أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - مصر تضيف -العلمانية- إلى -الديمقراطية- في انتخاباتها البرلمانية!















المزيد.....


مصر تضيف -العلمانية- إلى -الديمقراطية- في انتخاباتها البرلمانية!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3198 - 2010 / 11 / 27 - 14:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



الحزب الحاكم (دائماً) في مصر هو، اسماً، و"صفةً"، بحسب وَصْفِه هو لنفسه، "الحزب الوطني الديمقراطي"؛ و"الفكر الجديد"، بحسب شعاره، هو فكره.

هذا الحزب، وبصفة كونه "ديمقراطياً"، وصاحب "فكر جديد"، لا يقف، نظرياً، ضدَّ مبدأ "التداول السلمي" للسلطة، فإنَّ "الشعب" هو الذي حال، حتى الآن، بينه وبين الانتقال إلى صفوف المعارضة، وحال، من ثمَّ، بين "المعارضة" وبين "الحُكْم"!

إنَّ إرادة الشعب الحرَّة، والتي تعكسها نتائج الانتخابات "البرلمانية"، هي التي يُعْزى إليها، وإليها فحسب، ترجمة مبدأ "التداول السلمي للسلطة" بهذا الانتقال الدائم للسلطة من "الحزب الوطني الديمقراطي" إلى "الحزب الوطني الديمقراطي"!

مصر، وفي عهد هذا الحزب، وبفضل "فكره الجديد"، حقَّقت من "الإصلاح الديمقراطي" لنظام الحكم فيها، وللمجتمع نفسه، ما يكفيها شَرَّ التحوُّل من دولة تقوم، بحسب آخر كلام لرئيس البرلمان المنتهية ولايته فتحي سرور، على الفصل بين الدين والدولة، وعلى مبدأ "المواطَنة"، إلى "دولة دينية"، تختفي منها "المواطَنة"، لِيَظْهَر فيها، ويسود، "الانتماء الديني".

رئيس البرلمان لم يَجِد في نفسه (السياسية) من الجرأة ما يكفي للتحدُّث بمزيدٍ من التعيين والوضوح، فهو لم يَقُلْ إنَّ مصر هي الآن "دولة علمانية"، مفضِّلاً وصفها بأنَّها دولة تقوم على "الفصل بين الدين والدولة"؛ كما لم يَقُلْ إنَّه، مع حزبه الحاكم، يقف ضدَّ تحوُّلها إلى "دولة إسلامية"، مفضِّلاً أنْ يقول إنَّه يقف ضدَّ تحوُّلها إلى "دولة دينية".

ناصحاً ومُحذِّراً، خاطب سرور إدارة الرئيس أوباما قائلاً: إيَّاكم أنْ تطلبوا مزيداً من الإصلاح الديمقراطي في مصر؛ وعليكم أنْ تعلموا أنَّ ممارستكم الضغوط على مصر، توصُّلاً إلى مزيدٍ من الإصلاح الديمقراطي فيها، "قد تقود إلى تحوُّلها إلى دولة دينية".

وإنِّي لمتأكِّدٌ أنَّ كلامه قد وقع على أسماع تشبه سمعه، فإدارة الرئيس أوباما لا ترى من دولةٍ في العالم كله يجتمع فيها، ويتصالح، "الدين" و"الديمقراطية" إلاَّ إسرائيل، فهي وحدها، وبصفة كونها الاستثناء الذي لا ينفي القاعدة، ولا ينال من قوَّتها، يحقُّ لها أن تكون، وانْ يُعْتَرف بها على أنَّها، "دولة ديمقراطية يهودية"!

وفي كلام سياسي أكثر تعييناً ووضوحاً، حذَّر سرور الولايات المتحدة من أنَّ ضغوطها على مصر من أجل تحقيق مزيدٍ من "الإصلاح الديمقراطي" يمكن أن تفضي إلى انتقال السلطة فيها من "الحزب الوطني الديمقراطي"، و"فكره الجديد"، إلى "جماعة الإخوان المسلمين"، وفكرها القديم (السلفي) الذي يناصب الديمقراطية العداء، وإنْ أحلَّ (هذا الفكر) اتِّخاذ الانتخابات والديمقراطية طريقاً إلى "الثيوقراطية"، و"الدولة الدينية (الإسلامية)".

