أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - تدخُّل الإعلام في الشأن الداخلي لدولنا!















المزيد.....

تدخُّل الإعلام في الشأن الداخلي لدولنا!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3215 - 2010 / 12 / 14 - 14:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تدخُّل الإعلام في الشأن الداخلي لدولنا!

جواد البشيتي

كنَّا نتابع معاً برنامج "ما وراء الخبر" الذي تبثه فضائية "الجزيرة" القطرية، والذي كان مدار الحديث والنقاش فيه قرار السلطات الكويتية إغلاق مكتب الفضائية في العاصمة الكويتية بعد، أو بدعوى، "تدخُّلها في الشأن الداخلي" لدولة الكويت من خلال بثها صوراً التقطها مصوِّروها، ويظهر فيها رجال الأمن ينهالون بالهراوات على نوَّاب من المعارضة كانوا يشاركون في تجمُّع عام، أو من خلال، على ما جاء في بيان رسمي كويتي، رفض الفضائية الامتثال لطلب السلطات الكويتية أنْ تمتنع عن استضافة أحد نوَّاب المعارضة (النائب مسلم البراك) للحديث عمَّا حدث.

أحَدُنا ممَّن أدمنوا رؤية العالم، على رحبه واتِّساعه وتعقُّده، عبر العين الحكومية الضيِّقة (لضيق المصالح التي يحامي عنها صاحب هذه العين) انهال بهراوة لسانه على "الجزيرة"، وصبَّ جام غضبه عليها، محاولاً، ببعض الأمثلة، إقامة الدليل على أنَّها فضائية مُغْرِضة في عملها الإعلامي، محتوى وشكلاً، مثيرة للفتن والقلاقل والاضطِّرابات؛ والعالم سيكون أجمل لو غادرته إلى السماء!

وانتظرتُ حتى تبرد رأسه قليلاً لأسأله، طالباً منه إجابة صريحة وصادقة، عن رأيه في أنْ تختفي فضائية "الجزيرة" من الوجود الإعلامي العربي، فأدهشني إذ أجاب قائلاً: كلاَّ، إنِّي أؤيِّد بقاءها.

ولقد تذكَّرت، على الفور، صديقاً لي (من أهل اليسار في بيروت) كان في النهار يلعن نزار قباني وشعره، فإذا جاء الليل احتضن دواوينه، وشرع يقرأ شعره باستمتاع، فنحن، والحقُّ يقال، بشرٌ "قصديريون (نسبة إلى القصدير)"، مزدوجون إحساساً وتفكيراً.

"التدخُّل في الشأن الداخلي (لدولنا العربية)"، وهو إثم لو تعلمون عظيم؛ وإنَّها لعبارة مستغلقة على الفهم، تمجُّها الأسماع والعقول، في "القرية العالمية"، التي تَزُفُّ إلينا، يومياً، بشرى "موت السرِّية (والأسرار)"، وتُرينا "ويكيليكس" بصفة كونه أوَّل الغيث.

أنْ تَصْنَع الحكومة بيديها "حدثاً سيئاً"، من وجهة نظر الحقوق والحرِّيات الديمقراطية، فهذا حقُّ سيادي لها، وشأنٌ داخلي، لا يعني، ويجب ألاَّ يعني، أحدٌ غيرنا؛ أمَّا أنْ يُصوَّر الحدث، ويُبثُّ إعلامياً إلى العالم الخارجي، فهذا هو الإثم العظيم.

وربَّما هذا هو بعضٌ مما عَنَتْه دولنا العربية إذ تكلَّمت كثيراً عن أهمية وضرورة أنْ ينبع الإصلاح السياسي والديمقراطي من داخلنا، وأنْ يراعي "الخصوصية العربية"، في كل شيء، فالحياة البرلمانية يمكن أنْ تُشْحَن بمزيد من القيم والمبادئ الديمقراطية بمفهومها العالمي، على أنْ يُحْفَظ للأجهزة الأمنية حقها في ضرب النواب، عملاً بمبدأ "مراعاة الخصوصية"!

