أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - جواد البشيتي - خطوة إلى الأمام وعشرة إلى الوراء!















المزيد.....

خطوة إلى الأمام وعشرة إلى الوراء!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3213 - 2010 / 12 / 12 - 01:57
المحور: القضية الفلسطينية
    



خطوة إلى الأمام وعشرة إلى الوراء!

جواد البشيتي

"انتصر" زعيمان، و"هُزِم" ثالثهما.

نتنياهو انتصر؛ لأنَّه لم يُلبٍّ مطلب عباس أنْ تُوْقِف إسرائيل البناء الاستيطاني في الضفة الغربية (وفي القدس الشرقية على وجه الخصوص) توصُّلاً إلى استئناف المفاوضات المباشرة.

وعباس "انتصر" هو أيضاً؛ لأنَّه ظلَّ مصرِّاً على أنْ لا استئناف للمفاوضات المباشرة ما لم يُلبِّ نتنياهو مطلبه ذاك.

وهُزِم، أو انهزم، أوباما؛ لأنَّه، وعلى كثرة ما بذل من جهود، لم يتمكَّن من إقناع نتنياهو بتليين موقفه من مطلب عباس بما يسمح باستئناف المفاوضات المباشرة؛ ولقد سلَّم بهزيمته، واعترف بها، ورفع "الراية البيضاء"، إذ قال (عبر المتحدِّث باسم وزارة الخارجية فيليب كراولي) إنَّ إدارته تخلَّت عن سعيها لإقناع إسرائيل بتجميد الاستيطان، وإذ قال (عبر مسؤول في البيت الأبيض طلب عدم كشف اسمه) إنَّ إدارته توصَّلت إلى استنتاج مؤدَّاه أنَّ تجميد الاستيطان ليس بالطريق المؤدِّية إلى استئناف المفاوضات المباشرة في الوقت الحاضر.

الآن، أو من الآن وصاعداً، سنرى "التجميد" و"عدمه"، فـ "التجميد" سيشمل "المفاوضات المباشرة"؛ ولن يشمل "البناء الاستيطاني"، الذي أصبح حُرَّاً طليقاً من كل قيد، ولو كان واهِناً؛ أمَّا "عدم التجميد" فسوف يشمل "البناء الاستيطاني"؛ ولن يشمل (إلى أنْ تؤتي المفاوضات غير المباشرة الجديدة ثمارها الطَّيبة) المفاوضات المباشرة.

البطل نتنياهو هو بطل؛ لأنَّه قال، مُتَرْجِماً قوله بفعلٍ من جنس القول، لن أُوْقِف البناء الاستيطاني ولو كانت العاقبة أنْ تذهب المفاوضات المباشرة إلى الجحيم؛ والبطل عباس هو بطل؛ لأنَّه قال، مُتَرْجِماً قوله بفعلٍ من جنس القول، لن أذهب إلى المفاوضات المباشرة ما لم يتوقَّف الاستيطان تماماً في الضفة الغربية، وفي القدس الشرقية أوَّلاً، وعلى وجه الخصوص.

إنَّ الاستيطان، ولجهة استمراره والتوسُّع فيه، هو وحده "الفعل" الآن؛ ووحده الله يعلم متى تنتهي هذه "الآن"؛ أمَّا "مفاوضات السلام" فـ "المباشر" منها "مجمَّد"، و"غير المباشِر" بدأ، أو اسْتُؤنِف؛ ولا نعلم متى، وكيف، ينتهي!

كان موقفاً يَصْلُح لاتِّخاذه مقياساً نقيس به وَزْن (وجدوى وأهمية وواقعية..) كل موقف جديد لإدارة الرئيس أوباما أنْ تُعْلِن تلك الإدارة فشلها في، أو تخلِّيها عن، سعيها لإقناع نتنياهو بتجميد الاستيطان ثلاثة أشهر (لا أكثر، وكما جمَّده من قبل عشرة أشهر) على الرغم من عِظَم الثمن الذي أبدت استعداداً لدفعه له، من كيسها، ومن كيس الفلسطينيين أنفسهم.

