أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمادي بلخشين - خسارة قصة قصيرة















المزيد.....

خسارة قصة قصيرة


حمادي بلخشين

الحوار المتمدن-العدد: 3286 - 2011 / 2 / 23 - 18:23
المحور: الادب والفن
    


خسارة!


كان يحلو لجدّي كثيرا متابعة ما يدور في أروقة المحاكم و ما تسوقه صحفنا الوطنية من قضايا وحوادث. لأجل ذلك استعجلني ذات يوم حتى عن نزع حذائي و التخفف من حقيبتي المدرسية، حين ألقى اليّ بصحيفة "الصباح" ثم قال آمرا:
ــ اقرأ عليّ تفاصيل هذه الجريمة !
تناولت الصحيفة التي طويت على صفحة" صدى المحاكم" ثم تلوت بصوت مرتفع:
ـــ " سامية في قبضة الجربوع"
صاح بي جدي مصوّبا:
ــ دعنا من الجرابيع.. اذهب الى يسارك!
تحت عنوان" ميولات إجرامية مبكرّة" قرأت على جدي ما يلي"" صعق العميد عبد الوهاب محجوب مدير الدائرة الجنائية بمعتمدية سيدي ثابت من محافظة بنزرت، حين أعترف له التلميذ جوهر ناجي ( 10 سنوات) بأنه قام باستدراج زميل دراسته مروان جابر (12 سنة) الى طاحونة مهجورة تبعد حوالي كيلو مترا و نصف من المدرسة التي كانا يترددان عليها.. و بعد أن أحكم الطفل جوهر ناجي شدّ وثاق زميله ثم نزع كل ثيابه، قام بإحداث جروح عديدة في جسده بواسطة غطاء علبة سردين كان من الواضح انها فتحت بطريقة خرقاء ممّا هيأها لأن تكون أداة تعذيب جهنمية.

