صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 958 - 2004 / 9 / 16 - 09:01
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
عندما يرى احد الرجال المخلصين, والشجعان غير الهيابين, ان بلده او مبادئه بحاجة الى خطوة جريئة او مغامرة خطيرة, لانجاز خطوة هامة في نقطة حرجة من تأريخ بلاده او مستقبل مبادئه, فانه لايتورع عن المغامرة بحياته من اجل القيام بها ونيل شرف العمل النبيل.
والعراق لايخلو من هؤلاء الشجعان النبلاء, لحسن الحظ. بل ان من حسن الصدف ان يكون هؤلاء الرجال الرجال, في موقع السلطة في البلاد! فاي حظ واية سعادة يا عراق!
وبطلنا اليوم هو السيد مثال الالوسي, الذي اعطى مثالا في الشجاعة والتضحية والمخاطرة من اجل الوطن. هذا البطل الصنديد حدثنا كيف مرت في رأسه خواطر البطولة فقال: "قلت لنفسي: ينبغي أن يقدم أحد ما على هذه الخطوة ولو كلفتني هذه المغامرة حياتي أو مسيرتي السياسية". ثم اضاف انه يتعرض للخطر والتهديد, لكنه لايخشاها لانه "مؤمن بعدالة ما يقوم به."
اما ما هي الخطوة النبيلة التي يغامر "مثالنا" الاعلى بحياته من اجلها في "زيارة اسرائيل"! وماذا كان يفعل هناك؟ كان يحضر مؤتمرا لمحاربة "الارهاب". لابد ان هذا "المثال" قد خاطر بحياته لكي يدرس كيف يقتل "الارهابيين الفلسطينيين" الذين يلجأون الى العنف لتحرير ارضهم.
تبرع مثال من نفسه بتمثيل المثقفين العراقيين وابلغ اسرائيل انهم يذوبون حبا بها, ويتقطعون الما الى العلاقة معها, لكن "غير المثقفين" هم الذين يمنعونهم من التعبير عن هذا الحب. المثقفين العراقيين يتحرقون شوقا الى اسرائيل, لكنهم محبوسي الالسن خوفا من "الارهابيين", وهل يكره اسرائيل غير الارهابيين؟ قال مثال ان: "العديد من المثقفين في العراق يعرفون أنه ينبغي أخذ إسرائيل في الاعتبار بصفتها واقعا قائما".
صحيح ان المثقفين العراقيين " يعرفون أنه ينبغي أخذ إسرائيل في الاعتبار بصفتها واقعا قائما" لكنهم يعرفون انه ينبغي اخد الموت والسرطان وقرحة المعدة "كواقع قائم ايضا", دون ان يرحبوا بأي منها في بيوتهم.
لم ينجح مثال في اعادة العلاقات مع اسرائيل, فهو اصغر من ذلك كثيرا, لكن مهمته كانت طرح الموضوع صراحة على الاذن العراقية, مكونا بذلك الخطوة الاولى لقبول العلاقة مع الدولة التي قال ابطالها يوما : "على العرب ان يرضوا بعيشة الكلاب او يرحلوا". "مثال" والذين على مثاله سيتمنون ان ينسى العراقيون والعرب والعالم مثل تلك التصريحات العنصرية, وتفاصيل الاحتلال الوحشية التي يقوم بها اصدقائهم الجدد, لكن هيهات, فهناك اكثر مما يمكن للتأريخ ان يغطيه. ولم نتحدث عن التأريخ؟ فحكومات اسرائيل مستمرة في القاء بصاقها وقنابلها على العرب, ولن تخفف ذلك من اجل عدم احراج السيد "مثال" وتقديرا لبطولته.
والواقع ان العراقي لايحتاج حتى الى المشاعر الانسانية او القومية او الدينية لكي يكره اسرائيل ويتجنب صحبتها. فكما قال اسرائيل شاحاك في "التأريخ اليهودي, الدين اليهودي: وزن 3000 عام" : " لم يقم اي سياسي صهيوني لحد الان باعلان التخلي عن فكرة بن كوريون بان السياسة الاسرائيلية يجب ان تقوم (وحسبما تسمح الظروف) على استعادة الحدود التوراتية باعتبارها حدود الدولة اليهودية". وما دام السيد مثال قد تحدث باسم مثقفي العراق, فلا بد انه يعلم ان تلك الحدود "من النيل الى الفرات".
وبعد ان اتم مثال ابو عيون جريئة لاتستحي, مهمته الوسخة في فتح الباب الاول للدولة التي فازت بلقب اخطر دولة على السلام العالمي حتى من قبل اصدقائها من شعوب الاتحاد الاوربي بجدارة وبلا منازع, بعد ان اتم تلك المهمة "علقت عضويته" في حزب المؤتمر. فلا داع للتضحية "بالمستقبل السياسي" للحزب كله دفعة واحدة. فلعل هناك مهمات بطولية مماثلة, تتطلب تضحيات مشابهة في المستقبل القريب!
