جديد ، سمح الح الش الن(الم) بأن ينحصر النقاش بشدّة فى الإطار الذى تحدّده الطبقات الرجعية. كانت المسألة التى تهزّ النيبال زمن إنهيار النظام الملكي المطلق أي دولة و أي جيش ، دولة الملك القديمة و الطبقات المستغِلّة المعتمدة على الجيش الملكي النيبالي أم الدولة الجديدة التى ظهرت فى الريف بالإعتماد على قوّة جيش التحرير الشعبي، أي منهما سيوطّد حكمه عبر البلاد؟ و تغيّرت المسألة إلى : هل أنّ جيش التحرير الشعبي ملتزم كفاية ب "الديمقراطية الحقيقية" ليندمج ضمن الجيش النيبالي أو ينبغى تفكيكه بطرق أخرى؟ و كلّ إجابة أسوأ من الأخرى.

تسليح الجماهير بالحقيقة أم نسج متعمّد للضبابية؟
فى إجابته على رسالتنا السابقة ، يحاجج الح الش الن (الم) بأن بعض مواقفه الراهنة قد لا تبدو واضحة بسبب الحاجة إلى التخفّى عن أعين الأعداء الدوليين و المحليين ، لكن على رفاقهم عدم الخشية لأنّ الحزب واضح بصدد الإتجاه الذى ينبغى أن ينتهجه النضال. يقولون :" نعم ثمّة بعض المواقف الضبابية فى تأويلاتنا ، فى مجالات عدّة- نعتقد أحيانا أنها ضرورية. إذا إستطعنا أن نخدع الأعداء و المجتمع الدولي بمعالتنا التكتيكية ، فبالإمكان شقّ صفوفهم إلى درجة معيّنة ممّا سيفيد ثورتنا. و ستظهر المشاكل فقط إن عمّت الضبابية حزب البروليتاريا ذاته ".
هذا المنطق خاطئ على مستويات عدّة . حتى فى حال كون قيادة الحزب واضحة و موحّدة حول أهداف الثورة الديمقراطية الجديدة و الإشتراكية و الشيوعية ، سيظلّ من الضروري تربية الجماهير و تسليحها لإدراك الفرق بين الحلّ البرجوازي الرجعي لمشاكل البلاد و الحلّ المختلف راديكاليا بقيادة حزب بروليتاري و بالإعتماد على الجماهير الشعبية. إنّ حبّ و دعم الجماهير المكتسب خلال حرب الشعب مكسب ثمين بيد أنه لا يعوّض تدريبها الواعي و تعلّمها رؤية الطبيعة الطبقية الحقيقية لكلّ حزب و لكلّ وجه سياسي تحت الكلمات المعسولة للديمقراطية. و إلاّ هناك خطر أن يغدو الولاء أعمى و أن تنظر الجماهير التى كانت حجر زاوية حرب الشعب أساسا كحامى لمصالحها الأضيق و المباشرة ، مصالح يمكن و أحيانا تدخل فى نزاع مع مصالح قطاعات أخرى من الجماهير. كيف يمكن كسب الجماهير للحاجة إلى مزيد النضال و التضحية إن كان هدف هذا النضال غير واضح؟ هل يُعتقد حقّا أن للجماهير أفكار واضحة تمام الوضوح بشأن أهداف الثورة أو أنّها ستحصل على هذا الفهم بعفوية ، دون تدريبها نظاميا من قبل الشيوعيين؟
و تكفى قراءة منشورات الحزب ذاتها أو اللقاءات الصحفية مع مختلف القيادات للتأكّد من أنّ الحزب عينه ليس واضحا البتّة حول المسائل الحاسمة للديمقراطية و الدولة و ما إلى ذلك. و عادة ما تقدّم المسائل الحيوية للتوجّه السياسي و السياسات كمجرّد مسألة تكيتيك : إمّا أن تمرّ الثورة بسلاسة إلى الجمهورية أو ، إذا قطعت الطبقات الرجعية هذا المسار ، سيصبح من الضروري للثورة التقدّم بطرق تكون فيها المواجهة أكبر. و هذا يضع جانبا المسألة الأساسية للهدف الثوري. بعبارات أخرى المسألة الأساسية ليست إنتقالا سلميا أو غير سلمي إلى جمهورية ديمقراطية فيدرالية، بل بالأحرى أي نوع من الجمهورية يجب تركيزه ( أي طبقة ستحكم) و بصورة خاصّة كيف يمكن أن تفتكّ الجماهير السلطة بقيادة الطليعة البروليتارية.هذه هي موضوعيا المسألة التى تواجه المجتمع ، لكنّها ليست المسألة التى يقع الخوض فيها.
علاوة على ذلك ، فكرة أنّ مداورات إيديولوجية ضرورية لأجل خداع العدوّ الطبقي فى منتهى الطفولية على أحسن تقدير. فالعدوّ الطبقي لا يدع أي تحرّك كبير للح الش الن (الم) دون مراقبة. لو علّق الحزب المفاوضات أو غادر الحكومة ، فإن الجانب الآخر منتبه للغاية للتبعات الممكنة لهكذا تحركات و يناقشها من كافة الزوايا فى الصحافة و فى جماعات تفكير شبه علنية مثل مجموعة الأزمة العالمية التى كانت لديها معلومات جيدة عن الوضع فى النيبال.(18) و فى الواقع ، الجماهير و أصدقاء الحزب و صفوف الحزب ذاته هي عادة المحبطة أكثر بالخطاب المزدوج للحزب. وعلى سبيل المثال ، بدأ أهمّ ممثّلي الطبقات الرجعية فى النيبال و عالميا أوضح بكثير من الكثير من الرفاق حول قرار الح الش الن (الم) فى سبتمبر 2007 مغادرة الحكومة ، و تهديده بدعوة الجماهير إلى النزول إلى الشارع، على الأرجح لا يعنى تغييرا أساسيا عن طريق المجلس التأسيسي و الجمهورية البرجوازية. و بالفعل ، كان هؤلاء الرجعيون على صواب ، فهدف جاذبية التوجه نحو الجمهورية البرجوازية أعاد تأكيد نفسه و شكّل الخيارات التكتيكية للحزب.
و هذا ليس لقول إنّ كافة الجماهير سعيدة بالتوجّه الذى إنتهجه الحزب أو إنها لن تجد طرقا متنوّعة للتعبير عن غضبها. لكن حتى مفترضين أنّ النظام الجديد الذى يُفرزه المجلس التأسيسي يوفّر فعلا الحق الشكلي للتعبير السياسي المنظّم ،و حتى مفترضين أنّ هذه الحقوق الشكلية توجد فى المناطق الريفية و كذلك فى المدن كما هو الحال فى بلدان ما يسمّى بالعالم الثالث، من الصعب للغاية رؤية كيف ،دون قيادة منظّمة و متناسقة، أنّ غضب الجماهير سيستطيع أن يعبّر عن نفسه فى برنامج سياسي ملموس. و هذا مثال آخر عن خطإ وعد الديمقراطية البرجوازية و كيف أنّ جماهير الشعب فعلا غير متساوية فى "منافسة" القوى السياسية .و بإسم الحفاظ على حقوق الجماهير فى مراقبة الدولة عبر"تنافس أحزاب متعدّدة "، عمليا يسحب الح الش الن (الم) حقوق الشعب التى أرسيت خلال حرب الشعب ، فى إنشاء مؤسسات سياسية و فى تمثيل سياسي يجسّد حقّا مصالحها الطبقية الخاصّة فى تعارض مع مصالح القوى الطبقية الأخرى و ضد مصالح الطبقات الرجعية.
فى الواقع ، يقدّم التاريخ عديد الإشارات عن ما يحصل للناس عندما تبحر القيادة فى سيرورة تناقض و تفكّك النضالات التى ما إنفكّت الجماهير تخوضها. لا يتحوّل الغضب الجماهيري والإحباط الواسع النطاق بسهولة إلى نشاط سياسي واعي . ففى فلسطين و الزنبابوي و غواتيمالا ، فقط لذكر بضعة وضعيات من التاريخ الأكثر معاصرة، لم يقع الردّ بفعالية على حلول المساومات السياسية و الإنقلاب على الوعود و الشعارات التى توحّدت حولها الجماهير ( لنتذكّر حتى أنّ ياسر عرفات بدأ بإعلان " ثورة حتى النصر"). و عوض ذلك تمكّنت بعض العناصر المحبطة على الأرجح من الإنشقاق دون القدرة على تطوير برنامج متناسق .و لكن هذا لا يجعل المساومة الإصلاحية أكثر صحّة أو أكثر شرعية. فتحت شعار "حقوق الجماهير" ستقف دولة قديمة –"جديدة" بعيدا عن الجماهير و فوقها.
هناك سبب وراء كون الخطاب المزدوج ، فنّ قول الشيئ و فعل شيئ آخر، يناسب الطبقات الرجعية و لا يمكن أن يميّز سياسة الحزب الثوري. قبل كلّ شيئ ، لا تستطيع الطبقات الرجعية أن تأمل فى البقاء قيد الحياة إلاّ بخداع الجماهيرذلك أنّه لا يمكنها (الرجعية) أن تمثّل مصالح هذه الجماهير . هذا من جهة و من جهة أخرى ، يكسب الشيوعيون كلّ شيئ بقدر ما تفهم البروليتاريا و الجماهير الشعبية المجتمع و مهام الثورة . و من أوكد مهام الحزب الطليعي هي جعل الجماهير تحصل على هذا النوع من الفهم و لو أنّها ليست مهمّة يسيرة. هناك شتى أصناف الضرر و الغمامات التى تحجب عن الجماهير المظاهر الحقيقية للمجتمع. و فى الأخير إذا إستطاعت الجماهير أن ترى بجلاء مصالحها الطبقية الخاصة ، سيكون إمتلاكها لحزبها الطليعي أقلّ ضرورة بكثير. لكن التجربة علّمتنا أنّه فى كلّ البلدان ليس ذلك الحال نهائيا و أنّ الجماهير المحبطة تحتاج إلى قيادة شيوعية يمكنها أن تساعد على أن تبرز الحدود الأساسية للمصالح الطبقية فى عالم معقّد.
لسنا طفوليين إلى درجة الإعتقاد بأنّ بإمكان الشيوعيين الثوريين أو من واجبهم كشف مخطّطاتهم و تفكيرهم حول كافة المواضيع فى كلّ المناسبات. و فى الوقت نفسه ، بمعنى جوهري و من منظور إستراتيجي ، يدافع الشيوعيون بحماس عن الموقف الشهير فى "بيان الحزب الشيوعي": "و يترفع الشيوعيون عن إخفاء آرائهم و مقاصدهم". ما هي الميزات الإستراتيجية التى يمكن للشيوعيين كسبها بالقول العلني للجماهير مرارا و تكرارا إنّهم ينوون فقط الحصول على أغلبية فى المجال الإنتخابي، أو أن هدفهم هو "الديمقراطية النقية"؟ أين هو تدريب الجماهير على الطبيعة الطبقية الحقيقية لمثل هكذا ديمقراطية (برجوازية) "نقية"؟ و هذا مع ذلك مهمّة تطرح نفسها فى النيبال حيث الجمهورية البرجوازية الكمبرادورية-الإقطاعية فى الأفق بأكثر من وجودها فى الغرب أين الديمقراطية البرجوازية هي الشكل الأكثر إنتشارا لحكم الطبقة الرأسمالية. و بالفعل ، على الشيوعيين فى بلد مثل النيبال أين توجد مهام ديمقراطية- برجوازية حيوية للإنجاز عبر الثورة ، عليهم مسؤولية خاصّة فى قتال الخيالات الديمقراطية-البرجوازية و إبراز الطبيعة الطبقية الحقيقية للديمقراطيات البرجوازية فى الغرب المقدّمة كنموذج.
توغليياتي و توريز:
وجدت بعض المواقف بالأحرى مذهلة عن طبيعة قرار الح الش الن (الم) الخارقة للعادة للتوجّه نحو جمهورية ديمقراطية. فى خطاب غرّة ماي 2007 ، ذهب رئيس الحزب براشندا حتى بعيدا ليقول : " كان إتفاق ال12 نقطة نوعا رائعا وغير مسبوق للفهم فى التاريخ . لم يشهد القرن 21 مثل هذا النوع من الفهم الفريد الذى أثبته التاريخ". للأسف ليس الأمر على هذا النحو.(19)
نقول "للأسف" لأنّ هناك أمثلة مأساوية خلال القرن العشرين حين تخلّى الشيوعيون عن النضال من أجل السلطة السياسية و سرّحوا قواهم المسلّحة المستقلّة و حدّدوا نضالهم داخل إطار الديمقراطية البرجوازية للعدوّ. فى بعض هذه الحالات حافظت الأحزاب الشيوعية و حتى وسعت تأثيرا معتبرا على الطبقة العاملة و قطاعات أخرى من الجماهير و كان لها عادة تمثيل مهمّ فى البرلمان.
أهمّ مثالين كانا تجربة الحزب الشيوعي الإيطالي و الحزب الشيوعي الفرنسي غداة الحرب العالمية الثانية. يختلف تاريخ فرنسا عن تاريخ إيطاليا ، لا سيما أن فرنسا كانت محتلّة أثناء الحرب من قبل ألمانيا النازية ، بينما كانت إيطاليا حليفة لألمانيا فى الحرب، لكن فى الحالتين جمّع الحزبان الشيوعيان فئات هامة من البروليتاريا و الجماهير لخوض نضال مسلّح ضد المحتلين الأجانب و الحكام الفاشيين المحليين.(20) و عند نهاية الحرب كانت لهتين الحزبين شعبية هائلة بينما كانت التشكيلات السياسية البرجوازية فقدت الثقة فيها تماما لتآمرها مع السلط الفاشية و/أو لعدم قدرتها على خوض نضال مصمّم ضد تلك السلط. فى كلّ من إيطاليا و فرنسا، شكّل الحزبان الشيوعيان فيالقا مسلحة هامة تحت قيادتهما. ينسى عديد الناس أنّ أنصارييى الحزب الشيوعي الإيطالي هم الذين ألقوا القبض على موسليني و شنقوه فى ساحة عامة فى ميلانو خلال حفل شعبي كبير.
مع ذلك، رغم الحركة الثورية التى عمّت أوروبا مع إنهيارالسلط الفاشية ، و رغم أنّ جهاز الدولة البرجوازية فقد ثقة الناس فيه و شهد ضعفا كبيرا أثناء الحرب، و رغم المكانة الكبيرة التى تمتّع بها الإتحاد السوفياتي فى ظلّ قيادة ستالين، فإن هذين الحزبين قد سرّحا قواتهما المسلحة و شاركا فى الحكومتين المؤقتتين اللتين ركزتا فى البلدين تحت رعاية القوات المحتلّة
( بالأساس الأمريكية و الإنجليزية). و ذو دلالة كبرى أن قَبِلَ الحزبان الإطار السياسي للديمقراطية البرجوازية. و مع ذلك، فى الكلام على الأقلّ ، لم يتخلّيا عن هدف "دكتاتورية البروليتاريا" ( لم يقع الإقرار التحريفي المفتوح بذلك إلاّ بعد عقدين. بالأحرى، قُدّمت المشاركة فى المؤسسات البرجوازية ك "تكتيك" يفتح نوعا ما الطريق للإفتكاك اللاحق للسلطة من قبل البروليتاريا. و لا يمكن الإعتقاد أن مشاركة الأحزاب الشيوعية فى الحكومات فى إيطاليا و فرنسا عني أن تلك كانت فترة هدوء فى الصراع الطبقي.بالعكس، تميّزت سنوات ما بعد الحرب بصراعات حادة للغاية، إضرابات عامة و حركات قوية تهدف لمعاقبة المتعاونين مع الفاشيين و ما إلى ذلك. بعبارات أخرى، لم تمنع المشاركة فى المؤسسات البرجوازية الصراع و لم تلغ حاجة برجوازية هذان البلدان ( بالإعتماد على و بدعم من القوّة العسكرية و الإقتصادية للإمبريالية الأمريكية التى لا نظير لها ) لتوجيه ضربات شديدة للأحزاب الشيوعية كجزء من جهودها لإعادة تعزيز النظام البرجوازي إثر دمارالحرب العالمية و فى وجه النهوض الثوري للجماهير. كانت الأحزاب الشيوعية تتمتّع بتقديرعظيم لدى الطبقة العاملة حينها نظرا لدورها فى الحرب وحتى عندما كانت تتبع موضوعيا سياسة إستسلامية ، كانت كذلك فى نزاع حاد مع الطبقة الحاكمة سواء كان ذلك داخلا البرلمان أو خارجه. و بكلمات أخرى، واصلت هذه الأحزاب إعلاء هدف دكتاتورية البروليتاريا و الإشتراكية و الشيوعية. و فى 1947، أُطرد الشيوعيون من الحكومة كجزء من بداية "الحرب الباردة".
و الغاية من هذا التذكير التاريخي هي أنه ليس هناك فعلا أي جديد ، ناهيك عن أي إيجابي ، فى قبول القوى الشيوعية التخلّى عن صراعها من أجل السلطة و دخولها المؤسسات البرجوازية. و لا تعنى مثل هذه الخطوة أن الشيوعيين لن يدخلوا بحدّة فى نزاع مع أهمّ ممثّلى البرجوازية. و كذلك لا يجب أن نتصوّرأن الأوضاع الموضوعية كانت أسهل بالنسبة للشيوعيين فى إيطاليا أو فرنسا منها اليوم فى النيبال. فمثلا، فى كلّ من إيطاليا و فرنسا سُجّل حضور كثيف للقوات المسلّحة التابعة للحلفاء إثر الحرب و من اليسير تصوّر التعليلات و المنطق اللذان قدّما للذين لم يوافقوا أو كانوا قلقين ، إذا أعدنا النظر إلى ما مضى، لما يمكن أن يُعدّ خطوة حاسمة نحو التحريفية.
تتعلّق المسألة الحيوية حينذاك كما هي الآن، بالخطّ السياسي و الإيديولوجي للشيوعيين . لسنا فى موقع يسمح لنا بأن نقول بالضبط ما هي التكتيكات التى كان على الشيوعيين فى فرنسا و إيطاليا إتباعها. إلا أنّه من الممكن قول إنّ قرارهم القبول ب"شرعية" إعادة تركيز النظام البرجوازي إثر الحرب العالمية الثانية كان موضوعيا خدمة هائلة للبرجوازية بالضبط فى الوقت الذى كانت فيه البرجوازية مكسّرة و فى وضع تواجه فيه صعوبة حقيقية فى إعادة تنظيم حكمها و خنق الجماهير. لمّا يتمّ القبول بشرعية إطار مؤسسات الدولة البرجوازية ، بالتالى جهود الشيوعيين لتنظيم البروليتاريا و الجماهير لتدافع عن مصالحها ضمن هذا الإطار ( عبر كلّ من الطرق الإنتخابية و غير الإنتخابية)، لها تأثير موضوعي على تقوية و تحسين المؤسسات الرجعية ذاتها. هنا ليس بوسعنا سوى ملامسة هذا البعد العالمي الهام وخاصّة خطّ ستالين و الحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي طوال كافة الحقبة قبل الحرب العالمية الثانية و خلالها و بعدها. و المزيد من النقاش الصريح سيبيّن أنّ هذا التخلّى عن النضال من أجل دكتاتورية البروليتاريا و تبنّى إطار الديمقراطية البرجوازية مرتبط بالخطّ الذى تبنّاه الحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي و الكومنترن بشأن " الجبهة الموحدة ضد الفاشية " و النضال فى سبيل المحافظة على و/أو إعادة تركيز الديمقراطية البرجوازية كخطوة ضرورية حينذاك.(21)
إعادة كتابة تاريخ الحزب :
لقد خاب ظنّنا من كون ردّ الح الش الن (الم) على رسالتنا الأولى لأكتوبر 2005 شدّد إلى درجة كبيرة على الدفاع عن ممارسته الماضية و سعى إلى إستعمال تجربة المسار الكامل للحزب منذ 1996 إلى الآن كإجابة على حجج أثارها حزبنا و آخرون . يقال ببساطة : لأنّ حرب الشعب تطوّرت إلى هذا الحدّ فإن ذلك يبيّن صحّة الخطّ الإيديولولجي و السياسي للحزب.
قبل كلّ شيئ ، من اليسير لمس خطإ هكذا طريقة فى التفكير. حتى و إن كان الحزب فى السابق على صواب فى كلّ مسائل السياسة و الإيديولوجيا ( وهو بعيدا عن أن يكون كذلك كما سنرى) فإنّ هذا لن يكون ضامنا أن يكون الحزب صحيحا فى كلّ نقطة فى المستقبل و لن يكون سببا لعدم تقصّى الحجج الملموسة حول ما يجب فعله الآن.وعلى سبيل المثال، كون الحزب كان على صواب فى إنطلاق حرب الشعب و خوضها لا يبيّن بالمرّة أنّه على صواب فى التخلّى عنها.
علاوة على ذلك، فإنّ رواية الإختلافات بين حزبينا ووصف تاريخ الح الش الن (الم) ذاته غير دقيقين. و إحدى النقاط الهامة التى يجب أن توضّح هي أنّ حزبنا لم يعارض مشاركة الح الش الن (الم) فى البرلمان فى بدايات التسعينات. و يعود هذا إلى شيئ واحد هو أن معرفتنا الخاصة للوضع فى النيبال حينذاك لم توفّر لنا قاعدة كافية لتكوين رأي حول تلك السياسة. و إلى ذلك ، لم يتبنّى وجهة نظرعديد الأحزاب الأخرى فى الحركة الماوية ،القائلة بأنّ "مقاطعة البرلمان " مسألة إستراتيجية حسمت بالنسبة لكافة الأحزاب و كافة الأزمان. و كذلك لم نساند أبدا مواقف م ب سينغ. و بالفعل ،خضنا نضالا ضد تحريفية سينغ شبه-الخوجية منذ لقائنا الأوّل معه زمن تشكّل الحركة الأممية الثورية فى 1984 لماّ كان قادة الح الش الن (الم) بعدُ معه فى حزب واحد. ما كان حزبنا يؤمن به فعلا فى تلك الفترة و لا زال يؤمن به اليوم هو أنّه ثمّة قدر كبير من اليمينية فى تفكير و سياسات الحزب الشيوعي النيبالي (مركز الوحدة)(22) آنذاك و أنّه إذا لم يقطع الحزب بالفعل مع هذه المقاربة لن توجد ثورة ناجحة. ناضل حزبنا إلى جانب أحزاب أخرى من الحركة الأممية الثورية من أجل بالضبط هكذا قطيعة. إنّه لمن المعزّة الباقية لرئيس الحزب براشندا (مسنودا من لبّ من القيادات الأخرى) أن إستطاع قيادة سيرورة القطع مع الخطّ الخاطئ السابق. و بالذات هذه القفزة الإيديولوجية هي التى كانت محورية فى التشكل التنظيمي للح الش الن (الم) و القرار التاريخي العظيم للإنطلاق فى حرب الشعب.
إنّ الرواية الحالية للتاريخ الواردة فى الرسالة الموجهة للحزب الشيوعي الثوري للولايات المتحدة الأمريكية و التى جاء صداها فى مقالات ووثائق حديثة للحزب الشيوعي النيبالي (الم)(23) هي ، للأسف ، مختلفة جدّا، مكتوبة بمائة بالمائة من التعالي و إعتبر دخول البرلمان و كذلك الخروج منه سياسات أو تكتيكات جيدة و مستخدمة بدقّة فى خدمة إستراتيجيا واضحة فى إعداد الإنطلاق فى حرب الشعب طويلة الأمد. لكن أي دراسة جدّية للمواقف الفعلية وقتذاك تبيّن أنّ الحال بعيد عن أن يكون كذلك. وُجدت سيرورة تامة من النضال للقطع مع ما مثّل الفهم السائد فى صفوف الح الش النيبالي (ماشال) ، المنجب الأصلي لتنظيم الحزب الش الن (الم) الذى كان يتعلّل بأكثر من مليون سبب قول إنّ الثورة لا يمكن أن تنجح أبدا فى النيبال. فى السابق أشار الح الش الن (الم) و أولى الأهمية الصحيحة لهذه السيرورة من القطع مع ما أسماه الح الش الن (الم) "مدرسة تفكير" م.ب. سينغ. و إنّه لمبعث قلل أن نرى الآن هذه السيرورة تحرّف أو حتى تُنكر من طرف الكثيرين الذين لهم بها معرفة أفضل.
إنّ التاريخ الجديد مليئ ب "من جهة" النضال ضد التحريفية و "من جهة أخرى " النضال ضد "الدغمائية" وهو تناول إنتقائي يطمس فعلا الحاجة العملية التى واجهها الرفيق براشندا فى خوض صراع لا هوادة فيه ضد التحريفية و دروس القفزة و القطيعة السابقتين و يُعوّضها بسيرورة متناغمة خالية من التناقضات.
من الأكيد صحّة أن كمّا هائلا من التجربة تحقّق فى سيرورة حرب الشعب فى النيبال. وقد بذلنا الجهد للتعلّم قدر الإمكان من هذه التجربة الثمينة و نعتقد أنّه على كافة الشيوعيين الثوريين القيام بذلك. و مع ذلك ، لم نر شيئا فى هذه التجربة يُعزّز حجّة الرفاق بشأن إمكانية "دولة إنتقالية" ليست فى طبيعتها لا ديمقراطية جديدة و لا جمهورية برجوازية. فى الواقع ، النتائج الملموسة لتجربة السنتين الماضيتين اللتين كان خلالهما رفاق الح الش الن (الم) يحاولون وضع هذا الفهم موضع الممارسة يبيّن العكس تماما.
مزيد من قلب الحقائق التاريخية :
لقد رأينا أنّ قيادة الح الش الن (الم) قد قرّرت إعادة كتابة التاريخ فى علاقة بالحركة الأممية الثورية من منطلق مفعول رجعي معلّلة كلّ المواقف السابقة، بصورة خاصة الآن وقد أخذت تطبّق اليوم مواقف مثل المشاركة فى البرلمان و "الطريق السلمي للثورة". و تجدر الإشارة إلى أنّ إعادة كتابة التاريخ هذه ، مع ذلك، ليست مقتصرة على النقاش مع حزبنا أو أحزاب و منظمات أخرى من الحركة الأممية الثورية. إنّها تقف بخاصّة بشكل مذهل و صريح فى الرواية الجديدة للح الش الن (الم) لتاريخ الحركة الشيوعية فى النيبال ذاتها.
لنلقى نظرة على تقرير "حزب شيوعي واحد" : " مرّ الحزب الشيوعي النيبالي فى مسار 59 سنة عبر عديد الإنقسامات و صراع داخلي غير صحّي . و هذه الأنواع من النزعات لم تضعف فحسب الحركة الشيوعية بل فى النهاية أفضت إلى خسائر للشعب و الأمة. رغم أنّ للشيوعييين و الأحزاب اليسارية بصورة غالبة دعم و تعاطف غالبية الشعب النيبالي ، فإن القوى اليمينية و الرجعية كسبت السباق. و حاليا، للأحزاب اليسارية الغالبية فى المجلس التشريعي الإنتقالي كذلك لكن القيادة فى الحكومة ليست بأيدى الأحزاب الشيوعية" (24) (التشديد مضاف).
هذا المقال بأسره ، و ليس فقط المقتطف أعلاه، يعرب أساسا عن أنّ كافة سيرورة القطيعة مع التحريفية ( كلمة غائبة كلّيا فى هذا المقال) كانت "غير صحّية" و قادت إلى "خسائر". ماذا عن حرب الشعب؟ هل يعتقد أي إمرء أنّ حرب الشعب كان بالإمكان إطلاقها دون القطيعة مع التحريفية ؟ المسألة هي أنّ هذا المقال يعيد كتابة التاريخ من منظور برلماني – وجود عديد "الأحزاب الشيوعية و اليسارية" يقسّم الأصوات الإنتخابية. إلى هذا يؤدّى فى النهاية ما يسمّى "إزدواج الواحد" ( الذى سنناقش لاحقا) - فى محاولة لترقيع الحزب "اليساري" أو " الشيوعي" المتكوّن من كافة أرهاط الإنتهاويين والتحريفيين الذين أداروا ظهرهم للثورة لكن الذين بمقدورهم "كسب إنتخاب برلماني و رئاسة حكومة " الدولة القديمة.
ولا نستغرب هذا فالتغييرات فى إيديولوجيا الحزب و سياساته تنعكس فى شؤونه التنظيمية كذلك. مرفوقة بتغيّر فى الخطّ السياسي و على ضوء نداء الحزب لتوطيد "النيبال الجديد" عبر الإستنهاض الشامل لأجل إنتخابات المجلس التأسيسي، تدعو قيادة الحزب الآن إلى تغيير أسلوب العمل ، لا سيما بالنسبة لأعضاء يكونون على نحو واسع و مفتوح ضمن صفوف الناخبين. تذكّروا أنّ القطيعة مع كلّ الأرضية أعلاه و التقاليد البرلمانية للحركة الشيوعية ( و الشيوعية الزائفة) فى النيبال كان جزءا هاما من القطيعة الضرورية للإنطلاق فى حرب الشعب فى 1996. و من الصحيح أنّ مختلف مراحل العمل الثوري ستتطلّب تعديلات فى المسائل التنظيمية ، لكن تبخّرت بعض المبادئ حول الحاجة لبناء طراز من الحزب القادر على خوض الصراع الثوري ، و المحافظة عليه. يستدعى العمل الثوري نوعا من الهيكلة التنظيمية. و العمل البرلماني يستدعى هيكلة أخرى . قيادات الحزب عرضة لإمكانية هجمات من ما يسمّيها الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) "قوى مُلكية- إمبريالية" ، حتى لا يُشير إلى الجهاز العسكري للدولة القديمة. لذا نرى مثلا آخر من مزج الإثنين فى واحد ، بما أن الحزب يقول إنّه فى مرحلة الهجوم الإستراتيجي و يخوض "حربا" لكسب الإنتخابات. مع ذلك، تكشف هيكلة الحزب لمن هبّ و دبّ ليكسرها أو ليحطّمها و تعرّض حياة قادة حزب ذوى قيمة ثمينة إلى خطر كبير بكشف هويّتهم. و هذا مصدر آخر لإنشغال كبير لدينا.

البُعد العالمي :
فى هذه الرسالة لا نحاول أن نفضح بعمق حجّة أخرى عادة ما تقدّم تعليلا للماذا ليس بإمكان الثورة فى النيبال أن تكسب النصر، تحديدا الوضع العالمي و الجهوي غير المناسب. يجب أن نتذكّرأن ميزة من أهمّ ميزات الخطّ التحريفي ل م-ب-سينغ كانت زعمه بأنّ الثورة كانت غير ممكنة فى النيبال الأرض المغلقة إلاّ إذا سبقتها ثورة فى الهند و/أو فى الصين. كان الح الش الن (الم) على حقّ فى نقده لهذه النظرية الإنهزامية كجزء من الإعداد لحرب الشعب و هذه الحقيقة ينبغى الدفاع عنها. و هذا المقال من موقع "أخبار عالم نربحه" بتاريخ 11 فيفري 2008، يستحق الإشارة إليه: "... لا توجد ثورة فى الفراغ. فى النيبال أيضا، تقدّم الثورة مرتبط إرتباطا وثيقا بتطوّر الثورة فى البلدان المجاورة و العالم ككلّ.
الجوار القريب ذو العلاقة المتداخلة مع النيبال ، الهند سيف ذو حدّين. صحيح أنّ ذلك يزيد من تعرّض البلاد للضغوطات ، و التدخّل و الهجوم السافر. و من الصحيح أيضا أن هناك ميزات كبرى للثورة كذلك. للهند عدد هائل من الجماهير المضطهَدة اليائسة، و العديد منها لها ثقافة و لغة مشتركة مع النيبال. بعدُ ملايين النيباليين الذين يعملون بصورة مستمرّة فى الهند كانوا عاملا هاما فى نشر المعرفة و الدعم للثورة ضمن شعب تلك البلاد. و نظرا للتناقضات الحادة و المتفاقمة فى المجتمع الهندي ، فإن نظاما ثوريا حقّا فى النيبال ستكون له إنعكاسات مباشرة و عميقة عبر الهند ، لا سيما فى الشمال الشرقي. إلى ذلك ،رغم أنّه ليست له حدود مشتركة مع البنغلاداش ، فإن النيبال يوجد على بعد فقط بضعة كيلومترات من تلك البلاد، وغالبية 150 مليون من شعبها يعيشون فى ظروف صعبة للغاية. فى السابق تقدّم الح الش الن (الم) بنداء ثوري جدّا من أجل فيدرالية سوفياتية لجنوب آسيا توجد هيكلة دولة جديد فى المنطقة معتمدة على المعركة المشتركة لأجل الديمقراطية الجديدة و المساواة الحقيقية بين الأمم. إذا كان النظام الثوري قد رُكّز فى النيبال ، فثمّة إمكانية حقيقية أن يهبّ شعب المنطقة لنجدته.
صحيح أنّ القوّة العسكرية للهند و الدول الإمبريالية حاجز هائل ضخم. إلاّ أنه هنا أيضا ، من الضروري فهم نقاط ضعفهم كذلك. لقد عرفت الهند لحظات صعبة فى التعامل العسكري مع التمرّدات داخل حدودها الخاصّة. عمليتها الأكبر المناهضة للثورة فى سيريلنكا فى الثمانينات إنتهت إلى فشل ذريع و سيكون فى غاية الصعوبة بالنسبة للهند أن تتدخّل فى النيبال حيث الحقد على التوسّعية الهندية قوى جدّا و حيث بإمكان الثورة أن تستفيد من جغرافيا جبلية مناسبة جدّا. وعلى الرجعيين الهنود أن يفكّروا شديد التفكير فى مثل هذه المخاطرة اليائسة.
و تمثّل الولايات المتحدة بالطبع عدوّا خطيرا و خبيثا جدّا. لكن من الصحيح أيضا أنّ الجيش الأمريكي ممتدّ للغاية، ينقصه مجهود العمل ،و يواجه معارضة متنامية لعدوانه الإمبريالي عبر العالم، بما فى ذلك من سكان الولايات المتحدة ذاتها. و حتى الجيش الأمريكي يعرف مدى صعوبة قتال الثوريين الماويين المرتبطين بعمق بالشعب و المتمتعين بدعمه النشط.
و صحيح تماما أن الثورة فى النيبال لا يمكن فصلها عن السيرورة الثورية فى العالم ككلّ و هناك عوامل إيجابية و كذلك عوامل سلبية ينبغى أخذها بعين النظر. فى المنطقة بأسرها هناك نزاعات فى منتهى الشدّة و الحدّة ضمن الطبقات الحاكمة و بين الجماهير و مضطهِديها. و سيكون مفعول إرساء نظام ثوري حقّا فى النيبال مثل الصاعقة بالنسبة للمنطقة برمتها. نعم، حكومات الدول المجاورة ستحاول التدخّل و الإطاحة بمثل هذا النظام ، بيد أنّه من الصحيح أيضا أنّ آمال شعوب هذه البلدان ستنهض على نحو غير مسبوق. إذا ما نزع عنها حاليا الغطاء ،تمثّل جماهير الشعب فى المنطقة و فى النهاية فى العالم قاطبة ذخيرة حقيقية قوية من أجل الثورة فى النيبال. يمكن لبرنامج ثوري واضح و لمثال حيّ لجماهير تفتكّ عمليا السلطة و تحكم المجتمع أن يطلق العنان لهذه الطاقة ".(25)
فى مظهره الرئيسي ، بالتأكيد أنّ الوضع العالمي غير مناسب. لكن من الصحيح أيضا أنّه سيظلّ غير مناسب إلاّ إذا و إلى أن ينجح الشيوعيون الثوريون بداية فى بلد أو عدّة بلدان فى فتح فجوة فى النظام الإمبريالي العالمي. لئن ترقّب كلّ إمرء نضج وضع مناسب عالميا قبل التحرّك ، كما وضع ذلك لينين، سنكون جميعا "معلقين فى الهواء".
"مزج الإثنين فى واحد" أم "إزدواج الواحد" :
مثلما رأينا ، صارت الإنتقائية ، أي التوجّه إلى مزج "إثنين فى واحد" ووضع تناقضات مختلفة على ذات المستوى و عدم تحديد التناقض الرئيسي و الإخفاق فى التمييز بين المظهرين الرئيسي و الثانوي للتناقض ، تميّز بصفة متصاعدة الخطّ السياسي و الإيديولوجي و منهج الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي). عوض نقد الإنتقائية و إقتلاع جذورها ، يقع تبرير الأسس الفلسفية لعديد الأخطاء فى المسار الراهن و يدافع عنها و حتى تقترح كنماذج للآخرين كذلك.
كي نفهم شيئا أو سيرورة ، من الضروري أن نعيّن بصفة صحيحة التناقض الرئيسي الذى يحدّد طبيعة الشيئ أو السيرورة . و الثورة فى النيبال لا تمثّل إستثناءا. فبوضوح الثورة فى النيبال ظاهرة معقّدة تتضمّن جملة من التناقضات ، مثل التناقض بين القوى المتجمعة حول النظام الملكي و تلك القوى ضمن الطبقة الحاكمة التى تقف مع نظام جمهوري ، النزاع بين البروليتاريا و البرجوازية الوطنية ، و التناقض بين القوميات المضطهَدة و الدولة المركزية و التناقض بين النساء و الرجال و ما إلى ذلك. لكن من الحيوي التشديد على أنّ التناقض الجوهري هو بين جماهير الشعب بقيادة البروليتاريا و الجبال الثلاث ، الإمبريالية و الإقطاعية و الرأسمالية البيروقراطية. و لا يمكننا أن نقبل بأن التناقض الرئيسي فى النيبال هو التناقض بين النظام الملكي و "القوى الديمقراطية". لا نعلم إن كان الح الش الن (الم) قام بمثل هذه الصياغة النظرية الواعية ، لكن سياساته و إختيار التكتيكات ممتناغمة مع هكذا تحليل.
و ميزة خاصّة لإنتقائية الح الش الن (الم) هي وضع سياستين متعارضتين على المستوى نفسه، أو بقول أدقّ ، وضعهما على مستوى متساوى فى الكلام بينما فى الحياة العملية يقدّم الوقتي و الثانوي على حساب الحيوي و الرئيسي.
خلط الإستراتيجيا و التكتيك ، و قلب الرئيسي و الثانوي ، جزء من الإنتقائية التى تميّز بصورة متصاعدة كتابات الحزب. و الموقف التالى نموذجي لنوع المواقف التى تخترق مقالات الح الش الن (الم) ووثائقه. (26)
"البلاد فى فترة إنتقالية من الحكم الأوتوقراطي إلى الجمهورية الديمقراطية الفيديرالية. تتمّ مأسسة المكاسب التاريخية عبر إنتخاب المجلس التأسيسي. لهذا ، هناك صراع حاد بين القوى الرجعية الإنتكاسية و القوى الثورية -التقدّمية. و الح الش الن (الم) يقود إتجاه بناء نيبال جديد. إعادة هيكلة سلطة الدولة القديمة ،ودمج الجيشين ،ووعي الشعب و تبنّى نظام الإنتخابات النسبية ، والإطار الفيدرالي بدلا من هيكلة الدولة الإقطاعية التوحيدية و مشاركة القوميات و النساء و المناطق و الماديش و الداليت و الأقليات إلخ فى سلطة الدولة، كلّها مكاسب لحرب الشعب العظيمة. أفرزعقد طويل من حرب الشعب سلطة شعبية و قيادتها لا بديل عنها. لكن للقضاء على القديم و تركيز الجديد بصلابة ،فإن المواجهة الأخيرة حتمية".
أوّل ما ينضح من قراءة الموقف أعلاه هو أنّ الهدف هو بوضوح ملتبس ك"جمهورية ديمقراطية فيدرالية" وهو بجلاء ليس جمهورية ديمقراطية جديدة. و فى حال وجود أي إختلاط ، تثبت المقتطفات أنّ الهدف هو "إعادة هيكلة الدولة القديمة" و "دمج الجيشين". و يصوّر هذا و يخطأ فى تصويره على أنّه "هدف حرب الشعب!" ثمّ يعلن هذا الوصف بالأحرى الغليظ للجمهورية البرجوازية على أنّه "سلطة الشعب". و النهاية حول "المواجهة الأخيرة" لا تحيل بتاتا على "المعركة الأخيرة" الواردة فى نشيد الأممية و إنّما بوضوح تحيل على الصراع من أجل تركيز الجمهورية. إنّه مثال نموذجي لمزج الإثنين فى واحد.
وتنعكس هذه الإنتقائية فى المقتطف التالى من لقاء صحفي مع رئيس الحزب براشندا فى العدد نفسه ("النجم الأحمر" عدد4) :
" الصحفي : كيف يمكنكم أن تجسّدوا مكاسب حرب الشعب؟
براشندا : لذلك أبعاد شتى. أوّلا، تحرّكت السياسة النيبالية الحالية متبعة خطواتها الذاتية و أثبتت بعض المظاهر الأساسية لسياستنا. ثانيا، جلبت الوعي إلى صفوف الشعب الذى يعيش فى مختلف نواحى البلاد. و كذلك، تركّزت المسائل الطبقية و الجهوية و العنصرية و الجندرية فى المجتمع النيبالي و هي اليوم ملكا للشعب فى النيبال و العالم. ثالثا، المجلس التأسيسي و الجمهورية الديمقراطية الفيدرالية و مفهوم النيبال الجديد ، و إعادة هيكلة الدولة هي مكاسب جوهرية لهذه الحرب. لهذا ضحّى الآلاف من أبناء و بنات الشعب النيبالي العظيم بحياتهم و عدد أكبر منهم جرحوا و إختطفوا لتلخيص الأفكار إنّه تمرّد تاريخي . فى نظري ، الإنتصار النهائي قريب جدّا، لقد أحرزنا الإنتصار و الصراع الأخير لا يزال متواصلا و من الأكيد أنّ الشعب النيبالي سيهزم الأعداء. سيكون أعظم مكسب لحرب الشعب ".
من الصحيح أنّ فى العدد ذاته ، تظهر رسائلا أخرى متناقضة. و على سبيل المثال:
" الآن نتقدّم فى سيرورة سلمية عبر سيرورة تاريخية من عقد طويل من حرب الشعب و الحركة الشعبية ل19 يوما. هدف حرب الشعب العظيمة هو المضي قدما فى إتجاه الإشتراكية و الشيوعية بتركيز الجمهورية الشعبية الجديدة فى النيبال. حاليا، نتقدّم بقوّة فى إتجاه بناء نيبال جديد من خلال إنتخاب المجلس التأسيسي كنقطة إنطلاق لتحقيق الهدف".(27)
على خلاف غالبية المقتطفات الأخرى و المقالات الأخيرة ، يعيد هذا الموقف التأكيد على التوجّه الشيوعي للنضال لكنّه ينتهى بمحاججة أنّ المجلس التأسيسي هو وسيلة التقدّم فى ذلك الإتجاه. و لا يشرح فى أي مكان لماذا يعدّ توطيد "جمهورية ديمقراطية فيدرالية " رافعة الديمقراطية الجديدة.
الدفاع عن الإنتقائية :
هذه المقاربة برمتها من "مزج الإثنين فى واحد" مقاربة واعية. و بالفعل ، هي واحدة من الحجج الملموسة التى قدّمها الح الش الن (الم) فى ردّه على رسالة الحزب الشيوعي الثوري. فى رسالتهم يهاجمون حزبنا ، و فى الواقع كافة الحركة الماوية، لتأكيدها على مبدأ أعلنه ماو "إزدواج الواحد". تدافع رسالتهم عن :
" المادية التاريخية و الجدلية هي فلسفة الثورة ، وهي لا تنطبق فقط على المجتمع و لكن كذلك على التفكير الإنساني. وحدة و صراع الأضداد هو القانون الجوهري. و هذا يعنى أنّ كلّ شيئ ينقسم إلى إثنين ،و كلّ مظهر من المظهرين يتحوّل إلى نقيضه. نعتقد أنّ الأخير هو المظهر الرئيسي بالنسبة لنا ، نحن الشيوعيون.
من رأينا أنّ الحركة الشيوعية العالمية ،عموما، فشلت فى الماضى فى إستيعاب هذا القانون الجدلي فى شموليته. لقد أعارت طبقتنا إهتماما أكبر ل "إزدواج الواحد" فى الماضى وهي تقوم بذلك فى الوقت الحاضر ، لكن بعلم أو دون علم قفزت على الفهم و التطبيق العملي لتحويل مظهر إلى نقيضه، المظهر الرئيسي".
كتب رفاق من منظمة ضمن الحركة الأممية الثورية:
" فى الواقع "إزدواج الواحد" ليس مجرّد مظهر من الجدلية : بالأحرى هو طريقة مركّزة لتلخيص قانون وحدة الأضداد ، القانون الجوهري للعالم و بما هو كذلك يشمل أيضا أو يتضمّن تحوّل مظهري التناقض كلّ إلى نقيضه. هكذا فهموه ماو و الثوريون فى الصين. و مثال ذلك ، ورد فى كرّاس نشره الخطّ البروليتاري فى الصين، "ثلاث صراعات كبرى على الجبهة الفلسفية" وفيه نقرأ : " مفهوم إزدواج الواحد الذى صاغه ماو يلخّص بعمق و بإقتضاب قانون وحدة الأضداد و يستوعب جوهر المادية الجدلية" (28)
"وفق الح الش الن (الم) ، مع ذلك، مثلما رأينا فى المقتطف أعلاه، "إزدواج الواحد" شيئ مختلف عن و مناقض لتحوّل المظهرين كلّ إلى نقيضه ( وينادون إلى إعارة "إنتباه أكبر" لهذا التحوّل عوض "إزدواج الواحد") . و بالتالى ، لا يرون سيرورة المظهرين المتحوّلين كلّ إلى نقيضه على أنّه سيرورة "إزدواج الواحد" ، بل كشيئ مغاير. بمعزل عن نوايا الح الش الن (الم) ،لا يمكن لهذا أن يفضي إلاّ إلى فهم خاطئ، ميتافيزيقي وإنتقائي ("مزج الإثنين فى واحد" للتحوّل النوعي )."
فى الواقع ، الإجتهاد لمزج الضدين و زيفا إطلاق نعت"جدلية" على ذلك مظهر من المظاهر التى يمكن رؤيتها فى خطّ الح الش الن (الم) . كما رأينا فى ما مرّ بنا ، يحاجج بصفة مفتوحة و بقوة بأنّ هذا الفهم تطوير خلاّق للماركسية، تصحيح لفهم سابق إحادي الجانب صاغه ماو و إنتشر عبر العالم خلال الثورة الثقافية (29) و تغلغلت داخل الحركة الشيوعية العالمية .فى الح الش الن (الم) وإلى درجة كبيرة باتت طريقة "من جهة و من جهة أخرى" طبيعة ثانية وهي تقدّم بإستمرار كتفسير لنجاحاتهم. و بالفعل هذه نظرة للعالم خطيرة و خاطئة ، بعيدة عن أن تضمن النجاح المتواصل للثورة ، تدعم مقاربة شاملة نظرية و عملية تهدّد بقلب الثورة.
هنا من الضروري التشديد بوجه خاص على نقطة من المقال السابق المشار إليه ، و هي أن ّ الحاجة إلى "إزدواج الواحد" لا تعنى انّ حزبا أو مجموعة شيوعيين محتّم عليهما الإنشقاق تلو الإنشقاق مثلما يحاجج الح الش الن (الم). نبذ التحريفية و إلحاق الهزيمة بخطّ خاطئ يمكن و عادة ما يقود إلى تعزيز الحزب ليس إيديولوجيا و سياسيا فقط بل كذلك على مستوى الصلابة التنظيمية و المستوى العددي و التأثير و الأهمّ القدرة على إنجاز الثورة.
يدافع الرفاق النيباليون على معالجة صراع الخطّين بين الرفاق باتاراي و براشندا فى صفوف الح الش الن(الم) كنموذج. و نعتبر أنّ "معالجة" ذاك الصراع تحديدا مثال عن "مزج الإثنين فى واحد" بينما يقع التوفيق بين رؤيتين متناقضتين وهو لا يمكن إلاّ أن يقود و قاد فى هذا الظرف الخاص إلى هيمنة الخطّ الخاطئ.(30)
كان الصراع ضد ألإنتقائية ميزة هامّة لماو و الثوريين فى الحزب الشيوعي الصيني ، لا سيما فى المعركة الأخيرة و الخسارة الفاجعة مع دنك سياو بينغ. لقد نقد دنك مركز القيادة الثورية لكونه يهتمّ "فقط" بالصراع الطبقي و ليس يعير "أيضا" إنتباها للإنتاج. و بالطبع كان هذا تشويها للثوريين و هدف دنك الحقيقي كان إنكار تعاليم ماو و معارضتها.
لقد صاغ الثوريون فى الحزب الشيوعي الصيني المسألة على النحوالتالي :
" الإنتقائية تعنى التحريفية. بوضعه التوجيهات الثلاث جانبا ووضعه السياسة و الإقتصاد ، السياسة و العمل المهني و التقنية جميعها على قدم المساواة ، كان دنك سياو بينغ يستعمل السفسطة لينكر التناقض الرئيسي و المظهر الجوهري للتناقض. كان هذا خدعة إنتقائية. لقد أشار لينين فى نقده لبوخارين "موقفه النظري هو: من جهة ، و من جهة أخرى " .هذه إنتقائية". ("مرّة أخرى حول النقابات ،الوضع الراهن و أخطاء تروتسكي و بوخارين"). و يمكننا إستعمال ذات هذه العبارات لإعطاء وصف مناسب لدنك سياو بينغ. و تبيّن الظاهرة فقط الطبيعة الضعيفة للتحريفيين. يريدون الإنقلاب على الخلاصات النظرية التى توصّلت إليها الماركسية-اللينينية-فكر ماوتسى تونغ و تعويضها بنظريات تحريفية. لكن التحريفية تذهب ضد مصالح العمال و الفلاحين و الجنود و الكوادر الثورية و المثقفين الثوريين ، أي ، الجماهير التى تشكّل 95 بالمائة من السكّان، و بما أنّ ممارسة التحريفية تذهب ضد إرادة الشعب لا يتجرأون على فضح أنفسهم كثيرا ، لذا يلجأون إلى الإنتقائية لأنّ تزوير الماركسية بطريقة إنتهازية ،
و تعويض الجدلية بالإنتقائية هو الوسيلة الأسهل لخداع الجماهير".(31)
جوهر المسألة- الخطّ الإيديولوجي و السياسي :
واحدة من أكثر المقتطفات المستعملة عادة من قبل حركتنا صيغة ماو الشهيرة : " إذا كان الخطّ خاطئا فإن سقوطنا حتمي، حتى مع التحكّم فى القيادة المركزية و المحلّية و الجيش. و إذا كان الخطّ صحيحا، حتى إذا لم يكن لدينا جندي واحد في البداية سيوجد جنود،و حتى إذا لم تكن لدينا سلطة سياسية سنكسب السلطة السياسية. و تنبع هذه الحقيقة من التجربة التاريخية لحزبنا و التجربة العالمية للحركة الشيوعية منذ ماركس...جوهر المسألة هو الخطّ. هذه حقيقة لا يمكن دحضها."(32)
و بالفعل ، يركّز هذا المقتطف بصفة لامعة و يعبّر بصفة دقيقة عن العلاقة بين الخطّ الصحيح و الإنعكاسات العملية لأي خطّ معطى. إنّ الخطّ السياسي والإيديولوجي هو عصارة النظرة و المنهج و المقاربة الطبقيين للحزب (الإيديولوجيا) و التطبيق الأساسي لهذه النظرة على مسألة خوض الصراع الطبقي و إفتكاك السلطة و التقدّم نحو الشيوعية (السياسة).إن لم يعُد الخطّ البروليتاري هو القائد ، فإن الأهداف البرجوازية و المناهج البرجوازية و السياسات البرجوازية ستملأ الفراغ لا محالة.
لقد نشأت حركتنا نتيجة بالضبط لمثل هذا الصراع ضد خطّ إيديولوجي و سياسي خاطئ ، لا سيما خطّ تحريفي إنتصر فى الصين إثر وفاة ماو تسى تونغ، عبر إنقلاب موجّه ضد أتباعه الصرحاء. و لو أنّ الصراع فى النيبال لم يلعب نفس الدور المركزي و المحدّد فى العالم الذى لعبته الثورة فى الصين فى ظلّ قيادة ماو ، لا يزال من المفيد تذكّر ظروف ذلك الصراع العظيم على النطاق العالمي .
هناك عديد الأحزاب و التنظيمات التى أعربت عن إتفاقها مع ماو و الثورة الثقافية ثمّ مضت مع مغتصبي السلطة التحريفيين فى الصين. و بالنسبة للبعض ،كان ذلك إنجذابا مفتوحا لسياسة الوفاق الطبقي ، لكن بالنسبة للبعض الآخر إعتبر ذلك نوعا من السياسة الواقعية من خلاله رفض شيوعيون فى بلدان أخرى تحمّل مسؤولية فهم و تقييم خطّ الحزب الشيوعي الصيني. و عوض ذلك ، حاججوا بأنّ خطّ الحزب هو "شأنه الداخلي" و /أو أنّ التجربة الهائلة و سمعة الحزب الشيوعي الصيني تعنى أنّه ليس للآخرين أساس أو قدرة حقيقيين لفهم مسائل الخطّ السياسي المعنية. و قد حاجج البعض الآخر بأنّ الحزب الشيوعي الصيني كان قد عرف سابقا عديد صراعات الخطّين و حتى إن إعتبرت مقلقا أشخاصا مثل هواو كوفينغ و دنك سياو بينغ ، فإنّ الصين ، فى آخر المطاف بلد إشتراكي و الأمور قد تنقلب فى المستقبل إلخ.
بوسعنا أن ننبذ بعض هذا على أنّه ذيلية عبودية و إنتهازية فجّة. مثلا ، الخوف من فقدان الدعم الذى كانت تقدّمه الصين لهذه الحركة أو تلك. و مع ذلك، كان المشكل أعمق بكثيرإذ هو يتعلّق بالذات بطريقة رؤية الناس للتجربة الثورية و فهم الأممية و مسؤوليات الشيوعيين فى مختلف البلدان لمشاكل الحركة ككلّ. بإختصار ، لقد إستعملت مقاييسا أخرى عدا صحّة أو عدم صحّة الخط الإيديولوجي و السياسي لتقييم الوضع فى الصين و توجيه "الشيوعيين". و كانت إنعكاسات هذه البراغماتية و الإنتهازية مأساوية. تكسّرت غالبية الحركة الشيوعية السابقة على الصخور و لم تقدر على صيانة وجهتها الثورية و إنتهت ، فى معظم الأحيان ،إلى التوافق مع النظام الرجعي و/أو الإندثار التام. زيادة على ذلك ، أفرزت التطورات فى الصين تماما التوقعات العلمية لنتائج ما يعنيه تغيّر خطّ الحزب الشيوعي فى الصين- تحديدا إعادة تركيز الرأسمالية و إعادة ظهور كافة آفاتها و إضطهادها و إستغلالها بما هي فى موقع القلب من هذا النظام. تقريبا لوحدها فى العالم ، إستطاعت الحركة الأممية الثورية أن تصون توجهاتها الإيديولوجيا فى وجه التسونامي الإيديولوجي الرجعي الذى رافق خسارة الصين، بالذات لأنّ الحركة الأممية الثورية إستطاعت ، على الأقلّ فى مظاهرها الأساسية، أن تفهم أسباب الإنقلاب فى الصين و الدفاع عن المبادئ الرئيسية للماركسية-اللينينية-الماوية بما فى ذلك كما طوّرها و قدّمها ماو.
و اليوم ، من غير الممكن أن نتسامح فى أي شيئ أقلّ من نفس نوع المعالجة الدقيقة و العلمية للواقع و على ذلك الأساس ، توجّه و تصميم صلبين للمضي قدما بالصراع. للأسف ، قدرة الحركة على النهوض بهذه المسؤوليات قوّضتها إلى درجة هامة بعض طرق مقاربة الصعوبات فى البيرو. بينما ليس هذا مجال عرض كامل للتاريخ ، فإن الحقيقة هي أنّ مقاربة خاطئة تداخلت مع و أحيانا حتى رمت بظلّها على التوجّه الشيوعي الثوري الصحيح الذى تأسّست حركتنا على قاعدته. على وجه الخصوص ، ظهر معيار "الحقيقة السياسية" وتخلّت المقاربة عن المبادئ و إتخذت قرارات ليس على أساس "البحث عن الحقيقة إنطلاقا من الوقائع" و تطبيق علمنا الثوري لفهم الواقع بل على أساس ما كان يبدو "مفيدا" . و بخاصة إستخدم هذا الصنف من النظرة لتبرير نظرية "الخدعة" التى تقدّمت بها قيادة الحزب الشيوعي البيروفي ،و التى شدّدت ، ضد البراهين المتوفّرة ، على أنّ رئيس الحزب غنزالو لا علاقة له بالخطّ الإنتهازي اليميني فى الحزب و أنّ حتى البحث فى هذه الإمكانية هو إقتراف لأفضع الخيانات. و اليوم ندفع ثمن هذه الأخطاء كذلك ، و الحركة تتخبّط فى وجه تحدّى عظيم للمضي قدما و التقدّم فى مساعدة الثورة فى النيبال التى قدّمت الكثير للحركة الشوعية العالمية الغالية على قلوبنا.
وجديرة بالإعادة هي مقولة أخرى عادة ما تستعملها حركتنا لكن غالبا ما لا تفهم أو يتمّ تجاهلها عمليا :
" لا يوجد سوى مفهوم أممي حقيقي واحد وهو أن يعمل كل فى بلاده بتفان من أجل تطوير الحركة الثورية و النضال الثوري وأن يدعم (عبر الدعاية و التعاطف و المساعدة المادية ) ذلك النضال ذاته و ذلك الخط نفسه لا سواه، فى جميع البلدان بدون إستثناء "
تقع على كاهلنا مسؤولية النضال من أجل "هذا الخطّ و هذا الخطّ فقط و ليس غيره " فى النيبال و ليس أقلّ من مسؤولية التقدّم بالنضال الثوري فى البلد الخاص. و إلاّ فإنّ "الأممية البروليتارية " تقلّص إلى مهزلة و "التضامن الأممي " لن يكون شيئا أكثر من نوع من "التبادل السلعي " مثلما يمكن أن نرى حاليا ذلك فى تعاطى الإنتهازيين و التحريفيين على النطاق العالمي. إنّ التجارة ب"رأس مال" النضال فى النيبال ( أي تأثيره و سمعته عبر العالم) مقابل السكوت أو القبول بالخطّ الخاطئ هو أسوأ أنواع الإنتهازية. و قد لمسنا كذلك ما حدث إذا فقد "رأس المال" قيمته ، على غرار ما حصل بالنسبة للبيرو : الناس بمقاربة من هذا الصنف سرعان ما يبحثون عن شريك آخر للتجارة. و هذا ما يفسّر جزئيا أن بعض الذين لا حياء لديهم الذين تذيّلوا لصرخات مساندى الحزب الشيوعي البيروفي ضد حتى فكرة المفاوضات يجدون الآن من السهل جدّا إبتلاع "إتفاق السلام الشامل" للحزب الشيوعي النيبالي (الماوي).
يخفق عديد الرفاق فى فهم ما يجرى فى النيبال، أو يخفقون فى إستخلاص الإستنتاجات لأنهم يكنّون قدرا كبيرا من الثقة و الإحترام لقيادات الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) و لا يفهمون لماذا هكذا رفاق سيتبنون خطّا ،موضوعيا، يخدم جهود العدوّ الطبقي فى إعادة فرض الحكم الرجعي للمجتمع. مجدّدا ، تعوّض المسألة المركزية للخطّ السياسي و الإيديولوجي بمجال النوايا الخاصّة. لا نشكّ فى أنّ رئيس الحزب براشندا و قادة آخرون للحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) يؤمنون كثيرا بالهدف الشيوعي و مقتنعون بأنّ الخطوات الحالية التى يتخذونها ضرورية ووسيلة معقدة جدّا لبلوغ هذا الهدف. و النوايا تحسب فعلا بمعنى ان سعي الرفاق لبلوغ المستقبل الشيوعي يوفّر أساسا مناسبا للنضال و سببا للإعتقاد بأنّه بالإمكان كسبهم لفهم لماذا يعتبر مسارهم الحالي ضار للغاية. و لكن من الصحيح أيضا كما قال الرفيق تشانغ تشن-تشياو، إنّ نظريات الحزب الشيوعي النيبالي (الم) بصدد طبيعة الدولة و تلخيص الثورات البروليتارية فى القرن العشرين ، وكيف تفهم الديمقراطية ،و على صعيد الفلسفة ، و نقد الحزب لمحورية "إزدواج الواحد" ،هي التى تلعب دور "العامل الحيوي " فى تغيير إيديولوجيا الحزب. و هكذا من الضرورة بمكان أن ننقد و أن ننبذ بشدّة هذه النظريات الخاطئة و دون هكذا نبذ فإنّ حتى تحوّل فى التكتيك و السياسة ،مهما كان الترحيب بهذه التحولات لن يذهب على الأرجح إلى جذور المشكل ذاتها.
ما هو نوع التلخيص الإيديولوجي المطلوب؟
ركّزت رسائلنا السابقة التى تبادلناها مع رفاق الحزب الشيوعي النيبالي (الم) ،ضمن مواضيع أخرى ، على فهم صحيح ل "الديمقراطية" و دورها فى الدولة الثورية.
ينبغى أن يكون واضحا جليا من قراءة الرسائل المتبادلة بين حزبنا و الحزب الشيوعي النيبالي (الم) أنّ الإختلافات لإيديولوجية و السياسية لا تقف عند مسألة السياسات التى إنتهجها الحزب الشيوعي النيبالي (الم) خلال السنتين الأخيرتين، و لا حتى عند النقاط الأعمّ بصدد طبيعة الثورة الديمقراطية الجديدة ، فمقال الرفيق باتاراي "الدولة الجديدة" الذى مثّل محور تركيز نقد حزبنا لأطروحاته حول "الدولة الإنتقالية" وثيق الإرتباط بتلخيص الكاتب لتجربة الثورات البروليتارية فى القرن 20 و الهزيمة التى منيت بها.
و من الممكن أن يتجنب المرء هذه المسألة بملاحظة أنّه إذا رفض الثوريون أن يرسوا دكتاتورية البروليتاريا فى المصاف الأوّل فإنه ما من سبب للخوف من الحيلولة دون هزيمتها . لكن هناك صلة حقيقية بين الإيديولوجيا و السياسة اللذان يطوّرهما الحزب الشيوعي النيبالي (الم) ك "ديمقراطية القرن21" و السياسات المأساوية التى يطبّقها الحزب الشيوعي النيبالي (الم) اليوم. بالأساس يعود هذا مرّة أخرى إلى أبجديات الماركسية: ينبغى على البروليتاريا ، بقيادة حزب سياسي طليعي،بالضرورة ،
أن تهزم جهاز الدولة القائم ،و تركّز حكمها الخاص (دكتاتوريتها الطبقية) و تستعمل سلطة الدولة لتغيير المجتمع خطوة خطوة إلى أن تضمحلّ القاعدة الطبقية نفسها ، سواء تعلّق ذلك بالظروف المادية للحياة أو بتفكير الناس. كانت هذه المسألة الحيوية لدكتاتورية البروليتاريا فى موقع القلب من الصراعات الكبرى بين الماركسية و التحريفية عبر كافة تاريخ الحركة الشيوعية العالمية ، ولا عجب من رؤيتها تطفو على السطح اليوم.
قطعا لا يمكن لمجرّد إعادة تجربة الماضي أو ببساطة إعادة رسكلة الجدالات الماضية أن تعالج مشكل كيف يمكن للثورة البروليتارية أن تنهض من أنقاض هزيمتها و تتقدّم عمليا عبر الصراع الطبقي الضاري نحو المستقبل الشيوعي. لقد حقّق أسلافنا أشياءا عظيمة بلغت قمّتها الأعلى فى الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى بقيادة ماو تسى تونغ. لكن العالم يتحرّك و فهم الإنسانية يتقدّم على جبهات متنوعة ،و ظروف العيش المادية تغيّرت و الثورة تواجه تحدّيات جديدة و غير متوقّعة. و لئن شدّدنا كثيرا على "دكتاتورية البروليتاريا" فذلك ليس لأنها من أبجديات الماركسية و إنّما لأنّ كلّ ما نفهمه من التاريخ و كلّ ما يمكننا تعلّمه من المجتمع الحديث و الصراع الطبقي يحاجج بأنّه لا وجود لوسيلة أخرى لبلوغ هدف المجتمع الشيوعي – هدف ممكن و يتناسب أكثر من أي وقت مضى مع حاجيات الجماهير الشعبية على كوكب الأرض. لقد ظلّ رئيس حزبنا يتفحّص لعدّة عقود المشكل المعضلة للتعلّم من التجربة الماضية للثورة البروليتارية بسلبياتها و إيجابياتها و طوّر تـوليفا/ تلخيصا جديدا يشير إليه ب "لبّ صلب و الكثير من المرونة". و عبّر الرفيق آفاكيان عن ذلك على النحو التالى:
" يعنى هذا التوليف/ التلخيص إعادة تفكيك و إعادة تركيب المظاهر الإيجابية لتجربة الحركة الشيوعية و المجتمع الإشتراكي إلى الآن، بينما يتمّ التعلّم من المظاهر السلبية لهذه التجربة ، فى الفلسفة و الإيديولوجيا إضافة للأبعاد السياسية لكي نحصل على توجّه و منهج و نظرة علميين أعمق و أكثر تجذّرا بشأن ليس فحسب القيام بالثورة وإفتكاك السلطة لكن أيضا ،نعم، لتلبية الحاجيات المادية للمجتمع و حاجيات جماهير الشعب ، على نحو متزايد ، فى المجتمع الإشتراكي، متجاوزين الندوب العميقة للماضى و مواصلين التحويل الثوري للمجتمع و فى نفس الوقت مساندين بنشاط الصراع الثوري العالمي و متصرّفين وفق الإعتراف بأن المجال العالمي و الصراع العالمي هما الأكثر جوهرية و أهمّية ، بصورة عامّة ، سويّة مع فتح مجال أفسح نوعيا للتعبير أمام الحاجيات الفكرية و الثقافية للناس، مفهومة بمعنى شامل،ممكّنين من إيجاد سيرورة أكثر تنوّعا و أغنى من الإستكشاف و التجربة فى حقول الحياة العلمية و الثقافية و الفكرية عامة ، زيادة على توسيع المجال أمام تنافس الأفكار و مدارس الفكر المتنوعة و أمام المبادرات والإبداع الفرديين و حماية الحقوق الفردية بما فى ذلك مجال تفاعل الأفراد مع " المجتمع المدني" بإستقلال عن الدولة ، و كلّ هذا فى إطار تعاوني و جماعي مع الإبقاء فى نفس الوقت على سلطة الدولة و تطويرها كسلطة دولة ثورية فى خدمة مصالح الثورة البروليتارية ، فى بلد معيّن و عالميا وهذه الدولة تقود وهي العنصر المحوري فى الإقتصاد و فى التوجّه الشامل للمجتمع، بينما الدولة ذاتها تتغيّر بإستمرار إلى شيئ مختلف جوهريا عن كافة الدول السابقة ، كجزء من التقدّم الحاسم بإتجاه القضاء النهائي على الدولة مع بلوغ الشيوعية على النطاق العالمي.
بمعنى ما ، يمكن قول إنّ التلخيص الجديد للتجربة السابقة للمجتمع الإشتراكي و للحركة الشيوعية العالمية على نطاق أوسع ، من جهة ، و للنقد من مختلف الألوان و من مختلف وجهات النظر لتلك التجربة ، من جهة أخرى. و هذا لا يعنى أن هذا التلخيص الجديد يمثّل مجرّد "تجميع باللصق" لتلك التجربة من جهة و للنقد من جهة أخرى. إنّه ليس دمجا إنتقائيا لهذه الأشياء لكنّه توغّل و إعادة تشكيل و إعادة تركيب على أساس نظرة و منهج علميين و ماديين و جدليين و على أساس الحاجة لمواصلة التقدّم بإتجاه الشيوعية ،حاجة و هدف إليهما لا يزال يشيرا النظرة و المنهج – و بقدر ما يكون المسك به و تطبيقه بدقّة و عمق بقدر ما يشير بصرامة إلى هذه الحاجة و هذا الهدف".(33)
و المقتطف أعلاه طريقة مركّزة لكيفية فهمنا لسيرورة القيام بالثورة و مواصلة التقدّم نحو الشيوعية. نخشى أن عوض التوغّل و إعادة تشكيل و إعادة تركيب نقد التجربة الإشتراكية و دمج ذلك مع فهم أعمق و أشمل للحاجة إلى سلطة دولة ثورية للبروليتاريا كي تغيّر المجتمع ، دون نقد شامل يتبنّى رفاق الح الش الن (الم) المواقف الإيديولوجية والسياسية لأعداء الثورة البروليتارية، و هذا بصورة خاصة حال كيف يقع تصوير "الديمقراطية" و نشرها على نحو ينزعها من إطارها التاريخي و ينزع مضمونها الطبقي ، و تعامل كغاية بدل أن تكون وسيلة و تقلّص النضال إلى نضال لأجل حقوق سياسية شكلية-ديمقراطية برجوازية. يبدو أنّ ديمقراطية القرن 21 كما يصوّرها رفاق الح الش الن (الم) أشبه بديمقراطية القرن 17 و 18 كما أعلنها لوك و روسو منها بثورة شيوعية للقرن 21 التى نحن فى حاجة إليها.
فى هذا المقال لا يمكننا أن نستعرض كافة النقاط الهامّة التى ظهرت فى تبادل الرسائل بين حزبنا و الحزب الشيوعي النيبالي (الن) أو فى مساهمات الأحزاب و المنظمات الأخرى ضمن الحركة الأممية الثورية . ولمسائل الخطّ الإيديولوجي و السياسي هذه إنعكاسات هائلة على مستقبل قضيتنا و نحن أكثر من منشغلين بكون العديد و حتى غالبية أحزاب و منظمات الحركة الأممية الثورية على ما يبدو لا تعتبر الجدال الدائر مسألة حيوية. قال رفاق الح الش الن (الم) :"أصبروا –إنتظروا و سترون". حسن ، لم نكن صبورين و لم نقم بمجرّد الإنتظار، لكن من المؤكّد جدّا أنّنا رأينا و شاهدنا. و الخطّ الإيديولوجي و السياسي الذى تبنّاه الح الش الن (الم) يوضع موضع الممارسة و النتائج الأولى يمكن ملاحظتها الآن. و بالتأكيد ستتلو حتى نتائج أكثر مأساوية و كارثية إلاّ إذا وجدت قيادة الحزب التوجّه و صمّمت على رسم طريق مغاير ،و بصفة جوهرية ، طريق مناقض. يبذل الح الش الن (الم) جهودا لإقناعنا بأنّ نظريتهم مصدرها ممارستهم، و نحن نرى العكس.النظرية ، الخطّ قد سبق الممارسة و قادها كما يجب أن يكون الأمر بالفعل. ففى 1996 ، تبنّى الح الش الن (الم) للماوية و بالخصوص لنظرية الثورة الديمقراطية الجديدة و حرب الشعب هما اللذان سبقا و أعدّا الإنطلاق فى حرب الشعب العظيمة فى النيبال و ظلّ الخطّ المهيمن و المحدّد خلال عقد من النضال البطولي. و للأسف ، اليوم تسبق و تشكّل و تقود ممارسة الحزب نظرية خاطئة للنضال من أجل "دولة إنتقالية" تسبح فى مكان ما بين الديمقراطية الجديدة للبروليتاريا و الديمقراطية البرجوازية ( فى شكلها الخاص فى البلدان شبه الإقطاعية و شبه المستعمرة ) .
ما هو ضروري الآن بالنسبة للحركة الأممية الثورية هو أن تنهض حقّا بمسؤولياتها الإستعجالية و أن تكون فعلا مركز القوى الماوية العالمية الذى يحتاج إليه العالم بصفة ملحّة جدّا و أن تمثّل الأمميين البروليتاريين الصرحاء كما نعلن عن ذلك. و اليوم يتمحور هذا النضال حول الصراع من أجل إنقاذ الثورة فى النيبال. هذه معركة غاية فى الأهمية كجزء من سيرورة أكبر هي سيرورة إنقاذ المشروع الشيوعي بالطريقة الوحيدة التى يمكن بها إنقاذه ، بمواجهة المسائل الإيديولوجية و السياسية للثورة فى القرن 21 ، متجرّئين على البحث و إعادة البحث فى مفاهيمنا و فهمنا و صياغة حلّ لمشاكل الإنسانية. لقد أقنعتنا خطواتنا الخاصة فى هذه السيرورة ، أكثر من أي زمن مضى، بحيوية الثورة الشيوعية و ضرورتها. و الدرس العظيم للعقد من حرب الشعب فى النيبال هو أنّه من الممكن ، حتى فى وضع عالمي غير موات عموما و فى بلد صغير ، قيادة الجماهير لتتحرّر من نظام تهيمن عليه الإمبريالية و الرجعية و بالقيام بذلك يتمّ تحفيز سقوط ذلك النظام الإمبريالي العالمي. الثورة فى النيبال شأنها فى ذلك شأن أية ثورة حقيقية ، فى منتهى التعقيد و الغنى و الصعوبة و التقدّم من خطوة إلى أخرى ليس بالأمر اليسير. المهمّ هو العودة إلى الطريق الصحيح و إستعمال الفهم الأكثر تقدّما و صحّة لقيادة الثورة إلى الأمام.
الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية .
19 مارس 2008
----------------------------------------------------------------------------------------
الهوامش :
1- أنظروا مقال رئيس الحزب براشندا ،" مدخل مقتضب لسياسات الحزب الشيوعي النيبالي (الم) " " العامل " عدد 9 :
" فى الإطار المعطى للأيديولوجيتين و الجيشين و الدولتين فى البلاد ، فإنّ الحزب يمكن أن يقبل بتسريح الجيشين و تنظيم إنتخابات للمجلس التأسيسي فى ظلّ مراقبة منظمة الأمم المتحدة و منظمات حقوق الإنسان العالمية".
2- وضع دهن أحمر على الجبين بالنسبة للرجال بوجه خاص عادة هندوسية.
3- مثلا ، فى النقاش حول الخطّ الإنتهازي اليميني فى البيرو ، لم يقبل حزبنا بالرفض القطعي لإمكانية المفاوضات و صارعنا الذين أدانوا وقف إطلاق النار و مفاوضات الح الش الن (الم) السابقة. و يستحق إعادة التذكير أنه بعد ذلك جرت مهاجمتنا على أساس هذه المواقف ، بما فى ذلك من الذين هم الآن ضمن أشدّ المدافعين عن الح الش الن (الم).
4- بالطبع ،أي نقاش من هذا الصنف ينزل بسرعة إلى تـأويل لأنه من غير الممكن معرفة كيف كان الوضع بالنيبال سيتطوّر لو أنّ الح الش الن (الم) قد ظلّ ممسكا بصلابة بالمسائل الحيوية السياسية و الإيديولوجية.
5- كارل ماركس " الثامن عشر من بروماير لويس بونبرت" ، الفصل 7، ص122.
6- كيفية تلخيص كمونة باريس موضوع نقاش هام بين الشيوعيين الثوريين و مختلف أرهاط الإصلاحيين و الفوضويين. سنلاحظ فحسب أنّ مقال "الدولة الجديدة" هو إستمرار لتقليد إساءة إستعمال تجربة كمونة باريس ضد الدروس الفعلية التى إستخلصها ماركس و إنجلز حينها- الحاجة إلى مزيد من الصراع الحيوي و الصريح و دكتاتورية البروليتاريا.
7- قرار اللجنة المركزية فى أكتوبر 2005 . " غضّ النظر عن الضرورة التاريخية لتفكيك و نزع سلاح الجيش الملكي الذى كان يدافع عن النظام الملكي المطلق بسحق حركة الشعب الديمقراطية و مكاسبها منذ 250 سنة . عموما، و خاصة خلال العقود الستّة الماضية، صار يتحرّك فى دائرة الإقطاعية و الإمبريالية. فى التاريخ لم تركّز أية جمهورية أبدا دون تفكيك و إلحاق الهزيمة بالجيش الخاضع للنظام الملكي و النيبال لا تستطيع أن تكون إستثناءا..."
8- يهمّنا مزيد المعرفة بتجربة الإنتخابات التى نظمت فى ظلّ سلطة الحكم الذاتي لجمهورية ماغارات، بما فى ذلك قرار الح الش الن (الم) السماح لأحزاب سياسية أخرى بالمشاركة و قد شارك بعضها على النطاق المحلّى. فى محافظة ، هُزم الحزب ممّا دفع الحزب بأسره إلى دراسة أسباب عدم رضا الجماهير. لكن هنا من الهام التشديد على أنّ البون شاسع للغاية بين هذه التجربة فى ظلّ نظام حكم (دكتاتورية طبقية) بقيادة الحزب و الإنتخابات المتعدّدة الأحزاب المنظّمة فى ظلّ دكتاتورية الطبقات المستغِلّة.
9- " النجم الأحمر" عدد2 ، 1-15 جانفى 2008 ، مقال مبعوث من قبل من حدّد على أنّه عضو باللجنة المركزية للح الش الن (الم).
10- أنظروا بصفة خاصة المألّف الشهير "فانشان " لوليام هنتون ، " قصّة حركة الإصلاح الزراعي فى قرية صينية".
11- أشار لينين فى أعماله المختارة ، ضمن "تطوّر الرأسمالية فى روسيا" ( المجلّد 3 ،المنشور أوّل مرّة فى 1905) إلى أنّ الإنتاج البضائعي الصغير لفلاح حرّ يوجد أرضية خصبة للتطوّر الرأسمالي السريع.
12- "الدولة و الثورة" ، دار التقدّم موسكو، بالعربية ،صفحة 42.
13- الرفيق غوروف ، "النجم الأحمر "عدد2 ، 1-15 جانفى 2008.
14-فى الواقع، المدافعون عن "التحوّل السلمي نحوالإشتراكية" لم ينكروا أبدا أنّ القوّة يمكن أن تصبح ضرورية من قبل "الأغلبية المنتخبة شرعيا " ضد الذين قد يرفضوا القبول بإرادة الشعب.
15- ركّز نظام المؤتمر الوطني الأفريقي ما بعد الأبرتايد /الميز العنصري فى جنوب أفريقيا ما بات عادة يروّج له كأكثر الدساتير ديمقراطية و حافظ على حق الأقلية الصغيرة من المستغِلين البيض فى الحفاظ على ملكيتهم.
16- نرى، فى دراستنا للمفاوضات فى علاقة بالبيرو، الإختلاف الجوهري بين " التفاوض من أجل القتال" و "القتال من أجل التفاوض". بعبارات أخرى ، كلّ من الإستراتيجيا الثورية و التحريفية أبقيا مجالا للتكتيكين من القتال و التفاوض( و عديد الأشكال الأخرى من النشاط الشياسي كذلك). لكن من منظور ثوري ، إستراتيجيا التحطيم التام للدولة الرجعية القديمة يقود و يحدّد متى و كيف يصبح تكتيك التفاوض و المساومات ضروريا.
17- أنظروا " الرسالة المفتوحة إلى الحزب الشيوعي الفليبيني" منذ 1987 ، نشرت فى "عالم نربحه" عدد8 وهي تحلّل هذا الخطّ بكثير من التفصيل.
18- يمكن العثور على تقارير من مؤسسة ذات سلطة كبرى مموّلة من طرف الإمبريالية فى موقع بالأنترنت هو :
www.Crisisgroup.org
19- إتفاق ال12 نقطة ( نوفمبر 2005) إتفاق سياسي بين الح الش الن (الم) و تحالف الأحزاب السبع من الأحزاب الرئيسية للبرجوازية ، و قد تطوّر لاحقا إلى الإتفاق السياسي الشامل (نوفمبر 2006).
20- وُجد كذلك خطأ سياسي جدّي فى رؤية الصراع على انّه بالأساس صراع بين الفاشية و الديمقراطية البرجوازية ممّا ساعد إيديولوجيا على نزع سلاح الشيوعيين و إيجاد قاعدة للخطإ ذاته الذى نناقش . أنظر بوب آفاكيان "كسب العالم" فى موقع الحزب الشيوعي الثوري على الأنترنت.
21- يناقش "كسب العالم" هذه المسائل نقاشا عميقا.
22- كان الح الش الن (مركز الوحدة) هو التنظيم الذى تحوّل إلى الح الش الن (الم) فى 1994.
23- أنظروا ، مثلا، مقال الرفيق بانتا حول "البعد العالمي لطريق براشندا" فى "العامل" عدد 10.
24- "النجم الأحمر" عدد5 ، مارس 2008.
25-"أخبار عالم نربحه" ، 11 فيفري 2008.
26- "النجم الأحمر" عدد4 ، 16-29 فيفري2008.
27- الرفيق كيران. "المجم الأحمر" عدد 4 ، 16-29 فيفري2008.
28- مقال رفاق من الحركة الأممية الثورية يذكر :" الثلاث صراعات الكبرى على الجبهة الفلسفية الصينية"."إزدواج الواحد" يفهم بطريقة صحيحة على أنه طريقة مقتضبة للتعبير عن قانون وحدة و صراع الأضداد، و يشمل كلا مظهري وحدة الأضداد: أوّلا ، كون مظهري التناقض يشترط كلآّ منهما الآخر و يتعايشان فى ذات السيرورة ، و ثانيا ، كون فى ظروف معينة يتحوّل المظهران كلّ إلى نقيضه (المظهر الأهمّ). فى " فى التناقض" ، يشرح ماو أنّ التعايش و الإشتراط المتبادل للضدّين يتناسب مع تغيير كمّي ( "سكون نسبي") و تحوّل المظهرين كلّ إلى نقيضه – إلى تغيير نوعي ، القفزة التى من خلالها يغدو المظهر الثانوي مظهرا رئيسيا و العكس بالعكس (تبدّل ملحوظ). كلا المرحلتين سيرورتان لصراع الأضداد و بالتالى هناك سيرورات فيها "إزدواج الواحد"، لكن فى ظروف و لحظات مختلفة. يلخّص ذلك ماو كما يلى: إنّ الأشياء تتحول على الدوام من الشكل الأوّل إلى الشكل الثاني بلا إنقطاع بينما صراع الضدين موجود فى كلا الشكلين و يتمّ حلّ التناقضات بواسطة الشكل الثاني . لذلك نقول إنّ إتحاد الضدين مشروط و مؤقت و نسبي ، بينما الصراع بين ضدين متعارضين مطلق."
29- بالطبع ، إنّ كان الفهم خاطئا أو إحادي الجانب ، من الصحيح نقده حتى و إن صاغه أعظم قادتنا. و مع ذلك ،مبدأ "إزدواج الواحد" كقانون جوهري للجدلية صحيح و يجب التمكّن منه و تطبيقه و ليس نبذه.
30- قرار اللجنة المركزية فى أكتوبر 2005: " ما أوضحته هذه النقاشات و التفاعلات هو أن الرفيق لا لالدهوج و رفاق آخرون لم يكونوا يعملون من أجل الإنشقاق ، و لم يبق خلاف أساسي حتى و إن وُجدت خلافات فى التشديد و فى زاوية النظر إلى بعض المسائل المرتبطة بالإيديولوجيا و ذات الطابع الطويل الأمد، و بقي نوعا مشابها من التفكير حول التكتيك ضد النظام الملكي المطلق ، و إستطاع الحزب أن يتقدّم متحدا أكثر فى اللحظة الحسّاسة من التاريخ بالنقد و النقد الذاتي ، شفاهيا و كتابيا ،و نقاط الضعف ظهرت نتيجة شكوك فى الماضى".
31- "مجلّة بيكين" ،1976.
32- من تقرير "المؤتمر الوطني العاشر للحزب الشيوعي الصيني " المتبنّى فى 28 أوت 1973.
33- بوب آفاكيان ، "القيام بالثورة و تحرير الإنسانية" 2007 ، متوفّر على الأنترنت .

