أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - قصة موت غير مُعْلَن!















المزيد.....

قصة موت غير مُعْلَن!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3261 - 2011 / 1 / 29 - 14:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم استصعب الكتابة أكثر مِمَّا استصعبتها اليوم، أي بعد انقضاء بضع ساعات على خطاب مبارك الذي طال انتظاره مساء الجمعة العظيم؛ وأحسبُ أنْ لا كاتب يمكنه في هذه الساعة أنْ يكتب إذا ما كان مقصده أن يجيب عن سؤال "ماذا يمكن أن يحدث في الساعات (أو الأيام القليلة) المقبلة؟"، أو أنْ يجيب عن سؤال اقل صعوبة هو "ماذا حدث بالفعل؟".

كل شيء كان يبدو واضحاً (على صعوبة واستعصاء وضوحه إعلامياً بعد، وبسبب، التعتيم الإعلامي الذي فرضته السلطات المصرية) حتى أذيع خبر اعتزام مبارك توجيه خطاب إلى الشعب؛ وقد أذيع هذا الخبر في وقت حار الناس أجمعين في فهم وتفسير الغياب التام لممثِّلي نظام الحكم عن المسرح الإعلامي، وكأنَّ ما يحدث، وعلى خطورته، لا يحدث في مصر.

ومع غياب "المعلومة الرسمية" حضرت، وبقوَّة متزايدة، التكهنات الشعبية، التي أصبح تمييزها مِمَّا يرغب الشعب المصري في حدوثه من الصعوبة بمكان إذ تأخَّر الخطاب "المنتظَر" طويلاً؛ ثمَّ التهب الخيال السياسي للشعب إذ أُذيع خبر مؤدَّاه أنَّ رئيس مجلس الشعب قال إنَّ بياناً مهمَّاً سيُذاع عمَّا قريب، أي في الليل وقبل طلوع الفجر، فالأمر جلل، ولا يحتمل التأجيل.

وساهمت إدارة الرئيس أوباما (عن غير قصد على ما أعتقد) في سَكْب مزيدٍ من الزيت على نار الخيال السياسي للشعب (والذي يخالطه كثير من الحقائق الواضحة، والمبهم بعضها) إذ بدت تملأ فراغ المتحدِّثين الرسميين لنظام حكم مبارك، وتُغيِّر رأيها وموقفها ولهجتها في استمرار؛ وإنْ كان هذا التغيير واضحاً لجهة انتهازيته، وبرغماتيته السخيفة.

وكان التوقُّع الشعبي العام، والذي أثمره هذا الخيال السياسي، هو أنَّ مبارك قد رحل كما رحل من قبله زين العابدين، وأنَّ نظام حكمه قد انتهى، وأنَّ رئيس مجلس الشعب سيحل محله مؤقَّتاً، وأنَّ الجيش المصري سيفعل ما فعله الجيش التونسي تقريباً، أو أنَّ مبارك سيوجِّه بالفعل خطابه إلى الشعب ليودِّعه وداع عرقل للشام، أو وداع زين العابدين لتونس، مستعملاً العبارة نفسها، والمثلجة لصدور الشعب، عبارة "لقد فهمتكم"، ولو بكلمات مختلفة، على أنْ تؤدِّي المعنى نفسه، وتنتهي إلى النتائج نفسها.

وبعد ساعة واحدة من انتهاء "جمعة الغضب"، التي لم تنتهِ بعد، وقعت المفاجأة الكبرى، وانتشر في النفوس شيء من الشعور (المؤقَّت) بالإحباط، فالرأس من نظام الحكم في مصر متشبِّث بالبقاء، يأبى الرحيل، جُلَّ ما استطاع فعله إقالة حكومة والإتيان بحكومة جديدة، مع وعد من الرأس بأنْ يكلِّف الحكومة الجديدة العمل بما يلبِّي مطالب شعبية، لا وزن لها الآن ولا أهمية إذا ما قورِنت بالمطلب الشعبي العام، مطلب "إسقاط النظام".

والآن، دعوني أريكم بعضاً مِمَّا أرى، وعلى جناح السرعة؛ لأنَّني اليوم مهتمٌ بالمتابعة لا بالكتابة.

لقد مات؛ ولكم أنْ تفهموا موته بكل ما للموت السياسي من معانٍ حقيقية ومجازية.

مات؛ لكنَّ أهله وذويه، في الداخل وفي الخارج، يأْبُون الاعتراف بموته إلاَّ بعد دفنه.

وتلك هي الحقيقة التي لا يخالطها وهم أو خرافة؛ لكنَّ هذه الحقيقة يمكن أن تغدو وهماً خالصاً إذا ما ظنَّ الشعب المصري أنَّ إحياء الموتى هو أمر مستحيل.

كلاَّ، إنَّه، وعلى صعوبته، ليس بالأمر المستحيل؛ ويكفي أنْ يستبدَّ بالشارع وهم أنَّ حلول الجيش محل "الأمن المركزي" المنهار بسبب يقظة الشعب، وبسبب حاجة رجال هذا الجهاز القمعي إلى النوم، يُنْهي الحاجة إلى استمرار وتعاظم ضغط الشارع، حتى تُرَدُّ الروح إلى الميِّت؛ فليستمر ضغط الشارع، ولْيَعْظُم ويتعاظم؛ لأنَّه النار التي تحتاج إليها "الطبخة" التي لم تنضج بعد.

وأحسب أنَّ استمرار ضغط الشارع (مع تنظيم وتطوير الثورة أو الانتفاضة) هو وحده ما يبقي، أو يجعل، الجيش على مسافة قريبة (وتزداد قرباً) من الشعب ومطالبه السياسية العليا، فإذا كان الجنود من الشعب، يعانون ما يعاني، ويشعرون بما يشعر، فإنَّ على الثورة ألاَّ تنسى أنَّ الجنود يمتثلون لأوامر قيادة عسكرية عليا هي حتى الآن أقرب إلى نظام الحكم منها إلى الشعب ومطالبه.

