أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - مخاطر وسلبيات الهيجان الشعبي















المزيد.....

مخاطر وسلبيات الهيجان الشعبي


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 3255 - 2011 / 1 / 23 - 21:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


-1-

على مدار التاريخ، كانت هناك حركات شعبية، يقودها ما يُطلق عليه اليوم "الشارع". وكانت هذه الحركات تُحقق في بعض الأحيان أهدافاً سامية للوطن والمواطنين. ولكن أضرارها وكوارثها، كانت في معظم الأحيان، أكثر من حسناتها، وفضائلها. ولهذا كان نيتشه (الفيلسوف الألماني) يقول إن "العامة لا عقل لها". فقد قرأنا كثيراً، أن الجموع، أو ما يطلق علية (الجماهير)، لا عقل لها، وإنما تسيّرها العواطف، والشعارات، والخطابات الحماسية.

-2-

وفي العصر الحديث، وخاصة في القرن العشرين، سيّر "الشارع العربي"؛ أي (الجمهور) الكثير من الشؤون العربية، التي عادت على العرب بالكوارث والهزائم. ونحن ما زلنا نذكر، كيف كان عبد الناصر، خلال حكمه الذي امتد 19 عاماً (1952-1971) ينقاد في قراراته المصيرية (هزيمة 1967) إلى نداءات وهتافات الجماهير. وهو (السياسي الجماهيري)، الذي كان ينقاد للجماهير أكثر من انقياده للمفكرين والمثقفين والمخططين السياسيين وللمؤسسات الدستورية السياسية (الأحزاب، والنقابات، ومجلس الشعب والشورى). وحيث تعلو أصوات الجماهير، وتختفي وظيفة المثقف للدفاع عن الحقيقة ضد الغوغاء (الجماهير)، والدفاع عن العقل ضد النقل، وعن التفكير ضد التكفير، وعن التجديد ضد التقليد، وعن الحداثة ضد القدامة، وعن الصيرورة ضد الاستمرارية، وعن المتغيرات التاريخية ضد الثوابت العابرة للتاريخ، وعن التقدم المعرفي والاجتماعي ضد التمسك السقيم العقيم، وعن ضرورة نقد الذات لجعلها معاصرة لعصرها ضد تمجيد الذات النرجسي المتخلف والمُخلِّف للوعي. وأخير الدفاع عن الحضارة ضد السقوط في الهمجية، كما قال المفكر التونسي العفيف الأخضر، في بحثه (النكوص في إيران، مجلة "أدب ونقد"، القاهرة، 1994).

-3-

في كتاب (الحضارات التقليدية في مواجهة الحداثة) لداريوش شايغان Shayegan الفيلسوف الإيراني المعاصر، المقيم في باريس، ومدير المركز الإيراني للدراسات الحضارية، ومدير معهد الدراسات الإسماعيلية في باريس، ومؤلف عدة كتب منها: "أوهام الهوية"، و"النظرة المبتورة" وغيرهما من الكتب بالفارسية والفرنسية، والمُعناة بالشأن الديني/السياسي في إيران.. يؤكد شايغان، أن "أدلجة الأديان تخفي خطراً مرعباً، يتمثل في انفلات السلوك اللاعقلاني للجماهير." (ص274) وهو ما قامت به في العالم العربي جماعات وحركات "الإسلام السياسي"، وعلى رأسها "جماعة الإخوان المسلمين" و "حزب التحرير" الإسلامي، وتنظيم "القاعدة" الإرهابي، وغيرهم.

وهؤلاء جميعاً، مع غيرهم من جماعات "الإسلام السياسي" في العالم العربي، كانوا يدركون تماماً سيكولوجية الجماهير، التي شرحها بالتفصيل الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون، في كتابه (سيكولوجية الجماهير، 1934) وعرفوا تماماً وبذكاء شديد، كيف يستغلّون عواطف الجماهير- لا عقولهم- لأغراضهم السياسية، حيث لا عقل لهذه الجماهير، كما قال جمال الدين الأفغاني (1839-1897) من أن "العقل لا يوافق الجماهير، وتعاليمه لا تفقهها إلا نخبة من المتنورين". ومن هنا، يقول الإرهابي المتأسلم، أيمن الظواهري، في كتابه الأخير "فرسان تحت راية النبي": "إن تحرير فلسطين هدف ثانوي للقاعدة، ولكننا مضطرون لتبنّيه، لأن الجماهير لا تفهم. ولا بُدَّ لها من وقت طويل لكي تفهم!"

-4-

إن أخطر ما أصاب دعوة الأديان في العصر الحديث، الاستغلال السياسي والتجاري لهذه الأديان، وخاصة الأديان السماوية الثلاثة. وتكمن هذه الخطورة في الأفكار الأسطورية الخرافية التي أُلبست لهذه الأديان قسراً، وتعسفاً، وظلماً. ومن هنا، أنتجت جماعات "الإسلام السياسي" لغة دينية سحرية، مُشعوِذَة، خادعة للجماهير، فيها استعمال مكثف للبلاغة والمجاز، ومليئة بالأقوال المأثورة، وبالنصوص الدينية المُحرَّفة و(الملويَّة) أعناقها، المُهيّجة لعواطف الجماهير، لكي تخدم الغرض السياسي المُستهدَف، خاصة وأن الكتب المقدسة، وعلى وجه الخصوص القرآن الكريم، "حمّال أوجه"، كما قيل. ومن هنا أصبح التطرف الديني، الذي تتبناه هذه الجماعات في معظم خطاباتها "لا يمتُّ في الواقع إلى الإسلام بصلة" كما قال شايغان في حوار مع نجوى بركات (موقع "الأوان"، 9/1/2011).

