أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - جريمة أكبر من تُواجَه بعبارات الإدانة والاستنكار!















المزيد.....

جريمة أكبر من تُواجَه بعبارات الإدانة والاستنكار!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3234 - 2011 / 1 / 2 - 15:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



جريمة أكبر من تُواجَه بعبارات الإدانة والاستنكار!

جواد البشيتي

مع أنَّ عبارات الإدانة والشجب والتنديد والاستنكار.. التي اعتدناها، رأياً وموقفاً، أصبحت تمجها الأسماع، وما عاد في مقدورها أنْ تُحْدِث فَرْقاً عملياً وواقعياً يُعْتَدُّ به، وستظلُّ عاجزة عن ذلك ما دامت هي وحدها كل الفعل والعمل، فلا بدَّ من أنْ يُفْتَتَح بها الموقف من الجريمة الإرهابية البشعة التي ارْتُكِبَت، بعد دقائق من بدء السنة الجديدة، في حقِّ مسيحيين أقباط كانوا يُصَلُّون في كنيسة في مدينة الإسكندرية المصرية.

لا تسألوا عن الفاعل، أو الجاني، أو المجرم؛ فهو، وإنْ لم يُصْدِر بَعْد بياناً (وربَّما لا يُصْدِر أبداً) يُعْلِن فيه مسؤوليته عن ارتكاب هذه الجريمة البشعة، واضِح جليٌّ لا لبس فيه.

إنَّه، وعلى ما أعلن هو نفسه من قبل، تنظيم "القاعدة" في العراق، أو تلك الجماعة الموالية لهذا التنظيم، والتي تطلق على نفسها اسم "دولة العراق الإسلامية".

لقد ارتكب هذا "التنظيم"، أو نُسِب إليه ارتكاب، جرائم إرهابية عدة في حقِّ المسيحيين من أبناء العراق، مُعْلِناً بعد ارتكابه اعتداءً إرهابياً على كنيسة سيِّدة النجاة للسريان الكاثوليك (والذين لا صلة كنسية بينهم وبين الأقباط المصريين) في حيِّ الكرادة في العاصمة العراقية أنَّ هذا الاعتداء هو تحذير للكنيسة القبطية المصرية من مغبة استمرارها في "أسْر مسلمات في سجون أديرة" في إشارة إلى زوجتي قِسَّين ينتميان إلى الكنيسة القبطية، اعتنقتا الإسلام، على ما يُزْعَم.

إنَّني لا أُنْكِر وجود هذا "التنظيم"، أو ارتكابه جرائم إرهابية من هذا النمط؛ لأنَّني لا أنْكِر، ولا أستطيع إنكار، أنَّ في مجتمعنا ما يَصْلُح لاتِّخاذه رَحْماً تَخْرُج منها جماعات من هذا الجنس والنوع؛ كما أنَّني لا أملك من الأدلة ما يَحْملني على تبرئته من الجريمة التي ارْتُكِبَت في حقِّ الأقباط المصريين.

لكنَّ هذا لا يمنع، ويجب ألاَّ يمنع، من الشَّكِّ وسوء الظنِّ، فالمُرْتَكِب الفعلي لهذه الجريمة قد يكون غير هذا الذي حذَّر الكنيسة القبطية من مغبَّة استمرارها في "أسْر مسلمات في سجون أديرة"، مغتنماً هذا التحذير المُعْلَن لارتكاب جريمته.

ما أدهشني، واسترعى اهتمامي، أنْ تأتي "النُّصْرة" لـ "المسلمات الأسيرات" من "القاعدة" العراقية لا من "القاعدة" المصرية، وكأنَّ المُرْتَكِب الفعلي للجريمة (في الإسكندرية) له مصلحة في أنْ تتَّجِه الأنظار في هذا الاتِّجاه؛ وأنْ تبدي وزارة الداخلية المصرية حرصاً شديداً على نَسْبِ الجريمة، لجهة تنفيذها، إلى "شخص انتحاري"؛ وأنْ يتحدَّث الرئيس مبارك عن عزم مصر على ملاحقة المتورِّطين، "ممَّن يندَّسون بيننا"، في التعامل مع منفِّذي الاعتداء الإرهابي، وإنْ أشار إلى "أصابع خارجية"؛ وأنْ يأتي هذا الاعتداء الإرهابي بعد تهديد جماعة "الإخوان المسلمين" المصرية، التي استبدَّ بها الشعور باليأس من جدوى استمرارها في اللعبة الانتخابية، بالنزول إلى الشارع، وإنْ حرصت على توضيح أنَّها ما زالت مستمسكة بنبذ العنف.

