أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - عودة الروح للعرب بعد غياب طويل















المزيد.....

عودة الروح للعرب بعد غياب طويل


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 3293 - 2011 / 3 / 2 - 14:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



-1-
من بين الرسائل التي كان يبعثها الزعيم الهندي جواهر لال نهرو (1889-1964) إلى ابنته انديرا غاندي (1916- 1977) في الفترة (1930-1933) التي كان فيها مسجوناً يتنقل من سجن لآخر، والتي جُمعت كلها، وصدرت في كتاب تحت عنوان "لمحات من تاريخ العالم"، رسالة شرح فيها نهرو لابنته ما حصل في تاريخ الثورة الفرنسية. وهو شرح قريب جداً مما يحصل الآن في العالم العربي.
يقول نهرو في بداية رسالته تحت عنوان "سقوط الباستيل":
"داهمت الثورة الفرنسية أوروبا كالصاعقة." (ص74).
فما أشبه الأمس الفرنسي باليوم العربي. وكأن نهرو ما زال يعيش بيننا، ويكتب عن الثورة العربية الكبرى الجديدة، التي تجتاح العالم العربي الآن كالصاعقة.
ولكن هل كل الثورات في التاريخ البشري، تأتي هكذا كالصاعقة؟
ولماذا نشبت الثورة الفرنسية كالصاعقة، ولماذا أيضاً كانت الثورة العربية الكبرى الجديدة الآن كالصاعقة أيضاً؟
-2-
يصف نهرو، في رسالته لابنته انديرا حال أووربا، قبل وقوع الثورة الفرنسية بقوله:
"كانت أوروبا في ذلك الحين مرتعاً خصباً للمفسدين من الملوك والأباطرة، في عالم يسوده الترف والتبذير. ومن المدهش أن الذعر قد استولى على المنتفعين المترفين من ثورة الجياع، الذين كانوا قد وضعوهم في زاوية من زوايا النسيان، وأذاقوهم أنواع الظلم والطغيان."
وهذا ما حصل في العالم العربي تماماً، منذ نيل الاستقلال في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، وكان سبب "انتفاضة الجياع"، خلال النصف الثاني من القرن العشرين، ثم "ثورة الجياع"، في نهاية 2010 ، وبداية 2011.
-3-
هل كان نهرو عام 1930، يقرأ أسباب الثورة الفرنسية، أم كان يقرأ ما حصل في العالم العربي في نهاية عام 2010 في تونس، وبداية عام 2011 في مصر وليبيا؟
ثم لنر كيف تندلع الثورات، بما فيها الثورة الفرنسية، والأمريكية، والروسية، واليوم الثورة العربية الجديدة.
أليست أسبابها ومسبباتها واحدة: الفقر، والبطالة، والفساد، والظلم، والطغيان؟
إنها طبيعة واحدة. فهكذا تتم الثورات.
يقول نهرو:
"بركان الثورة، يثور كما تثور بقية البراكين بعد غليان وتفاعل، يجريان تحت سطح الأرض، مدى أجيال عديدة. ويظل ذلك الغليان حتى يضعف سطح الأرض، ولا يقوى على حبسه، فيشق له فوهة، ويقذف بحممه الملتهبة إلى عنان السماء. هكذا تتفاعل عناصر الثورة مدة طويلة، تحت سطح المجتمع."
وهذا ما شاهدناه ونشاهده في تونس، ومصر، وليبيا، اليوم.
أما الذين يتساءلون أسئلة ساذجة كأسئلة:
كيف صبر التونسيون على حكم زين العابدين مدة 23 سنة؟
وكيف صبر المصريون على حكم مبارك مدة 30 سنة؟
وكيف صبر الليبيون على حكم القذافي مدة 42 سنة؟
فعليهم أن يقرءوا التاريخ جيداً، ويتساءلون:
كيف صبر الفرنسيون على حكم لويس الخامس عشر (1715-1772) مدة 59 سنة من الظلم والطغيان؟
-4-
لقد سبق وقلنا، أن الثورات كالبراكين، لم يتم تكوين عناصرها خلال سنوات معدودات فقط، ولكنها تراكمات تاريخية، كانت تتفاعل تحت سطح المجتمع، لسنوات طويلة، ربما تمتد إلى مئات السنين، مثلها مثل تكون البراكين التي تحدث عنها نهرو، قبل قليل. وقد سبق أن قال توفيق الحكيم في روايته "عودة الروح" عام 1933:
"إن الشعب الذي تحسبه جاهلاً، ليعلم أشياء كثيرة، لكنه يعلمها بقلبه لا بعقله."
وقلب الشعب هنا، هو باطن الأرض حيث الغليان، والعقل هو القشرة الرفيعة التي ينفذ منها البركان. وعندما يصل الشعب إلى العقل والعقلانية، وينزع عنه شعور الخوف والرهبة من السلطة، يتم انفجار الثورة. وذلك هو ما حصل حتى الآن في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن.
أما سكون باقي أنحاء العالم العربي حتى الآن، فمرده لا إلى أن العدالة والمساواة والحرية، قد تحققت في هذه البلدان، ولكن لأن براكين النقمة، والثورة على الظلم والطغيان والفساد، التي تغلي تحت سطح المجتمع، لم تجد بعد الطبقة الرقيقة، لتنفذ منها، والتي وجدتها تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، لكي تنفجر، وترسل حممها الشعبية.
-5-
لقد اتهمت الثورات الأربع التي قامت في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، بأن وراءها محرضون، صبية، إرهابيون، طامعون إما بالسلطة، وإما بالمال، وإما هم مدسوسون من جهات أجنبية لغرض تدمير الوطن، والاستيلاء على خيراته. وقد برزت هذه التهم بشكل واضح في الخطابات التي ألقاها في ليبيا سيف الإسلام القذافي (21، و 25/2/2011 ومن بعده والده معمر القذافي (22، و24/2/2011) ثم الخطاب الذي ألقاه علي عبد الله صالح (14/2/2011) الذين اتهموا الثوار بالهلوسة والجنون وتعاطي المخدرات والارتهان لقوى خارجية، وأنهم لا يدرون ماذا يفعلون، ولا يفقهون ما يقولون. ولو قرأ هؤلاء الحكام، وفهموا تاريخ وفلسفة الثورات لما قالوا ما قالوه، ولما هذروا بما هذروا به.
فماذا يقول الزعيم جواهر لال نهرو في هذا المقام؟
يقول:
"تتألف عناصر الثورة من المبادئ والأحوال الاقتصادية. ولكن الممسكين بزمام السلطة، لا يبالون بكل ما يتعارض مع مصالحهم. ويتصورون أن الثورات مجرد نتيجة لتحريض المهيجين.
فهل غاب عن ذهن هؤلاء، أن المحرضين ما هم إلا بشرٌ، تسوءهم الأحوال التي تكتنفهم، فيعملون على تغييرها؟"
ويضيف نهرو قائلاً:
"إننا نجد في كل ثورة من الثورات، عدداً من المحرضين الذين هم وليدو النقمة والاضطراب القائمين. ولكن مئات الألوف من الناس، الذين يسيرون مع الثورة، ليسوا مجرد أداة في يدي المحرضين. لأن أغلبية الشعب تحرص دائماً على تأمين المعيشة، ولا تبادر إلى المجازفة والمخاطرة، إلا إذا ازدادت الحالة سوءاً، وأصبحت جحيماً لا يطاق. عندئذ يتغلب هؤلاء على خوفهم وضعفهم، ويستعدون للمجازفة والسير وراء من يدعون بالمحرضين. لأن هؤلاء المحرضين يرسمون للناس طريقاً للخلاص من شقائهم."
-6-
لم يكن الزعيم نهرو في تونس، أو في مصر، أو في ليبيا، أو في اليمن، لكي يقول لنا اليوم، مثل هذا الكلام الواقعي، الذي ينطبق على كل زمان ومكان، وكأنه يقوله من واقع الحال الآن. وتلك ميزة السياسي والزعيم المثقف، والرائي، الذي نحتاج له في العالم العربي هذه الأيام، لكي يفهم الحاكم مع هؤلاء الشباب، طبيعة رياح العصر والمتغيرات الهائلة، التي حدثت خلال السنوات القليلة الماضية. وأن الشعب العربي شعب عريق، وجيد، ويستأهل أنظمة حكم أفضل بكثير من الأنظمة القائمة. وأن الحرية والديمقراطية ليست مكسباً للشعوب فقط، بقدر ما هي مكسب لأنظمة الحكم وللحاكمين أيضاً. ولعل أبسط هذه المكاسب، أنها تجنبهم ثورة الشارع عليهم، وتدع التاريخ يكتب بكلمات من نور منجزاتهم، بدلاً من أن تتم كتابة فضائحهم، وشتائمهم بالفحم الأسود على جدران الأزقة والحواري.



