|
الروايّة في السُّودان .. أحجارٌ تعيق مَسيرة التقدُّم
هشام الطيب الفكي
الحوار المتمدن-العدد: 3271 - 2011 / 2 / 8 - 17:18
المحور:
الادب والفن
قيل عن الروايّة أنّها "صوّرٌ"؛ إما أن تكُون جيّدةً، وإما أن تكون رديئة، وقد كان تاريخ الرواية في السُودان- و فق حديث الكثير من المُختصّين- مليءٌ بالصوّر التي قالوا أنّ من بينها ما هو جيّدٌ ومُتقنٌ بحرفيّة عاليّة، وكثيرٌ مما هو مُبهمٌ ورديء، و أشار الكثيرين بأنّ هنالك عواملٌ عديدة جعلت من مسيرة الروايّة ناجحةً في فتراتٍ معيّنة ورديئة تحتاجُ إلى تطويرٍ في أوقاتٍ كثيرة، وقد أجمع بعض المُختصّين والمهتمّين بأنّ المراحل التي مرّت بها الروايّة في السُودان مُنذ فترة نشؤها وإلى يومنا قد شهدت تحولاً كبيراً في فنونها تمثّل الظاهر منها مابين الواقعيّة السرديّة والواقعيّة السحريّة في نمط كتابتها؛ وبرزت في سبيل ذلك مدارس عديدة، ففي الواقعيّة كانت ملكة الدار محمّد عبد الله، في فترة بدايات السرد الروائي في السودان، والواقعية السحرية كان الطيب صالح وعيسى الحلو..وغيرهم من الروائيين الذين ساروا على نهج الواقعية السحريّة في الروايّة وعملوا على إضافة حس أدبي جمالي فيها. "تاجُوج"، هي أوّل روايّة سودانيّة كتبها عثمان محمد هاشم، و صدرت في العام 1947م، ثم جاءت من بعدها روايّة "أنّهم بشر" لخليل عبد الله الحاج في1962م ثُم تواصلت مسيرة الإنتاج الروائي في السودان لتمُر بمراحل عديدة، وُصفت بدايتها بالرصانة والتجويد اللغوي، لكن قيل أن تقنيات الكتابة فيها قد كانت ضعيفة إلى حدٍ كبير، كما وُصِف المشهد الروائي اليوم بأنّه ضعيفٌ جداً وقيل أنّه بعيدٌ جداً من مصاف العالميّة. مشاكل ومعيقات عديدة تواجه تطوّر الروايّة في السودان؛ فالذي يبحثُ عن الروايات في السُودان سيُلاحظ أنّ ثمة مُدة زمنيّة كبيرة تفصلُ بين تاريخ كتابة الرواية، وتاريخ نشرها، وقد أُرجع ذلك - بحسب إفادات المُختصين- إلى مشاكل النّشر المُعقدة في السودان، وافتقار الكاتب السوداني إلى طريق مُمهد لنشر إنتاجه، إضافةً إلى وجود تعقيدات من قبل الدولة في حركة النشر الثقافي، وترجع هذه الإشكاليّة إلى وقتٍ طويل، فعلى سبيل المثال نجد أنّ رواية "إنّهم بشر" للرائد خليل عبد الله الحاج قد صدرت في القاهرة عام 1960، في حين أنّها كُتبت في العام 1954م، وكل الروايات التي تُكتب في السودان تحتاج إلى وقت ليس بالقصير حتى تخرُج إلى القارئ. حديثٌ ونقاشٌ طويل دار قبل وقت من الآن في جلسة أقامها مُنتدى السرد والنقد بالمجلس القومي لرعاية الثقافة والفنون، بعنوان: (تطوّر الروايّة في السُودان) شارك فيها عدداً من الروائيين والنقاد، من بينهم مصطفى الصاوي الذي تحدّث فيها عن معيقات الرواية في السُودان خاصّةً فيما يتعلق بالجانب النظري قائلاً: (لم تنجو الرواية السودانيّة من المعيقات التي يأتي في أولها ما يُمكن أن نسميّه الإشكاليات الشكلية، والتي يتمثل بعضها في عدد الصفحات؛ فهنالك روايات لا تتعدى صفحاتها الأربعين مثلاً، فضلاً عن أن هنالك قصوراً في اللغة التي تكتب بها؛ حيث تجد فيها أخطاء لغوية فادحة)، ويواصل الصاوي: (من الإشكاليات أيضاً عدم معرفة كاتب الرواية بما هو نظري، فهنالك كتب وروايات غير محكمة من حيث اللغة والترتيب والتناسق، باعتبار أن هنالك روايات تصدر وتجد اهتماماً من قبل القراء، وأخرى تموت سريعاً من دون أي اهتمام)، كما أبان الصاوي أن المؤسسات التعليمية تفتقر للمنهج الأدبي الروائي، وفي حديثه عن ما تفتقده الرواية في السودان قال: (ليست هنالك مؤسسات رسمية تهتم بأمر النشر أو تتبناه أو حتى التشجيع عليه، وهنالك عنف موجه ضد الرواية السودانية، ولكن ذلك لا ينفي أن