الانتهاك لم يقع، والإثم لم يُرتَكب، عند ضَرْب الشرطة لنوَّاب من المعارضة، يتمتَّعون، على ما يُزْعَم في دساتيرنا، بالحصانة البرلمانية؛ لقد وقع ذاك، وارتُكِب هذا، إذ صُوِّر وبُثَّ إعلامياً المشهد، وكأنَّ أمريكا ما كانت موجودة، وما كان ممكناً أنْ تُوْجَد، قبل أن يكتشفها كولومبوس!

على الإعلام، في خطابنا الحكومي العربي، أنْ يؤدِّي رسالته بمهنية وموضوعية، بصدق وأمانة واستقامة؛ لكنَّه لن يؤدِّيها على هذا النحو، الذي تُجله حكوماتنا، إلاَّ إذا نأى بنفسه عن إثم "التدخُّل في الشأن الداخلي (لدولنا)"!

يقولون ذلك، ويريدون لنا أن نقول به، وهم يعلمون أنَّ الإعلام لن يكون إعلاماً، ولن يكون إعلاماً ديمقراطياً حُرَّاً، يتمتَّع بشرعية القرن الحادي والعشرين، إلاَّ إذا تدخَّل في الشأن الداخلي لدولنا، وعَرَف كيف يتدخَّل، ومارس هذا التدخُّل بصفة كونه عِلْماً وفنَّاً، فإنَّ "عدم التدخُّل" يعني "إعدام الإعلام"!

إنَّهم يَدْعون الفضائيات إلى التحلِّي بفضيلة "عدم التدخُّل في الشأن الداخلي (لدولنا)" وهُمْ الذين يفهمون ويمارسون السيادة القومية كذاك الذي كان يَجْمَع الخِراف ليذبحها الجزَّار الداخلي (القومي) فأصبح يجمعها (من الداخل) ليذبحها "الجزَّار الخارجي الأجنبي".

إنَّنا دولٌ لا تملك من أمرها (الداخلي والخارجي) إلاَّ ما يكفي لإثبات وتأكيد أنَّها آخر من يحق له التحدُّث عن "حرمة" و"قدسية" شأننا الداخلي؛ وعلى كل معترِض أو متشكِّك أنْ يزور، ويكثر من زيارة، موقع "ويكليكس"، ليرى حكوماتنا الرشيدة، ودولنا المستقلة ذات السيادة، على حقيقتها العارية من الأوهام والأضاليل الإعلامية والسياسية والإيديولوجية، فإنَّ وزير الدفاع في دولة عربية ينسِّق أمور الحرب على بلده مع العدو القومي الأوَّل للعرب!

في دهشةٍ واستغرابٍ، سأل "الهشيم" خصمه الصغير، وهو "الشرارة"، عن سرِّ قوَّته، على ضآلة وزنه وحجمه، فأجابه قائلاً: "أنتَ الذي فيكَ يكمن سرَّ قوَّتي، فلو لم تكن هشيماً، ولو احتفظتَ بشيء من أسباب الأخضر فيكَ، لانتفت حاجتكَ إلى هذا السؤال، وإلى ما معه من دهشة واستغراب".

إنَّ حكوماتنا لا تحكم إلاَّ بطرائق وأساليب، يكفي أن تُدْمِن عليها في ممارَسة الحكم، أي في صراعها اليومي والدائم من أجل البقاء، حتى تغدو كالهشيم لجهة تأثُّرها بـ "الرأي الآخر"، ولو كان في حجم شرارة؛ ثمَّ تلوم "شرارة" انطلقت من هنا أو من هناك، وكأنَّها ليست المسؤولة عن جعل "الرأي الآخر"، إذا ما عُبِّر عنه بحرِّية، كمثل "صندوق باندورا".

