أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم المطير - عن خواطر الدهر العراقي في حديث الشاعر حميد العقابي















المزيد.....


عن خواطر الدهر العراقي في حديث الشاعر حميد العقابي


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 3271 - 2011 / 2 / 8 - 16:49
المحور: الادب والفن
    


اطلعتُ على نص الحوار مع الشاعر والروائي العراقي حميد العقابي المنشور في جريدة الصباح الغراء بتاريخ 20 – 1 – 2011.. كان محاوره السيد عمر الجفال وقد وجدت في آراء العقابي القليل مما اتفق معه ، والكثير مما اختلف حوله. لا أريد الخوض ، هنا، لا في (كل) نقاط الاتفاق، ولا في (كل) نقاط الاختلاف، في مقالتي القصيرة السريعة هذه. لكنني أود أن أضع بعض الهمسات عن جانب من أفكار ٍ قالها من وراء حجاب ، أو من خلال أنفاس عاطفية مجردة، أو قالها وهو ينأى عن التوثيق والإحصاء وهما أمرين لهما جلالة في أقوال النقاد الموضوعيين، فمن دون الاستناد إلى هذه الجلالة يكون النقد ضعيفا ويكون الناقد لا موضوعيا.
في البداية أقول أنني وجدت ُ حب العقابي للشعر قد جعله خفاقا في كتابته عن أفكار كبيرة في لقاء صحفي قصير، صار من الصعب عليّ تحديد نوع واتجاه هواه التجنيسي في حياته الثقافية والأدبية. في كلامه الأول أسى وعذاب عن ما آل إليه فن الرواية العراقية . من ثم أفاق في كلامه الثاني على أن الرواية المكتوبة بنشوة شعرية يحبذها (هو شخصيا) ، هي رواية المحيط الإبداعي الجديد ، وربما أراد أن يعبـّر أن الرواية الشعرية أو القائمة على الوجود الشعري هي رواية الطريق القويم. هذا رأي فيه جاذبية لتطوير لغة الرواية وأمنية أو تشوق لحماية اللغة الروائية من السطحية والانكسار دون شك. ثم تحدث بأسى عن الشعر المغنى لنزار قباني من قبل كاظم الساهر ، يعتقد أن نتيجته كانت سقوط أشعار قباني ، بنظره ، من دون أن يفجر أي برهان حول واقع أو واقعية هذا السقوط ، في وقت كان قد أعلن فيه الشاعر عبد الوهاب البياتي ذات يوم (أظن في عام 99) أن كاظم الساهر أحيا أشعار نزار قباني .
كما تحدث العقابي بنوع من الغرابة عن الروايات المتحولة إلى مسلسلات تلفزيونية وهو لا يرضاها متناسيا سلسلة أفلام هاري بوتر، استقطبت أذهان مئات الملايين من المشاهدين بعد تحويل قصص السلسلة إلى أفلام. وجدتُ نفسي حائرا عما يريده في دنيا الأدب من دنيا الأدباء وحميتهم الإبداعية.
هنا أود الخروج من حيرتي لتناول بعض الشكاوى الواردة في الحوار، مركزا على بعض ما جاء في إجاباته على أسئلة محاوره.
سأله عمر الجفال: هل هذا زمن الرواية..؟
أجاب العقابي بالقول (( إن عبارة (هذا زمن الرواية) ليس رأي النقاد، بل ربما فُرض عليهم، فأنا أرى إن الاحتكام إلى هذا الرأي دافعه (السوق) وليس الموقف النقدي، فقد ازدهر سوق الرواية في الفترة الأخيرة وتراجع سوق الشعر بشكل واضح، ولكن متى كانت (السوق) هي القيمة كي نحتكم إليها؟.أنا أرى العكس تماماً.))