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
رسالة الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية
إلى الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) و كافة أحزاب و منظمات الحركة الأممية الثورية.
( 4 نوفمبر 2008)
الرفاق الأعزّاء ،
فى 19 مارس 2008، بعث حزبنا رسالة إلى رفاق الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) و كذلك إلى الأحزاب و المنظمات الأخرى المنتمية إلى الحركة الأممية الثورية معبّرين عن عميق إنشغالنا للتوجّه السياسي و الإيديولوجي للحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) و النهج الذى إتبعه خلال السنوات الثلاث الماضية. والنقطة المركزية لتلك الرسالة كانت قناعتنا بأنّه بالرغم من النضال العظيم و التضحيات الجسام للعشر سنوات من حرب الشعب و مكاسبها العظيمة ، فإنّ نظام الدولة المركّز و المعزّز فى النيبال ليس نظام الديمقراطية الجديدة، الشكل الخاص لدكتاتورية البروليتاريا المناسب فى البلدان المشابهة للنيبال، وإنّما هو بالأحرى دولة برجوازية ، "جمهورية ديمقراطية فيدرالية" ستحفظ و تقوّى علاقات الإنتاج الرأسمالية و شبه الإقطاعية القائمة و المهيمنة فى النيبال.
سيتمّ تحطيم جيش التحرير الشعبي عبر "الإدماج" صلب جيش الدولة الرجعية و/ أو يتمّ حلّه بطرق أخرى، و الأرض التى وزّعتها الثورة على الفلاحين ستُعاد إلى الملاكين السابقين و يجرى إعتبار القوى الإمبريالية الغربية و الدول الرجعية مثل الصين و الهند أصدقاءا كبارا للشعب النيبالي، و تُقدّم إقتراحات نظرية مدهشة على غرار "الدكتاتورية المشتركة للبروليتاريا و البرجوازية"(1) . و عوض المحاججة من أجل برنامج التقدّم بالثورة ، دافع قادة الح الش الن (الم) و موظفو الحكومة بصوت عال عن مواقف و سياسات تذهب بجلاء ضد مبادئ الثورة البروليتارية و مصالح الجماهير فى النيبال و حول العالم إلى درجة أنّ كلّ شيوعي حقيقي تتملّكه الدهشة و يتملّكه الحزن و الغضب لسماعها على لسان رفاق من حركتنا.
نعم ، لقد إستمعنا إلى تطمينات من البعض بانّ كلّ هذا ليس سوى "دولة إنتقالية " يمكن تحويلها إلى دولة شعبية حقيقية- أو قيل لنا أحيانا ليس هذا سوى لعبة "لخداع العدوّ" بينما نواصل إعدادات دفع الثورة نحو نهاية مظفّرة. بيد أنّ فى الواقع ،كلّ خطوة تتمّ فى هذا المسار تجعل من الأصعب إيديولوجيا و سياسيا و تنظيميا و عسكريا العودة إلى الطريق الثوري. و اليوم ، عدد أكبر من الشيوعيين ، فى النيبال و غيرها من الأماكن ، يتوصّلون إلى الإعتراف بحقيقة أن قيام "الجمهورية الديمقراطية الفيدرالية" ليست "جسرا" نحو تحقيق الأهداف الشيوعية و إنّما هي خطوة عملاقة إلى الوراء ،بعيدا عن الثورة و بعيدا عن مكاسب حرب الشعب، و خطوة عملاقة نحو إعادة تعزيز قوية لموقع النيبال فى النظام العالمي الإمبريالي الرجعي.