في سعيها ذاك، وفي تخلِّيها عنه من ثمَّ، أثبتت القوَّة العظمى في العالم (وفي التاريخ) أنَّها الأسد الذي يغدو فأراً في كل شأن أو أمر لا تَرْضى عنه إسرائيل؛ فكيف لها أنْ تصبح وسيطاً، يأتي بمعجزةٍ، هي تحقيق سلام، يشبه "حمامة السلام" أكثر مما يشبه "الراية البيضاء (للفلسطينيين)؟!

أنْ يعجز أسد العالم (والتاريخ) عن إقناع نتنياهو بأنْ يَقْبَل بيعه سلعته الرخيصة المغشوشة والتي لا قيمة استعمالية لها بهذا الثمن الغالي فهذا هو المصيبة بعينها؛ وتَعْظُم المصيبة عندما نرى الموقف الذي وقفه هذا العاجز من نتنياهو؛ فهو لم يُعْلِن تخليه عن مسعاه ذاك إلاَّ ليقول، ولو ضِمْناً، إنَّ نتنياهو كان صادقاً إذ قال إنَّ تجميد الاستيطان ليس بالطريق المؤدِّية إلى مفاوضات تؤدِّي إلى السلام!

لقد قَبِلَت إدارة الرئيس أوباما أن يستمر الاستيطان (وإنْ لم تَقْبَل، على ما قالت كلينتون، أنْ يُفْهَم موقفها هذا على أنَّه إقرار بشرعية هذا النشاط الاستيطاني) داعيةً طرفي النزاع (نتنياهو وعباس) وآخرين إلى أنْ ينضموا إليها في "البحث عن طريق جديدة"، أي عن طريق يمكن أن ينتهي السير فيها إلى اتِّفاق مبدئي على حلِّ وتسوية المشكلات الجوهرية والأساسية، وكأنْ لا أثر سلبياً يُذْكَر لاستمرار (وتنامي) النشاط الاستيطاني على هذه الجهود والمساعي الجديدة، والتي هي عودة (أكثر هزلية من ذي قبل) إلى "المفاوضات غير المباشرة (أو "التقريبية")".

وإنَّ جُلَّ ما تتمناه إدارة الرئيس أوباما على نتنياهو الآن هو أن يستعين على قضاء حوائجه بشيء من الكتمان، وكأنَّها تريد أن تقول له: اسْتَمِر في نشاطك الاستيطاني؛ لكن بقليلٍ من الرعود والبروق الإعلامية؛ لِتَقْتُل بمسدَّسِك الاستيطاني؛ لكن بعد أنْ تزوِّده ما يشبه "كاتم الصوت".

أمَّا عباس فتتوفَّر على إقناعه (بالتعاون مع "لجنة مبادرة السلام العربية") بألاَّ يَقْدِم على أي شيء يمكن أن يفسد جهودها ومساعيها الجديدة، كأنْ يَحْمِل "الملف"، ومعه "القضية"، إلى الأمم المتحدة، بمجلسها وجمعيتها، وكأنَّ خيوط اللعبة يجب ألاَّ تَخْرُج أبداً من يد الولايات المتحدة، ولو أصبحت سياستها واضحة بما يكفي لجعل عباس عاجزاً عن تمييز أوباما من نتنياهو.

ويَحِقُّ لعباس بَعْد "اقتناعه" بذلك، أو بَعْد "اقتناعه" بأنَّ القناعة كنز لا يفنى، أنْ يستمر في ما يشبه جَمْع مزيدٍ من "التواقيع"، ففي أثناء سير الجهود والمساعي الجديدة جنباً إلى جنب مع سير نتنياهو في طريق الاستيطان يحقُّ لعباس أن يسعى في نيل مزيدٍ من الاعتراف الدولي (كاعتراف البرازيل والأرجنتين) بدولة فلسطينية "حُرَّة، مستقلة"، يشمل إقليمها "الأراضي الفلسطينية" التي احتلتها إسرائيل في حرب حزيران 1967، كلها، أو معظمها إذا ما اتَّفق طرفا النزاع على حل مشكلة الحدود من طريق "تبادل الأراضي".