هنا في هذا الجواب وجدت العقابي بعيدا عن العدل والصواب. أثقل نفسه بموضوعة إغفال دور (السوق) في زمان الرأسمالية التي لا وجه لها ولا حياة من دون (سوق) ، معتبرا هذا الدور سلبيا لا يعزز فكرة المحاور أو استفساره. السوق هنا ليس طيفا أو ترنما أو كلمة عادية بلا معنى، بل هي المعيار الحقيقي لمعرفة ما يتعلق بزمن الرواية وجمهورها . حتى في زمان الاشتراكية السوفييتية وغيرها كان (السوق) قيثارة رئيسية تعزف موهبة هذا الأديب أو ذاك. السوق يعني (القارئ) ، يعني مقدار وحجم (طلب) القارئ في التسوق الأدبي، وطلب القارئ يعني علاقة المتلقي بالجنس الأدبي. هنا أود أن اطوف قليلا مع خبرتي المتواضعة الناتجة عن قربي من السوق الأدبي من خلال مشاركاتي الواسعة في حضور الكثير من معارض الكتب الدولية والعربية ( معارض فرانكفورت ولندن وباريس ولايبزخ وباريس وبيروت والقاهرة وأبو ظبي ودبي والشارقة وعمان وغيرها) وكذلك مشاركتي في عملية النشر والكتابة الروائية والنقد أيضا.
في الساحة العالمية تراجع تسويق الديوان الشعري بنسب كبيرة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وقفزت أرقام مبيعات الرواية العالمية إلى حد كبير بحيث لا يمكن مقارنته مع مبيعات الشعر التي ظلت في تنازل متواصل ملفت للانتباه يمكن تلمسه بوضوح مباشر في معارض الكتب في لندن وباريس وفي تقارير المعارض السنوية في فرانكفورت آخرها في تشرين الماضي. أما في ميدان الشعر العربي فقد بدأت علله التسويقية مباشرة بعد انتكاسة العرب في حرب 1967 وما زالت المعارض العربية للكتاب تهتف أسواقها ـ إن لم أقل تصرخ ـ عن تدني سوق الشعر وانحدار أرقام قرائه إلى درجة تتطلب الرحمة عليه أمام الطلب التسويقي للأجناس الأدبية الأخرى خصوصا كتب المذكرات الشخصية والرواية العربية زائدا الكتب الدينية السلفية. بإمكان السيد العقابي الاطلاع في الانترنت على الكتب الأكثر بيعا حيث لا يجد في تقارير كبريات دور النشر العربية فوزا مقبولا أو مرضيا لمبيعات الشعر. أما في العراق فأود القول أن تجربتي الشخصية (ناشرا) وهي تجربة طولها ربع قرن، قائمة على الدراسة والإحصاء، علمتني أن مبيعات الرواية كانت تتفوق في سوق الثقافة العراقية بما لا يقاس . إذ كنت انشر ما يقارب 20 رواية مقابل ديوان شعر واحد. في الحقيقة أنني ما نشرتُ غير ديوانين شعريين فقط خلال ربع قرن. معدل طباعة الرواية الواحدة لا يقل عن 5000 آلاف نسخة بينما معدل طباعة الشعر لا يزيد على 500 نسخة إلا ما ندر. حتى الأجزاء الخمسة لرواية مدن الملح لعبد الرحمن منيف ( وهي خماسية ثقيلة الصفحات والسرد) طبعتُ من كل جزء 5000 نسخة نفذت جميعها. طبعتُ من رواية 1984 لجورج اورويل طبعتين كل واحدة 5000 نسخة بينما لا يعاد طبع أشعار غير محمد مهدي الجواهري ونزار قباني وعبد الوهاب البياتي وبدر شاكر السياب وأحمد شوقي وأبي القاسم الشابي، وبعض الشعراء القلائل، بمعدل لا يزيد على ألف نسخة في كل طبعة، ما عدا كتب وأشعار نزار قباني التي طبع منها عشرات الآلاف من النسخ . للعلم أقول أن دواوين دار الشئون الثقافية خلال عقدي السبعينات و الثمانينات وما بعدها لم تستطع أن تبيع أكثر من 50 – 100 نسخة للديوان الواحد كمعدل، مما اضطر الدار إلى بيعها جملة وتفصيلا بخصم قدره 75% اشتريتها شخصيا دفعة واحدة مع كتب بائرة أخرى وزعتها على مكتبات عربية من الأردن حتى الجزائر بخصم 50% بمعدل خمسة نسخ لكل مكتبة ـ على التصريف ـ كما وزعت على مكتبات عالمية أيضا من موسكو حتى لندن وكندا مستغلا صداقاتي الشخصية مع موزعين.