المشكل هو خطّ الحزب :
من الممتاز أن عديد الرفاق الآن إستنفروا لمّا أدركوا بالمشاهدة و التمحيص الهوّة السحيقة التى تسقط فيها الثورة فى النيبال. و المسألة هي معرفة كيف بلغت الأمور هذا المبلغ و الأهمّ ما يلزم لقلب جوهري لهذا المسار و إنقاذ ثمار الثورة فى النيبال التى يقع تحطيمها الآن بسرعة. إنّ الوضع الحالي ليس عرضيا ، ليس مجرّد مبالغة فى تكريس سياسة صحيحة بطريقة أخرى، ليس مجرّد "مناورة نحو اليمين" يمكن بسهولة إصلاحها ب" مناورة نحو اليسار" لاحقا.والعرض القائم حاليا للتعاون الطبقي نتيجة مباشرة لخطّ إيديولوجي و سياسي قاد الحزب فى الفترة الأخيرة، لا سيما بإعتبار أنّ الهدف المباشر للحزب حُدّد فى تركيز " دولة إنتقالية " أي جمهورية ديمقراطية برجوازية.(2)
و المهمّة المباشرة التى تواجه كافة الشيوعيين الذين تعزّ على قلوبهم الثورة فى النيبال هي نبذ الخطّ الخاطئ للح الش الن (الم) و النضال ضد هذا الخطّ. و مرّة أخرى سنستشهد بكلمات ماو تسى تونغ :" إذا كان الخطّ خاطئا فإن سقوطنا حتمي ، حتى مع التحكّم فى القيادة المركزية و المحلّية و الجيش. و إذا كان الخطّ صحيحا ، حتى إذا لم يكن لدينا جندي واحد فى البداية سيوجد جنود، و حتى إذا لم تكن لدينا سلطة سياسية سنكسب السلطة السياسية. و تنبع هذه الحقيقة من التجربة التاريخية لحزبنا و التجربة العالمية للحركة الشيوعية منذ ماركس...جوهر المسألة هو الخطّ. هذه حقيقة لا يمكن دحضها".(3)
و اليوم مسألة التوجّه المستقبلي للنيبال موضوع صراع فى مجال الخطّ السياسي و الإيديولوجي. لئن إنتصر خطّ شيوعي ثوري صحيح داخل الحزب ، فإن طاقة الشعب و طموحاته التى أطلقت لها العنان حرب الشعب يمكن أن تدفع إلى الأمام و تقاد، و هناك إمكانية حقيقية لكسب إنتصار عبر البلاد و فسح المجال للإشتراكية. و بالعكس ،إن لم يقع نبذ الخطّ الحالي لقيادة الح الش الن (الم) ، فإن هذه الفرصة الكبرى للشعب فى النيبال و للحركة الشيوعية بصفة أوسع ستذهب أدراج الرياح. لسنا فى موقع التفكير فى أو إقتراح خطوات تكتيكية معيّنة و لا نرى ذلك كدور بإمكان الرفاق فى الحركة العالمية أو من واجبهم النهوض به. علينا جميعا تركيز إنتباهنا على المسائل الكبرى للخطّ الإيديولوجي و السياسي و ليس على مسائل ثانوية للتكتيك أو ما يسمىّ ب"المناورة". و بأكثر جوهرية يعنى هذا إعادة التأكيد على الخطّ الإيديولوجي و السياسي و السياسات الخاصّة ، أي أنّه يجب على الثورة فى النيبال أن تبحث عن إرساء علاقات إجتماعية فى البلاد كجزء من السيرورة العالمية برمّتها التى عبرها ستقع الإطاحة بالنظام العالمي الرأسمالي-الإمبريالي و تعويضه بالإشتراكية و فى النهاية بالشيوعية. نعم، ينبغى على الثورة فى النيبال أن تمرّ عبر المرحلة الإنتقالية من الديمقراطية الجديدة إلاّ أن غاية الثورة الديمقراطية الجديدة هي على وجه الضبط مرحلة إنتقال إلى الإشتراكية و ليس نحو تسريع الرأسمالية فى النيبال و مزيد الإندماج فى النظام الإمبريالي العالمي.(4)
مثّلت هذه النقطة الأساسية -الحاجة إلى المحافظة على هدف و توجه النضال من أجل الديمقراطية الجديدة و عدم تعويضه بهدف ديمقراطية لاطبقية و "نقية" (التى لا يمكن إلاّ أن تعني الديمقراطية البرجوازية، سواء كانت أم لم تكن فيدرالية أونسبية )- الموضوع الأهمّ لرسالتنا إلى الح الش الن (الم) فى أكتوبر 2005 والتى ردّ عليها هذا الأخير معتبرا إياها "أبجديات الماركسية" لا أهمية لها لتحليل المسائل الخصوصية للتكتيك و السياسة التى يواجهها الحزب. لكن هذه "الأبجديات " أو بصيغة أصحّ ،هذه الحقائق الأساسية للماركسية ، و التى أكّدتها سيرورة النضال الثوري لأجيال عبر العالم ، تظلّ حاسمة فى نجاح أو فشل الثورة و التخلّى عن هذه الحقائق الأساسية من قبل قيادة الح الش الن (الم) هي التى تقود الثورة على منحدر.
الديمقراطية الجديدة و الإشتراكية هي الجسر فى الطريق نحو الشيوعية :
تتطلّب الديمقراطية الجديدة دكتاتورية مشتركة للطبقات الثورية فى ظلّ قيادة البروليتاريا و طليعتها أي شكلا خاصا من دكتاتورية البروليتاريا مناسبا لمرحلة الثورة الديمقراطية. و بينما يعترف نظام الديمقراطية الجديدة بمصالح البرجوازية الوطنية و يحرسها، فإنه يستهدف كأعداء الرأسماليين الكمبرادوريين و البيروقراطيين الذين هم فى النهاية ،الشكل المهيمن للرأسمالية فى النيبال. فى سياستها الدولية ، تقف الديمقراطية الجديدة إلى جانب الجماهير الشعبية المناضلة ضد الإمبريالية و الرجعية و تعارض النظام الإمبريالي العالمي. وإقتصاديا، كما وضع ذلك ماو ، الديمقراطية الجديدة " تفسح المجال للرأسمالية " لكنها " تفسح المجال للإشتراكية على نحو أوسع حتى" بالتركيز السريع لملكية الدولة على تلك القطاعات التى كانت تهيمن عليها الإمبريالية و الدول الرجعية الحليفة و البرجوازية البيروقراطية –الكمبرادورية و العناصر الإقطاعية . وفى الريف ، ، تعنى الديمقراطية الجديدة التركيز الشامل و الثوري "للأرض لمن يفلحها" بتعبئة الجماهير المضطهَدة من الفلاحين و التعويل عليها. و ثقافيا، تعنى الديمقراطية الجديدة إستنهاض الجماهير و إطلاق العنان لطاقاتها لتجتث تماما المؤسسات المتخلفة مثل ميز الكاست و زواج الأطفال و إضطهاد النساء و إضطهاد القوميات و ما إلى ذلك. و بالفعل ، تعنى الديمقراطية الثورية على النطاق الوطني ، تلك التغييرات التى شرع فى إحداثها الحزب فى مناطق الإرتكاز.
و تمثّل كافة مظاهر نظام الديمقراطية الجديدة شيئا مختلفا بصورة بيّنة عن الديمقراطية البرجوازية. فالديمقراطية البرجوازية تقبل بالنظام الرأسمالي فى بلد معطى و عالميا. إنها توفّر "حقوقا متساوية" (خاصة حق الإنتخاب) لكلّ إمرء فى إطار نظام الملكية و علاقات الإنتاج القائمين. و ستبحث الديمقراطية البرجوازية على الدوام على فكّ تعبئة الجماهير و معارضة و قمع جهودها للدفاع عن مصالحها الخاصّة. و نعلم أنّ فى بلد مثل النيبال، الحكم البرجوازي مهما كان "ديمقراطيا" فإنه لا محالة يعنى درجة كبرى من المساومة مع العلاقات شبه الإقطاعية ، كما رأينا بوضوح شديد فى الجارة الهند. و يعنى "حكم القانون البرجوازي" المركزي بالنسبة للديمقراطية البرجوازية أنّ حكومة الموظّفين تصبح فى خدمة القانون البرجوازي و تعزّزه.أليس هذا درسا هاما يستخلص من " قضية يادوف" لمّا إستقال الرفيق ماتريكا يادوف ، وزير الح الش الن(الم) للإصلاح الزراعي و التهيئة الترابية فى الحكومة الجديدة ، بعد رفضه القبول بإستعمال عنف الدولة لطرد الفلاحين من الأرض التى كانت قد وزّعتها عليهم الثورة؟(5) و هذا يبيّن بوضوح تام كيف أن الحكومة ليس بوسعها أن تفعل سوى العمل فى خدمة علاقات الإنتاج و العلاقات الإجتماعية الرجعيين ، و هذا مثال جيّد يشرح رؤية ماركس أن " الطبقة العاملة لا تستطيع أن تكتفي بالإستيلاء على آلة الدولة جاهزة و أن تحركها لأهدافها الخاصّة " ...لكن يجب أن "تحطمها" و تركّز دولتها الخاصة.(6)
و اليوم يحتدّ الخيار أمام الحزب و الجماهير كخيار بين "الجمهورية الشعبية" و الجمهورية البرجوازية ( فى شكل "جمهورية ديمقراطية فيدرالية") ، و من الأساسي بالنسبة للشيوعيين ذاتهم أن يكونوا واضحين بصدد المعنى الجوهري لهذين النوعين المتعارضين من الدول. و من المهمّ أن نكون حذرين كذلك تجاه أن ذات مفهوم "الجمهورية الشعبية" ( أو الجمهورية الديمقراطية الجديدة) تحدث فيه شروخ و يقلّص إلى مجرّد شعار مختلف للجمهورية الديمقراطية البرجوازية . و من المهمّ أن نستوعب بصلابة أن جمهورية الديمقراطية الجديدة يجب أن تكون جزءا من الثورة البروليتارية العالمية و أنّه يجب عليها أن تكون مرحلة إنتقالية إلى الإشتراكية فالشيوعية.
و لا ينبغى أن يظلّ هذا الهدف فى مستوى إعلان و إعتراف فارغين. علينا أن لا ننسى أن حتى أكثر الرأسماليين الوقحين فى الصين لا يزالون يتخفّون وراء راية الحزب "الشيوعي". و يقتضى إتباع نهج الطريق الإشتراكي فهما واضحا لما تعنيه فعلا الإشتراكية و الشيوعية. و لا يتعلّق الأمر ب "تحسين الديمقراطية" على نحو مطلّق عن الصراع الطبقي.(7)إنه يتعلّق بتحقيق مجتمع خال من الإختلافات الطبقية عبر تجاوز "الأربعة كلّ" التى تحدّث عنها ماركس و التى إنتشرت شعبيا إبّان الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى. كتب ماركس أنّه على الثورة الشيوعية أن تهدف إلى إلغاء كلّ الطبقات و الإختلافات الطبقية عموما و كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها ،و كلّ العلاقات الإجتماعية المناسبة لها ، وكلّ الأفكار التى تنتج عن هذه العلاقات الإجتماعية.
ووسيلة ضمان هذا الإنتقال من حقبة إجتماعية إلى أخرى هي دكتاتورية البروليتاريا. فقط إذا كانت الدولة بصرامة بأيدى البروليتاريا قائدة لتحالف مع الطبقات الثورية الأخرى سيكون من الممكن صيانة مصالح الجماهير ، مثلما شاهدنا على إمتداد كافة سيرورة حرب الشعب. و إذا كانت الدولة بأيدى جماهير البلاد بقيادة الحزب الطليعي الذى يمتلك وضوحا بشأن هدفه، فإن التغييرات الأولية المنجزة فى مناطق الإرتكاز يمكن أن تتعزّز عبر البلاد و أهمّ ، يمكن إستعمال سلطة الدولة هذه للشروع فى السيرورة المديدة و العسيرة لكن المحرّرة حقّا ، سيرورة تغيير العلاقات الإقتصادية و الإجتماعية صلب الشعب بإتجاه الإشتراكية و الشيوعية.
الموضوع الجوهري فى النقاش حول شكل الحكم الشعب يتلخّص فى : ما هو الدور الذى يجب أن يعطى لتنافس الأحزاب السياسية؟ كيف يمكن ضمان حقوق الجماهير فعليا و ليس فى الكلام فحسب؟ كيف يمكن للثورة أن تفعّل كافة العوامل الإيجابية فى المجتمع كي تتقدّم؟ و نعم، وجدت أخطاء جدّية فى تاريخ الحركة الشيوعية فى هذا المضمار ،رغم أن حزبنا لا يقبل بالنفي الوحيد الجانب للتجربة السابقة للحركة الشيوعية التى هزمتها البرجوازية العالمية و لسوء الحظّ ، نجد صدى هذا النفي لدي الح الش الن (الم) . بيد أنه ثمّة أمر أكيد هو أنه سيكون من المستحيل التطرّق للمسائل الحقيقية بطريقة صحيحة إلاّ إذا فهم الرفاق مرغوبية و إمكانية بلوغ نوع مختلف كلّيا من المجتمع ( الإشتراكية و الشيوعية). و بالتالى الحاجة إلى دولة تعمل كأداة لإنجاز هذا التغيير، خطوة خطوة و فى إرتباط بجماهير العالم بأسره.
إذا كان جوهر الدولة دكتاتورية البروليتاريا الثورية ، إذا فُهم أنّها أداة للإجتثاث التام للمجتمع الطبقي و كلّ الآفات الناجمة عنه، حينئذ و فقط حينئذ سيكون من الممكن الإجابة عن سؤال ما نوع الديمقراطية اللازمة و أي أشكال قد تتخذ. و من جديد ، تعلّمنا قضية يادوف مسألة ماذا عن حقوق الفلاحين فى إمتلاك الأرض التى يفلحونها؟ هذه الحقوق لا قيمة لها فى مملكة "الديمقراطية النقية".و أين هي سلطة الدولة التى ستدعم حقوق الفلاحين ،حتى و إن إعترف بها شكليا؟ لكن هذا ليس فقط مسألة أي طبقات ستتمتّع بالديمقراطية فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا و اية طبقات مستهدفة من هذه الدكتاتورية. بمستطاع دكتاتورية البروليتاريا و يتعيّن عليها كذلك أن تضمن الحقوق الديمقراطية لهؤلاء المثقفين و فئات أخرى من الطبقات الوسطى، التى تتموقع طبقيا بين الجماهير و الطبقات المستغِلة و التى تنزع نحو تعزيزأوهام الديمقراطية "النقية".
و أهمّ ، فى مجتمع يتقدّم حقيقة على الطريق الإشتراكي ، من الممكن و الضروري إطلاق العنان للفكر النقدي ضمن المثقفين و غيرهم و الترحيب بالنقد الذى ستقوم به هكذا قوى للمجتمع الإشتراكي و الحكم البروليتاري، بروح تطبيق الديناميكية التى سمّاها بوب آفاكيان "اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة". وفى الواقع خنق الإختلاف فى الرأي و غياب الحقوق و تبليد الذهن البيروقراطي ميزة من ميزات الحكم التحريفي ( و حتى نظرة سريعة على الصين المعاصرة تدلّل على ذلك بسهولة) .و المجتمع الإشتراكي الذى ينبغى أن يشيده الشيوعيون سيكون أكثر نشاطا بالنسبة للجماهير و للمثقفين من أية مجتمعات رجعية فى عالم اليوم، سواء كانت "ديمقراطيات ليبرالية " كالهند أو الولايات المتحدة أو السجون التحريفية كالصين أو كوريا الشمالية.
تمثّل كلّ دولة دكتاتورية تقودها طبقة معيّنة ( فى تحالف مع طبقات أخرى) و تتطلّب كلّ دولة نوعا خاصا من الديمقراطية يتناسب مع مصالح الطبقة الحاكمة و نوع المجتمع الذى تبنيه. لهذا شدّد لينين عن صواب على أنّ دكتاتورية البروليتاريا مليون مرّة أكثر ديمقراطية من أكثر الديمقراطيات البرجوازية الليبرالية. والمسألة الحيوية هي ديمقراطية لمن و بأي هدف؟ ما نحتاج إليه هو ديمقراطية ضمن أوسع صفوف الجماهير و دكتاتورية على عدد صغير من المستغِلِّين ، ديمقراطية تحفّز طاقة المجتمع و تستنهض جميع المظاهر المتنوعة و المتناقضة التى يمكن أن تساعد على دفع المجتمع على الطريق الإشتراكي صوب الشيوعية. نوع الدكتاتورية و نوع الديمقراطية التى نحتاج إليها هي تلك التى تعكس الحقيقة التى توصل إليها لينين حين قال تنبجس الشيوعية من"كلّ المسام". لسنا بحاجة إلى غطاء فارغ من الديمقراطية البرجوازية حيث الطبقات المستغِلّة و نظامها الإقتصادي-الإجتماعي تعيّن حدود الحياة و الخطاب السياسيين و يجعل من مشاركة الجماهير فى السياسة إنتخاب أو مسيرة مناسباتيين.(8)
معجزة الإنتخابات ؟
أكثر الأحداث دلالة و الذى جدّ منذ بعثنا رسالتنا فى 19 مارس 2008 كان إنتخابات المجلس التأسيسي و ظهور الح الش الن (الم) كأكبر حزب فى البلاد و ما تبع ذلك من تشكيل للحكومة يرأسها الرفيق براشندا.
و قد وصف أحد الرفاق من الح الش الن (الم) بأنّه "معجزة إنتخابية" و بالفعل نحن أنفسنا ، مثل عديد الملاحظين الآخرين فاجأتنا النتائج.
كتبنا فى رسالة 19 مارس : " إنّ النتيجة الممكنة أكثر هي أن يمنى الح الش الن (الم) بهزيمة "عادلة" فى الإنتخابات. .. و لو توصّل الحزب ،و هذا مستبعد جدّا ، لإحتلال المواقع المفاتيح فى الحكومة عبر هذه السيرورة الإنتخابية ، فإن التحالف اللازم و الوقوع ضمن المؤسسات السياسية البرجوازية إلى جانب "المجتمع الدولي" سوف تضمن عدم حصول إنتقال للسلطة للبروليتتريا و الطبقات المضطهَدة و لن توجد قاعدة للدولة لإنجاز التحويل الثوري للمجتمع."
ما توقعه حزبنا على أنه "مستبعد جدّا" أي ظهور الح الش الن (الم) كحزب يقود الحكومة ، تحقّق فى الواقع.
كنّا على خطإ فى تقديم تنبّئ خاص عن نتائج الإنتخابات فى رسالتنا السابقة. و لم يتبيّن أن هذا التنبّئ خاطئ فحسب بل أضعف النقطة الجوهرية و الصحيحة التى صغناها فى تلك الرسالة بما فى ذلك فى الفقرة التى أتينا على ذكرها- أن سيرورة المجلس التأسيسي لا يمكن أن تفضي إلى إنتقال سلمي للسلطة إلى البروليتاريا و الجماهير فى النيبال و من ثمة ستصبغ الشرعية
على الدولة البرجوازية الرجعية . تقديم تنبئ ، لا يهمّ إن تبيّن أنّه خاطئ أو صحيح ، يغذّى البراغماتية ذاتها التى هي مشكل هام فى الحزب فالحكم على التكتيك و السياسة بما إذا كانت "تعمل" ( أو تبدو أنها تعمل) بدلا من إذا كانت تتناسب مع الأهداف الجوهرية.
"الفترة النيابية" التى تحصّل عليها الحزب عبر انتخابات المجلس التأسيسي ليست تفويضا بإتمام الثورة الديمقراطية الجديدة. و بينما من الصحيح أن الجماهير الثورية فى النيبال إنتخبت الح الش الن (الم) تعبيرا منها عن الحبّ و الإحترام الذى إكتسبهما خلال حرب الشعب، فإن التعاطى المختلف للبرجوازية و الإمبرياليين و الهند مع الح الش الن (الم) لا يصدر عن خوضه حرب الشعب بل عن إيقافه لها. واي دعم من الطبقات الوسطى و غيرها للحرب على هذه القاعدة ( إيقاف حرب الشعب ) لن يدفع أكثر الحزب نحو إتمام الثورة بل سيعمل على كبحها.
" بدون جيش شعبي لن يكون هناك شيئ للشعب ":
تغيّر شكل الدولة من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري ، لكن هذا لا يمثّل إتماما للثورة الديمقراطية الجديدة. أبعد ما يكون عن ذلك. تمثّل الدولة الحالية تحسينا للدولة الرجعية القديمة، مجرّدة من لباسها الملكي ، و هذا صحيح بغضّ النظر عن الحزب السياسي الذى يوجد على رأس الدولة- هذا موضوع تناولناه مطوّلا فى رسالة 19 مارس 2008. إنّ نظام الدولة الجديد هذا هو موضوعيا إستمرار و تحسين للدولة القديمة و بما هو كذلك لا خيار أمامه سوى تعزيز العلاقات الإقتصادية و الإجتماعية الرجعية القديمة ، و ليس بإمكانه أبدا أن يكون وسيلة لتحطيمها. و فى نفس الوقت وقع حلّ هياكل السلطة ذاتها التى ركزتها حرب الشعب لخدمة مصالح جماهير الشعب. دون سلطة دولة جديدة بأيدى الجماهير من المستحيل تثوير المجتمع و كما قال لينين ، بإستثناء السلطة السياسية كلّ شيئ وهم.
لا يوجد شيئ أوضح من حين نتفحّص الركيزة التى تقوم عليها هذه الدولة –الجيش النيبالي( فى السابق الملكي و الآن الجمهوري) . كلّ من الماركسية و التجربة الإجتماعية المعاصرة يعلّماننا المرّة تلو المرّة أنّ القوات المسلّحة هي العنصر المحوري و الحيوي لأية دولة. و قد جرى وضع جيش التحرير الشعبي فى ثكنات وهو يعامل الآن معاملة تصفية عبر سيرورة "الإدماج" فى الجيش الرجعي القديم. دون جيش شعبي سيكون من غير الممكن صيانة التغييرات التى قد حدثت بعدُ فى مناطق الإرتكاز ، ناهيك عن توسيعها عبر البلاد كافة. لا يجب بتاتا أن ننسى كلمات ماو بأن "بدون جيش شعبي لن يكون هناك شيئ للشعب" و لا التضحيات الجسام التى تطلبها بناء جيش تحرير شعبي قوي فى النيبال.
و كلّ فكرة عن أن الجيش النيبالي ، حتى و إن إبتلع و هضم جزءا من جيش التحرير الشعبي ، يمكن أن يتحوّل إلى جيش شعبي و أنه سيغدو ،جوهريا، شيئا آخر مغايرا عن ما كانه على الدوام، أسوأ من سخيفة، بل هي فى منتهى الخطورة. و كما أشرنا إلى ذلك سالفا، سيستمرّ دور الجيش النيبالي فى توطيد هيمنة العلاقات الإجتماعية و علاقات الإنتاج التى تُبقى على الجماهير مستعبدة.
و لا ينبغى أيضا أن نقبل بحجّة تخصّ "مظهري" الجيش النيبالي- كونه دائما لاديمقراطي فى دفاعه عن الإضطهاد الإقطاعي
( صحيح) لكنه دافع عن مصالح الأمّة (غير صحيح) .(9) فالواقع هو أنّ الجيش النيبالي ( الملكي) مثّل العامود الفقري للدفاع عن النظام الإجتماعي الرجعي الهرم الذى على الأقلّ فى الفترة المعاصرة ، قد هيمن عليه كلّيا النظام الإمبريالي العالمي. و للحديث عن "الحفاظ على إستقلال" دولة كمبرادورية رأسمالية بيروقراطية معنى حصريا. لا يمكن أن يأتي أي إستقلال وطني جوهري إلاّ إذا و حتى إذا تمّ إجتثاث هذا النظام القديم و تمّ تحطيم كافة الشبكة التى تبقى النيبال فى شرك و حبال النظام الإمبريالي العالمي. ألا يبيّن دور الجيش النيبالي (الملكي) فى تزويد الأمم المتحدة بالجنود "لمهمات حفظ السلام" ، الشيئ الذى تعهّدت الحكومة الجديدة للأسف المحافظة عليه، ألا يبيّن العلاقة بين الجيش الرجعي و النظام الإمبريالي العالمي؟
مرّة فمرّة رأينا العلاقة التى لا تنفصم عراها فى البلدان المضطهَدة بين تحقيق التحرّر الإجتماعي للجماهير و خوض الصراع ضد الإمبريالية. و غالبا ما سقط الشيوعيون فى خطإ مساندة هذه الدولة الرجعية أو أخرى بسبب ما يزعم أنه طابع معاد للإمبريالية . لا ينبغى أن ننسى التجربة المأساوية للرفاق فى إيران الذين ساندوا نظام الخميني بسبب خطإ فى النظرة "للطابع المعادي للإمبريالية" (10) للخميني. و بالضبط لأنّ الإمبريالية نظام عالمي يتغلغل على الدوام أكثر فأكثر بعمق فى كافة مظاهر البنية الإقتصادية الإجتماعية ، من غير الممكن بالنسبة للتغيير الإجتماعي ذى المغزى أن يحدث دون قطيعة راديكالية مع الإمبريالية و بالعكس فى دول مسماة ب"المعادية للإمبريالي"هناك نزعة شديدة للمساومة و الإستسلام و التداعي أمام العدوان و التهديد الإمبريالي. بلوغ الإستقلال الوطني الحقيقي متلازم مع تحرير الجماهير و يستحيل الحصول عليه بجيش رجعي.
لا ، كانت و لا تزال مهمّة "تحطيم" جهاز الدولة القديمة و إفتكاك السلطة السياسية المهمّة الكبرى الحيوية الأولى للثورة فى النيبال ، شأنها فى ذلك شأن جميع البلدان. لم يقنعنا أن خطّ النضال من أجل "دولة إنتقالية" قد سرّع أو سهّل إنجاز هذه المهمّة. بالعكس "الإنتقال" الذى شهدناه هو إنتقال إلى تعزيز أتمّ للنظام البرجوازي و لسوء الحظّ يرفع من خطر تحوّل الح الش الن (الم) نفسه من قوّة قادت الجماهير فى القتال ضد النظام القديم إلى قوّة لتأبيد النظام القديم فى ثوبه الجمهوري الحالي.
جزء من إعادة إحياء الثورة الشيوعية أم جزء من قبرها :
يجب رؤية الوضع الراهن للثورة فى النيبال فى إطار مفترق الطرق الذى يواجه الآن الحركة الشيوعية العالمية. لقد مضت ثلاثون سنة منذ هزيمة الحكم البروليتاري فى الصين الماوية و بعد عقود من الهجوم بلا هوادة على الشيوعية من قبل الإمبراليين و أبواق دعايتهم عبر العالم، و قد بلغت الحركة الشيوعية العالمية كافة نقطة منخفضة من الفعالية فى نضالها و أهمّ ، فى وضوحها الإيديولوجي و تصميمها على إنجاز أهدافها الثورية.
مثلما صغنا فى بيان عام حديث لحزبنا:
" للهزيمة المؤقتة للإشتراكية ونهاية المرحلة الأولى من الثورة الإشتراكية عدّة ميزات وإنعكاسات مماثلة لمثل هذا الوضع . وأدّت فيما أدّت إليه إلى تقليص الرؤى والأحلام : حتى فى صفوف العديد من الناس الذين كانوا قد عرفوا الصورة أفضل وكانوا قد كافحوا بصورة أرقى ،أدت على المدى المنظور إلى قبول فكرة أن (فى الواقع وعلى الأقلّ المستقبل المنظور) لا يمكن أن يوجد بديل للعالم كما هو ، فى ظلّ الهيمنة الإمبريالية وهيمنة مستغَّلين آخرين وأن أفضل ما يمكن للمرء أن يحلم به ويعمل من أجله هو بعض التعديلات الثانوية داخل إطار التأقلم مع هذا النظام وأن أي شيئ آخر وخاصة محاولة إحداث تمزيق ثوري لحدود هذا النظام، بغاية صنع عالم مختلف راديكاليا ، عالم شيوعي ، غير واقعية وتنزع لجلب كارثة عظيمة. " (11)
ضرورة و رغبة الكنس التام للإستغلال الرأسمالي و التغيير الراديكالي للكوكب بأسره أكبر من أي زمن مضى لكن إمكانية هكذا تحويل ثوري لا تُرى أو تُنكر. ظهرت مشاكل جديدة معقدة فى القيام بالثورة - مثلا التوجه الكثيف نحو المدن فى البلدان المضطهَدة- بينما ظروف الرأسمالية و التهوّر"الإنتصاري" للتطوّر الإمبريالي فى العقود القليلة الأخيرة قد زادت عمليا فى إعداد أرضية إنتصار الثورة البروليتارية بمزيد تعميق الهوّة الطبقية الكبيرة بربط مصائر الجماهير الشعبية فى مختلف البلدان حتى أكثر معا،و هي دائما تكشف بوضوح أوفر النظام الرأسمالي العالمي كعائق لمزيد التقدّم بالمجتمع الإنساني.
يترتّب علينا أن نعدّ و نقود موجة الثورة البروليتارية جميعها التى تبرز معا رؤية و عمليا كيف سيكون بالمستطاع الإنتقال بالمجتمع إلى مكان مختلف تماما. و الثورة فى النيبال يجب أن ينظر إليها على ضوء ما تقدّم. إذا إستطاعت أن توضّح أهدافها و أن تتجاوز الورطة الراهنة ،سوف تعيد الثورة فى النيبال إشعال الآمال فى صفوف الشيوعيين الحقيقيين و الجماهير الثورية الواعية عبر العالم. لقد غذّت حرب الشعب الآمال بأنّه بعد بضعة عقود تحكّم خلالها الإمبرياليون و الطبقات الحاكمة الرجعية فى كلّ بلدان الكرة الأرضية ، كانت تولد دولة جديدة حيث جماهير الشعب بقيادة البروليتاريا و حزبها الشيوعي الطليعي ستمسك بالسلطة. لقد أحدثت حرب الشعب شرخا فى الباب برؤية كيف أنّ السلطة بأيدى الجماهير يمكن أن تستعمل لإجتثاث شامل للعلاقات الإجتماعية شبه الإقطاعية و الرأسمالية و تشييد مجتمع مغاير راديكاليا مناهض للنظام الإمبريالي العالمي ،منارة للجماهير الشعبية فى منطقة جنوب آسيا القابلة للإشتعال. لكن تحريفية و إنتقائية قيادة الح الش الن (الم) تخنق هذا الأمل بالذات و عوض ذلك تعزّز رسالة البرجوازية العالمية بأنّه لا وجود لبديل حقيقي للنظام الإمبريالي ، و بأنّ الإمكانية الواقعية الوحيدة هي تحسين وضع البلاد ( أو واقعيا وضع الطبقة الحاكمة لها) ضمن النظام الإمبريالي.
فى هذه الرسالة بإقتضاب فقط سنحتج على الخطّ العالمي الحالي الذى ينتهجه الح الش الن (الم). لقد تبيّن مرّة تلو الأخرى بأنّ التوجه العالمي لحزب سياسي ليس بالمسألة البسيطة نوعا ما منفصلة عن خطّه الإيديولوجي و السياسي برمّته. و اليوم نلاحظ أن قيادة الح الش الن(الم) تعدّ الأعداء الإمبرياليين و الرجعيين أصدقاءا و حتى تعامل البعض منهم "كحلفاء إستراتيجيين" للثورة. كيف نفهم عديد الخطابات و المقالات المبرّرة لقمع الجماهير فى التيبت(12) أو أسوأ أو تلك التى يمتدحون فيها "العجائب" التى أنجزتها الصين فى ظلّ الحكم التحريفي؟ و لا كلمة واحدة عن عشرات الآلاف من الأطفال الصينيين الذين وقع تسميمهم بالحليب المغشوش من قبل الرأسماليين أو الذين قبروا تحت ركام المعاهد التى بناها مقاولون لا يعرفون الرحمة. (13)
و عادة ما نستمع إلى رفاق من الح الش الن (الم) يبرّرون هذا التكتيك أو ذاك على المستوى المحلّى أو العالمي ب "إستعمال التناقضات فى صفوف العدوّ". من الأكيد أنّ هذا جزء ضروري و صحيح من التكتيكات الثورية ، لكن ذلك كذلك فقط إذا كانت تلك التكتيكات تنبع من المصالح الإستراتيجية الجوهرية للثورة البروليتارية و إذا كانت تلك التكتيكات لا تتضارب مع المبادئ الشيوعية الثورية.
التلخيص /التوليف الجديد أم الديمقراطية البرجوازية الممجوجة :
إحدى أكبر مآسي التحوّل الكبير الذى شهده الح الش الن (الم) كان أنه بدلا من المساعدة على إعادة إحياء الحركة الشيوعية العالمية بتبيان حيوية التوجه الشيوعي الثوري، وهو ما قامت به حرب الشعب على نطاق واسع، فإن الخطّ الراهن و الممارسة الراهنة للحزب لا تفعل سوى تعزيز "الحكم المعادي للشيوعية " الذى حاول الإمبراليون و الرجعيون فرضه عبر العالم، لا سيما إثر هزيمة الصين و إنهيار الإتحاد السوفياتي.(14)
و الآن و قد إنتهت الموجة الأولى من الثورة البروليتارية التى إبتدأت مع كمونة باريس و تواصلت إلى الثورة الثقافية فى الصين و قد تعين على موجة جديدة من الثورة البروليتارية أن تتقدّم ، إتخذت مسائل إيديولوجية أهمّية خاصة. و إنبرى بوب آفاكيان لتحدّى تلخيص التجربة الهائلة للموجة الأولى من الثورة البروليتارية ، نواقصها المحزنة و كذلك إنجازاتها البطولية، و قد صاغ تلخيصا جديدا. لنذكّر بكلمات بيان حزبنا :
" هناك تشابه مع ما قدّمه ماركس فى بداية الحركة الشيوعية ، هناك تركيز فى الظروف الجديدة الموجودة ، إثر نهاية المرحلة الأولى من الثورة الشيوعية لإطار نظري لتجديد تقدّم تلك الثورة. لكن اليوم ، وبهذا التوليف /التلخيص الجديد ، بالتأكيد ليس الأمر مسألة "عود على بدء" كما لو أن ما يدعى إليه يرمى إلى التخلّى عن كلّ من التجربة التاريخية للحركة الشيوعية و المجتمعات الإشتراكية التى ولدتها و "جملة الأعمال الغنية للنظرية الثورية العلمية " التى تطوّرت فى خضم هذه التجربة الأولى. ستكون هذه المقاربة غير علمية وفعلا رجعية. بالأحرى ، المطلوب - وما قام به بوب آفاكيان- هو البناء على كل ما حدث قبلا ،نظريا وعمليا- وإستخلاص الدروس الإيجابية و السلبية من ذلك ورفع هذا إلى مستوى توليف/تلخيص جديد وأرقى."
لكن لسوء الحظّ ، تبنّت قيادة الح الش الن (الم) مقاربة مناقضة تقبل بأحكام غير علمية و معادية للشيوعية للبرجوازية العالمية و تتخلّى عن دكتاتوية البروليتاريا كمرحلة إنتقالية نحو الإشتراكية والشيوعية.و عوض ذلك ، تقدم إيديولوجيا الديمقراطية البرجوازية القديمة عينها ك" شيوعية القرن 21" و الشيوعية الفعلية للقرن 21 التى تظهر بالملموس يتمّ تجاهلها و الإستهانة بها أو معارضتها.
محرّرو الإنسانية أم بناة سويسرا جديدة ؟
أحد أهمّ النقاط التى ما إنفكّ بوب آفاكيان يشدّد عليها كجزء من التلخيص الجديد الذى صاغه هي الأهمّية الحاسمة لأن ينظر الشيوعيون لأنفسهم و يدرّبوا البروليتاريا على أن تكون "محرّرة الإنسانية ". و هذه نظرة مغايرة للغاية لدور الثورة كمجرّد تحسين وضع قطاع خاص من الجماهير التى دعمتها. نعم، يجب على الثورة و سوف تحسّن بصورة ملموسة جدّا حياة جماهير الشعب و بالفعل ، لن يجلب تطوّر الرأسمالية حياة أفضل للغالبية فى النيبال الفقيرة فقرا مدقعا .ومسألة رفع ثقل الفقر المدقع جزء حيوي من أي تغيير ثوري. و أساسية هي مسألة ما إذا كان يجب على التطوّر أن يكون أكثر إندماجا ضمن النظام الرأسمالي والإمبريالي- أي بالترحيب و بمزيد الإستغلال الرأسمالي و تنظيمه- أم إذا كان الطريق الإشتراكي ممكنا عمليا: بناء نظام إجتماعي و إقتصادي حيوي و تحرّري مناهض بالمعنى الجوهري للنظام الرأسمالي العالمي.
وهذا سبب من أسباب إستغرابنا رؤية الح الش الن (الم) وهو يعدُ الجماهير ب"عشرة ، عشرين، اربعين" ( مضاعفة الناتج القومي الخام فى عشر سنوات ،و مضاعفته مرّة أخرى فى العقد الموالي و "بلوغ مستوى سويسرا" بعد أربعين سنة).و لن يعني هذا ببساطة نسبة نموّ أكبر من اي نسبة تحققت قبل ، مثلما حصل فى الصين فى ظلّ ماو ، لكن ذلك يعنى أن الإمبرياليين سيساعدون عمليا فى إنجاز التطويرات. و بالفعل ، فإنّ التجارب المتكرّرة فى العالم الواقعي تبيّن أنّه حيث يصل النظام الإمبريالي ، يكون التخلّف و العوز أبعد من أن يقتلعا من الجذور، حتى و إن نمت" فقاعات" التطوّر و إستفادت قلّة من السكّان المدينيين.
الآن شيئا فشيئا ، يتكشّف أن هذا التغيير سيحصل بالتحوّل إلى "رابط ديناميكي" بين الهند و الصين. لذا ما الذى يقصد واقعيا بهذا القول؟ إنّه يقصد جعل النيبال تعمل كجزء "ديناميكي" من النظام الإمبريالي العالمي، على نحو يفيد البلاد من التطوّر الرأسمالي فى الهند و الصين و علاقاتهما المتبادلة . هذا الحلم فى آن معا غير ممكن و رجعي- حتى و إن جرى إقناع الدول الرجعية و الإمبرياليين بالقبول بهذا النمط فى سهل كتمندو الذى سيكون جزءا من هذا "الرابط الديناميكي" بينما الغالبية العظمى من السكّان ستترك لتتعفّن فى الريف أو فى الأحياء القصديرية. الصين و الهند كلاهما جهنّم بالنسبة لجماهير الشعب فى الريف و فى الأحياء القصديرية ، لماذا سيكون "الرابط الديناميكي " بينهما مختلفا؟ هل يخدم هذا بالفعل مصلحة الجماهير فى النيبال ؟ كيف سيتناسب هذا النموذج مع مهمّة تشجيع الثورة فى الهند و الصين و غيرها من الأماكن؟
لا تقوم هذه الرؤية تماما فقط على نموذج من الرأسمالية المستمرّ الحيوية ، بل إنّ هدف التحوّل إلى سويسرا بحدّ ذاته كاشف للغاية. فى الأخير ، ما هي سويسرا ؟ إنها دولة إمبريالية صغيرة فى غاية الطفيلية باتت غنية جدّا نظرا لموقعها الخاص كمركز كبير للبنوك و التمويل للنظام الإمبريالي العالمي ، يقع فى قلب أوروبا الإمبريالية. هل لهذا الهدف و هذه الرؤية أية علاقة مع بلوغ الشيوعية؟ بكلمات أخرى، يمكن لبلد ان يصبح "سويسرا " فقط بالإعتماد على تحقيق موقع خاص فى العالم الإمبريالي و تقاسم نهب غالبية الإنسانية. هل هذا ما ناضلت من أجله جماهير النيبال؟ كيف سيساعد هذا الهدف على تحرير الإنسانية؟
و من بواعث السخرية أنّه فى اللحظة ذاتها التى تبحث فيها قيادة الح الش الن (الم) عن تطوير نموذج معتمد على تطوّر متواصل لا يقطع مع الإمبريالية ، فإنّ أزمة الرأسمالية العالمية تندلع من حولهم . و الصين و الهند الرأسماليين تعانيان أيضا تناقضات الرأسمالية العالمية لحقتهما ، و حتى حلم "الرابط الديناميكي" النيبالي بين هتين الدولتين الرجعيتين يمكن أن يتحوّل تماما إلى مجرّد سراب.
و من غيرالممكن أن نبالغ فى تقييم الدور الذى قد تضطلع به دولة بروليتارية ثورية حقيقية فى تغيير الوضع العالمي الذى لا يزال فى الأساس غير مناسب. فمثل هذا النظام يمكن أن لا يحقّق أرقاما قياسية فى التطوّر الرأسمالي، لكنه قادر على تحقيق خطوات جبّارة إلى الأمام و بسرعة، معالجة عديد مشاكل الجماهير الأكثر جوهرية، مثل الأمن الغذائي، و توفير مواطن الشغل فى البلاد و المرافق الصحّية و الخدمات الأساسية فى المناطق الريفية و أكثر من ذلك وجود هكذا دولة ، حتى دولة صغيرة كالنيبال، ستعيد جذوة الأمل ضمن الجماهير المضطهَدة ، لا سيما فى المنطقة ، و تبيّن أنّ الطريق الثوري ممكن. لذلك فإنّ الخيار هو بين إتباع طريق الإندماج فى النظام الرأسمالي الذى يمكن أن يفيد فئة قليلة نسبيا ، أو إتباع طريق تطوّر قائم على مصالح و حاجيات الغالبية الساحقة للشعب فى معارضة للنظام الرأسمالي العالمي . نعم، هذا الطريق الأخير ، الإشتراكي ، طريق عسير و لا وجود لضمان لكيفية سير الأحداث. لكن لدينا ضمان بأنّ النيبال الرأسمالي ليس بوسعه إلاّ أن يعني رابطا آخر فى شبكة العلاقات التى تبقى العالم أسيرا للنظام الإمبريالي العالمي.
و عندما نقول إنّ الخطّ المهيمن لقيادة الح الش الن (الم) يمثّل توجها "برجوازيا" ، لسنا بصدد كيل سباب أو تهجّم على طبيعة الرفاق. نحن ببساطة نؤكّد على ما نعتبره تقييما علميا لخطّ خاطئ يقودونه: فمفهوم "الديمقراطية النقية" الذى يوجد بعيدا عن و "فوق" إنقسام المجتمع إلى طبقات ، يتناسب مع نمط الإنتاج الرأسمالي و ليس مع وجهة النظر الشيوعية القائمة على هدف تجاوز كافة الإنقسامات الطبقية. و عليه لسنا مفاجئين أيضا بأن تعلن قيادة الحزب الآن بصوت عالى فوائد الرأسمالية و تقترح برامجا ملموسة للتسريع فى تطوّر الرأسمالية فى البلاد. و ما لاحظناه فى الأشهر الأخيرة ليس شيئا آخر مختلفا عن "الثمار" الأولى لشجرة الرأسمالية فى ظلّ هذا الخطّ و هذه القيادة، و بإمكانكم التأكّد من أن ثمارأ أمرّ طعما حتى أخرى ستلى.
بالرغم من إدعاءات قادة الح الش الن (الم) بأنّهم يهدفون مستقبلا إلى بلوغ المجتمع الشيوعي ، فى الحقيقة يخلطون تماما بين الديمقراطية و الشيوعية. إنهم هم ذاتهم أسرى نظرتهم الخاصّة للعالم. و فضلا عن ذلك ، تسقط قيادة الح الش الن (الم) فى الخطإ التحريفي القديم العهد القائل بانّ تحقيق الشيوعية يرتهن أوّليا بمزيد تقدّم قوى الإنتاج ، الشيئ الذى يتحقّق بإتباع طرق رأسمالية. و هذا بالذات الخطّ الذى قاتل ضدّه ماو و الثوريون فى الصين فى خضمّ الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى، ضد ليوتشاوتشى و لاحقا دنك سياو بينغ.
قبل ذلك فى تاريخ الثورة الصينية ، طرحت المسألة بوضوح كمسألة ما إذا سيكون من الممكن بناء الإشتراكية فى بلد متخلّف. و بالفعل ، كانت أطروحة ماو برمتها عن الديمقراطية الجديدة تعتمد كثيرا على بيان كيف أنّه من الممكن القيام بذلك وبالطبع ، لاحقا أنجز ذلك عمليا. فى أثناء الثورة الثقافية ، رفع ماو شعار "القيام بالثورة مع دفع الإنتاج"، و هكذا أشار بصورة صحيحة إلى أنّ قوى إنتاج المجتمع يمكن أن يطلق لها العنان بمزيد التغيير الثوري، بالضبط فى تناقض مع حجّة يستخدمها الكثيرون الآن فى النيبال بانّ التطوّر يجب أن يأتي عبر طرق رأسمالية.
صراع خطّين أم "ثلاث خطوط":
إحدى خصوصيات الوسطية و الإنتقائية هي رفضها التمييزالواضح بين الماركسية و التحريفية ، و عوض ذلك ، تحاول أن تنحت موقف "نصف الطريق" بين الإيديولوجيا و السياسات الشيوعية الثورية و الرأسمالية و الإنتهازية التامين. فى النيبال ،هذا الشكل من الوسطية التحريفية هو الذى أضحى الخطر الأكبر و ليس أولئك الذين يعلنون بلا خجل إنخراطهم فى إيديولوجيا الديمقراطية المتعدّدة الأحزاب و تعظيم الرأسمالية. و المعزوفة المتكرّرة من أنّه يوجد خطر التحريفية أو اليمينية "من جهة" لكن كذلك خطر " الدغمائية" من جهة أخرى و انّه بالمناورة بإتقان بين هذين الحاجزين إستطاع الحزب أن يمضي من نصر إلى نصر. و فى الواقع، بينما هناك إعتراف فى الكلام بالمبادئ الجوهرية ، "أبجديات الماركسية" ، الحاجة إلى تحطيم جهاز الدولة القائمة ، فإن سياسة الحزب العملية تذهب كلّيا ضد هذا الهدف.
و يجرّنا هذا إلى العودة إلى حجّة رفعناها نحن و رفاق آخرون بشأن نبذ الح الش الن (الم) للمبدأ الماوي "إزدواج الواحد". صار الإعتقاد فى إمكانية و حتى ضرورة التوفيق أو "المزج" بين أضداد عدائية متجذّرا بعمق كجزء من منظور قيادة الح الش الن (الم) (15). و مزج الماركسية و الإصلاحية ليس فعلا مساهمة لامعة جديدة فى الحركة الشيوعية . إنّه مجرّد حالة أخرى مؤسفة و مأساوية حيث فقدت القيادة الشيوعية مميزاتها،لا غير.
علينا أن نذكّر رفاقنا بانّ كلّ حزب تحريفي عادة ما يملك "يسارا" دوره موضوعيا تقديم مخرج لغضب الجماهير و قطاعات من صفوفه، بينما تبقى ذات هذه القطاعات مرتبطة بالبرنامج السياسي لقيادة الحزب. و المسألة ليست مسألة قلّة صراحة الذين لا زالوا يحاولون مزج تبرير و مساندة الح الش الن (الم) الإنهزامي موضوعيا بلغة ترفع راية الثورة البروليتارية. و المشكل هو أنّ هكذا لغة فى مساندة الثورة تغدو بلا معنى ، مجرّد خداع للنفس و للآخرين، إلاّ إذا ترافقت مع نضال شامل ضد التحريفية عينها التى تهدّد تقدّم الثورة.
إنّ الإنتقائية و الوسطية ،لا سيما حين ترفع إلى مستوى المقاربة و المبدأ الفلسفيين مثلما هو الحال مع قيادة الح الش الن (الم) ، لا يمثّل موقفا "نصف صحيح" أو نوعا ما أصحّ من موقف تحريفي صريح. بالعكس ، إنّه شكل من التحريفية يُخوّل لخطّ إيديولوجي و سياسي مناهض للماركسية أن يزدهر و عمليا أن يحدّد مسار النشاط السياسي ، فى حين أن الكلمات الرنّانة أكثر تستخدم لتغطية هذا الواقع و تضليل الجماهير و الرفاق. كلمات لينين التى عادة إستشهد بها الرفاق الصينيون خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى، قاسية و لكنها للأسف تصيب لبّ الموضوع:" إنّ إظهار الإنتقائية بمظهر الديالكتيكي فى حالة تحوير الماركسية تبعا للإنتهازية، يخدع الجماهير بأسهل شكل ، يرضيها فى الظاهر، إذ يبدو و كأنه يأخذ بعين الإعتبار جميع نواحى العملية، جميع إتجاهات التطوّر، جميع المؤثرات المتضادة إلخ و لكنّه فى الواقع لا يعطى أي فكرة منسجمة و ثورية عن عملية تطور المجتمع."(16).
نعم ، ثمّة نزعة مميّزة نحو الدغمائية فى صفوف الح الش الن (الم) و الحركة الشيوعية العالمية عموما. لكن "الحلّ" الذى يقدّمه الح الش الن (الم) ليس الترياق المناسب لمرض الدغمائية. فالرفض الدغمائي لجعل "التحليل الملموس للواقع الملموس" كما أشار إليه لينين على أنّه "الجوهر الحيّ للماركسية " عادة ما ترافق اليد فى اليد مع المواقف السياسية التحريفية.
و بالأحرى عوض البحث عن "نقاط إلتقاء" بين شكلين متعارضين من التحريفية ، سواء كانت الشكل اليميني الكلاسيكي أو الدغمائي العقيم و ينتهى إلى دمج أتعس المظاهر من كليهما ، نقترح أن يركّز الرفاق إنتباههم على ما هو مشترك بين "أشكال " التحريفية و"المرآة العاكسة". اليبان الذى أصدره حديثا حزبنا يشير إلى المظاهر المشتركة التالية لكلا الشكلين من التحريفية المهيمنة داخل الحركة الشيوعية العالمية ككلّ:
"♦ عدم الإضطلاع أو عدم الإنخراط مطلقا بأي طريقة منهجية ، فى تلخيص علمي للمرحلة الأولى من الحركة الشيوعية وبوجه الخصوص للتحليل الثاقب لماوتسى تونغ لخطر وقاعدة إعادة تركيزالرأسمالية فى المجتمع الإشتراكي. وهكذا ، بينما قد تدافع أو قد كانت تدافع فى الماضي عن الثورة الثقافية فى الصين ، تفتقر إلى أي فهم حقيقي وعميق للماذا كانت هذه الثورة الثقافية ضرورية ولماذا وبأية مبادئ وأهداف أطلقها ماو وقادها. إنها تحوّل الثورة الثقافية ، فى الواقع ، إلى مجرّد حلقة أخرى فى ممارسة دكتاتورية البروليتاريا أو من جهة أخرى تعيد تأويلها على أنها نوع من الحركة الديمقراطية البرجوازية "المناهضة للبيروقراطية" تمثّل فى جوهرها نقضا للحاجة لطليعة شيوعية ودورها القيادي المؤسساتي فى المجتمع الإشتراكي ، عبر المرحلة الإنتقالية إلى الشيوعية .
♦ النزعة المشتركة لتحويل "الماوية " لمجرّد وصفة لخوض حرب الشعب فى بلدان ما يسمّى بالعالم الثالث بينما تهمل مجدّدا أو تقلص أهمية أهمّ مساهمة من مساهمات ماو فى الشيوعية : تطويره لنظرية وخطّ مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا وكافة التحليل الثري والمنهج العلمي اللذان عليهما تأسّس ذلك و اللذان جعلا تطوير تلك النظرية وذلك الخطّ ممكنا .
♦ الفلسفة التجريبية و البراغماتية و التجريبية . ومن جديد بينما يمكن أن يتخذ هذا تعبيرات متنوّعة تبعا لوجهات النظر والنظرات المتنوعة الخاصّة، فإن الشائع عندها هو إبتذال النظرية والإستهانة بها ، محوّلينها ل "مرشد للعمل" فقط بالمعنى الأضيق والأكثر مباشرة، معاملين النظرية كما لو أنها ، جوهريا ، إفراز ممارسة خاصة ومحاولين عقد مقارنة بين الممارسة المتقدّمة ( التى ، من جانب هؤلاء الناس ، تتضمّن عنصرا من التقييم الذاتي والإعتباطي ) و النظرية المتقدّمة المفترضة. إن وجهة النظر الشيوعية العلمية ،المادية الجدلية ، تؤدّى إلى فهم أن الممارسة هي مصدر ومحكّ النظرية ، لكن على عكس هذه التشويهات التجريبية الضيقة، يجب فهم هذا على أن الممارسة بالمعنى الواسع ، شاملة التجربة الإجتماعية و التاريخية الواسعة ، وليس فقط التجربة المباشرة لشخص أو مجموعة أو حزب أو أمّة. تأسيس النظرية الشيوعية ذاتها ومزيد تطويرها يبيّن ذلك بقوّة : منذ زمن ماركس ، تشكّلت هذه النظرية وأثيرت إنطلاقا من جملة واسعة من التجارب ، فى جملة واسعة من الحقول المختلفة وخلال تطوّر تاريخي واسع النطاق ، فى المجتمع و الطبيعة. ستتحوّل مقولة أن الممارسة مصدر النظرية ومقولة " الممارسة معيار صحّة النظرية " إلى كذب عميق إن جرى تأويلها وتطبيقها بأسلوب ضيّق ، تجريبي وذاتي.
♦ بصورة هامة للغاية، هذه التوجهات "المتناقضة تناقض إنعكاس المرآة " الخاطئة تشترك فى كونها تحوّلت إلى أو إنسحبت إلى نماذج من الماضي، من هذا النوع أو آخر( مع أن النماذج الخاصة يمكن أن تختلف) : إما متعلّقين بدغمائية بالتجربة الماضية للمرحلة الأولى من الثورة الشيوعية ( أوبالأحرى ، لفهم ناقص إحادي الجانب وفى النهاية خاطئ) أو الإنسحاب إلى مجمل العصر الماضي والثورة البرجوازية ومبادئها :عائدين إلى ما هو فى الجوهر نظريات القرن18 للديمقراطية (البرجوازية) بقناع او بإسم " شيوعية القرن 21 " وفى الواقع مساوين "شيوعية القرن21 " هذه بديمقراطية مفترضة " نقية " أو" لاطبقية " ، ديمقراطية فى الواقع ، طالما وجدت الطبقات ،لايمكنها إلآ أن تعني ديمقراطية برجوازية ودكتاتورية برجوازية. كل هذا فى الوقت الذى يجرى فيه إهمال أو إعتبار متقادم أونبذ كدوغما ( أو حصره ضمن تصنيف بلا معنى " أبجديات الشيوعية " يعترف بها بصفة مجرّدة وبعد ذلك توضع جانبا بإعتبارها غير صالحة للنضال العملي) الفهم الشيوعي العلمي الجوهري الذى دفع ثمنه أصلا ومرارا و تكرارا دم بلايين المضطهَدِين منذ زمن كمونة باريس ، فهم أن الدولة القديمة ، الرجعية يجب أن تحطّم وتفكّك ويجب أن تولد دولة جديدة راديكاليا ممثّلة المصالح الثورية للمستغِلِين السابقين فى تغيير المجتمع باسره وتحرير الإنسانية جمعاء وإلاّ فإن أي مكاسب حققها النضال الثوري ستبدّد وتحطّم وسيقضى على القوى الثورية " (17)
خلاصة : القتال لإنقاذ الثورة !
من الصحيح أن الحزب الآن قد اسقط نفسه فى حفرة سحيقة يصعب الخروج منها.غير أنّه مهما كانت صعوبة هذه المهمّة فإن الحلّ الوحيد هو القطيعة الراديكالية الحقيقية ، ثورة فى التفكير، جهد مصمّم و طويل الأمد لنقد و نبذ التوجه التحريفي الذى يهيمن أكثر فأكثر على الحزب إيديولوجيا و سياسيا و تنظيميا. وكلّ شيئ ينقصه مثل هذا الجهد المصمّم ، وأية محاولة" للمناورة و التهرّب ببراعة" من الحفرة دون مواجهة حجم المشكل و منبعه لن تفشل فقط فى تجنّب المأساة المشرفة على الحدوث لكن ستفضى عمليا إلى الشلل إيديولوجيا و سياسيا. "أنصاف الحلول" ليست حلاّ البتّة و ،بالعكس، هي جزء من المشكل.
لسنا فى موقع يخوّل لنا التعليق على ما هو التكتيك و ما هي الخطوات المباشرة التى يتعيّن أن يتخذها الح الش الن (الم) فى الوضع الراهن. لكنّنا مقتنعون بأنّه إذا تمّ التوصّل إلى وضوح جوهري حول المسائل الحيوية للدولة و الثورة ، يمكن للرفاق فى النيبال أن يجدوا الوسائل الكفيلة بقلب الطريق الراهن. يتمتّع الح الش الن (الم) بخزّان هائل من الدعم فى صفوف جماهير الشعب عبر البلاد كافة. لقد شحذت حرب الشعب آمال المقهورين لزمن طويل و أطلقت العنان لهم. وتحتاج جماهير الفلاحين الفقراء و القوميات المضطهَدة و النساء و الكاست المضطهَدين للتقدّم و لن يرضوا أبدا ببعض الممثلين فى البرلمان أو الحكومة. و جيش التحرير الشعبي فى خطر بيد أنّه لم يسقط بعدُ ضحيّة مؤامرات تفكيكه. و رغم جهود قيادة الحزب لإرضاء الأفكار المتخلّفة للطبقات الوسطى المدينية ( لا سيما أوهامها حول "الديمقراطية النقيّة") ، فإن التجربة قد دلّلت على أن الشباب المتعلّم و المثقفين و غيرهم من الفئات الوسطى يمكن كسبهم إلى جانب الثورة على أساس إيجابي بتوضيح كيف أن مصالحها يمكن تلبيتها كأفضل ما يكون ليس بإجهاض الثورة بل بالذهاب بها إلى النهاية المظفّرة. و بالرغم من الأذى الكبير الذى يسبّبه الخطّ الخاطئ فى قيادة الحزب ، تظلّ هناك قاعدة موضوعية قوية لإنقاذ الثورة و المضيّ بها لتركيز دولة ثورية بقيادة البروليتاريا و طليعتها.
و من جهة أخرى ، فقط إذا تخلّى الحزب عن إرتباكه الراهن حول طبيعة الدولة، و حول الطبيعة الطبقية للدكتاتورية و الديمقراطية و حول الخلط بين الطريق الإشتراكية و الطريق الرأسمالي ، و حول الخلط بين الأصدقاء و الأعداء على النطاق العالمي ، فإنّ جميع جهود إصلاح الوضع الحالي للأمور سيذهب سدى. لن يمكن تقليص الحرارة دون معالجة أصل الداء الذى يتسبّب فيها.
و الشكل الأساسي الذى تتخذه التحريفية فى النيبال- و المشكل الكبير فى حركتنا ككلّ – هو الإنتقائية و الوسطية . و فى حين أن بعض قادة الحزب قد عبّروا فى هذا الإتجاه عن دعمهم للنظام السياسي للديمقراطية البرجوازية و إعتقادهم فى ضرورة أن تمرّ البلاد عبر مرحلة كاملة من الرأسمالية ، كان المشكل الأكبر فى قيادة الحزب التى تتخبّط إيديولوجيا خالطة بين الديمقراطية البرجوازية و دكتاتورية الديمقراطية الجديدة ، و مازجة الإثنين فى واحد ، و متحدّثة بلغة على النطاق الخاص و لغة أخرى على النطاق العام، و بصفة عامة تقول شيئا و تمارس شيئا آخر.
لا يمكن تجاوز المشكل إلاّ إن حدثت قطيعة راديكالية مع الوسطية و الإنتقائية المهيمنة راهنا. و هذا يعنى أن المهمّة الملحّة و المباشرة هي إعادة تأكيد إيديولوجي للأهداف الأساسية للثورة البروليتارية بما هي مغايرة للديمقراطية البرجوازية، و إعادة تأكيد أنّ الثورة الديمقراطية الجديدة وسيلة لتحقيق ذلك فى النيبال، و إعادة تأكيد طرق إنجاز الثورة. و على هذه القاعدة سيكون من الممكن كنس نسيج عنكبوت التحريفية و الإنتقائية و الوسطية و مواجهة حقيقية لرهانات الشيوعية فى القرن الواحد و العشرين. و الجدير بإعادة التذكير هو أن كافة النقاط المحورية التى جرى التركيز عليها فى المعركة الشرسة الأخيرة ضد أتباع الطريق الرأسمالي فى الصين كانت متّصلة بالنقاش حول دكتاتورية البروليتاريا. تحدّث تشانغ تشونغ تشياو ، أحد أهمّ قادة مركز القيادة الثورية لماو فى الحزب ، بحدّة إلى بعض قادة الحزب الآخرين الذين لم يكونوا ينهضون بدور جيّد فى هذا الصراع. لقد أشار إلى أنّ بعضهم يعتبر دراسة دكتاتورية البروليتاريا "مهمّة مرنة" لكن أتباع الطريق الرأسمالي يفهمون فهما جيّدا جدّا أنها "مهمّة غير مرنة" لها إنعكاسات حياة أو موت بالنسبة للثورة. و كذلك فإن الجدال الدائر حاليا بشأن طريق التقدّم فى النيبال ليس بأقلّ حيوية.
رفاقنا فى النيبال واقعون فى مستنقع ويواجهون خطر غرق رهيب .و ماذا كان ردّ فعل رفاق الحركة الأممية الثورية فى بلدان أخرى إزاء هذا الأمر الطارئ؟ بينما سعى البعض لمساعدتهم قدر الإمكان، للأسف رمى بعض آخر بورود للرفاق المتخبطين فى حين أنّ ما يحتاجون إليه بصفة نقدية هو حبل قوي لدفعهم خارج المستنقع . و الحبل اللازم موجود: ليس شيئا آخر سوى الخطّ الإيديولوجي و السياسي الشيوعي الثوري، و موقفه ووجهة نظره و منهجه . إنّه فهم علمي للعالم و السيرورة الثورية،الذى يتطوّر بإستمرار بما أنّه يرفع بصلابة راية و يبنى على أساس المكاسب و كذلك تلخيص التجارب الإيجابية و السلبية للموجة الأولى من الثورة البروليتارية و يتضمّن إكتشافات و تقدّم فى كلّ مجال من مجالات النشاط الإنساني و يواجه المشاكل الجديدة للثورة و المشاكل القديمة بأشكال جديدة. و يجرى صراع الخطين الراهن صلب الح الش الن (الم) فى إطار المسألة الأكبر ما إذا يمكن و على أي أساس نستطيع التقدّم بكافة الموجة الجديدة الثورة البروليتارية العالمية.
تجربة الثورة فى النيبال جدّ غنيّة فعلا ، و بإستطاعة المرء أن يرى الإنعكاسات الملموسة للخطّ الإيديولوجي و السياسي، معا إيجابيا عبر عقد حرب الشعب و فى المدّة الأخيرة سلبيا فى فترة تفكيك السلطة الشعبية. و مع ذلك إعتقاد أنّ الممارسة المتقدّمة للثورة النيبالية جعلت من غير الضروري التعلّم من الفهم المتقدّم لرفاق آخرين جزء من البراغماتية و التجريبية اللذان للأسف كانا جزءا متناميا من التوجّه الإيديولوجي لقيادة الح الش الن (الم) لبعض الوقت الآن. و أي جهد لمعالجة الأزمة فى الح الش الن (الم) فقط "بحلوله الخاصّة" و على أرضية قومية أو تجريبية لتجاهل أو مقاومة الفهم الشيوعي الثوري المتقدّم المتطوّر فى مكان آخر سيفضى بقساوة إلى إعاقة النضال من أجل خطّ صحيح. و على وجه الخصوص ، نتمنّى بصراحة أن يولي رفاق الح الش الن (الم) إهتماما جدّيا لدراسة مجمل أعمال بوب آفاكيان و منهجه و مقاربته و التلخيص الجديد الذي تقدّم به.
و سنختم بإرسال تحياتنا الحارّة إلى قيادات الح الش الن (الم) و كوادره و مقاتليه فى هذا المنعرج الحاسم للثورة و نأمل أن يخاض الصراع الحيوي و ينتهى إلى نجاح. فالخطّ السياسي و الإيديولوجي الصحيح قادر على تحويل التوجّه الحالي للحزب و على تجنّب الهوّة السحيقة و الذين لعبوا دورا ثوريا فى الماضي يستطيعون ، لو تسلّحوا بالخطّ الصحيح، التخلّص من رزمة الإنتقائية و البراغماتية و الوسطية و سلوك الطريق الثوري. لكن لن يتحقّق هذا إلاّ بالنضال الصريح من أجل قطيعة راديكالية ضرورية . و نتعهّد مجدّدا بأنّنا سنبذل كلّ ما فى وسعنا للمساعدة فى هذا الصراع الذى لن يحدّد مستقبل النيبال فحسب و إنما هو وثيق الإرتباط إلى درجة لا تنفصم بالمسائل الحيوية التى تواجه الحركة الشيوعية العالمية برمّتها.
الهوامش:

1- أنظروا "النجم الأحمر" عدد15، "سقوط ديناستى كويرالا".
2- نقطة تحوّل حاسمة فى هذه السيرورة كانت فى أكتوبر 2005عندما بلغ صراع الخطّين داخل الحزب قمته فى إجتماع اللجنة المركزية. فأحد أهمّ المواضيع فى صراع الخطين إياه كان هل يجب أم لا يجب أن تمرّ الثورة عبر مرحلة الصراع المناهض للنظام الملكي و تركيز ديمقراطية برجوازية ("دولة إنتقالي"). فى موضة إنتقائية نموذجية ، جرى نبذ هذه الأطروحة نظريا بقول أنّ مثل هذه المرحلة الدنيا ليست ضرورة مطلقا لكن فى نفس الوقت صارت هذه الأطروحة الخطّ القائد لممارسة الحزب ك "تكتيك"، ممّا عبّد الطريق لجملة من الإتفاقيات مع الأحزاب البرلمانية و فعلا جعلت من الهدف المباشر للثورة إقامة جمهورية برجوازية.
3- ورد ضمن تقرير المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي الصيني المصادق عليه فى 28 أوت 1973.
4- أنظروا ماو تسى تونغ فى هذا الشأن ،لا سيما "حول الديمقراطية الجديدة" ،المؤلفات المختارة، المجلّد الثاني .
5- "النجم الأحمر" عدد 16.
6- كارل ماركس "الحرب الأهلية فى فرنسا".
7- فى رسالة أكتوبر 2005 متحدّثين عن مقال "الدولة الجديدة" ، حاججنا بأنّ إيديولوجيا الديمقراطية اللاطبقية (أو "الديمقراطية النقية") تناسب الرأسمالية حيث يتعيّن تبادل السلع وفق القيمة "المتساوية" و حيث هذه المساواة الشكلية تغطّى على الإستغلال الفعلي للطبقة العاملة (تبادل "أجر يوم عمل عادل "مقابل" يوم عمل عادل") . أنظروا كتاب بوب آفاكيان "الديمقراطية : أليس بوسعنا أن ننجز أفضل من ذلك؟ و كذلك جداله ضد ك. فينو"الديمقراطية: أكثر من أي زمن مضى بوسعنا و علينا أن ننجز أفضل من ذلك" الذى نشر فى مجلّة "عالم نربحه"عدد 17. عديد هذه الكتابات و
www.revcom.us ,www. Bobavakian.net: غيرها لبوب آفاكيان والحزب الشيوعي الثوري ،متوفّرة لإنزالها من الأنترنت على العناوين التالية
8- لقد قدّم بوب آفاكيان عملا هاما بشأن موضوع الديمقراطية و كذلك إعادة النظرفى سيرورة الثورة الإشتراكية بما فى ذلك صياغة مفهوم "اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة". و إضافة للأعمال حول الديمقراطية المذكورة أعلاه، أنظروا نقاشه للثورة الإشتراكية فى ،ضمن كتاباته الأخيرة الأخرى، "القيام بالثورة و تحرير الإنسانية" ضمن "الثورة و الشيوعية : أساس و توجه إستراتيجي " (2008).
9- "النجم الأحمر" عدد 14 "أساسيات دمج الجيشين".
10- رفاق الحزب الشيوعي الإيراني (الم-الل-الم) لخّصوا طويلا خطأ تنظيمهم السابق ،إتحاد الشيوعيين الإيرانيين، بهذا الصدد.
11- " الشيوعية ، بداية مرحلة جديدة ،بيان عام من الحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية " .
12- نحن واعون جيدا لكون الإمبرياليين الأمركان و الآخرين يستعملون الطبيعة الرجعية للقيادة التيباتية ، لا سيما الدالاي لاما، للضغط على الصين و يوظّفون غضب الجماهير التيباتية .لكن هذا لا يغيّر من واقع أنّ الإضطهاد القومي يوجد فى التيبت و لا يبرّر القمع الخبيث للسلط الصينية.
13- هنا لا نستطيع سوى الحديث عن مواد الح الش الن (ال) باللغة الأنجليزية. و إن وجد مثل هذا الفضح للطبيعة الحقيقية للصين الرأسمالية فى منشورات باللغة النيبالية فإننا نودّ أن تُذكر لنا.
14- رغم أن الإتحاد السوفياتي منذ مدّة طويلة سابقة قد صار تحريفيا ، قوّة عظمى إمبريالية-إشتراكية ، فكون قادته لا زالوا يشيرون إلى أنفسهم على أنهم "شيوعيون" جعل من إنهيار هذا النظام و الهيمنة بلا منازع للولايات المتحدة و "الديمقراطيات الغربية" الأخرى فرصة لمزيد تلخيص أعمق مناهض للشيوعية من قبل الإمبرياليين الغربيين و الرجعيين الآخرين.
15- أنظروا الحجّة التى صاغها الح الش الن (الم) حول هذه المسألة ضمن ردّهم على رسالتنا المؤرخة فى أكتوبر 2005 و نقد هذه النقطة فى رسالتنا بتاريخ 19 مارس 2008. و قد تناول هذه النقطة رفاق آخرون فى الحركة الأممية الثورية.
16- لينين "الدولة و الثورة" ،الأعمال الكاملة ، المجلّد 25 ،ص 405 (باللغة الأنجليزية).
17- نشجّع بقوّة الرفاق على دراسة "الشيوعية :بداية مرحلة جديدة ، بيان عام من الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية" الذى يتضمّن فهم حزبنا للوضع الشامل للحركة الشيوعية العالمية فى الظرف الحالي و يناقش دروس صراع كبير حدث داخل حزبنا ذاته لرفع راية المبادئ الشيوعية و التقدّم بها.

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°

3- رسالة الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الثوري،الولايات المتحدة الأمريكية: 1 جويلية 2006