#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما تكوين عقل شباب 25 يناير؟
- مصر: ثورة أم انقلاب عسكري؟
- ما تكوين عقل الانتفاضة التونسية؟
- الإخوان: من مجلس الشعب الى ميدان التحرير
- العقلانية والخرافة في الفكر السياسي العربي
- مبارك يدفع ثمن ديمقراطيته غالياً
- مخاوف من تدمير تراث بورقيبة
- هؤلاء هم أعداء ثورة بورقيبة
- مخاطر وسلبيات الهيجان الشعبي
- ثورة تونس الخضراء
- أحفاد بورقيبة ينتفضون
- دحر الإرهاب وتراجع تسييس الدين
- العراق بين حزب الدعوة وحزب البعث
- تقدم الليبرالية الإسلامية في الخليج
- من ثقافة الذاكرة الى ثقافة الإبداع
- العَلْمانية لشفاء العراق من أمراضه المزمنة
- لا ليبرالية دون سلطان
- هل العرب آخر الإرهابيين؟
- الحرب التي لم تكتمل: الديمقراطية في العراق
- لا شمس تشرق على الجزيرة العربية كل يوم!


المزيد.....




- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة
- سيناريو هوليودي.. سرقة 60 ألف دولار ومصوغات ذهبية بسطو مسلح ...
- مصر.. تفاصيل جديدة في واقعة اتهام قاصر لرجل أعمال باستغلالها ...
- بعد نفي حصولها على جواز دبلوماسي.. القضاء العراقي يحكم بسجن ...
- قلق أمريكي من تكرار هجوم -كروكوس- الإرهابي في الولايات المتح ...
- البنتاغون: بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة سيبدأ قريبا جدا
- البنتاغون يؤكد عدم وجود مؤشرات على اجتياح رفح


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - عودة الروح للعرب بعد غياب طويل