هنالك بعض المنتديات تعمل على إعادة الوعي). في حين يرى الكاتب محمّد المهدي البُشرى أنّ هنالك مشاكل ومعيقات أساسية تواجه الروايّة والكتابة الإبداعيّة بصورةٍ عامة في السودان، والتي من أبرزها الأزمة الحادة للنّشر ومؤسساته في السودان، إذ يقول:( وجُود تعقيدات على عمليّة نشر الأعمال الإبداعيّة في السودان ساهم بصورة كبيرة في عدم الارتقاء بالروايّة والأعمال الكتابية الإبداعية إلى مصافٍ عالميّة، وذلك الارتقاء والنهضة في الإبداع الكتابي لا يُمكن أن يكون ما لم يتم تسهيل عملية النشر ورفع أي قيود عنه من قبل الدولة) ويواصل البشرى قائلاً :( الدولة مثلاً لم تبدي أي اهتمام عملي تجاه تطوير الروايّة في السودان، بل ساهمت في خلق ركود في مسيرة الكتابة الإبداعيّة، ذلك بفرض قيودها ورقابتها الصارمة على النشر، وحتى تلك الرقابة نجدّها لا تستند على أسس فنيّة على الإطلاق، إنما على أسس مزاجيّة، فرواية عبد العزيز بركة ساكن التي صُودرت هي رواية فائزة بحائزة الطيّب صالح بمركز عبد الكريم ميرغني، وقد مُنحت اللقب من قبل أهل الاختصاص من النقاد والحُكام، لكن شاءت إرادة الدولة لمصادرتها وحجبها بتهمٌ عجيبة، وحالات الهجوم على الرواية عبر حجزها/ مصادرتها له أثراً سلبياً كبيراً في مسيرة تطور الرواية السودانية)، وأشار البُشرى إلى أنّ الدولة كان بإمكانها أن تعمل على تطوير الروايّة والنشر بصور تشجيعية كإقامة الجوائز والمسابقات التنافسيّة حول الأعمال الروائية، وغيرها من الأساليب التي من شأنها أن تسهم في تطوير ودعم الرواية السودانية، وواصل قائلاً:(بالإضافة إلي تقصير الدولة هنالك تقصيراً كبيراً من قبل اتحادات الكُتاب والمبدعين، إضافةً إلى تقصير الحركة النقديّة في السودان، فبوجود حركة نقديّة قويّة وفعالة يصبح بإمكاننا أن نُخرج أعمالاً روائية تجد مكانتها العالميّة). غير أنّ أبّكر آدم إسماعيل يري أن أغلب النُقاد حينما يتحدّثون عن المشاكل التي تواجه الرواية في السودان يركُنون في العادة علي أكليشيهات بعينها مثل المطابع، الجوانب الفنيّة، وغيرها، وبدوره يرى أنّ هذه أحد المُشكلات إذا كان الحديث عن الرواية التي تُكتب بالعربيّة وليس الراوية السودانيّة، مبيناً انّه كلما جاء حديث عن "الأدب السُوداني" فهنالك انطباع بأن المقصُود هو كل ما كُتب بالعربية، لكن ما يُكتب بغير العربيّة سواء عند النُوبيين أو الأنقسنا فهذا ليس مضمناً في الذاكرة، حيث يقول: (ما تكتبه وتقوله الشخصية المعيارية صاحبة اللغة المشتركة في السودان، يسمى "بالأدب السوداني" أما الآخرين فلا محل لهم من الإعراب)، واستدرك قائلاً: (في القاهرة أقام منتدى الزيتون منتدى ضم بثينة خضر مكي، أم أحمد، نفيسة الشرقاوي وغيرهم وكان بعنوان "حول الأدب السوداني" ودار طرح المنتدى حول سؤال "يوجد في السودان شخصيات كالطيب صالح والفيتوري وتاج السر الحسن ولكن لماذا الأدب السوداني غير معروف أو لم يظهر للعالم.. فكانت إجابتي واضحة أنّ السُودان بلد مُتعدد الثقافات واللغات وغالبية شعب السودان تعتبر اللغة العربية لغة ثانية لهم، ولكي يتعلموها ليصبحوا أدباء فهذا يحتاج لزمن.. وهذا يؤدي بالضرورة للفاقد الإبداعي). وأضاف موضحاً في الورقة التي قدمها في منتدي (إيهاب طه) بعنوان"الإبداع الأدبي في السودان ومشكلة اللغة" قائلاً: (إذا جاء أحد الذين يواجهون مشكلة مع اللغة العربية، وقرر كتابة قصة أو شعر سيقرأ ويحفظ الإيقاعات في دواخله وبسبب الانفعالات والشارع، وغير ذلك وسيكتب القصة أو الشعر ولكن إذا حاول أحدكم أن يكتُب باللغة الانجليزيّة التي تُدرّس في المدارس. فبالضرورة لا تستطيع التعبير عن أحاسيسك؛ لأن تركيب الجمل يختلف حسب اللغة.. وإذا