أزْعُم أنَّني فهمت المعنى الحقيقي لكلام رئيس البرلمان المصري بما يجيز لي أنْ أتَّهمه بأنَّ يعترف ضمناً بأنَّ قليلاً من "الإصلاح الديمقراطي" في مصر هو ما جَعَل شعبها يَنْقُل السلطة، في استمرار، من "الحزب الوطني الديمقراطي" إلى "الحزب الوطني الديمقراطي"؛ فلو تحوَّل هذا "القليل" إلى "كثير"، من خلال استخذاء نظام الحكم في مصر لضغوط الولايات المتحدة، لقرَّر الشعب نفسه نَقْل السلطة من هذا الحزب (الأبدي لجهة حُكْمِه مصر) إلى "جماعة الإخوان المسلمين"!

سرور دعا الولايات المتحدة، وكأنَّه لم يتمثَّل بعد كثيراً من معاني التجربة الديمقراطية في تركيا، إلى أنْ تَعْلَم أنَّ مزيداً من الإصلاح الديمقراطي (الحقيقي) في مصر سيُغيِّر "الشعب"، سياسياً، بما يَجْعَل إرادته الحُرَّة طريقاً إلى تحويل هذا البلد إلى "دولة دينية"، أي إلى ما ينبغي للولايات المتحدة أنْ تنظر إليه على أنَّه "الشيطان الرجيم"!

إنَّ "القانون المصري (والعربي على وجه العموم)" لـ "الإصلاح الديمقراطي" هو الآتي: نتصالح مع الديمقراطية؛ لكن بما لا يتعارض مع المصلحة العليا التي هي منع الشعب من أن يتَّخِذ من الإصلاح السياسي والديمقراطي طريقاً إلى "الدولة الدينية".

في أثناء زيارة له للولايات المتحدة، سُئِل الرئيس المصري حسني مبارك، عن جماعة "الإخوان المسلمين"، في بلاده، وعن رأيه في أن يخلفه نجله جمال في حكم مصر، فأجاب قائلاً: "الإخوان المسلمون" ليسوا بـ "حزب سياسي"، ولا يمكنهم أن يؤسِّسوا لهم حزباً سياسياً؛ لأنَّ الدستور لا يسمح بقيام حزب سياسي على أساس ديني (..) هذا الأمر (عدم السماح) جوهريٌ في الدستور (..) لم أتطرَّق مع نجلي جمال إلى أمر أن يخلفني في الحكم (..) مسألة توريث نجلي الحكم ليست في خاطري (..) الشعب هو الذي (عبر الانتخابات الرئاسية) يختار رئيسه.

في دولنا العربية، ليس من سؤالٍ أكثر فساداً من سؤال "هل تؤيِّد قيام أحزاب سياسية على أساس ديني؟".

إنَّني ضد كل تسييس للدين، وضد كل تديين للسياسة؛ وإنَّني، من ثمَّ، ضد قيام أحزاب سياسية على أساس ديني؛ لكن، لِنَكُنْ صادقين مع أنفسنا، ولننأى بها عن "سياسة الكيل بمكيالين".

ليس في مصر (ولا في سائر الدول العربية) من حياة سياسية حزبية إلاَّ من ذاك النمط الذي فيه، وبه، تَظْهَر وتتأكَّد سيادة "الموات السياسي الحزبي".

وليس فيها من "التداول السلمي الديمقراطي الدستوري للسلطة" إلا ما يؤكِّد أنَّ "الحلال" في الاقتصاد، وهو التداول.. التداول الحر للنقود، "حرام" في السياسة إذا كان تداولا للسلطة.

الحزب الحاكم في مصر يُدْعى "الحزب الوطني الديمقراطي"، فلو أمعنا النظر فيه، وفي عمله ومهماته، لتعذَّر علينا العثور فيه على المعنى العالمي الديمقراطي لـ "الحزب" و"الحزبية السياسية"، ففئة ضئيلة من أعضائه هم الذين يقودون ويقرِّرون، يحكمون ويتحكمون. وهم لم يملكوا السلطة الحزبية إلاَّ لكونهم من ذوي النفوذ والسلطة والتأثير في خارج "الحزب"، وقبل أن يجيئوا إليه.