من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي النيبالي( الماوي )
إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية.
1 جويلية 2006
الرفاق الأعزّاء،
بلغتنا الرسالة التى بعث بها حزبكم فى 1 أكتوبر 2005 بشيء من التأخير ، وكان لزاما علينا أن نردّ عليها على وجه السرعة لكنّنا أخفقنا فى القيام بذلك نظرا لإنشغالنا الشديد بالوضع السياسي المتغيّر بسرعة فى بلادنا وللحاجة إلى قيادته عن كثب. مع ذلك، أوّلا نقدّر ما بادر به حزبكم لتقديم نقده وإثارة مسائل حول موقفنا الإيديولوجي والسياسي وتكتيكاتنا التى إنتهجناها فى السنوات الأخيرة ، وثانيا ، نقدّم إعتذارنا لتأخّرنا فى الردّ على رسالتكم . نعتقد بصلابة أن تبادل الآراء سيساعد بلا ريب فى تحديد نقاط الوحدة ونقاط الخلاف بيننا وأنّه ،عبر الصراع الرفاقي، سيساعد على تطوير مستوى أرقى من الوحدة بيننا بتقليص الفجوة بيننا. لا نشكّ فى أنّ هذه السيرورة من صراع الخطين بالإعتماد على الوحدة الإيديولوجية التى لدينا بعدُ ستساعد كلا الحزبين على التعلّم أكثر من بعضهما البعض وعلى الإرتقاء بفهمنا الإيديولوجي والسياسي والتكتيكات التى توخيناها لإنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة فى بلادنا و تعبيد الطريق للإشتراكية فالشيوعية. ولا يقتصر الأمر على هذا، فقد إتهمتنا رسالتكم بالإنحراف نحو التحريفية ، و إن لم تتمّ الإشارة إلى ذلك مباشرة. بهذا المعنى ، تبيّن الرسالة بأنّ لدينا خلافات جدّية فى فهمنا الإيديولوجي والسياسي ممّا يستدعى صراعا صريحا. وهذا الردّ على رسالتكم لا يمكن إلاّ أن يكون بداية لهذا الصراع ، و ليس نهايته.
الإطار التاريخي :
حزبكم ، الحزب الشيوعي الثوري،الولايات المتحدة الأمريكية، واعي جدّا بأنّنا نحاول تطوير خطّنا الإيديولوجي والسياسي فى الوضع العالمي العصيب. لقد ألقينا على عاتقنا هذه المسؤولية التاريخية فى الوقت الذى كانت فيه الحركة الشيوعية العالمية تواجه تراجعا جدّيا عبر العالم،إثر الثورة المضادة فى روسيا والصين، وفى الوقت الذى كانت فلسفتنا الماركسية-اللينينية-الماوية تواجه هجوما شاملا من قبل الإمبرياليين والتحريفيين وفى الوقت الذى شهد النظام الإمبريالي العالمي تغييرا فيه ضعف التنافس بين الإمبرياليات وتصاعد النهب الإمبريالي ذى القطب الواحد، أساسا الإمبريالية الأمريكية، وعرفت حرب الشعب البيروفية التى كانت أكثر الحركات إلهاما لحزبنا فى الثمانينات ، "عثرة فى الطريق" جدّية ، وفى ذات الوقت كانت النضالات المسلّحة الثورية القائمة الأخرى ، وهي قليلة عدديا، لا تكتسب قوّة وإنّما تراوح مكانها سنة بعد أخرى. ومن جهة أخرى ، جعل تطوّر التكنولوجيا ، وبالأساس فى حقل المعلوماتية، العالم وحدة صغيرة، وجلب نموّ الرأسمالية البيروقراطية فى بلدنا شبه الإقطاعي شبه المستعمر، نوعا من التغيير فى العلاقات الطبقية للمجتمع. وكانت جميع هذه المسائل تحثّنا على التفكير بصورة خلاّقة أكثر فى كيفية تطوير الخطّ الثوري لحزبنا. وكان الإرث الدغمائي الخوجي لمدرسة تفكير م.ب سينغ ،الذى كان متجذّرا فى عروقنا ، هوأيضا يرفع جواجزا أمام التقدّم على نحوخلاّق. لقد كانت فعلا مهمّة فيها تحدّى ذاتي بالنسبة لنا أن نتخطّى هذه العوائق. وقد إنتهينا إلى إدراك أنّ الطريقة التقليدية للتفكير ولتطبيق الماركسية-اللينينية -الماوية غير كافية لمواجهة التحدّيات الجديدة التى نشأت فى هذا الوضع الجديد. ومع ذلك ،نحن واثقون من أنّ الفهم الصلب للماركسية-اللينينية-الماوية وإلتزام بروليتاري بالثورة يمكن أن يواجها هذا التحدّى.
آخذين بعين الإعتبار كافة خصوصيات الوضع الجديد هذا، طوّر حزبنا بشكل خلاّق خطّه الإيديولوجي والسياسي . وبالطبع ، طريقة محاولتنا تطبيق المادية التاريخية والجدلية على خصوصية المجتمع النيبالي منذ البدايات الأولى لتطوّر خطّنا و الإعداد لحرب الشعب، منذ بدايات التسعينات، كان إلى درجة بعيدة للغاية مغايرا لكيفية عمل أحزاب شيوعية أخرى فى السابق أوحينها فى العالم. الفهم الصلب للماركسية-اللينينية-الماوية ، "التحليل الملموس للواقع الملموس" ، و"التطبيق الصحيح للخطّ الجماهيري" ، والتطبيق الخلاّق للمادية التاريخية والجدلية، وفلسفة الممارسة الثورية ،على خصوصية المجتمع النيبالي، مثّلت القاعدة التى على أساسها قاتلنا الإيديولوجيات الأخرى والهجمات الرجعية والتحريفية ضدّنا ، مما هيّأ بدوره أرضية الإنطلاق فى حرب الشعب فى 1996. وما حققناه خلال السنوات العشر الماضية من الصراع الطبقي الإعصاري ماثل أمام شعوب العالم.
وبالفعل، لم يكن العقد الماضي سنوات من الإبحار السلس بالنسبة لنا. لقد عرفنا منعرجات وإلتواءات ومدّا وجزرا ويمينا ويسارا. وكلّ ثورة تعرف هذا. ولمّا طبّقنا خطّنا فى الممارسة الثورية ، لم يطوّر فقط حرب الشعب على شكل طفرات لكن أيضا أخذ يولّد أفكارا جديدة بغاية إثراء ذخيرة الفلسفة الماركسية-اللينينية-الماوية. ومن المعلوم لحزبكم بأنّ التجارب وجملة الأفكار الجديدة التى جمعناها من التجربة الثورية للسنوات الخمس الأولى قد لخّصت على أنّها طريق براشندا وذلك فى 2001 وهي تمضى إلى مستوى أرقى من التلخيص الجديد.
منذ زمن إرسائنا علاقاتنا الأممية البروليتارية مع حزبكم عبرالحركة الأممية الثورية ، رغم الوحدة القائمة بين حزبينا ، لم نجد حزبكم راضيا عن خطّنا السياسي وتكتيكنا فى شتى المنعرجات التاريخية. وحتى الآن ، ينظر حزبكم ،الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية إلى حزبنا أساسا بذات النظرة التى كان إعتاد النظر بها إلينا قبل 15 سنة. صراحة لم يفهم الحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية فهما صحيحا لحزبنا وخطّه السياسي والتكتيكات التى توخيناها فى كلّ مرّة. إنّ طريقة التفكير التقليدية و الفهم الدغمائي للماركسية-اللينينية-الماوية الذى يشكو منه الحزب الشيوعي الثوري جعل حزبكم غير قادر على فهم حزبنا فى كافة المنعرجات التاريخية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما إتحدنا مع لاماس، فى 1991، توصّل حزبكم إلى إستخلاص أنّ الوحدة خطأ وأنّها مخيبة لأمل الثورة البروليتارية فى النيبال. وعندما إستعملنا جزئيا الإنتخابات البرلمانية ، إعتقدتم بأنّنا إنزلقنا نحوالبرلمانية، برأي حزبكم، م.ب سينغ، الذى عارض وحدة حزبنا على أنّها تحريفية وإستعمالنا الجزئي للصراع البرلماني على أنّه برلمانية ، كان على صواب. وعندما جلسنا لجولتين من المفاوضات مع العدوّ، إعتقدتم بأنّنا إنتهينا. لكن لم يُبيّن الواقع الموضوعي أبدا صحّة أحكامكم وذلك نتيجة لتحليلكم الدغمائي وتلخيصكم الذاتي. والآن ، نفهم أنكم لا توافقون على تكتيكاتنا الراهنة لإيقاف إطلاق النار، و الدستور الإنتقالي ، و الحكومة الإنتقالية و إنتخابات المجلس التأسيسي والجمهورية الديمقراطية التى ستركّز عبر إعادة هيكلة واسعة للدولة. ومردّ ذلك طريقة تفكيركم الذاتية التى لا تتّبع الخطّ الجماهيري. والرسالة الحالية دليل على ذلك. ومع ذلك، من قناعاتنا الراسخة أنّ مع الفهم السليم للماركسية-اللينينية-الماوية وتطبيقها الخلاّق على خصوصياتنا، سنقدر على تركيز دولة ديمقراطية جديدة فى ظلّ قيادة البروليتاريا، على الأرجح فى المستقبل المنظور فى بلادنا ، وهو ما سيدلّل موضوعيا على أن عدم موافقتكم ونقدكم الجدّي والإتهام غير المباشر بالتحريفية الذين عبّرتم عنهم فى رسالتكم ذاتية وخاطئة من جميع الوجوه.
التجربة التاريخية و جهودنا :
يشهد التاريخ على أنّ الطبقة البروليتارية قد نجحت فى تركيز سلطتها فى تقريبا ثلث الكوكب، بتضحية باهرة للملايين فى القرن العشرين. وكان النظام الإمبريالي العالمي للحزب والعدوان الذى سلب ونهب الأمم والشعوب الفقيرة للبلدان المتخلّفة، يجد فى النظام الإشتراكي تهديدا له. إذ قد ألغي فى الأساس الفقر والفاقة والفساد والبطالة إلخ –الظواهر العامّة لنمط الإنتاج الرأسمالي- من البلدان الإشتراكية تلك.
لكن أثيرت أسئلة عن سبب تحوّل السلطة البروليتارية إلى نقيضها دون إراقة دماء ، بالضبط إثر وفاة أو إلقاء القبض على القيادة الأساسية. لماذا أخفق الرفيق ستالين فى السيطرة على ظهور التحريفيين داخل الحزب الذى كان يقود، بالرغم من قيامه بأفضل ما لديه،بما فى ذلك قمعهم بالقوّة ؟ لماذا أخفق الحزب الشيوعي الصيني فى ظلّ قيادة ماو، رغم شنّه الثورة الثقافية ، فى الحيلولة دون دنك سياوبينغ وطغمته والإستيلاء على السلطة بعد وفاته؟ لماذا أخفق الجيش الأحمر الروسي الذى كان قادرا على إلحاق الهزيمة بهتلر النازي وجيشه القويّ بتضحية حوالي 20 مليونا من الوطنيين الروس، لماذا أخفق فى المسك بالسلطة البروليتارية إثر وفاة الرفيق ستالين؟ ولماذا تحوّل جيش التحرير الشعبي الصيني الذى إستطاع أن يهزم العدوان الإمبريالي اليابني و5.5 مليون من الجيش الرجعي الصيني، إلى متفرّج صامت حينما إستولت طغمة دنك التحريفية على السلطة ؟ ولماذا أخفق الجيش الشعبي الفتنامي الذى إستطاع أن يهزم الجيش الأمريكي أعتى جيش فى العالم مجهّز بأكثر الأسلحة حداثة ، من ملاحظة تحوّل السلطة البروليتارية إلى نقيضها؟ هذه و شبيهاتها هي الأسئلة التى نسعى إلى إيجاد أجوبة صحيحة لها. مجرّد الإتهام بالتحريفيين لا يحلّ المشكلة.
إنّه لمناقض للجدلية أن نعتقد فى أنّنا معصومون من إقتراف أية أخطاء بينما نكرّس عمليا الماركسية-اللينينية-الماوية. و بالتالى ، لا نرحّب فحسب وإنّما نطالب بإقتراحات ونقد من رفاقنا عبر العالم. و بهذا المعنى، نرحّب كبير الترحيب بإقتراحاتكم ونقدكم الخلاقين. لكن حزّ كثيرا فى نفسنا كيف تفهموننا وعملكم على تعليمنا المبادئ الأساسية للماركسية-اللينينية-الماوية كما لوأننا لا نعرفها البتّة أو أنّنا إنحرفنا عنها. بوضوح نلاحظ مفارقة بين المساعدة الإيديولوجية التى نحتاج إليها من رفاقنا أمميا وما يقدّمونه لنا،فى موضوع الحال، عبر رسالتهم. نحتاج إلى مساعدة فى جهدنا للسعي لوصل الحلقات المفقودة فى الحركة الشيوعية العالمية التى تسببت فى فقدان طبقتنا لسلطتها فى القرن العشرين، بيد أن رسالتكم تحاول أن تجرّنا خلفا إلى الصراع حول المسائل الأساسية والكلاسيكية للماركسية-اللينينية-الماوية. نرغب فى نقاش للمسائل المذكورة أعلاه لتجاوز المشاكل التى واجهتها حركتنا فى القرن العشرين، فى الوقت الذى ليست لدينا أية إجابة قاطعة إلى اليوم. إنّ رسالتكم لا تركّز على تلك المسائل الإيديولوجية والسياسية ، لكن بالأساس تعلّمنا أبجديات الماركسية. إنها تحزّ كثيرا فى نفسنا.
المادية التاريخية والجدلية فلسفة الثورة وهي لا تنطبق فحسب على المجتمع بل كذلك على الفكر الإنساني. وحدة وصراع الأضداد قانونها الجوهري وهذا يعنى إزدواج الواحد وتحوّل المظهرين كلّ إلى نقيضه. ونعتقد أنّ الأخير هو المظهر الرئيسي بالنسبة لنا، نحن الشيوعيون.
نرى أن الحركة الشيوعية العالمية عموما أخفقت فى الماضى فى إستيعاب شمولية هذا القانون الجدلي. فقد أعارت طبقتنا إنتباها أكبر إلى "إزدواج الواحد" فى الماضى وهي تفعل الشيئ ذاته حاضرا، إلاّ أنه عن وعي أو لاوعي قفزت على فهم وتطبيق عمليين لتحوّل المظهر إلى نقيضه، المظهر الرئيسي. وبسبب هذا الفهم الخاطئ ، عمليا على الأقلّ، طبّقت طبقتنا جدلية النفي فى صراع الخطّين لتوجد إنشقاقات فى صفوفنا عوض المساعدة على الوحدة بإيجاد الإطار المادي كي يتغيّر الرفاق المخطؤون. بكلمات أخرى، كرّست طبقتنا وحدة- صراع- إنشقاق و ليس وحدة- صراع- تحويل. و التبعات التى يواجهها الشيوعيون إلى اليوم تبرّر [تدلّل على]هذا. على صفوفنا أن تصحّح ذلك، وحزبنا يسعى للقيام بذلك.
والآن يثار سؤال، كيف يمكن مساعدة رفاق الطريق على تصحيح أفكارهم الخاطئة؟ بالتأكيد ليس لدينا أية وصفة سحرية. أوّلا، و الأهمّ ،إنه الفهم الصحيح والتطبيق المناسب لمبادئ المادية الجدلية عمليا فى صراع الخطّين داخل الحزب البروليتاري هو الذى بوسعه أن يصحّح الأفكار الخاطئة للرفاق المعنيين. وثانيا، إنها جماهير الشعب، البروليتاريا والطبقة المضطهَدة ، هي التى بوسعها أن تساعد قادتها على التغيّر بالإشراف عليهم ومراقبتهم والتدخّل تجاههم وتجاه المؤسسات التى يعملون بها. نقول "ثورة داخل الثورة"،وبالطبع نعتقد بأنّ هذا هو المظهر العملي لذلك والذى طوّرته بالتالى الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى، كماعرضها ماو. بصيغة أخرى، إنها سيرورة جعل العمل الجماهيري ضد القادة المخطئين ظاهرة منتظمة . فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا، نعتقد أنّ هذه هي كيفية قدرة حزب البروليتاريا على مساعدة الرفاق المخطئين على التغيّرخدمة للمضطهَدين ومن ثمة صدّ الثورة المضادة فى صفوفنا. لاحقا سنناقش كيف أننا نحاول تطوير آلية ومنهج لتحقيق هذه الغاية.
الدولة، الديمقراطية ودكتاتورية البروليتاريا :
من أبجديات الماركسية أنّ سلطة الدولة وسيلة لا مناص منها لتكريس دكتاتورية طبقة على طبقة أخرى فى مجتمع طبقي. فى رسالة مأرّخة فى 5 مارس 1852 موجّهة إلى فيد يميير ، قال ماركس :"وما أعطيته من جديد يتلخص فى إقامة البرهان على ما يأتى :1) أن وجود الطبقات لا يقترن إلاّ بمراحل تاريخية معينة من تطوّر الإنتاج ،2) أنّ النضال الطبقي يفضى بالضرورة إلى دكتاتورية البروليتاريا، 3) أنّ هذه الديكتاتورية نفسها ليست غير الإنتقال إلى القضاء على كلّ الطبقات و إلى المجتمع الخالى من الطبقات... " وبالمعنى ذاته ، فى مؤلفه الشهير "الدولة والثورة"، قال لينين :" ليس بماركسي غير الذى يعمّم إعترافه بالنضال الطبقي على الإعتراف بديكتاتورية البروليتاريا."
وبالنسبة للذين يدعون كونهم شيوعيون، التفكير بأنّ الطبقات المناهضة فى مجتمع يتمتّع بحقوق متساوية فى ظلّ سلطة الدولة القائمة مجرّد هراء وهوغير علمي. المسألة هي أنّ الطبقة فى السلطة تتمتّع بالديمقراطية وتكرّس الدكتاتورية على العدوّ الطبقي. و عليه الديمقراطية و الدكتاتورية ضدّان فى وحدة هي سلطة الدولة. لهذا لا يمكن أن توجد ديمقراطية مطلقة فى مجتمع طبقي وكذلك لا يمكن أن توجد دكتاتورية مطلقة. وهذا صحيح تماما لكلا الدولتين، الدولة البرجوازية والدولة البروليتارية . وحين تكفّ الطبقات عن الوجود فى المجتمع ، عندئذ كذلك ستكفّ سلطة الدولة عن الوجود، و بالتالى تضمحلّ الدكتاتورية والديمقراطية. ما ينبغى أن نركّز عليه هو كيف يمكن لممارستنا ديمقراطية ودكتاتورية البروليتاريا أن تقودنا إلى إلغاء سلطة الدولة إضمحلال كلّ من الديمقراطية و الدكتاتورية من المجتمع.
بالطبع ، ينصبّ إهتمام حزبنا الجدّي على كيف يمكن أن تعزّز طبقة البروليتاريا، عندما تتوصّل إلى السلطة إثر الإطاحة العنيفة بعدوّها، الدكتاتورية على الطبقة المناهضة لها لكي تقدر على المواصلة نحو إلغاء الدولة بالحيلولة دون الثورة المضادة. نعتقد أنه بقدر ما تضمن الديمقراطية للطبقات المضطهَدة ،بقدر ما تكون شديدة الوحدة الطوعية والمبدئية فى صفوفها، وهو أمر بالنتيجة سيوطّد الدكتاتورية على الطبقة البرجوازية. حينما لا ترمى الديمقراطية جذورها ضمن كافة الطبقات المضطهَدَة ، فإنّ النزعات البيروقراطية ستظهر داخل الحزب والدولة والمجتمع كذلك وهو ما سيضعف بالتالى دكتاتورية البروليتاريا. تاريخ الحركة الشيوعية العالمية وممارستنا الخاصّة لسلطة الشعب ، وإن كان على شكل غير ناضج، قد بيّنت لنا هذا. لذلك قد شدّدنا على تطوير الديمقراطية فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا.
الآن، سنرى كيف نظر قادتنا الروّاد إلى الديمقراطية فى ظلّ المجتمع الإشتراكي والدولة. كُتب فى " بيان الحزب الشيوعي" : "إن الخطوة الأولى فى ثورة العمّال هي تحوّل البروليتاريا إلى طبقة سائدة و الظفر بالديمقراطية" .
فى مؤلفه الشهير "الثورة الإشتراكية وحقّ الأممم فى تقرير مصيرها(موضوعات)" ، كتب لينين :"ليست الثورة الإشتراكية عملا واحدا، و ليست معركة واحدة فى جبهة واحدة ، إنّما هي مرحلة كاملة من النزاعات الطبقية الحادّة ، و سلسلة طويلة من المعارك على جميع الجبهات ، أي فى جميع مسائل الإقتصاد و السياسة ، معارك لا تنتهى إلاّ بمصادرة ملكية البرجوازية. و من فادح الخطأ الإعتقاد أن النضال فى سبيل الديمقراطية يمكن أن يصرف البروليتاريا عن الثورة الإشتراكية أو أن يكسف هذه الثورة أو يحجبها، إلخ.. بل الأمر على العكس. فكما أنّه يستحيل إنتصار الإشتراكية إذا لم تحقّق الديمقراطية الكاملة، كذلك لا تستطيع البروليتاريا أن تستعدّ للتغلّب على البرجوازية إذا لم تشنه نضالا ثوريا شاملا دائبا ، صادقا، فى سبيل الديمقراطية."
ولنستشهد بماو بمقتطف من "خطاب فى الإجتماع العام الثاني للجنة المركزية الثامنة للحزب الشيوعي الصيني" ( المجلّد 5، 15نوفمبر1956) أين يقول:" لسنا نخشى الإمبريالية لذا لماذا يجب أن نخشى الديمقراطية الكبرى؟ لماذا علينا أن نخشى الطلبة و هم ينزلون إلى الشوارع ؟ لا يزال داخل حزبنا بعض الأعضاء الذين يخشون الديمقراطية الكبرى و هذا ليس بالأمر الجيّد. على هؤلاء البيروقراطيين الذين يخشون من الديمقراطية الكبرى أن يدرسوا بجدّ الماركسية و أن يحسّنوا سلوكهم."
من المقتطفات أعلاه ، نجد بيان الحزب الشيوعي والرفيق لينين والرفيق ماو يحثّون على الديمقراطية . لكننا نلاحظ أنّ الممارسة الماضية للديمقراطية البروليتارية كانت غير مناسبة بخاصة فى غياب آلية و منهجية مناسبة لمأسستها بما أضعف بالنتيجة دكتاتورية البروليتاريا. لسنا نحاجج من أجل شيئ جديد ، ليس فى الماركسية-اللينينية -الماوية ، لكن ما نقترحه هو وصل حلقات الماضي المفقودة لجعل كلّ من ديمقراطية و دكتاتورية البروليتاريا أكثر فاعلية ، لذا لا نعتقد أنّ حزبنا يجب أن يخشى الديمقراطية التى نتحدّث عنها. بالأحرى ، نرغب فى أن يركّز حزبكم أكثر على كيف يمكن تركيز ديمقراطية حقيقية للبروليتاريا لأجل أن تمارس الوحدة الطوعية لكافة الطبقات المضطهَدة و دكتاتورية أكثر فاعلية وواقعية على عدوّها الطبقي.
بالطبع ، قد قدّمنا بعض المقترحات لتطوير منهج و آلية داخل الدولة من أجل المساعدة الفعلية على تطبيق العلاقة الجدلية بين القدرة على تكريس دكتاتورية و ديمقراطية البروليتاريا فى المجتمع. لقد رأينا الممارسة الصينية ،الأخيرة ، حيث نجد ثماني أحزاب مختلفة لقطاعات مختلفة من الجماهير ليس للعدوّ الطبقي ، تلعب دورا تعاونيا فى الحكومة الشعبية.
نعتقد أنّها كانت ميكانيكية و شكلية، و من ثمّة غير مناسبة. ما إقترحناه هو رفع هذا التعاون المتعدّد الأحزاب إلى مستوى التنافس متعدّد الأحزاب ضمن الدولة البروليتارية فى إطار دستوري معادي للإقطاع ( أو معادي للبرجوازية) و معادي للإمبريالية. و نقد الحزب الشيوعي الثوري بأن الحزب الشيوعى النيبالي (الماوي) ينزع نحو التخلّى عن دكتاتورية البروليتاريا بتبنّى الديمقراطية البرجوازية الشكلية يعكس عدم وعي حزبكم ببلوغ لبّ المشكل الذى نثيره. لذا ،عوض إتهامنا بتبنّى الديمقراطية البرجوازية ، نطالب الحزب الشيوعي الثوري بأخذ الأمر على محمل الجد و خوض نقاش من المستوى الراقى الذى إليه نحتاج.
و الآن تثار مسألة ما الذى سيفعله حزب البروليتاريا إذا هُزم فى الإنتخابات فى ظلّ تنافس متعدّد الأحزاب، وعموما نعتقد أنّه موضوعكم الجوهري. نؤمن بأنّ هذه المسألة أقلّ جدّية و خطورة من ما الذى ستقوم به الطبقة البروليتارية إذا تفسّخ حزبها و تفسّخت دولتها و صارا تحريفيين؟ هذه هي المسائل المتصلة بكيفية تطوير منهج و آلية لمواصلة الثورة إلى الشيوعية فى خضمّ تهديدات متنوعة داخلية و خارجية من الثورة المضادة. لهذا إقترحنا أنه يتعيّن أن يوفّر الدستور الذى يوضع موضع الممارسة العملية عقب إفتكاك الطبقة البروليتارية للسلطة ،الحقّ للطبقات المضطهَدة ، ليس للعدوّ، أن تثور على الحزب إذا تحوّل إلى حزب تحريفي و أن تشكّل حزبا جديدا لمواصلة الثورة فى ظلّ الظروف المعطاة.
و من الجهة الأخرى ، حاجة الحزب إلى التوجّه إلى توكيل من الشعب فى إنتخابات فى ظلّ التنافس المتعدّد الأحزاب تجعله أكثر مسؤولية إزاء جماهير الشعب. إن لم يواجهوا التنافس فى صفوف الجماهير للبقاء فى قيادة السلطة ، بالتالى تبقى قاعدة مادية ، فيها تغدو العلاقة بين الحزب و الجماهير شكلية و ميكانيكية و هكذا توفّر فرصة لنموّ البيروقراطية فى صفوف الحزب ذاته. و تثبت التجربة الماضية هذا. وعليه نؤمن بأنّ التنافس المتعدّد الأحزاب من أجل حكومة الشعب و، إلى جانب هذا، حقّ الشعب فى الإشراف و المراقبة و التدخّل بما فى ذلك إقالة الممثّلين من السلطة ، يوفّر نوعا من الأداة بأيدى الجماهير يمكن أن تسحب ثقتها من الرفاق المخطئين فى حقّها. و تجعل هذه السيرورة العلاقة بين الحزب و الجماهير أكثر حيوية و نشاطا بما يوفّر بيئة مساعدة موضوعيا على تغيير المخطئين، سواء بإتجاه إيجابي أو سلبي.
ورد فى رسالتكم نقدا لموقفنا :" نشعر أنّ جعل أهمّ مسألة مسألة الديمقراطية الشكلية ، و تعبيرتها فى الإنتخابات، و تنافس الأحزاب السياسية و ما شابه، خطأ جدّي سيعزّز التوجهات نحو التخلّى عن دكتاتورية البروليتاريا أو الإطاحة التامة بها من قبل المناهضين للثورة. " لا نعتقد أنّ المسألة بالبساطة التى وضعتموها هنا. فالكلّ يعرف أنّه لم توجد منافسة متعدّدة الأحزاب أو ما شابه، فى روسيا و الصين ، وهو حسب رأيكم المصدر الجوهري لتعزيز النزعات نحو التخلّى عن دكتاتورية البروليتاريا. إذن لماذا أخفقت روسيا و الصين فى الحفاظ على الثورة و مواصلة دكتاتورية البروليتاريا إلى الشيوعية؟ التنافس المتعدّد الأحزاب ليس الوسيلة الوحيدة التى من خلالها يمكن للإمبريالية أن تلعب دورا فى قلب الثورة. نطلب من الرفاق أن يركّزوا النقاش حول التبعات الإيجابية و السلبية التى يمكن أن تنجرّ عن وضع مثل هذا التنافس موضع الممارسة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا، و ليس أن يلفظوه لفظا تاما بإتهامه بالديمقراطية البرجوازية الشكلية. فمجرّد نقد مقترحاتنا إعتمادا على حجج منطقية لا يعالج المشكل الذى تواجهه طبقتنا الآن. نعتقد أن مصير الثورة البروليتارية فى القرن 21 يعتمد على جيلنا ، بالأساس على حزبينا حاضرا. و نطلب من الحزب الشيوعي الثوري أن يتجرّأ على القطع مع الطريقة التقليدية للتفكير الدغمائي و أن يرفع مستوى الصراع لتلبية حاجة اليوم.
مجدّدا نودّ أن نستشهد بجملتين من رسالتكم حيث كُتب :" فالصين لم تصبح ببساطة رأسمالية أكثر فأكثر ،" كليانية " أكثر فأكثر ، مع زيادة قوّة الدولة. من أجل تغيير نحو الرأسمالية ، ينبغى أن يفتكّ أتباع الطريق الرأسمالي سلطة الدولة وهو ما قاموا به من خلال إنقلاب عقب وفاة ماو." أوّلا، هذا النوع من التأويل لا يمثّل المادية الجدلية ،لأنه ينكر حتمية التطوّر الكمّي بالنسبة للقفزة النوعية. وُجدت قاعدة مادية بالأساس فى البنية الفوقية لقيام ثورة مضادة، و كانت تتطوّر بإستمرار صلب الدولة الإشتراكية ذاتها. إن لم يوجد هكذا وضع ، لماذا كان على ماو أن يناضل ضد شياطين شتّى على غرار التجاوزات الثلاث و التجاوزات الخمس و فى النهاية شنّ الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ضد مراكز القيادة التحريفية ؟ إن لم توجد قاعدة مادية من هذا القبيل ، لم تكن الثورة المضادة لتحدث بضربة واحدة بإرادة من التحريفيين. بالأحرى ،
الواقع هو أن ماو تأخّر فى توقّع هذا الوضع.
ثانيا، يفضى هذا النوع من الحجج إلى إستنتاج أنّ التحريفيين وحدهم هم المسؤولون عن الثورة المضادة. و هذه الطريقة فى التفكير لا تذهب إلى عمق المشكل بل تقفز على سؤال لماذا أخفق الثوريون فى منع ظهور التحريفيين فى صفوف الحزب الثوري. لا ينبغى أن يظلّ الثوريون مكتفين بالرضا عن النفس بفقط إلقاء اللوم على النتائج الوخيمة على التحريفيين و إنّما يتعيّن التأكيد أكثر على الأخطاء التى إقترفوها فى الماضي و الإجراءات التى يتعيّن إتخاذها لتصحيحيها حاليا. إنّ نزعة إتهام الآخرين بالخطإ و تبرءة النفس من هكذا أعمال لا يمثّل كذلك مسؤولية أو ثقافة بروليتارية.
الجمهورية الديمقراطية- شكلا إنتقاليا :
لنشرع فى نقاش حول هذا الموضوع بإقتطاف جملة من رسالتكم لنا. كُتب فيها :" يتحدّد دور و طبيعة الطبقات الحاكمة و ممثّليها السياسيين ، كالأحزاب البرلمانية ، جوهريا ليس بعلاقتها بالنظام الملكي و إنّما بعلاقتها بالإمبريالية و الإقطاعية. "
إستراتيجيا ، هذا صحيح إلى حدّ كبير بيد أنّه فى حالنا، حتى و إن لم يوجد إختلاف جوهري بين النظام الملكي و الأحزاب البرلمانية إستراتيجيا فى ما يتصل بعلاقتهم بالإقطاعية و الإمبريالية ، بالمعنى التكتيكي ثمّة بعض المظاهر المختلفة بينهم .لهذا السبب إستطعنا أن نستفيد من نزاعهم أثناء العقد الماضي من حرب الشعب. و هذا النزاع لم يعالج بعدُ. تكتيكيا، يستغلّ هذا الخلاف لتحقيق الحكومة الإنتقالية و المجلس التأسيسي و الجمهورية الديمقراطية.
يوضح القرار السياسي الذى تبنّته لجنتنا المركزية بإجماع فى 2005 موقفنا حول الشعار التكتيكي. نقرأ:" الآن شعار الحكومة الإنتقالية و إنتخاب المجلس التأسيسي و الجمهورية الديمقراطية الذى صاغه حزبنا ، آخذا بعين النظر ميزان القوى العالمي و المحلّي ،هو شعار تكتيكي وضع لأجل البحث عن طريق سياسي. باقين واضحين بشأن كون مبدأ التكتيك يخدم الإستراتيجيا ، رأى حزبنا الجمهورية الديمقراطية لا كجمهورية برجوازية برلمانية و لا مباشرة كجمهورية ديمقراطية جديدة. ستنهض هذه الجمهورية ،مع إعادة هيكلة واسعة لسلطة الدولة بغاية معالجة المشاكل المتصلة بالطبقية و القومية و الجهوية و الجندرية السائدة فى البلاد، بدور جمهورية إنتقالية متعدّدة الأحزاب. بالتأكيد ، ستحاول الطبقة الرجعية و أحزابها أن تحوّل هذه الجمهورية إلى جمهورية برلمانية ، بينما سيحاول حزبنا البروليتاري تحويلها إلى جمهورية ديمقراطية جديدة. ما مدى طول هذه المرحلة الإنتقالية ليس شيئا يمكن تحديده الآن. من الواضح أنّه سيرتهن بالوضع الوطني و العالمي ووضع موازين القوى. أمّا بالنسبة إلى الوقت الحاضر ، فقد لعب هذا الشعار و سيلعب دورا هاما فى توحيد كافة القوى ضد النظام الملكي المطلق السائد للدولة القديمة ،لأنه عدوّ مشترك لكلّ من القوى الثورية و البرلمانية." و لا نظنّ أن ذلك يستحقّ مزيدا من الشرح لتوضيح موقفنا من هذا التكتيك.
مسألة جيش التحرير الشعبي وثيقة الإرتباط بهذا الشعار التكتيكي . موضّحا موقفنا من جيش التحرير الشعبي ، كتب فى قرار بالإجماع للجنتنا المركزية المنعقدة فى 2006 : " فى الظرف الراهن ، حيث العناصر الرجعية المحلّية و الأجنبية تتآمر ضد طموحات الشعب النيبالي للتقدّم و السلام، يجب أن يشدّد جميع الحزب من القمّة إلى القاعدة ، إلى أقصى حدود التشديد على مسألة تعزيز و توسيع جيش التحرير الشعبي و إبقائه جاهزا للذهاب فى أيّ وقت لجبهة الحرب. و فى هذه المرحلة الحسّاسة ، حيث ستصارع الإمبريالية و الرجعية لنزع سلاح جيش التحرير الشعبي، و سيصارع حزبنا لحلّ الجيش "الملكي" على جبهة المحادثات، إذا أخفق الحزب فى تعزيز و توسيع جيش التحرير الشعبي و إبقائه جاهزا طوال 24 ساعة للحرب، سوف يمنى الشعب النيبالي بهزيمة كبرى. يمكن أن تكون للحرب مساومات عديدة فى مجال السياسة و الدبلوماسية ،ؤلكنه لن يتخلّى أبدا عن القوّة الحقيقية ، جيش التحرير الشعبي و الأسلحة التى يمتلكها و التى كسبها الشعب النيبالي بدم آلاف الشهداء. يمكن تغيير إسمه و هيكلته وفقا لحكم الشعب، لكن حتى إسمه لن يُغيّر ليستفيد منه الإمبرياليون و الرجعية و أمانيهم و مطالبهم. لن يسمح الحزب مطلقا بأي تردّد فى هذه المسألة الأساسية الطبقية و النظرية ".
عموما ، الشعارات السياسية التكتيكية تترجم أقلّ فى الممارسة . وذلك لأن منظّري الرجعية يفهمون أنّ لها صلة مباشرة بالهدف الإستراتيجي للثوريين، و يعرفون أنّ الطبقة البروليتارية تستفيد من ذلك. لكن أحيانا يجبرون على الموافقة عليها لأنّ الخيار الآخر الباقي أمامهم أسوأ. بهذا المعنى ،لا يجب على الثوريين تقديم شعارات تكتيكية مع قناعة أنّها لن تكرّس عمليا. و من هنا جرى تبنّى تكتيكنا ، فى الحالتين، سواء كرّس عمليا أم لم يكرّس عمليا، يمكن ربطه بالهدف الإستراتيجي لمستوى أرقى من الهجوم ضد العدوّ. و أهمّ شيئ يحتاج إليه هو القوّة السياسية لإضعاف العدوّ و عزله بتوحيد الشعب حول هذا الشعار. حين يتمّ إرساء سياسات الطبقة البروليتارية ضمن الجماهير، بالتالى لن يكون للجماهير أي تردّد فى أن تلتفّ حول الحزب الذى يرفع ذلك الشعار. نعتقد أن هذا الشعار قد قام بهذا. يمكن للجمهورية الديمقراطية أن تتخذ شكلها فقط إثر إعادة هيكلة الدولة وهو ما أشارت إليه الوثيقة بوضوح. ستجرى إعادة هيكلتها كي تعالج المشاكل الأساسية للطبقات و القوميات المضطهَدة و الجندر و الجهات، مضمون الثورة الديمقراطية الجديدة. بأي طرق نناور مستعملين هذه المصطلحات ، لا يحدث هذا أي إختلاف فى جوهر الهدف الإستراتيجي. ما يمكن أن نقوله الآن لحزبكم هو فقط إصبروا –إنتظروا و سترون.
الإستراتيجيا و التكتيك:
المادية الجدلية و التاريخية ، الإيديولوجيا الثورية علم و السياسة الثورية فنّ تطوير التكتيك خدمة لمصالح الطبقة البروليتارية. لا يمكن إستنساخ التكتيك من كتاب، و لا يمكن لأي كان بعيدا عن معرفة الواقع الموضوعي الذى عنه تنتج أن يصوغ تكتيكا صحيحا. إنّه يطوّر على نحو خلاّق على أساس التحليل الملموس للواقع الملموس. بهذا المعنى، على المرء أن يكون مرنا جدّا فى التكتيك لأنّ الوضع الموضوعي يتغيّر بإستمرار. لكن الإستراتيجيا تمثّل هدفا خاصا أو غاية لمعالجة التناقضات الأساسية فى مجتمع معيّن. و على الثوريين أن يظلّوا صلبين فى الإستراتيجيا إلى أن تتمّ معالجة التناقضات الأساسية للمجتمع. و على التكتيك أن يخدم الإستراتيجيا.
تَذكُّر أشياء من الكتب و تأويلها لساعات على هذا الأساس شيئ ، و تطبيقها فى الممارسة الحيّة شيئ آخر مختلف نوعيا. متحدّثين بصراحة ، من اليسير للغاية عدم إقتراف أية أخطاء فى الإستراتيجيا. لكن فى منتهى الصعوبة صياغة و تطبيق التكتيكات المناسبة خدمة للإستراتيجيا. هذا أيضا خطير. و حيث هناك خطر أكبر ، هناك فرصة أكبر ،هذه هي الجدلية. إمتحان الثوريين ،بما فى ذلك حزبكم ، يتمّ على أحسن وجه فى التكتيك و ليس فى الإستراتيجيا. و من هنا ، يرتهن مصير الثورة تماما ليس بالإستراتيجيا وحدها ، لكن بنوع التكتيكات التى يجرى تبنيها فى ظروف متنوّعة للثورة لبلوغ الهدف الإستراتيجي.
يمكننا أن نقول بثقة إنّنا كنّا نطبّق بصفة صحيحة جدلية الصلابة الإستراتيجية و المرونة التكتيكية فى ممارستنا الثورية ، منذ الإنطلاق فى حرب الشعب. و يرى الناس فى العالم بما فى ذلك حزبكم، أنّنا توحّدنا مع التحريفيين، ووجدنا بالبرلمان ب 19 عضرا و شاركنا فى جولتين من المفاوضات مع الأعداء و الجولة الثالثة جارية. و الحكومة الإنتقالية و إنتخاب المجلس التأسيسي على جدول الأعمال المباشر. أيها الرفاق، لو كنّا مخطئين فى المسك بالجدلية و المرونة التكتيكية و الصلابة الإستراتيجية فى ممارستنا لخوض الصراع الطبقي ، لكنّا إنتهينا منذ مدّة. كلّ تحرّك من هذه التكتيكات كان كافيا لجعلنا تحريفيين ، المجموعة لكاملها لم تكن ضرورية لذلك.
نعم ، هناك على الدوام خطر جدّي بأن يلتهم التكتيك الإستراتيجيا أو أن تلتهم السياسات السياسة ، وهو تلخيص للحزب الشيوعي الماوي حسب رسالتكم. المرونة التكتيكية دون الصلابة الإستراتيجية تفرز هذا الخطر، و نتيجته الأخيرة هي الإصلاحية و التحريفية. إنّه يتمظهر فى شكل "القتال من أجل التفاوض" لا "التفاوض من أجل القتال" لكن هناك خطر آخر أيضا لم تنتبهوا إليه فى رسالتكم ألا وهو تحوّل الإستراتيجيا إلى تكتيك، بكلمات أخرى ، إنعدام التكتيك أو السياسة تلتهم السياسات. لقول هذا بصيغة أخرى، إنها الصلابة الإستراتيجية دون مرونة تكتيكية و نهايتها هي الإنعزالية -الدغمائية.
إنّ الذين يغرقون فى مستنقع المرونة التكتيكية دون صلابة إستراتيجية يعتبرون حزبنا دغمائيا، بينما الذين يعانون من أرق الصلابة الإستراتيجية دون مرونة تكتيكية يعتبرون أنّنا نتجه نحو الإصلاحية و التحريفية. بثقة، ما يمكننا قوله هو أنّ كلا هذين الإتهامين خاطئان ، لكنّنا نحن على صواب لأننا كنّا نطبّق عمليا الصلابة الإستراتيجية و المرونة فى التكتيك بطريقة جدلية. و القفزة النوعية فى حرب الشعب فى العشر سنوات و نصف السنة الأخيرين تدلّل على هذا الواقع.
يبذل حزبنا بحماس قصارى جهده ليحاول التعلّم من تجارب الصراعات و التكتيكات الثورية فى الحركة الشيوعية العالمية ، عموما، و التجارب الأخيرة للبيرو و نيكارغوا بوجه خاص. ونؤمن بأن كلا الطريقين فى توخّى التكتيك ، فى البيرو و نيكارغوا خاطئان. نحن واثقون بأن بإمكاننا أن نحمي حركتنا من الأخطاء التى إرتكبت فى هذين البلدين.
على أساس تجربتنا من الوحدة و الصراع مع حزبكم فى الماضى عموما و مع رسالتكم الحالية على وجه الخصوص، نعتقد أن حزبكم يعانى بعمق من تيّار إنعزالي- دغمائي. و بالتالى ، لم نفاجئ بتلقّى ناقوس الخطر من حزبكم عبر رسالتكم التى فيها شكّكتم فى أنّ ثورتنا تنزلق نحو التحريفية. نعلم أنّكم لا تريدون أن تتهمونا بصيغة غير مباشرة بالتحريفية ، لكنها طريقة تفكيركم هي التى قادتكم إلى هذا الإستنتاج. و مع ذلك ، لا ندّعى أنّنا معصومون من إرتكاب أية أخطاء فى طريقنا. بهذا المعنى، ساهمت رسالتكم بصورة ذات دلالة فى إنذارنا بالمخاطر المحدقة فى تقدّم مسيرتنا.

الجمهورية الديمقراطية الجديدة للنيبال و الجيش :
موقفنا الراهن من جيش التحرير الشعبي فى هذا الإطار ، حيث إتهمتنا رسالتكم بتفكيكه ، قد وقع توضيحه فى الجزء المقتطف من الوثيقة أعلاه.و لا نرى أنّه من الضروري مزيد الحديث فى الأمر. لكن ، إعتبارا للوضع الجغراسياسي، نطوّر بعض المفاهيم حول قوّة الجيش بالنسبة للجمهورية الديمقراطية الجديدة للنيبال. من الواقع الجغرافي لبلادنا التى يقطنها فقط 25 مليون نسمة ، أنّها واقعة بين أمّتين عملاقتين هما الهند و الصين إذ لكلّ منهما أزيد من مليار ساكن. و يجرى تطوير القوّة العسكرية الصينية بهدف معارضة الإمبريالية. و الجيش الهندي معروف بأنه رابع قوّة عسكرية فى العالم. و من المصادر التى لدينا فى بلادنا و قوّة جيش التحرير الشعبي ، حتى و إن ضممنا إلى صفوفه كافة الشبان ، لا نستطيع أن نلحق الهزيمة بكلّ من الجيشين الجارين، ناهيك عن الجيش الإمبريالي الأمريكي، للدفاع عن سلامتنا الترابية من العدوان العسكري الأجنبي.
فى هذا الوضع الموضوعي ، علينا أن نحافظ على جيشنا ليس لقتال العدوان العسكري الأجنبي ، لكن بغاية تقديم تدريب لعموم الجماهير فى شكل مليشيا. فقط بحر من الجماهير المسلّحة ، المسلّحة بالإيديولوجيا و السياسة الثوريين، بوسعه أن يصون سلامتنا الترابية, و للذكر فحسب، لدينا تاريخ لامع من النضالات البطولية فى الماضي. فالجماهير النيبالية مجهّزة بأسلحة محلية و أعمارها بين 11 و 65 سنة ، بقيادة جنرالات جيش وطنيين مثل بهاكتى ثابا و بلدهادرا كنوار، قد هزمت المعتدين البريطانيين الذين هاجموا من الجنوب ، فى نالابانى. بناءا على الوقائع التاريخية المذكورة أعلاه أيضا ، نعتقد أنّ بضعة آلاف من جيش التحرير الشعبي ستكون كافية لتدريب الجماهير عامة حتى تدافع عن سلامتها الترابية فى ظلّ الديمقراطية الجديدة و جمهورية النيبال الإشتراكية.
لقد طوّر حزبنا هذا المفهوم تأسيسا على التجارب المريرة للثورات الماضية أيضا. و هذا يعنى أن ذلك متصل بكيف أنّ العلاقة بين الجيش و الجماهير عموما يمكن الحفاظ عليها مخلصة مثلما كانت قبل إفتكاك السلطة. لكن بعد إفتكاك السلطة إذا وضع جيش التحرير الشعبي فى ثكنات جيش كبيرة بصورة مستمرّة ، موضوعيا سيحدث هذا قطيعة للعلاقة الحيوية السابقة ل "السمكة فى الماء" و "الأرض و البذور" بين الجماهير على وجه العموم و جيشها. ومن هنا سيوجد وضع تشرع فيه البيروقراطية بالتشكّل داخله . لذلك نحن مع تطوير منهج و آلية جديدين يمكن بفضلهما أن تحبط البيروقراطية داخل الجيش كي يتمّ الحفاظ على علاقة متينة له بالجماهير. و نعتقد أن هذه الطريقة فى الحفاظ على الجيش الشعبي يمكن أن تزيده ديمقراطية، و يمكن أن تشركه أكثر فى نشاطات الجماهير و الوحدة القوية إيديولوجيا و سياسيا، التى تتطوّر فى صفوفه و فى صفوف الجماهير و ستخوّل لهم القتال متحدين ضد التهديدين الداخلي و الخارجي. و بإمكان هذا كذلك أن يكون مفهوما جديدا للحفاظ على الجيش فى البلدان الإشتراكية، فى القرن 21 ، لقتال الإمبريالية العالمية. و نودّ أن نناقش من هذا المستوى الراقى.
نقاط متفرّقة :
لنقتطف بعض الأجزاء الهامّة من جملة أو جمل من الجزء الأخير من رسالتكم بعناوين مختلفة مثل "مقترح يبعث على التساؤل" و "عن المجتمع الدولي " و "النيبال و النظام الإمبريالي العالمي"إلخ. و هذه المقتطفات هي كالتالي :
" و تجب الإشارة إلى أنّه لو قِبِلَ العدوّ بهكذا "حلّ سياسي" من الممكن أن يترافق أو يُسبق بالتعويل على الوسائل العسكرية لفرض حلّ عسكري، مثلما رأينا كثيرا فى التاريخ( أندونيسيا، الشيلي، العراق فى 1965) . "
"إتفاق غير مكتوب ضمن المجتمع الدولي على أنّه لا يجب أن يسمح للماويين بالوصول إلى السلطة". ..؟ نعتقد أنّه دقيق للغاية"
"... من الصحيح كذلك أنّ النظام العالمي القائم لن يقبل بدولة شعبية ثورية حقيقية "
"لا مجال للشكّ فى أنّ الإمبرياليين و الدول الرجعية -"المجتمع الدولي"- ستعارضكم بقسوة و ستبذل وسعها لمنعكم من بلوغ السلطة فى مرحلة أولى و للإطاحة بحكمكم إذا نجحتم فى بلوغ السلطة و سوف يتضمّن هذا بالأحرى ألوانا شتّى من العدوان العسكري و كذلك التخريب و الحصار الإقتصاديين، و النشاطات الإستخباراتية و تمويل و تدريب المعادين للثورة و كلّ هذه "أعمال عادية" للدول الإمبريالية و الهند أيضا ، بهذا المضمار" .
بادئ ذى بدء ، نودّ أن نقول إنّ إنشغالكم المعبّر عنه فى هذه المقتطفات صحيح جدّا ، لهذا نشاطركم إياّه. لن تسمح الإمبريالية لأي ثوري أن يحكم فى أي جزء من الكوكب و ذلك قدر إستطاعتها. ليس صحيحا أنّ الحزب الشيوعي السوفياتي و الحزب الشيوعي الصيني جعلا أوّلا الإمبريالية سعيدة بسياساتهما و تكتيكاتهما ،ثمّ جمعا دعما لتركيز دكتاتورية البروليتاريا فى بلديهما. كذلك، لم يكن صحيحا أنهما أرسيا بنجاح دكتاتورية البروليتاريا لأنّهما كانا أقوى من الإمبريالية عسكريا . فالواقع هو أنّ حزب البروليتاريا كان أقوى فى إستنهاض الشعب و لفّه حوله، ومعالجة التناقضات فى صفوف العدوّ و إستعمالها لصالحه جدليا،لأنّ نظرته كانت علمية و كان لديه بعدُ نظر. و الشيئ ذاته صحيح الآن أيضا.
من مجمل رسالتكم ،يستشفّ أن الإمبريالية لن تقبل بأن يفرض ثوريون وضعا سياسيا بطريقة سلمية و ستتآمر "كالعادة" لتحطيم الثورة. و يستشف أنّ ما يقوم به حزبنا الآن تكتيكيا خاطئ و عبثيّ. و من ثمّة ألمحت رسالتكم إلينا بالمضي قدما بطريقة عسكرية و "كالعادة". نقدّر إنشغالكم ، لكننا نفهم أنّ الإمبريالية لن تقبل بوصولنا إلى السلطة أبدا ، قدر إمكانها، حتى إن مضينا كذلك"كالعادة". لذلك ، أن تقبل الإمبريالية أو لا تقبل ليست مطلقا المسألة المقصودة من وراء تكتيكنا فالمسألة الوحيدة فى الوضع الراهن هي أي تكتيك يمكّننا من إلحاق الهزيمة بالإمبريالية. لسنا واثقين من مسألة أنّ الإمبريالية ستسمح بمعالجة الحرب الأهلية سلميّا على النحو الذى يبتغيه حزبنا، لكنّنا واثقون من أنّه بمستطاعنا هزيمة الإمبريالية و عملائها على الجبهة العسكرية فقط بتطبيق هذا التكتيك . و هذه مسألة تطبيق صحيح للخطّ الجماهيري.
نعم، هناك بعض المواقف الباعثة على الإرتباك فى تأويلاتنا ، فى عديد الظروف. و نعتقد أنّها أحيانا ضرورية. إذا تمكّننا من إرباك الأعداء و المجتمع الدولي بخطواتنا التكتيكية، يمكن أن نشقّ صفوفهم إلى حدّ معيّن، ممّا سيفيد ثورتنا. لن تطرح مشاكل إلاّ إذا إرتبك حزب البروليتاريا ذاته. فطالما أنّ الخطّ الإيديولوجي و السياسي واضح و الحزب ملتزم بتحقيق المهمّة الإستراتيجية ، فإنه قادر على قيادة الجماهير فى كافة الظروف. بمقدور الثوريين أن يقودوا الجماهير قدما من مستوى الوعي الذى تكتسبه من الصراع الطبقي فى المجتمع، و ليس من مستوى الوعي الذى يحصل لدى حزب البروليتاريا. إنّها ليست مسألة أن نملي عليها ما نريده، لكن مسألة الوجود مع الجماهير للتعاطى مع الوضع و تطبيق الخطّ الجماهيري لتطوير وعيها.
لقد تناولت رسالتكم بصفة سريعة و متوجّسة سؤال: إذا قَبِل العدوّ بطلبكم ، للذكر فحسب، لمجلس تأسيسي ، فإنكم مضطرّون للموافقة على ذلك، و إلاّ ستفقدون ثقة الجماهير. نقدّر خشيتكم بيد أنّنا ندرك أن مجلسا تأسيسيا فى حدّ ذاته ليس حلاّ لكن مضمونه يمكن أن يكون الحلّ . مثلا ، إذا إستطاع المجلس التأسيسي أن يضمن تفكيك الجيش الملكي و إعادة تنظيم الجيش الوطني تحت قيادتنا، و تطبيق الإصلاح الزراعي الثوري المعتمد على سياسة الأرض لمن يفلحها ، و حقّ الأمم فى تقرير مصيرها، و إنهاء الميز الإجتماعي و التطوّر و الإزدهار إلخ، لماذا على المرء معارضته ؟ بهذا، نعنى أنّ المجلس التأسيسي يحدّد بمضمونه، ليس بشكله. ليس شيئا جامدا و إنّما هو مليئ تناقضات ، و فقط المطلوب هو قدرتنا على إستعمال هذه التناقضات خدمة لهدفنا الإستراتيجي.
أبدا لا تساوم الجماهير بحاجياتها لكنّها تفضّل التنفيذ السلمي. و من مهام الأحزاب الثورية أن تبيّن عبر الممارسة أن حاجياتها لا تلبّى بالوسائل السلمية. و فقط بالقيام بهذا يستطيع حزب البروليتاريا أن يقودها فى صراعات عنيفة. ندرك أنّ العدوّ لن يسمح لنا ببلوغ هدفنا الإستراتيجي بطريقة سلمية ، لكنّنا نستطيع أن نقود الجماهير فى الصراع العنيف للإطاحة بالأعداء بهكذا تكتيكات سياسية.
خاتمة :
هذا ردّنا المقتضب على رسالتكم المؤرخة فى 1 أكتوبر 2005 و نأمل أن نكون نجحنا فى توضيح موقفنا ، لا سيما بخصوص المسائل التى أثرناها فى هذه الرسالة.
نفهم أن حزبينا لهما نظرة مشتركة بصدد الحاجة إلى تلخيص التجارب الإيجابية منها و السلبية للثورات المظفّرة فى الماضي. و كذلك نشترك فى نظرتنا للحاجة إلى تطوير الماركسية-اللينينية-الماوية لمواجهة التحدّيات أمام طبقتنا فى القرن21. و نعتقد أنّ الماركسية-اللينينية-الماوية بوسعها أن تتطوّر فى سيرورة تطبيق المادية التاريخية و الجدلية فى ممارسة الصراع الطبقي فى المجتمع، و صراع الخطّين فى الصفوف الثورية عبر العالم كافة، و التلخيص الصحيح للتجربة الماضية. و لحزبينا فرصة جيدة لخوض صراع ، و هما معا ضمن الحركة الأممية الثورية. كطبقة عالمية ، كلانا ملقاة على عاتقه مسؤولية هامّة فى القتال بصفة موحّدة من أجل طبقتنا فى الولايات المتحدة ، فى النيبال و العالم أيضا. و نعتبر ردّنا هذا خطوة أولى فى هذا الإتجاه.
مع تحياتنا الثورية،
اللجنة المركزية للحزب الشيوعي النيبالي(الماوي)
1 جويلية 2006.

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°







4-" لنقاتل من أجل إنقاذ الثورة فى النيبال"، الشيوعيون الثوريون الألمان :

