أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - السقوط العظيم!















المزيد.....

السقوط العظيم!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3247 - 2011 / 1 / 15 - 16:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إنَّ خير ما نستهل به كلامنا هو "التحيَّة".. تحيَّة إجلال وإكبار نزجيها إلى الشعب العربي في تونس الذي أراد الحياة فاستخذى القدر لإرادته، والذي علَّم أبناء جلدته، بكلمات من نور ونار ودم، أنَّ مَنْ يتهيَّب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحُفَر؛ وإنَّ لنا الآن (التي هي ظرف زمان سياسي ـ تاريخي يدلُّ على المستقبل) أنْ نهنِّئ أنفسنا، وأنْ نفخر، بعد طول ذُلٍّ ومهانة، بأنَّنا عرب، فلقد انتظرنا 222 سنة لتشرق شمس عربية تشبه شمس الثورة الفرنسية العظمى (سنة 1789) وليَغْرُب بشروقها عهد حرَّاس الظلام والليل والنعوش والقبور.

إنَّه الرابع عشر من كانون الثاني 2011 يوم "الهروب الكبير"، بما خَفَّ حِمْلُه وغلا ثمنه، وبزيِّ امرأة منقَّبة، فَلَمْ يَجِد له مأوىً وملاذاً إلاَّ إيَّاه؛ فبئس المأوى، وبئس الملاذ.

وإنَّه ليومٌ فيه من عِظَم الشأن والمعنى ما يجعل كل دقيقة منه تَعْدِل سنةً؛ فإنَّه، والحقُّ يقال، أوَّلُ حاكم عربي (بالحديد والنار، والفساد والإفساد، وتكميم الأفواه، وبَثِّ الفُرْقة بين ضحاياه) يُطيح به شعبه، ويذهب به إلى الجحيم، بثورة شعبية، ديمقراطية، زيتونية، واعية، حضارية، لا ريب في أصالتها، وعفويتها، وفي طُهْرِها من نجاسة ودنس دعوات "الإصلاح السياسي والديمقراطي" للقوَّة الإمبريالية العظمى في العالم؛ ولا ريب، أيضاً، في أنَّها كانت "انتخابات"، سقط فيها الرئيس بقوَّة تصويت شعبي هو، هذه المرَّة، أقرب ما يكون إلى "النِّسْبَة الشهيرة".. نِسْبَة 99.9 في المئة (من أصوات الشعب).

إنَّهما "الرَّمزان"، رمزهم ورمزنا، فإنَّ "زين العابدين بن علي" الذي كان حاكماً بأمره إنَّما هو، مع زوجته، وعائلته، وأقربائه، وحاشيته، وطبقته، ونظام حكمه، "الواحد إذ تعدَّد"، فلا فَرْق بينهم في اللون، وإنْ اختلفوا فيه درجةً.

لهم أنْ يروا في هذا اليوم التاريخي (الرابع عشر من كانون الثاني 2011) والذي لمَّا ينتهي، سقوطاً لنظام حكم زين العابدين بن علي، وحَدَثَاً تونسياً خالصاً، فعندما يضطَّرب تفكيرهم ويختل لن يكون في مقدورهم رؤية الكل في الجزء؛ لكن لنا، أي يحق لنا وينبغي، أنْ نرى في سقوطه العاجل سقوطاً آجلاً (لكن حتمياً) لنظام الحكم العربي، فإنَّ زين العابدين بن علي هو، مرَّة أخرى، "الواحد إذ تعدَّد".

إنَّ لهم رمزهم، وبئس الرَّمز؛ وإنَّ لنا رمزنا، ونِعْمَ الرَّمز؛ فهل مِنَّا مَنْ يَكْفُر بعد الآن بـ "آية محمد البوعزيزي"، والتي بها تبيَّن الرُّشد من الغيِّ؟!

لقد أضرم هذا الشاب الرَّمز النار بجسده لِيُشْعِل بها فتيل ثورة شعبية عظمى، اسْتَجْمَعت هي، ومن قبله، لانفجارها ما يكفي من بارود، وليأتِ بلهيبها على الأخضر واليابس من نظام الحكم الاستبدادي، جاعلاً من النار التي التهمت جسده (لا روحه) نوراً للشعب في ظلمات الاستبداد؛ فَرَفَع له الموت قُبَّعته، وانحنى له إجلالاً واحتراماً، وقلَّده وسام "أوَّل من قُتِل وآخر من يموت"!

شكراً لك يا محمد، فلقد أنْهَيْتَ لنا زمن هيفاء وهبي، وأشباهها من قادة وساسة؛ أنهيت لنا ذلك الزمن الذي فيه رأينا "نبيَّاً" لكل عصابة، وميليشيا لكل صحافي؛ فمنذ موتك، الذي أحيا عِظام أمَّة وهي رميم، نحن نحن، وما عُدْنا غيرنا.

نحن الآن نحن، نثور، ونشكو؛ نغنِّي، ونبكي؛ نقاتِل ونُحِب؛ ونَخْتَزِن في أجسادنا المثخنة بالجراح، الشتاء والرعود والبروق والعاصفة.. والآلام التي منها تفجَّر هذا الكبرياء العربي (القومي الديمقراطي) في تونس، موطن صُنَّاع الأسطورة.. أسطورة الدم الذي غلب السيف، وجَعَل لنا "قوس قزح" عَلَمَاً.