أوباما، في "رسالته" إلى عباس (وإلى "لجنة مبادرة السلام العربية" أيضاً) يقول له: أعْتَرِف بأنِّي استخذيتُ كثيراً لمشيئة نتنياهو (وحلفائه الأقوياء في بلادي) لكنْ إيَّاك أنْ تقنط من رحمتي؛ وإيَّاك، من ثمَّ، أنْ تذهب إلى الأمم المتحدة، معلِّلاً نفسك بوهم أنَّ الحل يمكن أن يأتي من هذه الطريق؛ دَعْ نتنياهو يتلذَّذ ويًسْتَمْتِع (إلى حين) بنشاطه الاستيطاني الحُرُّ من كل قيد وعقال، فأنا الآن، أو من الآن وصاعداً، لن أكون وسيطاً سلبياً، سأُجْلِسكَ في غرفة، ونتنياهو في غرفة، وسأطرح عليكما "الأسئلة الصعبة"، مُصِرَّاً، هذه المرَّة، على الحصول منكما على "الأجوبة الواضحة والنهائية"، لأبتني منها، أو من الواقعي منها، ومن أفكار خاصَّة بي، حلولاً مبدئية (ونهائية) للمشكلات الجوهرية (الحدود، والقدس الشرقية، واللاجئين، والمستوطنات، والأمن، والمياه). وبعد ذلك، تعودان إلى المفاوضات المباشرة، لِتُحوِّلاً "مقترحات الحلول النهائية" إلى "اتِّفاق مبدئي"، يُنفَّذ، تدريجاً، بعد توقيعه، على أنْ يُنفَّذ منه أوَّلاً، وسريعاً، الحل الخاص بمشكلة الحدود. لِنَتَوصَّل أوَّلاً، ومن طريق هذه المفاوضات غير المباشرة (أو التقريبية) الجديدة، إلى "اتِّفاق إطاري (أو مبدئي)"، يتضمَّن حلولاً للمشكلات الجوهرية كافة، فيصبح ممكناً، عندئذٍ، أنْ نعيد إطلاق المفاوضات (المباشرة) و"عملية السلام".

وفي مزيدٍ من الوضوح والاختصار، قالت كلينتون: ينبغي للطرفين أن يتوصَّلا، من خلال هذه المفاوضات غير المباشرة الجديدة، إلى اتِّفاق على رسم خطٍّ (حدودي) واضح على الخريطة، يفصل بين إسرائيل وفلسطين، بما يضمن لإسرائيل أمنها، ويَرْفع الاحتلال عن الفلسطينيين وأراضيهم.

في جهودها ومساعيها الجديدة، والتي شرعت تصوِّرها على أنَّها فرصة ذهبية لتحقيق كل شيء، ولحلِّ كل النزاع والمشكلات الجوهرية، لن تدعو إدارة الرئيس أوباما نتنياهو إلى تجميد، أو وقف، البناء الاستيطاني؛ ولن تدعو عباس إلى استئناف التفاوض المباشر مع نتنياهو في مناخ استمرار النشاط الاستيطاني؛ لكنَّها تدعو الطرفين، وآخرين، إلى اغتنام هذه الفرصة، وكأنَّ ما يشبه "عصا موسى" سيظهر في خلال هذه المفاوضات غير المباشرة (التقريبية) الجديدة، والتي لم تُحِطْنا تلك الإدارة علماً بمداها الزمني، وهي التي تَعْلَم أنَّ كل ساعة تنقضي بولادة استيطان جديد.