رسالة مفتوحة بصدد التطورات التى شهدها الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي)
لنقاتل من أجل إنقاذ الثورة فى النيبال!
الشيوعيون الثوريون الألمان
أفريل 2009
الرفاق الأعزّاء ،
قد جعل نشر الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية للرسائل المتبادلة مع الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) [الح الش الن (الم)]إلى جانب وثائق أخرى روّجت فى المدّة الأخيرة و التطورات فى النيبال عينها، من الواضح إلى أبعد حدّ أنّ وجود الثورة ذاته فى النيبال معلّق فى الميزان. والحماس و الإلهام الثوريين الهائلين فى النيبال و حول العالم اللذين أفرزهما إنطلاق حرب الشعب وتقدّمها فى ذلك البلد ، هما الآن بصدد التحوّل إلى نقيضهما بفعل الخطّ الخاطئ الذى يقود حاليا الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي)(1). و كافة المكاسب و التقدّم فى الصراع الثوري فى النيبال و بالخصوص تكوين جيش التحرير الشعبي القوي و تشييد قواعد إرتكاز ثورية أين جرى إرساء السلطة السياسية الحمراء، و بالفعل ، الأفق الملموس لثورة شيوعية تكسب السلطة عبر البلاد لأوّل مرّة منذ عقود ، كلّ هذه الأمور التى دفع ثمنها الصراع الكبير و التضحيات الجسام من قبل الجماهير ، تتعرّض لخطر الذوبان. و لن تكون هكذا منعرجات فى الأحداث فقط مأساة هائلة للصراع الثوري فى النيبال، لكن أيضا تراجعا كبيرا للثورة البروليتارية العالمية برمّتها.
و ليس هذا بالشأن الذى يمكن للشيوعيين فى أي مكان أن يقبلوا به بسلبية. و نهائيا ليس مسألة على الرفاق فى النيبال أن يعالجوها بأنفسهم، أو شأنا لا يمكن للغرباء فهمه بما فيه الكفاية. فمثل هذا الموقف يعكس ضعف التفكير الذى ينكر مركزية الخطّ الإيديولوجي و السياسي و يعتبرأن الثورة الشيوعية تقوم على نموذج بلد بلد. وعلى النقيض من هذه المقاربة المغلوطة ، ثمّة فهم صحيح لشمولية علم الشيوعية و الديناميكية الشاملة للسيرورة الثورية عبر العالم و المعنى الحقيقي للأممية البروليتارية.
منذ بداياتها الأولى فى أواسط القرن 19، كانت الحركة الشيوعية حركة أممية غايتها إرساء عالم شيوعي. و كانت الأممية منذ البداية عنصرا محوريا فى النظرة الشيوعية للعالم و كانت المسائل الكبرى التى تواجه الحركة الشيوعية تناقش عادة على الصعيد العالمي. و مع ظهور الإمبريالية و تركيز التناقض بين الإنتاج الجماعي و التملّك الخاص كتناقض جوهري على النطاق العالمي، وجدت القاعدة المادية كي تتعزّز الثورة الشيوعية تماما كسيرورة عالمية واحدة و مندمجة. و بعدُ يجب كسب السلطة السياسية فى الأساس على نطاق البلد ، لكن السيرورة الثورية فى كلّ بلد و منطقة جزء لا يتجزأ من سيرورة أوسع تتحرّك عالميا. و هذان المستويان للتنظيم يتداخلان و يشترط الواحد منهما الآخرو الحدود بينهما نسبية و مشروطة، لكن عموما المجال العالمي هو الرئيسي و المحدّد.
منظور إليها على هذا النحو، يمكن رؤية القاعدة المادية و الفلسفية للدور المحوري للأممية بصورة أوضح. و مثلما أشار الرفيق آفاكيان فى " التقدّم بالحركة الثورية العالمية : مسائل توجه إستراتيجي " ، الأممية " يجب حقّا أن تكون نقطة الإرتكاز و الإنطلاق للبروليتاريا فى كافة البلدان: لا تستطيع البروليتاريا التقدّم بصراعها إلاّ بالتقدّم به بمقاربته و البحث عن التقدّم به ، على النطاق العالمي قبل كلّ شيئ". و لهذا معنى ملموسا . و يسترسل آفاكيان ليقول:
" إن كنّا فعلا أمميين ، إن كنا ندرك فعلا أهمّية الإنطلاق من المجال العالمي و من مصالح الثورة العالمية فوق كلّ شيئ، فبالتالى هناك مسألة مناهج معنية و كيفية الصراع فيما بيننا وهناك مسألة أبستيمولوجيتنا، نظريتنا للمعرفة، و ما نعتقد أنّه العلاقة بين الممارسة و النظرية، و المعرفة الملموسة و العقلية ، ثمّة كلّ هذه المسائل المتعلّقة بالمنهج و التى هي أيضا مسائل خطّ ينبغى الصراع حولها. لكن المسألة جوهريا هي هل أن الشيوعيين يتجمعون معا بالطريقة الأكثر تنظيما لإعطاء التعبير الأقوى لصياغة و تكريس الخطوط و السياسات للتقدّم بالنضال على النطاق العالمي و بالتركيز على نقاط مفاتيح خاصّة فى كلّ وقت معطى فى النضال العالمي". (المصدر السابق).
فى مقال "حول التطورات فى النيبال و الرهانات أمام الحركة الشيوعية " (2)، قدّم الحزب الشيوعي الثوري الموقف التالى بخصوص تطبيق هذه المبادئ:" عند تقرير نشر هذه الرسائل، إنطلق الحزب الشيوعي الثوري من الفهم الراسخ بأن الشيوعيين ليسوا ممثلى هذه الأمّة أو تلك ، و إنّما هم ممثلو البروليتاريا العالمية ، و قضيتهم هي قضية تحرير الإنسانية جمعاء"( ص18).
لقد تأسست الحركة الشيوعية اليوم على قاعدة صراع خطين إثنين عالميين كبيرين هما الصراع الذى شرع فيه ماو و قاده ضد التحريفيين المعاصرين فى الإتحاد السوفياتي الذين إستولوا على السلطة إثر وفاة ستالين، و الصراع لفضح و معارضة التحريفيين الذين إستولوا على السلطة فى الصين عقب وفاة ماو، بما فى ذلك الصراع الحاد للدفاع عن المساهمات النوعية لماو فى تطوير الماركسية-اللينينية ورفع راية هذه المساهمات، و هو صراع جرى إلى درجة كبيرة، بقيادة رئيس الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية ، آفاكيان.
و الصراع الراهن حول الخطّ القائد داخل الح الش الن (الم) ذو طبيعة مشابهة. و ينبغى على جميع الشيوعيين و جميع الذين يدعمون النضال من أجل عالم شيوعي أن يعترفوا بالضرورة التى فرضها ظهور خطّ تحريفي فى صفوف الح الش الن (الم)
و أن يخوضوا الصراع لتحويل هذه الضرورة على نحو ثوري. و هذا يعنى ، خاصّة ، التعمّق فى المسائل النظرية و السياسية المطروحة، و تحليلها بطريقة منهجية و من كلّ زاوية ممكنة للنضال من أجل فهم صحيح لهذه المسائل عالميا و فى النيبال ذاتها. و هذا يشمل جعل هذه المسائل معروفة على أوسع نطاق لدى الجماهير الثورية فى كلّ مكان.
لهذا ندعو الشيوعيين و الثوريين حول العالم إلى ترجمة الوثائق التى نشرها الحزب الشيوعي الثوري و دراستها بإنتباه و المساعدة على جعلها متوفّرة لأكبر عدد ممكن من الناس.(3) و سيكون النجاح فى القيام بهذه المهمّة فى منتهى الأهمّية لخوض هذا الصراع.
و بالطبع تنكر قيادة الح الش الن (الم) أن خطّها يؤدى إلى الإستسلام التحريفي. و ما يبعث بشكل خاص على الإرتباك هو كون قيادة الح الش الن (الم) قد قاطعت جوهريا النقاش و الصراع العالميين. لقد إعتبرت من الضروري الردّ فقط على الرسالة الأولى للحزب الشيوعي الثوري (4). و كان هذا الردّ غير مناسب بصورة مفجعة : فالخطّ الذى يدافع عنه ليس خاطئا فحسب ، بل هو كذلك يخفق حتى فى تناول المسائل المفاتيح والنقد الذى وجهه الحزب الشيوعي الثوري.
مثلا ، كتب الح الش الن(الم) :" و نقد الحزب الشيوعي الثوري بان الحزب الشيوعى النيبالي (الماوي) ينزع نحو التخلّى عن دكتاتورية البروليتاريا بتبنّى الديمقراطية البرجوازية الشكلية يعكس عدم وعي حزبكم ببلوغ لبّ المشكل الذى نثيره":( رسالة اللجنة المركزية للح الش الن (الم) إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية ، جويلية 2006، الص 6).
و من أفق اليوم ،لا يمكن لسخرية هذا الموقف إلاّ أن تكون أكبر، بما أنّ " التخلّى عن دكتاتورية البروليتاريا" هو بلا شكّ ما جدّ على أرض الواقع. و كما كان متوقّعا ،عمل الح الش الن (الم) على إخفاء تخليه عن دكتاتورية البروليتاريا بصيغ إنتقائية ومواقف باعثة على الإضطراب بشأن طابع الدولة و الدور التاريخي و مضمون الديمقراطية . بيد أنّه كما تبيّن تحاليل الحزب الشيوعي الثوري ، فإنّ الخطّ القائد راهنا للح الش الن (الم) لم يتخلّ عن دكتاتورية البروليتاريا فحسب ، و إنّما كذلك عن النضال من أجل عالم شيوعي ككلّ.
و هذه الرسالة ليست محاولة لإنجاز نقد شامل للأخطاء فى خطّ الح الش الن (الم) أو حتى نقد للرسالة التى إختارت قيادة الح الش الن (الم) كتابتها ردّا على رسالة الحزب الشيوعي الثوري. لقد قام الحزب الشيوعي الثوري و آخرون بتحليل شامل ممتاز بهذا المضمار. ومع ذلك نرغب فى أن نجلب إنتباه الرفاق إلى بعض المسائل الخاصّة :
1- دور النظرية و الأخطاء الإستراتيجية التاريخية :
يصرّح الح الش الن (الم) فى رسالته فى جويلية 2006 بانّ : " تذكّر أشياء من الكتب و تأويلها لساعات على هذا الأساس شيئ، و تطبيقها فى الممارسة الحيّة شيئ آخر مختلف نوعيا. متحدّثين بصراحة، من اليسير للغاية عدم إقتراف أية أخطاء فى الإستراتيجيا. لكن فى منتهى الصعوبة صياغة و تطبيق التكتيكات المناسبة خدمة للإستراتيجيا."
يركّز هذا المقتطف الكثير ممّا هو جدّ خاطئ جوهريا فى مقاربة الح الش الن (الم) .
● أوّلا وقبل كلّ شيئ، قاتل هو الإستخفاف بالنظرية الذى يروّج له الح الش الن (الم) بالنسبة للثورة الشيوعية . فالنضال المظفّر فى سبيل الشيوعية لا يمكن أن يقود إلى الرفع العفوي للوعي أو الفهم و إنّما يحتاج إلى العلم. و النضال من أجل إستيعاب و تطبيق و مزيد تطويرالعلم الثوري للشيوعية، و تسليح متصاعد لأوسع قطاعات الجماهير بهذا الفهم، مهمّة قائمة الذات و مسألة حياة أو موت فكما أشار ماو ، الخطّ الإيديولوجي و السياسي محدّد بالفعل.
و بينما من الصحيح أنّه إذا حدّدنا أنفسنا فى قراءة الكتب وحدها و لم نبحث عن مزج النظرية بالممارسة ، لن نستطيع حقا لا إستيعاب النظرية الثورية و لا تطويرها بصفة سليمة : ليست هذه المشكلة هنا. فعبر الموجة الأولى برمّتها من الثورة الشيوعية و بعدها، راكمت حركتنا كمّية كبيرة من التجارب العملية منها تستخلص الدروس. و زيادة على ذلك، فإنّ الحزب الشيوعي الثوري و كذلك كافة أحزاب و منظمات حركتنا ككل كرّست كمّية هائلة من الممارسة طوال الثلاثين سنة الماضية. و تصريح الح الش الن (الم) المقتبس أعلاه جوهريا تعبير مركّز جدّا عن البراغماتية و التجريبية: " ما الحاجة إلى فهم عميق للقوانين الكامنة المتحكّمة فى حركة و تطوّر المادة و المجتمع"؟ يتساءلون، و يجيبون بأنّ "ما نحتاج إليه هو الأجوبة العملية".
و لكن مثلما بينت بصفة متكرّرة التجربة التاريخية ، دون نظرية علمية لتقودها ، لا يمكن أن توجد ثورة. و "الأجوبة " المصاغة على أساس البراغماتية و التجريبية ليس بوسعها أن تؤدّي إلى عالم شيوعي. و المقصود هنا هو أنّ التحليل و النقد اللذان صاغهما الحزب الشيوعي الثوري هما مجرّد تكرار لجمل من الكتب دون أي فهم أو فائدة كامنة. لو كان هذا صحيحا عمليا ، فإنه كان يتعيّن أن يكون من السهل على الح الش الن (الم) أن يدحضها... عوض ذلك ، فى رسالتها إلى الحزب الشيوعي الثوري ، لجأت قيادة الح الش الن (الم) إلى ما يعدّ بالأساس تشكيات و شتيمة و سعي لتغيير موضوع النقاش.
فى خضمّ المعركة الكبرى الأخيرة ضد التحريفيين فى الصين ، قدّم ماو تحذيره الشهير التالى: " تمارس بلادنا فى الوقت الحالي نظاما سلعيا، و نظام الأجور غير متساوي أيضا ، كما فى سلّم الأجور ذو الثماني درجات و ما إلى ذلك. فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا لا يمكن إلاّ تحديد هذه الأشياء. و بالتالى، إن بلغ أناس مثل لين بياو السلطة ، سيكون من السهل تماما عليهم أن يحيو النظام الرأسمالي. لهذا علينا أن نزيد فى قراءاتنا للمؤلفات الماركسية-اللينينية " ذكرته "مجلّة بيكين" العدد13 ، 26 مارس 1976 ، التشديد مضاف ).
أليس من البديهي أنّ منطق و مقاربة الح الش الن (الم) هي بالضبط منافية لمنطق و مقاربة ماو؟ لا يقول ماو " هناك خطر التحريفية لذا قبل كلّ شيئ آخر نحن فى حاجة إلى تكتيك مرن و إجابات عملية" مرّة أخرى، لا يعنى هذا أنّنا لا نحتاج إلى تكتيك صحيح (و مرن) و إجابات عملية ، نحتاج إليها. و السؤال هو كيف و على أي أساس تصاغ كي تخدم عمليا هدف عالم شيوعي و كذلك النضال المباشر. لأجل ذلك ، كما شدّد ماو ، يجب على المرء أن يدرس الدور المحدّد للخطّ الإيديولوجي و السياسي و حاجة الحزب بأسره و الجماهير الواسعة إلى دراسة الماركسية على نحو أعمق و تطبيقها على ذلك الأساس فى خوض النضال الثوري.(5)
● ثانيا، إدّعاء الح الش الن (الم) أنّه " من اليسير للغاية عدم إقتراف أخطاء فى الإستراتيجيا" ببساطة غير صحيح. و الواقع التاريخي هو أنّ حركتنا قد إرتكبت مرارا و تكرارا أخطاءا إستراتيجية كبرى نجم عنها إهدار فرص و حتى تراجعات خطيرة. و بصورة مذهلة يبدو أن الح الش الن (الم) غير واع تماما بهذا الواقع.(6)
مثلا هناك مسألة الطريق الإستراتيجي للثورة فى البلدان المضطهَدة . لقد طوّر ماو نظرية الثورة الديمقراطية الجديدة و حرب الشعب طويلة الأمد فى تعارض مع الخطّ السائد حول هذه المسائل داخل الحركة الشيوعية العالمية. و بالنتيجة، رغم الظروف المواتية للثورة فى بلدان مشابهة عبر العالم ، كانت الصين البلد الوحيد الذى أنجزت فيه ثورة ديمقراطية جديدة ناجحة.
و كذلك هناك مسألة الطريق الإستراتيجي فى البلدان الإمبريالية وواقع أنّ إنطلاقا من بدايات العشرينات و لعقود تلتها تخلّت الحركة الشيوعية العالمية عن المقاربة الصحيحة جوهريا التى طوّرها لينين(7) و المعروفة الآن ب "طريق أكتوبر". فطوال حقبة الكومنترن و ما بعدها جرى إتباع جوهريا إستراتيجيا إصلاحية إقتصادوية و برلمانية ، فى تلك البلدان. و أفضت هذه الأخطاء فى الإستراتيجيا إلى إهدار فرص ثورية فى مجموعة كاملة من البلدان.
و هناك المسألة الإستراتيجية الحيوية للعلاقة بين الدفاع عن البلدان الإشتراكية من جهة و التقدّم العام للنضال الثوري العالمي. بهذا المضمار، إرتكبت الحركة الشيوعية العالمية أخطاءا إستراتيجية كبرى فى فترة الكومنترن بتسويتها بين الدفاع عن الإتحاد السوفياتي و التقدّم العام للثورة عالميا و حتى بربط المصالح و التقدّم العامين للثورة العالمية بهذا الدفاع. و أفرزت هذه الأخطاء تراجعات خطيرة لحركتنا، بما فى ذلك عمليا إدارة الإتحاد السوفياتي ظهره و حتى معارضته بصفة مفتوحة لنضالات ثورية فى بلدان معينة.
و علاوة على ذلك ، كانت لهذه الأخطاء إنعكاسات سلبية جدّية على الخطّ الذى إنتهجه ماو فى الستينات و السبعينات باحثا عن الدفاع عن الصين ضد الحصار و الهجوم الإمبرياليين. و بالنتيجة عزّز التحريفيون فى الصين قوّتهم على نحو هام و عانت الحركة العالمية برمّتها من مشاكل التوجه لم تعافى منها إلى الآن.
منذ أكثر من 25 سنة، أنجز آفاكيان التحليل المذكور أعلاه ،بأنّه على الإستراتيجيا الشيوعية أن تنطلق "من المجال العالمي و مصالح الثورة العالمية فوق كلّ شيئ". و دون إدراك هذه الحقيقة الموضوعية القائلة إنّ الثورة البروليتارية سيرورة عالمية مندمجة واحدة و كافة ما يستتبعه هذا الفهم لن نتمكّن من صياغة إستراتيجيا صحيحة للثورة العالمية أو للثورة فى بلد معيّن. إنّ هذا الفهم مكوّن هام للتلخيص الجديد الشامل الذى طوّره الرفيق آفاكيان. و رغم الضررالكبير اللاحق بها، تتمادى الغالبية ضمن حركتنا فى الإخفاق فى إدراك المغزى العميق و الأهمية المركزية للأفكار الثاقبة لآفاكيان فى هذا الصدد.
و تاريخيا، قد ألحق إستعمال الأخطاء الإستراتيجية المتعدّدة هنا و المقاربة النظرية و المنهجية الخاطئة لصياغتها و تبريرها ، ضررا كبيرا بحركتنا.و ليس هناك ربّما مثالا حاليا أفضل عن الأخطاء الإستراتيجية الكبرى لحركتنا من أخطاء الح الش الن (الم) نفسه.
إدّعاؤه أنّ إستراتيجيا الثورة الديمقراطية الجديدة يمكن أن تحوّر لتشمل مرحلة كاملة من الديمقراطية البرجوازية و التطوّر الرأسمالي خاطئة كليّا. و تأكيد أنّ هذا الإنحراف الجوهري فى الإستراتيجيا هو مجرّد مناورة "تكتيكية" هو صراحة و كما سنناقش لاحقا عبثيّ. و يخلط الح الش الن (الم) بين الإستراتيجيا و التكتيك و (كذلك بين الكمّية و النوعية) و يشكو من مرض التفكير بأنّ بإعادة صياغة مفهوم شيئ فى الكلام، بإمكان المرء أن يغيّر طابعه الموضوعي الفعلي. و فى الواقع إزاء التأكيدات المثالية للح الش الن (الم) نقول بإمكانكم تسمية شجرة ماعز غير أن ذلك لن يجعل الشجرة تثمر حليبا.
دون تكتيكات صحيحة ليس بوسع الثورة أن تنتصر إلاّ أنّه لا يمكن صياغة هذه التكتيكات إلاّ عبر فهم و تطبيق صحيحين للنظرية الشيوعية و ضمن مقاربة إستراتيجية و إطار صحيحين : لكلّ من الثورة فى بلد معيّن و كذلك للثورة العالمية ككلّ و بالتجذّر فى فهم صحيح للعلاقة الجدلية بينهما.و يعدّ إخفاق قيادة الح الش الن (الم) فى إستيعاب هذه النقطة على نحو سليم تعبيرا هاما عن النزعات الخاطئة فى مقاربتها المنهجية الجوهرية.
2- الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) و المفهوم المادي للمجتمع و التاريخ :
يناقش الح الش الن (الم) قضية الديمقراطية و الدولة بمعزل عن تطوّرهما التاريخي، و عن الدور الموضوعي و المضمون الطبقي. و مثلما كتب الحزب الشيوعي الثوري : "بصورة أعمّ ، تصريح الح الش الن (الم) بأنّه يستعمل الدولة القائمة فى النيبال ، ناقص مظاهرالنظام الملكي ، كرافعة للتحرير وهم خطير.مثلما جرى التشديد عليه بصفة متكرّرة و إن وجب التشديد عليه مرارا و تكرارا لمرّات لا تحصى ، نظرا لكونه مصدر ضخم للأوهام القاتلة ، الدولة الرجعهية ليست آداة لا طبقية يمكن أن تخدم البروليتاريا أو البرجوازية على حدّ سواء، والأمر متعلّق فقط بمن يمسكها بيديه. الدولة ليست نفس الشيئ و الحكومة،و بخاصة فى الحكم البرلماني ،كما أشار لينين بدقّة، يمكن أن تحلّ فى الحال ، إذا كان لبّ الطبقة الحاكمة يجد من مصلحته القيام بذلك. أمّا الدولة ، من جهة أخرى، فهي أداة عسكرية و سلطة بيروقراطية مندمجة تطورت تاريخيا و تعكس و تجسّد و تخدم العلاقات الإجتماعية و الإقتصادية المهيمنة و الطبقة (او الطبقات ) القائمة على أساسهما. و فكرة أنّ أداة دولة الطبقات المستغِلة يمكن إستغلالها كما هي أو "إعادة هيكلتها"، و ليس تحطيمها و تفكيكها، و ثمّ يمكن إستعمالها لتحرير المضطهدين ، و فى النهاية اللإنسانية جمعاء ، تذهب ضد التلخيص العلمي للطابع الطبقي لكلّ دولة و للتجارب التى لا تحصى حيث حدث بالضبط العكس : الذين إنطلقوا بطموحات ثورية و لكنهم سقطوا فى هذه الأوهام حول الدولة وقع إبتلاعهم المرّة تلو المرّة و تحوّلوا إلى مدافعين عن ذات النظام الذى يضطهد الجماهير و /أو جرى سحقهم بلا رحمة " ( رسالة الحزب الشيوعي الثوري ، نوفمبر 2008 ).
و مظهر مفتاح من مظاهر المقاربة الخاطئة للح الش الن (الم) لنقاش طبيعة الديمقراطية و الدولة و البناء الفوقي عموما خلال "المرحلة الإنتقالية الرأسمالية" هو أنّه يفصلها عن القاعدة الإقتصادية و عن طبيعة علاقات الإنتاج. و فى القيام بذلك ، ينحرف عن المفهوم المادي للتاريخ و يعوّضه بما هو جوهريا فهم مثالي للمجتمع.
فى "ضد دوهرينغ" ، أبدى إنجلز الملاحظة الشهيرة التالية :
" ينطلق الفهم المادي للتاريخ من الحكم القائل بأن الإنتاج ، وعلى إثره تبادل منتجاته ، يشكّل أساس أي نظام إجتماعي، و أن توزيع المنتجات ، و معه إنقسام المجتمع إلى طبقات أو فئات ، يحدّده، فى كلّ مجتمع متواجد فى التاريخ، ما ينتج و كيف ينتج
و كيف يجرى تبادل هذه المنتجات. و هكذا فالأسباب النهائية لكلّ التغيرات الإجتماعية و الإنقلابات السياسية، يجب البحث عنها ليس فى أذهان الناس و ليس فى فهمهم المتزايد للحقيقة الخالدة و العادلة، بل فى تغيرات أسلوب الإنتاج و التبادل، و يجب البحث عن تلك الأسباب ليس فى الفلسفة ، بل فى إقتصاد العصر المعني."
من الصحيح أنّ هذا التصريح، فى تاريخ حركتنا، عادة ما وقع تقليصه و تأويله و عوض ملاحظة إنجلز أنّ "الأسباب النهائية لكلّ التغيرات الإجتماعية و الإنقلابات السياسية" تكمن فى نمط الإنتاج و التبادل ، بُنيت نظرة ميكانيكية أنّ ذلك هو "السبب الوحيد" لهكذا تغيرات. فكان هذا الفهم الخاطئ للنقطة التى يثيرها إنجلز هنا أحد دعائم النزعات داخل الحركة الشيوعية نحو المادية الميكانيكية و الحتمية التاريخية.
و صحيح أيضا أن فهمنا الشامل للدور الديناميكي للبنية الفوقية ، والطريق التى بها تستقلّ نسبيا عن و تأثّر فى القاعدة لم يكن صائبا. و مع ذلك، بينما فى منتهى الأهمية التقدّم بفهمنا لهذه المسألة ،فإنّ المقاربة الجوهرية لفهم تطوّر المجتمع الإنساني الذى يصفه إنجلز هنا ، ضرورية لكي ندرك علميا هذه المسائل و مهام الثورة بقيادة شيوعية فى كلّ مرحلة.(8)
حين يتمّ التخلّى عن المفهوم الجدلي و المادي للتاريخ و تحليل المجتمع ، يتمّ سلب المفاهيم الشيوعية من مضمونها و بسرعة تصير بلاغة مسموعة بمضمون إشتراكي ديمقراطي وهذا تتأتى بوضوح رؤيته فى كيفية تعاطى الح الش الن (الم) مع مسألة ما يسمّيه "الجمهورية الديمقراطية". ففى رسالته المؤرخة فى جويلية 2006 إلى الحزب الشيوعي الثوري ، كتب الح الش الن (الم): " رأى حزبنا الجمهورية الديمقراطية لا كجمهورية برجوازية برلمانية و لا مباشرة كجمهورية ديمقراطية جديدة. ستنهض هذه الجمهورية ، مع إعادة هيكلة واسعة لسلطة الدولة بغاية معالجة المشاكل الأساسية المتصلة بالطبقية و القومية و الجهوية و الجندرية السائدة فى البلاد، بدور جمهورية إنتقالية متعدّدة الأحزاب. بالتأكيد ، ستحاول الطبقة الرجعية و أحزابها أن تحوّل هذه الجمهورية إلى جمهورية برلمانية ، بينما سيحاول حزبنا البروليتاري تحويلها إلى جمهورية ديمقراطية جديدة."(ص8)
هنا يؤكّد الح الش الن (الم) أنّ هذه "الجمهورية الإنتقالية المتعدّدة الأحزاب" لن تكون "لا برجوازية و لا مباشرة ديمقراطية جديدة " و سوف " تعالج المشاكل الأساسية المتصلة بالطبقية و القومية و الجهوية و الجندرية ". هذا مستحيل.
و تعزى إستحالة ذلك إلى كون ،كما شرح المقتطف أعلاه للحزب الشيوعي الثوري ، ليس بوسع هذه "الجمهورية الديمقراطية" أن تكون مجالا محايدا مفتوحا على التغيير إمّا إلى جمهورية برجوازية أو إلى "ديمقراطية جديدة". وعلى عكس إنتقائية الح الش الن (الم) لمزج إثنين فى واحد ، سيكون لهذه الجمهورية ، ومنذ البداية ، طابع رئيسي. و لأنّ الح الش الن (الم) يتحدّث عن "إعادة هيكلة" (أي تحسين) الدولة البرجوازية القائمة و ليس عن "تحطيمها" وهذه الدولة ما برحت قائمة على و تستعمل القوّة لخدمة "الجبال الثلاثة" من الإمبريالية و الإقطاعية و الرأسمالية البيروقراطية ، فإنّ طابعها الرئيسي سيكون بحكم الضرورة برجوازيا. لا يمكن إلاّ أن يكون دكتاتورية برجوازية.
و فضلا عن ذلك يتحدث الح الش الن (الم) بكلماته هو ، عن جمهورية" ستكون شكلا للدولة خلال فترة طويلة نسبيا "
( "حقبة")(9) من التطوّر الرأسمالي. و اللافت للنظر بشأن هذا الزعم هو أنّ الح الش الن (الم) يعمل كما لو أنّ رأس المال لا تحكمه قوانين موضوعية فى حركته و تطوّره، مع أنّها كما إكتشف ماركس و كما أثبت التاريخ موجودة .
لقد كشف ماركس أنّ المال لا يمكن أن يتحوّل إلى رأس مال إلاّ عندما يكون الرأسمالى "محظوظا للغاية ليجد ضمن مجال التداول ، فى السوق، سلعة ، تملك قيمتها الإستعمالية ميزة خاصة كونها مصدرا للقيمة".( رأس المال، المجلد الأوّل ،الفصل6).
و هذه السلعة الخاصّة ليست شيئا آخر سوى قوّة العمل الإنساني، التى يجبر العمّال و قد سلبوا كافة وسائل الحياة الأخرى ، على بيعها إلى الرأسماليين كي يتمكّنوا من البقاء على قيد الحياة.
و قد بيّن ماركس أنّ رأس المال علاقة إجتماعية و سيرورة. و تعنى قوانين سيره ، ضمن ما تعنيه، أنّه ليس بإمكان رأس المال أن يوجد إلاّ فى حركة و سيرورة مراكمة: نزعة التوسّع "بلاهوادة". و لأنّ رأس المال لا يمكن أن يوجد سوى كرساميل عديدة و لأنّ هذا الإنتاج السلعي الرأسمالي هو نتاج تبادل قيم و ليس إستعمال قيم، فإنّ وضع وجود رأس المال هو ضرورة "التوسّع الذاتي". و يجرى "التوسّع الذاتي" و "المراكمة" فى إطار تنافس ضمن الرساميل الخاصّة و عبر تملّك فائض القيمة من إستغلال قوة العمل الإنساني.
و كما كشف أيضا ماركس، فإنّ الإنتاج و التبادل السلعي الرأسمالي محكوم أو معدّل بقانون القيمة. و قد بيّن أن قيمة السلعة و قيمتها التبادلية تنهض على معدّل كمية العمل الضرورية اللازمة لإنتاجها و انّ هذا التحديد للقيمة هو أساس تبادل ما يعادلها من سلع أخرى. وهذا قانون موجود موضوعيا يؤكّد نفسه بغضّ النظر عن الإرادة أو الفهم الذاتيين لأ ي شخص أو مجموعة أشخاص و أي رأسمالي يحاول تجاهل هذا القانون سرعان ما يفلس. لا وجود لسياسات تجديدية أو خطط إشتراكية ديمقراطية يمكن أن تلغي هذا ، او غيره من الميزات الكامنة فى راس المال.
جوهريا ، فى عالم اليوم ، ثمّة فقط طريقان إثنان عبرهما يمكن تنظيم الإنتاج و التبادل (10). طريق يعتمد على قانون القيمة و طالما يحكم قانون القيمة الإنتاج فسيكون الإنتاج بالضرورة إنتاجا رأسماليا يهدف لزاما و يخدم أقصى توسع ذاتي للرأسمال أي يضع الربح و ليس حاجيات الشعب و المجتمع فى مصاف القيادة.
وإلى أن يتمّ بلوغ المجتمع الشيوعي ، الطريقة الوحيدة التى يمكن من خلالها تنظيم الإنتاج هي قاعدة غير إستغلالية واعية و مخطّطة حيث العمل ليس سلعة و حيث تقود حاجيات الإنسانية و مواصلة الثورة ما يجرى إنتاجه و كيف ينتج، و حيث قانون القيمة الذى ينبغى أن يأخذ بعين النظر طالما أن هناك دفع مقابل نقدي للعمل و التبادل عبر النقد ، يتعرّض للتحديد الواعي لأعلى درجة ممكنة فى كلّ مرحلة خاصّة كجزء من السيرورة الثورية العالمية لتغيير كافة المجتمع و القضاء على " الأربعة كلّ"(11) بما فى ذلك النقد و جميع أشكال إنتاج و تبادل السلع إلخ. و يقتضى هذا أن تمسك البروليتاريا و حلفاؤها بسلطة الدولة كما يقتضى أن تكون ملكية و مراقبة وسائل الإنتاج على نطاق واسع بأيدى المجتمع ككلّ ، أي يقتضى هذا الإشتراكية. لا وجود ل"طريق ثالث".
لهذا ، فى نقاش الثورة الديمقراطية الجديدة و الدولة ، شدّد ماو على: "إنّ الجمهورية التى يجب إقامتها فى الصين لا بدّ أن تكون جمهورية الديمقراطية الجديدة سياسيا و إقتصاديا على حدّ سواء. ستكون المصارف الكبرى و المشاريع الصناعية و التجارية الكبرى ملكا للجمهورية." " إن كافة المشاريع، أكانت صينية أم أجنبية ، التى تحمل طابعا إحتكاريا أو هي أكبر من أن يديرها الأفراد، مثل المصارف و السكك الحديدية و الخطوط الجوية، يجب أن تشرف عليها الدولة و تديرها، حتى لا يستطيع الرأسمال الخاص أن يسيطر على وسائل معيشة الشعب. هذا هو المبدأ الرئيسي لتحديد الرأسمال." ("حول الديمقراطية الجديدة" التشديد منّا).
فى تعارض مع فهم ماو و مقاربته ، نجد إدعاءات الح الش الن (الم) بأنّ الجمهورية البرجوازية ( أي دكتاتورية البرجوازية) و فيها الإقتصاد يهيمن عليه رأس المال الخاص ( أي البيروقراطي ،الأجنبي و رأس المال الإمبريالي) يمكن أن " تجري إعادة هيكلتها كي تعالج المشاكل الأساسية الطبقية و القومية و الجندرية الجهوية، مضمون الثورة الديمقراطية الجديدة "
( رسالة موجهة إلى الحزب الشيوعي الثوري، جويلية 2006). إن كان هذا الحلم الخُلّب عمليا حقيقي ستضحى الثورة الشيوعية غير ضرورية تماما.(12)لكن فى الواقع، و بإستقلال عن رغباتنا الذاتية مهما كانت أو عن أوهام قيادة الح الش الن (الم) ، و لا يهمّ عدد الأحزاب المشاركة فى البرلمان البرجوازي، مع وجود جهاز الدولة البرجوازية سليم بتمامه و منطق و قوانين الرأسمال مهيمنة على الإقتصاد ، لن يكون من الممكن كسر قبضة الإمبريالية أو إجتثاث الإقطاعية إجتثاثا شاملا فى النيبال كجزء من النضال العالمي من أجل المجتمع الشيوعي . و من ثمّة ، لن تقع "معالجة" أي من "المشاكل الأساسية" للشعب.
واصفا سيرورة المراكمة الرأسمالية فى "ضد دوهرينغ" ، أورد إنجلز مقتطفا لماركس : " مراكمة الثروة فى قطب هو بالتالى فى نفس الوقت مراكمة للبؤس و الألم المبرّح و الشقاء و العبودية و الجهل و الوحشية و الإنحطاط الفكري ، فى القطب المضاد" ("رأس المال" ماركس ، ص 671).
لا يمكن فهم مسألة البناء الفوقي مطلّقة عن طبيعة القاعدة الإقتصادية أو، كما لاحظ لينين بنظرة ثاقبة ، "السياسة هي التعبير المركّز عن الإقتصاد". ليس بوسع "الجمهورية الديمقراطية " الرأسمالية للح الش الن (الم) أن تفرز، بالنسبة لأوسع الجماهير، إلاّ نتيجة واحدة: مزيدا من "مراكمة البؤس و الألم المبرّح و الشقاء و العبودية و الجهل و الوحشية و الإنحطاط الفكري ". و يعدّ هذا الفهم من" أبجديات الماركسية" أو مبادئها الأساسية.
3- الهجوم الإستراتيجي، الوضع السياسي و منهج الشيوعية العلمية:
فى إرتباط بإيقاف إطلاق النار و المفاوضات فى 2001، إقترح الح الش الن (الم) بداية مصطلحات تقول إنّه مستعدّ لإنهاء حرب الشعب. ووصف ذلك بأنّه "حلّ سياسي فى شكل حكومة إنتقالية و دستور جديد و إرساء جمهورية".(13) و بعد فترة من ذلك ، وقع تحوير نوعا ما فى هذه "الشروط الثلاثة" لتشمل : مؤتمر لكافة الأحزاب، وحكومة إنتقالية و إنتخاب مجلس تأسيسي. حينما جرى إقتراحها لأوّل مرّة ، أكّد الح الش الن (الم) أن هذه "الشروط الثلاثة" تمثّل فقط "تكتيكا". و جرى التأكيد على أنّ إقتراح هذه الشروط ليس بمثابة التخلّى عن إستراتيجيا الثورة الديمقراطية الجديدة ، بل طريقة للتقدّم نحو ذلك الهدف .
إلى ذلك الحدّ ، لم يبذل الح الش الن (الم) أي جهد حقيقي على حدّ علمنا لشرح كيف أنّ هذا "الحلّ" بمستطاعه أن يؤدّي إلى إنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة. و مع ذلك ، ظلّ الحزب يعلن أنّ هدفه الإستراتيجي هو الديمقراطية الجديدة و الإشتراكية و الشيوعية.
لا نشكّ فى أنّ قيادة الح الش الن (الم) كانت تعنى ما تقوله حينها ، هذا ليس لبّ المسألة . فالخطّ محدِّد و كلّ خطّ إيديولوجي و سياسي له مضمون موضوعي و منطق داخلي. و حتى و إن كانت قيادة الح الش الن (الم) مقتنعة بأنّ هذا المقترح و ما شابهه هو فى الواقع مجرّد "تكتيك" و حاولت عمليا التمسّك بصلابة بالأهداف الثورية ، فإن المنطق الموضوعي لهذا المقترح و الطريقة المستعملة لصياغته و إقتراحه ستهدّد ، إن لم يقع القطع معها ، بالتغلّب على هذه النوايا. و هذا بالضبط ما حدث. و مثلما يفسّر على الوجه الأكمل أدناه ، ترافق هذا "التكتيك" مع و كان تعبيرا عن رزمة كاملة من مواقف تحريفية بالأساس حول جملة كاملة من المسائل الجوهرية للثورة التى شرع الح الش الن (الم) فى تطويرها و تبنيها أثناء الفترة عينها. و شهدت هذه السيرورة قفزة نوعية إبّان إجتماع اللجنة المركزية للح الش الن (الم) فى أكتوبر 2005 و برزت اليوم كخطّ تحريفي تام النموّ.
و لا يعنى هذا أنّه من الخطإ مبدئيا أن نوافق أبدا على إيقاف إطلاق النار و/أو المفاوضات : بالعكس تماما. من الصعب تصوّر حرب ثورية طويلة الأمد لن تكون فيها المفاوضات و كذلك إيقاف إطلاق النار ضرورية فى فترات معينة. متى تكون هذه الإجراءات صحيحة و ما هي المقترحات الملموسة التى يمكن و يجب تقديمها أو الموافقة عليها يرتهن بالزمن و المكان و الوضع الملموسين. لقد لاحظ ماو أنّ خوض صراع "مثل بمثل" يعنى أنّ المرء يشارك أحيانا فى المفاوضات و أحيانا لا يشارك. و مع ذلك ، أشار ماو أيضا إلى أن هكذا مفاوضات و إتفاقيات لا ينبغى بتاتا أن " تضرّ بالمصالح الجوهرية للشعب".
و الموافقة على إنهاء حرب الشعب على الدوام و تفكيك جيش التحرير الشعبي و قواعد الإرتكاز الثورية عبر البلاد كافة ، يفعل هذا تحديدا أي يضرّ بالمصالح الجوهرية للشعب. وهذا هو المضمون الموضوعي لهذه "الشروط الثلاثة" (14)
حتى و إن كان حقيقة أن فى 2001 ، عندما إقترحت "الشروط الثلاثة" ، لم تكن للح الش الن (الم) نيّة الموافقة الفعلية على تطبيقها ، كان القيام بذلك غلطة. كمسألة مبدئية ليس بمقدور الشيوعيين أن يقترحوا شروطا يعتقدون فى الواقع أنّها غير مقبولة، آملين أن يرفضها العدوّ. و القيام بذلك يعنى الإلتحاق بالسياسة الواقعية البراغماتية والتشجيع على "الحقيقة السياسية". إنّه يعنى أنّ تدريب الشيوعيين والجماهير على تطبيق المادية الجدلية و التاريخية لفهم الواقع كما هو موضوعيا و لفهم الحقيقة الموضوعية و على ذلك الأساس تغيير العالم بطريقة ثورية، وعوض ذلك تقال لها ،لأسباب "تكتيكية" ، اشياء من المعلوم أنّها غير صحيحة. و لا يؤدّى هذا إلى الإرتباك و الإضطراب فقط مع الإلتواءات و الإنعراجات التى تتخذها الأحداث ، و لكنه يدرّب عموما الحزب و الجماهير على طريقة البراغماتية و التجريبية بدلا من الشيوعية العلمية . مدربين على مثل هذه الطريقة ، لا الشيوعيون و لا الجماهير سيقدران على التمييز بين الماركسية و التحريفية و لا أن يضطلعا بصورة متصاعدة بقيادة الثورة و المجتمع ككلّ بانفسهما كي يساهما فى تحرير الإنسانية جمعاء.
فى أوت 2004، صرّح الح الش الن (الم) بأنّ حرب الشعب فى النيبال بلغت مرحلة "الهجوم الإستراتيجي". و المقصود من هذا أن الحزب قد حدّد أنّ ميزان القوى قد تحوّل بصفة حاسمة إلى صالح الثورة و أنّهم قادرون على جعل هدفهم المباشر تحطيم القوى المسلّحة للعدوّ، و إفتكاك السلطة عبر البلاد بأسرها، و تركيز دولة الديمقراطية الجديدة. و قد تلقّى الشيوعيون و الثوريون فى العالم هذا الإعلان بحماس. و كان مصدرا عظيما للأمل و الإلهام.
و فى ضوء إعلان أنّ حرب الشعب قد دخلت مرحلة الهجوم الإستراتيجي، كان لافتا للنظر أن تتبنّى اللجنة المركزية للح الش الن (الم) فى 2005 قرارا جاء فى جزء منه إنّ : " الآن شعار الحكومة الإنتقالية و إنتخاب المجلس التأسيسي و الجمهورية الديمقراطية الذى صاغه حزبنا، آخذا بعين الإعتبار ميزان القوى العالمي و المحلّى ،هو شعار تكتيكي وضع للبحث عن مخرج سياسي".
و هنا يُعوّض النداء من أجل "مؤتمرلكافة الأحزاب" بنداء من أجل "جمهورية ديمقراطية" و توصف مجدّدا المطالب الثلاثة جميعها بأنّها "شعارات تكتيكية" مع أنّ هذه الشعارات لا تمثّل تكتيكا، بل إنحرافا جوهريا عن إستراتيجيا الثورة الديمقراطية الجديدة. إذا لم يعد الهدف المباشر لحرب الشعب كسب الإنتصار عبر البلاد ، و تحطيم الدولة الرجعية، و تركيز دولة ديمقراطية جديدة(15) و تعبيد الطريق للثورة الإشتراكية و كلّ هذا فى ظلّ قيادة البروليتاريا و حزبها الطليعي و كجزء واعي من و قاعدة إرتكاز للثورة الشيوعية العالمية ، عندئذ موضوعيا و بغضّ النظر عن نوايا المرء ، لا يمكن للهدف الإستراتيجي الفعلي إلاّ أن يكون جمهورية برجوازية و نظاما رأسماليا سيهيمن عليه بالضرورة الرأسمال الأجنبي و الإمبريالية.
فى نوفمبر 2006، أمضى الح الش الن (الم) إتفاق سلام شامل قَبِل بموجبه "الشروط الثلاثة" ووافق هو من جانبه على وضع نهاية لحرب الشعب و تفكيك السلطة الشعبية و الجيش الشعبي و عكس التغييرات الثورية التى إنجزت فى قواعد الإرتكاز إبّان حرب الشعب. و يكرّر الح الش الن (الم) تقريبا يوميا وعده بعدم إستئناف خوض نضال مسلّح أبدا. و الإستنتاج النظري بأن التخلى عن حرب الشعب و الثورة ككلّ و القبول بالمجتمع و الحكم البرجوازيين قد تأكّد ( مرّة أخرى) فى الممارسة العملية.
و هنا نودّ أن نوضّح أنّ كلّ هذا لا يعنى أنّه لا توجد إمكانية نزاع مسلّح له دلالته قد يندلع مجدّدا فى النيبال. و حتى مع إعادة الهيكلة التى حدثت ، تظلّ الدولة النيبالية الرجعية غير مستقرّة. و التحالف الحكومي الذى يقوده حاليا الح الش الن (الم) تنخره التناقضات و قد يتداعى. و يظلّ الجيش النيبالي ، لبّ سلطة الدولة ، بصلابة تحت إشراف الطبقات الحاكمة الرجعية و اسيادها الأجانب ، لذا تبقى قائمة إمكانية إنقلاب عسكري كعامل فعلي يشكّل الأحداث. وقد تشكّلت عديد المجموعات القومية و مجموعات الكاست و بعضها يعوّل على الأسلحة لدفع مطالبه. لهذه الأسباب، قد يضطرّ الح الش الن (الم) أو قطاعات منه إلى اللجوء إلى شكل من النشاط المسلّح. و مع ذلك ، إن لم توجد قطيعة جوهرية مع الخطّ القائد حاليا للحزب ، لن يُمثّل هكذا نشاط إستئنافا لحرب الشعب الثورية حقيقة بهدف مباشر هو إنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة كمكوّن واعى للنضال من أجل الهدف النهائي للشيوعية العالمية.
لقد قدّمت وثائق الح الش الثوري التحليل التالى لمسائل الخطّ و صراع الخطين داخل الح الش الن (ال) الذى أفضى إلى تبنّى ما هو الآن بوضوح خطّ و برنامج سياسي تحريفي:
" ب"الخطّ" نقصد النظرة و التوجّه ،المفهوم و المنهج الإستراتيجيين الذين يقودون النشاط السياسي فى إتجاه أو آخر. حدث تحوّل حاسم فى أكتوبر 2005 حينما جرت "معالجة" الصراع الداخلي الحاد صلب الحزب بطريقة تحريفية فبينما صدح بعض قادة الح الش الن (الم) ، لا سيما بابوران باتاراي بصوت عال بتبنيهم ل"الديمقراطية " بمعنى الديمقراطية البرجوازية من النوع الغربي و أعربوا عن حكم سلبي على كامل الموجة الأولى من الثورة البروليتارية، فإنّ غالبية قادة الحزب المركزيين الآخرين صرّحوا بذات الصوت العالي بمساندتهم لأهداف تركيز الديمقراطية الجديدة و الإشتراكية و الشيوعية فى حين شدّدوا على أنّ تحديد الصراع فى القتال من أجل جمهورية "إنتقالية " ( إقرأ برجوازية) كان "تكتيكا" لا غير. و بالفعل ، حاول قادة الح الش الن (الم) عموما بإستمرار تركيز النقاش على مسألة "التكتيك" ، كما لو أنّ المسألة الجوهرية هي كيف تحقق "جمهورية ديمقراطية فيدرالية" و ليس أي نوع من الدولة ، و بأكثر جوهرية أي نوع من النظام الإجتماعي ، تحتاجه النيبال و يحتاجه العالم"( "حول التطورات فى النيبال و الرهانات أمام الحركة الشيوعية " ص 5-6).
و أبعد من ذلك ،
" لسوء الحظّ ، جرت معالجة صراع الخطّين داخل الح الش الن (الم) وقتها على أساس سيئ جدّا من قبل إجتماع اللجنة المركزية المنعقدة فى أكتوبر2005. فبدلا من نبذ حجج مقال "الدولة الجديدة" لباتاراي، ثبّتت اللجنة المركزية لبّ حججه. و فى بلاغ للجنة المركزية للح الش الن (الم) إستبعدت الخلافات فى الخطّ فى صفوف الحزب على أنّها "سوء تفاهم".و قد تبنّى الحزب مخطّط التوجه نحو "جمهورية إنتقالية "، شرط أنّ هذا لم يكن سوى "تكتيكا" بينما تمّ التأكيد على أنّ الحزب يظلّ متشبثا بأهدافه البعيدة المدى من الديمقراطية الجديدة و الإشتراكية و الشيوعية. و أعيد إدماج باتاراي فى قيادة الحزب على هذه القاعدة. و أعلنت هذه الطريقة فى توحيد رأيين متناقضين كمكسب عظيم و رفعت كنموذج للحركة الشيوعية العالمية برمتها.
لقد كان هذا الشكل الخاص من التحريفية ، الإنتقائية، أو محاولة الجمع بين ضدّين لا يمكن التوفيق بينهما ،و مزج الماركسية
( فى الكلام) مع التحريفية فى الجوهر، مشكلا فى تفكير قادة الح الش الن (الم) لكنّه صار متجذّرا و مدافعا عنه كمبدأ غداة
" الصراع الداخلي فى الحزب" فى 2005"( المصدر السابق ، ص9).
هنا ، من جديد ، يمكن رؤية أن فهم حيوية الخطّ الإيديولوجي و السياسي " بما فى ذلك الطريقة الأساسية لصياغة ذلك الخطّ" ليست مجرّد تأكيد نظري ، بل حقيقة موضوعية أثبتت بصفة متكرّرة فى الممارسة. و يأتى التغيّر الجوهري فى المسار الذى أعلنه الح الش الن (الم) فى 2005 فى إطار موقفه بأنّه "أخذ بعين الإعتبار ميزان القوى العالمي و المحلى" و مثل جهدا لإيجاد "مخرج بمنظورمستقبلي". و الإشارة إلى مرحلة "الهجوم الإستراتيجي " لا نعثر عليها فى أي مكان : لا كونها لا تزال قائمة ، و لا كونها شهدت تراجعا. (16).
و يطرح سؤال ، ضمن أسئلة أخرى، ذاته : ماذا حدث ل"الهجوم الإستراتيجي"؟ فى 2004 صرّح الح الش الن (الم) بأنّ أُفق إنتصار حرب الشعب عبر البلاد كافة فى المنال. لكن فقط سنة بعد ذلك و رغم أن جيش التحرير الشعبي لم يتعرّض إلى هزيمة إستراتيجية كبرى، نلفى الح الش الن (الم) لم يعد يضع نصب أعينه الإنتصار بل "مخرجا" و لا يفسّر ما الذى تغيّر.(17)
و زيادة على ذلك، قد لمّح الح الش الن (الم) و قياديين قاموا بتصريحات عامة مفادها أن حرب الشعب لم تستطع مزيد التقدّم و/أو أنّ الوضع الجغرافي للنيبال الواقعة بين الصين و الهند يعنى أنّ الإفتكاك الثوري للسلطة لن يقدر أبدا على أن يتعزّز بنجاح. (18) و بالتالى وفق هذا التفكير ، الطريقة الوحيدة لتجنّب تراجع أو حتى تداعى الثورة هو سحب الهدف المباشر للثورة الديمقراطية الجديدة و البحث عن نوع من "المخرج بمنظور مستقبلي" و الطريق المختصر نحو الديمقراطية الجديدة.
( "مأسسة " مكاسب الثورة كما يوضع عادة). و بكلمات أخرى ، فضلا عن حججهم النظرية بشأن الديمقراطية البرجوازية و الحاجة إلى "مرحلة رأسمالية" (19) ، أضافوا مكوّنا براغماتيا بأنّه لا وجود لطريق "عملي" آخر سوى التخلّى عن حرب الشعب و النضال المباشر فى سبيل الديمقراطية الجديدة.
إعتبارا لكلّ هذا ينبغى على الح الش الن (الم) أن يشرح على أي أساس أعلن أنّ حرب الشعب قد دخلت مرحلة الهجوم الإستراتيجي فى البداية. إن حلّل أنّ الظروف تغيّرت ، عندئذ يتعيّن أن يعلن هذا و يشرح لماذا و كيف حدث ذلك. و إن كان الآن يعتقد أن تحليله الأصلي كان خاطئا ، حالتئذ عليه أن يشرح هذا الخطإ و أسبابه. لكن ببساطة العمل كما لو أن هذا لم يُقل البتّة إنحراف عن المقاربة الجدّية و العلمية و تعويض هكذا مقاربة بسلع رخيصة من "الحقيقة السياسية" البراغماتية. هذا من جهة و من جهة أخرى، يتطلّب العلم ، بما فى ذلك العلم الثوري ، كما وضع ماو، النزاهة.