العلاقة بين نسب الإنتاج الروائي والشعر من خلال رقابة وإرادة السوق ليست صورة واضحة في العراق وحده، أو في العالم العربي وحده ، بل يمكن ملاحظتها حتى في أوربا. في هولندا كمثال حيث تشير الكثير من المقالات الأدبية والنقدية إلى أن دنيا الرواية تحلق عاليا فوق سحاب ابيض، بينما الشعر ما زال يقاسي آلامه في زوايا الندوات الضيقة. في حال انتقال الشعر من (الندوات) إلى السوق فأنه لن يكون غير مزنة في بلد يمطر نوره وأساه روائيا. وقد نوقش الموضوع نفسه في لقاءات أدبية كنت احد الحضور فيها.
استغربت أيما استغراب من فكرتين مطلقتين وردتا على موج تصريحات حميد العقابي.
الفكرة الأولى قوله أن الرواية كـ(فن) هي في دور الاحتضار..! ولا ادري بم فاض رأيه هذا وعلى م استند ..؟ حيث نرى ، هنا ، في أوربا أن العقل الإبداعي ما زال ناطقا بالمعجزات الفكرية من خلال الفن الروائي نفسه. ففي كل بلد نقرأ ، كل عام ، عن سحر وفن وانطلاق روائي يفيض بالحياة الإنسانية الجديدة . يكفي تذكير العقابي أن عملية ترشيح الجوائز العربية والعالمية تضم آلاف الروايات الموهوبة، بل أود تذكيره أن جمر رواية (دافنشي كود) ، مثلا ، أحرق جهلا دينيا كثيرا لمئات الملايين من الناس حيث زادت مبيعات هذه الرواية على 60 مليون نسخة ( ما عدا قراء الانترنت حيث الرواية معلنة على هذه الشبكة حتى باللغة العربية منذ عام صدورها الأول). كما أن هذه الرواية وحدها جعلت مؤسسة الفاتيكان شاردة الفكر. فهل هذا مثل على زمن احتضار الرواية أم أن هذا العدد الهائل من القراء هم كما يعتقد العقابي (أغلبهم من ضعاف الحصانة الفنية) كما ورد على لسانه..؟
استغربت أكثر وأكثر لقول حميد العقابي: ((أعود إلى موضوع الرواية وأقول إن طريقة السرد السائدة في الرواية منذ القرن الثامن عشر أصبحت مملة والزمن (السردي) زمن سلحفاتي رخو لا يتناسب مع الإيقاع السريع للحياة في عصرنا الحالي..)). أتمنى والله أن يكون هذا القول خطا مطبعيا لأنني لا اعتقد انه يصدر عن مثقف عراقي بحجم الكاتب العراقي حميد العقابي. هذا القول يحمل حكما غير سوي ربما حكما إلهيا على العقل الإنساني الروائي، الذي حارب الشرور والبلايا والآلام والأحقاد من خلال الثروة الروائية التي أنتجها عقل الإنسان في القرن التاسع عشر والعشرين والحادي والعشرين ربما يفوق عددها المليون رواية. لا أدري كيف يمكن لحميد العقابي أن يصفها بالحركة السلحفاتية وهو لم يقرأ منها ،حتما، غير بضعة كتب. انه اعدم بشطحة قلم واحدة خيار الإنسانية وكنوزها العقلية الإبداعية الممتزجة والموصولة بانجازات القرن التاسع عشر: دوستويفسكي بتحليله النفس البشرية في الجريمة والعقاب والأخوة كرامازوف ، وبأعمال ليو تولستوي في الحرب والسلام ، وتشارلز ديكنز في أوليفر تويست ، جوستاف فلوبيرفي مدام بوفاري ، هرمان ملفيل في موبي ديك . في أمريكا صوّر سكوت