لم يقل مثال ان من صالح العراق اقامة علاقات مع اسرائيل, بل قال "من مصلحة العراق أن يقيم علاقات دبلوماسية مع الجميع." ف "الجميع" اسهل وقعا على الاذن من الاسم المرتبط بالارهاب والقتل والاحتقار للعرب. وسيبدوا من يختلف مع مثال شخصا لايحب اقامة علاقات مع "الجميع", فهو سيء. ومع ذلك فان مصلحة اي بلد هي في اقامة علاقات دبلوماسية مع البلدان الخيرة المسالمة فقط, لان "الجميع" يشمل دولا عنصرية واجرامية وعسكرية توسعية, من مصلحة اي بلد ان يبقيها خارج حدوده ويحمي اهله من شرورها ما استطاع.
قبل حوالي اسبوعين صرح سفير العراق في لندن لصحيفة هاارتز الاسرائيلية ان هناك لوبي قوي في العراق يرغب في اقامة علاقة مع اسرائيل وان من المتحمسين لذلك وزير الخارجية هوشيار زيباري. فان صح ذلك فمن حق المرء ان يتساءل الا من حدود لقلة حياء هذه الحكومة من التصرف بعكس رأي الشعب الذي تمثله؟ الا من حدود لاحتقار هذه الحكومة للدماء العراقية التي تسيل بسبب العنف والارهاب الذي لتقدم له الحكومة كل ما يتمنى من اسباب وحجج للنمو؟ انا استطيع ان اذكر لكم مئة سبب مبدئي لدعم الشعب الفلسطيني ومئة سبب براغماتي لعدم الحديث اطلاقا عن اية علاقات مع اسرائيل, للحكومة العراقية ان كانت تريد مصلحة العراق, فمن يفعل عكس ذلك, له اولويات غير المباديء وغير مصلحة العراق. ان اتخاذ موقف مؤيد لما جاء به مثال من قبل الحكومة العراقية, او حتى الامتناع عن نفيه علنا, يعتبر اعلان حرب على الشعب العراقي ومبادئه ومشاعره من قبل الحكومة, حتى لو جاء ذلك في ضروف افضل, ما لم يتغير النظام الاسرائيلي تغيرا جذريا يزيل عنه صفته العنصرية المحتقرة للعرب والمكروهة منهم. اما ان يحدث ذلك اليوم, فلا يقوم به الا من لديه الاستعداد لادخال العراق في حرب اهلية لاجل عيون اسرائيل. لايقوم به الا من يضع الاجندة الاسرائيلية فوق الاجندة العراقية, بل فوق الدماء العراقية والعربية وشرف الموقف الانساني.
لم يا ترى اختير الامين العام لهيئة اجتثاث البعث لتلك المهمة القذرة؟ سواء كان ذلك مقصودا ام بالصدفة فانه يرسل الى العراقيين رسالة مقادها : الذين يريدون اجتثاث البعث, يريدون اسرائيل بدلا منه, فاختاروا بين البعث واسرائيل!
لابد ان بقايا الصداميين قد رقصوا للخبر حتى الصباح, فسيندفع المزيد من كارهي اسرائيل وهم اغلبية ساحقة الى تاييد البعثيين او سيتساهلون معهم, واللي يشوف الموت يرضى بالصخونة.
ليس كره اسرائيل كدولة هو كره لكل اليهود, ولا حتى كل الاسرائيليين, ففي اسرائيل من اليهود من يستحق ان تقيم له فلسطين تمثالا, شكرا وعرافانا وتقديرا. لكن "المثال السيء" لم يحل ضيفا عند امثال هؤلاء من دعاة السلام مثل يوري افنري* او اميرة هاس, بل اختار ان يحل ضيف "قلة شرف" عند موشيه يعالون, رئيس اركان جيش الدفاع الاسرائيلي وبطل الاعدامات العامة بالقصف العشوائي لمخيمات الفلسطينيين, والطيور على اشكالها تقع.
شتان بين بطولة "مثال" من جهة, وبطولة "راكيل كوري" *, الامريكية التي وقفت بصدرها حاجزا بين بيوت الفلسطينيين وجرافة يعالون, صديق "مثال", فذبحتها دون ابطاء!
انني ادعو العراقيين كافة, وخاصة المثقفين الذي ادعى مثال, الكلام باسمهم, الى تبرئة انفسهم من وصمة العار, المتمثلة بالوقوف الى جانب نظام عنصري قبيح يحتل اراض عربية ويقتل ويهين العرب والمسلمين والانسانية ويزداد وحشية وغرورا واصرارا على العدوان والتوسع كل يوم, بحملة احتجاج تتناسب مع خطورة الموقف.
-------------------------------------------
* من لايعرف افنري فلينظر مقالتي (الثانية الى الاسفل) في:
http://www.anbn.iraqcd.com/2003/wk33/wk33.htm
ومن لايعرف راكيل كوري ان يزور صفحتي ويبحث عن صورتها وقصتها, وكذلك ان يقرأ شعر صديقي الشاعر الهولندي اد كولكيس وهما على الصفحة:
http://www.anbn.iraqcd.com
#صائب_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