4- مسألة الإستراتيجيا، إتفاق السلام الشامل و إفتكاك السلطة عبر البلاد كافة :
منذ زمن أوّل إقتراح لمفهوم المرور بمرحلة كاملة من "الجمهورية الديمقراطية الإنتقالية " و "التطوّر الرأسمالي"، وُجد حديث بأنّ هذا هو نوع من الإعداد لإفتكاك السلطة عبر البلاد بأسرها.(20) لكن كما تبيّن من الجدال ضد "خطّ آسومير السلمي" فى البيرو، عندما يُنطلق فى حرب الشعب ، من المستحيل إنهاء الحرب و تفكيك القوى المسلّحة الشعبية و التفكير فى أنّ حرب الشعب ( أو فى هذه الحال الإنتفاضة المسلّحة ) يمكن أن تنطلق من جديد كما نريد فى تاريخ لاحق . وعليه ، كان هذا "التفسير" فى أفضل الأحوال وهما و فى أسوئها خطابا مزدوجا تحريفيا.
فى السنوات التالية لمقترحه الأوّلي ل"حلّ سياسي " لحرب الشعب فى 2001 ، طوّر أكثر الح الش الن (الم) نظرية الدولة البرجوازية الإنتقالية و المرحلة الرأسمالية ، التى قادت حينها و برّرت القبول باتفاق السلام الشامل و ما نجم عنه من إنتخابات. و بينما نرفض بلا مراء هذه الخطوة ، لا نشطب إمكانية أنّه كان من الضروري ، كإجراء تكتيكي، أن تتمّ المساهمة فى إنتخابات إثر أحداث أفريل/ ماي 2006 لمّا أجبر الملك على الإستقالة. و بالطبع إن كان ليكون لتدفّق المظاهرات الجماهيرية التى أدّت إلى إستقالة الملك أطرا و ديناميكية مختلفة على نحو له دلالته، إذا لم يكن الح الش الن (الم) خلال السنوات السابقة ، يشجّع الديمقراطية البرجوازية و الرأسمالية ك"مخرج بمنظور مستقبلي" (21) و فى هذه الحال ، هكذا مشاركة لو كانت فعلا ضرورية ما كانت لتكون أبدا قائمة على الموافقة على إنهاء حرب الشعب بصورة تامة و تفكيك جيش التحرير الشعبي و قواعد الإرتكاز الثورية و الإعلان السياسي بأنّ نوعا من الطريق المختصر للديمقراطية الجديدة بإستطاعته أن "يعالج" مشاكل الشعب.
و فى رسالته إلى الحزب الشيوعي الثوري ، كتب الح الش الن (الم) :
" لذلك ، أن تقبل الإمبريالية أو لا تقبل ليست مطلقا المسألة المقصودة من وراء تكتيكنا فالمسألة الوحيدة فى الوضع الراهن هي أي تكتيك يمكننا من إلحاق الهزيمة بالإمبريالية " (ص 12 ). تصوير التكتيتك هكذا على أنّه"المسألة الوحيدة" خاطئ.
الإستراتيجية التى يتبعها المرء ليست مرسومة فى حجارة و لا هي تعالج بالتصريحات. إنّ السياسات و التكتيكات الملموسة التى يطبقها المرء فى لحظة معينة يجب أن تعكس و تعبّر عمليا عن هذه الإستراتيجيا و عن الهدف الإستراتيجي، وإلاّ فإنّ المرء يتبع إستراتيجيا مغايرة عن وعي أو عن غير وعي. و علاوة على ذلك، قد هزم الإتحاد السوفياتي ألمانيا و حلفاءها فى الحرب العالمية الثانية و كانت إستراتيجيته و تكتيكاته ناجحة فى بلوغ هذا الهدف. و مع ذلك، من وجهة نظر التقدّم صوب العالم الشيوعي ، كانت إستراتيجيته خاطئة. فقط كون التكتيك أو حتى الإستراتيجيا يمكن أن يحقّق على المدى القصير مكاسبا ، لا يعنى بالضرورة أنّه صحيح أو ناجح من وجهة نظر النضال من أجل الشيوعية.
حين نتفحّص خطّ و سياسات الح الش الن (الم) ، من الصعب الهروب من إستنتاج أنّه يفكّر أنّه بمجرد إعلان هدف ، سواء كان "الديمقراطية الجديدة" أو"الإشتراكية " أو "الشيوعية" ، فإنّ هذا الإعلان ذاته يطرح مسألة أي "إستراتيجيا " تتبع، دون تحديد مضمون ذلك الهدف و كيف و عبر أية سيرورة ملموسة سيتحقّق ذلك الهدف المعلن.هكذا إعلانات لوحدها حتى لمّا تصدر بنزاهة لا تمثّل فى الواقع "إستراتيجيا".
فى إطار هذا الفهم الخاطئ لما تمثّله الإستراتيجيا ، يعلن الح الش الن (الم) مسألة "التكتيك" بإعتبارها المسألة الجوهرية. و بخاصّة ، من العسير تجنب إستنتاج أن الح الش الن (الم) يعتقد أنّ الإستراتيجيا و التكتيك الشيوعيين ، فى جوهرهما، يشتملان فى كلّ مرحلة على تحديد "العدو الرئيسي" ثم البحث عن الوحدة مع "الأعداء الثانويين" ،لأجل عزل و إلحاق الهزيمة بكلّ من يقع تحديده ك "عدوّ رئيسي" فى لحظة معيّنة و هذا أيضا خاطئ.
على النطاق العالمي ،لا يمكن لهذا المفهوم أن يمثّل إستراتيجيا عامة بما أنّه لا وجود ل"عدوّ رئيسي" عالميا غير النظام الإمبريالي العالمي ذاته. و هذا الفهم الخاطئ عينه جرى تطبيقه فى علاقة بالدفاع عن الإتحاد السوفياتي بنتائج كارثية. و فى الصين رغم أنّ ماو قطع مع أتعس مظاهر هذه المقاربة، و بأكثر تحديد مع مفهوم أنّ الدفاع عن بلد إشتراكي يساوى ، أو حتى له الأولوية نسبة للتقدّم الشامل للثورة العالمية، فإنّه مع ذلك ، كانت هذه المقاربة الجوهرية هي التى أرشدت جهوده العالمية للدفاع عن الصين ضد الحصار والهجوم الإمبرياليين ممّا أدّى إلى بعض الأخطاء الجدّية...
وفى إرتباط بالثورة داخل بلد معيّن ، بإمكان هذه المقاربة فى ظلّ ظروف خاصّة أن تكون صحيحة. و مع ذلك ليست مبدأ إستراتيجيا عاما ينبغى على ثورة خاصة ، فى كلّ وضع أو فى كلّ مرحلة أن " تتوحّد مع الأعداء الثانويين" ذلك أنّ هؤلاء "الأعداء الثانويين" يمكن أن لا يكونوا مستعدّين" للوحدة "مع الثورة فى ظلّ شروط لا تساوم على الأهداف و المبادئ الثورية الأساسية ،أي "مصالح الشعب الجوهرية" و هذا من جهة و من جهة ثانية، لأنّ ميزان قوى مواتى قد يخوّل إلحاق الهزيمة بكلّ من "العدوّ الرئيسي" و كذلك "الأعداء الثانويين" فى آن معا.
وقد نقد البعض قيادة الح الش الن (الم) لتقديمها تنازلات عديدة أكثر من اللازم لبلوغ إتفاق السلام الشامل و الإنتخابات. و حاججوا بأن قوّة الثورة زمن إمضاء إتفاق السلام الشامل كانت تسمح بشروط أفضل بكثير من مثل عدم وضع جيش التحرير الشعبي فى ثكنات أو نزع سلاحه، وعدم تفكيك قواعد الإرتكاز إلخ. لكن خطّ تفكير من هذا القبيل يخفق فى المسك بالمسألة.
لم يكن المشكل كيف نكون أكثر قدرة على التفاوض حول إتفاق السلام الشامل، بل كان المشكل هو المفهوم بالذات أو لوضع الأمر بصيغة مباشرة أكثر، كان المشكل الخطّ العام ذاته للح الش الن (الم) ، و ليس تطبيق ذلك الخطّ . لم يكن إتفاق السلام الشامل ممكنا إلاّ بالشروط الأساسية التى عقد بها فعلا.
و من البيّن أنّ الطبقات الرجعية و خاصّة مسانديها الأجانب ما كانوا ليقبلوا أبدا أية شروط لإنتخابات كانت قد تفسح المجال لتركيز ناجح لدولة ديمقراطية جديدة. كان هذا ليعني القبول بالإستسلام عبر المفاوضات قبل تعرّض الجيش الرجعي للهزيمة فى ساحة المعارك. ما كانوا ليختاروا هذا.
و هكذا ،"الشروط الثلاثة" نتيجتها الممكنة الوحيدة هي ما نشاهده الآن. ذلك أنّ شروط الح الش الن (الم) لإنهاء الثورة تنسجم مع الخطّ و البرنامج و الأهداف التى صاغها الحزب فى هذه النقطة. إذا مثّل إتفاق السلام الشامل كما هو،بالنسبة لقيادة الحزب " نجاحا"، لماذا يتعيّن عليها أن ترفض إمضاءه؟
5- الواقع، وواقع المزج القاتل للإنتقائية و البراغماتية :
طوال الستّ سنوات و نيّف الماضية كنّا بصورة متصاعدة مرتبكين بسبب التوجّه الخاطئ الذى إنتهجه خطّ الح الش الن (الم). و مع ذلك ، فى هذا المضمار، ينبغى أن نستخلص للأسف أنّ من جهتنا إنتظرنا طويلا قبل محاولة الإنطلاق بحيوية فى نقاش مع رفاق الح الش الن(الم) حول المسائل الحارقة. هذا منّا خطأ يحتاج إلى التلخيص بأكثر شمولية و إلى التصحيح،وهو يعكس ، ضمن أشياء أخرى ، إستنقاصا للدور النقدي و الحيوي للخطّ الإيديولوجي و السياسي. (22).
و كما تمّت الإشارة إليه فى ما مرّ بنا ، فى هذا النقاش إنتهجت قيادة الح الش الن (الم) نوعا من المقاربة ذات الوجهين المزدوجين . فمن جهة، سعت إلى دعم خطّها و سياساتها بحجج نظرية إنتقائية حول طبيعة الدولة و الديمقراطية و دكتاتورية البروليتاريا إلخ. و بالفعل ، كما حلّلت بإستفاضة رسائل الحزب الشيوعي الثوري ، باتت الإنتقائية مظهرا هاما من المظاهر الأساسية لخطّ و مقاربة الح الش الن (الم) .و مثلما يؤكد مقتطف لينين الذى إستشهد به أيضا فى رسالة الحزب الشيوعي الثوري المؤرخة فى نوفمبر 2008، فإن الإنتقائية لا يمكن إلاّ أن تؤدي إلى الإنتهازية : " إنّ إظهار الإنتقائية بمظهر الديالكتيكي فى حالة تحوير الماركسية تبعا للإنتهازية، يخدع الجماهير بأسهل شكل ، يرضيها فى الظاهر ، إذ يبدو و كأنه يأخذ بعين الإعتبار جميع نواحى العملية، جميع إتجاهات التطوّر ، جميع المؤثرات المتضادة إلخ و لكنّه فى الواقع لا يعطى أي فكرة منسجمة و ثورية عن عملية تطور المجتمع " ( لينين ، "الدولة و الثورة ")
و فى نفس الوقت ، قدّمت قيادة الح الش الن (الم) خطّا "عمليا" من المحاججة مؤكّدا أن الثورة فى النيبال واجهت مشاكلا ملموسة كانت فى حاجة إلى المعالجة لأجل التقدّم و أنّ حلول هذه المشاكل الملموسة لن توجد فى تطبيق "أبجديات الماركسية".
فى جوهرها ، تنكر هذه المقاربة أساسا إمكانية معرفة و وجود قوانين حركة تحكم تطوّر المجتمع الإنساني و، فى النهاية ، الفهم المادي الأساسي بأنّ الواقع الموضوعي و الحقيقة موجودان . ونتيجة من النتائج التى يفضى إليها هذا المنهج هي إنكار الطابع العلمي للشيوعية و ضرورة إستعمال منهج علمي عند تطبيق مبادئ الشيوعية لمعالجة المشاكل الملموسة. إنّه يقلّص العلم الشيوعي إلى حقيبة أدوات مليئة مواقفا و مقتطفات إستعمالها أو عدم إستعمالها محدّد بما يبدو أنّه يخدم بعض الأهداف السياسية المباشرة: الأداتية/ أدوية الفكر. وهكذا يجرى تعويض الحقيقة الموضوعية بالحقيقة السياسية بدلا من التكتيكات الناجمة عن و الخادمة للأهداف و الإستراتيجيا، و تصبح "التكتيكات كلّ شيئ" مبدأ مرشدا.
إضافة إلى الأداتية/ أدوية الفكر ، فإن هذا الخطّ "العملي" للمحاججة تعبير عن تأثير البراغماتية ( فى إرتباط بها المذهب التجريبي و التجريبية كذلك) داخل الحركة الشيوعية العالمية. و قد أثبت تاريخ النضال الثوري بأسره أنّ كلّ ثورة قد واجهت مشاكلا جديدة تطلّب حلّها إجابات جديدة نظرية و كذلك عملية. و قد بيّن التاريخ أيضا بصورة متكرّرة أنّه إذا أريد للثورة أن تتقدّم ينبغى إيجاد إجابات ثورية على هذه المشاكل الجديدة و أنّ هذه الإجابات تتطوّر أولا نظريا إعتمادا على تلخيص الممارسة و التجربة السابقتين ، بمفهوم واسع و ثمّ يتمّ تطبيقها عمليا.
هذا ما قام به لينين تكرارا فى قيادة البلاشفة فى لحظات حيوية من مسار الثورة فى روسيا بكتابة أعمال على غرار "ما العمل؟" و "المادية و مذهب النقد التجريبي" و "الدولة و الثورة" و "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" إلخ. و هذا أيضا ما قام به ماو أثناء الثورة فى الصين حين قدّم الفهم الماركسي للجدلية و صاغ نظرية الثورة الديمقراطية الجديدة ،و حرب الشعب الطويلة الأمد و خاصّة مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا و شنّ الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى إلخ. فى كلّ هذه الحالات سبقت قفزات فى الفهم النظري الإختراقات فى الممارسة .(23)
و على النقيض من هذا الفهم الصحيح للعلاقة الجدلية بين النظرية و الممارسة و السيرورة التى من خلالها تحدث قفزة من المعرفة الملموسة إلى المعرفة العقلية ، يطرح الح الش الن (الم) القضية كما يلى:
" بهذا الصدد أحد أهمّ المظاهر هو كيف ندافع و نطبّق و نطوّر إيديولوجيتنا العلمية و الجبّارة ، الماركسية –اللينينية-الماوية. كيف ندافع عن الإيديولوجيا التى لا تقهر؟ يمكن الدفاع عنها بتطبيقها على الواقع الملموس للوضع الملموس. حين تطبّق على واقع ملموس، تفرز بعض التطورات الجديدة. و الطريقة الوحيدة لتطوير الإيديولوجيا العلمية هي تطبيقها. إنّها تتطوّر فقط عندما تطبّق بطريقة صحيحة". ( "تجاوز التحدّيات لتحقيق إنتصار بارز! " "العامل" عدد11).
كما كتبوا ، قول إن الماركسية-اللينينية-الماوية "يمكن الدفاع عنها بتطبيقها على الواقع الملموس" ببساطة خاطئ. ذلك أنّ هذا يضع جانبا تماما دور ضرورة الصراع النظري ( بما فى ذلك صراع الخطين). إنّه ينكر كافة تاريخ تطوّرالنظرية الشيوعية الذى نشأ فى خضمّ الصراع النظري بما فى ذلك صراع ماركس و إنجلز ضد المثالية و المادية الميكانيكية ، و الإشتراكية الطوباوية، و مختلف التيارات الفوضوية إلخ ، و صراع لينين ضد الإقتصادوية و الإصلاحية و الإشتراكية الشوفينية و تحريفية الأممية الثانية، و صراع ماو ضد الخطوط الخاطئة داخل الكومنترن، والمعركة التاريخية التى أطلقها و قادها ضد التحريفية المعاصرة و "أتباع الطريق الرأسمالي" داخل الحزب إلخ. و بالفعل ، من غير الممكن الدفاع عن مبادئ الشيوعية بمجرّد تطبيقها فى الممارسة العملية وحدها. لو كانت أطروحة الح الش الن (الم) صحيحة ، ماذا سنفعل بملاحظة أن " تتطوّر الماركسية فى الصراع ضد التحريفية"؟
زيادة على ذلك ، فإنّ صياغة "الطريقة الوحيدة لتطوير الإيديولوجيا العلمية هي تطبيقها.إنّها تطوّر فقط عندما تطبّق بطريقة صحيحة." تجانب الصواب هي الأخرى. بالتخلى عن ضرورة تلخيص الممارسة (مفهومة بصيغة واسعة) عبر تطبيق المادية الجدلية و التفكير الخلاّق كي تتقدّم النظرية ، تعنى هذه الصيغة أنّ القفزة من المعرفة الملموسة إلى المعرفة العقلية تحدث أوتوماتيكيا حينما "تطبق النظرية بطريقة صحيحة"؟ فى الحقيقة لا يمكن لتطبيق النظرية فى الممارسة ، صحيحة كانت أم غير صحيحة ، أن تؤدي أوتوماتيكيا إلى تقدّم فى الفهم النظري. إنّ خطّ الح الش الن (الم) "الأوتوماتيكي" لا يمكن إلاّ أن يفضي إلى تعويض علم الشيوعية بالبراغماتية و التجريبية. علاوة على ذلك، من غير الصائب أن تطبيقا "صحيحا" للنظرية يمكن أن يؤدّي إلى مزيد التقدّم النظري كما يزعم الح الش الن (الم) ( واضعين جنبا هنا مسألة كيف يحدّد المرء ما هو "صحيح"). علينا و بالفعل ينبغى أن نتعلّم من أخطائنا و كذلك من تقدّمنا. و هذا أيضا جوهري "لأبجديات الماركسية" أو مبادئها الأساسية .
و يعنى البحث عن إجابات ثورية تدفع إلى الأمام الصراع من أجل عالم شيوعي ضرورة إنجاز إختراقات فى فهم الواقع المادي و الطرق و الوسائل الضرورية لتغييره. ولا يمكن صياغة هكذا أجوبة ثورية إلاّ على أساس تطبيق المنهج المادي الجدلي و ليس الإنتقائية و البراغماتية، و على أساس رفع راية المبادئ المثبتة بالتجربة و إنجاز مزيد الخطوات و القفزات فى الفكر و العمل. ما من جديد أو تجديد فى التخلّى عن النضال الثوري من أجل عالم شيوعي و التحوّل إلى حزب سياسي كالأحزاب الأخرى يكرّس ذاته لل"تطوّرالرأسمالي" الذى مهما كانت النوايا المعنية ، ليس بوسعه إلاّ أن يعني إستغلال و إضطهاد الجماهير. و تبرير كلّ هذا بإسم التقدّم "العملي" و الأهداف "الواقعية" هو مقولة ممجوجة.
إضافة إلى هذه النقطة العامة ، ينبغى أن نشير إلى أن مطلب "الأجوبة العملية" يتضمّن عنصرا مخادعا. فالثورة سيرورة معقدة و متعدّدة الأوجه. دون معرفة و فهم جزئيات الوضع الملموس ، من العسيرعادة إن لم يكن من المستحيل صياغة سياسة صحيحة بشأن مواضيع خاصة لبلد معيّن. و التشديد على هكذا أجوبة كمقدّمة ضرورية و حتى كتعويض عن خوض نضال و نقاش جدّيين حول المسائل الجوهرية المعنية هو حقّا مجرّد الدخول فى الإحباط السياسي عوض النضال المبدئي. و الواقع أنّ المسائل العامة للخطّ محور هذا النقاش يمكن و يجب أن تفهم من قبل الجميع و ليست خاصة بالنيبال : طريق الثورة فى البلدان المضطهَدة و طبيعة الدولة و طبيعة الديمقراطية و دورها و طبيعة الطليعة الشيوعية و دورها و قوانين حركة و تطوّر رأس المال و المادية الجدلية ، و القومية و الأممية و المجال الإستراتيجي العالمي إلخ.
لقد حيّر تطوّر الأحداث فى النيبال الكثيرين فتساءلوا : " فى النيبال حيث أنجز تقدّم ثوري عظيم من هذا القبيل و لم يعانى أي تراجع أو هزيمة ، كيف يمكن أن يجد الحزب نفسه و تجد الثورة نفسها على حافة ما يمكن وصفه بالإنهيارالإرادي؟"
لا تكمن الإجابة عن هذه المسألة فى بعض الخسائر الفجئية للإرادة الثورية من قبل القادة، و إنّما فى الخطّ الإيديولوجي و السياسي الذى طوّروه و إتبعوه والمنهج الذى إستعملوه لتطوير ذلك الخطّ. إزاء التحدّيات الكبرى الجديدة التى فرضها تقدّم الثورة فى النيبال و تطوّر أفق إفتكاك السلطة عبر البلاد بأسرها ، قد إلتهمت الإنتقائية و البراغماتية فى منهج قيادة الح الش الن (الم) ،إلى جانب التنكّر للمبادئ الشيوعية الأساسية ( "أبجديات الماركسية")، المظهر الثوري المبدئي السابق لخطّها. و يتعيّن أن يكون هذا درسا دقيقا للجميع فى ما يخصّ مدى حيوية الخطّ و خطر القدح فى النظرية . إلى ذلك ، و رغم أنّ العديدين يقاومون هذا الأمر ، فإنه تعبير ملموس عميق عن حقيقة أنّه دون التلخيص الجديد لبوب آفاكيان ستتحوّل الماوية إلى نقيضها.
خاتمة :
كلّ ما ناقشناه هنا ، إلى جانب التحليل الأشمل الذى أنجزه الحزب الشيوعي الثوري و غيره ، يجعل واضحا غاية الوضوح مدى جدّية الوضع. و ينبغى على الشيوعيين فى كلّ مكان أن يصارعوا بلا مساومة رفاق الح الش الن (الم) لإعانتهم على القطع مع منهجهم و خطّهم الخاطئين و جعلهم قادرين على العودة إلى الطريق الثوري الذى تنيره المبادئ الجوهرية للعلم و الإيديولوجيا الشيوعيين.
و لن يكون هذا بالأمر اليسير. إنّه صراع فعلي، له رهانات و تبعات فعلية. الرفاق فى النيبال يواجهون وضعا فى منتهى الصعوبة. و بالرغم من، و إلى درجة بسبب، المكاسب العملية الكبرى التى حققتها ثورتهم ، فإنّ الخطّ الذى يقود الح الش الن (الم) صار مع مرورالسنين هو ذاته و بصفة متصاعدة "أسير" الإنتقائية و البراغماتية و التجريبية و القومية، بإختصار التحريفية. و الإخفاق فى القطع مع تأثير هذه النزعات الخاطئة كامن فى التطورات العامة التى أدّت إلى التخلّى جوهريا عن كلّ من الهدف المباشر لإنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة و كذلك الهدف الإستراتيجي أي العالم الشيوعي، و حتى الموقف و النظرة و المنهج الأساسيين للمادية الجدلية و التاريخية.
دون فهم هذه الحقيقة الأساسية ذاتها ، لن يكون من الممكن لرفاق الح الش الن (الم) أن يعترفوا بأخطائهم و يصحّحوها. فمصيرالثورة فى النيبال و إمكانية تقدّم كبير فى نضالنا العالمي مرتهنان ببذلنا كلّ الجهود لخوض هذه المعركة و أيضا لكسبها. و بالتالى سيكون لكيفية خوضها، و بغضّ النظر عن النتيجة فى النيبال نفسها، أثرا هائلا على إيجاد ظروف مزيد تقدّم الثورة البروليتارية حول العالم.
مع تحياتنا الشيوعية ،
الشيوعيون الثوريون الألمان / أفريل 2009.
الهوامش:
1- عمليا الإسم الصحيح الراهن للحزب هو الحزب الشيوعي النيبالي الموحّد (الماوي) لكن بغية تجنب تداخل الأمور نستعمل فى هذه الرسالة إسم الحزب السابق و الأكثر شيوعا.
2- "حول التطورات فى النيبال و الرهانات أمام الحركة الشيوعية العالمية: رسائل الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية إلى الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) 2005-2008 ( مع ردّ من الح الش الن (الم) 2006) " منشور فى العدد 160 من "الثورة" بتاريخ 28 مارس 2009.
3- و هذه الوثائق متوفّرة للإنزال من الأنترنت من موقع جريدة "الثورة"...
4- كتبت الرسائل الثلاث للحزب الشيوعي الثوري فى أكتوبر 2005 و مارس 2008 و نوفمبر 2008 و الردّ الوحيد من الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) مؤرّخ فى 1 جويلية 2006.
5- و هذا المقتطف بدوره يدحض نظرة الح الش الن (الم) بأن "الأساس المادي " "للثورة المضادة " فى الصين يجب أن نعثر عليه "بالأساس فى البنية الفوقية" ( أنظروا "رسالة إلى الحزب الشيوعي الثوري" ، ص 7 ) و كذلك يدحض زعمهم بان ماو "تأخّر فى التنبئ بهذا الوضع" .
6- ينبغى أن ننبّه هنا إلى أن ذلك حدث فى نفس الوقت الذى كان فيه الح الش الن (الم) يطوّر جملة ما يعتبر، فى نظره، أخطاءا أساسية لحركتنا. و مع ذلك نظرا لمنهجه الخاطئ ، فإنّ غالبية هذا النقد غير صائب بقدر ما هو غير صائب الخطّ الذى يتبعه الحزب حاليا.
7- و نستطيع أن نضيف إلى هذه النقطة الأسئلة التالية: إن كان من "السهل" تطوير و تطبيق إستراتيجيا للقيام بالثورة لماذا كان لينين و الحزب البلشفي الوحيدان اللذان أنجزا ثورة مظفرة فى إرتباط بالأزمة التى ظهرت فى أجزاء فسيحة من أوروبا خلال و بالضبط بعد الحربين العالميتين الأولى و الثانية. إن كانت المسائل الإستراتيجية بهذه "السهولة" للفهم و الإجابة ، لماذا كان لينين الشخص الوحيد فى اللجنة المركزية للحزب البلشفي الذى أقرّ بأن اللحظة كانت مناسبة لشنّ إنتفاضة؟ لئن خسر لينين الصراع لإقناع الغالبية بتبنّى موقفه فى هذه المسألة الإستراتيجية الكبرى ، لما حدثت أبدا الثورة الروسية أصلا!
8- أبدى إنجلز الملاحظة التالية بشأن هذه المسألة :
" وفق المفهوم المادي للتاريخ ، العنصر المحدّد فى النهاية هو إنتاج و إعادة إنتاج الحياة الواقعية. لا أنا و لا ماركس أكدنا خلاف هذا. و بالتالى إذا حرّف أحدهم هذا إلى قول إن العنصر الإقتصادي هو العنصر المحدّد الوحيد، فإنه يحوّل تلك الجملة إلى جملة لا معنى لها ، مطلقة. إن الوضع الإقتصادي هو الأساس و لكن مختلف عناصر البناء الفوقي لأشكال الصراع الطبقي السياسية و نتائجها- الدساتير التى تركزها الطبقة العاملة المنتصرة بعد معركة مظفّرة إلخ و الأشكال القانونية و حتى إنعكاسات جميع هذه الصراعات الفعلية فى أذهان المشاركين فيها و النظريات السياسية و القانونية و الفلسفية و النظرات الدينية و تطورها فيما بعد إلى نظم عقيدية – كلّ ذلك يؤثّر فى مجرى الصراعات التاريخية و فى عديد الحالات تحدّد شكلها" ( رسالة إلى بلوش ، 21 سبتمبر 1890) .
9- فى لقاء صحفي مع كننيبور أولاين فى 13 جانفي 2009، صرّح بابوران باتاراي ، عضو قيادي فى الح الش الن (الم) ، وهو الآن وزير المالية فى الحكومة التى يقودها الح الش الن (ال) ، بالموقف الآتى ذكره:" إنّنا ننتقل من عهد إقطاعي إلى عهد رأسمالي - صناعي . لذا نودّ أن نجلب مزيدا من الإستثمارات للقطاع الصناعي لخلق مواطن شغل داخل البلاد و لرفع إنتاجية العمل. و سيؤدى هذا إلى نموّ مضاعف فى غضون السنوات الثلاث القادمة – هذا هدفنا. لذلك على القطاع الخاص أن يلعب دورا قياديا".
10- رغم أن فى عديد البلدان، تستمرّ الإقطاعية و العلاقات شبه الإقطاعية فى الوجود على نطاق واسع ، فإنها مدرجة و مدمجة فى العلاقات العامة الرأسمالية /الإمبريالية عالميا. و هذا يضع جانبا أيضا المبادلات المحلّية. فهي تظلّ قائمة ، لكنه لا يمكنها أن تكون قاعدة لتنظيم أية سيرورات إنتاجية تشمل المجتمع كافة أو حتى عددا كبيرا من الناس. و كذلك، ليس بوسعنا هنا أن نناقش مسألة إقتصاد قواعد الإرتكاز الحمراء ،و لو أنّها مسألة هامة بحدّ ذاتها.
11- يشير هذا إلى المقتطف الشهير لماركس حيث قال إنّه ينبغى على الثورة الشيوعية أن تهدف إلى إلغاء : كلّ الطبقات و الإختلافات الطبقية عموما ،و كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها،و كلّ العلاقات الإجتماعية المناسبة لها ،و كلّ الأفكار الناجمة عن هذه العلاقات الإجتماعية.
12- رفع الح الش الن (الم) أفق تحويل النيبال إلى سويسرا جنوب آسيا. و بالإحالة على سويسرا، و مستوى عيشها العالى نسبيا، يبحث ، ضمن أشياء أخرى، عن إقتراح أنّ الرأسمالية /الإمبريالية بإمكانها أن تلبى فعلا الحاجيات الأساسية للشعب. و كما يشير إلى ذلك الحزب الشيوعي الثوري ، حتى مستوى العيش العالي نسبيا للجماهير فى عديد البلدان الإمبريالية يقوم على ،و هو مستحيل دون الإستغلال الهائل للبلدان المضطهَدة و النيبال بلد من هذه البلدان. و ليس بوسع النيبال أن يصبح سويسرا و لو كان ذلك بوسعه ، فهو شيئ لا ينبغى أن يطمح إليه أو يشجعه الشيوعيون. وزيادة على ذلك، ترويج الح الش الن(الم) للأوهام البرجوازية يتغاضى عن كون مظهر من المظاهر المفاتيح لل20 سنة الماضية من العولمة هو إنجراف القاعدة المادية للبرجزة فى البلدان الإمبريالية. و الأزمة الحالية تسرّع هذا التياّر.
سويسرا بطرق شتّى "أكثر إمتيازات" ضمن البلدان الإمبريالية إعتبارا لكونه لم يكن عليها بناء إمبراطورية إستعمارية أو إستعمارية جديدة أو المشاركة فى حروب ما بين الإمبرياليات للحصول على موقعها. و مع ذلك ، سيكون من الخطإ التفكير فى أن سويسرا نوعا ما معصومة من سير الرأسمالية/الإمبريالية. و لتتذكّروا أنّ إسلندا إعتقدت أنّها صارت "سويسرا شمال الأطلسي" ، لكن الأزمة الحالية المالية/الإقتصادية شملتها فوجدت نفسها مفلسة بين ليلة وضحاها بنسبة هامة من السكّان قد فقدوا مدّخرات حياتهم. لسنا بصدد التنبئ بأن ذات المصير يترقّب سويسرا فى أي زمن منظور و لكن كذلك لا ينبغى على أي مرء أن يمحي كلّيا هذه الإمكانية.
13- فى "نشرة إعلامية ماوية" عدد 1 التى صدرت فى جانفى 2002 ، عثرنا على موقف أن الح الش الن (الم) كان يبحث عن "إيجاد حلّ سياسي فى شكل حكومة إنتقالية ،و دستور جديد و تأسيس جمهورية" و كان مستعدّا "للتوجّه إلى إنتخاب مجلس تأسيسي للفصل فى مسألة الجمهورية" .
14- نعتقد أنه من الصحيح إتخاذ هذا الموقف من " الشروط الثلاثة " المقترحة فى البداية فى 2001 لأن" إنتخاب مجلس تأسيسي " بالخصوص يعنى أنّه من الممكن إرساء دولة ديمقراطية جديدة عبر الوسائل البرلمانية. و هذا ليس ببساطة صحيحا. فقد أكّد الح الش الن (الم) بصورة متكرّرة أنّه سوف يلتزم بنتائج الإنتخابات مهما كانت و أنه لن يستأنف النضال المسلّح بعد تنظيم الإنتخابات. و هذا بمثابة قول إنّ مصير الثورة مرتهن بمصير إنتخابات. و ليس بوسع أي شيوعي حقيقي أن يقبل بهكذا إقتراح. فالصورة الموضوعية للقيام بالثورة لا ترتبط بما قد تفكّر فيه "الغالبية" فى أي وقت معطى. إقتراح شيئ من هذا القبيل هو إنحراف عن الفهم و المبادئ الشيوعية الأساسية و سيعنى عمليا أنّه لن تنجز أية ثورة أو لن تتمّ محاولة إنجازها أبدا. فى أزمنة مختلفة ، بلغت سمعنا حجج براغماتية شكلية بأنّ هذه المقاربة لم تكن صحيحة لأنّ : 1- العدوّ لن يقبل إطلاقا بتنظيم هكذا إنتخابات،و 2- كان الح الش الن (الم) متأكّدا من "كسب" هكذا إنتخابات و 3- بما أنّ للجماهير "حقّ الثورة" ، حتى و لو أن الح الش الن (الم) وافق و إلتزم بالنتائج ، إن كانت النتائج "غير إيجابية" فإنّ الجماهير غير مغلولة الأيدى. من موقع الشيوعية العلمية ، هذه الحجج كافة خاطئة هي الأخرى.
15- الشكل الخاص لدكتاتورية البروليتاريا فى البلدان حيث الثورة تتطلّب مرحلتين هو الديمقراطية الجديدة المتبعة بالإشتراكية.
16- و بينما من الصحيح أنّ ميزان القوى العالمي العام بين الثورة و الرجعية راهنا لصالح الرجعية ، من العسير رؤية كيف إستطاع الح الش الن (الم) قول إن ذلك ينسحب أيضا على النيبال ذاتها، وهو فى نفس الوقت يتمسّك بموقف أن حرب الشعب فى مرحلة الهجوم الإستراتيجي مع أنّه لم يبذل أي جهد يذكر ليشرح بالملموس كيف أن ذلك كذلك.وفضلا عن ذلك ، هذا الموقف إحادي الجانب و يعمل كما لو أنّ ميزان القوى العام غير المناسب لا يتحرّك و دائم. هو لا يخفق فقط فى رؤية المظاهر الإيجابية للوضع العام ، بما فى ذلك الصعوبات الراهنة التى تشهدها الإمبريالية الأمريكية و التناقضات صلب الإمبرياليين و الرجعيين لكن أيضا لا يرى أي دور للثورة بقيادة شيوعية كعامل ديناميكي لتغيير العالم عمليا.
17- و يتعيّن أن نلاحظ هنا أنّ الح الش الن (الم) بذل بعض الجهد لإعادة صياغة مفهوم "الهجوم الإستراتيجي " فى حرب الشعب إلى نوع من الهجوم "السياسي" الهادف إلى الإنتخابات أو كتابة دستور جديد . و هذه المقاربة تخلط بين السياسة و الحرب و هما نوعان مختلفان من النشاط الإنساني وهي مثال نموذجي عن المنهج الإنتقائي الذى تبنوه.
18- مثلا، فى رسالته إلى الحزب الشيوعي الثوري، شدّد الح الش الن (الم) على أنّ: " من الواقع الجغرافي لبلادنا التى يقطنها فقط 25 مليون نسمة ، أنّها واقعة بين أمّتين عملاقتين هما الهند و الصين إذ لكلّ منهما أزيد من مليار ساكن. و يجرى تطوير القوّة العسكرية الصينية بهدف معارضة الإمبريالية. و الجيش الهندي معروف بأنه رابع قوّة عسكرية فى العالم. و من المصادر التى لدينا فى بلادنا و قوّة جيش التحرير الشعبي ، حتى و إن ضممنا إلى صفوفه كافة الشبان ، لا نستطيع أن نلحق الهزيمة بكلّ من الجيشين الجارين، ناهيك عن الجيش الإمبريالي الأمريكي، للدفاع عن سلامتنا الترابية من العدوان العسكري الأجنبي." (ص10)
19- و هذه الحجج تقوم على و ترتبط بتأكيد أنّ الثورة فى النيبال ينبغى أن تمرّ ب "مرحلة مناهضة للنظام الملكي". كان هذا يفترض جملة من الظروف غير المسبوقة تاريخيا تتطلّب "تطويرا خلاّقا" لنظرية الديمقراطية الجديدة. و بوجه خاص ، يشرح الحزب الشيوعي الثوري فى رسالة مارس 2008 بعمق لماذا يُعدّ هذا الموقف خاطئا.
20- فى تقرير اللجنة المركزية للح الش الن (الم) لنوفمبر 2005 ، ورد: " فى الظروف الملموسة اليوم لا يمكن لحزبنا أن يركّز قيادته للحركة إلاّ بالمضي قدما بصلابة و نشاط و مسؤولية فى مسألة تنظيم الحكومة الإنتقالية ،و إنتخاب مجلس تأسيسي وإرساء جمهورية ديمقراطية بإعادة تنظيم واسعة النطاق لسلطة الدولة و بقوّة النضال لتوحيد جميع القوى الجمهورية ضد النظام الملكي الأوتوقراطي الإقطاعي. و إثر سقوط النظام الملكي المهيمن على الدولة ، سيلعب هذا الشعار دورا كمخرج سياسي من منظور مستقبلى لحلّ سلمي للحرب الأهلية. و يعالج هذا الشعار بصفة سليمة طموح الشعب للتغيير و السلم لأن ذلك يمكن أن يفتح الباب لحلّ سياسي للحرب الأهلية ، و بالنتيجة يمكن أن ينهض بدور إيجابي للإعداد للإنتفاضة أيضا".
21- إضافة إلى ذلك ، إضطلع إتفاق ال12 نقطة الذى أبرمه الح الش الن (الم) فى نوفمبر 2005 مع تحالف الأحزاب السبعة ، بدور له دلالته فى إيجاد إستقطاب قوى أقلّ مناسبة للثورة. فإتفاق ال12 نقطة إتفاق سياسي بين الح الش الن (الم) و الأحزاب البرجوازية الرئيسية تطوّر لاحقا إلى إتفاق سلام شامل (نوفمبر 2006).
22- و بصفة خاصة ، عندما أعلن الح الش الن (الم) لأوّل مرّة الشروط التى إن تحقّقت يكون مستعدّا لإنهاء حرب الشعب ، إعتبرنا ذلك تطوّرا يدعو للتساؤل إلى حدّ بعيد. و بينما لم نكن موافقين على تقديم هكذا مقترحات ، إعتبرنا الشروط العملية المقترحة على أنّها غير قابلة للتحقّق فى الممارسة العملية و بالتالى إستهنّا جدّيا بالخطر الذى يهدّد الخطّ الإيديولوجي و السياسي الذى يمثّله مقترح من هذا القبيل. و هذا الخطّ ، كما جرى التعبير عنه فى الشروط المقترحة ل"تسوية" ، ينطوى على عنصر براغماتي كبير. لسخرية الأقدار ، بالعودة إلى الماضى ، يجب علينا أن نستخلص أن الإستهانة بالخطر الناجم عنه يعكس تأثير البراغماتية كذلك.
23- حتى لا نذكر أنّ الحركة الشيوعية ككلّ ما نشأت إلاّ بعد أن أنجز ماركس و إنجلز إختراقا تهما النظرية.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°

5- رسالة مفتوحة إلى الحزب الشيوعي النيبالي الموحّد ( الماوي) من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي) :

رسالة مفتوحة إلى الحزب الشيوعي النيبالي الموحّد (الماوي)
من الحزب الشيوعي الهندي (الماوي)
(20 ماي 2009)
الرفاق الأعزّاء ،
لقد كنّا نتابع بإهتمام و بإنشغال كبيرين التطوّرات الأخيرة فى بلادكم ،النيبال. مع ظهور الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) [الح الش الن (الم) ] كأوسع حزب وحيد فى إنتخابات المجلس التأسيسي فى أفريل 2008 و تشكيل الحكومة الجديدة لتحالف سبع أحزاب أحزاب ، بعضها معروف بماضيه المعادي للشعب و الموالى للإقطاعية و الإمبريالية و التوسّعية الهندية، برز صراع إيديولوجي سياسي فى كامل المعسكر الثوري فى الهند و العالم فى ما يتصل بالطريق و الإستراتيجيا و التكتيكات التى يتوخّاها حزبكم الذى صار الآن الحزب الشيوعي النيبالي الموحّد (الماوي) ، فى المضي قدما بالثورة فى النيبال. كلّ هذا يجعل أكثر إلحاحية حتى خوض نقاش أعمق بصدد الخطّ الإيديولوجي و السياسي الذى يتبعه الح الش الن الم (الم) ، لا سيما بعد أن بلغ السلطة من خلال إنتخابات ، عقب عقد طويل من حرب الشعب البطولية و تشكيل حكومة مع بعض أكبر الرجعيين الذين قد إستحقّوا سخط الجماهير النيبالية.
يحتاج الثوريون الماويون عبر العالم إلى نقاش عديد المسائل فى إطار إتباع الح الش الن الم (الم) لخطّ و سياسات ، فى فهمنا، لا تنسجم مع المبادئ الجوهرية للماركسية-اللينينية -الماوية و تعاليم معلّمينا الماركسيين الكبار- مواضيع من مثل الأممية البروليتارية ، و المراحل و المراحل الدنيا للثورات و تبعاتها العملية فى البلدان شبه المستعمرة شبه الإقطاعية ، و إستيعاب المفهوم اللينيني للدولة و الثورة ، و طبيعة الديمقراطية البرلمانية فى بلدان آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية شبه المستعمرة شبه الإقطاعية ، و معنى الصلابة الإستراتيجية و المرونة التكتيكية و مسائلا أخرى مرتبطة بها. و هناك أيضا مسائل خاصة أثارها حزبكم بإسم التطبيق الخلاّق للماركسية-اللينينية-الماوية [الم-ال-الم] كمفهوم ديمقراطية القرن الواحد و العشرين أو الديمقراطية المتعدّدة الأحزاب، و طريق براشندا ،و نظرية المزج و ما إلى ذلك، التى هي بنظرنا ، إنحراف أساسي عن الم-الل-الم و ينبغى نقاشها نقاشا واسعا و عميقا.
من الصحيح أنّ الماركسية ليست دوغما و إنّما هي مرشد عمل. و الماركسيون –اللينينون الثوريون الذين إتبعوها فى الكلام فقط و إستبعدوا جوهرها أخفقوا فى فهم جوهر الماركسية و أخفقوا فى فهم ما علمنا إيّاه لينين ،أي ، "التحليل الملموس للواقع الملموس هو الجوهر الحيّ للماركسية". أخفق مثل هؤلاء الدغمائيين فى تطبيق الم-الل-الم فى الممارسة العملية للثورة فى بلدانهم و عليه أخفقوا فى إحراز أي تقدّم حقيقي فى الثورات فى بلدانهم الخاصّة. و لا شكّ أنّ الدغمائية مثلت آفة بالنسبة للحركات الماركسية-اللينينية و من ثمّة ينبغى على النضال ضد الدغمائية أن يكون جزءا لا يتجزأ من الصراع الإيديولوجي للحزب الشيوعي.
و مع ذلك ، بإسم النضال ضد الدغمائية ، وجدت إنحرافات جدّية داخل الحركة الشيوعية العالمية ،عادة ما تذهب حتى إلى هوّة إنحراف يميني و تحريفي سحيقة أكثر و أخطر. و بإسم التطبيق الخلاّق للماركسية ، سقطت الأحزاب الشيوعية فى فخّ الإنتهازية اليمينية، و الأوروشيوعية البرجوازية المتعدّدة ، و معاداة مسعورة للستالينية ، و فوضوية ما بعد الفكر المعاصر و التحريفية الصريحة. لقد ظهر الخطر اليميني عبرالتحريفية فى الحركة الشيوعية العالمية كأكبر خطر فى الفترة اللاحقة على الإستيلاء على قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي و سلطة الدولة فى الإتحاد السوفياتي إثر وفاة الرفيق ستالين. و كان على الرفيق ماو والثوريين الحقيقيين الآخرين أن يخوضوا صراعا إيديولوجيا سياسيا متّسقا ضد التحريفية و الإصلاحية داخل الحركة الشيوعية العالمية و كذلك فى صفوف الحزب الشيوعي الصيني. و مع ذلك ، رغم النضال العظيم الذى خاضه الرفيق ماو و ثوريون ماركسيون- لينينيون آخرون عبر العالم كافة ضد التحريفية ، فقد إنتصر مؤقتا التحريفيون و هيمنوا على الحركة الشيوعية العالمية فى العالم المعاصر. و يجب إدارة النقاش الإيديولوجي - السياسي حول التطبيق الخلاّق للم-الل-الم فى الممارسة العملية للثورة فى النيبال بإدراك صحيح لهذا الصراع العالمي حتى منذ زمن الرفيق لينين، لا سيما صراع ماو ضد تحريفية خروتشاف.
لقد غدت جملة "النضال ضد الدغمائية" موضة فى صفوف عديد الثوريين الماويين. و هم يتحدّثون عن إستبعاد مبادئ لينين و ماو التى غدت "متقادمة" و تطوير الماركسية-اللينينية-الماوية فى "الظروف الجديدة" التى يقال إنّها ظهرت فى عالم القرن 21. و يصف البعض سعيهم ل"إثراء و تطوير" الم-الل-الم كطريق جديد أو فكر جديد و مع أنّ هذا يعتبر فى البداية كشيئ منحصر فى الثورة فى البلد المعنى ، فإنه لا محالة يعترف بأن له "طابع عالمي" أو" دلالة عالمية". و فى هذه الممارسة يعظّم شأن القادة الأفراد و حتى يألّهون إلى حدّ أنّهم يظهرون على أنّهم لا يخطؤون. ومثل هذا التعظيم لا يساعد على العمل الجماعي للجان الحزب و الحزب ككلّ و بصعوبة حتى بالكاد تثار التساؤلات حول الخطّ بما أنّه يصدر عن قائد فرد لا يخطأ. فى مثل هذا الوضع، فى منتهى العسر ألاّ تتحدّث اللجنة المركزية مع الكوادر و ألآّ تناضل ضد إنحراف جدّي فى الخطّ الإيديولوجي و السياسي أو فى الأساس الإستراتيجي و التكتيكي حتى إن بدا واضحا تماما أنّه يذهب ضد مصالح الثورة. "عبادة الفرد" التى يتمّ تشجيعها بإسم الطريق و الفكر تعطى درجة معيّنة من الحصانة من للإنحراف فى الخطّ إن نبع من القائد الفرد.
لحزبينا، الحزب الشيوعي الهندي (الماوي) و الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) مدّة طويلة جدّا من العلاقات الرفاقية ، فترة تعود إلى أواخر الثمانينات ( حينها كنّا موجودين ك"المركز الشيوعي الماوي" و "حرب الشعب") عندما كانت القيادة الحالية لحزبكم لا تزال جزءا من الحزب التحريفي فى النيبال المتبع للخطّ البرلماني. كنّا مهتمّين و متحمسين للصراع الإيديولوجي الذى خاضته قيادتكم ضد التحريفية ، و قطعها الواضح مع الخطّ التحريفي و شروعها فى حرب الشعب فى فيفري 1996.
بينما كنّا نمدّ يد المساعدة للثورة فى النيبال ، كان كلانا ( حينئذ"المركز الشيوعي الماوي" و "حرب الشعب") قد أشارا كذلك من زمن لآخر إلى بعض الأخطاء التى حدّدناها فى منهج و ممارسة الح الش الن (الم) ، و أيضا إلى إمكانية الإنحرافات التى قد تظهر نظرا لمقارباته و مفاهيمه الخاطئة. و مع ذلك ، لم نتدخّل أبدا فى المسائل السياسية - التنظيمية المتعلّقة بالشؤون الداخلية و الصراعات الداخلية فى صفوف حزبكم. و لكن كلّما إستدعى الأمر أو شعرنا بوجود خطر إنحراف إيديولوجي و سياسي، قدّمنا مقترحاتنا كحزب ثوري أخوي أثناء عديد الإجتماعات الثنائية بين كلا المفوّضين السامين لكلّ من حزيبنا أو عبر رسائل وٌجّهت إلى لجنتكم المركزية. و فقط لمّا أعلن حزبكم بعض المواقف الإيديولوجية - السياسية على الملإ ، بعض المواقف المنحرفة عن الم-الل-الم ،أو حين نشرت تعليقات مفتوحة لرئيس حزبكم براشندا فى مناسبات شتّى حول خطّ حزبنا و ممارسته ، أو حين دُعي إلى جدال مفتوح فى ندوات عالمية ، حينها شرع حزبنا فى خوض نقاشات بطريقة صحّية و رفاقية مسترشدة بمبادئ الأممية البروليتارية.
مذّاك تطوّرت حتى أكثر علاقاتنا ، لكن منذ 2003 لاحظنا إنعراجا جدّيا فى خطّكم الإيديولوجي - السياسي بشأن الثورة النيبالية و الثورة البروليتارية العاليمة أيضا. بعد ذلك ، تقدّمتم أكثر فى هذا الخطّ السياسي، لذا ثمّة حاجة لخوض نقاش أعمق و التوصّل إلى تقييم شامل لنظرية حزبكم و ممارسته و لتلخيص التجارب المكتسبة فى خضمّ حرب الشعب فى النيبال ، و الدروس الإيجابية منها و السلبية التى توفّرها للثوريين الماويين فى العالم المعاصر.
نبعث هذه الرسالة المفتوحة لحزبكم لأجل إجراء نقاش و جدال داخل حزبكم و المعسكر الثوري الماوي عالميا. لقد صارت هذه الخطوة ضرورية بفعل التطوّرات الجدّية التى جدّت أثناء تطوّر الثورة فى النيبال و التى لها تبعات على فهمنا للإمبريالية و للثورة البروليتارية و كذلك للإستراتيجيا و التكتيك المتبعين من قبل الثوريين الماويين فى العالم المعاصر. و هناك إنحراف جدّي عن الإيديولوجيا ال-الل-الم. و بالتالى لم تعد توجد شؤون داخلية خاصّة بحزبكم لوحده.
و علاوة على ذلك ، بات هكذا نقاش حاجة ماسة حاليا على أساس الدعاية الخبيثة للتحريفيين و كذلك الطبقات الحاكمة فى الهند بأنّ على الماويين الهنود أن يتعلّموا من الماويين الذين من المفترض أنّهم قد أدركوا أخيرا " عبثية تحقيق هدفهم العزيز الإشتراكي و الشيوعي عبر الكفاح المسلّح".
الوعظ الذى يطلقه التحريفيون الذين عملوا دائما كأقوى المدافعين عن الديمقراطية البرلمانية فى الهند أبرز أنيابهم الإجتماعية الفاشية حيثما كانوا فى السلطة. منذ أيّام إنتفاضة ناكسلباري ، عملوا كصمّام أمان للتنفيس عن غضب الجماهير فى القنوات القانونية و لعبوا الدور البارز فى إضعاف الحركات المناضلة و فى الحيلولة دون تسييس الجماهير و فى إحباطها، و بالتالى ، يخدمون الطبقات الحاكمة الهندية و الإمبرياليين بكلّ قلبهم – كلّ هذا بإسم الطريق السلمي للديمقراطية الشعبية و الإشتراكية. و أخذ هؤلاء التحريفيين يحبّرون المقالات مدّعين بأنّ ذلك يجب أن يكون مثالا يفتح عيون الماويين الهنود الذين،على الأقلّ الآن ، يجب أن يتخلّوا عن "حلمهم غير القابل للتحقيق بإفتكاك السلطة السياسية عبر البندقية " و عوض ذلك عليهم أن يحقّقوا حلمهم عبر الإنتخابات مثلما يفعل نظراؤهم فى النيبال اليوم.
نأمل بجدّ أن تعير اللجنة المركزية و يعير كافة أعضاء الحزب الشيوعي النيبالي الموحّد (الماوي) إنتباها شديدا لهذا النقاش الإيديولوجي- السياسي و إلى إتخاذ المواقف الثورية الصحيحة إعتمادا على نظريتنا المرشدة الم-الل-الم و الدروس المستخلصة من التجارب الثرية للثورة العالمية. و كذلك نأمل أن يساهم الثوريون الماويون عبر العالم فى هذا النقاش و يثروا تجارب البروليتاريا العالمية فى التقدّم بالثورة البروليتارية العالمية.
فى هذا الإطار، نأسف أيضا لقول إنّكم لم تكلّفوا أنفسكم عناء الإجابة على مقترحنا بتبادل وجهات النظر مع لجنتكم المركزية بعد إنتخابات أفريل 2008. فإلى ديسمبر 2008 لم نحصل و لا حتى على ردّ من لجنتكم المركزية على الرسالة التى بعثناها إليكم فى غرّة ماي بهذا الصدد. و علاوة على ذلك لم تقع الإجابة من جانبكم على مقترحنا عقد إجتماع اللجنة التنسيقية للأحزاب و المنظمات الماوية لجنوب آسيا لأجل مواصلة الصراع الموحّد للقوى الماوية و القوى المناهضة للإمبريالية فى جنوب آسيا ضد التوسّعية الهندية و الإمبريالية لا سيما الإمبريالية الأمريكية.
و فى الأخير وصلتنا رسالة من قسم العلاقات الدولية لحزبكم فى ديسمبر 2008 و بسرعة لاحقا إنعقد لقاء لممثلين من حزبينا. و إعتمادا على النقاشات التى دارت مع ممثليكم و المادة المتوفرة لنا بشأن التطورات الحالية فى حزبكم و المواقف التى إتخذتموها فى مواضيع شتّى ، نظّمت لجنتنا المركزية نقاشات دقيقة خرجت بإستنتاجات قائمة على الم-الل-الم و تجارب الثورة العالمية ، و الوضع الراهن السائد فى النيبال و العالم المعاصر.
أوّلا ، يسعدنا إندلاع صراع جدّي داخل حزبكم حول المسائل الحيوية المرتبطة بتقدّم الثورة فى النيبال. فمثل هذا الصراع كان لازما منذ زمن طويل ، على الأقلّ منذ شرعت قيادة حزبكم ، فى رأينا، فى إتباع مسار كارثي من "الصيد مع من يصطاد" أي عقد تحالفات مع الأحزاب السياسية الرجعية الإقطاعية و الكمبرادورية بغاية وحيدة هي الإطاحة بالملك و النظام الملكي و فى نفس الوقت تتحدّث عن التقدّم بالثورة فى النيبال عبر "القفزة النهائية" أو الإنتفاضة. و حتى قبل هذا، مفهوم حزبكم للديمقراطية المتعدّدة الأحزاب أو ديمقراطية القرن 21، و مواقفه غير البروليتارية فى مسألة تقييم ستالين و نظرية المزج إلخ ، كانت محلّ نقاش و جدال جدّيين. لقد تناول حزبنا هذه المسائل فى مقالات ضمن مجلاتنا و فى لقاءات صحفية لناطقينا الرسميين تحديدا منذ 2002 ، و بخاصة منذ 2006. و كذلك نبّهنا إلى المواقف غير الماركسية التى إتخذتموها حول مسألة الدولة و الثورة ، و مسألة نزع سلاح و تسريح جيش التحرير الشعبي بوضعه فى ثكنات تحت إشراف الأمم المتحدة، و حول مسألة دمج الجيشين، و تفكيك رابطة الشباب الشيوعي ، و التخلّى عن مناطق الإرتكاز و المكاسب الثورية الكبرى لعقد طويل من حرب الشعب، و سياسة التهدئة المتبناة تجاه التوسعية الهندية و ما إلى ذلك من المواضيع. و مع ذلك ، مثّلت رؤية صراع داخلي فى صفوف حزبكم حول بعض هذه المواضيع أخيرا إشارة مشجّعة.
إثر المسار الخطير الذى مرّ به حزبكم فى الثلاث سنوات الأخيرة ، نأمل جدّيا أن تراجع صفوف حزبكم المواقف الإنتهازية اليمينية الخطيرة و التبعات الكارثية التى نجمت عنها و كذلك أن تعيد النظر و تصلح الخطّ الخاطئ الذى إتبعته قيادة حزبكم و على رأسها الرفيق براشندا. إنّ هكذا إعادة نظر شاملة و صريحة للخطّ الإيديولوجي- السياسي الذى إنتهجته قيادة الحزب و للإنحرافات عن المبادئ الجوهرية للم-الل-الم التى حدثت بإسم التطبيق الخلاّق للم-الل-الم، ستساعد على تركيز الخطّ الصحيح الذى يمكن أن يتقدّم بالثورة إلى الإنتصار النهائي فى النيبال. إنّنا على ثقة من أنّه سيعاد تركيز الخطّ الثوري الصحيح عبر صراع إيديولوجي- سياسي صريح داخل الحزب . و فى هذا السياق، نودّ أيضا أن نعبّر عن عدم موافقتنا بشدّة على ما يسمّى الوحدة بين حزبكم و المجموعة الإنشقاقية لموهان بكرام سيتغ، ماشال إذ نعتقد أنّ الوحدة مع ما تبيّن أنّها مجموعة يمينية لن تساعد على تعميق قضية الثورة فى النيبال بل ستذهب بالحزب بعيدا إلى الأسفل على طريق التحريفية و الإصلاحية. هذه الوحدة المعتمدة على "دمج الإثنين فى واحد" ستزيد من تعزيز أيدى الإصلاحيين و الإنتهازيين اليمينيين داخل الح الش الن الم (الم) أو الحزب الشيوعي النيبالي الموحّد (الماوي )- فكر ماو تسى تونغ كما يسمّى حاضرا.
و نمضى الآن إلى معالجة المسائل و الإنحرافات الجدّية التى ظهرت فى مسار تطوّر الثورة النيبالية. و من الهام الإشارة إلى انّ بعض هذه الإنحرافات عن المبادئ الجوهرية للم-الل-الم نظّر لها حزبكم على أنّها إثراء و تطوير للم-الل-الم و لخّصها على أنّها طريق براشندا.
بصدد تقدير طبيعة الدولة فى النيبال و آفاق إكمال الثورة:
أوّلا ، ما هو الطابع الطبقي للدولة التى أمسك بها الح الش الن (الم) عبر سيرورة الإنتخابات البرلمانية فى تحالف مع أحزاب أخرى كمبرادورية و إقطاعية ؟ و كيف يحاول الح الش الن الم (الم) أن يكمل الثورة التى توقفت فى نصف الطريق؟
ما هو فهم الح الش الن الم (الم) لطبيعة السلطة التى أمسك بها بين يديه عبر الإنتخابات؟ هل يعتقد أنّه قادر على إستعمال هذه السلطة لإحداث تغيير ثوري جوهري فى النظام الإجتماعي فى النيبال؟
كيف يمكن لمخطّط الح الش الن الم (الم) أن يُعيد هيكلة المجتمع راديكاليا و بناء ديمقراطية جديدة فى النيبال فى تحالف مع الأحزاب التى تمثّل الطبقات الإستغلالية الرجعية التى تعارض بكلّ ما أوتيت من جهد هكذا تغييرات راديكالية؟
هل يعتقد الح الش الن الم (الم) أنّ جهاز الدولة القديمة رئيسيا بذات البيروقراطية القديمة و الجزء الكبير للجيش القائم القديم –يمكن أن يستخدم كأداة بأيدى البروليتاريا لإحراز تغييرات راديكالية فى النظام الإجتماعي القائم شبه الإقطاعي شبه المستعمر؟
و الأهمّ ما هو موقف الح الش الن الم (الم) تجاه مسألة إرساء دكتاتورية ديمقراطية شعبية فى مرحلة الثورة الديمقراطية الجديدة و إنتقالها إلى الإشتراكية عبر تركيز دكتاتورية البروليتاريا؟ و فى هذا السياق ، ما هي مقاربته للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى التاريخية ؟ ما هي طبيعة الجيش الجديد الذى سيتشكّل من خلال مقترح دمج جيش التحرير الشعبي الثوري و الجيش النيبالي الرجعي ؟ هل يمكن للح الش الن الم (الم) كشريك هام فى التحالف الحاكم فى النيبال أن يضمن أن يكون طابع الجيش المندمج النيبالي الجديد مواليا للشعب ؟ و الآن و قد فقد الماويون السلطة بفعل تراجع المساندة من قبل حلفاء كبار آخرين، كيف يمكنهم أن يضمنوا أن لا يستعمل الجيش المندمج الجديد و الحال أنّ الجزء الأكبر منه متكوّن من الجيش الرجعي القديم ، من قبل القوى الرجعية لإرتكاب مجازر فى حق الماويين مثلما شاهدنا فى أندونيسيا أو الشيلي؟
بإستمرار أثرنا هذه الأسئلة ، لا سيما فى السنوات الثلاث الماضية ، أثناء اللقاءات الثنائية و الرسائل إلى لجنتكم المركزية ، و فى بياناتنا و لقاءاتنا الصحفية و كتابات أخرى . جلبنا إنتباهكم إلى إنحرافكم الجدّي عن المفهوم اللينيني للدولة و الثورة و ذكرنا تجارب الثورة فى عديد البلدان . ففى بيان صادر فى نوفمبر 2006 ، نبّهت لجنتنا المركزية إلى أنّه إذا أصبح الماويون جزءا من الحكومة الإنتقالية أو صعدوا إلى السلطة عبر الإنتخابات ليس بوسعهم تغيير الطابع الرجعي للدولة القديمة أو بناء نيبال جديد على الأساس القديم.
"موافقة الماويين على المشاركة فى الحكومة الإنتقالية فى النيبال لا يمكن أن يغيّر الطبيعة الرجعية لآلة الدولة التى تخدم الطبقات الحاكمة المستغِلة و الإمبرياليين. يمكن أن تكون الدولة أداة بأيدى إمّا الطبقات المستغِلّة أو البروليتاريا لكنّها لا يمكن أن تخدم مصالح كلا الطبقات المتنازعة عدائيا. و من المبادئ الماركسية الجوهرية أنه لا يمكن إحداث تغيير فى النظام الإجتماعي دون تحطيم أداة الدولة .و الإصلاحات من أعلى ليس بوسعها أن تحدث تغييرا نوعيا فى النظام الإجتماعي الإستغلالي مهما بدت ديمقراطية الدستور الجديد و حتى إن غدى الماويون عنصرا هاما فى الحكومة . إنّه لمجرّد وهم الإعتقاد أنّه بالإمكان بناء نيبال جديد دون تحطيم الدولة القائمة ".
و بعد بروز حزبكم كأهمّ أوسع الأحزاب فى المجلس التأسيسي و كان يعمل على تشكيل حكومة فى تحالف مع الأحزاب الأخرى الممثّلة للنظام القديم ، مجدّدا نبهناكم فى بيان صدر بإسم لجنتنا المركزية فى 24 أفريل 2008 إلى أنّ "الضامن الوحيد لإنجاز البرنامج الثوري الراديكالي هو رفع الوعي السياسي الطبقي لأوسع الجماهير ، إستنهاضها للصراع الطبقي و تسليحها و تدريبها على قتال مستغِلّيها و كافة القوى الرجعية و الدفاع عن المكاسب المحقّقة خلال فترة طويلة من الصراع الطبقي و الجماهيري... على المرء أن يُبقى فى ذهنه أنّ المكاسب التى يمكن تحقيقها من خلال حكومة جاءت إلى السلطة بواسطة الإنتخابات محدودة للغاية. و بقاء هكذا نظام مرتهن بإتخاذ موقف توفيقي بشأن عديد المسائل الحيوية، و بالتالى المبالغة فى آفاق إعادة الهيكلة الراديكالية للمجتمع أو الإقتصاد من قبل حكومة ماوية ستكون واهمة و سوف تفرّط فى إمكانية و كذلك قدرة الحزب على مواصلة الصراع الطبقي ."
من جديد فى رسالتنا التى بعثنا بها للجنتكم المركزية فى غُرّة ماي 2008 ، أشرنا إلى : " من المبادئ الجوهرية للماركسية أن إعادة هيكلة راديكالية للنظام غير ممكنة دون تحطيم الدولة القائمة. و من غير الممكن إحداث تغييرات حقيقية فى النظام إلاّ عبر الإجراءات "من فوق" ،أي من خلال مناشير و قوانين تصدرها الدولة. و بالفعل ، حتى صياغة مشروع دستور نيبالي لصالح الفقراء و الجماهير المضطهَدة فى حدّ ذاته سيكون صعبا للغاية و صراعا مريرا.
لآ أخطر فى الوضع الحالي من أن نكون مغتبطين بأنفسنا و نستهين بآفاق ردّة الفعل الرجعية. ينبغى ألاّ ننسى أن المكاسب التى يمكن تحقيقها عبر حكومة جاءت إلى السلطة بواسطة الإنتخابات محدودة للغاية. و المبالغة فى آفاق إعادة الهيكلة الراديكالية للمجتمع أو الإقتصاد من قبل حكومة بقيادة ماوية سيكون واهما و ينخر إمكانية و كذلك قدرة الحزب على مواصلة الصراع الطبقي".
موقف حزبنا من النضال ضد النظام الملكي جرى توضيحه عديد المرّات فى الماضى. مثلا، قال الكاتب العام لحزبنا فى إجابته على أسئلة الب ب سي فى أفريل 2007 :
" القتال الحقيقي ليس ضد غينندرا و النظام الملكي الذى ليس سوى رمزا للإضطهاد و الإستغلال الإقطاعي الإمبريالي لأوسع الجماهير فى النيبال. و دون الإطاحة بالقوى الإقطاعية و الإمبرياليين و التجارة الكبرى الهندية و الكمبرادوريين المحلّيين ، مجرّد إزاحة غينندرا لن يحلّ أي من مشاكل جماهير النيبال. و لا يمكن القيام بهذا إلاّ بالمواصلة الصارمة لحرب الشعب حتى النصر النهائي. لا يقدر أي برلمان أن يلمس مكانة هذه القوى الرجعية التى تحكم بالفعل البلاد."
وهكذا يجب أن يكون جليّا أنّ قتال الإقطاعية ليس مرادفا لقتال النظام الملكي، فالنظام الملكي جزء من النظام شبه الإقطاعي شبه المستعمر و مظهره الأساسي هو فى العلاقات شبه الإقطاعية بالأرض. فى الهند ، سُلب الراجا و المهراجا سلطتهم منذ عقود لكن ذلك لم يحطّم القاعدة شبه اقطاعية فى الريف.
إنّ تقديرا صحيحا للدولة قدّمه فعلا حزبكم ذاته قبل سنتين من تحالفه مع السبعة أحزاب البرلمانية. و فى مقال معنون
" حكومة الحزب الشيوعي النيبالي الموحّد الماركسي - اللينيني : غطاء جديد للإقطاعية و الإمبريالية الواقعين فى أزمة " بقلم رئيس الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) حينها ، الرفيق براشندا ، شرح بوضوح الأمر على النحو التالى:
" أعلنت الماركسية ، على أساس النظرة المادية التاريخية العلمية التى تهاجم بحدّة التغييرات الغريبة و المثالية فى علاقة بسلطة الدولة ، وإستنادا لمادة لا يمكن إنكارها من تجربة الصراع الطبقي، أنّ الدولة ليست سوى سلاح طبقة لقمع طبقة أخرى. لم تكن أبدا سلطة دولة تمثّل طبقات ذات مصالح متناقضة ممكنة فى التاريخ و لن تكون ممكنة فى المستقبل. إنّ الماركسية تكره و تنبذ كافة تهافت الإصلاحية و التعاون الطبقي كنفاق برجوازي. سلطة الدولة هي إمّا دكتاتورية البروليتاريا فى أشكال مختلفة أو سلطة دولة الطبقات المضطهِدَة. لا يمكن أن توجد بلاهة أكبر من بلاهة تصوّر سلطة تعمل بين الإثنين. "
ومستشهدا بالرفيق لينين كتب " الدولة تنظيم خاص للقوّة ، إنّه تنظيم للعنف لقمع طبقة ما " ثمّ عن صواب تساءل الرفيق براشندا :" هل ستكفّ الآن سلطة الدولة عن أن تكون تنظيما للعنف بالضبط بعد مشاركة الحزب الشيوعي النيبالي الموحّد الماركسي-اللينيني فى الحكومة؟"
و مستحضرا مقتطفا للينين ، شرح كيف أنه ليس بوسع أيّة حكومة أن تكون موالية للشعب طالما أنّ المؤسستين ،مؤسسة البيروقراطية و الجيش القائم تظلان هي هي: مؤسستان تميّزان جهاز الدولة البيروقراطية و الجيش القائم" .
و قد أشار الرفيق براشندا بطريقة سليمة إلى أنّه " من البديهي أن أي حكومة مضطرّة للعمل فى ظلّ توجيه البيروقراطية و الجيش القائم ، أهمّ مكوّنين لسلطة الدولة ، لا يمكنها أن تغدو موالية للشعب على الأقلّ".
و شارحا الطابع الرجعي لحكومة الح الش الن الموحّد الماركسي-اللينيني يذكر الرفيق براشندا المقولة الماركسية الشهيرة :
"البتّ مرّة كل عدّة سنوات فى مسألة معرفة أي عضو من الطبقة السائدة سيقوم بقمع و سحق الشعب فى البرلمان - هذا هو الجوهر الحقيقي للبرلمانية البرجوازية، ليس فقط فى الملكيات البرلمانية الدستورية ، بل كذلك فى الجمهوريات الأوسع ديمقراطية" ( لينين "الدولة و الثورة" ).
كان هذا قبل ستّ سنوات ، فى 2003، عندما كانت حرب الشعب تتقدّم بخطوات سريعة . لكن كيف تغيّرت هذه الصياغات النظرية الجوهرية إثر ظهور الح الش الن (الماوي ) كأوسع حزب فى إنتخابات أفريل 2008 ؟
هل بمقدور المرء أن يصف تشكيل حكومة فى تحالف مع الأحزاب الكمبرادورية - الإقطاعية و محاولة إحداث تغيير إجتماعي ثوري عبر أساسا جهاز الدولة القديمة بأنّه مجرّد تكتيك؟ بأيّ منطق يقدر المرء أن يقول إنّه ليس طريقا للثورة مشابه ل "الإنتقال السلمي إلى الإشتراكية" الذى صاغه خروتشاف؟
ذكّرنا بتصريحات قادة الح الش الن (الم) فى مناسبات عدّة ، لا سيما بعد إنتصارهم الإنتخابي فى أفريل 2008، و نذكّر بنظرية الحزب الشيوعي الأندونيسي التحريفي ، أي "مظهر موالي للشعب" و "مظهر مناهض للشعب" الذى إقترحه رئيس الحزب آيديت. فحسب هذا الأخير " المشكل العويص فى أندونيسيا الآن ليس تحطيم سلطة الدولة مثلما هو الحال فى عديد الدول الأخرى ، لكن تعزيز و توطيد المظهر الموالي للشعب... و القضاء على المظهر المناهض للشعب".
هذا التحوّل السلمي سيقع ب "عمل ثوري من فوق و من تحت" أي بالمبادرة بالإجراءات الثورية من فوق بغاية تغيير مكوّنات مختلف أجهزة الدولة من جهة و من جهة أخرى ب "إستنهاض و تنظيم و تعبئة " الجماهير لتحقيق هذه التغييرات.
علاوة على ذلك هناك عدّة مواضيع حيث موقف حزبكم قد قاد بعدُ إلى التخلّى عن المستلزمات الأساسية لإحداث تغيير ثوري فى النيبال. و أهمّ هذه المستلزمات هو التفكيك المتوقّع لجيش التحرير الشعبي بوضعه فى ثكنات تحت إشراف الأمم المتحدة لأكثر من سنتين، وإعادة الأرض و الأملاك التى إفتكّها الشعب أثناء حرب الشعب إلى المستغِلِّين و المضطهِدِين ، و حلّ رابطة الشباب الشيوعي ، و المساومة مع الإمبريالية و التوسعية الهندية و أعداء أساسيين آخرين للثورة فى النيبال و ما إلى ذلك.
صرّح الرفيق براشندا بأنّ "النشاط شبه العسكري للجناح الشبابي للحزب، رابطة الشباب الشيوعي ، سيتمّ إيقافه ، و البنايات و المصانع و الممتلكات العامّة و الخاصّة التى إفتكّها الحزب ستعاد إلى أصحابها المعنيين". كما صرّح بأن كافة وحدات الحزب [ مختلف مستويات الحكومة الثورية السابقة المركزة إبّان حرب الشعب ] سيتمّ أيضا إيقاف نشاطها و أكّد أنّ "هذه الإتفاقيات ستكرّس فى أقرب وقت ممكن بعد تحديد جدول زمني".
و لا يمكن أن تكون لهذه الإجراءات التى مرّ ذكرها إلاّ نتيجة واحدة وحيدة هي التخلّى عن السلطة الشعبية الثورية و كافة المكاسب الناجمة عن عقد طويل من حرب الشعب بثمن أكثر من 13 ألف شهيد بطل ، أفضل أبناء و بنات النيبال.
و زيادة على كلّ هذا هناك أيضا مسألة أكثر جدّية تخصّ فهم الح الش الن الم (الم) للمفهوم الماركسي-اللينيني لدكتاتورية البروليتاريا. و مثلما قال الرفيق لينين فإنّ المظهر المميّز للشيوعي الحقيقي ليس مجرّد القبول بالصراع الطبقي و إنّما قبوله أيضا بتركيز دكتاتورية البروليتاريا. و الماركسية- اللينينية - الماوية تعلّمنا أنّ هذه المسألة فى البلدان المتخلفة مرتبطة بمسألة إرساء دولة الديمقراطية الجديدة أي الدكتاتورية المشتركة لجميع الطبقات المناهضة للإمبريالية و المناهضة للإقطاعية بقيادة تحالف العمّال و الفلاحين. لا يتحدّث الح الش الن الم (الم) فى أي من وثائقه عن ممارسته الدكتاتورية على الطبقات المستغِلّة.
بصدد الحكومة الإئتلافية :
لقد جرى الدفاع عن مقترح تشكيل إئتلاف حكومي مع الأحزاب الأكثر رجعية التى تمثّل المصالح الطبقية للطبقات الحاكمة الإقطاعية و الكمبرادورية و تخدم الإمبريالية و التوسعية الهندية، من قبل حزبكم مستشهدا ببعض التجارب التاريخية مثل مقترح الحكومة الإئتلافية مع عدوّ الشعب الصيني ، تشان كاي تشاك ،التى أقامها الحزب الشيوعي الصيني فى ظلّ قيادة الرفيق ماو فى الصين إبّان حرب المقاومة ضد اليابان. و مع ذلك فإنّ فهم و ممارسة الح الش الن الم (الم) فى ظلّ الرفيق براشندا متعارضة كليا مع تلك التى إتبعها الحزب الشيوعي الصيني فى ظلّ قيادة الرفيق ماو آنذاك.
لقد فضح الرفيق براشندا بعينه الطابع المعادي للشعب للإئتلافات الحكومية المشكلة من تحالف مع الأحزاب البرجوازية و الإقطاعية و من ذلك الحكومة الإئتلافية بقيادة الحزب الشيوعي النيبالي الموحّد (الماركسي –اللينيني ) المشكلة فى النيبال إثر إنتخابات نصف المرحلة النيابية فى 1991. و عقد مقارنة مع الحكومة الديمقراطية البرجوازية المشكّلة إثر ثورة فيفري 1917 عقب سقوط القيصر فى روسيا بمساهمة المناشفة. و مستشهدا بالرفيق لينين ، كتب فى مقال بعنوان "حكومة الح الش الن الم (الماركسي –اللينيني) : درع جديد للإقطاعية و الإمبريالية فى ظلّ أزمة" قائلا: " إنّ الرأسماليين المنظمين أحسن من غيرهم و الذين هم الأكثر خبرة فيما يتعلّق بقضايا النضال الطبقي و السياسة، قد تعلّموا قبل غيرهم. فلمّا رأوا أنّه لا يمكن المحافظة على وضع الحكومة لجأوا إلى أسلوب إستخدمه رأسماليو البلدان الأخرى طوال جملة كاملة من العقود بعد 1848 من أجل خداع العمال و تقسيمهم و إضعافهم. وهذا الأسلوب هو ما يسمّى بالوزارة "الإئتلافية" ، أي وزارة متحدة ، متألفة من البرجوازية و المرتدين عن الإشتراكية، وزارة مشتركة بينهم. "( لينين، " دروس الثورة ") .
و من المهمّ أيضا الإشارة إلى أن حزبكم قد ندّد بالحكومة الرجعية لتحالف الح الش الن الم( الم-الل ) بالتذكير بالتجربة التاريخية فى روسيا حيث بالفعل ، قد ندّد الرفيق لينين بالحكومة الديمقراطية البرجوازية حتى بعد سقوط الأوتوقراطية القيصرية ، بالكلمات التالية :
" إنّ من يزعم أنّه ينبغى على العمّال دعم الحكومة الجديدة فى صالح النضال ضد الرجعية القيصرية ( و هذا ما يزعمه ، على ما يبدو، أمثال بوتريسوف و غفوزديف و تشخينكيلي و كذلك تشخييدزه رغم كلّ لفه و دورانه) ، إنما يخون العمال، يخون قضية البروليتاريا ، يخون قضية السلام و الحرية ". ( لينين : "رسائل من بعيد ") .
ما الخاطئ فى تطبيق الملاحظة أعلاه للرفيق لينين التى أدلى بها فى إطار إنتصار الثورة الديمقراطية البرجوازية و سقوط الأوتوقراطية القيصرية فى روسيا. أوّلا ، ليسا الإثنان متشابهان فما حدث فى روسيا كان ثورة ديمقراطية برجوازية بينما ما حدث فى النيبال مجرّد إطاحة بالملك لم تغيّر الأساس الإقتصادي و الإجتماعي شبه المستعمر شبه الإقطاعي. إضافة إلى ذلك فإنّ النقطة الأساسية هنا ليست كونه ينبغى أو لا ينبغى أن يشكّل الح الش الن (الم) حكومة إئتلافية فى النيبال مع أحزاب الطبقات الحاكمة الأخرى ، و إنّما هي لا ينبغى أن يكون ذلك على حساب تسريح جيش التحرير الشعبي و تخلّى الح الش الن (الم) عن قواعد الإرتكاز. و لنتناول بالتحليل هذه القضية المفتاح و الأهمّ.
بصدد التخلّى عن قواعد الإرتكاز و نزع سلاح جيش التحرير الشعبي:
المسألة المركزية للثورة هي إفتكاك السلطة بالقوّة المسلّحة. فى البلدان شبه المستعمرة شبه الإقطاعية تفتكّ السلطة أوّلا فى المناطق المتخلّفة من الريف بتركيز قواعد إرتكاز ، ثمّ محاصرة المناطق المدينية ، و تنظيم إنتفاضات فى المدن و فى النهاية تحقيق الإنتصار عبر البلاد كافة. و بالتالى، لا حاجة إلى التشديد على أهمّية قواعد الإرتكاز و الجيش الشعبي. فهذان المظهران حيويان للإنتصار لأية ثورة و هما ليسا موضوع مساومات مهما كانت التعلاّت.
لقد ناقشت لجنتنا المركزية هذه المسألة معكم فى لقاءاتنا الثنائية العالية التمثيلية منذ زمن إعدادكم لمخطّطات لحكومة إنتقالية، و إنتخابات مجلس تأسيسي و وضع نهاية للنظام الملكي. و قد أكّدتم لنا أن قواعد الإرتكاز لن يتمّ التخلّى عنها و أنّه لن يتمّ نزع سلاح جيش التحرير الشعبي. بيد أنّه لاحقا تبيّن أنّكم قمتم بالأمرين و حتى إستدعيتم المؤسسة الإمبريالية - الأمم المتحدة- للإشراف على نزع سلاح جيش التحرير الشعبي.
فى نوفمبر 2006 أصدرت لجنتنا المركزية موقفا حول مقترح الح الش الن (الم) بنزع سلاح جيش التحرير الشعبي ووضع المقاتلين فى ثكنات. معنونا " لا يمكن لنيبال جديد أن يظهر إلاّ بتحطيم الدولة الرجعية!" أعرب عن أن وضع سلاح جيش التحرير الشعبي تحت إشراف الأمم المتحدة سيفضى إلى نزع سلاح الجماهير!!! أكّد الحزب الشيوعي الهندي (الماوي) :
" إتفاق وضع أسلحة الجيش الشعبي فى ثكنات معيّنة محفوف بتبعات خطيرة. و هذا العمل سيفضى إلى نزع سلاح الجماهير المضطهَدَة فى النيبال و إلى الإنقلاب على المكاسب التى حققها شعب النيبال طوال عقد من حرب الشعب مقابل تضحيات جسام...
لقد بيّنت كافة تجارب الثورة العالمية مرّة فمرّة أنّه دون جيش شعبي من غير الممكن للشعب أن يمارس سلطته. لا شيئ أكثر فظاعة بالنسبة للإمبريالية و الرجعيين من الجماهير المسلّحة و بالتالى سيعقدون بسرور أي إتفاق لنزع سلاحها. و بالفعل، نزع سلاح الجماهير كان الجملة المذكورة مرارا و تكرارا من قبل كافة الطبقات الحاكمة الرجعية منذ ظهور المجتمع المنقسم إلى طبقات. فالجماهير غير المسلحة فريسة سهلة للطبقات الرجعية و الإمبرياليين الذين إقترفوا حتى مجازرا كما أثبت التاريخ. و اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الهندي (الم) بما هو فصيل من البروليتاريا العالمية تحذّر الح الش الن (الم) و شعب النيبال من الخطر الكبير الكامن فى إتفاق نزع السلاح و تدعوهما إلى إعادة النظر فى تكتيكاتهم على ضوء التجارب التاريخية المُرّة...
و كذلك نناشد الح الش الن (الم) مجدّدا أن يعيد التفكير فى تكتيكاته الحالية التى هي عمليا تغيّر التوجه الإستراتيجي ذاته للثورة فى النيبال و أن يتراجع عن إتفاقه مع حكومة النيبال لأنّ ذلك يحرم الشعب من وسائل دفاع فى وجه هجمات الرجعيين".
فى جوابه على الأسئلة المبعوثة لوسائل الإعلام ، لا سيما الب ب سى، فى أفريل 2007 ، أشار سكرتيرنا العام، الرفيق غاناباثى:
" الجزء الأخطر من الإتفاقية هو نزع سلاح جيش التحرير الشعبي عن طريق نزع سلاحه ووضع مقاتليه فى ثكنات. و لن يفيد هذا سوى نزع سلاح الجماهير ووضعها تحت تصرّف المضطهِدِين . لا لن يسمح لا الإمبرياليون و لا الجيران الكبار مثل الهند و الصين بأي تغيير جوهري فى النظام الإقتصادي الإجتماعي فى النيبال. و لا يمكن أن يظلّوا سلبيين كالمتفرّجين لو جرى تقويض مصالحهم من قبل الماويين سواء عبر حرب الشعب أم عبر البرلمان. و بالتالى ، لا يمكن للماويين أبدا أن يحقّقوا هدفهم فى وضع نهاية للإستغلال الإقطاعي و الإمبريالي بدخول البرلمان بإسم الديمقراطية المتعدّدة الأحزاب. سيجرى إمّا إستيعابهم من طرف النظام و إمّا يتخلّوا عن السياسة الحالية لتقاسم السلطة مع الطبقات الحاكمة و يواصلوا الثورة المسلّحة لإفتكاك السلطة. لا وجود لموقع وسطي بوذي .لا يمكنهم إرساء قواعد اللعبة التى إخترعتها البرجوازية ".
كانت عملية نزع السلاح ووضع مقاتلى جيش التحرير الشعبي فى ثكنات تحت إشراف الأمم المتحدة ، عمليا، بمثابة التخلّى عن حرب الشعب الطويلة الأمد والصراع الطبقي بإسم الديمقراطية المتعدّدة الأحزاب و تعريض المكاسب المحقّقة طوال عقد من حرب الشعب إلى الخطر. لقد حدث الإنحراف الكبير الأوّل حينما قرّر الح الش الن (الم) الإبحار مع السبعة أحزاب البرلمانية بالموافقة على التخلّى عن قواعد الإرتكاز ، و حلّ جيش التحرير الشعبي و المشاركة فى الإنتخابات بإسم القتال ضد النظام الملكي. و هذا الخطّ إنحراف تام عن الماركسية-اللينينية-الماوية و مفهوم حرب الشعب الطويلة الأمد. و لتبرير هذا إستشهد الح الش الن (الم) بمثال الحزب الشيوعي الصيني فى ظلّ ماو ، و الذى أقام جبهة متحدة مع كيومنتانغ تشان كاي تشاك و أصدر دعوة لحكومة إئتلافية. إنه لواقع أن الحزب الشيوعي الصيني أصدر نداءا لجبهة متحدة من هذا القبيل. و مع ذلك واقع أيضا أنّه لم يقترح البتّة التخلّى عن قواعد الإرتكاز أو نزع سلاح جيش التحرير الشعبي. و بالضبط هذا هو الذى جعل موقف الحزب الشيوعي الصيني أقوى مع نهاية الحرب المناهضة لليابان. لقد إستطاع أن يملي مواقفه على الآخرين بالأساس بالإعتماد على قوّته المستقلّة فى قواعد الإرتكاز و جيش التحرير الشعبي. و عندما رفض تشان كاي تشاك العمل وفق مصالح الصين و إستمرّ فى هجومه ضد الشيوعيين فى تحالف مع الإمبرياليين ، إستطاع الحزب الشيوعي الصيني أن يعزل الكيومنتانغ ،و يوسّع قواعد الإرتكاز و جيش التحرير الشعبي بسرعة و حقّق الإنتصار للثورة فى فترة وجيزة عقب نهاية حرب المقاومة المناهضة لليابان. و النتيجة كانت أن كسب الحزب الشيوعي الصيني كسبا هائلا من مقترحه للجبهة المتحدة مع الكيومنتانغ.
لكن فى حال الح الش الن (الم) ، رغم تحقيقه لكسب إنتخابي كبير ، فقد عانى من خسارة إستراتيجية كبرى بما أنّه حلّ الحكومات الشعبية على النطاق المحلّى ، و تخلّى عن قواعد الإرتكاز و نزع سلاح الجيش الشعبي. و أحد بنود إتفاقية نزع السلاح من قبل جيش التحرير الشعبي تبدو حتى مبعث سخرية. يقول إنّه بينما ينزع جيش التحرير الشعبي سلاحه و يضع نفسه فى ثكنات، على الجيش النيبالي أيضا أن ينزع عددا مساويا من الأسلحة ! ويعنى هذا البند أنّه فيما يصبح جيش التحرير الشعبي منزوع السلاح كليا يظلّ الجيش الرجعي كما هو!! فكلّ ما عليه فعله هو نزع بعض من أسلحته. لماذا قبلت قيادة الح الش الن (الم) هكذا سخافة و الأهمّ ، بهكذا شرط بالغ الخطورة ؟ هل هي بلاهة إلى درجة كونها ليست واعية بتبعاته؟ ليس بوسعنا سوى قول إنّ هذا تمّ قصدا بما أنّ القيادة المركزية للحزب قد إختارت الإبتعاد عن حرب الشعب و إتباع طريق سلمي للديمقراطية المتعدّدة الأحزاب لبناء ما يفترض أنّه نيبال جديد. و قد أكّد الرفيق براشندا بما لا يدع مجالا للشكّ هذا فى مقابلاته الصحفية و خطاباته و فى مناسبات عدّة.
لقد وضع طريق براشندا الح الش الن (الم) أو ما يسمّى الآن الح الش الن الم (الم) و جيش التحرير الشعبي و سلطة الشعب فى الريف فى خطر كبير و بين أيدى الأحزاب الرجعية و التوسعيين الهنود و الإمبرياليين . إنّه الآن بلا قوّة للدفاع عن نفسه أو عن مصالح أوسع الجماهير فى وجه هجمات الطبقات الرجعية و الإمبرياليين. و لا يملك قواعد إرتكاز يعتمد عليها و لا جيشا للقتال ضد الإنقلابات و المآمرات الرجعية.
و فوق ذلك، إثر تشكيل الحكومة بقيادة ماوية ، لم يعد جيش التحرير الشعبي تحت إمرة الح الش الن الم (الم). و قد وقع التنصيص بوضوح على التغيير فى دور و مسؤولية جيش التحرير الشعبي فى خطاب ألقاه الرفيق براشندا بمناسبة الذكرى 14 لإنطلاق حرب الشعب و الثامنة ليوم جيش التحرير الشعبي فى هاتيكور تابعة لجيش التحرير الشعبي و نُشر فى 26 فيفري:
" القضية الأهمّ هي أنّه وفق روح الدستور الإنتقالي و الإتفاقيات المعقودة قبلا بين الأحزاب السياسية ، لن يكون جيش التحرير AISCالشعبي مباشرة تحت إمرة الح الش الن الم (الم) . سيكون جيش التحرير الشعبي مباشرة تحت قيادة
ونظريا جيش التحرير الشعبي هو بعدُ تحت قيادتها. سنكون لفترة طويلة مرتبطين تأمّليا وهذا شيئ آخر. و مع ذلك ، لن يكون جيش التحرير الشعبي تحت قيادة الح الش الن الم (الم) أخلاقيا و نظريا. فى وضع سلطة دولة قانونية والمرحلة الإنتقالية ، ويتبع تعليماتها . وقد صار جيش التحرير الشعبي قانونيا جزءا من الدولة منذ إقامة AISC سيقبل جيش التحرير الشعبي قيادة
". AISC
و اليوم ثمّة وضع خاص فى النيبال. يواصل الجيش النيبالي الملكي القديم تمثيله حصن آلة الدولة القائمة فى النيبال فيما يقف جيش التحرير الشعبي سلبيا متفرّجا. ما الذى سيقوم به الماويون إذا نُظّم إنقلاب من قبل الجيش بإيعاز من الأحزاب الكمبرادورية- الإقطاعية الرجعية بدعم من التوسعيين الهنود والإمبرياليين الأمريكان؟ أو إذا نظّم الرجعيون حمّام دم على الطريقة الأندونيسية ضد الشيوعيين ؟ كيف سيدافع الماويون عن أنفسهم و الحال أنهم حلّوا جيش التحرير الشعبي ونزعوا سلاحه؟ لقد أثرنا ، فى لقاءاتنا الثنائية منذ زمن، مسألة تطبيق مقترح الرفيق براشندا بدمج الجيشين. و لم تقدّم أية إجابات عن هذه المسألة الحيوية و الجوهرية للثورة. بالتهرّب من الإجابة و اللجوء إلى الإنتقائية ، وضع حزبكم عمليا مستقبل المضطهَدين فى خطر كبير.
بصدد ديمقراطية القرن21 :
إدّعى حزبكم بانّ " قرار الديمقراطية المتعدّدة الأحزاب موقف إستراتيجي ، نظري متطوّر " و أنّه قابل للتطبيق حتى فى الظروف القائمة فى الهند [ من اللقاء الصحفي لبراشندا مع جريدة "الهندي"]. لقد أصبغتم دلالة عالمية لذلك و إدّعيتم أنّه محاولة لمزيد تطوير الم-الل-الم. و من هنا ثمّة حاجة لكلّ حزب بروليتاري أن يتخّذ موقفا واضحا قطعيا بشأن ما يسمّى ب "إثراء الما-الل-الم".
لقد بدأ المشكل المفاهيمي للديمقراطية داخل قيادة الح الش الن الم (الم) على الأقلّ مع سنة 2003. ذلك أنّ إجتماع لجنتكم المركزية لسنة 2003 صادق على وثيقة حول تطوير الديمقراطية فى القرن 21. فى تلك الوثيقة إقترحتم أنّه ينبغى أن يوجد " تنافس سلمي بين كافة الأحزاب السياسية المناهضة للإقطاعية و القوى الإمبريالية الأجنبية. " و قلتم إنّ : " فى إطار دستوري معيّن ينبغى أن يوجد تنافس متعدّد الأحزاب طالما أنّه ضد الإقطاعية ، و ضد التدخّل الإمبريالي الأجنبي". و قلتم خلال لقاءاتنا الثنائية إنّ ما تتحدّثون عنه هو الفترة التالية للثورة و ليس السابقة لها. لكن فى ما بعد شرعتم فى الإجابات الزئبقية و التعويمية بشأن ما إذا كانت المنافسة المتعدّدة الأحزاب كذلك قابلة للتطبيق قبل إفتكاك الطبقة العاملة للسلطة. ثمّ ، مع إمضاء إتفاق ال12 نقطة مع السبعة أحزاب البرلمانية قمتم بإنقلاب تام و أكّدتم أن حزبكم مستعدّ للتنافس مع الأحزاب الأخرى الإقطاعية و الكمبرادورية ! و الديمقراطية التى تطمحون إلى تطويرها عبر التنافس السلمي مع هكذا أحزاب تقع خارج نطاق فهمنا.
فى لقائه الصحفي مع جريدة "الهندي" فى 2006 ، قال الرفيق براشندا :" و نقول للأحزاب البرلمانية أنّنا على إستعداد للتنافس السلمي معها جميعها".
هنا لا يوجد تعويم للكلمات. لقد أكّد قائد الح الش الن الم (الم) مباشرة للأحزاب البرلمانية الكمبرادورية - الإقطاعية بأنّ حزبه مستعدّ للتنافس السلمي مع جميعها. و يوصف هذا القرار الخاص بالديمقراطية المتعدّدة الأحزاب بأنّه موقف إستراتيجي و نظري متطوّر ، فى حين أنّ الرفيق براشندا يتقدّم بأطروحة خطيرة هي أطروحة التعايش السلمي مع أحزاب الطبقات الحاكمة عوض الإطاحة بها عبر الثورة، والتنافس السلمي مع كافة الأحزاب البرلمانية الأخرى ، بما فيها ، أحزاب الطبقات الحاكمة التى هي عميلة الإمبريالية أو الرجعية الأجنبية، فى ما يسمى إنتخابات برلمانية ، و التخلّى عن هدف بناء الإشتراكية لفترة غير محدّدة، و فتح الأبواب واسعة للرجعيين الكمبرادور- الإقطاعيين للوصول إلى السلطة بإستعمال تخلّف الجماهير و الدعم الكبير للرجعيين المحلّيين و الأجانب أو القوى البرجوازية و البرجوازية الصغيرة للإستيلاء السيرورة الكاملة لتطوّر المجتمع من التوجّه الإشتراكي إلى الرأسمالية بإسم الديمقراطية و الوطنية. عموما تخلق إستنتاجات الرفيق براشندا الخاصّة بالديمقراطية المتعدّدة الأحزاب أوهاما ضمن الشعب بشان الديمقراطية البرجوازية و دستورهم.
لقد أشار الرفيق ماو إلى أنّ :" الذين يطالبون بالحرّية و الديمقراطية بصورة مطلقة ينظرون إلى الديمقراطية كنهاية و ليس كوسيلة. الديمقراطية هكذا تبدو أحيانا كنهاية ، لكنّها فى الواقع هي فقط وسيلة. تعلّمنا الماركسية أن الديمقراطية جزء من البناء الفوقي و تنتمى إلى مجال السياسة، أي فى التحليل الأخير ، تخدم القاعدة الإقتصادية و الشيئ نفسه صحيح فى ما يتعلّق بالحرّية. كلّ من الديمقراطية و الحرّية نسبيّان ، ليسا مطلقين، و تولدان و تتطوران فى ظروف تاريخية معيّنة " ( مصدر سابق)
الديمقراطية الحقيقية يُتوصّل إليها عبر نضال متسق و بلا مساومة ضد الإمبريالية و الإقطاعية - فى كلّ من القاعدة و البنية الفوقية- و إنجاز مهام الثورة الديمقراطية الجديدة. على المستوى الفردي ، مثلما قال ماركس، الحرية إعتراف بالضرورة ، و على النطاق السياسي ، تعنى كسر السلاسل التى تقيّدنا إلى النظام الإمبريالي.
يقول حزبكم إنّه قد لخّص تجارب ثورات القرن 20 و إستخلص منها و من الثورات و الثورات المضادة للقرن 20 دروسا إيجابية و سلبية .لكن ما هي الدروس التى إستخلصها و التى ينبغى على الماويين إستخلاصها من تجارب المشاركة الشيوعية فى ما يسمّى بالديمقراطية البرلمانية فى بلدان مثل أندونيسيا و الشيلي و نيكاراغوا و السلفادور و غيرها؟ هل كان حزبكم لينتهج ذات الطريق أعلاه إن كان قد لخّصها على الوجه الصحيح و إستخلص الدروس من ثورات القرن20 ؟ هل ثمّة شيئ خاطئ إذا إستنتج المرء من كلّ من مفهومكم لديمقراطية القرن 21 و التنافس المتعدّد الأحزاب و ممارسة التخلّى عن حرب الشعب ، أنّكم تتبعون ذات الطريق الذى رسمته الأحزاب التحريفية فى البلدان المذكورة آنفا ؟
فى مقال فى مجلّتنا النظرية "حرب الشعب" فى 2006 ، أشرنا إلى عبثية المشاركة فى الإنتخابات و كيف أنّها فى النهاية تساعد الطبقات الحاكمة الرجعية . لقد نبّهنا إلى انّ:
" و حتى إذا بلغ حزب ماوي السلطة عبر الإنتخابات، و دمج قواته المسلّحة الخاصّة بقوات الدولة القديمة ، يمكن الإطاحة به عبر إنقلاب عسكري، و يمكن أن يذبح الرجعيون قواته المسلّحة و أن يقضوا على قادة الحزب و كوادره... و إذا أراد أن يكون جزءا من اللعبة البرلمانية فيجب أن ينصاع لقوانين الرجعيين و لا يمكنه تطبيق سياسات مناهضة للإقطاع و للإمبريالية بحرّية. و حتى إستقلالية القضاء يجب الإعتراف بها كجزء من اللعبة البرلمانية و يمكن أن يقفوا حاجزا أمام كلّ إصلاح يسعى الحزب الماوي للمبادرة به إثر الوصول إلى السلطة عبر الإنتخابات.
ثمّ ، ستوجد عديد المؤسسات المستقلّة مثل القضاء و لجنة الإنتخابات و لجنة حقوق الإنسان المموّلة من طرف الإمبرياليين ووسائل الإعلام ، و مختلف الجمعيات الفنّية و الثقافية و حتى الدينية ، و المنظمات غير الحكومية، و هكذا. إذا صرّح المرء بإلتزامه بالديمقراطية المتعدّدة الأحزاب، ليس بوسعه أن يتنصّل من الدفاع عن هذه المسماة مؤسسات مستقلّة. و العديد منها يمكن أن تعمل لصالح الثورة المضادة بطرق دقيقة جدّ متنوّعة. كما لا يستطيع المرء نسيان الطريقة الدقيقة التى بها تسرّبت الوكالات الغربية و أفسدت المجتمعات فى بلدان أوروبا الشرقية و حتى فى الإتحاد السوفياتي السابق".
لقد شرح حزبكم على نحو صحيح فى الوثيقة حول ديمقراطية القرن21 ،المنشورة فى جوان 2003 ،الدور الذى ينهض به الحزب البروليتاري إثرتولّى سلطة الدولة بالكلمات التالية :
" أكّدت التجربة أنّ بتولّى سلطة الدولة ، حين يشارك قادة الحزب و كوادره فى إدارة شؤون الدولة ،تولد إمكانية قويّة أن يحوّل الجوّ العام الحزب إلى طبقة بيروقراطية ، وصولية تبحث عن الرفاهة. و مع إشتداد هذا الخطر سيصبح الحزب أكثر شكلية و إغترابا عن الجماهير ، بالقدر ذاته. و عندما تبلغ السيرورة مستوى معيّنا من تطوّرها الخاص ، تنزع إلى التحوّل إلى ثورة مضادة. لذلك بغية منع هكذا خطر للثورة المضادة من الحدوث ، من المهمّ مزيد تطوير الآلية و النظام حتى يكون الحزب بإستمرار تحت يقظة و مراقبة و فى خدمة البروليتاريا و الجماهير الكادحة حسب نظرية صراع الخطّين و الثورة المستمرّة . لهذا من المهمّ جدّا و يتعيّن أن توجد آلية لضمان مشاركة كافة الشعب فى صراع الخطّين و أن يساهم قطاع من القادة القادرين و الراسخين فى العمل الجماهيري و قطاع آخر يشارك فى إدارة آلة الدولة و بعد فترة زمنية معيّنة يجب أن تجري إعادة تقييم العمل و بالتالى تعزيز العلاقة بين كافة الحزب و الجماهير الواسعة".
إنّ الدور المذكور أعلاه ببساطة غير ممكن فى الوضع الحالي حيث الحزب يتقاسم السلطة حاضرا مع ممثّلى الطبقة الإقطاعية القديمة و الطبقة الكمبرادورية و علاقتها مع الإمبريالية علاقة عبودية لذلك لم يكن مفاجئا رؤية أغلب القادة الراسخين ينهضون بدور إدارة دولة تظلّ أداة إضطهاد للجماهير و لا تمثّل بتاتا طموحات الجماهير.