فيتزجيرالد الخواء الأخلاقي للرأسماليين الأمريكيين في جاتسبي العظيم. كما عبّر إرنست همنجواي عن شعور الأمريكيين بالضياع بعد الحرب العالمية الأولى في رائعتيه: الشمس تشرق أيضًا، و وداعًا للسلاح. وهناك روائيون في كل دول العالم مثل كارلوس فيونتس في المكسيك، وماريو فارجاس لوسا في بيرو، وجورجي لويس بورخيس في الأرجنتين. وجميعهم يكتبون باللغة الأسبانية. ويكتب جورج أمادو من البرازيل باللغة البرتغالية. واشتهر الإيطالي إيتالو كالفينو والروائية الفرنسية مارجريت دورا وجان بول سارتر وكافكا وآلاف الأعمال الروائية في أنحاء العالم بما في ذلك إبداعات الروائيين العرب والعراقيين في القرن العشرين أمثال غائب طعمة فرمان ونجيب محفوظ وحنا مينا والطيب صالح وصنع الله إبراهيم ومئات غيرهم. هل هؤلاء الذين اغنوا الأعمال الأدبية – الفكرية بالأشكال الفنية العالمية كانوا موضع النسيان بنظر السيد حميد العقابي أو انه تعمد الإطاحة بحكمتهم وإبداعهم وذكائهم عن طريق إفناء عباقرة الرواية الفذة الفاتنة في ثلاثة قرون دفعة واحدة لسبب لا اعرفه..‍! أملي أن يكون قوله بهذا الصدد خطأ مطبعيا قاهرا أو أن طيوف معاناة الأديب العراقي خلال خمسة عقود من الظلم والظلام العراقيين أرّقت حميد العقابي إلى حد حجبت عنه شمس الفن الروائي العالمي العظيم جاعلة إياه يرى : ((الزمن (السردي) زمن سلحفاتي رخو لا يتناسب مع الإيقاع السريع للحياة في عصرنا الحالي))..!
مضى حميد العقابي مع محاوره في الحديث عن الروائي العراقي خلال فترة النظام السابق فدقّ قولا ليس صائبا أيضا عن ينابيعه في زمان الخوف والظلم مصورا أن عقودا ًمضت عليه من دون أن ينتج الكاتب العراقي عملا أدبيا بمستوى (التوقع)، وبالضبط فأنني انقل للقارئ قوله : (( حينما سقط النظام العراقي كنتُ أظن أن كنوزاً روائية وقصصية كتبها أصحابها في السر ستظهر، ولكن مع الأسف خاب ظني، فقد مرت ثمانية أعوام ولم يظهر عمل أدبي بمستوى التوقع، ماذا كان يفعل الكتاب؟ أما من أحد بينهم كان يكتب دون أن يفكر بالنشر؟ ألم يحدس أحدهم بأن هذا النظام سيزول يوماً؟ أسئلة كثيرة تطرح في هذا المجال، لذلك أنا لا أعوّل على كتاب نخرهم الخوف وتغلغل حتى إلى عزلتهم، ولكني أعوّل كثيراً على الجيل الجديد، فما حدث في العراق خلال الأربعين سنة الماضية يشكل مادة ضخمة لكتابة رواية لا تتطلب من الكاتب خيالاً واسعاً، فبمجرد أن يكتب الواقع والأحداث التي جرت ويرصد التحولات الجارية في بنية المجتمع العراقي والتحولات النفسية التي ظهرت على الفرد العراقي سينتج أعمالاً فنية متكاملة ولا تحتاج سوى لمسات فنية طفيفة. إضافة إلى ذلك أن ما جرى من أحداث مأساوية وتحولات حادة يضع مسؤولية كبيرة على عاتق الجيل الذي عاش الأحداث (ولا يزال يعيش في خضمها) لتدوينها وأرشفتها، ولي ثقة كبيرة بأن العراق بلد لا يتوقف عن إنجاب المبدعين)) .
