أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صائب خليل - الرسائل الخفية














المزيد.....

الرسائل الخفية


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 928 - 2004 / 8 / 17 - 09:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في قديم الزمان, غادرت الجنة, او طردت منها, مجموعة من الناس, لتسكن الارض. هناك تعرفوا لاول مرة على "المشاكل" و"الاختلافات", فاحتاروا كيف يتخلصون من هذا الازعاج. بعد حين اكتشفوا ان هناك "حل" لكل "مشكلة", يدعى "صفعة". فرح الناس بالسيد "صفعة" واصبح له سوق رائجة خاصة بعد قضائه السريع على "مشكلة" الاطفال الذن لايطيعون والديهم. لكنه سرعان ما وسع زبائنه ليشملوا الازواج الّذين يجدون صعوبة مع زوجاتهم, ورؤساء العمل مع عمالهم. وتعود شعبية السيد "صفعة" الى كفائته العالية لازالة اية "مشكلة" وقلة تكاليفه وثبات نتيجتها, كما اكد زبائنه.

يقوم تأثير السيد "صفعة" على تناغم وتعاون عدة عوامل اولها الالم على الوجه, والثاني تلك الرنة المدوية في الاذن اضافة الى عنصر الصدمة. كل هذه العوامل كانت تتعاون بشكل عجيب لانتاج تأثير فوري ودائم لا ينساه متلقيه طيلة حياته, وغالبا, لاحاجة لتكراره.

توقع نزلاء الارض الجدد انه لن يمر وقت طويل الا وتكون "المشاكل" و "الخلافات" قد ازيلت جميعا, ما ان يتوفر الوقت اللازم للسيد "صفعة" لممارسة تأثيره العجيب على كل "مشكلة". حلم الناس بعودة السلام الذي الفوه في وطنهم الاصلي, ووضعوا السيد "صفعة" في منصب الاله في عقولهم وقلوبهم, وهم ينظرون اليه بعيون وافواه فتحتها الدهشة والاعجاب وهو يقضي على "مشكلة" تلو الاخرى, برشاقة وسرعة.

لكن الوقت طال اكثر مما كان الناس يتوقعونه دون ان تختفي "المشاكل" من حياتهم, وتأخر السلام الذي كانوا يحنون اليه. اكتشفوا ان "المشاكل" كانت تختفي لتحل محلها اخرى جديدة اكثر منها, وصار السيد "صفعة" مشغولا اكثر فأكثر, وصار انتظار زبائنه لدورهم يزداد طولا كل يوم.

وفي احد الايام, وبينما كانت والدة احد الصغار المشاكسين تنتظر دورها ليحل لها السيد "صفعة" مشكلتها مع ولدها, لمحت "حلا" لم تره من قبل, يجلس بعيدا بهدوء. وبعد تعارف بسيط, قررت المرأة ان تعطي الحل الجديد,"تفاهم" فرصة للقضاء على "مشكلتها", ما دام السيد "صفعة" غير متوفر. اقترب "تفاهم" من الطفل المشاكس, واغلقت الام اذنيها وهي تنتظر الصوت المدوي الذي عودها عليه السيد "صفعة" لكنها لم تسمع شيئا. اقترب "تفاهم" من الطفل وصار يهمس باذنه بشيء غير مسموع, وكان الطفل يجيب بشيء ما. طال الوقت وكاد اليأس وخيبة الامل تصيب الام, فاذا بالطفل يبتسم فجأة وهو يهز رأسه موافقا على شيء ما. مد "تفاهم" يده بحركة حازمة وودية فصافحه الطفل سعيدا, وهو يعده بالالتزام ب "الاتفاق". عاد "تفاهم" الى الجلوس في زاويته وعلامات الرضا ترتسم على وجهه, ونظرت الام الى حيث يقف طفلها, فاكتشفت ان "المشكلة" قد اختفت!

انتشر خبر "الحل" الجديد بين الجيران ورغب المزيد منهم بتجربته لان السيد "صفعة" كان مشغولا باستمرار بالمشاكل المتزايدة مع زبائنه. ورغم شكوى الناس من البطء الشديد في العمل, وثمن الصبرالذي يطلبه "الحل" الجديد "تفاهم", الا انهم كانوا سعيدين ب "الابتسامة" التي كان "تفاهم" يتركها هدية لزبائنه, بعد قضائه على "المشكلة".

وبينما كان السيد "صفعة" يراقب اخبار نجاحات منافسه "تفاهم" بقلق, انتشر بين الناس خبر مزعج اخر بالنسبة له. فبينما كان "صفعة" يعالج مشكلة بين معلم وطالب مشاكس, مد بعض الطلبة يدهم في جيب سترة السيد "صفعة" ووجدوا فيها ثلاث رسائل سرية!