بصدد طريق الثورة فى البلدان شبه الستعمرة شبه الإقطاعية :
نظرية المزج:
كان هذا موضوع الكثير من النقاش حتى منذ زمن إنتصار الثورة فى الصين. و خلال الجدال الكبير بين الحزب الشيوعي السوفياتي و الحزب الشيوعي الصيني فى بدايات الستينات ، ركّز الحزب الشيوعي الصيني بصلابة طريق الثورة فى بلدان آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية.
و الوثيقة التى تبنتها اللجنة المركزية للح الش الن (الماوي) فى 1995 قد صاغت بصفة صحيحة إستراتيجيا حرب الشعب الطويلة الأمد إثرتحليل خصوصيات النيبال:
" يبيّن تلخيص كافة الخصوصيات بوضوح أنّه من غير الممكن للكفاح المسلّح فى النيبال أن يشهد قفزة سريعة نحو الإنتفاضة و إلحاق الهزيمة بالعدوّ. مع ذلك ، من الممكن تماما أن نسحق نهائيا العدوّ عبر التطوير المنظّم للكفاح المسلّح فى النيبال. و بوضوح يمكن أن نستشفّ من هذا أن الكفاح المسلّح فى النيبال يجب بالضرورة أن يتخذ إستراتيجيا حرب الشعب الطويلة الأمد لمحاصرة المدن إنطلاقا من الريف".
لكن فى ندوته الوطنية الثانية المنعقدة فى 2001 ، عقب تلخيص تجارب حرب الشعب فى النيبال ، قدّم نظرية مزج النوعين المختلفين من الإستراتيجات التى تطبّق فى بلدان ذات خصوصيات مختلفة. و بالضبط عقب الندوة الوطنية الثانية للح الش الن (الم) ، شدّد البلاغ الصحفي الممضى بإسم الرفيق براشندا ، بكلمات لا غبار عليها أنّ :
" التطوّر السريع للعلم و التكنولوجيا ، خاصة فى مجال الألكترونيك ، أفرز نمطا جديدا تماما فى ما يتعلّق بمواصلة الثورة فى كلّ بلد و فى العالم فى شكل مزج إستراتيجيات حرب الشعب الطويلة الأمد و الإنتفاضة العامة المسلّحة ،إعتمادا على التحليل أعلاه."
و بينما يوضّح أنّه الآن : " لا يمكن تطبيق أي نموذج معتمد على الثورة البروليتارية فى الماضى كما حدث فى الماضى نظرا للتغيرات التى شهدها العالم " ، تقدّم بمنهجية ملموسة لمزج الإنتفاضة العامّة بإسترايتجيا حرب الشعب الطويلة الأمد فى النيبال.
و رغم أنّ الح الش الن (الم) إدّعى فى 2001 أنّ هذا الإستنتاج إستخلص من تلخيص لتجارب خمس سنوات من حرب الشعب فى النيبال، لا وجود لتجربة تاكّد صحّة هذا التصريح. و بالعكس، لم تفعل النجاحات التى كسبت فى الخمس سنوات من حرب الشعب سوى إثبات صحّة إستراتيجيا حرب الشعب الطويلة الأمد.
و التغييرات التى حدثت فى الوضع العالمي إثر ثمانينات القرن العشرين لا توفّر أية قاعدة جديدة ل "مزج" الإستراتيجيتين المختلفتين نوعيا فى إستراتيجيا "جديدة" مختلطة ، لسبب بسيط هو أنّه لم يحدث أي تغيير نوعي فى الأنظمة الإقتصادية-الإجتماعية لبلدان مثل الهند و النيبال . فى كافة البلدان المتخلّفة كالنيبال و الهند ، لم تنبذ الإستراتيجيا الماوية أبدا إستعمال تكتيك الإنتفاضة فى المدن خلال سيرورة الثورة. و قد شوهد هذا أيضا إبّان الثورة الصينية. و بالفعل ، نمت أهمّية إستعمال هذه التكتيكات فى إطار التغيّرات التى جدّت إثر الحرب العالمية الثانية، بالخصوص نظرا للنموّ الهائل لسكّان المدن و التمركز العالي للطبقة العاملة. و بالتأكيد على القوى الماوية الناشطة فى هذه البلدان أن تولي مزيدا من الأهمّية لهذه المسألة و أن تعدّ لإنتفاضات فى المدن لجزء من الإستراتيجيا الماوية لحرب الشعب الطويلة الأمد. و مع ذلك ، لا يعنى هذا أن الإستراتيجيتين يجب أن "تمزجا" فى إستراتيجيا واحدة و أن تنعت حرب الشعب الطويلة الأمد بالنموذج "القديم" و "التقليدي".
إجتماع اللجنة المركزية لسنة 2005 "إنتهى إلى أنّ إستراتيجيا حرب الشعب الطويلة الأمد عينها تحتاج إلى مزيد التطوير لتلبية حاجيات القرن 21. و بصفة خاصة، لعقود عديدة لوحظ أنّ حرب الشعب الطويلة الأمد المندلعة فى مختلف البلدان واجهت عراقيلا و قُضي عليها بعد بلوغها مرحلة الهجوم الإستراتيجي، مع سعي الإمبريالية لتحسين إستراتيجيا تدخّلها و حربها المضادة للثورة ك "حرب طويلة ". فى هذا الإطار، إذا تشبّث الثوريون بالطابع "الطويل الأمد" لحرب الشعب مهما كان الثمن، فإن اللعبة ستكون جوهريا بأيدى الإمبريالية و الرجعية. و من هنا المقترح الأخير ل "طريق براشندا" بحاجة النظرية العسكرية للبروليتاريا كذلك إلى مزيد التطوير جدّي تماما و دلالته بعيدة المدى. و يمكن ملاحظة أن هذا المقترح قائم بصلابة على التجارب الملموسة للتقدّم الناجح لحرب الشعب الآن إلى مرحلة الهجوم الإستراتيجي و يهدف إلى مزيد التقدّم و الدفاع عنها." ( "العامل " عدد10 ، ص 58 بالأنجليزية ).
و هكذا باتت مسألة طريق الثورة مجدّدا على جدول النقاش بعد أن إقترح الح الش الن (الم) نظرية "المزج" فى 2001 . و قد إكتست المسألة دلالة بالنسبة للثوريين فى كلّ مكان ليس فقط فى إطار حرب الشعب فى النيبال لكن أيضا لأن الح الش الن (الم) سعى إلى إسباغ الطابع العالمي على نظرية "المزج". لقد نظّر إلى : " اليوم ، مزج إستراتيجيا الإنتفاضة المسلحة و حرب الشعب الطويلة الأمد فى واحد أمر جوهري. فدون القيام بذلك ، يبدو أنّ ثورة حقيقية غير ممكنة فى أي بلد كان " ( "القفزة الكبرى إلى الأمام ..." ، ص20 بالأنجليزية).
و قد حاجج كذلك بأنّ " على مستوى المفهوم النظري للحرب الثورية فإنّ هذه النظرية الجديدة من مزج الإستراتيجيتين تكتسى أهمّية عالمية ". " للنظرية المطوّرة لمزج حرب الشعب الطويلة الأمد و الإنتفاضة دلالة خاصّة صارت عالمية".
وفى الوثيقة التى قدّمها الح الش الن (الم ) للندوة العالمية حول الإشتراكية و الثورة البروليتارية فى القرن 21 المنعقدة فى 26 ديسمبر 2006 ، كرّر أطروحة 2003 لكن مع تغيير هام للغاية حيث كتب :
" ...توصلنا إلى إستنتاج أنّ الإلتصاق بنموذج معيّن، والتكتيكات القائمة عليه ، لن يعالج التناقضات الجديدة التى أوجدتها التغييرات المذكورة سابقا فى المجتمع و حصر طريق الثورة فى إطار نموذج محدّد سيقلّص من قدرتنا على معالجتها".
" آخذين بعين النظر كافة هذه العوامل الإيديولوجية و السياسية، سعى حزبنا منذ البدايات الأولى للقيام بتعبئة جماهيرية فى المدن و حرب الأنصار فى الريف أي الهجمات السياسية و العسكرية ، فى آن معا، بينما يجعل الأخيرة هي الرئيسية. و كلّ إمرء بوسعه ملاحظة أنّه منذ الإنطلاقة التى كانت فى شكل نوع من التمرّد ، أدخل حزبنا بعض التكتيكات الإنتفاضية طوال سيرورة حرب الشعب الطويلة الأمد. لهذا لا تشبه سيرورة الثورة التى نمرّ بها تماما لا ما قام به ماو فى الصين و لا ما قام به لينين فى روسيا. و نعتقد أنّ أحد الأسباب وراء تطوّر حرب الشعب فى هكذا مدّة وجيزة من الزمن فى بلدنا هو نجاحنا فى أن نبقى بعيدين عن الإلتصاق بأي نموذج. بإختصار ، موقفنا هو أنّه لا ثورة قادرة و يمكن أن تعاد و إنّما تطوّر.
تقريبا بعد خمس سنوات من الإنطلاق فى حرب الشعب فى النيبال ملخّصا تجاربها فى الندوة الوطنية الثانية، سنة 2001، طوّر حزبنا إستراتيجيا سياسية-عسكرية مشدّدا على الحاجة إلى حصول مزج لبعض مظاهر التكتيكات الإنتفاضية مع تكتيكات حرب الشعب الطويلة الأمد منذ البداية. و مجدّدا ، و نحن نأتى إلى إجتماع كامى دندا ، سنة 2006 ، ملخّصا تجارب العشر سنوات من حرب الشعب ، طوّر حزبنا أكثر ذلك و لخّص أنّ الإستراتيجيا السياسية - العسكرية مع فترات متوازنة من حرب الشعب ،و الحركة الجماهيرية القوية ، مفاوضات و إجراءات دبلوماسية ، وحدها بإمكانها أن تقود الثورة الديمقراطية الجديدة فى النيبال إلى الإنتصار. و نعتقد أنّ هذا التلخيص من فيلق ثوري من جيش البروليتاريا العالمية ، الح الش الن (الم) ، يمكن أن يكون مفيدا للآخرين كذلك."
لكلّ بلد خصوصياته و يأخذ الثوريون هذه الخصوصيات بعين النظر عندما يرسمون إستراتيجيتهم و تكتيكاتهم. و قد عرف العالم نموذجين من الثورات المظفّرة خلال القرن العشرين، النموذج الروسي للإنتفاضة المسلّحة و النموذج الصيني لحرب الشعب الطويلة الأمد. و من البديهي أنّه ليس بوسع أية ثورة أن تكون نسخة مطابقة للأصل لثورة أخرى .و مع ذلك، فإن أوجه شبه فى الظروف الموضوعية تجعل من نموذج خاص أكثر مناسبة لبلد معيّن. ما من ثوري يدّعى أنّ كلّ بلد يجب أن يتبع هذا النموذج أو ذاك بحذافره ميكانيكيا. فهناك بالضرورة تغييرات فى الإستراتيجيا و التكتيك فى مختلف البلدان فى إرتباط بالظروف الملموسة. لكن المبدأ العام ،بالطبع، مشترك بين كافة الثورات كما شرح ذلك بالوضوح التام الرفيق ماو:
"إنّ إنتزاع السلطة بواسطة القوة المسلحة ، وحسم الأمر عن طريق الحرب، هو المهمة المركزية للثورة و شكلها الأسمى. و هذا المبدأ الماركسي اللينيني المتعلق بالثورة صالح بصورة شاملة ، صالح للصين و لغيرها من الأقطار على حدّ سواء. إن المبدأ سيبقى هو ذاته إلاّ ان الأحزاب البروليتارية التى تعيش فى ظروف مختلفة تطبقه بصور مختلفة تبعا لإختلاف الظروف. "
الإستراتيجيا السياسية - العسكرية ليست بالشيئ الجديد كما تدّعون. لن يفكّر أي حزب ثوري أنّه بإمكانه تحقيق الإنتصار فى الثورة عبر إستراتيجيا عسكرية وحدها. الإستراتيجيا السياسية و التكتيكات جزء هام من الإستراتيجيا و التكتيكات الشاملة الذين يتبعهما حزب ماوي. لقد أولى الرفيق ماو على الدوام أهمّية لهذا المظهر، و ليس فقط للمظهر العسكري ، بالرغم من القوّة الهائلة لجيش التحرير الشعبي. فعزل الأعداء الأساسيين و بناء الجبهة المتحدة مع كافة القوى المناهضة للإمبريالية و الإقطاعية، و تنظيم الطبقة العاملة و الجماهير الكادحة الأخرى فى المناطق المدينية و مناطق السهول ، كانت جزءا لازما لأجندا الحزب الشيوعي الصيني فى ظلّ ماو و فى ظلّ عديد الأحزاب الماوية اليوم. ووثائق هذه الأحزاب تثبت ذلك بما لا يدع مجالا للشكّ.
و المشكل بالتالى ، لا يكمن فى عدم الوعي بأهمية العمل فى المناطق المدينية أو نقص فى الإستراتيجيا السياسية لكن فى طبيعة الإستراتيجيا السياسية العسكرية التى تكرّس أولوية المناطق الريفية نسبة للمناطق المدينية فى البلدان شبه المستعمرة شبه الإقطاعية. إذا كانت المهمّة الأساسية لتحطيم آلة الدولة ، لا سيما الجيش و القوى المسلّحة الأخرى ، وضعت فى المصاف الثاني بإسم الإستراتيجيا و التكتيك السياسي ، إذا قدّمت تنازلات للعدوّ على حساب المصالح الطبقية للبروليتاريا و الشعب المضطهَد لأجل الحفاظ على الجبهة المتحدة بشكل أو آخر ، حينئذ يطفو المشكل الفعلي إلى السطح. لقد حقق الح الش الن (الم) مكاسبا سريعة طوال العقد من حرب الشعب و قال إنّه يسيطر على 80 بالمائة من تراب البلاد سنة 2005. لكن حتى هذا الواقع لا يبدّل أو يخفّف من إستراتيجيا حرب الشعب الطويلة الأمد و إعطاء الأولوية للإستراتيجيا السياسية.
فالمهمّة الأولى حتّى بعد تحقيق السيطرة على 80 بالمائة من البلاد ستكون تعزيز القاعدة الجماهيرية و أجهزة السلطة السياسية ، و تنمية قوّة جيش التحرير الشعبي و تحطيم مراكز سلطة العدوّ وسط مراكز إرتكازها. بلا ريب ، المهمّة شديدة العسر و تتطلّب تصميما و صبرا كبيرين بما أنّه سيوجد توقّع طاغ لإنتصار وشيك فى صفوف الحزب و الشعب عموما. و من المرجّح أن تقع أخطاء جدّية فى مرحلة الهجوم الإستراتيجي إن لم تفهم على الوجه الصحيح الطبيعة الطويلة الأمد لحرب الشعب.
و قد شهدت نظرية المزج للح الش الن (الم) مزيدا من الإنحرافات فى السنوات الخمس منذ أن إقترحت فى المرّة الأولى ، و فى 2006 ، أضحت نظرية للتنافس السلمي مع الأحزاب الرجعية و الإنتقال السلمي للديمقراطية الشعبية و الإشتراكية. من مزج حرب الشعب و الإنتفاضة بلغت النظرية الإنتقائية لبراشندا شكل مفاوضات وعمل دبلوماسي. و أحد أهمّ أسباب هذا التغيّر مردّها التقديرالخاطئ للوضع العالمي المعاصر و إستنتاج أنّ الشكل الإستعماري الجديد للإمبريالية يتخذ الآن شكل دولة معولمة. مثلما أشارت وثيقة الندوة التى مرّ بنا ذكرها:
" الطابع الأساسي للإمبريالية لم يتغيّر جوهريا لكن كما قلنا فى وثيقة حزبنا إكتسبت الإمبريالية فى سيرورة تطوّرها أشكالا و هيئات جديدة . لقد تغيّر الشكل الأولى للإستعمار الإمبريالي إلى شكل الإستعمار الجديد. و الآن يتخذ الإستعمار الجديد شكل دولة معولمة. و بالطبع هذا التغيير فى شكل الإمبريالية يجب أن يؤخذ بعين الإعتبار بينما يتمّ تطوير طريق الثورة ".