أقول في النتائج والعواقب، والتي قد تكون هي نفسها "الأهداف" و"الأغراض"، إنَّ جماعة "الإخوان المسلمين" لن تجد في نفسها الآن، أي بعد (وربَّما بفضل) هذا الاعتداء الإرهابي، من الجرأة ما يكفي لتنفيذ تهديدها بالنزول إلى الشارع؛ فإنْ هي ركبت رأسها، ولمْ تمتثل للأمر الذي تضمَّنته "الرسالة" التي حملها إليها هذا الاعتداء، فسوف يَسْهُل، عندئذٍ، على السلطات الأمنية قمعها، وضربها بشدَّة، بدعوى أنْ لا هدف يعلو هدف وأد الفتنة الطائفية وهي في مهدها، ودرء مخاطر أنْ يصيب مصر ما أصاب السودان في جنوبه المسيحي.

ولقد تنامى قلق الأقباط (الطائفي) منذ الصعود السياسي لجماعة "الإخوان المسلمين"، والذي تُرْجِم في الانتخابات البرلمانية التي أُجْرِيت سنة 2005 بفوزها بنحو 20 في المئة من مقاعد مجلس الشعب.

وكان جليَّاً أنَّ ذلك الفوز ما كان ليتحقَّق لو لم تكن لنظام الحكم في مصر مصلحة تكتيكية في تحقُّقه، فإدارة الرئيس بوش التي بدت مصرَّة على "الإصلاح السياسي (والديمقراطي)" كان ينبغي لها أن "تَقْتَنِع" بأنَّ هذا "الإصلاح" لن يؤدِّي إلاَّ إلى "أسلمة" الحياة السياسية المصرية.

ومع ذلك ينبغي لنا ألاَّ نضرب صفحاً عن مخاطر العصبية الدينية (والمتوفِّرين على شحن النفوس بها) فليس من عصبية مُعْمية للأبصار والبصائر، ومُنْتِجة للوحشية في الصراع، أكثر من العصبية الدينية، التي من عواقب تسعيرها، أيضا، أن يغدو العدو (الحقيقي والأعظم) وليِّا حميما، والشقيق (والصديق) شيطانا رجيما.

وإنَّ ظاهرة الجماعات التكفيرية، التي تتكاثر بين ظهرانينا، تصلح دليلاً على أنَّ العرب لم يُنْتِجوا، حتى الآن، من قوى الدفاع عن وجودهم القومي، الذي تُحْدِقُ به مخاطر واقعية، إلا تلك التي يتسلَّح بها الأعداء ضدهم؛ كما أنَّهم لم يُنْتِجوا، حتى الآن، من القوى المضادة لهذه الظاهرة إلا تلك التي يتسلَّح بها الأعداء ضدهم أيضاً، فهؤلاء الأعداء يَتَحَدُّوننا أنْ نعرف كيف نبادلهم عداءً بعداء؛ لكن من غير أنْ نكون من نمط "أمراء التكفير"؛ فما الذي فعلناه من أجل أنْ نكتشف عدونا الواقعي، وتمييزه من عدونا الوهمي.. ومن أجل أنْ نواجهه في طريقة لا تَجْعَلنا كَمَنْ يحارِب ضدَّ ذاته، وضدَّ مصالحه.. ومن أجل أنْ نحمي وحدتنا القومية من كل انقسام ديني أو طائفي؟!