لقد فشلت إدارة الرئيس أوباما، وباعترافها هي، في "إقناع" نتنياهو بتجميد الاستيطان (ثلاثة أشهر لا غير) من أجل استئناف المفاوضات المباشرة؛ وإنَّ هذا الواقع، أو هذا الفشل، يتحدَّاها أنْ تنجح في إقناع الفلسطينيين بأنَّ الذي فشل في الزحف بضعة أمتار إلى الأمام يستطيع النجاح في العدو ألف ميل إلى الأمام (وليس إلى الوراء).

إنَّنا لم نرَ من النتائج (الواضحة الجلية) لجهود ومساعي "المُقَرِّب"، أي الرئيس أوباما ومبعوثه ميتشل، إلاَّ ما يُثْبِت ويؤكِّد أنَّ التقريب المتحقِّق (في وجهات النظر والمواقف) لم يكن بين نتنياهو وعباس؛ وإنَّما بين نتنياهو وأوباما؛ والفضل (كل الفضل) في ذلك إنَّما يعود إلى اقتراب أوباما (أكان هذا الاقتراب إرادياً أم اضطِّرارياً) من نتنياهو الذي لم يتزحزح قيد أنملة عن مواقفه.

وهذا "التقارُب"، أو هذا التقريب لمواقف إدارة الرئيس أوباما من مواقف حكومة نتنياهو والتي هي مواقف تصلح لمنع كل تفاوض بينها وبين الفلسطينيين، اقْتَرَن بـ "تباعُد" بين إدارة الرئيس أوباما والفلسطينيين؛ وهذا "التباعد" يُشدِّد الحاجة إلى "طرف ثالث"، أو إلى "ميتشل آخر"، يتوفَّر على التقريب بينهما في وجهات النظر والمواقف.

وهذا "الطرف الثالث"، أو "ميتشل الآخر"، إمَّا أن يتوفَّر على التقريب بين إدارة الرئيس أوباما والفلسطينيين من خلال إقناع تلك الإدارة بضرورة وأهمية "التراجع عن تراجعها"، وبأن تصبح وسيطاً غير منحاز، أو أقل انحيازاً، إلى إسرائيل، وإمَّا أن يتوفَّر على التقريب (السلبي) بينهما من خلال "إقناعه" السلطة الفلسطينية بضرورة وأهمية أن تبتعد عمَّا تلتزمه حتى الآن من مواقف ومطالب وشروط، لتقترب من إدارة الرئيس أوباما التي تزداد اقتراباً من نتنياهو، أو من نتنياهو ـ ليبرمان!

ولسوف يتولَّى العرب، عبر "اللجنة" التي استحدثوها لتفويض المفاوِض الفلسطيني مهمَّة "إقناع" السلطة الفلسطينية بضرورة وأهمية أن تجنح لهذا التقريب السلبي (فلسطينياً) بينها وبين إدارة الرئيس أوباما.

وأحسب أنَّني لا أحتاج إلى إقامة الدليل على أنَّ "المفاوِض الفلسطيني"، الذي لا يلقى من "المفاوِض العربي" إلاَّ ما "يعزِّز ويقوِّي ضعفه التفاوضي"، قد نجح في ما كان ينبغي له أن يفشل، وفشل في ما كان ينبغي له أن ينجح؛ فلقد نجح في أن يُقْنِع خصمه، أي المفاوِض الإسرائيلي، بأنَّه ما عاد قادراً على العيش السياسي إلاَّ في مفاوضته، وبمفاوضته، وفشل في إقناعه بأنَّ له مصلحة حقيقية واقعية في أن يجنح للتفاوض (الجاد والحقيقي) معه حتى أنَّ المفاوِض الإسرائيلي قال، غير مرَّة، إنَّه يفاوِض خصمه الفلسطيني وكأنَّه يحاوِر نفسه!