ومن تهمة "التدخُّل في الشأن الداخلي" تتفرَّع تهمة "التحريض"؛ و"التحريض" يُذكِّرنا بعبارات لا تقلُّ عنه شرَّاً في معانيها، كـ "القوى المندسة"، و"مثيرو الفِتَن".

وعندنا فحسب يُصوَّر "المحرِّض"، أكان جماعة سياسية أم قناة فضائية، على ارتكاب فعل (شرِّير) على أنَّه "التفسير النهائي" لكل حادث لا ترضى عنه الحكومات، فلو أضرب عمال لسارعت الحكومة إلى تفسير إضرابهم على أنَّه ثمرة تحريض محرِّض شرِّير، لا يريد لمجتمعنا الأمن والاستقرار والوئام؛ وكأنَّ سَوْء أحوالهم لا يصلح تفسيراً وتعليلاً لإضرابهم؛ وكأنَّ المحرِّض، ولو كان لديه من طاقة الشر ما يجعله بوزن وأهمية إبليس نفسه، يستطيع، مثلاً، أن يحرِّض أرباب العمل على نبذ الرأسمالية، والأخذ بالاشتراكية!

"الحقيقة"، لجهة كشفها، وإذاعتها، وتحريرها من "باستيل"، أو "غوانتينامو"، الحكومات العربية، والانحياز إليها، والتحدُّث باسمها، هي وحدها العدو اللدود لدولنا التي تتَّخِذ من "السِّرية" مقبرة تدفن فيها الحقائق، وسلاحاً تحارب به كل ناشد للحقيقة، منتصرٍ لها، وكأنَّ الحكومات المرعوبة، التي تعي جيِّداً حقيقة أنَّ الدول تسقط فكراً قبل (ومن أجل) أن تسقط واقعاً، لا تعيش إلاَّ بالإعلام المرعوب؛ ولو كان لزعيم عربي أنْ يعرِّف "الحقيقة" لعرَّفها قائلاً إنَّها ما يفكِّر فيه هو الآن!

إنَّنا نعيش حقبة إعلامية جديدة وثورية، اتَّسعت فيها الهوة بين المواطن وبين ذلك النمط من الصحافة والصحافيين، الذي ديدنه التزمير والتطبيل والندب والبكاء على الأطلال.. وحراسة النعوش والقبور والليل بالأقلام والألسن.

لقد زمَّروا وطبَّلوا كثيراً فما رقص أحد، وندبوا كثيراً فما بكى أحد، واستنفدوا الجهد والوقت والمال من أجل "تسليع" مزيدٍ من الضمائر والذمم والأفكار، ولإرغام "رأس البوصلة" على تغيير اتِّجاهها الثابت، ولاستنبات أجنحة للحمير، لعلَّها تطير؛ ولكنَّهم لم يحصدوا سوى الفشل، فتراكضهم بالرؤوس والأرْجُل وراء مصالح وهمية لم يَرْوِ للجمهور، الذي جاءوا لغسل عقله، سوى قصة ميِّت يأبى أهله الاعتراف بموته إلاَّ بعد دفنه؛ ولقد حان للموتى أن يدفنوا موتاهم!

مأساة الصحافة التي يمثِّلون أنَّها نشأت وترعرعت في كنف "ساسة" يعتقدون أنَّ الله حباهم القدرة على جعل البشر يؤمنون بأنَّهم "رجال الحقيقة"، وقد أرْسِلوا لمحاربة "كائنات الوهم"، فصَدَق أبو العلاء المعري إذ قال فيهم: يسوسون الأمور بغير عقل فيُنْفَذُ أمرهم فيقال ساسة!

أمَّا هم، أي هذا النمط من الصحافيين، فكانوا (وكيف لهم ألاَّ يكونوا) آذاناً صاغية، يُمْسِكون بأقلام مرتجفة، لا يخرج منها غير التسبيح، بكرة وأصيلا، بكل ما يجري على ألسنة أصحابهم من أصحاب الأيادي العليا، الذين لا شيء يستبدُّ بعقولهم الصغيرة سوى الرغبة في تفصيل البشر على قياس مصالحهم، وفي حَمْلِهم على الإتيان بكل ما تستحسنه وتستسيغه أهواؤهم ونزواتهم الشخصية.