وإنَّه لسؤال فاسد أنْ يسأل بعض المصريين "هل الجيش مع الشعب أم ضده؟"؛ فإنَّ السؤال السليم هو "ما الذي ينبغي للشعب وثورته أن يفعل حتى يصبح الجيش معه (أو يظل معه)؟".

شيء واحد فحسب يمكن ويجب أن يفعله الشعب توصُّلاً إلى ذلك هو استمرار ضغط الشارع، والنأي بالثورة عن العنف، وعن المخرِّبين، وعن كل ما من شأنه أنْ يسيء إلى صورتها، ويبرِّر مزيداً من قمعها.

في الظاهر، وفي الظاهر ليس إلاَّ، تحدَّث مبارك في لهجة الحاكم الذي ما زال قوياً، وقوياً بما يكفي لفرض نظامه الأمني على الشعب وثورته؛ أمَّا في الباطن فلم أرَ فيه، وفي خطابه، إلاَّ زين العابدين ينطق بالعبارة "المشؤومة" إيَّاها "لقد فهمتكم".

نحن (وأعني نحن العرب عموماً) في زمن "الغلاء في أسعار السلع الشعبية الأساسية"، و"الرخص في أسعار قوى العمل البشرية"، و"الاسترخاص السياسي الحكومي للشعوب وحقوقها"، وفي زمن العاقبة الحتمية المترتبة على كل ذلك ألا وهي هذا "الغليان الشعبي العربي"، والذي عكسه شعار الثورة المصرية "ثورة ثورة حتى النصر من تونس حتى مصر".

وفي هذا الزمن، انعقدت ألسن الحكَّام العرب بعد، وبفضل، "زلة اللسان السياسي" لزين العابدين، أي بفضل عبارة "لقد فهمتكم"؛ فإنَّ النصيحة التي يتلقَّاها الحكَّام العرب هي "إيَّاكم، ثمَّ إيَّاكم، أنْ توجِّهوا خطاباً"، مماثلاً لجهة توقيته ومعناه ومفرداته وعباراته..، لخطاب "زوج السِّت ليلى الطرابلسي"!

وإنِّي لأقول هذا توضيحاً وجلاءً للسبب الذي حمل مبارك على فعل شيئين: تأخير الخطاب مع ما شاب هذا التأخير من تردد، وإلباسه الضعف الشديد الذي يعانيه نظام حكمه لبوس القوَّة، التي لن يراها قوَّة إلاَّ كل أعمى بصر وبصيرة.

هل انهار نظام الحكم في مصر؟

بعضهم سيجيب قائلاً "كلاَّ، لم يَنْهَر"؛ وبعضهم سيجيب قائلاً "أجل، لقد انهار"؛ لكن الثورة المصرية لن تبلغ انتصارها النهائي والذي هو على بُعْد شبر من الشعب المصري إلاَّ إذا أجابت عن السؤال نفسه قائلةً: "إنَّه قَيْد الانهيار"، وعَمِلَت بما يوافِق تماماً هذه الإجابة.

إنَّ التاريخ (المصري والعربي) هو الآن قَيْد الصنع في مصر، وانطلاقاً من مصر!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قنبلة -الوثائق-!
- لا تسرقوا منها الأضواء!
- هل يقرأ الحاكم العربي سورة -افْهَمْ-؟!
- تلك هي -الطريق-.. وهذه هي -المحطَّة النهائية-!
- الثورة التي كشفت المستور!
- حتى لا تصبح -الثورة المغدورة-!
- السقوط العظيم!
- أُمَّة ينهشها الفقر والجوع والغلاء والبطالة!
- ظاهرة -العنف المجتمعي- وظاهرة -إساءة فهمه-!
- كيف يكون السفر في الفضاء سفر في الزمان؟
- سياسة -الانتظار- و-أزمة الخيار-!
- جريمة أكبر من تُواجَه بعبارات الإدانة والاستنكار!
- فكرة -فناء المادة-.. كيف تحوَّلت من لاهوتية إلى -فيزيائية-؟!
- عمرو موسى.. مُقَوِّماً للتجربة!
- -الانهيار القومي- في -محطَّته السودانية-!
- هل يتوقَّف الزمن؟
- هذا الخلل التفاوضي الكبير!
- هل ماتت الفلسفة حقَّاً؟
- تدخُّل الإعلام في الشأن الداخلي لدولنا!
- خطوة إلى الأمام وعشرة إلى الوراء!


المزيد.....




- بعد تحريك ترامب لوحدات -نووية-.. لمحة عن أسطول الغواصات الأم ...
- مقبرة الأطفال المنسيّة.. كيف قادت تفاحة مسروقة صبيين إلى سرّ ...
- الوداع الأخير.. طفل يلوح لجثامين في جنازة بخان يونس وسط مأسا ...
- مستشار سابق للشاباك: حرب غزة غطاء لمخطط تغيير ديمغرافي وتهجي ...
- نفاد تذاكر -الأوديسة- قبل عام من عرضه.. هل يعيد كريستوفر نول ...
- بين الرخام والحرير.. متحف اللوفر يستضيف معرض الكوتور لسرد قص ...
- أزمة حادة بين زامير ونتنياهو بشأن استمرار الحرب على غزة
- فورين أفيرز: لماذا على تايوان إعادة إحياء مفاعلاتها النووية؟ ...
- فيديو الجندي الأسير لدى القسام يثير ضجة في إسرائيل
- بلغراد تندد بتثبيت حكم على زعيم صرب البوسنة


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - قصة موت غير مُعْلَن!