هذا "الحزب"، وفي معناه هذا، ليس من قوة سياسية في مصر في مقدورها تحدِّي سلطته ونفوذه غير جماعة الإخوان المسلمين، التي لا يمكنني فهم نفوذها الكبير والمتَّسِع في الحياة السياسية (والثقافية والاجتماعية) المصرية إلاَّ على أنه الثمرة المرة لـ "جَدْب وقحط وتصحُّر الحياة الديمقراطية" في مصر، فمِنَ "الموات السياسي الحزبي والديمقراطي" تَسْتَمِدُّ الجماعات السياسية ـ الدينية، أي الجماعات التي تمعن في تسييس الدين، حياةً وقوةً.

الآن، شرع الحزب الحاكم يُعِدُّ العدَّة للانتخابات الرئاسية المقبلة. والمهمة الكبرى التي يتوفَّر على إنجازها هي إخراج وطرد جماعة الإخوان المسلمين من الحياة السياسية الدستورية، أي أنَّ هذه الجماعة يجب أن تغدو في عجز دستوري عن دخول المعترَك الانتخابي البرلماني والرئاسي، فـ "الإصلاحات الدستورية"، وتدابير أخرى، يجب أن تُعْجِز جماعة الإخوان المسلمين عن تحدِّي مرشَّحي الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية، وانتخابات الرئاسة.

قُلْت إنني أقفُ مع الحظر الدستوري لـ "الحزب السياسي ـ الديني"، على أن يأتي هذا الحظر عَبْر استفتاء شعبي حر وديمقراطي، يدلي عبره الشعب، أي من يحق لهم الاقتراع من الشعب، برأيه في "دستور جديد". وأقف معه إذا كان جزءا من "العَلْمنة الشاملة"، فما معنى أن نفصل بين "الحزب السياسي" و"الدين" من غير أن نفصل، في الوقت نفسه، بين "الدولة" و"الدين"؟!

إنَّ "المشرِّع" في مصر (وفي سائر البلاد العربية) لا يحق له أن يدعو جماعة الإخوان المسلمين إلى الأخذ بـ "الحزبية اللا دينية" إذا لم يَدْعُ، في الوقت عينه، إلى الأخذ بـ "الدولة اللا دينية"، فالاستخدام السياسي للدين يجب أن يُحْظَر على مستوى الأحزاب وعلى مستوى الدولة، التي تَفْهَم "العلمانية" على أنَّها تحرير ترفضه للدين من قبضة الدولة، فالدولة عندنا يحق لها ما لا يحق للأحزاب، وكأن الاستخدام السياسي للدين هو حق لها وحدها!

وعلى الدولة عندنا، قبل أن تدعو، وحتى يحق لها أن تدعو، إلى حظر كل حزب سياسي يقوم على الدين أن تجيب عن السؤال الآتي: هل "السياسة" بُعْدٌ من أبعاد الدين الإسلامي؟

إذا أجابت قائلةً، إنَّ للدين الإسلامي وجهة نظر حتى في الشأن السياسي على رحبه واتساعه فلا يحق لها، عندئذٍ، أن تدعو إلى حظر "الحزب السياسي ـ الديني"، فالدعوة تغدو مروقا من الدين!

أمَّا الكيل بمكيالين في أمر العلاقة بين الدين والسياسة فهو رجس من عمل الشيطان السياسي الداخلي (والخارجي). لقد حان للدولة عندنا حسم الأمر، فلا يحق لها أن تُزوِّج السياسة بالدين عندما تقضي مصلحتها بهذا الزواج، وأن تُطلِّقها منه عندما تقضي مصلحتها بهذا الطلاق.. فقليلاً من النفاق!

من قبل، أفتى مفتي مصر علي جمعة في مسألة "تولِّي المرأة رئاسة الدولة"، فأكَّد في فتواه، التي وُصِفَت بأنَّها "فتوى رسمية"، أنَّ هذا الأمر غير جائز شرعا؛ "لأنَّ من سلطات رئيس الدولة إمامة المسلمين في الصلاة شرعا، وهي (أي تلك الإمامة) لا تكون إلا للرجال".

