خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3269 - 2011 / 2 / 6 - 23:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اصيغ عنوان المقال بصيغة الماضي, لانني اعتبر ان الانتفاضة الشعبية المصرية, انجزت _ من حيث المبدأ_ المطلوب التاريخي الحضاري منها, فهي اتاحت فرصة تعديل التشريع المصري للتخلص من اخر اشكال نظام الحكم _ الديكتاتوري الاسيوي _, وانماطه المتعددة بين ديكتاتورية الفرد او الحزب الواحد او المؤسسة العسكرية, والتي كانت قد اجتمعت وان بنسب ومراحل متباينة في صيغة الحكم المصري منذ انقلاب يوليو 1952م وبدء الثورة الديموقراطية البرجوازية.
ان انقلاب 23 يوليو 1952م بواسطة المؤسسة العسكرية وضع مصر على مسار انجاز مهام الثورة الديموقراطية البرجوازية المصرية, وعلى صعيد بناء البنية التحتية الاقتصادية الاجتماعية, وايضا على صعيد البناء الفوقي الفكري والروحي, والذي لم يكن ممكنا لها في ظل ظرفها القومي في الصراع العالمي, ان تنجزه بصورة شاملة متوازنة الامر الذي فرض على مسارها نمط المراحل, والذي تقيد بسيطرة المؤسسة العسكرية. مما حولها الى نمط من انماط نظام الحكم الديكتاتوري الاسيوي. والذي بدء تفككه من سيطرة المؤسسة العسكرية وقرارها في عهد السادات بعد حرب اكتوبر واتفاقيات كامب ديفيد, لياخذ صورة ديكتاتورية مدنية جلية في عهد الرئيس حسني مبارك على صورة ديكتاتورية الفرد والحزب الحاكم, وهكذا تجيء الانتفاضة الشعبية الراهنة لتتيح لمصر التحرر من هذا الشكل من الديكتاتورية ولتكون بذلك حلقة من حلقات التحول في الثورة البرجوازية الديموقراطية المصرية التي بدئها ذلك الانقلاب.
إن جميع مطالب الانتفاضة الشعبية المصرية الراهنة تنطوي في اطار المطالب الاقتصادية والحريات, رغم انها تستخدم الفاظ واسعة كصيغة تغيير النظام. وهو المؤسس دستوريا على انه نظام انتخابي جمهوري برلماني, لذلك نجد ان اطار التعديل التشريعي المطلوب لا يمس المباديء والاسس التي تقوم عليها صيغة الدستور المصري, وانما تمس موجهات حركته في محاولة ان تاخذها بعيدا عن صيغ ديكتاتورية المؤسسة العسكرية والحزب الواحد والفرد, وقد اجبرت الانتفاضة الشعبية المصرية قسرا قوى الحكم, على فتح باب التعديل الدستوري هذا, وحددت له اتجاها بهذا الهدف. وهي لم تقف عند هذا الحد, بل انها دفعت قوى المعارضة التقليدية الى الارتقاء بدورها ومهمتها ومنحتها المظلة الشرعية اللازمة للمشاركة في انجاز المهمة, وبات منوطا بادراك ووعي جميع هذه القوى مهمة _ متابعة والاشراف على _ تنفيذها, ففي ظل الحاجات القومية, وظروف مصر في الصراع العالمي, من غير الممكن للانتفاضة الاستمرار بكامل _ حجمها الشعبي_ كله. الى حين الاطمئنان الى التنفيذ الكامل الناجز لهذه المطالب
لكن الانجاز السابق, ليس هو الوحيد الذي اتت به الانتفاضة الشعبية, فهي الى جانب ذلك قد نقلت الصراع الى داخل الشرائح الكبيرة من الطبقة البرجوازية المصرية وجعلته بين اجنحتها, فالصراع يدور الان ايضا بين الجناح الوطني القومي وجناح الكمبرادور_ وكلاء الصناعات الاجنبية_ وجناح بيروقراطية الدولة.