"المفاوِض" يكفي أن يستبدَّ به الشعور بالعجز عن "المغادرة"، وعن توديع "المفاوضات (التي غدت مضيعة للجهد والوقت، وهدراً لثروته السياسية والإستراتيجية)" توديع هرقل للشام، حتى يَفْقِد الخواص الجوهرية للمفاوِض؛ ولقد دخل "المفاوِض الفلسطيني" قاعة المفاوضات، وفاوَض، وفاوَض، حتى استبدَّ به الشعور بأنَّ الداخل إليها مفقود، والخارج منها مولود، وإلاَّ ما معنى أنْ تتَّخِذ من "فشل" المفاوضات "المباشِرة" سبباً (وجيهاً) للانتقال إلى المفاوضات "غير المباشِرة"، لتتَّخِذ، من ثمَّ، من "فشل" المفاوضات "غير المباشِرة" سبباً (وجيهاً أيضاً) للعودة إلى المفاوضات "المباشِرة"؟!

"المفاوِض الحقيقي" يفاوِض وشعاره "حاوِل ثمَّ حاوِل ثمَّ حاوِل.. ثمَّ قرِّر واحْسِم"؛ أمَّا "المفاوِض" الذي أصبح لجهة صلته بخواص "المفاوِض الحقيقي" كظلٍّ لا جسم له فيُفاوِض وكأنَّ شعاره "جرِّب ثمَّ جرِّب ما جرَّبْت.. توصُّلاً إلى نتائج مختلفة"!

أليست مأساة ما بعدها مأساة أنْ يتنازل "المفاوِض الفلسطيني" لإسرائيل عن القسم الأكبر من "رصيده من الذهب" الذي بفضله يُصْدِر "الأوراق التفاوضية"، لـ "يشتري" بهذا التنازل الثمين "سلطة" كالنقد المزوَّر؟!

وأليست مهزلة ما بعدها مهزلة أن يغدو تهديده بحلِّ هذه "السلطة" كل متاعه التفاوضي؟!

في بعضٍ من البيع والشراء نرى ما يشبه ذلك، فأنتَ الذي لا تجيد الشراء قد تشتري من تاجِر غشَّاش، كإسرائيل، سلعةً كـ "السلطة"، بثمن يفوق قيمتها التبادلية أضعافاً مضاعفةً، فهو أوْهَمَكَ أنَّ قيمتها الاستعمالية لا ريب فيها، أي أنَّكَ ما أنْ تحصل على هذه "السلطة"، ولو بهذا الثمن المرتفع، حتى تصبح "الدولة" في متناولك؛ فلمَّا ثَبْتَ لديكَ، وتأكَّد، غشه (في سعرها، وفي قيمتها الاستعمالية) هدَّدته قائلاً: إنْ لم تُنْصفني فسوف أُتْلِف هذه السلعة أمام ناظريك!

وأخال أنَّكَ سمعتَ جوابه!

في "التفاوض"، الذي هو جزء من كلٍّ هو "السياسة" في عالمها الواقعي الذي تَحْكُمُه قوانين كقوانين الفيزياء لجهة صرامتها، ليس في مقدوركَ أبداً أنْ "تُقْنِع"، أو أنْ تجيد "إقناع"، خصمكَ المفاوِض إلاَّ إذا كان في مقدوركَ أنْ "تُكرهه" على "الاقتناع"، فإنَّ ما تملك من "وسائل وقوى الإكراه" هو "حُجَّتك" الأقوى في الإقناع.

وهذا إنَّما يعني أنَّ "المفاوِض الفلسطيني" إنْ غادر قاعة المفاوضات، وقَلَب الطاولة، فلا يغادر تلك، ولا يَقْلِب هذه، إلاَّ لِيُكْرِه إسرائيل على الاقتناع بأنَّها تَكْسَب إنْ هي جنحت لمفاوضات جادة حقيقية، وتخسر إنْ هي ظلَّت مستمسكة بسياسة ومواقف تُغذِّي نار المقاومة الفلسطينية بمزيدٍ من الوقود.