المفتي، حتى يُسْمَع، أبدى شيئا من "المرونة الحضارية"، فقال في فتواه "الرسمية": "إذا كانت الحقوق السياسية، بمفهومها الشائع، تشمل حق الانتخاب والترشيح وتولِّي الوظائف العامة، فإنَّ مبادئ الشريعة لا تمانع في أن تتمتع المرأة بحق الانتخاب والترشيح، وفي أن تتولَّى الوظائف العامة ما عدا وظيفة رئيس الدولة".
وعليه أجاز المفتي، إذ أجازت له مبادئ الشريعة، التي لا مصلحة له في تأويلها إلا كما أوَّلها في فتواه، للمرأة أن تصبح قاضية.

ولمَّا كان "الرجال" في مجلسي "البرلمان"، أي مجلس الشورى ومجلس الشعب، لا يملكون من سلطة القرار (السياسي) إلا ما يقل عمَّا تملكه المرأة من "سلطة" في "بيت زوجها، أو في "بيت أبيها"، أجاز المفتي للمرأة الترشيح في الانتخابات لعضوية هذا المجلس أو ذاك، "على أن" تُوَفِّق بين عملها العام هذا وبين حق زوجها وأولادها.. عليها؛ وعلى أن تبتعد عن السفور، والتبرُّج، و"الخلوة غير الشرعية (مع الرجال)".

ما أعلمه علم اليقين أنَّ ما يتحدى المفتي على أن يفتي فيه، وتحتاج "الرعية" إلى سماع رأيه (أو رأي الشرع عَبْر رأيه) فيه، هو مسألتي "الرئيس الأبدي" ولو تأبَّد حكمه بفضل "نظام ولاية تِلْوَ الولاية"، و"حق الابن في أن تكون رئاسة الدولة، أو الوظيفة العامة العليا، جزءا ممَّا يَرِث عن أبيه".

المفتي كان "علمانيا" في الأمر السياسي الذي لرئيس الدولة مصلحة في "عَلْمَنَتِه"، فالمواطنون (المصريون) المسلمون لا يحق لهم، ولا يجوز، أن يدخلوا المعترَك الانتخابي، ترشيحا، إذا ما كانوا ينتمون إلى حزب سياسي "يقوم على أساس ديني (إسلامي)"، فـ "الدولة لا دين لها"، وإنْ اتَّخَذت، في دستورها، الإسلام مَصْدرا للتشريع!

لماذا لم يتجرأ المفتي على التكلُّم بالكلام غير المباح؟!

لماذا لم يُجِبْنا، في فتوى رسمية أو غير رسمية، عن السؤال الآتي: "هل يحق لحزب سياسي (أو للرجال من هذا الحزب) يقوم على أساس ديني (إسلامي) الترشيح في الانتخابات البرلمانية والرئاسية؟"؟!

إذا كان جوابه الذي نَفْتَرِض هو "كلا، لا يحق له؛ لأنَّه يقوم على أساس ديني"، فلماذا جَعَلَ "الإمامة" شرطا لـ "الرئاسة"؟!

ولماذا لم يَدْعُ رئيس الدولة، الذي ما مِنْ سلطة إلاَّ ويمارسها، إلى ممارسة "سلطة الإمامة"، فلا نحن، ولا المفتي ذاته، رأيْنا رئيس الدولة يَؤُمَّ المسلمين في الصلاة، ولو كانت صلاة الجمعة أو العيد؟!

والمفتي، قبل أن يحلِّل ويُحرِّم في مسألة "رئاسة الدولة"، كان ينبغي له، شرعا، أن يوضح لنا ويؤكِّد أنَّ "الجمهورية"، برئاستها وبرلمانها بمجلسيه، هي من "الحلال السياسي" في الإسلام، وأنَّ رئيس الدولة هو في منزلة "الخليفة السياسي" للنبي، الذي كان يَؤُمَّ المسلمين في الصلاة، ويتدبَّر أمور دنياهم بين صلاة وصلاة.

دولنا، والحقُّ يقال، أثْرَت وأغْنَت "السياسة"، علماً وثقافةً وتجربةً، إذ أضافت إليها ما يشبه "المبدأ"، وهو الآتي: كل نظام حكم ملكي يقوم على التوريث (توريث الحكم للنجل أو الشقيق) لكن ليس كل نظام حكم يقوم على التوريث (للنجل) يجب أن يكون ملكياً، فـ "جمهوريات الآب والابن والروح القُدُس" يمكن (ويجب) أن تقوم هي أيضاً على التوريث!