كتب على ظرف الرسالة الاولى "الى المشاهد", ووجدوا داخل الظرف ورقة كتب عليها: "النصر للقوة, النصر للعنف, لاحق لمن لاقوة له".

اما الرسالة الثانية فهي لمتلقي علاج "صفعة" وجاء فيها: "انت ضعيف! اطع من هو اقوى منك والا تسببت بالالم لنفسك! انس "حقوقك" فهي كلام فارغ".

اما الرسالة الثالثة فيوجهها "صفعة" لزبونه الذي استأجره, وكانت طويلة و اشبه بأعلان تجاري: "انظر كيف احقق ارادتك بسرعة ورشاقة وبلا جهد منك؟ هل تذوقت متعة الانتصار على الاخر؟ ان اردت المزيد من تلك المتعة فما عليك الا باستدعائي كلما واجهتك "مشكلة". ان ضايقك الاخرون بالاعتراض فأنت تعرف عنواني, وسأتكفل بابقاء الاخرين مرعوبين حتى لايجرؤ احدهم عليك."

غضب الناس لان "صفعة" لم يخبرهم بامر تلك الرسائل وذهبوا يفتشون جيوب "تفاهم", لانهم لم يعودوا يثقون ب "الحلول" بشكل اعمى.

في جيب "تفاهم" وجدوا ثلاث رسائل ايضا, موجهة الى الزبون, والمتلقي والمشاهد, ولكنها كانت متشابهة وتقول :"القانون اقوى, العدل اشرف, السلام اجمل".

اختلف الناس وانقسموا بين من بقي يفضل "صفعة" السريع المدوي, وبين من لم يعد يثق به وفضل دفع ثمن الصبر الذي يطلبه "تفاهم".

وهكذا عالجت شعوب الارض جميعا السيل المستمر من مشاكل عصورها, وتمكنت جميعا من حلها بشكل ما, فزالت وافرغت مكانها لمشاكل جديدة لعصور جديدة. لكن اجيال الشعوب المختلفة استلمت سيولا من رسائل مختلفة تجمع فرق تأثيرها على الزمن فاختلفت الشعوب تدريجيا عن بعضها.

هكذا صار في الارض شرق وغرب, وصارت هناك دكتاتورية وديمقراطية, وحشية وحضارة, غزو وعمران, وصارت هناك شعوب مرعوبة قلقة وضعيفة مستسلمة وشعوب جريئة قوية واثقة بنفسها, مدافعة عن حقوقها.



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نيغروبونتي:ارهابي خطر يجب طرده فورا
- رائحة صدام ومذاق امريكي
- سياسة الصناديق السوداء
- طوابع عجمان واحتفالات مكتبة الاسكندرية
- اصوات ناشزة في قمة العالم
- نيغروبونتي: السجل الخطير لسعادة السفير
- امن اللصوص وجدار التوسع
- صدام وشرف الجنس
- الجيش الصغير والحلم القديم بالسلام
- عراقي ارهابي ام عراقي عميل؟
- مداح القمر
- العراق يعبر الشارع الخطر
- لحظة ايها الملائكة
- الانتخابات الاوربية في هولندا: نصر لليسار وهزيمة للحكومة وعد ...
- الهدية الرئاسية
- منطق النمل: غضب عراقي في البرلمان الهولندي
- القراءة الطائفية
- بحثا عن - التكنوقراط
- كلام الملوك
- الثأر...الثأر...لدماء كربلاء والكاظمية!


المزيد.....




- وزير الخارجية الفرنسي يستهل جولته في الشرق الأوسط بزيارة لبن ...
- مفتي سلطنة عمان معلقا على المظاهرات الداعمة لفلسطين في جامعا ...
- -عشرات الصواريخ وهجوم على قوات للواء غولاني-.. -حزب الله- ين ...
- مظاهرات حاشدة بتل أبيب تطالب بصفقة تبادل
- أوكرانيا تطلب من شركة ألمانية أكثر من 800 طائرة مسيرة للاستط ...
- زواج شاب سعودي من فتاة يابانية يثير تفاعلا كبيرا على مواقع ...
- بعد توقف 4 سنوات.. -طيران الخليج- البحرينية تستأنف رحلاتها إ ...
- ماكرون يعتبر الأسلحة النووية الفرنسية ضمانة لبناء العلاقات م ...
- مقتل 5 أشخاص على الأقل وإصابة 33 جراء إعصار في الصين
- مشاهد لعملية بناء ميناء عائم لاستقبال المساعدات في سواحل غزة ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صائب خليل - الرسائل الخفية