إذا كانت "المقاومة" هي "الحرب نفسها"، أو "شقيقتها" التي تشبهها كثيراً، فإنَّ "الحرب" لن تكون من العِلْم في شيء إنْ لم تكن الوجه الآخر للسياسة نفسها؛ أمَّا "السياسة" فلن تقوم لها قائمة إذا لم يُجِب المشتغِل بها عن سؤال "ماذا أريد؟"، فإنَّ من لا يسأل هذا السؤال، ولا يجتهد في إجابته بما يوافِق مصالحه الحقيقية الواقعية لا الوهمية، لن يَعْرِف أبداً ما هي "أولوياته"، فيغدو في حركته كسفينة مبحرة؛ ولكن بلا اتِّجاه.

"السياسة" هي "الهدف النهائي"، الذي يُصْعَد إليه صعوداً؛ ولن يُصْعَد إليه إلاَّ بـ "سُلَّمٍ من الأولويات"؛ ولن نملك هذا "السُّلَّم" إلاَّ إذا عَرَفْنا "ماذا نريد".

والمُشْتَغِل بالسياسة، بصفة كونها بنت العِلْم والفنِّ، إنَّما هو الذي نصفه دبلوماسي يجيد لعبة الدبلوماسية، ونصفه الآخر محارِب يجيد لعبة الحرب، فإنَّ شقَّ الطريق إلى الهدف السياسي النهائي يَسْتَلْزِم وجود قيادة سياسية تجيد فنَّ الإقناع (أي الدبلوماسية والتفاوض) فإذا لم يقتنع الخصم بضرورة وأهمية أن يتنازل ويعتدل ويسير مُقْتَرِباً من منتصف المسافة فإنَّ على القيادة نفسها، عندئذٍ، أن تُظْهِر له، وتؤكِّد، أنَّها تجيد أيضاً فن الإكراه.

وإنَّ أخشى ما أخشاه، مع وجود "المفاوِض الفلسطيني" الذي حَمَلَه ضعفه (الذي معظمه من صنع يديه) على تفويض أمره إلى "المفاوِض العربي" المُفوِّض أمره إلى "الوسيط" المنحاز انحيازاً أعمى إلى الخصم، أنْ تنجح إدارة الرئيس أوباما، في آخر المطاف، في "إقناع" نتنياهو بتجميد الاستيطان ثلاثة أشهر في مقابل تخليها عن سعيها لإقامة دولة فلسطينية!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكاليات في المعرفة الكونية
- الخيارات الستَّة البديلة!
- حلٌّ من طريق -تجميد- خيار المفاوضات!
- العالم على شفير -حرب عملات-!
- مصر تضيف -العلمانية- إلى -الديمقراطية- في انتخاباتها البرلما ...
- أُمَّة تَنْتَحِر بسلاح التعصُّب!
- شرط نتنياهو ولا -صفقة أوباما-!
- مجلس نيابي يمثِّل 470 ألف مواطن!
- كيف نفهم -سرعة الضوء-؟
- لم أرَ انتخابات تشبه التعيين أكثر منها!
- ما بين وزير الداخلية الأردني والفيلسوف هيجل!
- بلفور إذ تعدَّد!
- أخلاق انتخابية وانتخابات أخلاقية!
- كيف تُشْرِك الشعب في الانتخابات وتقصيه عن -البرلمان-؟!
- الانتخابات الأردنية..التحريض على المقاطعة!
- بلفور الفلسطيني!
- صراع رُبْع الساعة الأخير.. إسرائيلياً وفلسطينياً!
- -القرار الفلسطيني-.. معنىً ومبْنىً!
- فتوى جيِّدة لزمن رديء!
- 26 أيلول.. ما قبله وما بعده!


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - جواد البشيتي - خطوة إلى الأمام وعشرة إلى الوراء!