لم تكن متعمقاً فيها ستدخُل في مشاكل عديدة.. وأشكال التعبير يحتم على الفرد امتلاك البنيان النحوي للغة، وهذا الأخير يجعلُك ترتّب وتوضِّح أحاسيسك في الوعاء الذي يُسمي اللغة، وطالما أنّك لا تملك أدوات مفاتيح اللغة الانجليزيّة أو أي لغة مفروضة ستُصبح فاقد إبداعي). نخرج من حديث أبّكر بأن الشخصيّة المعيارية حينما تتحدث عن "الإبداع السوداني" لا تستبطن في حديثها المجموعات الثقافية الأخرى (=غير المتحدثة بالعربية)، إذ يري أن أي حديث يذكر عن الأدب في السودان ولم يستصحب معه بما كتب بغير العربية، فهو حديث لا يُمثّل السُودان بل يمثل ما كتب باللغة العربية، إلي أن الإبداع السوداني (الرواية) لن تخرج مشكلتها طالما نحن نتحدث عن السودان مالم يفتح الباب أما الجميع للعطاء والمشاركة والمنافسة، وذلك بعد أن يتم الاعتراف بتلك اللغات، وتتاح لها الفرص لتعبر عن نفسها. بهذا فقد أجمع الكثيرون بأنّ تطوير الروايّة في السُودان يرتبطُ ارتباطاً مباشراً بوضع حلولاً جذريّة لكافة الإشكاليّات التي واجهت مسيرتها خلال طيلة الفترة الماضيّة، والتي قالوا أنّ أهمهما ضرُورة التشجيع على الكتابة باللغات المحليّة، إضافةً إلى حل أزمة النّشر في السُودان عبر رفع أي قيُود عنه، وتسهيله بحيثُ لا يلجأ الكاتِب إلى دورِ نشرٍ في الخارج؛ بسبب رداءة وسوء عمليّة النّشر في السودان، ويرى البعض أن على مجموعات الكُتّاب والمبدعين بصورةٍ عامّة أن تضغط على الدولة في سبيل رفع ثقلها من النّشر في السودان. هذا بالإضافةً إلى ضرورة تفعيل المُنتديات والجلسات الأدبيّة التي تُناقش تجارب وكتابات روائيّة لكُتّاب جُدد والتي من شأنها أن تعمل على دفع مسيرة الروايّة، قائلين أنّ كل ما يحتاجه الكاتب الشاب اليوم هو بعضاً من النقد الإيجابي الذي سيظهر أثره في على مسيرة تطور الرواية ويرتقي بها إلى مصافٍ عالميّة.
#هشام_الطيب_الفكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسطبةٌ مُهترئة تنتج أعمالاً مَسرحيّة !
-
غياب الجمهور المستهدف بين الصّحافة وهمومها في السودان
-
الرقابة على الصحف.. معارك في الذاكرة..
-
بمناسبة عيد العمال.. العم -كوكو- عامل النظافة .. ابتسامة لغد
...
-
الإنتخَابات.. جِيل بأكمَلِه يتعرَّضْ لعملية نَهب وإحتيَال
-
المَنسيُون فِي هَوجة الإنتخَابات السُودانيّة
-
حِين سلكنا دَربْ النَجمة ! قِصَّة
-
دور الشباب في تحقيق الوحدة السودانية..
-
الجوع كائن مُفترس بلا رحمة .. !
-
الفراشَة التي هَاجرتْ معَ سِرب الأُمنيَات
-
المطر .. !
-
معاً لإيقاف العنف ضد المرأة
-
على نهج الحوار المتمدن - صحيفة سودانية إلكترونية - خطوة في ط
...
-
(ستنا) إمرأة بحجم الثورة قصة .. أشبه ما تكون واقعية !!
-
ماشين في السكة نمد.. في عيد العمال العالمي .. فلنكن فرساناً
...
المزيد.....
-
رحيل المخرج العراقي قيس الزبيدي أحد أبرز رموز السينما الوثائ
...
-
دمياط المصرية في المصادر العربية وكتب الرحالة والمؤرخين
-
سحب الجنسية الكويتية من فنانين وإعلاميين يثير مزيدا من الجدل
...
-
وزير الإعلام العماني: الفيلم الوثائقي -الخنجر- ثري ومبهر بصر
...
-
إيران: إطلاق سراح مغني الراب توماج صالحي بعد إلغاء حكم بإعدا
...
-
لوكاشينكو يدعو وزير الثقافة الجديد لترتيب الأوضاع أو الموت
-
12 دولة تشارك في مهرجان -تشيخوف- المسرحي الدولي عام 2025
-
مسقط: RT كما -الخنجر- العماني ينبغي الحفاظ عليها كشكل من أش
...
-
إطلاق سراح مغني الراب الايراني توماس صالحي بعد إلغاء حكم ساب
...
-
سلطنة عُمان تشهد العرض الأول لفيلم RT العربية -الخنجر-
المزيد.....
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
المزيد.....
|