لقد اختل ميزان القوى بين شرائح البرجوازية وهي الان في حالة اعادة فرز وتشكل, ومن المتوقع تشكل جبهات سياسية متعددة من الواضح ان الجبهة الاقوى من بينها ستكون الجبهة التي تضم تحالف القوى البرجوازية الوطنية مع الطبقات الشعبية المصرية,
غير ان الانجازات السابقة, لا تعني ان الصيغة الراهنة للسلطة قد سلمت امرها نهائيا, فهي من حيث الواقع طأطأت الراس فقط في محاولة لتمرير العاصفة الشعبية. وهي لا تزال تناور من اجل الحصول على فرصة للسيطرة على هذا التغيير _ الاختلال المؤقت _ في موازين القوى, عن طريق محاولة اخراج حالة الانتفاض الشعبي من الحياة اليومية واعادة الحياة الى مسارها الاعتيادي, لذلك لجات الى الاقرار _ بمبدأ _ التعديل الدستوري, وفتح الحوار مع القوى السياسية,
ان الكمبرادور المصري, وبيروقراطية الدولة, يهمها وجود صيغة دستورية تحفظ بقاءها وسيطرتها, حتى لو سقطت رموزها الطبقية. وهذا يهم ايضا الاطراف الاجنبية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل, رغم وجود تباينات في اتجاه المطالب بين هذين الاخيرتين. فالحفاظ على صيغة الحكم لا رموزه هي جوهر صراعهما مع الرئيس حسني مبارك والحزب الوطني الحاكم,منذ بدء و طيلة زمن الانتفاضة الشعبية بالاضافة الى مطالب اخرى
ففي حين لا تجد الولايات المتحدة الامريكية غضاضة في الطمع ان تسود صيغة حكم كمبرادوري اكثر ليبرالية ومؤسسة بيروقراطية اكثر فسادا من الموجود الراهن في مصر, تتيح لها السيطرة تماما على مقدرات القومية المصرية, بما فيها اهميتها الجيوسياسية في الصراع العالمي, فان ما يهم اسرائيل وبشكل رئيسي وتحضيرا لعدوانيتها في المستقبل هو التخلص من الدور والحجم الوطني الذي تمثله المؤسسة العسكرية المصرية _ كما تكشف عن ذلك تحليلات الدكتور عزمي بشارة التي توجه نقدها لوزن المؤسسة العسكرية المصرية في الحياة السياسية المصرية وترفع مطلب التخلص من دورها فيه, وتغفل حاجة مصر القومية له, وتروج لذلك اعلاميا قناة الجزيرة المشبوهة, وبذلك تتعرى مصر امام قوة اسرائيل المتزايد نموها حجما ونوعا.
لقد حصل النظام في مصر حتى الان على هدنة, وهو ينصرف الان الى محاولة فض حالة الانتفاض الشعبي, ونحن نرى ان لا مانع الان من فض _ الحجم الشعبي_ للانتفاضة, والابقاء على رمزها السياسي في ميدان التحرير والحفاظ على شرعيته المكتسبة. بل على العكس فمن الضروري بقاء هذا الموقع رمزا وحلقة تربط التحالف الوطني بين القوى والطبقات الوطنية المصرية, وبقاءه اداة تشد انتباه الطبقات الشعبية وترقي وعيها السياسي, خاصة مع امتلاكه قوة اخضاع كافة القوى السياسية لحالة وقوة الرقابة الشعبية. التي يجسدها.
هنا لا بد ل _ قوة الشباب _ التي بادرت الى تفجير الانتفاضة الشعبية ان تنتبه الى انها باتت تواجه مأزق مهمة الحفاظ على الروح الثوري في الحياة اليومية للطبقات الشعبية, دون وقوعها في خطأ تخريب الوضع القومي المصري وحاجته للاستجابة لمتطلباته المعيشية وتعطيل انتاجيته القومية, وهي تهمة يعمل النظام على الحاقها بحركة الشباب, ولذلك نجد ان على حركة الشباب ان تبقى قوة سياسية مستقلة فاعلة ومتفاعلة مسيطرة يحفظ بقائها موقع ميدان التحرير, وعليها ان تتميز بعنوان سياسي محدد وتصور برنامجي خاص ومنهاجية منتظمة, وان تتخلص من التعارضات التي تسود تجمعاتها وان تسعى لاقصى استفادة من الخبرات المتوافرة في جسم الشعب المصري في كافة المجالات وان ترقي احساسها بحاجات مصر الحضارية الى حالة ادراك ثقافي سياسي برنامجي,
ان التعديل التشريعي المطلوب في مصر يجب ان يبنى على ادراك الحاجات الحضارية المصرية يلازمه ادراك حاجاتها الامنية و الحرص على المؤسسة العسكرية المصرية فيه.وكلك ادراك دور وحجم ووزن مصر في الصراعين الاقليمي والعالمي.
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