صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 979 - 2004 / 10 / 7 - 08:01
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
1%
29 أيلول، 2004
في الفلم الوثائقي الرائع "اللوبي" يقول كولدبرك (يهودي امريكي) شارحا النفوذ الخاص لليهود في اميركا :
" لقد انهت ابنتي توا الصف الثالث في مدرسة ابتدائية يهودية. ومنذ الحضانة وحتى اليوم يفترض عليها, واخيها كذلك, تقديم قطعة نقدية صغيرة كل اسبوع بشكل "تساداكا" (صدقة) لاعمال الخير. اليهودي يعلّم منذ ان يتمكن من السير ان يعطي [لمجتمعه]. وهكذا فعندما يحتاج حزب الديمقراطيين الى المال, فانه يتجه الى اليهود, ويحصل على المال. اليهود لايملكون اكثر من غيرهم من الامريكان بشكل كبير. فالاحصاءات تشير الى ان متوسط دخل الفرد اليهودي الامريكي اعلى قليلا من متوسط الفرد الامريكي بشكل عام. فاذا اخرجنا السود والهسبانيك من الاحصاء, لايبقى فرق يذكر بين اليهود وبقية الامريكان من حيث المال. لكنك عندما تنظر الى حجم وتنظيم التبرع, فان اليهود يبزون الاخرين جميعا!"
اضن اننا, واقصد هنا, من نكلف انفسنا عناء القراءة و اوالكتابة, متفقون على ان مساهمة كل انسان بالتبرع الى المجتمع الذي يعيش فيه, او الى الجزء الذي يراه اكثر استحقاقا لذلك التبرع, مسألة لاجدال في صحتها واهميتها لدعم هذا المجتمع وابقائه على قيد الحياة.
لكن هذا "الدعم الاجتماعي", يتعرض مثلما يتعرض غيره من مصالحنا وقناعاتنا الى وباء "فقر التنظيم" الذي يميز الشعب العربي, ربما اكثر حتى من بقية الشعوب المتخلفة. كلما طلب مني احد هنا في هولندا التبرع لقضية ما, او طُرحت دعوة بهذا الصدد في التلفزيون, اتذكر ان هناك من هو بحاجة اكثر الى ذلك التبرع: بلدي العراق! لكن الامر يقف عادة عند هذا الحد, دون ان يصل اي تبرع مني لا للعراق ولا لغيره, الا نزر يسير, وبفترات متابعدة غير منتظمة, لايكفي لمداواة الخجل.
لا اضنني الوحيد في هذا الاشكال التنظيمي, فكل من اعرفهم يعاني منه. ان هذا المرض يشل الى حد بعيد مساهمتنا في دفع مجتمعنا نحو الشكل الذي نتمناه له, ونتركه بالتالي قرارا للاخرين.
في هذا الوقت بالذات, اود لفت الانتباه الى ناحيتين تتطلب منا الدعم السريع المنظم, وتضعنا امام تحد كبير: الاولى دعم مصادر معلوماتنا واعلامنا.
لا ادري ان كان هناك من لايعلم ان الصحافة كمهنة لم تعد تستطيع ان تعيل ممتهنيها. فاذا سمحنا ان نستثني القليل النادر, نجد ان الصحفي والصحيفة والقناة التلفزيونية وغيرها يجب ان تعتمد على مصدر ما, غير المبلغ الذي يدفعه القاريء لشرائها ان كانت تباع.
لكن "الحقيقة" لاتدفع لمن يكتب عنها, فهي حيادية لامصالح لها, ولاتتوقع من مريديها ان يطلبوا ثمن حبهم لها, ولها كل الحق في ذلك.
اما الكذب فمتحرر من هذا العوق المادي ولايفتقر الى من يجد مصلحة في نشره. لذلك يزدهر الكذب وتزدهر الصحافة الكاذبة, وتدفع لصحفييها بكرم.
وهكذا, ففي حين يمكن للكذب ان يعتمد على موظفين متفرغين يتعايش معهم, يساعدونه على البقاء على قيد الحياة ويساعدهم بدوره على البقاء, لاتجد الحقيقة الا المتطوعين المحبين لها المستعدين للعمل بلا مقابل. صحيح ان تفاني هؤلاء كبير يثير الاعجاب, لكن احدا لايدفع لادامة التفاني. هم يعملون على ابقاء الحقيقة على قيد الحياة, في حين ان الحقيقة لاتساعدهم اطلاقا, لانها نفسها تتعرض للاغتيال والحجب مثلما تعرض موقع "الحوار المتمدن" مؤخرا للحجب من قبل السعودية, وغيره كثير. لذلك فلا بد ان يأتي يوم تستنزف قدرة هؤلاء المتبرعين على الصمود, في عالم رأسمالي يزداد صعوبة, ويتطلب من افراده بذل كل جهودهم من اجل كسب عيشهم.
