أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم المطير - المسافة السيكولوجية بين الوطن والمنفى في أشعار طالب غالي















المزيد.....

المسافة السيكولوجية بين الوطن والمنفى في أشعار طالب غالي


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 3266 - 2011 / 2 / 3 - 08:55
المحور: الادب والفن
    


طالب غالي أوحشته الموسيقى إذا لم تـُعزف داخل وطنه حيث فيه يشدو كل طير غناه. في عمق الصمت الشعري وفي همساته وصرخاته وجدتُ في ديوانه الثاني توترا ،اجتماعيا ، رمزيا، بثقل وجوده خارج الوطن. أوحشته الغربة المليئة كؤوسها بالدموع فراح مستنجدا بالشعر كي يبكي على أمنيات حملها من مدينة البصرة إلى كوبنهاكن، حيث سطـّر فيها وتريات أشعاره، عن أحباب قلبه، فكان ديوانا بـ168 صفحة بـ26 نصا، صادرا عن دار المدى – بغداد – دمشق معنونا إياه ( تقاسيم على الوتر السادس) كأنه يريد أن يمد وترا سادسا إلى آلة العود التي اعتاد دائما أن يطوق همومه بها وأن ينادم بها شكاوى الناس العراقيين ودموعهم، وهو بعيد عنهم، في شقاء غربته الطويلة، فكانت بداية صوته الشعري بــ(وتره السادس)، منطلقا، ليس من مقدمة الديوان، بل من غلافه الأخير حيث لا يحده انتهاء. كانت فكرة سامية أن يجمع، في بضعة أبيات ، خلاصة أوتاره الستة حين ناداك وناداني ونادى القراء جميعا، بل نادى نفسه، في كلمات موقدة الجمر، حين اطمئن بوضعها في منصة الغلاف الأخير مثل لافتة غاضبة في مظاهرة أو مثل علامة، مجازفة ، موهوبة ، في فن المسرح.
يقول الشاعر طالب غالي عنا وعن نفسه في نقرات على الوتر السادس:
ارض ليست أرضك لن تتعرف على ملامحك
وسماء غير سمائك لن تفتح لك أبوابها
فأنـّى ستوجه أشرعتك وبحار الدنيا تغشاها الظلمة والأمواج
وأي فضاء يتشرب صوتك..؟مغيبّة كل المرافئ الدافئة الحنونة فما تستطيع إدراكها
ماسورة كل الأغاني الجنوبية بآهات مبدعيها
فما تسمع غير الإيقاع الصاخب في ليل الديسكو ومحطات الغربة وأنين الأرصفة المنهوكة بالتجوال .
بهذه الأبيات كفر طالب غالي بكل ما جناه من الغربة ، ومن برية المنافي، التي حف بها وحفت رزاياها به ملخصا إياها:( أصدقك القول بأن المدن المنفى موحشة خرساء).. هل صحيح هذا القول أم أنه نوع من التهويل الشعري حتى يصل بلاؤه إلى المتلقي..؟ هل من المعقول أن تكون كوبنهاكن أجمل مدينة في العالم موحشة خرساء ، حقاً ، بنظر طالب غالي، الذي صاغ وجوده فيها، قرابة عقدين من زمان صعب، جعله لا يجدها مكانا للنعيم والنعمة كما يظنها شاعر ما في مدينة البصرة يتلظى بنيران الإرهاب والفزع اليومي..؟
هل المنفى الدانمركي قبس أثير أم حلم محترق بنار الغربة في حياة الشاعر الذي لا يجد لزورقه مرفأ فراح يغزل كلاما عن بيت طفولته وذكريات شبابه ونضاله السياسي وحبه وأحلامه وبقاء شعاع شعره الأول وموسيقاه الأولى في مسمعه وناظريه في دنيا الغربة القسرية مدفوعا بلهب زمان المنفى ليقول في قصيدته بصرياثا:
بيتنا
كان على شاطئ نهر في الجنوب
بين حمدان وكوت الزين في ارض سخية
تنبت القداح والحناء والكرم المحلى
والصباحات الندية
بيتنا
من خفقة الأرواح منسوج ومن نبض القلوب
والأغاريد الشجية