جمهورنا يريد (ولم يَنَلْ حتى الآن ما يريد) إعلاماً جديداً، رجاله ليسوا من نمط أولئك الذين تربوا في مزارع الدواجن، عيونهم لا تبصر، وآذانهم لا تسمع، وعقولهم لا تعقل. رجالٌ طلَّقوا الأفواه المُكمَّمة، والأقلام المكسَّرة، والفكر الرمادي المغترب عن الواقع النابض بالحياة.. وكفُّوا عن تسويق "المُعلَّبات الفكرية"، التي انتهت صلاحية استهلاكها منذ زمن طويل.

يريد صحافة تبثُّ الكلمة الحيَّة، تحلُّ "الحوار" محل "الإصغاء"، و"الكتابة" محل "الإملاء".. يريد صحافة تشفي الأمَّة من عقرها السياسي والديمقراطي، فأمَّتنا ذات الرسالة الخالدة لم تتمكَّن حتى الآن من إنجاب ثلاثة أشياء: "الحكومة"، و"المعارضة"، و"الصحافة".

من خارجنا تأتي "الحكومة"؛ ومن "الحكومة" تأتي "المعارضة"؛ ومن "زواج المِتْعة" بين "الحكومة" و"المعارضة" تأتي "الصحافة"، التي تفيض بأولئك الذين يجيدون التحدُّث بكلمات تقع موقعاً حسناً من نفوس أولياء أمورهم، وكأنَّ رسالتهم في الحياة أن يجدوا سبيلاً إلى إقناع هؤلاء بأنَّهم أفضل من يخدمهم في الحلال والحرام؛ وإذا كان من "فضيلة" يتحلون بها فهي "فضيلة فقدان الإحساس بالواقع"!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطوة إلى الأمام وعشرة إلى الوراء!
- إشكاليات في المعرفة الكونية
- الخيارات الستَّة البديلة!
- حلٌّ من طريق -تجميد- خيار المفاوضات!
- العالم على شفير -حرب عملات-!
- مصر تضيف -العلمانية- إلى -الديمقراطية- في انتخاباتها البرلما ...
- أُمَّة تَنْتَحِر بسلاح التعصُّب!
- شرط نتنياهو ولا -صفقة أوباما-!
- مجلس نيابي يمثِّل 470 ألف مواطن!
- كيف نفهم -سرعة الضوء-؟
- لم أرَ انتخابات تشبه التعيين أكثر منها!
- ما بين وزير الداخلية الأردني والفيلسوف هيجل!
- بلفور إذ تعدَّد!
- أخلاق انتخابية وانتخابات أخلاقية!
- كيف تُشْرِك الشعب في الانتخابات وتقصيه عن -البرلمان-؟!
- الانتخابات الأردنية..التحريض على المقاطعة!
- بلفور الفلسطيني!
- صراع رُبْع الساعة الأخير.. إسرائيلياً وفلسطينياً!
- -القرار الفلسطيني-.. معنىً ومبْنىً!
- فتوى جيِّدة لزمن رديء!


المزيد.....




- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...
- زاخاروفا: إستونيا تتجه إلى-نظام شمولي-
- الإعلام الحربي في حزب الله اللبناني ينشر ملخص عملياته خلال ا ...
- الدرك المغربي يطلق النار على كلب لإنقاذ فتاة قاصر مختطفة
- تنديد فلسطيني بالفيتو الأمريكي
- أردوغان ينتقد الفيتو الأمريكي
- كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي
- تظاهرات بمحيط سفارة إسرائيل في عمان


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - تدخُّل الإعلام في الشأن الداخلي لدولنا!