بمعيار "العلمانية السياسية"، أو "السياسة العلمانية"، ليس من فرق جوهري بين "الدولة الدينية" و"الحزب الديني". إن على "الدول" و"الأحزاب" أن تبحث عن شرعية سياسية لها في خارج "الشرعية الدينية"، وحيث تُولَد وتنمو وتموت تلك الشرعية السياسية.

و"الفصل الديمقراطي بين السياسة والدين" يبدأ بالفصل بين الخطابين السياسي والديني؛ لكنه لا يكتمل إلا بالفصل بين "الرجال"، أي بين "رجال السياسة" و"رجال الدين"، فلهؤلاء عمل لا يؤديه أولئك، ولأولئك عمل لا يؤديه هؤلاء.

"الحزب الديني" في مجتمعنا إنما هو السياسة التي لا يمكن تمييزها من "الانتهازية السياسية"، فزج الدين في الخطاب السياسي الحزبي، كما نرى ذلك في شعار "الإسلام هو الحل"، يذلِّل كثيرا من العقبات من طريق هيمنة الحزب السياسي ـ الديني على عقول وقلوب العامة الذين يؤسِّسون على الدين كل، أو معظم، ما يملكون من ثقافة ووعي ووجدان، فهذا الزج الذي لا يقرِّه الجوهر الروحاني للدين إنما هو ميكيافلية خالصة.

إنَّ الحزبية السياسية التي إليها نحتاج، وتستوفي شروطها الديمقراطية، هي التي تسمح بقيام الحزب السياسي العابر للجماعات والكيانات الدينية والعشائرية، ولكل هوية دون الهوية القومية للمجتمع، فالحزب الذي يتَّسع لـ "جماعة" ليضيق بـ "المجتمع" ليس هو الحزب الذي يحتاج إليه الإصلاح السياسي ـ الديمقراطي الذي ننشد.

"الدولة" هي التي يجب أن تكون أُسوة حسنة لـ "الأحزاب" فلا تنهاها عن أمر لتقوم هي به، أو لتستمر في القيام به، فإخراج "السياسي" من "الديني"، و"الديني" من "السياسي"، إنما هو العمل الذي ينبغي للدولة أن تشرع تنجزه قبل، ومن أجل، دعوة الأحزاب إلى إنجازه.

في حملتها الأمنية (وغير الأمنية) على جماعة "الأخوان المسلمين"، قالت السلطات المصرية، غير مرَّة، إنَّ حملتها مستوفية لمبرِّراتها وأسبابها القانونية، فقانون الأحزاب السياسية في مصر يحظر قيام أحزاب سياسية على أُسُسٍ دينية، ويُقيم برزخا بين "الدين" و"السياسة".

وحتى لا يبقى من وجود لسياسة الكيل بمكيالين ينبغي للحكومات العربية الراغبة ضمنا أو صراحة في الفصل بين الدين والسياسة أن تبدأ بنفسها، وأن تَتْرُك الدين (الإسلامي) حُرَّا من قبضتها السياسية، أي أن تكف عن توظيفه واستخدامه بما يخدم مصالحها وأهدافها ومآربها المتقلِّبة المتغيِّرة، فكيف يحقُّ لها أن تدعو، عَبْر ما تسنه من قوانين وتشريعات للعمل الحزبي والسياسي، إلى الفصل بين الدين والسياسة، وهي التي تُضَمِّن دساتيرها مادة تنص على أنَّ الإسلام هو دين الدولة (الرسمي) ومَصْدَر التشريع (في أمور تخصُّ جوانب عديدة من الحياة العامَّة للمجتمع)؟!

على هذه الحكومات أن تَعْرِف كيف تُزاوِج، في الحياة السياسية لمجتمعاتها وشعوبها، بين "الديمقراطية" و"العلمانية"، فلا تُنشئ من "الديمقراطية" ما يَحول بينها وبين "العلمانية"، ولا تأخذ بـ "علمانية" تتقلَّص فيها، أو تتلاشى، الحقوق والحرِّيات الديمقراطية للمجتمع، ولأفراده وجماعاته المختلفة، فالديمقراطية المنافية للعلمانية إنَّما تنفي جزءا مهما من ذاتها؛ والعلمانية المنافية للديمقراطية إنَّما هي لون من الاستبداد السياسي.

