|
حمام - قصة قصيرة
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 3279 - 2011 / 2 / 16 - 15:26
المحور:
الادب والفن
عند الأصيل من عصر كل يوم ، عندما تبتعد الشمس عن البيوت ، ويسود دفؤها وينهزم لهيبها. عندما تكون مرغوبة للطير وللحيوان وللزرع وللإنسان ، فى هذا الوقت يفتح المدرب أبواب العشش التى يحتجز فيها الحمام . وكأنما الحمام يمتلك ساعة ميقاتية داخل صدوره الصغيرة. ترفرف الأجنحة بالبهجة مع صوت حركة المفتاح . تنفلت أسراب الحمام مسرعة ، تطير وراء ذيول الشمس . تمــــلأ صدورها بنسيم الهواء . تدور فى فضاءات مفتوحة . لاتقف فى طريقها حواجز ولاتقيّدها أسوار . علّمها صاحبها الطاعة . إذا ابتعدت فبصفارة معينة يأمرها بالعودة ، وبصفارة أخرى يأمرهــــــا بدخول العشش . كانت هواية تحوّلت إلى تجارة . فى السنوات الأولى كان يعشق صوت الهديل . صوت شجى أسيان . يوحى بالغموض والسحــــر ويثير الوجدان . ومع رفرفات الأجنحة تنتفض ضربات قلبه ببهجة غامضة . فى الشهور الأخيــــــرة فترتْ علاقته بالحمام . الرفقة الحانية صارت عادة . والملل هزم البهجة. فى بداية العشق كان يسحره دورات الحمام فى الفضاء المفتوح . يرسم الحمام دوائر لامنظورة . دوائر يصنعها الخيال ويُصدّقهــا العقل . كان يُسمّيها دوائر الوهم الجميل . ورغم خبرته فى تربية الحمام ، فشل فى معرفة سر البهجـة البادية فى حركة الأجنحة ، التى ترفرف بنشاط وتطير إلى هدف غير معلوم ، وصانعـة تلك الدوائــر الوهمية ، التى يراها حقائق . وتشده حمامة شاردة ضلّت الطريق وانفصلت عن رفيقاتها. يتأمــــــــل حيرتها وهى تطير وحيدة متخبّطة بلا هدف . تلف وتدور بعصبية. حركة جناحيها بلا انضبـــــــاط ، ترسم التوتر والحيرة والضياع . وعندما تلتحم بسربها تحل البهجة فى قلب التأمل . فى تلك السنوات البعيدة ، كانت أسراب الحمام تعود إلى صاحبها بصفارة ، مهما ابتعــــــــــدت ، وبصفارة أخرى تدخل أعشاشها. فى الشهور الأخيرة صارت الصفارة الواحدة عشرات الصفارات ، حتى تعود لصاحبها ، وعشرات الصفارات كى تدخل أعشاشها . فى السنوات الأولى كانت الساعة الميقاتية داخل صدور الحمام منضبطة على صفارة صاحبهــــا وأوامره . فى الأيام الأخيرة أصاب تلك الساعة الخلل . لم تعد أسراب الحمام تلتزم بصفارة صاحبها، مهما بدت الصفارة عصبية أو متوعّدة أو حتى مرعبة ومنذرة بالعقاب . فى السنوات الأولى كـــــــان دخول أسراب الحمام إلى أعشاشها ، فى الفترة بين اختفاء الشمس وحلول الظلام . ظلّ الموعد ثابتًـــا لايتغير . أحيانًا يكون الفرق بضع دقائق فى التبكير أو التأخير . فى الأيام الأخيرة حدث الخلل الـــذى أزعج المدرب الخبير . تساءل لماذا هذا الخلل فى العلاقة بينه وبين الحمام ، رغم كل تلك السنين مـن الانضباط والطاعة ؟ منذ يومين كاد يفقد أعصابه . إذْ دخلتْ أسراب الحمام إلى أعشاشها بعد خمس عشرة دقيقة عــــن الموعد المعتاد ، رغم صفارة التهديد . وبالأمس عاد الحمام بعد ثلاثين دقيقة من حلول الظلام ، رغـم صفارة الإنذار بالعقاب . واليوم اختفى الحمام تمامًا . كانت المرة الأخيرة التى رأى فيها المـــــــدرب الخبير طيوره . وكانت المرة الأولى التى انطلق فيها الحمام إلى فضائه ولم يعد .
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شتاء الحرية وسقوط أوراق التوت
-
مبارة عصرية فى شد الحبل بين الحرية والاستبداد
-
إقصاء المختلف يبدأ بالكلمة وينتهى بالقنبلة
-
الدكتورجمال حمدان والبكباشى عبدالناصر
-
الاعتدال والتطرف فى ميزان المرجعية الدينية
-
جامعة الدول العربية بين أوهام القدرة ووقائع التاريخ
-
تعليم ضد المواطنة أم أمية تحمى الوطن؟
المزيد.....
-
هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف
...
-
وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما
...
-
تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
-
انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
-
الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح
...
-
في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
-
وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز
...
-
موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
-
فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
-
بنتُ السراب
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|