وهكذا, فاذا ترك الامر على ما هو سائر اليه, فستتوقف مصادر الحقيقة عن العمل واحدة تلو الاخرى ولن نجد غدا ما نقرأه او نشاهده او نسمعه, الا كذبا وجد من يستفيد منه ويدعمه. لقد وصلت الى هذه النتيجة المحزنة صحف ومواقع انترنيت وغيرها, واذكر منها صحيفة "القاسم المشترك" التي كانت تصدر في العراق, حتى قرر صاحبها وممولها ان لامجال للاستمرار.
دعونا هنا اولا نحيي الجهود العظيمة التي يبذلها هؤلاء المتطوعون الرائعون الذين يعطونا الفرصة للاطلاع على حقائق ووجهات نظر لاتستهدف غشنا, كقراء, وتتيح لنا التعبير عن انفسنا والوصول الى قرائنا "مجانا", ككتاب, ولعل حاجة الكاتب للوصول الى قرائه ليست بأقل من حاجة القاريء الى كاتبه.
وبعد ان ننتهي من تحيتنا هذه, دعونا نقرر ان ندعم مصادرنا هذه, كقراء وككتاب, اذا كنا نقدر قيمة ما نقرأه وما نكتبه فيها, لانها ان اختنقت بتكاليفها وماتت, فلن يعيد اليها الحياة شيء مستقبلا. ادعوكم هنا الى المبادرة لدعم مادي كريم يتناسب مع, ولا اقول يساوي, القيمة التي يقررها كل قاريء وكاتب بنفسه, لما يقرأ او يكتب في هذا الموقع او المصدر الذي يقرأ فيه هذه المقالة الان. فان كنا نحترم وقتنا وجهدنا الذي نبذله هنا في القراءة والكتابة, ونجد فيما نقرأ ونكتب ما يستحق هذا الوقت والجهد, فأنه يستحق ايضا بعضا من مالنا, وهو بحاجة شديدة اليه.
الناحية الثانية التي تتطلب منا الدعم (العاجل خاصة في حالة العراق) هو دعم الاحزاب والمنظمات المدنية التي نجدها تستحق الدعم. الاحزاب التي نجدها الاقرب الى تصورنا لمستقبل بلادنا. هذه الاحزاب, والمقبلة على انتخابات (محتملة), مثل الاحزاب العراقية, بحاجة شديدة الى هذا الدعم ولكنها على ما يبدو, وللاسف تفتقر هي الاخرى حتى الى التنظيم الذي يتيح لها القيام بحملات جمع تبرعات منظمة وفعالة, حتى بين مريديها, للوصول بنشاطاتها الى النتيجة المرجوة. اننا ان لم نفعل ذلك, فاننا نسلم مستقبل بلادنا, بلا مقاومة, الى الجهات التي تملك المال, او التي ستضع اجندة اصحاب المال امام اجندة الناس والوطن.
لنعط شيئا والا فقدنا حقنا في الندب والتذمر والصريخ ان جاءت النتائج غدا بغير ما نرجو.
كم يجب ان نعط؟
الحقيقة اننا لم نتعود على التفكير بشكل جدي بمثل هذا السؤال. فرغم ان الانسان كائن اجتماعي, وبالتالي فمن مصلحته ادامة جانبه الاجتماعي مثلما هي مصلحته في ادامة جانبه الشخصي, الا ان الاول لايجد من يمثله ويدافع عنه في رأس كل فرد. لذلك يشعر كل منا انه حر "بالتبرع" بما يريد, وعادة ما يريد نزرا يسيرا جدا, ان اراد شيئا. لكن ادراكنا لخطورة الامر يجب ان يساعدنا على تجاوز ذلك ولو بالحد الادنى, وفي الظروف الخطرة هذه على الاقل.
ما رأيكم ب 1% من الدخل الشهري لكل فرد؟ ام ان اهدافنا الاجتماعية لاتستحق 1% منا؟ ولا تنسوا ان ترسلوا هذه الدعوة لمن تعرفون, ولكم مني كل التقدير!
#صائب_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