في ظني أن هذا القول يحمل من الرأي بعض صوابه عن خوف الأديب العراقي وعزلته خصوصا داخل العراق في فترة الدكتاتورية ، لكن ، بذات الوقت ، فأن الاستنتاج الرئيسي لحميد العقابي لا يضيء الواقع كله لأن الكثير من الأدباء الشعراء والروائيين كانوا قد كتبوا بما لا ببريء ذمة النظام الغاصب. بعضهم نشر خارج الوطن وبعضهم كان وما زال ، حتى الآن ، يعانون من أزمة النشر. صحيح أن الأديب العراقي كان يعاني من (الخوف) لكنه كان يقنع نفسه بالكتابة الرمزية أحيانا وبالكتابة المحفوظة سرا للمستقبل في أحيان أخرى. ليس جميع الكتاب العراقيين كانوا مقفرين كما أشار وأوحى العقابي. هنا أشير إلى أن سرورا وغرابة حلتا بي ذات يوم في منتصف ثمانينات القرن الماضي حين قرأت قصة قصيرة من جنس (الواقعية الرمزية) منشورة في جريدة الثورة ، ذات صباح، كتبها القاص العراقي عبد الستار ناصر (أظن كان عنوانها المفتاح) وهي نص من نصوص إدانة الحرب العراقية – الإيرانية كنت اعتقد انه سوف لا ينام قرير العين بعدها إن لم يحرقوه في زاوية بسجن من السجون السرية.
لا ارغب في التطرق لنشاطي الشخصي في الكتابة السرية رغم خوفي وأنيني لكن ضميري ما غاب عني وأرجو أن يسمح لي حميد العقابي أن أقول أمامه بعض الحقائق من الأمس المظلم الطويل.
أثناء وجودي في العراق كنت (خائفا) لكن الخوف لم يوقف نشاطي في الكتابة ولا لحظة واحدة. هذا ما فعله كتاب عراقيون آخرون كثيرون. كنت اكتب في آخر الليل واخبي ما اكتبه أو أهربه إلى الخارج تمهيدا لهروبي وعائلتي في الفرصة المناسبة. كنت اكتب واعرض ما اكتبه على بعض الأصدقاء. قصصي القصيرة كنت اعرضها على محمود عبد الوهاب ومهدي عيسى الصقر ومحمد الجزائري ومحي الدين إسماعيل والدكتور هشام البعاج وغيرهم من الأصدقاء الأمناء. رواياتي كنت اعرضها على عبد الرحمن منيف، كان بعض منها يتناول واقع الحال الدكتاتوري القائم بالبلد أنذاك( مثل قصصي بعنوان أنا عشيقة الوزير) وكان يزودني بالكثير من الملاحظات المفيدة لي، فكريا وفنيا، رغم أن عبد الرحمن منيف لم يكن ضد النظام ولا ضد صدام حسين. لكن كل لقاء ونقاش كان يتم بيننا (سريا) حين اطلاعه على كتاباتي (السرية) المناوئة للدكتاتورية. بعض كتاباتي كنت أحفظ مسوداتها ليس في بيتي المعرّض دائما للتفتيش البوليسي ، لكن بعضها أحفظه بمخبأ صديق أمين وجدته رحيب الباع في تحمل مسئوليتها اعني الأديب اللامع حميد المطبعي . رغم أن هذا الرجل بعثي الانتماء لكنه كان ضد اضطهاد الإنسان العراقي وقد كان بالنسبة لي حافظا لكتاباتي ونصيرا لها وأظن أنه يحتفظ حتى الآن بمسودة روايتي (رسائل حب خليجية) التي طبعتها بالأردن في منتصف التسعينات بعد مغادرتي الوطن، ظلت محجوزة لثلاث سنوات من قبل الرقابة العسكرية الأردنية ثم استلمتها متعهدا بتوزيعها في أوربا وليس في الأردن ومن ثم منعت في البلاد العربية كافة رغم أنها مكتوبة برمزية أعدتُ أحداثها للقرن التاسع عشر..! وما زالت طبعتها الثانية الصادرة في بيروت عام 2010 ممنوع تداولها في عدد من بلدان العالم العربي لكنها نفدت أو على وشك النفاد.