كذلك، فإن تذويب الفرد في الجماهير، وإعطاء القائد الديني دوراً استثنائياً، يؤدي إلى إلغاء المؤسسات الدستورية، كما هو الحال الآن في إيران، حيث أن "المرشد الأعلى"، هو الدكتاتور الديني، الذي لا يُردُّ، ولا يُصدُّ، ولا يُسأل عمّا يفعل. وهو ما يتنافى مع المشروع السياسي الحديث، الذي تصنعه، وتنفذه مؤسسات مستقلة، عن مزاج وفانتازيات الحاكم الفرد.

-5-

ولم يقتصر سحر وخداع الجماهير على دعاة "الإسلام السياسي" فقط، بل تعداه أيضاً إلى بعض العَلْمانيين، حيث مارس هؤلاء الأساليب نفسها، التي مارسها دعاة "الإسلام السياسي". ولكن أساليب العَلْمانيين هؤلاء، كانت خالية من التوسُّل بالشرعية الدينية، وإنما كان هناك التوسُّل الكاذب بالثورة، والاشتراكية، والعدالة، وبباقي الشعارات "التقدمية". وهو ما مارسه الإتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية على الشعوب التي حكمتها. وهو أيضاً ما مارسته الدكتاتورية العربية القومية، وخاصة في عهد عبد الناصر، وحكم حزب البعث في العراق وسوريا. وهكذا - كما يقول العفيف الأخضر - "لا يتواني الزعيم الديني، أو السياسي، في وضع نفسه على خط الجماهير، ليفكر بأهوائها السياسية، وأوهامها عن نفسها وهذيانها الجماعي، كما كان يفكر شاعر القبيلة في غابر الزمان." (محامي الشيطان، ص 237).

-6-

من الضروري أن نقرأ، ونعيد قراءة كتاب شايغان، خاصة في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة التي يمر بها العالم العربي، الذي تُهيِّج شوارعه وجماهيره وسائل إعلام مختلفة، لا تعي تماماً معنى "اللعب بنار الشوارع العربية". ويقول شايغان، عن هؤلاء المحرضين، واصفاً شخصياتهم وصفاً دقيقاً، جديراً بالتأمل والحفظ: "إنهم غير عقلاء. لذا، فكل الحجج والبراهين لا تصمد أمام قناعاتهم الراسخة. إذ أن أساليهم في العمل ترتكز على الجزم، والتكرار الهلوسي، بطريقة تستحوذ على السامع. ومفتاح شخصياتهم، يرتبط بقدرتهم على إحاطة أنفسهم بهيبة، تعتمد في جوهرها على منع الناس من رؤية الأشياء على حقيقتها، وعلى شَلِّ تفكيرهم." كما يقول غوستاف لوبون Le Bon في كتابه (سيكولوجية الجماهير، ص110).



#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورة تونس الخضراء
- أحفاد بورقيبة ينتفضون
- دحر الإرهاب وتراجع تسييس الدين
- العراق بين حزب الدعوة وحزب البعث
- تقدم الليبرالية الإسلامية في الخليج
- من ثقافة الذاكرة الى ثقافة الإبداع
- العَلْمانية لشفاء العراق من أمراضه المزمنة
- لا ليبرالية دون سلطان
- هل العرب آخر الإرهابيين؟
- الحرب التي لم تكتمل: الديمقراطية في العراق
- لا شمس تشرق على الجزيرة العربية كل يوم!
- ما حاجة العراق لعقد مؤتمر قمة عربي في بغداد؟
- ضرورة الحل السياسي للقضايا الثقافية
- نسخة جديدة من (طالبان) في العراق
- بين الدين والتنوير والحرية
- أسباب وتداعيات سقوط -الإخوان- في الانتخابات
- عاصفة على النيل!
- من الإرهاب المسلح الى الإرهاب الإليكتروني
- سقوط شعار -الولاء والبراء- في Starbucks
- الديمقراطية وسيلة الخروج من قضبان الإرهاب والفساد


المزيد.....




- إعلام إيراني: إسرائيل تهاجم مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون الر ...
- زيلينسكي يعول على حزمة أسلحة أمريكية موعودة لأوكرانيا
- مصر تحذر من استمرار التصعيد الإسرائيلي الإيراني على أمن المن ...
- لحظة استهداف مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية (فيديوها ...
- لقطات من داخل مستشفى الفارابي بمدينة كرمنشاه غربي إيران عقب ...
- ترامب: الأمر مؤلم لكلا الطرفين.. إيران لن تنتصر بالحرب على ا ...
- هل مقعد 11a هو الأكثر أماناً على الطائرات؟
- نتنياهو: إسرائيل على طريق النصر وعلى سكان طهران إخلاء المدين ...
- -سي إن إن-: ترامب يتجنب المواجهة مع إيران لكن الجمهوريين يحث ...
- قتلى وجرحى في قصف إسرائيلي استهدف مبنى هيئة الإذاعة والتلفزي ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - مخاطر وسلبيات الهيجان الشعبي