أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - ثورة تونس الخضراء














المزيد.....

ثورة تونس الخضراء


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 3253 - 2011 / 1 / 21 - 20:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ثورة تونس الخضراء
تونس ليست كأي بلد عربي آخر. ولذا فهي تشهد الآن ثورة خضراء غير مسبوقة في العالم العربي منذ قرون طويلة.
فتونس نالت استقلالها، منذ أكثر من نصف قرن عام 1956. ورغم هذا فقد ظلت روابطها السياسية والثقافية والاقتصادية متينة مع فرنسا. ففي الوقت الذي كانت فيه أحداث الثورة تدور في تونس الخضراء، كان هناك مليون سائح ومواطن فرنسي يعملون ويستثمرون وربما يعلّمون في مدارس ومعاهد خاصة.
وتونس هي البلد العربي الوحيد الذي قام بجدية وشجاعة بإصلاح التعليم الديني وبإصلاح نظام ومنهاج التعليم الديني في جامعة الزيتونة (أزهر المغرب العربي) وجعله نظاماً عصرياص متطوراً وهو ما لم يقدر الشيخ محمد عبده وطه حسين وغيرهما في مصر بالنسبة للأزهر المصري.
-2-
وتونس تختلف عن باقي البلدان العربية وتتميز عنهم - بما فيهم لبنان – بأنها أول من أصدر "مجلة أحوال شخصية" عام 1957 عصرية وشجاعة ساوت نصوصها بين الرجل والمرأة، ونصَّت على أن يتمَّ الطلاق أمام قاض شرعي. وليس في أي مكان آخر. كما نصت بعدم جواز الزواج الإسلامي بأكثر من واحدة، ومساواة المرأة بالرجل في الإرث، وفي كافة الحقوق والواجبات.
وتونس هي التي أباحت ما لم تبحه أية أمة عربية أو إسلامية منذ ظهور الإسلام قبل 15 قرناً حتى الآن.
-3-

وكانت كل هذه الخطوات الحضارية الثورية الشجاعة سبباً في تكفير الرائد الحبيب بورقيبة وإخراجه من الملة، خاصة أنه كان الزعيم العربي الوحيج الذي قال للفلسطينيين في خطابه بإريخا عام 1965 بأن يأخذوا ويطالبوا. ولا يتوقفوا عن أخذ كل ما هو متوفر لهم من حقوق حتى وإن لم تكن كافية ويطالبوا فيما بعد بما يكفيهم من الحقوق. لكن عليهم أن لا يستسلموا أمام الجدران السياسية العالية التي تحول بينهم وبين تحقيق مطالبهم الكاملة والكافية. ولكن الفلسطينيين لم يسمعوا له ورشقوه بالبيض الفاسد والحجارة. وبصقوا عليه ورددوا بعد (صوت العرب) آنذاك أوصاف الخيانة والعمالة والجنون للحبيب بورقيبة. وتبين بعد سنوات طويلة صدق وواقعية ما نادى به بورقيبة ولكن الفرص كانت قد ضاعت، وها هم يبحثون عن مقعد يجلسون فيه مقابل الوفد الإسرائيلي للتفاوض، فلا يجدون هذا المقعد الآن.
-4-
هذه هي تونس الخضراء التي انطلقت منها في الأمس الثورة التي أطاحت بنظام بن علي الذي استمر – كأي دكتاتور عربي آخر 23 سنة (1987-2011). فهناك حكام من جيرانه، لهم في الحكم أكثر من (50 سنة) وأكثر مما لبن علي. ولكن شعبهم ليس الشعب التونسي، ولا قماشته من قماشة الشعب التونسي، ليفعل ما فعله الشعب التونسي اليوم.
ولا يستبشرن أحدٌ – إن كنا عقلاء غير أغبياء - بما جرى في تونس، على أمل أن يجري في بلدان كثيرة من العالم العربي حكمها شبيهة بل أكثر قسوة وفساد من حكم بن علي.
فلا العالم العربي تونس، ولا تونس هي العالم العربي. ولو كان الشعب التونسي شبيهاً بأي شعب عربي آخر لما قام بما قام به ولما انتفض هذه الانتفاضة التاريخية.
-5-
ثم علينا أن لا ننسى أن أدنى نسبة للأمية العربية هي في تونس. ورغم أن ثروات تونس الطبيعية محدودة جداً، إلا أن قانون الزواج الصارم من إمرأة واحدة فقط ، ومنع تعدد الزوجات، الذي اتبعته تونس – كما لم تتبعه أية دولة عربية أخرى – هو الذي أنقذها من مجاعة ماحقة. وقالت منجية السواحي استاذة التفسير وعلوم القرآن في جامعة الزيتونة، أنه لولا قانون تحديد النسل الصارم والاكتفاء بالزواج من إمرأة واحدة لكان عدد سكان تونس الآن أكثر من ثلاثين مليوناً، حيث لا طعام لهم يكفيهم في تونس. وقالت السواحي :" لولا منع مجلة الأحوال الشخصية في تونس تعدد الزوجات لبلغ تعداد التونسيين اليوم ثلاثين مليوناً." وقالت: إن الإسلام لم يشرِّع التعدد بل تعاطى مع واقع اجتماعي كان الرجل فيه يمتلك ناصية عشرات النساء، وأن الإمام ابن جرير الطبري ذهب في تفسيره إلى أن الرجل إذا عجز عن العدل في زوجة واحدة، فعليه ألا يتزوج."
فهكذا يفهم التونسيون الإسلام. وهكذا هم فصلوا الدين عن الدولة، ولكنهم لم يفصلوا الدين عن المجتمع. فظلت المساجد، والكنائس، والمعابد اليهودية، في "جُربة"، وغير "جُربة"، مفتوحة للمؤمنين، الساجدين، العابدين. وتعرضت تونس وتعرض زعيمهم منذ أكثر من نصف قرن وحتى الآن الى نقد مرير الى درجة أن اتهم بعض قساوسة فرنسا بوضع "مجلة الأحوال الشخصية". ولكن ظلت "جامعة الزيتونة" الدينية منارة مشرقة من منارات الإسلام المعاصر، دون أن تجرُأ دولة عربية أو شعب عربي آخر – ما عدا المغرب – على تبني ما جاء في "مجلة الأحوال الشخصية" التونسية التي صدرت عام 1956 بوحي ومساندة ودعم من شيوخ الدين التونسيين النادرين كعبد العزيز الثعالبي ومحمد العزيز جعيط (أول من قنن أحكام الأسرة في مجلة الأحكام الشرعية، منذ سنة 1948) والطاهر حداد، الذي كتب في إصلاح العائلة وتحرير المرأة والمجتمع من التحجر والأصولية، في كتابه الشهير (إمرأتنا بين الشريعة والمجتمع، 1930)، والطاهر بن عاشور، والفاضل بن عاشور، وغيرهم من شيوخ الدين النادرين والحداثيين الليبراليين في تونس.
فكيف - بالله عليكم - نتوقع من الشعوب العربية الأخرى أن تثور كما ثار الشعب التونسي، وكيف نتوقع من الدكتاتوريين العرب الباقين أن يرحلوا كما رحل في الأمس بن علي؟
فليضع باقي الدكتاتوريين العرب في قلوبهم (بطيخة صيفي) - كما يقولون - وليطمئنوا الى أنهم خالدون في مناصبهم، وأنهم لن يخرجوا من قصورهم الباذخة، ومنتجعاتهم، واستراحاتهم، إلا إلى قبورهم فقط، وليس الى ملاذات أخرى، أو دور إقامة أخرى غير هذه القصور الباذخة التي يسكوننها في الوطن.