و يذهب الإستنتاج الخاص بالدولة المعولمة ضد الجدلية بما أنّه يضع فى الخلف التناقضات بين الإمبرياليات و يحاول جعل الإمبريالية ككلّ كتلة متجانسة. و هذه الصياغة تقدّم لأول مرّة من طرف حزبكم مع نهاية ديسمبر 2006 إثر عقد تحالف مع السبعة أحزاب البرلمانية. و بالفعل ، يمكننا أن نقول إنّ إتفاقكم ذى ال12 نقطة مع السبعة أحزاب البرلمانية ، و قراركم التحوّل إلى جزء من الحكومة الإنتقالية لتقاسم السلطة مع الأحزاب الرجعية الكمبرادورية - الإقطاعية فى النيبال ، و مساهمتكم فى إنتخابات المجلس التأسيسي و تشكيل حكومة فى ظلّ قيادتكم من جديد مع القوى الرجعية و التنظير للتنافس السلمي مع هذه الأحزاب - كلّ هذا صدر عن التقدير أعلاه لحزبكم بصدد الإمبريالية و إستنتاج أنّها إتخذت شكل دولة معولمة. و من الطبيعي تماما أن تقديرا من هذا القبيل المشابه لأطروحة المافوق-إمبريالية التى إقترحها كارل كاوتسكي فى 1912 و الذى فضحه الرفيق لينين ، لا يمكن إلاّ أن تؤدّي إلى إستنتاج الطريق السلمي و الإنتقال السلمي للديمقراطية الشعبية و الإشتراكية. و قد أفضت نظرية المزج فى النهاية إلى نظرية الإنتقال السلمي! و الآن لا وجود إلى لحرب الشعب و لا للإنتفاضة و إنّما ما يوجد هو التنافس السلمي مع الأحزاب البرلمانية الأخرى من أجل بلوغ السلطة عبر الإنتخابات!!!
ينبغى على قيادة و كافة صفوف الح الش الن الم (الم) على الأقلّ أن تعي اليوم الخطر الإصلاحي و اليميني الإنتهازي الكامن فى الصيغة الإنتقائية الخاطئة للرفيق براشندا بشأن طريق الثورة فى النيبال. إنّ وضع هكذا نظرية مزج إنتقائية فى بلد فى منتهى التخلّف شبه إقطاعي شبه مستعمر، حيث تقريبا 90 بالمائة من النيباليين يقطنون فى المناطق الريفية المقيّدة بعلاقات إجتماعية شبه إقطاعية ، مأساوي فعلا . وهو يسخر من المفهوم الماوي لحرب الشعب الطويلة الأمد و ينكر التعاليم الأساسية للرفيق ماو. نظرية براشندا للمزج إنحراف جديّ عن الم-الل-الم لم يفعل سوى خلق إرتباك ووهم فى صفوف الحزب حول الإنتصار السريع عوض إعداد كافة الحزب لحرب شعب طويلة الأمد.
بصدد مرحلة الثورة فى النيبال :
لقد قدّم الح الش الن (الم) فى وثائقه الأساسية تقديرا صحيحا للمرحلة الراهنة للثورة فى النيبال على أنّها ديمقراطية جديدة و أعلن البرنامج الذى سيطبّق فى هذه المرحلة من الثورة. ومع ذلك ، فى مقال للرفيق بابوران باتاراي فى مارس 2005 و فى رسالته ذات ال13 نقطة فى نوفمبر 2004 ، تغيّر الفهم أعلاه تجاه مرحلة الديمقراطية الجديدة بشكل صارم. فقد أعلن أنّ الثورة النيبالية تمرّ عبر مرحلة دنيا هي الجمهورية الديمقراطية. " فى ما يتصل بالإلتزام الصريح للقوى الثورية الديمقراطية ،التى تطمح إلى بلوغ الإشتراكية و الشيوعية عبر جمهورية ديمقراطية جديدة ، من خلال ديمقراطية برجوازية ، فإن الح الش الن (الم) وضّح مرارا و تكرارا موقفه المبدئي إزاء الضرورة التاريخية للمرور عبر مرحلة دنيا من الجمهورية الديمقراطية فى خصوصيات النيبال". ( "التراجع الملكي و مسألة الجمهورية الديمقراطية "، 15 مارس 2005).
وقد نبّه حزبنا فى مقال فى مجلته "حرب الشعب" : " لن يقول أي ماوي إنّه من الخاطئ القتال من أجل مطلب جمهورية و من أجل الإطاحة بالنظام الملكي الأوتوقراطي ، و كذلك ، لن يعارض أحد تشكيل جبهة متحدة مع كافة الذين يعارضون العدوّ الرئيسي فى أي لحظة معيّنة. و لا حاجة للقول بأنّ هكذا جبهة متحدة ستكون ببساطة تكتيكية بطبيعتها ولا يمكن ولا ينبغى ، فى أي ظروف ، أن تحدّد طريق و توجّه الثورة ذاتها. والمشكل مع تنظير الح الش الن (الم) يكمن فى جعل القتال ضد الأوتوقراطية مرحلة دنيا من الثورة الديمقراطية الجديدة والأتعس حتى ، جعل المرحلة الدنيا تطغى ( تهيمن و تحدّد) على ذات توجّه و طريق الثورة. إنّ برنامج و إستراتيجيا الثورة الديمقراطية الجديدة الذى رسمه الحزب قبل إنطلاقه فى الكفاح المسلّح ، و أهداف الإطاحة و حتى التحليل الطبقي الملموس المنجز قبل ذلك و الذى على قاعدته تقدّمت الثورة أشواطا هائلة ، إستحالت الآن مرتهنة بحاجيات ما يسمى بالمرحلة الدنيا من الثورة النيبالية. والأمر يشبه ربط المرء نفسه للسير وراء كلب. و قد صارت المرحلة الدنيا من الجمهورية الديمقراطية البرجوازية العامل المحدّد لكلّ شيئ. فقد جعلت الحرب الطبقية ملحقا، ووضعت جانبا إستراتيجيا حرب الشعب الطويلة الأمد، و جلبت الديمقراطية المتعدّدة الأحزاب أو التنافس السياسي مع الأحزاب البرجوازية –الإقطاعية كأهمّ إستراتيجيا ، بل ، طريق للثورة النيبالية ".
و بات القتال ضد النظام الملكي أو الملك الهدف الأول و الأخير لقيادة الح الش الن الم (الم). إذ وضعت فى الخلف فى موقع ثانوي مفاهيم الثورة الديمقراطية الجديدة و الإشتراكية و الشيوعية وصارت ملحقا لمفهوم المرحلة الدنيا من القتال ضد الملك.
و فى الواقع ، إنعكس فهم من هذا القبيل فى مواقف الرفيق برشندا ذاته و لقاءاته الصحفية إثر مواجهة حرب الشعب فى النيبال صعوبات جدّية فى مرحلة الهجوم الإستراتيجي و الهجوم النهائي لم يجلب النتائج المتوقعة . فمثلا ، فى لقائه الصحفي مع الب ب سي فى 2006 ، تحدّث الرفيق براشندا عن نيبال جديد دون الحاجة إلى تحطيم الدولة القديمة : " نعتقد أن الشعب النيبالي سيتقدّم نحو جمهورية و سيتقدّم بطريقة سلمية مسار إعادة بناء النيبال. فى ظرف سنوات خمس ، ستصبح النيبال أمّة جميلة ، سلمية و تقدّمية. و فى ظرف سنوات خمس ، سيكون ملايين النيباليين بعدُ ينهضون بمهمّة صنع مستقبل جميل و ستشرع النيبال حقّا فى التحوّل إلى جنّة على الأرض".
و شدّد فى تأكيده على أنّ جمهورية ديمقراطية منتخبة على هذا النحو سوف تحلّ مشاكل النيباليين!!!
"نعتقد أنّه مع إنتخاب المجلس التأسيسي ، ستتشكّل جمهورية ديمقراطية فى النيبال. و سيحلّ هذا مشاكل النيباليين و يقود البلاد إلى طريق تقدّمي أكثر."
و فى لقاء صحفي أجراه مع الجريد الإيطالية " الأكسبراسو" فى نوفمبر 2006 ، فسّر أكثر براشندا رؤيته لمستقبل النيبال على أنّه تحوّل لجمهورية برجوازية تشبه سويسرا: " فى عشر سنوات سوف نغيّر السيناريو كلّه ،معيدين بناء هذه البلاد لتكون مزدهرة. و فى 20 سنة ستشبه سويسرا. هذا هو هدفى بالنسبة للنيبال ".
و يعمل على إستغلال الإستثمار الأجنبي لإحداث التغيير أعلاه فى النيبال: " سنرحّب بالمستثمرين الأجانب ، مستعملين الرأسمال الآتى من الخارج لمصلحة النيبال".
و هذه الخطوط لا تختلف فى شيئ عن ما يكرّره بإستمرارالكمبرادوريون الهنود. كيف ستكون النيبال "جنّة على الأرض" بعد التحوّل إلى جمهورية برجوازية ؟ كيف يمكن التحوّل إلى ما يسمّى بالجمهورية الديمقراطية أن تحلّ مشاكل النيباليين؟ لماذا يحلم براشندا بجعل النيبال سويسرا برجوازية عوضا عن جنّة إشتراكية؟ حتى حين صرّح الرفيق براشندا بهذا على أنّه هدفه للنيبال فى العشرين سنة القادمة من المؤسف أنّ بالكاد وجدت أصوات معارضة داخل الحزب. و بالفعل ، فإنّ هكذا تصريحات من لدن براشندا و قادة آخرين من حزبكم لم تفعل سوى التفاقم بعد إنتخابات المجلس التأسيسي. والتوجّه العام و البرنامج العام لحزبكم ليس جوهريا ، شيئا سوى مواصلة للنظام شبه المستعمر شبه الإقطاعي القائم ، أي دكتاتورية الطبقات المستغَلّة.
و قد نبّه أيضا مقالنا فى "حرب الشعب" إلى :" هل يمكن أن يحرّر النيبال نفسه من براثن الإمبريالية بعد تحوّله إلى جمهورية ديمقراطية (برجوازية) فى العصر الإمبريالي الراهن؟ هل يعتقد الح الش الن الم (الم) حقّا أن " سيرورة إعادة بناء النيبال ستمضى قدما بطرق سلمية " ؟ و هل أنّ هناك مثال واحد فى تاريخ العالم حيث حدثت هكذا سيرورة إعادة بناء سلمية؟ ألا يُبيّن تاريخ الثورة العالمية أن الصراع الطبقي المرير، الدموي و العنيف أحيانا ، يتواصل حتى بعد عقود إثر إفتكاك البروليتاريا للسلطة؟ و من هنا كيف يستطيع الرفيق براشندا أن يفكّر فى مثل هذه السيرورة السلمية لإعادة بناء النيبال؟ هل أنّ الأحزاب المنتمية إلى السبع أحزاب البرلمانية تقاتل فعلا الإمبريالية و الإقطاعية فى النيبال؟ هل ثمّة ضمان بأنّ الح الش الن (الم) سيلحق الهزيمة بالأحزاب البرجوازية-الإقطاعية التى يودّ المضي معها فى تنافس سياسي فى الإنتخابات ، و ضمان أن النيبال لن تنجرف فى صدامات مع الإمبريالية و التوسعيّة الهندية؟ كيف يمكن للمرء أن يكون على هذه الدرجة من البلاهة ليعتقد بأنّه بمجرّد إنتهاء إنتخابات المجلس التأسيسي و تحوّل النيبال إلى جمهورية ، ليس فى ظلّ قيادة حزب الطبقة العاملة و لكن ربّما فى ظلّ قيادة تحالف خليط من الأحزاب أي تحالف طبقة حاكمة و طبقة عاملة بقيادة الح الش الن (الم) ، ستتحرّر البلاد نفسها من الإقطاعية و الإمبريالية و تصبح "أمة جميلة ، سلمية و تقدّمية"؟
و قد إنعكس ذات التفكير فى المرحلة الدنيا فى تصريح للناطق الرسمي الماوي كريشنا بهادور ماهارا فى نوفمبر 2006 بأنّ التحالف بين السبع أحزاب البرلمانية و الماويين ينبغى أن يتواصل إلى القضاء على الإقطاعية فى البلاد، أو على الأقلّ لعشر سنوات.
و هكذا من مختلف اللقاءات الصحفية للرفيق براشندا و قادة آخرون للح الش الن (الم) يمكننا أن نرى بوضوح تبدّلا أساسيا فى الموقف الماوي من الهدف المباشر لتحقيق الثورة الديمقراطية الجديدة بغاية القتال من أجل الإشتراكية و الشيوعية ، إلى تركيز "الجمهورية الديمقراطية المتعدّدة الأحزاب" عبر الإنتخابات و إحداث تغيير إجتماعي بالوسائل السلمية فى إطار هيكلة الدولة القديمة. و هذا مناقض للفهم الماركسي اللينيني للدولة و كذلك مناقض لمرحلة الثورة.
و يعزى الموقف الطبقي غير البروليتاري للح الش الن(الم) و الإرباك و الإنحراف اللذان ظهرا بشأن الجمهورية الديمقراطية الشعبية ، إلى نظرية المرحلة الدنيا المذكورة أعلاه و المقدّمة ليس كمجرّد تكتيك بل كمفهوم إستراتيجي.
بصدد فهم الحزب الشيوعي النيبالي الموحّد (الماوي) للتوسعية الهندية:
خلال الزيارة الرسمية لبراشندا للهند ، إستغلّ كذلك الفرصة لمؤانسة الأحزاب الكمبرادورية-الإقطاعية مثل ج.د ( ي) و المؤتمر القومي ،و حزب سمجداوي،و الأرج دو الأل جب إلخ ، إضافة إلى لقاءات غير رسمية مع سنيا غاندي و ددغفيباي سينغ،و بعض قادة البى ج ب مثل كزل أدفانى و رجناة سينغ و مورالى مانوهار جوشى. لعلّ إستراتيجيته كانت إقامة علاقات جيدة مع الحزب الفاشي البى ج ب فى حال كسبه فى الإنتخابات البرلمانية القادمة. و قد عكست ملاحظاته أثناء زيارت للهند ، فى أحسن الأحوال ، إستهانة بالخطر الذى تمثله التوسعية الهندية بالنسبة للنيبال و أوهامه فى ما يخصّ طبيعة الدولة الهندية. و فى أسوأ الأحوال، بيّنت إنتهازيته فى إحداث إنقلاب تام فى ما يتصل بتقديره للهند إثر كسبه الإنتخابات.
و يمكن ملاحظة هذا الموقف فى مديحه لدور الهند فى إنجاز الإنتقال "السلس و السلمي" فى النيبال و كذلك فى مدح الهند لمساعدتها فى تنظيم الإجتماع بين الح الش الن (الم) و السبعة أحزاب البرلمانية فى دلهى و فى تشكيل جبهة مشتركة من ثمانى أحزاب ضد الملك. و فيما كان يتحدّث إلى واجناث سينغ الذى كان حزبه الهندوسي الفاشي مسؤولا عن تحطيم مسجد بابارى و الحثّ على الهجمات الطائفية ضد المسلمين و المسيحيين و المجزرة فى جوخارات، تحدّث براشندا عن الإرث الثقافي المشترك للبلدين و عن آيو ضياء. معانقا مانهوهان سينغ، ذهب إلى حدّ طلب أن تساعد الهند النيبال فى صياغة مشروع الدستور الجديد! إنّها إهانة كبرى لشعبي كلّ من النيبال و الهند و هي تنزع إلى تسليم سيادة النيبال للحكّام التوسعييين الهنود. إنّه يعلم موقف حزبنا بشأن صياغة الدستور الهندي و مضمونه الطبقي المناهض للشعب و الموالي للإمبريالية. و مع ذلك، فقد إختار البحث عن مساعدة الحكّام الهنود فى صياغة دستور النيبال!!! ليس هذا فقط براغماتية لكن أيضا إنحراف جلي وواضح عن الموقف الماركسي –اللينيني و يذهب حتى ضد روح الوطنية التى عنها كان يتحدّث.
ستكون للإخفاق فى التوصّل إلى تقدير موضوعي صحيح و فهم للتوسعية الهندية و دورها فى جنوب آسيا تداعيات بعيدة المدى على الثورات فى بلدان المنطقة. كان للحزب الشيوعي النيبالي(الماوي) ، و بصفة واسعة الإنتشار، فهما صائبا بشأن التوسعية الهندية إلى أن وقّع إتفاقا مع الأحزاب الكمبرادورية-الإقطاعية الكبرى المشكّلة للسبعة أحزاب البرلمانية فى 2006.
و طبعا ، وجدت بعض المشاكل مثل المبالغة فى التناقض بين الهند و الإمبريالية الأمريكية و إستعداد الح الش الن (الم) لإستعمال التناقض المفترض. لقد نبهتكم بعثة حزبنا إلى خطر السقوط فى خدعة وضعتها الطبقات الحاكمة التوسعية الهندية و حذّرتكم من معانقة قادة مختلف الطبقات الحاكمة الرجعية فى الهند ، لا سيما البى ج ب و المؤتمر ، لكنكم واصلتم الحفاظ على علاقات بإسم إستعمال التناقضات لمصلحة الثورة فى النيبال. لقد نبّهناكم إلى أنّ العكس سيحصل و أنه ، لاحقا، لستم أنتم بل الطبقات الحاكمة الهندية هي التى ستستعمل مقاربتكم اللطيفة و ستأثّر فى صفوفكم ، بما فى ذلك فى قيادتكم. و قد كان جناح المخابرات الهندية المعادية للثورة ، را و( جناح البحث و التحليل) ، و قادة مختلف الأحزاب السياسية فى الهند ، ناشطين للغاية فى نسج الأوهام و الإرتباك الإيديولوجي فى صفوف الح الش الن (الم) بيد أنّ قيادة حزبكم إستمرّت فى تغذية الأوهام و الحفاظ على علاقات حميمية مع هذه القوى الرجعية. و يمكن سبر مدى تأثير هذه القوى و الأذى الذى ألحقته بالثورة بكون لعديد المرّات إقترحت قيادتكم أن تشطب الكلمات القوية ضد التوسعية الهندية من البيانات الصادرة عن حزبينا و كذلك من بيانات تنسيقية الأحزاب و المنظمات الماوية لجنوب آسيا.
و مع ذلك ، و رغم الإنحرافات ،عموما، إلى 2005 ، وجد صراع جماعي لحزبينا و لأحزاب ماوية أخرى فى جنوب آسيا ضد التوسعية الهندية. لقد تشكّلت تنسيقية الأحزاب و المنظمات الماوية لجنوب آسيا بغاية القتال ضد التوسعية الهندية و تحقيق الوحدة و بذل الجهد الجماعي للتقدّم بالثورات فى جنوب آسيا. إلاّ أنه إثر إتفاق ال12 نقطة مع السبعة أحزاب البرلمانية ، أخذ هذا النضال ضد التوسعية الهندية فى الخفوت مع الزمن و بلغ فى النهاية مرحلة حيث ذهبت قيادتكم حتى حدّ كيل المديح للطبقات الحاكمة الهندية و الإسترشاد بها.
ندعو جميع قيادة و صفوف الح الش الن (الم) لإعادة النظر فى موقفهم تجاه التوسعية الهندية و تبنّى موقف صلب علما أنّه لا ينبغى أن تتعارض العلاقات الدبلوماسية بين الدول مع مبدأ الأممية البروليتارية.
بصدد الفيدرالية السوفياتية لجنوب آسيا :
مفهوم الفيدرالية السوفياتية لجنوب آسيا تقدّم به لح الش الن (الم) فى 2001 و نعت بأنّه مساهمة ن الرفيق براشندا فى النظرية الم-الل-الم. لنقتطف فقرة من وثيقة "القفزة الكبرى إلى الأمام...":
" فى إطار دراسته لخصوصيات المجتمع و الثورة النيباليين ، أعار الرفيق براشندا إنتباه لازما لإطار الثورة فى بلدان جنوب آسيا أيضا . قال الرفيق براشندا :" نظرا للوضع المتميز للمنطقة ، يغدو جليا أنه لا مناص للشيوعيين الثوريين من أن يستنبطوا إستراتيجيا متكاملة ضد الطبقات الإحتكارية البرجوازية الحاكمة للهند و عملائها فى مختلف البلدان . هذه الحتمية دقت باب ضرورة تحويل المنطقة الى فيدرالية سوفياتية جديدة للقرن ال21."
و شارحا معنى و مغزى هذا المفهوم ، كتب حزبكم : " هنا ، ينبغى إيلاء عناية خاصّة بضرورة تطوير إستراتيجيا موحّدة كمسؤولية مشتركة للأحزاب الشيوعية الثورية فى المنطقة فى نضالها ضد التوسعية الهندية . و يكتسى مفهوم الإستراتيجيا الموحّدة و مفهوم الفيدرالية السوفياتية الجديدة دلالة خاصة.
ينهض هذا المفهوم على الضرورة التاريخية للقتال المشترك ضد التوسّعية الهندية التى مثّلت عدوّا مشتركا لأحزاب الشيوعية الثورية و الجماهير المضطهَدة فى مختلف البلدان فى منطقة جنوب آسيا. و هذا يعكس الشعور المشترك للصداقة و الطموح للتحرّر التاريخيين الذين تطوّرا منذ زمن بعيد فى صفوف شعوب مختلف بلدان المنطقة".
فى لقاء صحفي سنة 2002 ، عبّر الأمين العام لحزبنا ،الرفيق غاناباثى عن موقف حزبنا من مفهوم الفيدرالية السوفياتية لجنوب آسيا و الفهم الخاطئ للح الش الن (الم) بأنّه غاية فى الصعوبة إنجاز الثورة فى النيبال و تقريبا من المستحيل الحفاظ عليها بعد تحقيق الإنتصار دون تركيز فيدرالية سوفياتية لجنوب آسيا.
لقد جعل حزبكم من تشكيل هذه الفيدرالية شرطا مبقا لإنتصار الثورة فى النيبال. و هذا المفهوم يشبه المفهوم التروتسكي للثورة الدائمة الذى ينكر تركيز الإشتراكية فى بلد واحد. و قد أشارت وثيقة حزبكم بصورة خاصة إلى أنّه من المستحيل تقريبا الحفاظ على الثورة فى النيبال دون ثورة فى كامل الجزء من القارة. فصار إنتصار الثورات فى الهند و بلدان أخرى من جنوب آسيا شرطا مسبّقا للحفاظ على الثورة فى النيبال. و نعتقد أنّ هذا أيضا سبب من أسباب فقدان الثقة فى التقدّم بالثورة فى النيبال نحو الظفر النهائي نو عوض ذلك التقدّم ، جرى إتباع نهج التوفيق و التسويات الطبقية.
بصدد طريق براشندا :
كتب الكثير عن طريق براشندا فى وثائقكم و مقالاتكم و لقاءاتكم الصحفية. و كان أيضا محور نقاش أثناء لقاءاتنا الثنائية فى السنوات الأولى من إنطلاقة حرب الشعب. حين سألنا ممثلوكم بوجه خاص ، كرّرنا موقفنا فى لقاءاتنا الثنائية أن بناء عبودية الفرد لن تساعد الحزب على أو الثورة على المضي قدما إلى الأمام. و قد ذكّرنا بتجاربنا فى الهند زمن الرفيق شارو ماجندار و نصحناكم الآّ تزرعوا ثقة عمياء فى الأفراد. و موقفنا الصارم هو أنّ " فكر" "طريق" و "أفكار" إلخ تركّز عبر سيرورة مديدة بعد أن تكون أثبتت فى الممارسة و لها أساس علمي واضح. نصحناكم الاّ تتسرّعوا فى الحديث عن طريق جديد أو فكر جديد فى النيبال ببساطة لأنّ بعض الإنتصارات ذات الدلالة تحقّقت فى حرب الشعب. لم تقتنعوا و مضيتم فى " إثراء و تطوير" الم -الل-الم فى شكل طريق براشندا و أصبغتم عليه طابع العالمية.
فيما أكّدتم أنّه تطبيق خلاّق الم-الل-الم على الظروف الملموسة للنيبال و أكّدتم للآخرين بأنكم لا تعطونه دلالة عالمية ، فى نفس الوقت ، حاولتم تقديمه على أنّه يمثّل مزيدا من تطوير و إثراء الماركسية ذو دلالة عالمية. و قد أشارت وثيقتكم على هذا النحو:" إعتبر طريق براشندا فى الندوة الوطنية التاريخية الثانية للح الش الن (الم) كتلخيص إيديولوجي للتجارب الثرية للخمس سنوات من حرب الشعب العظيمة. فى هذه الندوة ، نظر الحزب إلى طريق براشندا كوحدة جدلية لا تنفصم بين المحتوى العالمي و التعبير الوطني ، الشمولية و الخصوصية ، الكلّ و الجزء و العام و الخاص، و إعتبر أن هذا التلخيص لتجارب الثورة النيبالية سيخدم الثورة البروليتارية العالمية و الأممية البروليتارية. "( "القفزة الكبرى إلى الأمام ضرورة تاريخية" ).
و سعيتم لشرح تطوّر طريق براشندا نظريا على النحو التالى : " يتقدّم تطوّر طريق براشندا فى مراحل ثلاث يمكن عرضها كالآتى : الخطّ السياسي و العسكري للثورة النيبالية الذى وقع تبنّيه فى الإجتماع الموسّع الثالث للح الش الن (الم) المنعقد فى 1995 - المرحلة الأولى، التلخيص الإيديولوجي للتجارب الغنية للخمس سنوات من حرب الشعب العظيمة التى حصلت فى الندوة الوطنية التاريخية الثانية للح الش الن (الم) المنعقدة فى 2001- المرحلة الثانية ، و سيرورة التطوّر التى تلت الندوة –المرحلة الثالثة. إلى جانب إستيعاب الم -الل-الم ، تطوّر طريق براشندا فى سيرورة الدفاع عنها و تطبيقها و تطويرها و يحمل هذا المفهوم كذلك دلالة عالمية خاصّة بالنظر إلى سيرورة تطوّر النظرية الثورية ".
و قد عدّد حزبكم مساهمات الرفيق براشندا فى حقل الإيديولوجيا و المادية التاريخية ، و الخطّ السياسي و العسكري و ما إلى ذلك. لكن بعد التعمّق فى وثائق و كتابات قادة الح الش الن الم (ال) ، لا يزال من غير الواضح ما الذى تطوّر كشيئ جديد بالمعنى الحقيقي فى الصياغات التى قام بها الرفيق براشندا فى هذه الحقول.
بإسم التطبيق الخلاّق للم-الل-الم على الظروف الملموسة للنيبال و مزيد تطوير و إثراء النظرية الم-الل-الم " فى ظروف القرن 21" ، فإن حزبكم و قائده ، الرفيق براشندا ، قدّموا عدّة صياغات تنكر التعاليم الجوهرية للرفيق لينين و للرفيق ماو. و قد برّرتم هذا بالتأكيد تكرارا بأنّ الدغمائية صارت العائق الأساسي أمام تقدّم الثورات فى العالم المعاصر. مثلا كتب الرفيق باسنتا ، عضو اللجنة المركزية :
" يعتقد حزبنا ، فى ظلّ قيادة رئيس الحزب الرفيق براشندا ، بأنّ تحليل الإمبريالية من طرف لينين و ماو فى القرن ال20 لا يمكن أن يرشد عمليّا الثوريين الماويين فى تطوير صحيح للإستراتيجيا و التكتيك للقتال فى القرن21" ( "البعد العالمي لطريق براشند" ، "العامل" عدد10 ، صفحة 84).
و تمضى وثيقة إجتماع لجنتكم المركزية فى نوفمبر 2005 ، فى بيان كيف أنّ الإمبريالية المعولمة قد جعلت من بعض تحاليل لينين و ماو متقادمة و يعنى ذلك أنّها صارت غير صالحة و غير فعّالة. يقول: " ... و مقدّمة هامّة هي أنّ الإمبريالية المعولمة جعلت من بعض تحاليل لينين و ماو للإستراتيجيا الإمبريالية والحركة البروليتارية متقادمة شأنها فى ذلك شأن عدد من تحاليل ماركس و إنجلز للثورة فى أوروبا التى أضحت متقادمة فى وضع فيه تطوّرت الإمبريالية إلى الحرب العالمية الأولى..." .
لكن كيف صارت تحاليل لينين و ماو لإستراتيجيا الإمبريالية و الثورة البروليتارية متقادمة غير واضح. فلا وجود ، إضافة لبعض الكلام المنمّق، لتعليل أو تحليل من جانب الح الش الن (الم) يبيّن عدم صلوحية تحاليل لينين و ماو أو كيف أنّ تجارب القرن 20 لا يمكن أن ترشد علميا الثوريين الماويين للتطوير الصحيح للإستراتيجيا و التكتيك للقتال فى القرن 21.
و بعد مشاهدة الإزدهار التام لمفهوم طريق براشندا ، بات أمرا واضحا الآن للثوريين الماويين فى كافة أنحاء العالم أن لينين صار فعلا عائقا أمام براشندا و الح الش الن (الم) و تكريس صياغتهم الإصلاحية و الإنتهازية اليمينية. كانوا فى حاجة إلى التخلّص من المفهوم اللينيني للدولة و الثورة و الإمبريالية و الثورة البروليتارية. كانوا فى حاجة إلى الإطاحة بنظرية ماو عن الديمقراطية الجديدة و مرحلتي الثورة فى البلدان شبه المستعمرة شبه الإقطاعية و تعويض طريق حرب الشعب الطويلة الأمد بالمزج الإنتقائي أو المزج بين حرب الشعب و الإنتفاضة ، و فى النهاية إنتهاج ذات الخطّ التحريفي القديم الذى وضعه الحزب الشيوعي السوفياتي فى ظلّ خروتشاف الذى ضدّه كافح الرفيق ماو بلا هوادة. و فى النهاية أمسى طريق براشندا نظرية تنكر التعاليم الجوهرية للينين و ماو و جوهر طريق براشندا يتكشف غير مخالف لأطروحة الإنتقال السلمي لخروتشاف.
بصدد الأممية البروليتارية :
و يكمن إنحراف جدّي آخر لدى قيادة الح الش الن الم (الم) فى تخلّيه عن مبدأ الأممية البروليتارية، تنسيقية الأحزاب والمنظمات الماوية لجنوب آسيا و النضال ضد التوسعية الهندية و الإمبريالية الأمريكية ، متبنيا مقاربة قومية ضيقة و براغماتية محضة فى التعاطى مع البلدان و الأحزاب الأخرى. لا يمكن أن نصف هذا الإتجاه إلاّ بمقاربة الكمبرادوريين بلبوس قومية. و يحجب الرفيق براشندا المضمون الطبقي و الأفق الطبقي و يمزج بين الديمقراطية البرجوازية و الديمقراطية الشعبية و يبرّر كلّ التحالفات الإنتهازية على أنّها فى مصلحة النيبال، دون الإشارة إلى الإنقسامات الطبقية و الحكم الطبقي داخل البلاد. حينما يكون أي تكتيك مطلّقا عن هدفنا الإستراتيجي للثورة الديمقراطية الجديدة ينتهى إلى الإنتهازية.
وهذا يتناقض مع مبدأ الأممية البروليتارية كما إرتآه معلّمونا الماركسيون الكبار وهو مناف للإيديولوجيا الم- الل-الم . و هذا الموقف لن يدافع عن بل بالأحرى سيضرّ بمصالح الجماهير النيبالية ، و يقوّض السيادة النيبالية و على المدى الطويل، سيخلق أوهاما عن الأحزاب الرجعية فى النيبال، و التوسعية الهندية خارجها. إنّه يحدّد الحاجة إلى نضال موحّد للأحزاب الماركسية-اللينينية عبر العالم ضد الإمبريالية ، لا سيما الإمبريالية الأمريكية.
و المفاجئ هو أنّ براشندا ذاته الذى تحدّث عن الفيدرالية السوفياتية لجنوب آسيا نهاجم ستالين متهما إيّاه بسلوك قومي ضيّق بربط مصالح البروليتاريا العالمية بالمصالح الروسية ،و الحال أن كلّ ما قاله براشندا عن ستالين الآن ينطبق عليه سياساته إثر توليه السلطة عبر الإنتخابات.
وإنها لمفارقة كبرى أن حكومة مفترضة تحت قيادة ماوية لم تتجرّأ حتى على قطع علاقاتها مع الدولة الإرهابية الإسرائيلية الصهيونية لا سيما بعد عدوانها الهمجي الواضح على غزّة و إرتكاب مجازر فى حقّ مئات الفلسطينيين فى حين أنّ حكومات كتلك فى فينيزويلا و بوليفيا تجاسرت على ذلك. و حتى أكثر قرفا هي الطريقة التى حاولت من خلالها قيادة الح الش الن الم (الم) الدخول فى الكتب الجيدة للإمبرياليين الأمريكان. سعيا لنيل الحظوة بالتملّق من الإمبرياليين الأمريكيين ، أكّد قسما من قيادة الح الش الن الم (الم) على أنّه سيتخلّص من "ذيل" الماوي فى إسم حزبها. ينبغى على كافة حزبكم أن يفكّر فى أنّ هذا هو الوقت المناسب لكم لتتخذوا موقفا صريحا مناهضا للإمبريالية و مناهضا للتوسعية الهندية و يعمل على صياغة علاقات عمل وثيقة مع القوى الثورية و التقدّمية الأخرى عالميا لإضعاف الإمبريالية و القوى الرجعية.
فقط عبر صراع صارم ضد الخطّ التحريفي المتبع من قبل قيادة الح الش الن الم (الم) يمكن لخطّ ثوري أن يتركّز من جديد و أن يمضي بالثورة النيبالية إلى نهايتها.
إنّ النقص فى القناعة بالإيديولوجيا الم –الل-الم ، و مفهوم الإنتصار السريع و الإنتقائية بالنظر لطريق الثورة فى النيبال الذى يبرز من عدّة نجاحات فى حرب الشعب، و تقدير خاطئ لتأثير التغييرات على العالم المعاصر، تؤدّى إلى إستنتاج أن تغيرا نوعيا حصُل فى طبيعة عصر الإمبريالية و الثورة البروليتارية ، و نقص فى النظرة الإستراتيجية لتغيير الهزائم المؤقتة فى بضعة معارك إلى إنتصارات فى الحرب ككلّ ، أفضى إلى إعراج شديد و إنزلاقه إلى الإنتهازية اليمينية. و النقطة المنعرج فى حرب الشعب فى النيبال حصلت عندما أخفق جيش التحرير الشعبي بقيادة الح الش الن (الم) فى تحطيم حصون العدوّ و مُني بخسائر جدّية فى النصف الثاني من 2005.
لقد قرّر ( الإجتماع العام للجنة المركزية فى 2005) أن إستراتيجيا حرب الشعب الطويلة الأمد ذاتها تحتاج إلى مزيد التطوير لتلبية حاجيات القرن21. بصفة خاصة ، طوال عقود عديدة لوحظ أنّ حرب الشعب الطويلة الأمد المنطلقة فى عديد البلدان واجهت حواجزا أو ٍسُحقت إثر بلوغها مرحلة الهجوم الإستراتيجي ، بما أن الإمبريالية قد حاولت أن تلطّف تدخلها و حربها الإستراتيجية المناهضة للثورة بجعلها "حربا طويلة". و فى هذا السياق، إذا تشبّث الثوريون ميكانيكيا بالطابع " الطويل الأمد" لحرب الشعب مهما كان الثمن ، سيلعبون جوهريا فى مجال الإمبريالية و الرجعية " "العامل" عدد 10، صفحة 58).
و هكذا يكمن سبب الورطة الراهنة للح الش الن الم (الم) و تغييره لإستراتيجيا و طريق الثورة فى تقلّب فى تبنيه للخطّ السياسي و لطريق حرب الشعب الطويلة الأمد المعلنة فى وثائقه الأساسية ذاتها. فى حين أنّه صاغ بصورة صحيحة المرحلة الراهنة من الثورة فى النيبال و إستراتيجيا و طريق الثورة فى وثائقه المؤسسة ، فإنّه نزع إلى الإرتباك بصدد الإستراتيجيا بعد إنطلاق حرب الشعب بخمس سنوات.
فاقت سلسلة الإنتصارات فى السنوات الأولى من حرب الشعب توقعات حتى قادة الحزب. و قد خلقت هذه الإنتصارات تفكيرا خاطئا لدى قيادة الحزب بأن الإنتصارالنهائي يمكن أن يتحقق بسرعة، وعوض التبنّى بصلابة لإستراتيجيا حرب الشعب الطويلة الأمد التى حقّقت هذه الإنتصارات ، بدأت تتطوّر نظريات جديدة مثل نظرية المزج و طفقت تتطوّرإستراتيجيا جديدة ليس فقط للثورة فى النيبال بل كذلك للثورة العالمية. فى البدء ، كان يُتوقّع أن تفتك كتمندو فى فترة قصيرة دون تقدير سليم للدعم الذى يمكن أن تحصل عليه الطبقات الحاكمة النيبالية بقيادة الملك من الإمبرياليين و التوسعيين الهنود و كذلك المبالغة فى فهم التناقضات بين الإمبرياليين و البلدان الكبرى مثل الصين و الهند.
جاء فى الوثيقة المعنونة" الوضع الراهن و مهامنا" التى قدّمها الرفيق براشندا و التى صادقت عليها اللجنة المركزية للح الش الن (الم) فى ماي 2003 ، الموقف التالى:
" إن لم تساعد الإمبريالية العالمية، لا سيما الإمبريالية الأمريكية ، فى الظرف الراهن، الدولة القديمة مباشرة ، لكانت الثورة النيبالية قد تطوّرت الآن أكثر إلى الأمام بسهولة نسبية و نوعا ما مغايرة عبر إستعمال الفكر و الإستراتيجيا و التكتيك الملخّصين فى الندوة الوطنية الثانية التاريخية للحزب . فقد تأثّرت الثورة النيبالية بنشاطات الإمبريالية الأمريكية ، مثل دعم العناصر الإقطاعية الأكثر عنفا و فاشية من خلال مجزرة القصر سيئة الصيت لمهاجمة حرب الشعب النيبالية و تعزيز نشاطاتها التدخلية فى النيبال بإعلان ما يسمّى بالحرب ضد الإرهاب بعد حدث 11 سبتمبر. و بوسعنا بوضوح و عن تجربة قول إنّ الدولة الإقطاعية القديمة و جيشها الملكى إن لم يحصلا على تدخّل مباشر لمستشارين عسكريين أمريكان فى التخطيط و البناء و التدريب و القيادة فى فترة ما بعد "الطوارئ" و إن لم يحصلا على الدعم المالى و العسكري من القوى الرجعية الأجنبية بما فى ذلك أمريكا، فإنّ الدولة الإقطاعية الفاسدة فى النيبال ما كانت لتتمتّع بفرصة البقاء قيد الحياة فى وجه حرب الشعب إلى اليوم".
و فى لقاء صحفي مع التايمز الهندية ، فى سبتمر2005 ، قال الرفيق براشندا إنّ حزبه كان سيكون " قد إفتكّ كتمندو الآن إن لم تمدّ بلدان مثل الولايات المتحدة و الهند و المملكة المتحدة يد العون للحكّام الإقطاعيين "الآيلين للسقوط" فى النيبال".
أليس تفكيرا متفائلا من قبل الح الش الن الم (الم) و الرفيق براشندا أن يتوقّع أن تتمكّن الثورة فى النيبال من أن تنتصر دون قتال التدخّل الإمبريالي؟ التدخّل فى الشؤون الداخلية لكلّ بلاد هو ذات جوهر و طبيعة الإمبريالية. و حتى تصوّر أنّه بإمكانهم أن يحقّقوا بسرعة النصر لو لم تقدّم بلدان أخرى دعما عسكريا للحكّام الإقطاعيين "الآيلين للسقوط" فى النيبال يطفح رومانسية.
هكذا ، نظرا لكافة هذه العوامل ليس ذلك إلاّ طبيعيا فى سيرورة أية ثورة ، وصارت حرب الشعب فى النيبال عالقة فى مرحلة التوازن الإستراتيجي رغم الإنتصارات الهائلة و تشكيل أجهزة سلطة ثورية فى الريف الواسع. و بالرغم من تصريحه بأنّه دخل مرحلة الهجوم المضاد الإستراتيجي فى أوت 2004 و قد طبّق بنجاح المخطّط الأوّل للهجوم المضاد ، وقد لخّص ذلك فى السنة الموالية ، فإنه أدرك أنّه من غير الممكن إفتكاك المراكز المدينية و كتمندو فى المستقبل المنظور. تقديره لإنتصار سريع لم يكن قابلا للتطبيق. و فيما كانت له السيطرة على الريف الممتدّ الأطراف فإنّه لم يكن قادرا على تنظيم إنتفاضة مسلّحة عامة أو تطبيق نظريته لمزج إستراتيجيا النموذج الروسي للإنتفاضة المسلّحة و إستراتيجيا النموذج الصيني لحرب الشعب الطويلة الأمد أو ما يسمّى نظرية المزج؟ لم يستطع المجلس الشعبي الثوري المتحد (يو ر ب س ) الذى شكله الح الش الن (الم) مبكّرا فى سبتمبر 2001 ،تركيز نفسه كجهاز لسلطة الشعب الديمقراطية الجديدة على المستوى المركزي و لم يكن يبدو أنّه كان سيتمكّن من ذلك فى المستقبل المنظور.
إنحراف الح الش الن (الم) عن مفهوم حرب الشعب الطويلة الأمد و التوق إلى نصر سريع لم يسمح له بالتفكير فى تفكيك أوصال العدوّ فى حرب لا هوادة فيها ، مراكما مزيدا من القوّة الخاصّة ، و مقيما إستعدادات طويلة الأمد لإلحاق الهزيمة بالعدوّ و تحطيم آلة الدولة فى الوقت المناسب. لقد فكّر عن خطإ أنّه بقدر ما تطول الحرب بقدر ما يغدو الوضع أصعب و غير موات للقوى الثورية بما أنّ القوى الرجعية و الجيوش الإمبريالية و الهند تنزع إلى التدخّل عسكريا .
شرع الح الش الن (الم ) فى الشكّ فى آفاق الإنتصار فى بلد صغير مثل النيبال عندما واجهته الإمبريالية و لم يوجد أي تقدّم لأية حركة ثورية قوية فى أجزاء أخرى من العالم.
" فى اللحظة الحالية، فى زمن ، إضافة لإعادة تركيز الرأسمالية فى الصين لا وجود لأية دولة إشتراكية أخرى ، فى زمن رغم تحوّل الظروف الموضوعية إلى ظروف مواتية أكثر راهنا ، لا وجود لتقدّم فى أية حركة ثورية قويّة فى ظلّ قيادة البروليتاريا ، و فى زمن تثب فيه الإمبريالية العالمية على الناس فى كلّ مكان كالنمر الجريح، هل من الممكن لبلد صغير ذى وضع جغراسياسي خاص مثل النيبال أن يحقّق الإنتصار إلى درجة إفتكاك الدولة المركزية عبر الثورة ؟ هذا أهمّ سؤال ذو دلالة مطروح على الحزب اليوم. و جواب هذا السؤال قد يوجد فقط فى الما-الل-الم و بهذا يرتهن مستقبل الثورة النيبالية ".
لئن كان لدى الح الش الن (الم) فهم عميق و شامل لإستراتيجيا حرب الشعب الطويلة الأمد ، فإنه كان سيتمكّن من الوضوح المناسب حول كيفية التعاطى مع الوضع فى حال تدخّل عسكري خارجي و تحويل الحرب الأهلية إلى حرب وطنية و إفتكاك سلطة الدولة فى خضمّ الحرب. بيد أنّ هكذا فهم لحرب الشعب الطويلة الأمد و رغبته فى إنتصار سريع أدّيا به إلى منهج الطريق المختصر العالي الخطورة لبلوغ السلطة عبر حكومة إنتقالية و المساهمة فى إنتخابات ما يسمّى بالجمهورية الديمقراطية المتعدّدة الأحزاب إثر إنتخابات المجلس التأسيسي. و من هنا ، عوض تبنّى الفهم الماركسي-اللينيني للضرورة التى لا مفرّ منها ألا وهي تحطيم الدولة القديمة و إرساء دولة بروليتارية ( دولة الديمقراطية الشعبية فى الأوضاع الملموسة للنيبال شبه الإقطاعية شبه المستعمرة) و التقدّم بإتجاه هدف الإشتراكية عبر التحويل الراديكالي للمجتمع و كافة العلاقات الطبقية و الإضطهادية ، إختار إصلاح الدولة القائمة عبر مجلس تأسيسي منتخب و جمهورية ديمقراطية برجوازية. و هذه فعلا مأساة كبرى لكونه بلغ هذا الموقف رغم إمتلاكه بالفعل السلطة فى غالبية الريف.
و ينعكس الإستنتاج الخاص بإنعدام إمكانية تحقيق الظفر للثورة عبر الكفاح المسلّح ، بوضوح فى إجابة براشندا على سؤال لمراسل "الهندوسي" فى لقائه الصحفي مع الرفيق براشندا فى فيفري 2006. حينما سُئل إذا كان القرار يمثّل إعترافا للح الش الن (الم) ب" إنعدام إمكانية إفتكاك السلطة عبر الكفاح المسلّح" و أنّه "نظرا لقوّة الجيش الملكي النيبالي و معارضة المجتمع الدولى ، يحتاج إلى شكل جديد من النضال لأجل الإطاحة بالنظام الملكي " ، جاء ردّ الرفيق براشندا بأنّ حزبه أخذ أشياء ثلاث بعين الإعتبار لتوصّله إلى هذا الإستنتاج : خصوصية ميزان القوى السياسي و العسكري فى عالم اليوم، و تجربة القرن العشرين و الوضع الخاص فى البلاد- ميزان القوى الطبقي و السياسي".
و فى مقال أشرتم عن حقّ إلى التفكير الإصلاحي فى الحركة الشيوعية النيبالية بالكلمات التالية :
" فى الحركة الشيوعية النيبالية ، ساد تفكير يميني يقبل بالديمقراطية الجديدة كإستراتيجيا لكنّه يتبع الإصلاحية و البرلمانية كتكتيك، و يضحّى بمجمل الإستراتيجيا من أجل كسب تكتيكي عملي و ينظر إلى الإستراتيجيا و التكتيك على أنهما متنافيان. ضد هذا النوع من التفكير ، ينبغى أن نعير إنتباها خاصا لفهم العلاقات بين الإستراتيجيا و التكتيك بطريقة جدلية و نتبنّى التكتيكات التى تساعد على بلوغ الإستراتيجيا".
و الآن بات حزبكم ذاته ضحية هكذا تفكير يميني بالقبول بالديمقراطية الجديدة فى الكلام فقط لكنّه يتبع الإصلاحية و البرلمانية فى تكتيكاته الملموسة.
و مهما كانت التكتيكات التى يتوخاها الح الش الن الم (الم) فإنّ أكثر ما يمكن معارضته هو إعتباركم لهذه التكتيكات موقفا نظريا متقدّما تعتقدون أنّه يجب أن يكون نموذجا للثورة فى القرن 21 . و تعتبرون أنّ الإيديولوجيا التى طوّرها لينين و ماو فى المرحلة الأولى من الإمبرايلة العالمية و الثورة البروليتارية ، صارت غير مناسبة و متخلّفة عن مرحلة الإمبريالية الحالية. و بالتالى تدّعون أن " المسألة الأساسية هي تطوير الم-الل-الم- فى القرن 21 و تحديد إستراتيجيا بروليتارية جديدة ".
لكن ما الجديد فى ما يسمّى تكتيكات جديدة يقترحها الح الش الن الم (الم)؟ فيما تختلف عن الحجج التى قدّمتها الزمرة الخروتشوفية فى الإتحاد السوفياتي إثر وفاة الرفيق ستالين؟ بإسم النضال ضد الدغمائية أو الشيوعية الأرتودكسية ، سقطت قيادة الح الش الن (الم) فى الخطّ الإنتهازي اليميني.
أيّها الرفاق!
يمرّ العالم بأسره اليوم بأسوء أزمة إقتصادية شهدها أبدا منذ الإنهيار الكبير فى الثلاثينات. مع الإمبريالية الأمريكية كمركز ، كلّ بلد فى العالم مدفوع إلى الأزمة ممّا يهدّد بإندلاع إنفجارات إجتماعية و سياسية. فى وضع ممتاز كهذا، بوسع القوى الثورية الماوية فى كلّ بلد أن تنمّي قوّتها بالإستعمال السليم للوضع الموضوعي المواتى الذى توجده الأزمة و أن تحقّق تقدّما كبيرا فى الثورات كلّ فى بلاده. بيد أن للأسف قيادة الحزب الماوي فى النيبال قد إختارت أن تعقد إتفاقية مع القوى الرجعية المعادية للشعب فى البلاد و شكّلت حكومة لا يمكن بأي حال أن تعالج أيا من المشاكل الأساسية التى تواجه الشعب النيبالي أو إنجاز البرنامج الأساسي للديمقراطية الجديدة و الإشتراكية. لقد قاد بعدُ هذا الطريق السلمي للرفيق براشندا الحزب و جيش التحرير الشعبي إلى نفق مظلم.
تناشد لجنتنا المركزية قيادة و قواعد الح الش الن الم (الم) أن يقوموا بمراجعة عميقة للخطّ الإصلاحي الخاطئ الذى إتبعه الحزب منذ عقده تحالفا مع السبعة أحزاب البرلمانية ، و مشاركته فى الحكومة الإنتقالية ، و مشاركته فى إنتخابات المجلس التأسيسي ، و تشكيله حكومة مع الأحزاب الكمبرادورية-الإقطاعية و تخلّيه عن قواعد الإرتكاز و حلّ جيش التحرير الشعبي و رابطة الشباب الشيوعي ، و إنحرافه عن مبدأ الأممية البروليتارية و تبنّيه لسياسة تهدئة تجاه الإمبريالية و التوسعية الهندية. كلّ هذا يمثّل إنحرافا جدّيا عن الم-الل-الم و لا يعمل إلاّ على تعزيز القوى المدافعة عن الوضع السائد و يساعد الإمبريالية فى أزمتها الراهنة. و قد نجم عن كلّ ذلك إرتباكا فى صفوف الجماهير الثورية و أضعف المعسكر الثوري ووفّر للقوى الرجعية هراوة لتهاجم الثوريين الماويين و الشيوعية إيديولوجيا.
كان إنتصارا ماويا فى النيبال ، أو على الأقلّ مزيد تعزيز قواعد الإرتكاز الممتدّة فى ذلك البلد، سيفرز وضعا جديدا فى جنوب آسيا ، كما كان تقدّم الديمقراطية الجديدة فى النيبال نحو الإشتراكية سيضحى نقطة جذب ، نقطة توحيد للقوى الثورية فى المنطقة و كذلك كافة القوى المعادية للإمبريالية، الوطنية و الديمقراطية حقيقة. و كان سيلعب دورا له دلالته على الجبهة العالمية ضد الإمبريالية و يدعم نضالات التحرّر الوطني و النضالات الثورية و من ثمّة يوطّد قضية الثورة الإشتراكية العالمية.
لقد تابعت لجنتنا المركزية قرارات الندوة الوطنية فى نوفمبر 2008 و درست الوثيقتين المقدّمتين من قبل الرفيق برشندا و الرفيق موهان بايديا و كتابات جمّة لقيادات حزبكم فى المجلات و الجرائد الجديدة. و فيما الصراع الداخلي للحزب علامة مشجّعة و تطوّر إيجابي فى حياة الحزب، من المهمّ و الحيوي للغاية ضمان أن يخاض بأشمل و أصرح طريقة كيما يطلق العنان لكافة كوادر الحزب و يعاد تركيز خطّ ثوري صحيح من خلال المشاركة الجماعية للحزب جميعه.
و الآن و قد سقطت الحكومة التى يترأسها الرفيق براشندا إثر سحب الح الش الن الموحّد (الماركسي-اللينيني) و آخرون مساندتهم بناء على أمر من الطبقات الحاكمة للهند و الإمبرياليين الأمريكان و الرجعيين المحلّيين ، يتعيّن على قيادة الحزب أن تكون فى موقع أفضل لفهم كيف يمكن للرجعيين أن يتحكّموا فى مسار الأحداث من الكواليس أو من خارجها و يعطّلوا حتى تحرّكات كعزل قائد الجيش من قبل الوزير الأوّل. و هذا تحذير جلي لماويي النيبال بأنّه ليس بمقدورهم القيام بأي شيئ يرغبون فيه من خلال حكومتهم المنتخبة ضد إرادة الإمبرياليين والتوسعيين الهنود.
على الأقلّ عليهم إدراك عبثية الدخول فى لعبة الإنتخابات و عليهم بدلا من ذلك أن يركّزوا على بناء صراع طبقي و التقدّم بحرب الشعب فى الريف. عليهم أن يخرجوا جيش التحرير الشعبي من الثكنات التى تشرف عليها الأمم المتحدة التى هي بمثابة سجون للمقاتلين ، و أن يعيدوا بناء أجهزة السلطة الشعبية الثورية على عديد المستويات و أن يستعيدوا و يعزّزوا قواعد الإرتكاز و أن يوسّعوا حرب الأنصار، و النضالات الطبقية و الجماهيرية عبر البلاد. لا وجود لطريق مختصر لإفتكاك السلطة الفعلية لصالح الشعب. لئن تردّدت قيادة الحزب فى مواصلة حرب الشعب فى هذا الظرف التاريخي الحرج و إستمرّت فى الخطّ الإنتهازي اليميني الحالي فإنّ التاريخ سيحمّل القيادة الراهنة مسؤولية إجهاض الثورة فى النيبال.
خلاصة القول ، يرى حزبنا أنّه رغم أن للح الش الن الم (الم) تقاليدا ثورية عظيمة ، فإنه يتخلّى الآن عن قواعد الإرتكاز و ينزع سلاح الجيش الشعبي ، و يستبعد طريق حرب الشعب الطويلة الأمد و يتبنّى الطريق البرلماني و تتبع قيادة هذا الحزب العظيم خطّا سياسيا مناهضا للمبادئ الأساسية للم –الل-الم وهو جوهريا ليس إلاّ خطّا إنتهازيا يمينيا و تحريفيا .
أيها الرفاق ،
لحزبكم تقاليد ثورية كبيرة و عظيمة. و الجماهير المضطهَدة فى الهند و فى كافة جنوب آسيا قد الهمتهم إلى درجة كبيرة القفزات التارخية فى حرب الشعب و إرساء قواعد إرتكاز فى أجزاء شاسعة من بلادكم. حينما بلغت حركتكم الثورية مرحلة الهجوم الإستراتيجي كان كلّ المعسكر الثوري متشوّقا لمزيد من الخطوات العملاقة تجاه إفتكاك السلطة و تركيز دولة ديمقراطية جديدة حقيقية. لكن ، للأسف ، فى هذا الظرف الحيوي ، شرعت قيادة حزبكم بالإنحراف عن مبادئ الم-الل-الم و إنطلقت فى طريق التسوية مع الطبقات الحاكمة لبلادكم و التوسعيين الهنود. شيئا فشيئا أخذ حزبكم فى إتباع لا شيئ سوى طريق تحريفي و سلم طبقية ضاربا عرض الحائط بالإنجازات التاريخية لحرب الشعب الطويلة الأمد التى خضتموها و خائنا التضحيات الجسام التى قدّمها 13 ألف شهيد بطل ضحّوا بحياتهم الثمينة من أجل الثورة فى النيبال.
نظرا للتقاليد الثورية العظيمة لحزبكم ، نحن واثقون من أنّكم ستخرجون من هذه الهوّة السحيقة التى إليها دفعتكم قيادة حزبكم، و أنّكم ستتجاوزون هذه المواقف التحريفية و تمارسون و تمسكون مجدّدا بصلابة بمبادئ الما-الل-الم و تطبّقوها بشكل خلاّق على الظروف الملموسة لبلادكم، و تعيدوا بناء قواعد إرتكازكم و أجهزة السلطة الثورية. و عليه بالتخلّص من هذه الخطوط و الممارسات الخاطئة ، نحن واثقون من أنكم ستعيدون بناء العلاقات الأخوية مع القوى الم-الل-الم الحقيقية حول العالم ، لا سيما فى الهند، و تتقدّموا فى خطوات كبرى نحو تركيز دولة ديمقراطية جديدة كخطوة أولى نحو الإشتراكية و الشيوعية. فى تقدّمه التاريخي يؤكّد لكم حزبنا و لجنته المركزية كلّ الدعم بروح الأممية البروليتارية حقّا. و فى هذا الإطار، نشعر بالحاجة الكبرى للتذكير بالشعارات الأساسية للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى : لا تنسوا الصراع الطبقي ، ناضلوا ضد الأنانية ، إدحضوا التحريفية، مارسوا الماركسية و ليس التحريفية.
لبلدينا و شعبينا علاقات تاريخية و ثقافية ، و لدينا معا عدوّ مشترك هو التوسّعية الهندية. كانت لحزبينا ، عبر عديد المراحل من المدّ و الجزر، علاقات وثيقة لعقود و شكّلنا معا حتى جبهات مشتركة مثل تنسيقية الأحزاب و المنظّمات الماوية لجنوب آسيا. إنّنا واثقون بأنّ هذا سيساعد فى تعزيز لحمة حزبينا على أسس مبدئية. لتقدّم الثورة فى بلدكم صلة هامة بتقدّم الثورة فى الهند. و نحن واثقون أنكم ستتعلّمون من تجاربكم الماضية و ستحقّقون قفزات كبرى إلى الأمام.
مع تحياتنا الثورية ، المكتب السياسي للحزب الشيوعي الهندي (الماوي )
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
6- ملاحق :

ملحق 1 :
حول طرد الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) من الحركة الأممية الثورية.
(الأشهر الأولى من 1998 – نشر فى مجلّة "عالم نربحه" )
" فى 26 ديسمبر 1993، بمناسبة مئوية ماو تسى تونغ ، أنجزت الحركة الأممية الثورية خطوة تاريخية بتبنيها الماركسية-اللينينية-الماوية إيديولجيا لها. وقد إتخذت هذا القرار إثر نقاش داخلي طويل و مرير لعدّة سنوات. وفى أثناء النقاش، عارض الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) بصفة متكرّرة و صريحة موقف حركتنا هذا .( "رسالة من لجنة الحركة الأممية الثورية إلى الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) "،1996)
" عند تبنّى وثيقة لتحي الماركسية-اللينينية –الماوية ! تمّ نقاش ما إذا كان على الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) أن يبقى أم لا منخرطا فى الحركة الأممية الثورية. بتأكيدهم لنا أنّ حزبهم سيراجع موقفه و أنّه سيناقش الموقف الذى تبنته الحركة، قُرّر إعطاء الوقت الكافي لهذه المراجعة للموقف و لنقاش أوسع". [الرسالة المذكورة أعلاه] .و لقد مضت الآن أكثر من ثلاث سنوات منذ تبنّي الماركسية-اللينينية-الماوية ، سنوات لها أهمّية حيوية بالنسبة للحركة الشيوعية النيبالية ذلك أنّ نضالا بلغ النضج فى ديسمبر 1993 أعطى أُكله فى شكل إنطلاق الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) فى حرب الشعب . هذا من جهة و من جهة أخرى، تمادى الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال ) فى إنكار الماوية كمرحلة ثالثة و أرقى فى تطوّر علمنا و عارض حرب الشعب. لكن إختلافات حركتنا مع الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) لا تقتصر على معارضته لحرب الشعب، بالأحرى معارضته هذه مظهر و إفراز حتميّ لمسيرته الإنتهازية التى سار فيها منذ فترة. وفى الظرف الحالي الذى فيه ترسم حرب الشعب تمايزا فى الحقل السياسي بالنيبال، من المهمّ أن تنتهي هذه الفترة من الصراع بين حركتنا و الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال).
حول العصر:
يقدّم الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال ) تعليلا جوهريا بالنسبة له ضد الماركسية-اللينينية -الماوية وهو أنّ اللينينية هي ماركسية عصر الإمبريالية و أنّه بإعتبار أنّ العصر لم يتغيّر، فإن الحديث عن الماركسية-اللينينية-الماوية كمرحلة جديدة و أرقى فى علمنا يعدّ تنكّر للينينية. حسب الحزب الشيوعي النيبالي(ماشال) " كلّ الأحزاب السياسية التى تساند المفهوم المغلوط للماوية تسلّم بأنّ العصر الحالي هو عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية. غير أنّ لا أحد منها يعالج المسألة الحسّاسة لعصر لينين". و " ومفهوم الماوية كمرحلة ثالثة يفترض بوضوح أنّ اللينينية ... قد وقع تعويضها أو إحلال الماوية محلّها"[ "حول الماوية "، قرار للجنة التنظيمية المركزية للحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) ، 9، 92) .
يخلط الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) بين عصر التطوّر الإجتماعي و مراحل تطوّر علمنا. فالماركسية-اللينينية-الماوية علم الثورة علم حيّ فى تطوّر. وفى سيرورة المسك به ، يتعلّم الشيوعيون أكثر فأكثر عن المجتمع و الطبقات و حركيتها و إذا ما أرادوا البقاء فى طليعة النضال الثوري ، عليهم أن يطوّروا نظريتهم حتّى تتناسب و المعارف الجديدة المتحصّل عليها من خلال الممارسة. إضافة إلى ذلك ، فالأوضاع تتغيّر و تظهر تناقضات جديدة ، تناقضات لم تكن لقادة سابقين معرفة بها و لذلك لم يتمكّنوا من أن يطوّروا طرقا للتعاطى معها. إنّ إنكار ضرورة التطوير المستمرّ للعلم ( الذى يحدث ، مثل كلّ تقدّم، قفزات ووثبات ، سيحوّله من سلاح قاطع بتّار إلى دوغما غير مفيد أو حتى إلى عائق فى تناول تعقيدات الصراع الطبقي.
إعتبار أنّ اللينينية تشمل كلّ تناقضات مرحلة الإمبريالية و بناء الإشتراكية هو وضع الواقع جنبا و تعويضه بأفكار مسبّقة فى رأس إنسان ما. و ينبع هذا من مفاهيم شكلية و ليس من تقدّم مادي و فى النهاية ، تنعت أحداث خطيرة بأنها تافهة ويقال إنّها لا تتطلّب منّا جهودا أكبر للإرتقاء بفهمنا. هذه مثالية ذاتية و ليست لينينية.
و مثلما كتب ماو تسى تونغ فى " فى الممارسة العملية " ، " فقد كان من المستحيل على المرء أن يدرك مقدّما قوانين المجتمع الرأسمالي وهو يعيش فى المجتمع الإقطاعي إذ أنّ الرأسمالية لم تكن قد ظهرت بعدُ ، و لذلك فإنّ الممارسة العملية التى تتفق معها لم تكن قد وجدت أيضا. إنّ الماركسية لا يمكن أن تظهر إلى الوجود إلاّ كنتاج للمجتمع الرأسمالي. و لم يكن بمقدور ماركس ، فى عصر الرأسمالية الحرّة، أن يدرك مقدّما و بصورة محدّدة بعض القوانين الخاصة بعصر الإمبريالية ، إذ أنّ الإمبريالية -آخر مراحل الرأسمالية- لم تكن قد ظهرت بعد فكان فى إستطاعة لينين و ستالين وحدهما الإضطلاع بهذه المهمّة. إذا إستثنينا شرط العبقرية فإنّ السبب الرئيسي فى قدرة ماركس و إنجلز و لينين و ستالين على صياغة نظرياتهم يعود إلى مساهمتهم شخصيا فى ممارسة الصراع الطبقي و التجربة العلمية فى زمنهم . و لولا وجود هذا الشرط الأخير لما إستطاع أي عبقري أن يحرز النجاح".( "الأعمال المختارة" باللغة العربية ،مجلدّ1 ، صفحة 437-438).و منذ وفاة لينين، حصلت عدّة أحداث تاريخية فى العالم من بينها ثورة الديمقراطية الجديدة و حرب الشعب فى الصين و عقود البناء الإشتراكي فى الإتحاد السوفياتي و الصين و إعادة تركيز الرأسمالية فى الإتحاد السوفياتي و معركة الحيلولة دون إعادة تركيز الرأسمالية فى الصين و الثورة الثقافية و فى النهاية إعادة تركيز الرأسمالية فى الصين. هذه الأحداث طرحت مشاكلا جديدة و أعطت دفعا لمعارك لم يسبق لها مثيل فى النظرية و الممارسة، فضلا عن كونها فسحت المجال الخصب أمام تطوير إيديولوجيتنا إلى مرحلة أرقى نوعيّا ، الماركسية-اللينينية-الماوية و رفعت من قدرة الثوريين إلى مستوى أعلى نوعيّا فى النضال من أجل عالم دون إمبريالية و إضطهاد. إنّ الماوية تمثّل المستوى الأرقى للمعرفة على كافة الجبهات. دون ماوية سيبقى العصر الإمبريالي إلى الأبد.
و الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) يرى أنّ الماوية نفي للينينية غير أنّ هذا الحزب بإنكار العلاقة الجدلية بين الوجود و المعرفة و بالنظر إلى العالم من خلال وجهة النظر المثالية الذاتية ، يتبنّى فلسفة مغايرة لفلسفة ماو و أيضا مغايرة لفلسفة لينين وماركس.
و بناء عليه ، تعكس الإختلافات بين حركتنا و الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) حول المفردات إختلافات هامّة فى طريقة التعامل مع علم الثورة و تعكس وجهات نظر متعارضة حول مضمون مساهمات ماو فى المعرفة و الممارسة الثوريين.
نظرتان [مختلفتان] لمساهمات ماو:
فى إطار النقاش الإيديولوجي مع الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) ، فى 1993، كتبت لجنة الحركة الأممية الثورية رسالة وجّهتها إلى المؤتمر القادم لهذا الحزب . تلك الرسالة ، عند إشارتها إلى وثيقة الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) المعنونة "حول الماوية " قالت : " إنّكم تدافعون عن أنّ ماو قام بمساهمات عظيمة ذات أهمّية تاريخية فى ميادين الفلسفة والإقتصاد السياسي و الإشتراكية العلمية وفى بعض الفقرات تعدّدون بعض المساهمات. و بعد ذكر كلّ المساهمات تدخلون فى تفاصيل كيف أنّ لينين بعدُ قد توصّل إليها أو كيف أنّ ستالين حسّنها. وتؤكد وثيقتكم أنّ لينين كان أساس نظرية ماو حول ثورة الديمقراطية الجديدة. و عند تناول وثيقتكم فى مجملها، نجد أنّها تدافع رئيسيا ، فى الظاهر، عن مساهمات ماو محطّة منها ومحاججة أنّها مجرّد نتيجة لماركس و لينين و رئيسيا ستالين... و تعتمد حججكم على ... مفاهيم خاطئة و ضارة، مفاهيم أنّ ماو لم يضف شيئا جديدا نوعياّ لما قد طوّره بعدُ لينين... (و) أنّ مساهمات ماو تساوى مساهمات ستالين".
لننظر فى بعض العناصر الهامّة لهذا النقاش.
ثورة الديمقراطية الجديدة و إفتكاك السلطة:
فى وثيقتكم "حول الماوية " ، فى الباب المعنون ثورة الديمقراطية الجديدة ، و لو أنّه يتمّ الدفاع لفظا عن "المساهمة الخارقة للعادة لماو" فإن الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) يحطّ من قدرها بإستشهادات مطوّلة من لينين وستالين و الكومنترن و يقول:" لتقرير لينين [لمؤتمر الأممية الثالثة] أهمّية نظرية كبرى و مع مرور الوقت صار الأساس الجوهري ل "ثورة الديمقراطية الجديدة لماو ". و مثلما تشير رسالتنا لمؤتمر الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) : "... الطريق الذى خطّه لينين لروسيا الإمبريالية لم يكن من الممكن أن يكون نموذجا للبلدان مثل الصين... لقد فهم ستالين بصرامة أنّ الثورة الصينية لن تمرّ مباشرة إلى الإشتراكية و إنّما سيتعيّن عليها أوّلا أن تمرّ بمرحلة فيها ستكون المهام الوطنية و الديمقراطية ذات أولوية. و مع ذلك ، مثلما إعترف ستالين بذلك فى ما بعد ، كان على ماو أن يعارض أخطاء تفكير ستالين ليستطيع قيادة الثورة الصينية إلى الإنتصار. و ما حقّقه ماو بنظرية الثورة الديمقراطية الجديدة و ممارسة الثورة الصينية لم يتحقّق أبدا قبل ذلك". و إحدى أعظم مساهمات ماو أثناء الثورة الصينية كان " تطوير نظرية و ممارسة حرب الشعب، مسلحا البروليتاريا لأوّل مرّة بنظرية عسكرية كاملة خاصّة متفوّقة على نظرية الطبقات الأخرى. " ( رسالة لجنة الحركة الأممية الثورية لمؤتمر الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) ) .
إنّ الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) لا يفهم مطلقا هذه النقطة و مع إحتداد صراع الخطّين و لا سيما مع بداية حرب الشعب فى النيبال ، يطوّر أفكاره الخاصّة حول الحرب الثورية: " تقتضى الفلسفة الماركسية-اللينينية أن نحلّل دائما الوضع بصورة صحيحة و بالملموس و أن نقوم بتحليل تاريخي ، عندما نمعن النظر فى السياسة و البرامج و أشكال النضال" و " تدافع الفوضوية عن أن أخذ الوضع و الظروف بعين الإعتبار "معاد للثورة " و تشدّد على ضرورة دفع ال[نضال] الثوري فى كلّ الأوضاع. و المنهج الماركسي-اللينيني يؤكّد على لزوم القيام بالإعدادات الثورية أو بإعدادات دفع النضال الثوري. و فى الأخير ، يتبع الماركسيون –اللينينيون أشكالا مختلفة من النضال ، القانوني أو غير القانوني ، السلمي أوالمسلّح ،البرلماني أو غير البرلماني، المشاركة فى الإنتخابات أو مقاطعتها و فى نفس الوقت يقيّمون الوضع الذاتي و الموضوعي . بيد أنّ الفوضوية تستبعد مثل هذا المنهج الماركسي-اللينيني و تشير إلى ضرورة حثّ سياسة النضال الثوري فى كلّ الأوضاع..." ["حول مساندة الحركة الأممية الثورية للمسمّاة "حرب الشعب الماوية". م.ب سنغه ، قائد الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال)]. كما هو معلوم ، يحلّل الماويون الأوضاع الملموسة وإنطلاقهم فى حرب الشعب و مساندتهم لها يعتمدان كذلك على تحليل للوضع الموضوعي. إلاّ أنّ الماويين يحلّلون الوضع حسب مبادئ " بإستثناء السلطة ،كلّه أوهام"و "إنّ الإستيلاء على السلطة بواسطة القوّة المسلّحة و حسم الأمر عن طريق الحرب هو المهمّة المركزية للثورة و شكلها الأسمى". ( "مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ "(الكتاب الأحمر) باللغة العربية، "الحرب و السلم" ص 65).و بالعكس ، يخلط الذين فى قيادة الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال)بإنتقائيتهم كلّ أشكال النضال و يستبعدون الدفاع الراسخ للثوريين عن ضرورة الإطاحة المسلّحة بالدولة الرجعية. إنهم لم يلخصوا تجربة النضال ضد الدولة النيبالية و القمع المتكرّر للنضالات الشعبية و الآن تلتحق قيادة الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) ببوق الدعاية المثير للشفقة ، بوق الدعاية المناهض لحرب الشعب.
إنّ إنكار "القدرة الكلّية لحرب الشعب " و تقليص حرب الشعب إلى تكتيك فى البلدان المضطهَدة يمكن إستعماله "وفق الظروف" هو نهاية منطقية لعدم تبنّى الماركسية-اللينينية-الماوية كأرقى مرحلة فى علم الثورة جرى التوصّل إليها إلى حدّ الآن. موضوعياّ، حسب هذا الموقف ، ليست ثورة الديمقراطية الجديدة صالحة بإعتبار أنّه لا يمكن تحقيقها بالوسائل السلمية التى إرتآها الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال). إنّ الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) بعدُ على الطريق السريع للإنتهازية الصرفة إن لم يكن قد وصل إلى الهدف النهائي.
منذ مدّة ليست بالبعيدة ، ظهر خطّ إنتهازي يميني صلب الحزب الشيوعي



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماوية: نظرية و ممارسة - 6- - جمهورية إيران الإسلامية :مذاب ...
- الماوية : نظرية و ممارسة - 4 - - الثورة الماوية فى الصين : ح ...
- إلى الأمام على الطريق الذى خطه ماوتسى تونغ ( نص للحركة الأمم ...
- الصين : من تحرير المرأة إلى إستعبادها( فصل من كتاب -الثورة ا ...
- من الصين الإشتراكية إلى الصين الرأسمالية
- الماوية: نظرية و ممارسة 2 - عالم آخر، أفضل ضروري و ممكن، عال ...
- الماوية : نظرية و ممارسة 4 - الثورة الماوية فى الصين : حقائق ...
- الماوية: نظرية و ممارسة 3 - لندرس الثورة الماوية فى النيبال ...
- خرافات حول الماوية
- الماوية : نظرية و ممارسة 1 - علم الثورة البروليتارية العالمي ...
- حقيقة ماو تسي تونغ والثورة الشيوعية في الصين
- الثورة الماوية فى الهند


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - الماوية : نظرية و ممارسة - 5 - الثورة الماوية فى النيبال و صراع الخطين صلب الحركة الأممية الثورية