أتصور أن معاناتي الشخصية في هذا الصدد هي معاناة جماعية تشمل الكثير من الأدباء العراقيين الذين اضطروا إلى الهروب من وطنهم لأنهم ما عادوا قادرين فيه على التفكير والكتابة فضلا عن النشر. لكل أديب عراقي تجاربه الشخصية في هذا المجال طيلة 35 عاما ممن لم تهدهم إغراءات السلطة الدكتاتورية، بل ظل مذهبهم بالحياة في ظل الأيام الصعبة هو الإصغاء لصوت الضمير.
كم أتطلع حقا للاماني الطيبة لحميد العقابي في أرشفة الكتابات العراقية، السرية والعلنية، المنشورة وغير المنشورة، التي كتبها مبدعون عراقيون مخنوقة بدموع الأسى والشجن والمحن. إنها فكرة عملية هدفها حتما الرغبة في إظهار قدرة الكاتب العراقي على إدانة موثقة لكل أشكال الردى الكامنة في اعماق فترة الحكم الدكتاتوري التي لم يصمت بها ممثلو ضمير الشعب من كتاب الداخل والخارج ، بل ظل صبرهم مصرا على إدانة نظام الدكتاتورية . ليسمح لي أخي حميد العقابي بتذكيره ببعض الكتاب العراقيين من تلك الصفوة العراقية الواسعة التي اتقت ببلاد الغربة وأمنت سلامتها من أخطار الدكتاتورية فلاحت كتاباتهم الروائية والقصصية وغيرها تدين ليالي العذاب الأسود في زمن الدكتاتور، منهم إبراهيم احمد وجنان جاسم حلاوي وهيفاء زنكنة ، وسلام عبود وبرهان الخطيب ، ونجم والي، وحميد المختار، ومحمود سعيد، وعبد الاله عبد القادر، وجمعة اللامي، وفاضل العزاوي، ومؤيد الراوي، وعبد الله صخي، وذياب الطائي، وسميرة المانع وسلام إبراهيم ومئات غيرهم وكنت واحدا من المصغين إلى ضمير الشعب، كتبتُ ونشرتُ، عددا من النصوص القصصية كاشفا فيها اعماق الدكتاتورية وجرائمها. أجد هنا أن ليس من تصاريف الحق أن اشهد بنفسي لنفسي ، بل أضطر إلى اقتباس بعض السطور من الكاتب العراقي عباس ناجي صالح ـ المقيم في هولندا ـ عما سطرته يده النقدية ذات يوم حين كشف بمنهله الطيب عن بعض وجوه كتاباتي القصصية بما يلي :
(( كان جاسم المطير قد كتب ونشر سبعة كتب روائية حملت اسمه الصريح خلال فترة ما قبل سقوط الدكتاتورية وبالضبط خلال تسعينات القرن الماضي.. كان منها (خماسية الظلام) التي ضمت خمسة كتب قصصية ما رحمت الفترة الدكتاتورية وجرائمها. إنما سلطت على داخل هياكل النظام شعاعا كاشفا عن الردى الخانق لفترة الدكتاتور ودولته وحزبه المنفرد وكانت كتب الخماسية (1) المقتدر بالله البغدادي ونسوانه (2) دولة لوفياثان (3) آه يا كاني ماسي (4) أنا عشيقة الوزير (5) عراقسز ، وهي قصص كشفت للقراء أشكال التعذيب والممارسة القمعية البغيضة، التي تمارسها مؤسسات الدولة . كما أعطت صورها أفكارا تدين المسئولين عن جراحات شعب مغلوب على أمره خلال الفترة اللاحقة لعام 1968. لقد كانت أعمال جاسم المطير محاولة روائية جادة لتبصير القارئ بحقيقة ظلام الحقبة التي حكم فيها صدام حسين))..