#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحفاد بورقيبة ينتفضون
- دحر الإرهاب وتراجع تسييس الدين
- العراق بين حزب الدعوة وحزب البعث
- تقدم الليبرالية الإسلامية في الخليج
- من ثقافة الذاكرة الى ثقافة الإبداع
- العَلْمانية لشفاء العراق من أمراضه المزمنة
- لا ليبرالية دون سلطان
- هل العرب آخر الإرهابيين؟
- الحرب التي لم تكتمل: الديمقراطية في العراق
- لا شمس تشرق على الجزيرة العربية كل يوم!
- ما حاجة العراق لعقد مؤتمر قمة عربي في بغداد؟
- ضرورة الحل السياسي للقضايا الثقافية
- نسخة جديدة من (طالبان) في العراق
- بين الدين والتنوير والحرية
- أسباب وتداعيات سقوط -الإخوان- في الانتخابات
- عاصفة على النيل!
- من الإرهاب المسلح الى الإرهاب الإليكتروني
- سقوط شعار -الولاء والبراء- في Starbucks
- الديمقراطية وسيلة الخروج من قضبان الإرهاب والفساد
- هل الديمقراطية عصيّة في الخليج العربي؟


المزيد.....




- دبي بأحدث صور للفيضانات مع استمرار الجهود لليوم الرابع بعد ا ...
- الكويت.. فيديو مداهمة مزرعة ماريغوانا بعملية أمنية لمكافحة ا ...
- عفو عام في عيد استقلال زيمبابوي بإطلاق سراح آلاف السجناء بين ...
- -هآرتس-: الجيش الإسرائيلي يبني موقعين استيطانيين عند ممر نتس ...
- الدفاع الصينية تؤكد أهمية الدعم المعلوماتي للجيش لتحقيق الان ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /20.04.2024/ ...
- ??مباشر: إيران تتوعد بالرد على -أقصى مستوى- إذا تصرفت إسرائي ...
- صحيفة: سياسيو حماس يفكرون في الخروج من قطر
- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - ثورة تونس الخضراء