لقد عَرَفْنا "الدولة" التي يُحْكِم رجال الدين قبضتهم عليها، أي الدولة الثيوقراطية، كما عَرَفْنا "الدولة" التي فيها يُحْكِم رجال الدولة، أي الساسة، قبضتهم على الدين، فكانت العاقبة هي اشتداد الحاجة لدى مجتمعاتنا إلى "التحريرين" معا: تحرير الدولة من قبضة الدين، وتحرير الدين من قبضة الدولة. وهذان "التحريران" إنَّما يعنيان "إعادة الدولة إلى صاحبها الشرعي الوحيد وهو الشعب"، و"إعادة الدين إلى حيِّزه الطبيعي وهو العلاقة بين الفرد وربِّه".

في زمن اضطهاد الشيوعيين في بلادنا، أي في الزمن الذي كان يجعلهم خطرين من وجهة نظر حكوماتنا، رَأيْنا دُوَلِنا ذاتها تؤسِّس وتٌوطِّد العلاقة بين الدين والسياسة، فالأحزاب الشيوعية حُظِرَت؛ لأنَّها تقوم على "الكُفْر" و"الإلحاد"؛ أمَّا الجماعات السياسية الدينية كمثل جماعة "الأخوان المسلمين" فتلقَّت من الرعاية الحكومية ما أظْهَر وأكَّد حرص دُوَلِنا على وجود أحزاب سياسية تقوم على أسُس دينية!

إنَّ الإبقاء على التداخل بين الدين والسياسية في مجتمعاتنا هو الذي يبقي على ظاهرة "الانتهازية" في العلاقة بين الشعب والساسة (في الأحزاب والحكومات) فالحزب السياسي الذي يُصَوِّر نفسه للناس (المسلمين) على أنَّه فكر سياسي مشتق من الآيات القرآنية وتفاسيرها، ومن الأحاديث النبوية، لا يلقى صعوبة تُذْكَر في اجتذاب عقول وقلوب كثير من المواطنين (المسلمين) إليه، وفي أن يؤسِّس لنفسه قاعدة شعبية واسعة، فخطابه السياسي ـ الديني لا يلقى صدَّاً له في ثقافة ووعي الناس العاديين؛ والمتوفِّرون على إنتاج وتسويق هذا الخطاب لا يجدون مقاومة فكرية شعبية تُذْكر في سعيهم لتحويل الوعي الكامن في خطابهم هذا إلى قوَّة مادية (شعبية). وطالما سَمِعْتُ ناخبين يقولون إنَّهم سيدلون بأصواتهم لمصلحة مرشَّحين إسلاميين لكون هؤلاء يقولون عن أنفسهم إنَّهم مرشَّحون إسلاميون؛ وكفى الله أولئك الناخبين شرَّ البحث والتدقيق والتمحيص!

والحكومات أيضا تمتطي الحصان ذاته، وتقيم علاقة سياسية انتهازية مع مواطنيها، موظِّفةً ومستخدِمةً الدين في خدمة مصالحها السياسية وغير السياسية، غير متورِّعة عن تفسيره وتأويله بما يعود بالنفع والفائدة على كل ما هو دنيوي من مآربها وأهدافها.

لقد حان لمجتمعاتنا أن تملك من التديُّن والإيمان الديني ما يُمكِّنها من أن تُخْرِج الدين من السياسة، والسياسة من الدين، وأن تَزِن كل الأمور التي تخصُّ حياتها السياسية، وحياتها العامَّة بأوجهها كافة، بغير ميزان الحلال والحرام، فيميزان الحقوق والمصالح والحاجات هو وحده الذي يمكن ويجب إقامته إذا ما أرَدْنا أن نُبْعَثُ من بعد موت!