أتأمل من صميم قلبي أن يعيد حميد العقابي النظر في بعض أفكاره السابقة متساميا فوق كل شيء بهدف ثني أوراق رؤيته للرواية العالمية والعربية والعراقية التي ساهمت بهذا القدر أو ذاك في الإسراع بعملية تطوير الفن الروائي في ما بعد القرن الثامن عشر وإنصاف الكاتب العراقي من اتهامات لا يستحقها بعد أن سرى الظلم والعذاب في حياته رائحا وغاديا حتى بعد أن تصور الجميع أن الظلم والعذاب قد غادر العراق والعراقيين إلى الأبد بعد عام 2003 غير أن جنون العنف والإرهاب والظلم صار لمحاً يوميا يعيش بين الجميع ، لكنه مجهول المصدر في هذه الفترة ، كما حاولت نثر معانيه في روايتي الجديدة (شظايا) التي تتناول آلام العراقيين في الفترة 2003 حتى نهاية 2005 أملي أن تساهم بقسط متواضع بمناولة روائية عن تجاعيد عراق ما بعد الدكتاتورية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بصرة لاهاي في 23 – 1 – 2011
نقلا عن جريدة الصباح البغدادية يوم 8 - 2 - 2011



#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جريمة 8 شباط لا يمحيها الزمان
- يا حاشية نوري المالكي .. قولوا له الحقيقة ..!
- أيها الحكام العراقيون اهتفوا أو ارحلوا.!
- المسافة السيكولوجية بين الوطن والمنفى في أشعار طالب غالي
- ديوان شعر الجماهير المصرية عنوانه : الرحيل..!
- هذا عصر التغيير يا لبيدوفتش عباوي..!
- المعمار الهندسي في قصص فرات المحسن
- أيها الحكام العراقيون: أصحابكم محاصرون .. ويسقطون..!
- أيها العراقيون لكل الناس هتاف.. فمتى تهتفون ..؟
- لا تعذروا (الشرطة الوطنية) إذا هزجوا للمال الحرام..!
- تكبروا .. تجبروا .. تعفتروا.. تعنتروا .. تبختروا يا سادة الم ...
- أيها التونسيون المنتصرون حذار من ثعالب المرحلة الجديدة ..!
- الفاشست يقتحمون مقر اتحاد الأدباء..!
- عن رواية زهدي الداوودي ذاكرة مدينة منقرضة
- سقط الدكتاتور التونسي سقوط الحيوان المحاصر..
- ليلى الخفاجي تفجر قنبلة ذرية في الفضاء الخارجي ..!
- أجمل وزارتين في العراق، الداخلية والدفاع.. !
- لا تصدقوا هذا البرلماني لأنه لا يميز الفرق بين الحلو والمر.. ...
- في مكتب نوري المالكي زواج وطلاق في عشرين يوما..!
- فضيحة وزارية عراقية على موقع ويكيليكس ..!


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم المطير - عن خواطر الدهر العراقي في حديث الشاعر حميد العقابي