هكذا نجد أن الأغاريد الشجية مارست صنوف ضغطها على صدره بجمل شعرية هادئة تغنى بها عن سلام مع نفسه، يحس به موصولا ببدايات حياته في سالف الزمان، عن نهر وعن قريتين صغيرتين في الجنوب وعن رائحة القداح وأوراق الحناء وعن أغصان الكروم تتحول في عيون شعره خيالا ، في صفو الغربة، يطوف به إلى بيت في البصرة . غادره مقهورا إلى مكان جميل لكنه مسدول بمعاناة من نوع آخر. كل شيء فيه صراع بين الذات وغيابها عن الوطن الأم.
بين كلامه في الصفحة الخامسة عشر من الديوان وكلام هجع متألما على ظهر الغلاف الخارجي، نستطيع أن نحدد المسافة بين الوطن والمنفى، بين بصرياثا وكوبنهاكن، بين مقر هوى طالب غالي في الوطن الأم وصمته في الوطن المنفى، بين الحزن والأسى، بين الحنين والضنى ، بين نظرة تشع في عينيه عن نبض قلوب أصحابه الأولين وبين الآهات المكبوتة . هذه (البينيات) أوجدت له في ص 115 من الديوان ترنيمة جنوبية لواحد من أصحابه في ذلك الجنوب اسمه حميد البصري فيقول :( ممزوج دمك البصري بماء الورد / وماء الطلع / وماء الزهر / وماء النعناع / وماء القداح / وماء البحر / وماء النهر / ونثار من ملح الأرض وذرات من ضوء الشمس / والبصرةُ أمٌ حيث ولدتَ).
في المسافة الطويلة بين الوطن الأم والوطن المنفى، لم يكن طالب غالي، كما يبدو ، سائما من شيء فيها، بل ظل شاهرا وتره السادس ليظل بارقا في سماء الأمل حين نجده واقفا متأملا على شرفات حلم في معرضٍ تشكيلي ليقول لنا في اللوحة الثالثة من المعرض ص 155 ( في الأفق تمر طيور الحب مهاجرة / وعليّ يمعن في الغوص بأعماق الأشياء / يستخرج أصداف الزمان / يتحلزن داخل شرنقة / ويمط خيوط القز وينشرها / تتشكل أقواسا / وشبابيك / ومحطات سفر.)
هل كان يعني أن (المسافة) بين الوطن والمنفى هي مجرد (محطات سفر) فيها حمى الغربة ونشوة الحنين إلى الأديرة الأولى والى البيت الأول أم أنها (مسافة أقواس) فيها قيود وفيها هوان وفيها شجن حين ظل مكانه مقهورا في وطنه أكثر من خمسة عقود يراها دهرا طويلا ..؟
جوابه على سؤالي واضح في قصيدته (سماوات تبتعد ) حيث يقول فيها ص (99) :
تخطينا حدود الظلمات والتيه والظلمات والقهر
وليل الخوف يتبعنا
مشينا والمدى سهد
مشينا في دروب ما لها حد
قوافل بعثرتها الريح في الفلوات أشتاتا
هنا في هذه الأبيات يذكرني طالب غالي بقصيدة الشاعر التشيلي بابلو نيرودا المعنونة (يساورني الحزن) التي يقول فيها نيرودا بصوت بعيد:
ربما اعترضت .. صرخت ذواتي المتباينة احتجاجا
قالوا أني ربما قلت باني خائف
إني راحل.. إننا راحلون.. من هذا الموضع ما جئت
ما ولدت والمنفى قدري
واستميح الجمع عذرا
أعود لأجد أجنحتي
دعوني اعد إلى سعادتي
إلى الظلال الوحشية الجياد
إلى عبق الشتاء الأسود في الغابات.
كثير من العازفين على الوتر السادس يهمسون مع أنفسهم عن (المسافة المعذبة) بين الوطن والمنفى وهل تنتهي بضوء ما في يوم ما .. ومتى ..؟
ناح بابلو نيرودا محموم الجراح فعاد إلى وطنه يوم جرى (التغيير) على صباح بلاده فكان باستقباله رئيس البلاد المناضل سلفادور اليندي ظنا منه أن متاعب المنفى انتهت، لكن حين حدث (تغيير التغيير) على يد الانقلابي الفاشستي بينوشيه فأن (المسافة) عادت ممتدة بين الوطن والغربة حين حطم الانقلابيون أوتار قيثارة فكتور يارا..
أما حين عاد طالب غالي إلى البصرة بعد (التغيير) فأنه لم يجد في استقباله غير أصحابه الموسيقيين والشعراء حاملين أوتارهم الستة مهددة بالشرور والتقطيع والبلايا فعادت (المسافة) ممتزجة بين الوطن والمنفى. ففي حوار مع الشهيد كامل شياع حول المسافة المقطوعة بين منفاه ووطنه نسمعه يقول:
يا كامل
ها أنت خلعت رداء الغربة والأسفار
ودخلت المحراب الوطن الموجوع
بعد رحيل أضناك تعرجه
هل جئت تعيد الخضرة للأغصان
والطير إلى وكناته
وتجدد للعيد أغانيه
أو تبدع للحب شموسا ومحطات أمان
وتعلق قلبك مصباحا في الديجور يضيء العتمة والوحشة
ويوائم بين حروف الكلمات.
بهذه القصيدة أوجد طالب غالي منظورا بعيد المدى في (المسافة السيكولوجية) بين الوطن والمنفى، فمن دون تفعيل العلاقة الوطيدة بين أوتار المنفى وأوتار الوطن، بين أوتار الداخل والخارج وتحديد غائية هذه العلاقة وخلق أخلاقيتها المتماسكة فأن من الصعب بدون ذلك أن نرى وترا عراقيا سعيدا من الأوتار الستة لا يحس بتعاسة العيش إنْ كان في الوطن أو في الغربة لأن (المسافة) القائمة بينهما لا تحقق الطمأنينة السيكولوجية لمشروعية الوجود القسري بالمنفى أو امتيازات الوجود المرتبك في الوطن.
قال طالب غالي في قصيدته بالصفحة 69 مخاطبا روح شقيقه مرتضى :
سكنتَ بعيدا بأرض ٍ تموّج حزنك فيها
واستحال غيوما تشف
فأطلقت بالشجو صوتك تدعو العراق
وغنيت فيض الحنين الممض إلى وطن أبعدتك الأراجيف عنه
وذبت احتراقا
ولم يدرك الآخرون سر احتراقك
ومعنى اصطبارك دهرا على جمر منفى.
لا بد من القول قبل الختام أنني وجدت تعاطفا ليس عنيفا، لكنه قاس، بين مشاعر الوتر السادس في وطنه أو في غربته وبين خطاب مستتر ليس بعيدا في (المسافة) عن حشد العواطف في (مسافة) بدر شاكر السياب بين وطنه ومنفاه ، لكنني ما وجدت أية هيمنة لأحد، لا على اللغة الشعرية لطالب غالي ولا على صوره الشعرية في ابتداع اعترافاته عن عشقه وعن مرافعاته الوجدانية. كان فنه الشعري مستقلا بوحدته، يروي لنا إثباتاته البارعة عن آمال ومخاوف الناس المتناقلين بين الوطن والغربة ، وكان ديوان الوتر السادس بحق صادقا متماشيا مع تجربته السيكولوجية على طول المسافة بين الوطن والمنفى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديوان شعر الجماهير المصرية عنوانه : الرحيل..!
- هذا عصر التغيير يا لبيدوفتش عباوي..!
- المعمار الهندسي في قصص فرات المحسن
- أيها الحكام العراقيون: أصحابكم محاصرون .. ويسقطون..!
- أيها العراقيون لكل الناس هتاف.. فمتى تهتفون ..؟
- لا تعذروا (الشرطة الوطنية) إذا هزجوا للمال الحرام..!
- تكبروا .. تجبروا .. تعفتروا.. تعنتروا .. تبختروا يا سادة الم ...
- أيها التونسيون المنتصرون حذار من ثعالب المرحلة الجديدة ..!
- الفاشست يقتحمون مقر اتحاد الأدباء..!
- عن رواية زهدي الداوودي ذاكرة مدينة منقرضة
- سقط الدكتاتور التونسي سقوط الحيوان المحاصر..
- ليلى الخفاجي تفجر قنبلة ذرية في الفضاء الخارجي ..!
- أجمل وزارتين في العراق، الداخلية والدفاع.. !
- لا تصدقوا هذا البرلماني لأنه لا يميز الفرق بين الحلو والمر.. ...
- في مكتب نوري المالكي زواج وطلاق في عشرين يوما..!
- فضيحة وزارية عراقية على موقع ويكيليكس ..!
- نوري المالكي يعلمنا كيف نكره الديمقراطية..!
- ديمقراطية المالكي.. بلا كوافير ولا فساتين..!
- فيصل لعيبي يناجي أمواج الفن التشكيلي
- حكومة خصيان ..!


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم المطير - المسافة السيكولوجية بين الوطن والمنفى في أشعار طالب غالي