شكراً لكَ، فلقد أنهيت بـ "عبقريتكَ الدستورية" ما عانيناه زمناً طويلاً من "البلاهة الدستورية"، فأين هو الدستور العربي الذي لم يَغِبْ عن أذهان واضعيه أنْ يُضَمِّنوه عبارة "إذا ما هرب الرئيس.."؛ فـ "الفراغ في السلطة"، والذي ينبغي للدستور منعه، لم يَعْرِف من الحيثيات إلاَّ "وفاة الرئيس"، أو "استقالته"، أو "مرضه"، أو "ما يُعْجِزه عن تأدية مهماته"؛ أمَّا هذه "الحيثية الجديدة"، أي "فرار الرئيس"، فَلَمْ يُؤتَ على ذِكْرِها؛ لأنَّها العار بعينه؛ وإنْ جاء زين العابدين (الشخص والرَّمز) بعارٍ لم يَعْرِفه الأوَّلين من أمثاله، فلقد هرب إلى "أرض النقاب"، مرتدياً زِيَّ امرأة منقَّبة!

إنَّ شعبك، وبِدَمِكَ الوردي، كتب، ويكتب الآن، الأجمل من إلياذة هوميروس، وملحمة جلجامش، والماهاراتا الهندية، والشاهناما الفارسية؛ أنهي، وينهي الآن، زمناً طويلاً قضيناه معاً ونحن نستجدي رحمتهم، نُعْلَف في زرائبهم، نركع ونسجد حتى ملَّنا السجود والركوع، نَرْكَب أحصنةً من خشب، ونقاتل أشباحاً وسراباً، لا عقل لنا، ولا رأي، ولا حتى أقدام.

ظللنا نَحْلَم، ونطحن بطاحونتهم، فما طَحَنَّا إلاَّ الهواء؛ فشكراً لك إذ هَزَمْتَ الهزيمة المتأصلة في نفوسنا، رافضاً زماننا وعصرنا، فَوُلِد من رفضكَ هذا الجمال المتوحِّش، الشرس؛ جمال الفهد الاستوائي الذي فكَّ السِّحر، وفتك بالسحرة.

شكراً لك إذ علَّمْتَ "أُمَّة اقرأ" الأبجدية العربية، وكيف نكون عَرَباً، ونحن الذين توهَّمْنا أنَّنا يكفي أن تكون عيوننا سوداء، وأنْ نرتدي كوفية وعقالاً وعباءةً من وَبَر الجَمَل، وأنْ نتمنطق بالخناجر المعقوفة، ونحفظ ألفية ابن مالك، وكتاب الأغاني، ومقامات بديع الزمان الهمذاني، ونشرب القهوة المرَّة، وأنْ.. ، حتى نكون عَرَبَاً.

قبل موتك الذي كلُّه حياة، كنَّا عَرَبَاً من حَطَب وخَشَب، في "وادي الدموع" نصلِّي، ونتعبَّد، وعن "ورود الوهم" نبحث، فكلَّما علَّلنا نفوسنا بحرِّيةٍ تتنزَّل علينا من عليائهم، ويهبونها لنا لا يريدون جزاءً أو شكوراً، رأينا مزيداً من الأصفاد يصفدون بها أيادينا وألسنتنا وأقلامنا؛ أمَّا هُمْ فكانوا "كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إلا دُعَاءً ونِدَاءً".

يا مُدُن تونس قاهرة الموت.. لقد طَمَحْتِ إلى امتلاك الشمس، فامتلكتها؛ ولقد اقْتَحَمْتِ البحر، ولم تكتفِ باصطياد الأسماك على شواطئه؛ ركَبْتِ المخاطر ولم تُؤثري السلامة كالخراف والأرانب؛ إنَّكِ لم تسكنِ السفح، وإنَّما البرق والهاوية.

إيَّاكم أنْ تصدِّقوا أحفاد بروتوس، فإنَّهم لم يعترفوا بكم إلاَّ عن اضطِّرار؛ وليس في الاضطِّرار فضيلة؛ ولسوف يُنْكِروكم كما أنكر بطرس المسيح ثلاث مرَّات قبل صياح الديك؛ فَهْمْ قوم لا يعرفون سوى الخطابة، والفرار، والليالي الحمراء؛ ولن يتورَّعوا عن بيع جلودكم بثلاثين من الفضة لجزَّار آخر.

مسرحهم احترق؛ لكنْ لم يَمُتْ الممثِّلون بَعْد!

سبحان الذي علَّم بالقلم؛ وتحيَّةً لشعب علَّم بالعصا؛ وبئس حاكم لا يَفْهَم شعبه إلاَّ بعد فوت الأوان؛ ونِعْم شاعرٍ قال "لا يصحُّ في الإفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل"!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أُمَّة ينهشها الفقر والجوع والغلاء والبطالة!
- ظاهرة -العنف المجتمعي- وظاهرة -إساءة فهمه-!
- كيف يكون السفر في الفضاء سفر في الزمان؟
- سياسة -الانتظار- و-أزمة الخيار-!
- جريمة أكبر من تُواجَه بعبارات الإدانة والاستنكار!
- فكرة -فناء المادة-.. كيف تحوَّلت من لاهوتية إلى -فيزيائية-؟!
- عمرو موسى.. مُقَوِّماً للتجربة!
- -الانهيار القومي- في -محطَّته السودانية-!
- هل يتوقَّف الزمن؟
- هذا الخلل التفاوضي الكبير!
- هل ماتت الفلسفة حقَّاً؟
- تدخُّل الإعلام في الشأن الداخلي لدولنا!
- خطوة إلى الأمام وعشرة إلى الوراء!
- إشكاليات في المعرفة الكونية
- الخيارات الستَّة البديلة!
- حلٌّ من طريق -تجميد- خيار المفاوضات!
- العالم على شفير -حرب عملات-!
- مصر تضيف -العلمانية- إلى -الديمقراطية- في انتخاباتها البرلما ...
- أُمَّة تَنْتَحِر بسلاح التعصُّب!
- شرط نتنياهو ولا -صفقة أوباما-!


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - السقوط العظيم!