ولقد شرح لنا بعض "الأمراء"، من الجماعات التكفيرية، تلك "المعايير الدينية"، التي بما يتَّفِق معها ينبغي لنا تمييز "العدو" من "غير العدو"، أي من "المسلم"، المستوفي لشروط انتمائه إلى الإسلام كما يُقرِّها، أو يفهمها، هؤلاء. وهذه المعايير لا مكان فيها، بحسب فَهْمهم واجتهادهم الديني، لـ "معايير وَضْعيَّة"، نُمَيِّز، بموجبها، "المدني" من "العسكري"، في أثناء "الجهاد"، فـ "المدني الكافر" دَمُهُ (وماله) مباح، في كل زمان ومكان، ما لم يكن "مسالِماً للإسلام، مهادِناً لأهله، لِذِمَّة أو هدنة أو أمان"، وما لم يكن مِمَّنْ نهى الله عن قتله كـ "الصبيان والنساء". و"المسلم" المعصوم الدم أيَّاً كان عمله ومحله إنَّما هو "المُنْتَسِب إلى الإسلام" انتساباً يُقِرِّهُ "الشرع"، الذي يُقِرُّهُ هؤلاء "الأمراء". وعملاً بهذا التصوُّر الديني، يستطيع هؤلاء "الأمراء" وجماعاتهم "تكفير" كثيرٍ من "المنتسبين إلى الإسلام"، أو القائلين بانتسابهم إليه، ويستطيعون، من ثمَّ، إباحة دمهم ومالهم.

هذا "العدو الديني"، كما حدَّدَوه، شكلاً ومحتوى، إنَّما يشمل "غالبية المسلمين"، و"الغالبية العظمى من الجنس البشري". حتى أولئكَ المسلمين "المعصومة دماؤهم وأموالهم"، لم يسْلموا من أعمال القتل التي يقومون بها؛ وقد بَرَّرَ أحدهم قتلهم في أرض الرافدين (مع وصفه لهم بـ "الشهداء") إذ أفتى قائلاً: "إنَّهم يقيمون حيث يقيم العدو، وليس ممكناً، من ثمَّ، قتل العدو من دون قتلهم وإيذائهم". وبحسب هذا التبرير وأمثاله يمكن أنْ يشمل القتل أولئكَ الذين نهى الله عن قتلهم كـ "الصبيان والنساء" من "الكافرين"!

هذا "العدو"، في فكرنا وممارَستنا، إنَّما هو السكين التي يمكننا بها أنْ نذبح أنفسنا بأنفسنا، فَمَنْ يَنْظُر إلى كل أولئك البشر على أنَّهم عدوٌّ له، ويجعلهم كذلك، لا يستحق الحياة، ولا يستطيع أنْ يدرأ المخاطر الواقعية عن وجوده الواقعي.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فكرة -فناء المادة-.. كيف تحوَّلت من لاهوتية إلى -فيزيائية-؟!
- عمرو موسى.. مُقَوِّماً للتجربة!
- -الانهيار القومي- في -محطَّته السودانية-!
- هل يتوقَّف الزمن؟
- هذا الخلل التفاوضي الكبير!
- هل ماتت الفلسفة حقَّاً؟
- تدخُّل الإعلام في الشأن الداخلي لدولنا!
- خطوة إلى الأمام وعشرة إلى الوراء!
- إشكاليات في المعرفة الكونية
- الخيارات الستَّة البديلة!
- حلٌّ من طريق -تجميد- خيار المفاوضات!
- العالم على شفير -حرب عملات-!
- مصر تضيف -العلمانية- إلى -الديمقراطية- في انتخاباتها البرلما ...
- أُمَّة تَنْتَحِر بسلاح التعصُّب!
- شرط نتنياهو ولا -صفقة أوباما-!
- مجلس نيابي يمثِّل 470 ألف مواطن!
- كيف نفهم -سرعة الضوء-؟
- لم أرَ انتخابات تشبه التعيين أكثر منها!
- ما بين وزير الداخلية الأردني والفيلسوف هيجل!
- بلفور إذ تعدَّد!


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - جريمة أكبر من تُواجَه بعبارات الإدانة والاستنكار!