أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هشام نفاع - عودة المعنى














المزيد.....

عودة المعنى


هشام نفاع

الحوار المتمدن-العدد: 3289 - 2011 / 2 / 26 - 10:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


العقيد معمر القذّافي يطلّ على الشاشة. خلافًا لمن سبقاه خلف جدران التاريخ قبل أسابيع، لا توجد هنا أية توقعات. إحتمال التنحّي أشبه بنكتة.
جنون ودماء. دكتاتور يتوحّش أمام شعب ثائر. خطابات تكاد تشكّل تحديًا للسوريالية لولا خلوّها من أية مسحة تجريد. كلمات مباشرة كلّ مقطع فيها رصاصة تقتل؛ كل فقرة قذيفة تدمّر؛ النص برمّته مجزرة.
لشدّة صراحتها الدموية تفقد المفردات قدرتها على التهديد. تصبح دمًا يُسفك في تزامن كامل بين القول والفعل؛ بين الإعلان الصريح عن جعل المشهد الليبي أرضًا محروقة وبين اندلاع نيران نيرون.
العبث يقتحم حدودًا جديدة. من الصعب كبت الضحك أحيانًا على الصورة المجتمعة التي يمكن بقليل من الخيال تصوُّرها صورة لمسخ صناعيّ أو سينمائيّ. ضحكٌ يترك نوعًا من الشعور بالذّنب. فمن الصعب كبت السخرية، لكن استيعاب ما يُقال لا يمكّن من إبعاد ما يُخبّأ في ظلّ القول: جثث محصودة بالرصاص ومحروقة بالقذائف، بعضها مكبّل اليدين خلف الظهر وفي الرأس ثقب ينزّ الدم منه.
إطلاق صفة الجنون على الشخص تمنحه نوعًا من الحكم المخفّف. هناك شرعنة مبطّنة غير مقصودة لأقواله ولأفعاله. كأنّ صوتًا خفيًا يخرج من النعت بالجنون ليقول: "يمكننا استيعابه وتفهّمه".
فهل الدكتاتور مجنون حقًا؟ هل يتطابق هذا مع شدة إتقانه فعل القتل المخطّط المدجّج بالسلاح الحديث؟ أين تلتقي بالضبط صورته شبه الكاريكاتوريّة الملفوفة بزيّ لا يمكن إحالته الى أيّة أسطورة ولا اشتقاقه منها، مع الرائحة الممتدّة كخيط مرعب على أثر أفعاله المنتشرة في الشوارع الضيقة والمساحات الرملية الشاسعة التي يزدحم فيها الموت؟
الجنون حالة إنسانية نسبيّة. قد يكون فيها تجنٍّ على مختلفين بيننا. الجنون ليس انتقاصًا من إنسانية المنعوت بالجنون. لهذا، ففي حالة الدكتاتور نحن بحاجة الى مفردة أخرى.
مثلما تبينّا أن معنى مفردة "نظام جمهوريّ" باللغة العربية الحاكمة هو الجريمة المنظّمة، فإن معنى كلمة الثورة بلغة سفّاح ليبيا هو ما تؤلفه صورٌ لمروحيّات تقتل شبانًا يطالبون بالعمل والتعليم، مرتزقة مأجورين يعدمون أبناء الشعب وعائلة حاكمة تستبيح كلّ شيء.
فلم تقم طغمات القمع العربيّ الرسمي بخنق الأنفاس وذبح الأحلام وقتل الحريات، فقط، بل خنقت اللغة وقطعت اللسان. حوّلت مفاهيم كثيرة الى هياكل عظمية وجثث باردة. شوّهت ملامح مفردات وكلمات ومصطلحات وضعتها الإنسانية لتعبّر عن أحلام جميلة وأهداف نبيلة. لأن عقود الحقارة الحاكمة التي قتلت أحلام الناس لتطيل عمر سيطرتها، صادرت أيضًا ما يعبّر عن الحلم.
هذه القتامة تنزاح في هذه الأيام التاريخية كما تزول الغشاوة عن العين. لأنه حين تشتعل الثورة في عقول وصدور ضحايا القمع والقتل والخنق، فإنهم يستعيدون معنى كونهم شعوبًا تستعيد الكلمة وتُعيد إليها المعنى. والمسألة ديالكتيكية بالطبع: هكذا تنكشف "علمانية" زين الدين بن علي، و"جمهورية" حسني مبارك و "اشتراكية" معمّر القذافي. إنها مجرّد أغطية بالية تخفي مسرحًا لجريمة.
لم تعِد الثورات العربية الينا الروح وفرحة الحياة وإشراقة العيون فقط، بل أعادت الينا لغتنا: أعادت المعنى للّغة واللّون للحلم. ثورة ليبيا ستقطع خطوة إضافية. وحين تتخلّص قريبًا من السفّاح المنتحل صفة الثوريّ، ستعيد للجنون أيضًا معناه العذب، المنطلق، المحلّق والحالم بكل ما هو جميل.



#هشام_نفاع (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دكتاتوريّات خلف التاريخ
- سُلطتان وعارٌ واحد!
- انتحاريون وسط النار!
- من هو الإرهابي؟
- أنظمة المطايا!
- ويا لها من حداثة..
- روث البقرة الأمنية المقدسة
- الكذبة وتكذيبها
- فنون اسرائيلية في الاستغلال والنفاق
- مأساةُ الصّنوبرهشام نفاع
- الحقيقة المرّة
- حق درويش في العودة
- طيف ماركس على ممرّ مشاة
- ماركس و-الفلورنسيّ العظيم-
- تجميلٌ فاشل ل -صورة إسرائيل-
- عن الطائفية وأسرار يغآل ألون!
- محكمة عُليا تحت الاحتلال
- جُرح غزّة، بعيدًا عن أصوليّات بعض اليسار
- جوهر السياسة الأمريكية هو نفسه: الهيمنة... وفقط الهيمنة!! -أ ...
- قمة مختلفة بفضل المقاومة


المزيد.....




- بعد فضيحة عناق شاهدها العالم بأسره.. -كولدبلاي- لرواد حفله ا ...
- ما بين الفخامة والنسيان.. مصورة توثق كنوز مصر المعمارية المه ...
- سوريا.. اتفاق على إخراج جميع المدنيين الراغبين في مغادرة الس ...
- تراجع التمويل الأمريكي في الشرق الأوسط: ما هي البدائل؟
- أوكرانيا: مقتل شخص في هجوم روسي ليلي بوابل من المسيرات والصو ...
- شهداء بقصف نازحين والاحتلال ينسف مباني شرقي مدينة غزة
- جهود قطر تنجح في دفع الكونغو وحركة إم 23 لاتفاق سلام
- وضع الهاتف مقلوبًا قد يحل أكبر مشكلات آيفون
- الإكوادور تسلم الولايات المتحدة زعيم أخطر عصابة لتهريب المخد ...
- روسيا تطلق وابلا جديدا من المسيرات والصواريخ على أوكرانيا


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هشام نفاع - عودة المعنى