احتجت الي التوقف عن القراءة ريثما فتحت الباب لوالدتي ثم طفقت اقرأ من جديد:
ــ و حين أحضر العميد عبد الوهاب محجوب مجسّما آدميّا، و طلب من الصبي جوهر ناجي تحديد الأماكن التي أستهدفها من جسد ضحيته، أشار الجاني الصغير وبكل ثبات، الى العنق و الذراعين و أسفل الثندوتين و الفخذين و الجهاز التناسلي و الربلتين و الكاحلين.
صاح جدي فزعا:
ــ أي إجرام تحلّي به هذا الفرخ الرهيب!
ـــ و بعد أن أرضى الصبي حاجته من التعذيب، قام بلف جسد ضحيته بالثياب التي جردّه منها..
صاح جدي (وقد قلّ أدبه منذ مدّة).
ــ شوف ولد الزانية ما أذكاه!
ــ و حين سئل الصبي عن سر هذا الإجراء. أجاب بطريقة خبيثة لا تناسب
سنه" حتى أمكن النيران من الإمساك به ضمانا لحسن انتشارها"
اهتزّ جدي طربا ثم قال مؤكدا :
ــ قلت لك أنه ولد زا..!
صاحت به والدتي ضجرة:
ــ يا بابا العزيز هذا ما يليقش بيك[هذا لا يليق بك].
غمزني جدا أن واصل ولا تهتم! .
ـــ ثم قام الجاني برش الهالك بما يعادل نصف لتر من البنزين المعدّ للإستعمال المنزلي، قبل أن يقدّمه طعمة للنيران التي أتت على كامل جسده، مما دفع الطبيب الشرعي الى التأكيد، بأن الوفاة قد حدثت في أقصى التوقعات، بعد ثلاث دقائق من تمكّن النيران من جسد الهالك.
علقت والدتي بحزن شديد:
ــ يا عيني عليه ماذا أحسّ..
اضافت وهي تمسح دمعة:
ـــ و يا عيني على أمّه المحروقة الكبد.
علق جدي تاليا قوله تعالى:
ــ ((و البلد الطيب يخرج نباته باذن ربه و الذي خبث لا يخرج الا نكدا))
واصلت قارئا:
ــ و حين سئل الصبي " ألم تخش تفطـّن أحد إلى موضع ضحيتك أثناء جلبك البنزين؟" أجاب ببرودة دم عجيبة بأنه لم يكن في حاجة الى مغادرة موقع الجريمة، لأن البنزين كان متوفرا هناك! وحين طلب منه مزيد التوضيح، أجاب بأنه أحضر منه ملء زجاجة كوكاكولا صغيرة قبل الواقعة بيومين. كما أكد الصبي بأنه لم يكن في إمكان ضحيته لفت إنتباه أحد حتى في صورة مغادرته مكان الجريمة، لأنه أحكم سدّ فمّ ضحيته بخرقة أحضرها من قبل!
صاح جدي:
قلت لك انه ولد..
حالت نظرات والدتي النارية دون إفصاح جدي عما بما يخدش الحياء:
ــ قلت لك انه ولد حرام...واصل يا بني!
ــ و قد نفى الصبي وجود أي خلاف أو خصومة بينه و بين الهالك" بالعكس فقد كان أكثر زملائي لطفا و أشدهم تعاطفا معي بعد كل مرّة كنت أتعرض فيها الي عقوبة مدرسية!".
قاطعني جدي مؤكدا:
ــ هذا صبي يستحق الإعدام حرقا... فالجزاء من جنس...
قاطعت جدي مواصلا:
ـــ وحين سئل الصبي" مالذي حملك إذن على كل ما ألحقت بالمسكين من رعب و ضرر؟"أجاب دون أن يطرف له جفن"" لست أدري بالضبط ،غير أن مجرّد رؤية كائن يتعذب أمامي كانت تثيرني!".
استغل جدي خروج والدتي كي يعلق بأزيد مما يطعن الحياء.
ـــ وقد تمكن الصبي من انتزاع بسمة ـ و إن كانت حزينة ـ من السيد العميد عبد الوهاب محجوب حين أردف قائلا:" كان هذا الشعور الممتع ينتابني منذ نعومة أظفاري!".
قهقه جدي طويلا ثم قال بحبور:
ــ بل منذ نعومة مخالبك... بل منذ نعومة مخالبك!
تمخط جدّي بصوت منكر ثم أضاف منبّها:
ـــ للأمانة الأدبية: فهاته العبارة من إبداع الصادق النيهوم!
ثم مستعجلا إياي:
ــ هيه هيه ثم ماذا بعد هذا؟
اندفعت أقرأ من جديد:
ـــ " وقد أيّدت السيدة مبروكة الجوهري( والدة الجاني) الميولات الإجرامية التي اكتشفتها مبكّرا لدى ولدها. حيث قام الصبيّ قبيل بلوغ الثالثة من عمرة بخنق قطتين صغيرتين ودسّ ثالثة في الفرن.
علق جدي:
ــ ولد الــ ... ولد الــ.. ولد هولاكو!
ــ كما قام بين الخامسة و السابعة بقطع رؤوس مجموعة لا تحصى من الكتاكيت. و حين بلغ الثامنة اكتشفت السيدة مبروكة الجوهري أن صغيرها الرهيب كان يقف وراء إحراق عجوز مقعدة عمياء كانت تأوي الي غرفة ملحقة بالعمارة التي كانت تجاور مسكنها.
قالت والدتي متعجبة:
ـــ كل هذا بسبب الأفلام العنيفة التي تعرض على ناشئتنا.
هز جدي راسه مؤيدا قبل ان يضيف مستدركا:
ــ أعوذ بالله .. بل هذا شيطان بالسّليقة!
واصلت مقاطعا إياهما معا، خصوصا و قد بلغ بي الجوع مبلغا عظيما:
ــ وقد تأكدت الأم من تورّط وليدها في مصرع العجوز العمياء، بعد أن رابتها رائحة بنزين تنبعث من ثيابه، كان ذلك بعد أقل من ساعة واحدة من الحادثة المروّعة.
قلت منهيا قراءتي:
ـــ وقد أودع الجاني مؤسسة إصلاحية قد لا يغادرها أبدا. خصوصا و قد أثبت خبير في إجرام الأحداث، أنه يشك كثيرا في كون الفتى جوهر ناجي ـ و رغم ما سيبلغه الطب النفسي من تقدم ـ سيكون أبا و زوجا و جارا و مواطنا مأمون الجانب.
ضحك جدي طويلا ثم قال:
ـــ وهكذا خسرت أمتنا الإسلامية رئيس جمهورية رهيب.
ثم مستدركا بعد صمت لم يطل:
ـــ أو على الأقل وزير داخلية واعد!
أوسلو 24 /4/ 2010



#حمادي_بلخشين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تشكيلة ( قصة قصيرة)
- همسة لزينب رشيد
- عن الدون كيشوت السلفي (قصة)
- لحية ! ( قصة قصيرة)
- باحث (قصة قصيرة)
- فضائح -خير القرون- السّلفية (21 /21)
- فضائح -خير القرون- السّلفية (20/21)
- فضائح -خير القرون- السّلفية (19)
- فضائح -خير القرون- السّلفية (18)
- فضائح -خير القرون- السّلفية(17)
- فضائح -خير القرون- السلفية(16)
- فضائح -خير القرون-السلفية (15)
- فضائح -خير القرون- السّلفيّة (14)
- فضائح -خير القرون- السلفية(13)
- فضائح -خير القرون- السلفية(12)
- فضائح -خير القرون- السّلفيّة (11)
- فضائح- خير القرون-السّلفية (10)
- فضائح- خير القرون-السّلفية (9)
- فضائح -خير القرون- السلفية (8)
- فضائح -خير القرون- السّلفية (7)


المزيد.....




- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...
- طهران تحت النار: كيف تحولت المساحات الرقمية إلى ملاجئ لشباب ...
- يونس عتبان.. الاستعانة بالتخيل المستقبلي علاج وتمرين صحي للف ...
- في رحاب قلعة أربيل.. قصة 73 عاما من حفظ الأصالة الموسيقية في ...
- -فيلة صغيرة في بيت كبير- لنور أبو فرّاج: تصنيف خادع لنص جميل ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمادي بلخشين - خسارة قصة قصيرة