"الإسلام هو الحل".. هذا الشعار الذي ابتكرته (لمآرب سياسية ـ حزبية في المقام الأول) جماعة "الأخوان المسلمين"، أصلا وفروعا، إنَّما هو جوهر الفكر السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي.. والعلمي لكل الجماعات والأحزاب والمنظمات الإسلامية على اختلافها وتناقضها وتباينها؛ وأحسبُ أنَّ "الحل"، أو جزءا مهمَّا من "الحل"، لكل مشكلاتنا الكبرى، والتي بات حلها يُعدُّ "شرط بقاء"، يقوم، ويجب أن يقوم، على نبذ هذا الشعار المنافي لجوهر الإسلام بوصفه دينا، ولمنطق حياتنا الدنيوية بأوجهها كافة، وعلى تحرير عقول ونفوس العامة من الناس من أوهامه حتى يصبح ممكنا فهم تلك المشكلات في طريقة تسمح لنا بالتوصُّل إلى حلول واقعية وحقيقية لها، فالقول بشعار "الإسلام هو الحل" مع السعي إلى ترجمته بـ "لغة الواقع" لا يحلُّ أيَّاً من مشكلاتنا الكبرى، ويجعلها تتفاقم، ويَبْذُر بذور مشكلات وأزمات جديدة.
"الإسلام هو الحل" إنَّما هو شعار كل مَنْ يريد تأويل نصوص دينية بما يُوافِق مصالحه الدنيوية الضيِّقة، فإذا أنجز هذا التأويل المُغْرِض (سياسيا)" سعى في إظهاره للعامَّة من المسلمين على أنَّه هو الحل الإسلامي الذي لا حلَّ مُجْدٍ (دنيويا ودينيا) سواه؛ وسعى، من ثمَّ، إلى تكفير كل مَنْ يرى رأيا آخر في مشكلاتنا وحلولها، وكأنَّه هو وحده الذي يحق له احتكار "الحقيقة".

وإنصافا للحقيقة ينبغي لنا أن نقول إنَّ أحزاب "الإسلام هو الحل" تستمد جزءا كبيرا، إن لم يكن الجزء الأكبر، من قوَّتها ونفوذها الشعبي من طبيعة وخواص خصومها الكبار في الحُكم وفي خارجه، فهؤلاء إنَّما يخاصمون تلك الأحزاب، ويكافحون نفوذها، في طريقة تعود عليها بمزيد من النفع والفائدة؛ لأنَّهم يَظْهَرون، في أقوالهم وأفعالهم، على أنَّهم حُصُناً من نمط "حصان طروادة" للأعداء الحقيقيين لشعوبنا، التي حان لها أن تكف عن المفاضلة بين طرفين يختلفان في كل شيء؛ لكنَّهما يتَّفِقان في شيء واحد فحسب هو العداء لحقها القومي ـ الديمقراطي.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أُمَّة تَنْتَحِر بسلاح التعصُّب!
- شرط نتنياهو ولا -صفقة أوباما-!
- مجلس نيابي يمثِّل 470 ألف مواطن!
- كيف نفهم -سرعة الضوء-؟
- لم أرَ انتخابات تشبه التعيين أكثر منها!
- ما بين وزير الداخلية الأردني والفيلسوف هيجل!
- بلفور إذ تعدَّد!
- أخلاق انتخابية وانتخابات أخلاقية!
- كيف تُشْرِك الشعب في الانتخابات وتقصيه عن -البرلمان-؟!
- الانتخابات الأردنية..التحريض على المقاطعة!
- بلفور الفلسطيني!
- صراع رُبْع الساعة الأخير.. إسرائيلياً وفلسطينياً!
- -القرار الفلسطيني-.. معنىً ومبْنىً!
- فتوى جيِّدة لزمن رديء!
- 26 أيلول.. ما قبله وما بعده!
- هل تتلاشى فلسطينية -القضية الفلسطينية- بعد تلاشي قوميتها؟!
- -شقَّة- ليبرمان و-حَماة- عباس!
- الحكومة الأردنية تبحث عن -خلخال حزبي- للبرلمان المقبل!
- التناقض في منطق الاعتراف العربي بإسرائيل!
- العرب يحتاجون إلى هذا -التَّتريك الديمقراطي-!


المزيد.....




- اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب بنيويورك
- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - مصر تضيف -العلمانية- إلى -الديمقراطية- في انتخاباتها البرلمانية!